الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

و هناك بين المؤرخين اختلاف شديد حول أولى الحروب والمدن التي فتحها عمرو، و استناداً إلى رواية البلاذري، (ص 212-213) و ابن عبدالحكم (ص 58) فقد نشبت أول حرب في الفرما، حيث هزم عمرو الروم الذين كانوا قد خرجوا للمواجهة، في أول محرم 19 بعد معركة استغرقت شهراً (أيضاً ظ: حسن، 1/235)؛ في حين أن رواية الطبري (4/107- 108) و ابن الأثير تبعاً له (2/564-565) تفيد بأن السيطرة على الفرما و عين شمس كانت بعد معركة بابليون (باب اليون). و ذكر ابن الحكم (ص 58-64) أن عمرو تقدم حتى بلبيس بعد معركة الفرما، و انتصر فيها أيضاً، و بعد الاستيلاء على أم دونين (تندونياس، المقس) (حسن، 1/236) وصل إلى بابليون، حيث كان يقيم المقوقس (باتلر، 249) القبطي، إلا أنه غادرها مع بداية الحرب. و لم‌يتحدث البلاذري عن معركة بلبيس و أم دونين. و استناداً إلى روايته (ص 212-214) فقد توجه عمرو بعد الاستيلاء على الفرما إلى يونة (باب اليون الذي بنيت الفسطاط إلى جواره) و انضمت إليه فيها قوات إضافية. و بعد فترة من القتال، طلب المقوقس المفاوضة، و لكن رؤساء القوم و قائدهم الذي ذكر الطبري أن اسمه ارطبون (ن.ص)، عارضوا قبول الإسلام، أو تأدية الجزية. في حين قال البعض إن المقوقس نفسه كان يرغب في الصلح. و انتهى الأمر بالحرب وكان النصر للمسلمين و أذعن كبار القوم في بابليون للجزية. وقيل إن المقوقس تصالح هنا من جانب جميع أهالي مصر، و ذكر ذلك للإمبراطور و لكن هرقل قبّح عمله و أمر بالحرب و بعث جيشاً إلى الإسكندرية (ابن عبد‌الحكم، 64-70؛ البلاذري، 214-215، 218).

و قد ذكر ابن البطريق (2/22-24) نفس القصة حول معركة الفرما و قال إن المقوقس مسؤول جمع الضرائب للدولة الرومية في مصر و الذي كان على المذهب اليعقوبي و كان أيضاً يعادي الروم، أخبر هرقل أن الحرب غير ممكنة بسبب كثرة جيوش المسلمين ثم ذهب إلى الجزيرة (جزيرة الروضة في النيل) و طلب من عمرو ممثلين في مفاوضات الصلح، و يبدو من مفاوضاته مع عبادة بن الصامت أنه هو نفسه و الأقباط كانوا يرغبون في الصلح، و لكن الروم عارضوا ذلك و اتهموا المقوقس بالخيانة. ولكن المقوقس ذهب بنفسه إلى عمرو بعد سقوط الفرما و أبرم معه معاهدة صلح على مصر بأسرها. و على أي حال فقد تم فتح عين شمس و الفيوم و الأشمونين و أخميم و البشرودات و نواحي الصعيد و تنيس و دمياط و تونة و المناطق الأخرى (البلاذري، 216-217) بعد الاستيلاء على بابليون التي كانت مفتاح جميع أرجاء مصر (لين‌پول، 3).

