الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

و على أثر ذلك دعا خالد المرازبة و الوجهاء الإيرانيين في المدائن إلى الإسلام (م.ن، 3/369-370) و استولى بعد ذلك على عين التمر. و يبدو أن الأسرى الذين أرسلهم خالد بعد هذه الواقعة إلى المدينة، كانوا أول مجموعة من الإيرانيين التي اقتيدت إلى الحجاز (م.ن، 3/376-377، 385؛ البلاذري، 246-247). و قد تم أيضاً أسر آباء بعض مشاهير الإسلام أمثال سيرين والد محمد بن سيرين و يسار جد محمد بن إسحاق و نصير والد موسى بن نصير (م.ن، 247). و على أي حال، فقد حدثت عدة حروب أخرى، فكان العرب يتقدمون في كل مكان، حتى كلف خالد بالتوجه إلى الشام بأمر من عمر‌بن‌الخطاب (الطبري، 3/ 379-383؛ قا: ابن الأثير، 2/394-398، عن هزيمة و مقتل مرزبان البحرين الإيراني في هذه الفترة، ظ: خليفة، 1/110-111). و أما في المدينة فقد أعد عمر بعد جهد جيشاً و وجهه إلى حدود إيران بقيادة أبي عبيد بن مسعود (البلاذري، 250، 253)، و في هذه الأثناء جيّش رستم فرخزاد الذي كان يتولى الأمور في إيران بالنيابة عن پوران، جيشاً، و دعا دهاقنة السواد إلى الثورة على العرب. و لكن جيش إيران و هذه الثورات لم‌تحقق نتيجة، فكان أبوعبيد و المثنى يواصلان تقدمهما (الطبري، 3/413-415، 444-449؛ قا: أبوعلي‌مسكويه، 1/186؛ ابن‌الأثير، 2/345) حتى هزم العرب هزيمة نكراء و قتل أبوعبيد (رمضان 13ه‍ ( في الساحل الشرقي من الفرات في موضع يدعى قس الناطف، في معركة عرفت باسم معركة الجسر، و استعاد الإيرانيون أكثر ممتلكات المسلمين و لكنهم لم‌يستطيعوا استغلال هذا الانتصار أكثر من ذلك. و من الجانب الآخر لم‌يكن عمر قد تحدث عن العراق لفترة طويلة حتى بعث أخيراً جريد ابن عبدالله البجلي و استطاع أن يسترد مرة أخرى جميع المناطق السابقة مع المثنى بعد تلافي الهزيمة السابقة في البُوَيب (يوم النضيلة)، فصالا و جالا في المنطقة الواقعة بين الحيرة و كسكر (الطبري، 3/454-472؛ البلاذري، 251-254؛ الدينوري، 113-117؛ قا: الطبري، 3/471-472، رواية ابن إسحاق؛ اليعقوبي، 2/142-143؛ أيضاً ظ: تقي‌زاده، 187-189). و قد جاء في رواية أن السيطرة على سوق بغداد و إبله و مذار و دشت ميشان و أبرقباذ قد تمت في هذه الأيام أيضاً (الدينوري، 116- 118). و في هذه الفترة كان يزدجرد قد جلس على العرش في إيران، و استعادت الأمور شيئاً من نظامها. و بعث عمر الذي كان يريد القدوم بنفسه إلى العراق، سعد‌بن أبي وقاص أخيراً. و في هذه الأثناء توفي المثنى و عسكر سعد في القادسية. و أرسل ممثلين إلى يزدجرد، أو إلى رستم فرخزاد على رواية، حيث كان الأخير قد أعد جيشاً (الطبري، 3/477-491، 494-496؛ البلاذري، 255؛ أيضاً ظ: ابن الأثير، 2/ 448-449). ودعا هؤلاء الممثلون الإيرانيين إلى الحرب، أو الإسلام، أو الجزية، و لكن الأمر انتهى إلى الحرب (الطبري، 3/496-497). وقد قيل إن رستم كان يسعى لأن يعتزل القيادة، أو أن تسير الأمور بشكل بحيث لاتكون هناك حاجة إلى الحرب، ولكن يزدجرد أصر على الحرب فاضطر رستم إلى أن يعسكر في ساباط (م.ن، 3/497-504، 509، 517-521؛ البلاذري، 256-257). و قد قيل إنه كان متشائماً و يائساً فيما يتعلق بعاقبة هذه الحرب. و في معركة القادسية التي تسود رواياتها الاختلاف و التناقض بشأن عدد الجيوش الإيرانية و كذلك تاريخ وقوعها، تكبد الإيرانيون هزيمة فادحة، و قتل رستم، فاتجه المسلمون نحو المدائن (الطبري، 3/505، 535، 577، 590، 620-622؛ البلاذري، 255، 257-259؛ خليفة، 1/119-120؛ اليعقوبي، 2/144-145). واجتاحوا المناطق بين دجلة و الفرات. و من الطريف أن الدهاقنة و أتباعهم حصلوا على الأمان في السواد بأمر عمر، و احتفضوا بأملاكهم، و أذعنوا للجزية، و قد كان ذلك من العوامل المهمة لاعتناقهم الإسلام. و على أي حال، فقد دخل المسلمون المدائن بعد السيطرة على بهرسير، و استولوا عليها (الطبري، 4/5-14؛ البلاذري، 262-264؛ الثعالبي، 739؛ الدينوري، 126- 128). وفضلاً عن الاختلافات الداخلية بين الإيرانيين و يأس رستم فرخزاد (اليعقوبي، 2/141-145) فإن من جملة العوامل الأخرى للهزيمة في القادسية، الرعب الذي كان العرب قد قذفوه في القلوب و خاصة خبر هزيمة الروم في اليرموك و اعتزال غالبية أهالي السواد ودهاقنته الحرب مع العرب و لذلك لم‌تعتبر أملاكهم من الغنائم و قد كان سقوط المدائن و هروب يزدجرد، بمثابة بداية دخول الإسلام المنطقة الأصلية من إيران، حيث فتح الكثير من مناطقها صلحاً وعنوة، و انتشر الإسلام بين الإيرانيين. وبعد القادسية، وقعت معركة جلولاء، و تمت السيطرة على حلوان. و قد تدخل الإيرانيون أيضاً في السيطرة على حلوان، ذلك لأن القعقاع بن عمر أمّر بعد الاستيلاء عليها قباد الخراساني الذي لانعرف شيئاً عن هويته (البلاذري، 264-265؛ الطبري، 4/24-26، 28، 34، 35؛ مجمل التواريخ...، 264-275؛ قا: اليعقوبي، 2/151؛ البلاذري، 301؛ أيضاً ظ: تقي‌زاده، 193).

و قد هدأت الأوضاع بعد هذه الأحداث، ذلك لأن عمر كان يعتبر فتح السواد كافياً و لم‌يكن يرغب في التقدم (أبوعلي مسكويه، 1/226)؛ حتى أشعلت حادثة غير متوقعة نار الحرب من جديد و انتهت بفتح أرض إيران الأصلية. فقد قدم علاء بن‌الحضرمي الذي كان ينافس سعداً من البحرين دون إذن الخليفة، و وصل بسرعة البرق إلى إصطخر بفارس عن طريق خوزستان. وهنا هاجمه الإيرانيون و قطعوا عليه طريق العودة. فتحرك عقبة‌بن غزوان لإنقاذه بأمر من عمر (الطبري، 4/ 79-82؛ أبو علي مسكويه، 1/ 228-230). و أعد هرمزان الذي كان منهمكاً بعد القادسية بجمع الأموال و الرجال باعتباره حاكم فارس وخوزستان، بعض الهجمات و لكنه لم‌يحقق نتيجة، و أسر العرب هرمزان أيضاً و بعثوه إلى المدينة بعد السيطرة على رامهرمز و تستر (الطبري، 4/72-76، 83-87؛ البلاذري، 380؛ الدينوري، 129). و بعد ذلك تم فتح سوس و جنديسابور و توج صلحاً و عنوة حتى أتاحت هزيمة مستوطنة مرزبان فارس، للمسلمين السيطرة على جزء مهم من المنطقة (م.ن، 4/89-94؛ أبوعلي مسكويه، 1/234-236؛ الدينوري، 132-133). و قد قيل إن عمر أذن بعد هذه الانتصارات بالهجوم على جميع أرجاء إيران و عين قادة لذلك و ذلك باقتراح و نظر من الأحنف‌بن‌قيس (الطبري، 4/94، قا: 137، 138، الذي اعتبر هذه الحادثة بعد نهاوند؛ أبوعلي مسكويه، 1/233-234). كما قيل إن ذلك أدى إلى أن يتجمع الإيرانيون في نهاوند (تقي‌زاده، 198). ولكن هذه الحرب لم‌تحقق نتيجة هي الأخرى، فهزم الإيرانيون هزيمة فادحة، رغم أن القائد العربي النعمان بن المقرن قد قتل (الطبري، 115-134).

و في معركة نهاوند التي سماها المسلمون فتح الفتوح، تحطمت مقاومة الإيرانيين، و لم‌يعد العرب يواجهون عقبة جدية أمامهم، فأمعنوا في الزحف من كل جانب (عن تاريخ هذه المعركة، ظ: م.ن، 4/114، 129؛ مجمل التواريخ، 275). و كانت همـدان و آذربايجـان و الـري و أصفهـان و ما تبقـى من فـارس و أخيراً خراسان من المدن و الولايات التي فتحت بعد ذلك تدريجياً صلحاً وعنوة (الطبري، 4/ 138، 146-150، قا: 4/94،137؛ كسروي، 24). و قد فتحت بعض المدن مثل الرى بمساعدة الإيرانيين أنفسهم، أو الأمراء الإيرانيين الذين كانوا يتنافسون ويعادي بعضهم البعض، أو إن الأمراء و الحكام أذعنوا بأنفسهم للصلح دون حرب (الطبري، 4/150-151؛ البلاذري، 318؛ قا: ابن‌قتيبة، 568؛ عن فتح الري خاصة قا: خليفة، 1/160-161).

و الملاحظة المهمة أن هناك اختلافاً كبيراً بين المصادر حول تاريخ فتح مدن إيران و كيفيته. ذلك لأن الكثير من روايات الفتوح تم ضبطها و تدوينها بعد هذه الأحداث، كما أن الكثير من هذه المدن فتح مرتين، أو عدة مرات و يبدو أن سنوات هذه الفتوح اختلطت ببعضها، أو ذكرت بدلاً من بعضها البعض (عن فتح المدن المهمة و الاختلاف بشأنها، ظ: الطبري، 4/139-141، 151-155، 246-247، 269-270؛ أبونعيم، 1/22-25؛ القمي، 25-26؛ البلاذري، 312-313، 326- 328، 332، 334-339؛ خليفة، 1/149-164،174-175، 266؛ ابن قتيبة، ن.ص؛ ابن إسفنديار، 155-164، 174-177؛ كسروي، 28-30؛ عن طبرستان، ظ: ن.د، آل باوند).

و عندما فتحت ولاية الجبال (بلاد ميديا)، اتجه العرب عن طـريـق قواعدهـم فـي الجنـوب، و تمتعهـم بدعـم معسكراتهـم و الجبال، من فارس إلى الشرق و الشمال الشرقي و رغم أن تقدمهم هذا كان يتم أحياناً ببطء بسبب بعض الحروب و الثورات، و لكنهم نجحوا أخيراً في أن يسيطروا على جميع أرجاء سجستان و كرمان و خراسان، و يصلوا إلى ماوراء‌النهر (عن سجستان، ظ: الطبري، 4/180-182؛ تاريخ سيستان، 80-89؛ البلاذري، 392- 398؛ خليفة، 1/172، 237-238، 243، حيث ينبغي أن نحتاط بشأن السنوات المذكورة؛ عن خراسان، ظ: الطبري، 4/166-171، 300-302، 309-316؛ البلاذري، 403-406؛ خليفة، 1/173-174، 178؛ قا: اليعقوبي. 2/167؛ ابن قتيبة، ن.ص). و هكذا تم في هذه الفترة فتح القسم الأكبر من إيران حتى جيحون، و لكن الثورات و حركات التمرد الوطنية و الدينية استمرت لفترة طويلة في بعض مناطق إيران، خاصة الولايات الجنوبية و الشرقية، و من بعد ذلك الحين في الولايات الشمالية التي كانت قد تحولت إلى مراكز مهمة للخوارج و العلوريين و مؤيدي الدين و القومية الإيرانية.

و يبدو من جميع الروايات التي ذكرت بشأن سقوط الساسانيين و نفوذ الإسلام في إيران، أن انسحاب بعض الأمراء والنبلاء و الدهاقنة، بل و حتى الموبذين أمام موجات هجوم العرب، و اعتناقهم الإسلام و تعاطفهم معهم، كان من عوامل هذا السقوط المهمة، و دخول إيران في الإسلام تدريجياً. و لم‌تكن حركات المقاومة و الثوارات المضادة للعرب التي كانت تحدث خلال الفتح و بعده في بعض المدن، لتشكل عقبة أمام انتشار الإسـلام ــ و إن كـان بطيئـاً ــ و مـالبث الإيرانيون أن تحولوا بدورهم إلى دعاة للإسلام، و أظهروا في ثوب الدين الجديد قدرتهم ليس في الفنون و العلوم و تدوين تعاليم الإسلام وحسب، بل في قيادة جهاز الخلافة أيضاً. و قد أدى تعاون بعض الأمراء والنبلاء الإيرانيين مع المسلمين إلى ألّا لايأمنوا على أرواحهم وأموالهم و حسب، بل أن يتمتعوا أيضاً بالعطايا الإسلامية، و أن يحافظوا أحياناً على مراكزهم الاجتماعية و السياسية (ظ: دهالا، 439). و من الممكن ذكر نماذج كثيرة لهذا السلوك و الذي يدل في الغالب على عدم رضا الجنود و الأمراء و الموبذين من يزدجر، بل و كرهم له. و من جملة ذلك السلوك الخياني لآبان جادويه بعد جلولاء مع يزدجرد و نجاته هو نفسه و أمواله (الطبـري، 4/166؛ أبو‌علي‌مسكويـه، 1/253)؛ و تعاون «هيربد» (= حاكم) نهاوند مع حذيفة بن اليمان في تسليم خزائن كسرى في نخيرجان إليه (الطبري، 4/116، 133)؛ و فتح نيسابور بمساعدة أحد الدهاقنة و الذي كان يريد رفع الخراج عنه (اليعقوبي، ن.ص)؛ و طاعة بعض أمراء السواد و حاكم دارابجرد للمسلمين (خليفة، 1/ 119، 164؛ الدينوري، 116)؛ و تعاون مرزبان طوس وتوقعه المحافظة على حكمه (البلاذري، 334). و حتى في القادسية انضم الجيش الملكي الخاص إلى العرب و تعاون معهم في السيطرة على المدائن و معركة جلولاء (م.ن، 280، 372-373) و يبدو أنه كان له دور أيضاً في فتح بعض مدن خوزستان وفارس (الطبري، 4/90-91).

و في أواخر أيام يزدجرد تخلى عنه أعوانه و انضموا إلى الأحنف بن قيس و استولوا على أموال الملك بعد محاربتهم له، وسلموها إلى الأمير العربي، و نالهم هم أيضاً نصيب منها (م.ن، 4/166-171). و هذه بحد ذاتها قصة عجيبة، حيث كان الفتح والنفوذ الإسلاميان يتمان في بعض المدن بسبب التنافس و العداء بين أمرائها. و على سبيل المثال فقد فتحت الري بجهود أبي‌الفرخان، و ولاه العرب حكمها (م.ن، 4/150). و في أصفهان أيضاً انضم الأمراء الإيرانيون إلى المسلمين و طالبوا بمحاربة الإيرانيين (م.ن، 4/90). و في المناطق الشرقية، كان ماهويه مرزبان مرو، فضلاً عن نبلاء مثل بهمنه و كنارنج اللذين التحاقا بالمسلمين، (البلاذري، 404-405)، من أكثر الأمراء تأثيراً من خلال تعاونهم مع المسلمين ضد يزدجرد، شريطة أن يبقى الحكم في أسرته ولايدفع الخراج (الطبري، 4/310-312). و تفيد رواية أن ماهويه هذا قدم على الإمام علي (ع) أيضاً (البلاذري، 408؛ الطبري، 4/555). و قد أدى تعاون الإيرانيين مع العرب إلى أن يشمل عمر عندما شكل ديوان العطايا في أواسط فتح إيران، النبلاء الإيرانيين بالعطايا لتأليف قلوبهم و هذا ما أدى بدوره إلى تقدم المسلمين (اليعقوبي، 2/153-154). و منذ ذلك الحين كان من ينضم من الإيرانيين إلى المسلمين و يتعاون معهم في الحروب و فتح المدن، يتمتع بالعطايا بأمر عمر، و تسقط عنه الجزية حتى إذا لم‌يُسلم (الطبري، 4/49، 91)، و قد قيل إن هذا السلوك انتهج باقتراح شهربراز حاكم الباب (م.ن، 4/156). رغم أن هناك ملاحظة تضمنتها معاهدة الصلح في آذربايجان ــ قبل الهجوم على البـاب ــ مفادها أن الجزية سوف ترفع عن الإيرانيين في تلك السنة إذا ماتعاونوا (م.ن، 4/155).

و إن دراسة معاهدات الصلح بين المسلمين و الإيرانيين الذين لم‌يعتنقوا الإسلام تشتمل بحد ذاتها على ملاحظات مهمة تدل على تسامح المسلمين الأوائل و كذلك تعاون الإيرانيين معهم، ويدل مضمون معظم معاهدات الصلح على أن بإمكان الأهالي البقاء على دينهم و الحفاظ على معابدهم و أملاكهم و دفع الجزية و الخراج، أو الخروج من مدنهم دون أن يتعرض لهم أحد، و لكن عليهم ألاّ يحاولوا السيطرة على المسلمين (البلاذري، 263؛ الطبري، 4/137، 140، 141، 152، 155). و في هذا المجال فإن معاهدة الصلح الأولية في طبرستان و دماوند وخوار طريفة بشكل خاص. ذلك لأن الأسبهبذ و مصمغان تعهدا بأن لايفسحا المجال لأعداء العرب بالدخول في مناطقهما، و أن لايدخلها المسلمون، ويذهب الناس حيث شاءوا (م.ن، 151، 153). و لم‌يكن يُسمح للمسلمين بقتل الأطفال و الشيوخ و النساء و العميان. و كان بإمكان قائد المسلمين أن يقبل مصالحة من قبل الإعداء خلال الحرب، و لكن المواقف كانت مختلفة بشأن الأسرى، فكانت الأوضاع و الظروف آنذاك مؤثرة في هذا السلوك (مثلاً ظ: الأمين، 85-86). و كان عمر يتشدد في التأكيد على عدم ارتكاب الأعمال المنافية للمروءة و الخيانة و المثلة و قتل الأطفال في الحروب (الطبري، 4/186-187).

و في فترة الفتوح، و خلال الحروب و بعدها، كان العرب يدعون باستمرار إلى الإسلام و خاصة النبلاء و الأمراء، و كانوا يدعون العدو إلى قبول الإسلام قبل بدء أي حرب، و يخيرونه بين اعتناق الإسلام، و الحرب، و دفع الجزية. و عندما كانوا يسيطرون على منطقة، فإنهم كانوا ينبرون بالدعوة إلى الإسلام، فعندما فتح الوليد بن عقبة آذربايجان، كلف مجموعة بنشر الإسلام فيها (البلاذري، 328). و قد كانت هذه الدعوة إلى الإسلام و الترغيب فيه يتمان أحياناً على يد الخلفاء و الوزراء و عمال الحكومة. فالأشرس بن عبدالله السلمي انشغل في 110ه‍ بالدعوة في خراسان و دعا الناس إلى الإسلام، حيث أسلم عدد كبير منهم (صديقي، 57). كما دعي بعض حكام طبرستان و أمرئها إلى الإسلام من قبل الخليفة و الوزير (ابن إسفنديار، 206؛ البلاذري، 339). و قد أسلم بعض أهالي طبرستان على يد هارون‌الرشيد نفسه (الطبري، 8/316). و أسلم الفضل بن سهل بدعوة من يحيى البرمكي (حمدالله، 308). و كان المأمون أيضاً يقيم مجالس من أصحاب الأديان للمباحثة و المناظرة (مثلاً ظ: ابن بابويه، 154) ولاشك في أن من أسبابها الدعوة إلى الإسلام و إظهار تفوقه، وكان للموالي أيضاً نصيب في نشر الإسلام، و إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن الحديثي العهد بالإسلام كانوا يبدون تعصباً أكثر للدين الجديد، فسندرك لماذا تحول هؤلاء الموالي، أو الإيرانيون الحديثو العهد بالإسلام إلى دعاة للإسلام (مثلاً ظ: بولت، 39-40) بـل إنهم كانوا يقيسـون سلوك جهاز الحكـم بمقاييس الإسـلام، و يعترضون عليه، و يعتبرونه مخالفاً للقرآن.

و فيما يتعلق بعلاقة الأديان السائدة في إيران مع الإسلام يجب القول: إن هناك رواية تفيد بأن النبي الأعظم (ص) تعامل مع المجوس تعامله مع أهل الكتاب و أمر الآخرين بذلك (أبوعبيد، 40-43). و لذلك، فقد كان يتم التعامل مع الزرادشتيين بهذا الأسلوب منذ عصر الفتوح (ظ: البلاذري، 267)، و كان بإمكانهم إن شاؤوا ترك مدينتهم و الرحيل عنها، و إن لم‌يشاؤوا اعتناق الإسلام، أو تأدية الجزية، أو الحرب. و قد كانت هذه الملاحظة ترد في بعض معاهدات الصلح. و لذلك، فقد بادر بعض منهم في بداية الفتوح إلى الهجرة (مثلاً ظ: الطبري، 4/140) وأسلم بعض آخر ممن كان يرى سلوك العرب معهم أفضل من سلوك زعماء الديانة الزرادشتية (صديقي، 134). و أذعن البعض منهم إلى دفع الجزية، حيث لم‌يكن يحدث إجحاف في أخذها، كما أمنوا على أرواحهم و مالهم و دينهم (م.ن، 37). و لذلك، فقد بقوا في مناطقهم، و شاع الدين الزرادشتي لفترة طويلة في بعض المناطق بشكل كامل (مثلاً ظ: المقدسي، 429، 439؛ الإصطخري، 118-119). و في الحقيقة يجب القول إن المسلمين لم‌يكونوا يتعاملون بعنف و قسوة مع الزرادشتيين في عهد الخلفاء الراشدين، و هذا ما أدى إلى جذبهم، و لكنهم اضصهدوا في عصر الأمويين حتى كانوا يقتلون الهيربذان و يهدمون معابد النار (تاريخ سيستان، 92-93؛ الجاحظ، 4/480-481).

و مع كل ذلك، فقد كان في هذه الفترة حاكم مثل خالد بن عبدالله القسري بلغ به التسامح حدّاً بحيث أنه ولى رجلاً زرادشتياً على المسلمين (ابن خلكان، 2/ 229). و في المقابل هناك أخبار تدل على أن الزرادشتيين المتبقين كانوا يتعرضون للاضطهاد إلى درجة بحيث أن بعضهم كانوا يفضلون الهجرة إلى خارج إيران (زرين‌كوب، 32)، و لكن الزرادشتيين الذين اعتنقوا الإسلام لم‌يكونوا هم أيضاً في مأمن من تعرض أتباع دينهم السابق (مثلاً بولت، ن.ص). و أما المعابد الزرادشتية، فإن كانت في منطقة فتحت صلحاً، و أبقي مرازبتها في مناصبهم، فإنها تبقى و إلا هدمت (الرافعي، 1/45-46؛ صديقي، ن.ص)، فقد جاء في معاهدة صلح آذربايجان بصراحة أن معابد النار يجب أن لاتدمر (البلاذري، 326). و لكن ماكان قد تبقى منها زال هو الآخر تدريجياً، سوى القليل منه (ظ: القمي، 37). و كان الزرادشتيون ضمن سائر أصحاب الأديان الأخرى يشتركون أيضاً في المناظرات الدينية. فقد ذكر في كتاب گُجَستڪ أبالش وصف مجلس المأمون في هذا الباب باللغة البهلوية (ظ: ص 9-12، مخ‍؛ أيضاً ابن بابويه، 154 و ما بعدها).

و في القرن 3ه‍ انشغل الزرادشتيون بالمباحث الكلامية أيضاً، وألفوا آثاراً في الرد على الأديان الأخرى. و منها كتاب شكندويمانيك (گماني) ويچار لمردان فرخ، حيث ألف في الدفاع عن الديانة الزرادشتية و الهجوم على الأديان الأخرى (ظ: كافة أرجاء الكتاب؛ هدايت، 2 و ما بعدها) و كانوا أحياناً يطعنون بالعرب، و ينتظرون عودة مجدهم السابق و شيوع دينهم (متون پهلوى، 2/190-191)؛ و لكنهم لم‌يكونوا دون شك يجدون أمامهم سبيلاً سوى التراجع إزاء الانتشار المتزايد للإسلام، بل إن البعض مثل به‌آفريد في خراسان فكروا في أن يقروا المصالحة و التوافق بين الإسلام و الديانة الزرادشتية، و لكن من الطريف أن الزرادشتيين ثاروا ضده و حرضوا أبا مسلم للتصدي له (الگرديزي، 266-267). و في الفترة التي ترسخت فيها النزعة القومية و فكرة الاستقلال بين الإيرانيين، عاد بعض الأمراء الإيرانيين مرة أخرى إلى دينهم السابق، أو حاولوا إحياءه. و في هذا المجال تجب الإشارة إلى مازيار بن قارن حاكم مازندران (البلاذري، 339؛ ابن إسفنديار، 209-210) الذي كان والده قارن قد رفض قبل ذلك دعوة الخليفة له إلى الإسلام (م.ن، 206؛ عن مرداويج الزياري، ظ: ن.د، آل زيار).

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: