و تزامناً مع انتشار الإسلام بين قبيلتي ربيعة و مضر العربيتين في العراق، كانت الديانات الزرادشتية و المسيحية و المزدكية قائمات (ظ: الأمين، 84). و أما المسيحيون الذين لم‌يكونوا ينظرون بعين الرضا إلى سلوك الساسانيين (قا: آرنولد، 210) وربما كانوا يتمنون انتصار العرب، فإنهم لم‌يفكروا في بداية هجومهم، إلا في تأمين أرواحهم و أموالهم و لم يهبوا للدفاع (صديقي، 34). و أما القبائل العربية المسيحية التي كانت متحالفة مع إيران، و قد كانت في الغالب تعتنق الإسلام دون صعوبة على أثر تبليغ العرب بأنهم يشتركون معهم في القومية؛ و على سبيل المثال فعندما دخل خالد بن الوليد الحيرة، كان الزعماء المسيحيون العرب مثل عبد‌المسيح بن عمرو الأزدي من جملة الأشخاص الذين تصالحوا معه، حيث وافقوا على أن يتجسسوا ضد الإيرانيين (البلاذري، 242-243). و رغم أنه لاتوجد مصادر و روايات صحيحة عن اعتناق الإيرانيين غير الزرادشتيين للإسلام، و لكن هناك شواهد عن طريق المسيحيين تشير إلى الإعراض السريع عن المسيحية في فارس و المناطق الأخرى (شپولر، 143-144). استمر اعتناق المسيحيين للإسلام لقرون تلت ذلك و قد روي أن رجال الدين المسيحيين البارزين في إيران اعتنقوا الإسلام في القرن 2 و كذلك 4ه‍، رغم أن المسيحيين رووا حكايات عجيبة حول سبب ذلك (متز، 1/76 و الهامش). و مع كل ذلك، يبدو أن الدوافع الاقتصادية و الاجتماعية لم‌تكن عديمة التأثير في هذه النزعة (ن.ص).

و أما المانويون و المزدكيون الذين كانوا قد تعرضوا بشدة للهجوم و القمع في العصر الساساني، و كان الموبذون يمارسون أسوء الاضطهاد ضدهم (صديقي، 21-23، 31). فقد كانوا يرون أنفسهم أكثر حرية في سيطرة الإسلام، فعاشوا بهدوء لفترة. و نحن نمتلك أخباراً عن المانويين في العراق و خراسان حتى أواخر القرن الأول على الأقل (ابن النديم، 334)، فوجود الفرق المختلفة بين المانويين يدل على حريتهم في هذا العصر. و لكن المانوية وشعائرها منعت فيما بعد باعتبارها بدعة و زندقة (زرين‌كوب، 32-33).

و فيما يتعلق بتحول إيران إلى بلد إسلامي و اعتناق الإيرانيين للإسلام يجب القول، بغض النظر عن إسلام أمير اليمن باذان، إن الأمراء و القادة العسكريين و النبلاء و الدهاقنة في إيران كانوا أول الأشخاص الذين اعتنقوا الإسلام، و قد التحق بهم مرؤسوهم منذ ذلك الحين، حتى إن الأساورة الإيرانيين أسلموا في أوائل فتوح المسلمين (البلاذري، 372-373) كما أسلم رؤساء أصفهان وأساورتها الذين كانوا قد ذهبوا إلى فارس (الطبري، 4/90)، واستسلم مرزبان مرو‌الرود نفسه إلى الأحنف بن قيس اقتداء ببعض الأمراء الإيرانيين (البلاذري، 406). و في حدود الباب كان شهر‌براز حاكمها من أوائل الأشخاص الذين استسلموا في هذه المنطقة و مالوا إلى الإسلام (الطبري، 4/156). و بالنسبة إلى الأهالي كان أهل قزوين أول المجموعات التي أسلمت دون قتال و تأخير (البلاذري، 321). و يبدو من الروايات أن الإسلام انتشر بسرعة أكبر في غرب إيران، فقد قيل إن الأشعث عندما ولي على آذربايجان في عهد الإمام علي (ع)، كان أكثر أهاليها مسلمين (م.ن، 329). و إزاء اعتناق الأمراء‌ و الدهاقنة، للإسلام كان العرب يبقونهم في‌ الغالب على سلطتهم و نفوذهم. وفيما عدا ذلك، هناك دوافع أخرى كانت تدفع الأهالي إلى الإسلام؛ و على سبيل المثال فقد اعتنق أهالي سجستان الإسلام في 46ه‍ بسبب عدل حاكم تلك المنطقة (تاريخ سيستان، 91) و كان أهالي فارس يقايسون حكم حاكمها بحكومة كسرى أنوشروان (الطبري، 5/137). كما أن التعامل الحسن لأسد بن عبدالله حاكم خراسان الذي كان يكرم الأسر المعروفة و الأهالي الأصليين، أدى إلى اعتناق وجهاء إيران للإسلام، حيث إن سامان خدات أسلم على‌ يده (النرشخي، 81). ولاشك في أن‌ مركز الدهاقنة الذين أسلموا أدى أيضاً إلى إسلام بعض من رعيتهم، رغم أنه قيل إن الدهاقنة الذين كانوا يؤيدون المحافظة على العادات الأرستقراطية، لم‌يكن يعجبهم كثيراً إسلام الأهالي التابعين لهم، ذلك لأنهم سيتساوون مع الطبقات السفلى في‌هذه‌الحالة. ولذلك، فإن دهاقنة‌خراسان مثلاً ‌طلبوا من عاملها أن يأخذ الجزية من المسلمين الحديثي العهد بالإسلام أيضاً (صديقي، 57-58) و هذا ما أدى إلى أن يتوقف الأهالي عن اعتناق الإسلام.

و في الحقيقة يجب القول إن الأسباب و الدوافع الاقتصادية والاجتماعية مثل التهرب من الجزية و الخلاص من الذل (مثلاً زرين‌كوب، 31) كان لها هي الأخرى دور مهم في إقبال الناس على الإسلام؛ فقد ذكر أن شهربراز كان يرى في دفع الجزية ذلة له فأظهر الميل إلى الإسلام (الطبري، 4/156)، و مع كل ذلك، فعندما قلت الواردات العائدة من الجزية بسبب ازدياد المسلمين، فقد تم أخذها بأمر الحجاج من الحديثي العهد بالإسلام، و عندما استلم عمر بن عبد‌العزيز زمام الأمور، منع ذلك، فأقبل الناس مرة أخرى على الإسلام (م.ن، 6/ 559؛ الأمين، 92). و قبل ذلك أيضاً عندما اقترح المغيرة على رستم فرخزاد الإسلام، أو الجزية، أو الحرب، قال بصراحة إنه يفضل الإسلام عليهما (الطبري، 3/525). و فيما يتعلق بالدهاقنة الإيرانيين يجب القول أيضاً إن انتصار العباسيين، خاصة في خراسان و الذي كان رهين مساعداتهم هؤلاء (مثلآً ظ: الگرديزي، 66؛ الدينوري، 361) أدى بدوره إلى اعتناق مجموعة من الدهاقنة للإسلام، و قد لعب أبومسلم الذي كان يتعصب للإسلام، و الذي قتل بخارى خدات بتهمة الارتداد، دوراً في هذا الميل للإسلام و اعتناقه (أيضاً ظ: دهالا، 439؛ ظ: ن.د، أبومسلم)، و يعد اعتناق الدهاقنة للإسلام مهماً للغاية من الناحية الثقافية أيضاً. ذلك لأن ترسخ الإسلام بينهم و هم الذين كانوا يتمتعون بمركز اجتماعي مرموق، و كانوا يعتبرون أيضاً أن حملة الثقافة الإيرانية و آدابها، أدت إلى أن تواصل هذه الثقافة و الأدب حياتهما في البيئة الجديدة أيضاً.

و على أي حال، فقد كانت هجرات العرب من عوامل نفوذ الإسلام و انتشاره في إيران، حيث استوطنوا بعد فتح هذه البلاد في مدن مهمة مثل همدان و أصفهان و فارس و قم و كاشان وقزوين و خراسان و سجستان و هذا ما أدى بدوره إلى تسارع انتشار الإسلام في إيران، رغم أنه قد ذكر أن الإيرانيين كانوا يعارضون العرب بشكل علني في بعض المناطق، كما حدث في قم، حيث تنازع أهلها مع العرب (زرين‌كوب، 27-28). و رغم أن أهالي سواحل بحر قزوين اعتنقوا الإسلام في وقت متأخر (ظ: ن.د، آل باوند)، و لكن ربما يكون أحد دوافعهم إلى اعتناق الإسلام و النزعة للعلويين، إضفاء الشرعية على محاربتهم لجهاز الخلافة، و هذا هو في الحقيقة السبب الذي دفع العلويين إلى أن يدعوهم إلى الإسلام (ظ: كسروي، 36).

و من الملاحظات المهمة للغاية أن عدداً كبيراً من الإيرانيين كانوا يأملون عبر قبول الإسلام تحسن الأوضاع الاجتماعية والتمتـع بالمساواة، و لكـن عندمــا انتهـى عصـر الفتـوح الأول و انحسر الحماس الديني و البساطة و الإخلاص في النية وظهرت النزعة السلطوية و الميل إلى الثروة و الأغراض الأخرى، عمت الإيرانيين حالة الملل و السخط و تعمقت الهوة بين المسلمين الجدد والعرب الذين تعلقوا مرة أخرى بتقاليدهم و معتقداتهم القديمة، فكانوا يحقرون غير العرب. و قد كان الكثير من الثورات اللاحقة التي قامت بها شرائح الإيرانيين المختلفة نتيجة لهذا السلوك: و هم الإيرانيون الذين أسلموا بدوافع اجتماعية، و كانوا ناقمين بشدة بسبب استعلاء العرب عليهم، و الإيرانيون المسلمون الذين لم‌يكونوا يرتضون تعطيل شريعة الإسلام، و الإيرانيون الذين كانوا قد بقوا على دينهم السابق، وكانوا يتحينون فرصة للخلاص من العرب (صديقي، 41، 64-65). و لذلك، فقد كانت هذه الثورات تحدث تحت شعار الدين و النزعة الطائفية، و كذلك لإحياء الدين القديم و الدولة الإيرانية. و هكذا يجب القول إن نطاق اعتناق الإسلام في إيران لم‌يكن طبعاً متماثلاً و متزامناً. وعلى هذا فإن من الواجب رسم و دراسة الخط البياني لهذا الاعتناق حسب زمان انتشار الإسلام و مكانه (بولت، 22)؛ فالإسلام شاع أكثر في القرن الأول في الولايات الغربية والوسطى مثل آذربايجان و كردستان و خوزستان، في حين لم‌يكن يتمتع بقوة كبيرة في فارس التي كانت تعتبر موضع المحافظة على الروايات و الشعائر القومية. وفي كرمان أيضاً كانت الغلبة للخوارج بين المسلمين، رغم أن جماعة من الناس كانت قد بقيت على دينها السابق، و كانت تعيش في المناطق الجبلية بعيداً عن تسلط العرب حتى اعتنقت الإسلام في عصر العباسيين (ابن‌حوقل، 310؛ صديقي، 68). و هذا الأمر يدل على أن الإسلام شاع بين سكان المدن قبل القرويين والمناطق الجبلية، حيث كان أهاليها قد بقوا غالباً على دينهم القديم (م.ن، 68-69، 78-79). ولكن التعصب ضد غير المسلمين و اضطهادهم ازدادا منذ القرن 4ه‍، و ضعفت الديانة المزدائية تدريجياً و تراجعت و حل الإسلام محلها.

المصادر

ابن الأثير، الكامل؛ ابن إسفنديار، محمد، تاريخ طبرستان، تق‍ : عباس إقبال الآشتياني، طهران، 1320ش؛ ابن بابويه، محمد، عيون أخبار الرضا، تق‍ : محمد الحسيني اللاجوردي، قم، 1377ه‍؛ ابن حوقل، محمد، صورة الأرض، تق‍ : كرامرس، ليدن، 1938م؛ ابن خلكان، وفيات؛ ابن قتيبة، المعارف، بيروت، 1987م؛ ابن النديم، الفهرسـت، تق‍ : فلوغل، بيروت، مكتبة الخياط؛ أبـوعبيد القاسم بن سلام، الأموال، تق‍ : عبدالأمير علي مهنا، بيروت، 1988م؛ أبوعلي مسكويه، أحمد، تجارب الأمم، تق‍ : أبوالقاسم إمامي، طهران، 1366ش/1987م؛ أبو نعيم الأصفهاني، أحمد، ذكر أخبار أصبهان، تق‍ : ددرينغ، ليدن، 1931م؛ الإصطخري، إبراهيم، مسالك الممالك، تق‍ : دي‌خويه، ليدن، 1927م؛ الأمين، أحمد، فجر الإسلام، القاهرة، 1945م؛ البسوي، يعقوب، المعرفة و التاريخ، تق‍ : أكرم ضياء العمري، بغداد، 1394ه‍؛ البلاذري، أحمد، فتوح البلدان، تق‍ : دي‌خويه، ليدن، 1865م؛ بولت، ريتشارد، گروش به إسـلام در قـرون ميانـه، تج‍ : حسين وقـار، طهـران، 1364ش؛ تاريـخ سيستـان، تق‍ : محمد تقي بهار، طهران، 1352ش؛ تقي‌زاده، حسن، أز پرويز تا چنگيز، طهران، 1409ه‍؛ الثعالبي المرغني، الحسين، غرر أخبار ملوك الفرس و سيرهم، باريس، 1900م؛ الجاحظ، عمرو، الحيوان، تق‍ : عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، 1940م؛ حمد‌الله المستوفي، تاريخ گزيده، تق‍ : عبدالحسين نوايي، طهران، 1362ش؛ خليفة‌بن الخيـاط، تاريخ، تق‍ : سهيل زكار، دمشق، 1968م؛ الدينوري، أحمد، الأخبار الطـوال، تق‍ : عبدالمنعم عامر، بغداد، 1959م؛ الرافعي القزويني، عبدالكريم، التدوين في أخبار قزوين، تق‍ : عزيزالله العطاردي، بيروت، 1408ه‍؛ زرين‌كوب، عبدالحسين، تاريخ إيران بعد أز إسلام، طهران، 1362ش؛ م.ن، تاريخ مردم إيران، طهران، ج 1، 1364ش، ج 2، 1367ش؛ صديقي، غلام‌حسين، جنبشهاي ديني إيراني در قرنهاي دوم و سوم هجري، طهران، 1372ش؛ الطبري، تاريخ؛ القرآن الكريـم؛ القمـي، الحسن بـن محمـد، تاريـخ قـم، تج‍ : الحسن بــن علـي القمـي، تق‍ : جـلال‌الدين طهرانـي، طهران، 1313ش؛ الگـرديزي، عبدالحي، زين‌الأخبـار، تق‍ : عبدالحي حبيبي، طهران، 1363ش؛كسروي، أحمد، شهرياران گمنام، طهران، 1307ه‍؛ متز، آدام، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، تج‍ : محمد عبدالهادي أبو‌ريده، بيروت، 1967م؛ متون پهلوي، تق‍ : جاماسب جي دستور منوچهر جي جاماسب آسانا، تقرير: سعيد العريان، طهران، 1371ش؛ مجمل التواريخ و القصص، تق‍ : محمدتقي بهار، طهران، 1318ش؛ مردان فرخ، شكند‌گماني ويچار (تقرير تحطيم الظن)، تج‍ : صــادق هـدايـت، طهـران، 1943م؛ المقـدسي، محـمـد، أحسـن التقـاسيـم، تق‍ : دي‌خويه، ليدن، 1906م؛ النرشخي، محمد، تاريـخ بخـارا، تج‍ : أبونصر أحمد‌بن‌محمد القباوي، تق‍ : محمدتقي مدرس رضوي، طهران، 1363ش؛ نولدكه، تئودور، تاريخ إيرانيان و عربها، تج‍ : عباس زرياب، طهران، 1358ش؛ هدايت، صادق، مقدمة شكندگماني ويچار (ظ: هم‍، مردان فرخ)؛ اليعقوبي، أحمد، تاريخ، بيروت، 1960م؛ و أيضاً:

Arnold, T. W., The Preaching of Islam, Lahore, 1979; Dhalla, M. N., History of Zoroastrianism, Bombay, 1963; Gujastak Abalish, ed. and tr. A. Barthelemy, Paris, 1887; Morony, M. G., «The Effects of the Muslim Conquest on the Persian Population of Iraq», Iran, 1976, vol. XIV; Spuler, B., Iran in früh-islamischer Zeit, Wiesbaden, 1952; Zarrinkub, A., «The Arab Conquest of Iran and Its Aftermath», The Cambridge History of Iran, ed. R. N. Frye, Cambridge, 1975.

صادق سجادي /خ.

الإسلام في بلاد ماوراء‌النهر و تركستان

في بلاد ماوراء النهر

قبل العصر الساماني

كانت بلاد ماوراء‌النهر بمفهوم واسع، في الماضي البعيد مهد ظهور الحضارتين المزدهرتين في الشرق الصغدية و الخوارزمية، و بسبب العلاقات التجارية و السياسية مع الصين و تركستان عن طريق الشرق، و مع إيران والإمبراطورية الرومية عن طريق الغرب، فقد انتشرت فيها الأديان المختلفة البوذية و المانوية و الزرادشتية و المسيحية متزامنة، و أقيمت فيها معابد مختلفة إلى جانب بعضها البعض. وحتى الصغديين لم‌يكونوا ملتزمين بدين واحد، فكان أتباع الديانات المختلفة يعيشون بينهم إلى جانب بعضهم البعض.

و بظهور الخلافة في الحجاز و بداية الفتوح الإسلامية، فتحت إلى 22ه‍، منطقة خراسان الواسعة حتى نهر جيحون، و أصبحت بلاد ماوراء‌النهر منذ ذلك الحين من الولايات الخاضعة لحكم الخلافة الإسلامية. و منذ 54ه‍/674م بدأ ولاة خراسان حروباً مع ممالك الصغد و خوارزم استمرت حتى 90ه‍/ 709م دون نتيجة حاسمة. و فيما يتعلق بهذه الحروب يعد كتاب فتوح خراسان لعلي‌بن محمد المدائني (تـ‍ 225ه‍ ) و كتاب خراسان لأبي عبيدة معمر بن المثنى من المصادر الرئيسة (ظ: ابن النديم، 59، 115) حيث كانا الأساس الذي اعتمد عليه البلاذري و الطبري والنرشخي.

و رغم أن الحديث دار في بعض الروايات عن فتوح في الجانب الآخر من نهر جيحون تزامنت مع فتوح خراسان (ظ: البلاذري، 398-399)، و لكن استناداً إلى الروايات التي يمكن قبولها، كان عبيد‌الله بن زياد أول أمير لخراسان عبر جيحون واتجه نحو مناطق الصغديين. ففي 54ه‍ سار بجيش كبير نحو بخارى و لكن تحركه هذا لم‌يتمخض عن نتيجة، و لم‌تدم سيطرته على راميثن و أجزاء من بيكند طويلاً. و قد كانت هذه الحرب نقطة بداية لأمراء خراسان، حيث يبدو أنهم كانوا يواصلون لعدة سنوات الهجمات الصيفية على الصغد، و كان بعض الصحابة يشاركون أحياناً في هذه الحروب مثل قثم بن العباس (مثلاً ظ: ابن سعد، 7(2)/101). و كرد فعل على هذه النزاعات، لجأ الملوك المحليون لبلاد ماوراء‌النهر إلى ائتلاف عسكري مع المسلمين؛ بحيث أن ولاة خراسان ذوي التجارب امتنعوا في العقود التالية عن الحملات العسكرية باتجاه الشمال، و كان أمير العراق الحجاج بن‌يوسف الثقفي هو الذي يحرضهم في الغالب على بعض التحركات. و على سبيل المثال، فإن هجوم يزيد بن المهلب على خوارزم في 85ه‍ كان قد تم خلافاً لرأي يزيد و بضغط من الحجاج (البلاذري، 400 و ما بعدها؛ الطبري، وقائع السنوات 54، 56، 61، 82، 85ه‍؛ أيضاً ظ: النرشخي، 52-60).

و من أمثلة نفوذ الأمراء المسلمين في بلاد ماوراء‌النهر في السبعينيات من الهجرة، حادثة توجه موسى بن عبدالله إلى ترمذ. و استناداً إلى المصادر التاريخية. فقد اصطحب موسى بن‌عبدالله‌بن الخازم والي ابن الزبير على خراسان معه بإشارة من أبيه فوجاً من الجند الأوفياء لبني الخازم، و اتجه إلى الجانب الآخر من جيحون، و بعد فترة قصيرة من الكر و الفر، واجتياز طريق بخارى وسمرقند، اتجه إلى قلعة في ترمذ و مالبث أن أمسك بزمام الأمور في تلك المناطق. و بعد استقرار موسى في ترمذ، وافق عليه تدريجياً ملوك ماوراء‌‌النهر باعتباره أميراً مسلماً معارضاً لحكومة عبدالملك بن مروان المركزية في المنطقة، وأصبحت ترمذ قاعدة لمعارضي أمير خراسان. استمرت حكومة موسى بن عبدالله المعارضة للشام في ترمذ حتى 85ه‍، و كانت الاختلافات الداخلية التي أدت إلى مقتل موسى، هي وحدها التي مهدت لانقراضها (ظ: البلاذري، 407-409؛ الطبري، وقائع سنة 85ه‍ (. ومن خلال الدراسة التاريخية، فإن هذه الحكومة لاتعتبر أول نموذج لحكومة مسلمة في المنطقة و حسب، بل إحدى أولى الحكومات المستقلة عن الخلافة المركزية.

و باستقرار خلافة الشام المركزية في الفرع المرواني لبني‌أمية، نظم قتيبة بن‌مسلم الذي كان قد عين من قبل الخليفة آنذاك والياً على خراسان، أخيراً خلال السنوات 89-96ه‍/ 708-715م، حروباً جدية و واسعة النطاق ضد مملكتي الصغد وخوارزم كانت نتيجتها فرض الخلافة الإسلامية لحكمها بثبات نسبي على المناطق الواقعة شمال خراسان و حتى الشاش و فرغانة في الشرق (ظ: البلاذري، ن.ص؛ الطبري، وقائع السنوات 89-96ه‍؛ النرشخي، 61 و ما بعدها).

إن هذه الفترة من تاريخ بلاد ماوراء‌النهر و التي يمكن وصفها بالعهد الإسلامي الأول، أو العهد ماقبل العصر الساماني، لم‌تحظ باهتمام كبير في الدراسات الحديثة. و من بين الأحداث التي وقعت في أوائل هذا العهد تمكن الإشارة إلى حركات التمرد المتكررة (الردة حسب اصطلاح المصادر الإسلامية) و النزاعات بين السكان الأصليين و الولاة المسلمين، و منها ماحدث في السنوات 110-112و121ه‍ )ظ: الطبري، ذيل وقائع السنوات نفسها) حيث كان محاولة لاستعادة الاستقلال السابق و كان الترسخ التدريجي للثقافة الإسلامية في المنطقة هو الوحيد الذي استطاع أن ينهي مثل هذه الحركات. و في السنين التالية، لم‌تعد الحركات الاستقلالية لسكان ماوراء‌النهر، ذات طابع متهرب من الإسلام وانسحبت حركات الردة لتحل محلها حركات كانت تعرف باسم الشعوبية. و قد اقترنت هذه الحركات بشكل عام بقبول الدين الإسلامي و لم‌تكن تحمل سوى طابع انفصالي طائفي، اللهم إلا إذا استثنينا حالة استثنائية، أي ثورة «سپيد جامكان» (للتفصيل، ظ: النرشخي، 89 و ما بعدها).

و يبدو أن أهالي ماوراء‌النهر دعموا خلال انتقال السلطة من الأسرة الأموية إلى العباسيين، ثورة أبي‌مسلم التي كانت في الظاهر ذات طابع طائفي مع نزعة شيعية عباسية (ظ: ابن الأثير، 5/ 358)، و لكن سرعان ماظهر بعد تثبيت الخلافة العباسية في المنطقة تيار مناهض للعباسيين دفع أبا‌مسلم إلى الهجوم على ماوراء‌النهر (ظ: الطبري، 7/464). و في هذه الفترة، كان للتشيع ذي النزعة العلوية أتباع في المنطقة، و من بين الحركات السياسية لهذه الفئة ثورة البخاريين المناهضة للعباسيين بقيادة شريك بن الشيخ المهري (أو المهدي) في 133ه‍. و قد واجهت دعوة شريك المناهضة للخلافة المركزية في ماوراء‌النهر من الإقبال بحيث أن أمراء بخارى و خوارزم العرب أنفسهم بايعوه (ظ: م.ن، 7/459؛ النرشخي، 86 و ما بعدها).