كانت السيطرة على الإسكندرية أهم مرحلة في الفتوح، حيث كان لها قلعة حصينة، و كانت مركز حكم الروميين الذين كانوا يبالغون في المحافظة عليها. و استناداً إلى رواية البلاذري (ص 220-221). فقد استأذن عمرو، عمر في الهجوم عليها، فهاجمها في 21ه‍ و استعد الروم للحرب و سقطت المدينة بعد 3 أشهر. و لكن رواية الطبري (4/105-106) عن زياد بن جزء الزبيدي الذي شهد بنفسه المعركة تدل على أن حاكم المدينة وافق على أن يدفع الجزية، و أن يطلق سراح الأسرى الذين كانوا قد أسروا قبل ذلك من قبل المسلمين. و أخبر عمرو الخليفة بما حدث و قبل عمر هذا الشرط مستثنياً الأسرى الذين كانوا قد أرسلوا إلى الحجاز، وهكذا فتحت أبواب الإسكندرية. و استناداً إلى رواية اليعقوبي (2/148) فقد طلب المقوقس الصلح بشأن الإسكندرية بشرط أن يخير كل واحد بين الذهاب إلى بلاد الروم، أو البقاء على أن يدفع الجزية. فقبل الخليفة، و لكن هرقل لم‌يوافق و أصدر الأمر بالحرب وفتحت الإسكندرية بعد الحرب (ابن البطريق، 2/26). و لكن الجيش وصل من بلاد الروم إلى الإسكندرية في 23 أو 25ه‍، ونقض سكان المدينة الروم العهد و بادروا إلى قتل المسلمين وإخراجهم، في حين كان المقوقس قد بقي على معاهدة الصلح. وهجم عمرو على المدينة و سيطر عليها مرة أخرى (ابن الأثير، 3/81). و قد نقض روميو الإسكندرية على ما ذكر البلاذري (ص 221-222). العهد مرتين في سنتي 23 و 25ه‍، و لكنهم لم‌يحققوا شيئاً، و كانوا يعودون إلى عهدهم كلما قُمعوا. و بعد الإسكندرية فُتحت مدن أخنا و بلهيب و بولس و عدة مدن أخرى أيضاً (باتلر، 350-351: ظ: البلاذري، 216-217، الذي اعتبر فتح دمياط وتنيس بعد سقوط بابليون).

و من المثير للدهشة في مصر أيضاً كما حدث في الشام، هو تعاون السكان الأصليين مع المسلمين و كذلك سرعة اعتناق الأهالي للإسلام، و تشابه دوافع هذا الاعتناق مع ما دفع أهالي الشام إلى مساعدة المسلمين. و هنا كان الأقباط المسيحيون يتعاونون في الغالب مع المسلمين ضد الحكام الروم بسبب كراهيتهم لتسلط الروم و المضايقات التي كانوا قد تعرضوا لها من الناحيتين الدينية و الاجتماعية، بحيث يجب القول إن الفتح الإسلامي وانتشار الإسلام في مصر يعود الفضل فيهما بشكل رئيس إلى استقبال الأقباط (آرنولد، 103)، على أن المسلمين كانوا بدورهم يبدون الرفق و اللين معهم (حسن، 1/ 239)؛ فقد قيل إن النبي (ص) عندما دعا حاكم مصر إلى الإسلام في 6ه‍ (ذكرت المصادر الإسلامية أن اسمه المقوقس و يبدو أنه كان حاكم ولاية، ظ: باتلر، 141، ها 1)، فإنه بعث جاريتين كانت إحداهما مارية القبطية، إلى النبي (ص) كهدية دون أن يتخذ موقفاً مؤيداً، أو معارضاً (ابن‌عبدالحكم، 45-47؛ باتلر، 141-142). وهناك أيضاً رواية عن النبي (ص) يدعو فيها أصحابه إلى حسن التعامل مع الأقباط (الطبري، 4/107). و في المقابل لم‌يكن الأهالي وحدهم الذين يبدون الميل إلى المسلمين، بل كان الزعماء الدينيون للقبط يفعلون ذلك أيضاً في كل مكان، و يدعون من تحت إمرتهم إلى مساعدتهم. و في الهجوم على بابليون كان المسلمون يأملون مساعدة الأقباط، أو حيادهم على الأقل (ابن‌عبد‌الحكم، 58-60؛ لين پول، 2,4؛ حسن، 1/240).

و عند محاصرة الإسكندرية و استعداد الروم للقتال، طلب الأقباط و المقوقس الصلح أيضاً (البلاذري، 220-221) و قد تم تسليم المدينة أخيراً بفضل وساطة المقوقس و الأقباط الذين كانوا يأملون بأن يتمتعوا بالحرية الدينية و الهدوء في ظل حكم المسلمين (باتلر، 337-338). و استناداً إلى إحدى الروايات فقد شجع المقوقس و الأقباط أنفسهم المسلمين على مهاجمة الإسكندرية، و من بعد ذلك سلم المقوقس بنفسه الجزية المقررة إلى عمرو (م.ن، 332؛ ابن عبدالحكم، 72-73). و عندما تقرر إطلاق سراح أسرى الحروب السابقة إزاء الإسكندرية حسب معاهدة تسليم المدينة، اعتنق الكثير من الأسرى الإسلام، ولم‌يرتضوا بالعودة (الطبري، 4/105-106). و لم‌يكن هذا الإيمان بالإسلام مقتصراً على الأقباط، فقد سارع البعض من الروم أيضاً إليه؛ فقد روى يوحنا النيقيائي أن الحكام الروم للفيوم و مصر السفلى و الريف الذين كانوا يعدون أهم حكام مصر بعد حاكم الإسكندرية، أسلموا، و أُبقوا على مناصبهم، في حين أنهم كانوا يتبعون المذهب الملكاني، و يعارضون الأقباط من هذه الناحية. بل قيل إن المقوقس نفسه ربما كان قد اعتنق الإسلام سراً (باتلر، 362-363؛ قا: لين پول، 15).

و قد بلغ تأثير الإسلام على معتقدات المسحيين في مصر حداً بحيث أن أحد رهبانها البارزين كان يدعو علانية إلى الرؤية الإسلامية فيما يتعلق بالله و الأنبياء و عيسى المسيح. و لذلك، يجب القول إن اعتناق الإسلام في مصر لم‌يكن سببه الاضطهاد والضغوط، و لذلك اعتنق الكثير الإسلام و استمرت هذه الظاهرة، خاصة و إن المسيحيين كانوا يبحثون عن دين سهل بسبب تعقيدات دينهم و عدم القدرة على فهمه و ضجرهم من الصراعات المذهبية (آرنولد، 105-107). و مع كل ذلك، فقد كان الجميع يعيشون محترمين حتى الأشخاص الذين بقوا على دينهم، كانوا يتمتعون بالحرية الدينية. و قد صرح يوحنا النيقيائي أن عمرو لم‌يتطاول على الكنائس، و كان يمنع الآخرين بشدة عن ذلك (باتلر، 445-446؛ حسن، ن.ص).

و مما يدل على إقبال الناس على الإسلام، أن جزية مصر بلغت النصف منذ عهد عثمان حتى عهد معاوية، أي خلال حوالي عقد. وقد تقلص هذا المبلغ كثيراً في عهد عمر‌بن‌عبد‌العزيز، و لكننا لانستطيع تجاهل أن الإعفاء من الجزية و خاصة في العهد التالي، كان يؤدي إلى اعتناق الإسلام. و يبدو أن مسيرة اعتناق الإسلام أصبحت بطيئة مرة أخرى عندما أخذ المسلمون يأخذون الجزية من جديد لزيادة دخلهم، ثم منع ذلك، و على سبيل المثال فقد أسلم عدد كبير من المسيحيين في عهد حكم حفص بن الوليد على رواية سفيروس (لين پول، 15؛ آرنولد، 104-105؛ أيضاً ظ: المقريزي، 1/79). و لاشك في أن التهرب من الجزية لم‌يكن سببه الفقر، فأوضاع الأقباط الاقتصادية كانت قد تحسنت كثيراً في العصر الإسلامي؛ بحيث أن امرأة قبطية كان بإمكانها أن تستضيف الخليفة المأمون و مرافقيه لبضعة أيام و أن تقدم لهم هدية نفيسة (م.ن، 1/81؛ إسكندري، 194). و مع كل ذلك، فإن زيادة الخراج كانت أحياناً تنوء بثقلها على الأقباط فكانوا يعلنون تمردهم. ففي 107ه‍ ثاروا لأول مرة لهذا السبب، و في 121ه‍، ثاروا مرة أخرى على عهد حكم حنظلة بن صفوان (الكندي، 73-74، 81).

و أخيراً يجب القول، إن مصر تحولت منذ أوائل الإسلام تدريجياً إلى أحد المراكز السياسية و العلمية المهمة و من الولايات الكبيرة في رقعة الخلافة الإسلامية فاضطرت الثقافة اليونانية إلى الانسحاب. و قد كانت خصوبة هذه المنطقة و ثروتها من جملة العوامل التي جذبت المسلمين غير الأصليين. و قد حط الرحال الكثير من الصحابة و التابعين فيها و امتزجوا برفقة العرب الآخرين مع الأقباط الذين أسلموا و أسسوا ثقافة جديدة، فظهر منهم علماء و محدثون و فقهاء كثيرون (المقريزي، 1/82؛ الأمين، 189-191). و قد جعلت النهضة العلمية التي ظهرت في مصر جراء تلك الأحداث، من هذا البلد مركزاً للأنشطة العلمية و الدينية لفترة طويلة،.

 

المصادر

ابن الأثير، الكامل؛ ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح، حيدرآباد الدكن، 1388ه‍/1968م؛ ابن بدران، عبدالقادر، تهذيب تاريخ ابن عساكر، دمشق، 1329ه‍؛ ابن البطريق، السعيد، التاريخ المجموع على التحقيق و التصديق، تق‍ : لويس شيخو، بيروت، 1905م؛ ابن حجر العسقلاني، أحمد، الإصابة، بيروت، 1328ه‍؛ ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى، بيروت، دارصادر؛ ابن‌عبد‌الحكم، عبدالرحمان، فتوح مصر وأخبارها، ليدن، 1920م؛ ابن عساكر، علي، تاريخ مدينة دمشق، النسخة المصورة الموجودة في مكتبة المركز؛ ابن هشام، عبدالملك، السيرة النبوية، تق‍ ‍‌: مصطفى السقـا و آخرون، القاهـرة، 1375ه‍/1955م؛ الأزدي، محمـد، تاريـخ فتوح الشـام، تق‍ : عبدالمنعم عبدالله عامر، القاهرة، 1970م؛ الإسكندري، عمر و ا. ج. سفدج، تاريخ مصر إلى الفتح العثماني، القاهرة، 1410ه‍/1990م؛ الأمين، أحمد، فجر الإسلام، القاهرة، 1370ه‍/1950م؛ البلاذري، أحمد، فتوح البلدان، تق‍ : دي‌خويه، ليدن، 1866م؛ حتي، فيليب خليل، تاريخ سورية و لبنان و فلسطين، تج‍ : كمال اليازجي، بيروت، 1959م؛ حسن، إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام؛ بيروت، 1964م: خماس، نجدت، الشام في صدر الإسلام، دمشق 1987م؛ الطبري، تاريخ؛ عاقل، نبيه، «فلسطين من الفتح العربي الإسلامي إلى أواسط القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي»، الموسوعة الخاصة، ج2؛ العريني، السيد الباز، الدولة البيزنطية، بيروت، 1982م؛ كرد علي، محمد، خطط الشام، دمشق، 1403ه‍/1983م؛ الكندي، محمد، الولاة والقضاة، تق‍ : رون غست، بيروت، 1908م؛ المقريزي، أحمد، الخطط، بيروت، دار صادر؛ الواقدي، محمد، المغازي، تق‍ : مارسدن جونز، بيروت، مؤسسة الأعلمي؛ اليعقوبي، أحمد، تاريخ، بيروت، 1379ه‍/1960م؛ و أيضاً:

 

Arnold, T. W., The Preaching of Islam, Lahore, 1979; Butler, A. J., The Arab Conquest of Egypt, Oxford, 1978; Donner, F. M., The Early Islamic Conquests, Princeton, 1981; Lane-Pool, S., A History of Egypt, Karachi, 1977.

صادق سجادي/خ.

 

الإسلام في شمال أفريقيا و الأندلس و صقلية وكريت (أقريطش)

مالبثت الدوافع المعنوية و المادية التي دفعت المسلمين منذ السنوات الأخيرة من حياةالنبي المعظم (ص) وأوائل عصر الخلافة الإسلامية إلى المناطق المجاورة لشبه الجزيرة العربية، أن تحولت إلى كرة متدحرجة كانت تكبر شيئاً فشيئاً في منحدر الفتوح الحاد، و تزداد سرعتها. و قد كان حوض البحر الأبيض المتوسط من جملة مسارات هذه الحركة، كما كانت الإمبراطورية البيزنطية أقوى قدرة حاكمة فيها، حيث كانت تعد إحدى الدولتين الكبريين المجاورتين لهذه الدولة الإسلامية الفتية. لقد كان الحماس الديني و الدعوة إليه و الضرورات السياسية والأمنية للحكومة الجديدة توجه أنظار حكام الولايات الإسلامية الحدودية إلى آفاق أبعد و أوسع و ما أكثر ماكانت تتغلب على احتياطات الخلفاء و مخاوفهم. ففتح مصر السريع ومعطياته اللافتة للنظر من جهة، و ضرورة أمن الإسكندرية من جهة أخرى، كانا يوجهان أنظـار فاتحي مصر باتجاه المناطـق الساحلية الغربيـة (فيصل، 96).

إن الحقيقة المتمثلة في أن المناطق الواقعة في غرب مصر كانت تعود إلى الإمبراطورية الرومية كما كان الحال بالنسبة إلى مصر نفسها، و أن المسلمين في الشام و فلسطين أيضاً كانوا في حالة صراع معها، و كذلك ارتباط مصر الطبيعي بالمناطق الغربية، كل ذلك كان يجعل من هذه المنطقة قاعدة للتقدم نحو الغرب (عنـان، 1/11). و سار عمرو القائد الفاتح لمصر، نحو برقة ثم زويلة بعد فتح الإسكندرية و تصالح مع أهاليهما على الجزية. وفي برقة أيضاً اصطدم المسلمون بأولى الملل البربرية من قبيلة لواتة وأجبروهم على دفع الجزية. وفي 22ه‍/642م فتح عمرو أَطرابُلُس (طرابلس الغرب) عنوة، أو صلحاً و حصل منها على أموال وفيرة و استأذن الخليفة في التقدم نحو أفريقية و لكن الخليفة لم‌يوافق (البلاذري، 225-227؛ أيضاً ظ: أبوعبيد، 176-177).

و في ذلك العصر، كانت جميع المناطق الواقعة في غرب برقة و حتى طنجة في ساحل المحيط الأطلسي تسمى أفريقية، أو المغرب، حيث كانت بدورها تضم 3 أقسام هي أفريقية الخاصة، أو المغرب الأدنى (الشرقي) و المغرب الأوسط و المغرب الأقصى. و قد كلف عبدالله بن سعد بن أبي سرح أخو الخليفة الثالث في الرضاعة و الذي شارك في الهجوم على عمق المناطق الغربية لتأمين برقة و طرابلس، بخراج مصر في بداية خلافته. (ابن‌الأثير، 3/ 88؛ فيصل، 116)، حيث كانت بينه و بين عمرو ضغينة و ولي مصر في 25ه‍/646م. و رغم أنه عزل بعد مدة قصيرة ولكنه مالبث أن عاد إلى ذلك المنصب و في هذه المرة أرسل أفواجاً من الخيالة إلى أطراف أفريقية، حيث حصلوا على بعض الغنائم (البلاذري، 224-225، 227- 228). و في هذه الفترة وافق عثمان أخيراً على الحرب في أفريقية بعد أن تشاور مع أصحابه، و جهز عبدالله بقوة كبيرة (27-29ه‍( وفي هذه الأثناء ثار بطريق رومي، أو إفرنجي يدعى جُرجير على الإمبراطور الرومي، و سيطر على طرابلس حتى طنجة. هاجمه في البدء جيش عبدالله، فقتل جرجير، و منع وجهاء أفريقية، المسلمين من التقدم بدفعهم أموالاً باهظة (ابن الأثير، 3/ 89-90؛ قا: البلاذري، 228-229، الذي تحدث عن مقتل البطريق و بعد ذلك عن المصالحة بين عبدالله والبطريق) إن مثل هذه المصالحة و العودة من المحتمل أنها كانت تدل على أن الحكام المسلمين كانوا مايزالون غير عازمين على فتح أفريقية و الاستقرار فيها، أو أن هذه التحركات كانت ماتزال تمتلك طابع الاختبار و الاكتشاف و الغنيمة و الأسر. و قد حرفت الفتن التي حدثت في أواخر خلافة عثمان و الحروب الداخلية في عهد خلافة علي (ع) انتباه المسلمين عن أفريقية، فسيطر الروم على تلك المناطق من جديد. و أما جلوس معاوية على مسند الخلافة و الذي كان عارفاً بسياسات الروم و كذلك اختلال النظام الرومي الحاكم للمغرب و طلب أهل أفريقية العون من معاوية (ابن الأثير، 3/92؛ ابن عذاري، 1/11؛ أيضاً ظ: مارسيه 30-31)، فقد لفتا انتباه المسلمين إلى هذه المنطقة مرة أخرى (عنان، 1/15). و قد لفت تاريخ الصراع مع الإمبراطورية البيزنطية في سواحل الشام و مصر، انتباه المسلمين إلى أهمية القوة البحرية، و أدركوا أن الانتصار الحاسم على الروم لايمكن أن يتيسر، إلا بإعداد أسطول معادل لهم، أو يفوقهم. و قد أدرك المسلمون هذه الملاحظة في الوقت المناسب و عملوا بها (فيصل، 97-98).

 

كان الفتح الحقيقـي لأفريقية و المناطق الغربية أصعب، و فـي نفس الوقت، أكبر نزعة توسعية للدولة الأموية و ولاتها و قادتها في مصر و المغرب، حيث استمرت أكثر من نصف قرن. وعلى أي حال، فقد استعد في هذه الفترة معاوية بن حُديج السَكوني والي مصر (البلاذري، 230) الذي شارك في بعض المعارك في هذه المنطقة (ظ: فيصل، 119، 120)، للحرب في 45ه‍/665م بأمر معاوية بن أبي سفيان مع 10 آلاف رجل، و هزم القوات البيزنطية الذين كانوا قد قدموا عن طريق البحر، و استولى على القيروان وجلولاء، و فتح عبدالله بن الزبير السوس و بنزرت من جانبه (ن.ص؛ ابن خلدون،6/ 108). و بعد هذه الانتصارات و أخذ الغنائم عاد ابن حديج إلى مصر (البلاذري، ن.ص). و أصبح من بعده عقبة‌بن نافع الفهري والياً على أفريقية في 46ه‍ (ن.صص). و في هذه الفترة تقدم حتى سُرْت و توجه منها إلى المناطق الداخيلة مثل وَدّان وفَزّان و سيطر على قلاعهما و تحصيناتهما و اتجه بعد 5 أشهر نحو الغرب و طريق المغرب الرئيس و بعث مجموعة إلى غُدامِس، حيث التحقوا بالمعسكر بعد أداء مهمتهم. و خلال التحرك التالي استولوا على القسطنطينية ثم ساروا إلى منطقة اتخذوا فيها القيروان قاعدة لهم. و في هذه الأثناء (49-50ه‍/669-670م) كان معاوية قد حاصر القسطنطينية و لم‌تستطع الدولة الرومية مساعدة أفريقية (فيصل، 121-122). و من جهة أخرى فإن اعتناق بعض البرابرة للإسلام و الانضمام إلى جيش عقبة، كانا قد أسهما في تقوية جيشه (ظ: ابن الأثير، 3/ 458، الذي يذكر أخبار المغرب من تأليفات المؤرخين المغربيين).

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: