الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

ظهور الفكر الاعتزالي و انتشاره

استمر مذهب أهل الخوف في البصرة في النصف الأول من القرن 2ه‍، على يد أشخاص من تلامذة حلقة الحسن البصري و المرتبطين بها، و لكن هؤلاء المرتبطين لم‌يسلكوا هم أنفسهم سبيلاً واحداً من حيث الفكر والمذهب الفكري، و شقوا أحياناً الطريق إلى الأفكار الباطنية الصوفية، و أحياناً إلى أفكار المعتزلة الفلسفية. و كمذهب متفرع من مذهب أهل الخوف في البصرة، تجب الإشارة إلى فرقة المعتزلة المهمة التي كان مؤسساها واصل بن عطاء وعمرو‌بن‌عبيد من تلامذة الحسن البصري و متأثرين إلى حد كبير بتعاليمه. وتتمثل الميزة المهمة لهذا المذهب بالنسبة إلى تعاليم الحسن، في فكرة «المنزلة بين المنزلتين» لمرتكبي الكبيرة، حيث كانت نظرية جديدة في نوعها. و قد تجلى عنصر الخوف من العقاب في فكر المعتزلة أيضاً في قالب نظرية «الوعيد» (ظ: المفيد، 46-47). ورغم أن قول واصل بالاختيار (ظ: الشهرستاني، 1/51) كانت له جذور في تعاليم الحسن البصري، و لكنه على الأرجح لم‌يكن عديم التأثر بتعاليم القدريين المتقدمين مثل معبد الجهني.

و في باب التوحيد يجب التذكير بأن الأرضية كانت قد تهيأت في أوائل القرن 2ه‍ لطرح مباحث توحيد الصفات بظهور أشخاص مثل جهم و الجعد، و من الطبيعي أن يكون مؤسسو علم الكلام لدى المعتزلة قد أفادوا من المتقدمين في التنظير لمباحث التوحيد. و قد طرح توحيد الصفات في كلام واصل بشكل بسيط، و حسب مانقل فإن واصلاً كان قد اعتقد بنفي صفات الباري استناداً إلى هذا الاستدلال و هو إن إثبات الصفات القديمة يستلزم تعدد القدماء و تعدد الآلهة. و أما الخصوصية الرابعة لتعاليم واصل فهي قوله حول المتخاصمين في مسألة قتل عثمان وحربي الجمل وصفين، حيث مال إلى التوقف و السكوت على طريقة «المرجئة الأولى» (م.ن، 1/51-53؛ أيضاً الإسفراييني، 67-69؛ أيضاً ظ: فان إس، «كلام»، II/233 و مابعدها).

و في النصف الثاني من القرن 2ه‍، استبدل اثنان من المنسوبين إلى مذهب المعتزلة الحديث التأسيس و هما ضرار بن عمرو وحفص الفرد، فكرة الاختيار بنوع من الجبر مع المحافظة على بعض الخصائص العامة للمذهب مثل المنزلة بين المنزلتين (ظ: أبوالقاسم البلخي، 75؛ ابن النديم، 215، 229، مخ‍؛ الشهرستاني، 1/82-83)، كان ضرار و حفص يعتقدان في التوحيد بأن اللـه ماهية لايعلمها سواه، كما كانا يران أن للإنسان حاسة سادسة سوف يدرك بها الله يوم القيامة (ظ: م.ن، 1/82؛ أيضاً فان إس، ن.م، I/211، أيضاً III/32 و مابعدها). و قد كانت نظريتا الماهية والحاسة السادسة اللتان عرف بهما ضرار و حفص في المصادر الكلامية قد نسبتا إلى أبي حنيفة من قبلهما (ظ: ن.د، 4/527). وتلاحظ أيضاً بين العقائد المنقولة عنهما، آراء حول المباحث «الدقيقة» من الكلام مثل مباحث الجسم و مسألة الكمون ومباحث الأعراض و الحركات (ظ: الأشعري، 328، 345، مخ‍)، حيث تشير إلى مرحلة وسطى من الكلام البسيط لواصل إلى الكلام المعقد و المفلسف في القرن 3ه‍ .

و قد كان النصف الأول من القرن 3ه‍، عهد ازدهار الكلام المعتزلي و تأليف آثار عديدة من قبل متكلمين معروفين مثل أبي‌الهذيل العلاف و إبراهيم النظام و بشر بن المعتمر و أبي موسى المردار، حيث كان الموضوع الرئيس للكثير من هذه الآثار مباحث مثل التوحيد بفروع مثل خلق القرآن و مبحث وصف العدل لذات الباري و قدرة اللـه على الظلم، و مباحث القدر مثل بحث «الاستطاعة»، و مبحث الإرجاء و الوعيد، و تعريف الإنسان، و في باب المعاد البحث في المواضيع المنصوص عليها مثل عذاب القبر و الشفاعة و حركات أهل الجنة (ظ: ابن النديم، 204 و مابعدها). و تتضمن المباحث النقدية للملل و النحل في عناوين مثل ردية أبي الهذيل على السوفسطائيين و ردية النظام على أصحاب الهيولى (م.ن، 204، 206)، دلالات مباشرة على إحاطة المتكلمين المعتزلة علماً بالمذاهب الفلسفية الهلينية و تأثير هذه المواجهة بين الأفكار، و خاصة على آثار في المباحث الدقيقة، مثل بحث الحركة، و الجواهر و الأعراض، و الطفرة، و مسألة الخلق (ظ: ن.صص). و تجب الإشارة إلى انشقاق رئيس في المعتزلة في أوائل القرن 3ه‍ عرف فيما بعد باسم مؤسسه الحسين بن محمد النجار، أي النجارية، و قد كانت خصوصية تعاليمه المحافظة على معتقدات المعتزلة في باب التوحيد، و في نفس الوقت الإيمان بنوع من الإرجاء و الجبر أيضاً (ظ: الإسفراييني، 101-103؛ الشهرستاني، 1/81-82؛ أيضاً ظ: فان إس، ن.م، كافة أرجاء ج 3). و في القرن 3ه‍ انقسم مذهب المعتزلة إلى فرعين ثانويين: فرع البصرة و فرع بغداد، اختلفا في طيف واسع من المباحث الفرعية، اعتباراً من الموضوعات الكلامية البالغة القدم مثل الإمامة وحتى مباحث الكلام الدقيقة مثل الجزء الذي لايتجزأ؛ و قد تجسدت المواجهة بين المذهبين في النصف الأخير من القرن 3ه‍ بشكل رئيس في قالب الاختلاف في الآراء بين أبي‌القاسم البلخي من الجناح البغدادي، و الجبائيين من جناح البصرة (عن تفاصيل الاختلافات، ظ: أبورشيد، كافة أرجاء الكتاب؛ أيضاً ابن أبي الحديد، 1/7).

 

العراق، مهد فكرة الإرجاء

يعد أبوحنيفة الممثل البارز لهذا الفكر في الكوفة في النصف الأول من القرن 2ه‍، حيث انعكست أسس نظرياته في العالم و المتعلم و كذلك في رسالة إلى عثمان البتي. ويصرح أبوحنيفة في نقده لفكرة المرجئة المتطرفة (ص 40-41) أنه ليس من الضروري من وجهة نظره أن يدخل المؤمنون جميعهم الجنة، و أن المذنبين غير التائبين من الممكن بمشيئة اللـه أن يدخلوا النار و من الممكن أن يعفو اللـه عنهم (ص 97). و من خلال نظرة تحليلية إلى تعاليم مكتب الإرجاء، يمكن القول إنهم كانوا بدافع تجنب مواقف الإفراط و التفريط، يعتبرون العمل في الحياة الفردية منفصلاً عن حقيقة تدعى الإيمان رغم كل قيمته، و يرون أن العاصي مؤمن و أخ في الدين لأفراد المجتمع الآخرين دون أن يعدوه بالجنة. لقد كان بإمكان نظرية الإرجاء بشكلها هذا، في ذلك العصر المضطرب، أن تجمع الناس في البعد الاجتماعي حول محور «الأخوة الإيمانية» و «الولاية» دون أن تدعوهم إلى الفساد في بعد الأخلاق الفردية (ظ: ن.د، 4/521).

و في الجيل الذي تلا أبا حنيفة، كان أبرز تلامذته، أبويوسف، من المؤمنين بهذا التفكير (ظ: ن.د، 5/515؛ عن الإرجاء الكوفي بعد أبي حنيفة، ظ: فان إس، «كلام»، I/214)، و لكن عهد الإرجاء التقليدي كان قد انقضى من الناحية العملية في العراق، و منذ ذلك الحين استمرت حركة المرجئة في قالب مذهب، أو مذاهب كانت تقدم مجموعة من العقائد بأسلوب شبه معتزلي. و رغم أن جناحاً من المرجئة العدلية بزعامة بشر المريسي (تـ‍ 218ه‍( تلميذ أبي‌يوسف، كان ينسب تعاليمه بشكل رمزي إلى الحنفيين، و لكن يجب البحث عن جذور تعاليم عدد آخر من المرجئة في المذاهب الإرجائية الأخرى مثل مرجئة البصرة. و قد كان بشر المريسي يؤمن في مسائل مثل توحيد الصفات و خاصة خلق القرآن بموقف المعتزلة وأساليبهم مع المحافظة على أساس الإرجاء الحنفي (ظ: الصيمري، 162-163؛ الخطيب، 7/56 و مابعدها؛ قا: البغدادي، 124). واصل ابن الثلجي (تـ‍ 266ه‍( حركة بشر في منتصف القرن 3ه‍، حيث مال إلى الوقف في مسألة خلق القرآن المثيرة للجدل مع التهرب من التصريح، و مع تثبيت بعض أسس بشر الكلامية، و هيأ بشكل عملي أرضية مناسبة أكثر لأتباع المذهب إزاء حملات المعارضين. أثارت نظرية الوقف حول القرآن غضب العلماء المعارضين من أصحاب الحديث إلى درجة بحيث لقبـوه بـ‍ »ترس الجهمية» (ظ: الدارمي، الرد على بشر المريسي، 81؛ أيضاً ن.د، 2/549-550).

و من جملة الرجال المرجئة العدلية ذوي الاتجاه البصري، والذين ذكرت أسماؤهم أحياناً في عداد المتكلمين المعتزلة بسبب قرب تعاليمهم الشديد (مثلاً ظ: ابن المرتضى، 57، 71، مخ‍ ( وخاصة أبا شمر، و أبا الحسين الصالحي، و مويس بن عمران الذين ذكرت أسماؤهم في المصادر، و نقلت أراؤهم الكلامية بشكل مبعثر (مثلاً ظ: أبوالقاسم البلخي، 74؛ الأشعري، 132-135، مخ‍ ).

 

الحنفيون العدلية في خراسان

في النصف الثاني من القرن 2ه‍ كان شرق خراسان و خاصة منطقة بلخ مسرحاً لنفوذ مذهب يمكن تسميته مذهب الحنفيين العدلية. و في هذه الفترة، كان عدد من تلامذة أبي حنيفة المشرقيين يعملون على نشر تعاليمه العقائدية فضلاً عن فقهه في خراسان و ماوراء‌النهر، و كانت أنشطتهم قد لاقت من الترحيب بحيث كانت هذه المدينة تسمى «مرجي آباد» على ماقال صفي‌الدين البلخي بسبب العلاقة الثلاثية بين أبي‌حنيفة و فكرة الإرجاء و أهالي بلخ (ص 28-29؛ أيضاً ظ: أبوبكر الخوارزمي، 48). و قد عمد سلم بن سالم البلخي أحد هذه الجماعة المتتلمذة على يد أبي‌حنيفة، في موطنه إلى تطبيق واسع للأمر بالمعروف، و نظم بفضل النفوذ الكبير الذي كان يتمتع به حركة سياسية ضد هارون الخليفة آنذاك (ظ: ابن سعد، 7(2)/106).

و من بين تلامذة أبي حنيفة الخراسانيين، يعد أبومطيع البلخي الشخصية التي لعبت الدور الأساسي في ظهور النظام الكلامي لهذا المذهب، و استناداً إلى المعلومات المتفرقة عن معتقداته الكلامية التي انعكست في مصادر المخالفين، يمكن تصور الوجه العام لتعاليم هذا المذهب في عهده الأول؛ و من جملة المعتقدات المنقولة عنه، تمكن الإشارة إلى موقفه في موضوع القدر القريب من المعتزلة (ظ: أبوالقاسم البلخي، 104-105) و عقيدته بشأن عدم فناء الجنة و النار (ظ: أحمد بن حنبل، 3/ 299-300). و يجب أن نذكر من بين الرجال المؤثرين إلى جانب أبي مطيع، أبا مقاتل السمرقندي التلميذ الأكبر لأبي‌حنيفة و الذي يعد الراوي الأصلي لكتاب العالم و المتعلم لأبي‌حنيفة و الناقل لهذا النص إلى أبي مطيع البلخي؛ و هو النص الذي يمكن اعتباره حجر أساس الفكر الكلامـي لهذا المذهـب. كما تدل روايـة نص دينـي ـ ملحمـي بعنوان مقتل سعيد بن جبير من قبل أبي‌مقاتل و نشرها في خراسان و ماوراء‌النهر، على علاقة جذرية بين هذا المذهب و رائد المرجئة الآمر بالمعروف (ظ: الترمذي، 5/743، للأسانيد؛ أبوالعرب، 214-218، للنص). و قد تجسدت في نص المناظرة بين سعيدبن‌جبير والحجاج في هذه الرواية، وجهة النظر الوقفية لهذا المذهب إزاء الإمام علي (ع) و البعض الآخر من المتقدمين تلويحاً (ظ: م.ن، 217).

و يبدو أن المصدر الرئيس لتعاليم الحنفيين العدلية العقائدية في هذه الفترة، فضلاً عن كتاب العالم و المتعلم، كان متن الفقه الأكبر القديم (الفقه الأكبر 1) المنسوب إلى أبي‌حنيفة (لتوضيحه، ظ: ن.د، 4/524). و في العقود الوسطى من القرن 3ه‍، كان المرجئة العدليون في خراسان يعتبرون الأسماء الإلٰهية حقيقة غير ذات اللـه، و أسماء مخلوقة؛ و كانوا ينكرون بشدة أي نوع من التجسيم و التشبيه، و يميلون حول خلق القرآن إلى التوقف. كما يلاحظ في تعاليم هذا المذهب الحنفي رأي نقدي بالنسبة إلى الصحابة مثل أبي هريرة.

و يعد المتبقي من آثار هذا المذهب قليلاً و مغموراً للغاية؛ وفي هذا المجال نحيط علماً بمضمون أحد تأليفات هذا المذهب، حيث أدرج بشكل متفرق في ثنايا الرد على بشر المريسي لعثمان‌بن سعيد الدارمي (ظ: ص 119، 126، 145، مخ‍). كما يتأكد لنا من خلال رواية عبدالجليل القزويني (ص 306) أن حنفيي خراسان و ماوراء‌النهر كانوا يصرون في القرن 3ه‍ على وجوب معرفة اللـه عن طريق العقل و النظر، و يعتبرون النزعة النقلية والتقليد في هذا المجال باطلاً. و في القرن 3ه‍، يبدو أن ردود الفضل بن شاذان النيسابوري، في الإيضاح (ص 168 ومابعدها) والرديات التي كتبها بشكل مستقل بعض علماء المشرق الإماميين على «المرجئة» (ظ: الطوسي، 34، 124؛ النجاشي، 307، 454) كانت موجهة إلى أتباع هذا المذهب.

 

الحنفيون من أهل السنة و الجماعة

في القرنين 2و 3ه‍ ظهر في خراسان و ماوراء‌النهر مذهب تحول في العهد الساماني (261-389ه‍) إلى المذهب السائد في محافل ماوراء‌النهر الكلامية، كما كان قد ازدهر بعض الشيء في الأقطار الإسلامية الأخرى حتى مصر. و قد كان هذا المذهب الذي كانت أرضيته من الناحية العملية الإرجاء الحنفي مع اقتراب كبير من مواقف أصحاب الحديث في المسائل الأخرى، يعتبر نظامه العقائدي قائماً بشكل كامل من الناحية النظرية على آراء أبي حنيفة، و يعد بعض التلامذة العراقيين مثل أبي يوسف و محمد بن الحسن الشيباني رواده الفكريين.

إن التأكيد على ذكر ابن المبارك، عالم أصحاب الحديث في خراسان، في عداد مشايخ هذا المذهب (مثلاً ظ: الأوزجندي، 3؛ أيضاً العبادي، 1-2)، من الممكن أن يـدل على دور ابن المبارك ــ الذي عرف في المصادر الإسلامية دوماً كعالم، لاتابع، والمدافع عن أبي حنيفة و المشيد به ــ في الظهور الأول لهذا المذهب. وليس من المستبعد أن تكون بيئة مرو التقليدية موطن ابن‌المبـارك، المركـز الأول لنشـوء مذهـب الإرجــاء و أهـل الحـديـث فـي خـراسـان، أو مـذهـب (الحنفييـن) «أهـل السنـة و الجماعة» حسب تعبير الأتباع أنفسهم. و في هذا الصدد، يمكن أن يكون حضورأبي عصمة نوح بن أبي مريم من تلامذة أبي حنيفة المعتدلين و قاضي مدينة مرو، مهماً و أساسياً في هذا المجال بالإضافة إلى الدور المحتمل لابن المبارك؛ و على أي حال، فإنه أحد أقدم إقراريات هذا المذهب برواية نوح بن أبي مريم (ظ: أبوالليث، 187). و يتمثل مجموع ماعرف عن معتقدات هذا المذهب قبل منتصف القرن 3ه‍، في إقراريات قصيرة طرحت فيها أفكار مثل تفضيل «الشيخين» و حب «الخَتَنين» و عدم تكفير مرتكبي الكبيرة، وعدم الحديث عن اللـه بأسلوب المتكلمين، كما دارالحديث أحياناً عن المفاهيم المتعلقة بالمعاد مثل عذاب القبر، وعدم حمل المعاصي على اللـه (مثلاً ظ: ن.ص؛ الخوارزمي، 2(4)/1545).

و يعد كتاب الوصية أقدم نص عقائدي مفصل نسبياً لأهل السنة و الجماعة، حيث طرحت فيه مسائل مثل تعريف الإيمان، والبحث في صفات اللـه، و خلق القرآن، و خلق الأعمال والاستطاعة، و الاستناد إلى المعتقدات المنصوص عليها مثل حقيقة عذاب القبر و الشفاعة و خلق و عدم فناء الجنة و النار و تصديق رؤية اللـه ــ دون تشبيه ــ و بالإضافة إلى ذلك، تلاحظ أيضاً في هذا النص نظرية ترتيب فضل الخلفاء الأربعة حسب ترتيب الخلافة (ظ: «الوصية»، كافة أرجاء الكتاب). و كما أشار ولفسن (ص 281-282)، فقد تأثر هذا النص في طرح مسألة خلق القرآن و كيفية التعامل معها، بتعاليم ابن‌كلاب (لتوضيح أكثر، ظ: ن.د، 4/524-526).

 

موقف أصحاب الحديث من المباحث الكلامية

إن مايعرف في المصادر الإسلامية المتقدمة كاتجاه لأصحاب الحديث، لايمكن على الأقل أن يعتبر مذهباً واحداً و متماسكاً في التعامل مع المسائل الكلامية؛ و قد شهد هذا الاتجاه طيلة قرن كامل من لعب دور فاعل و مصيري في الأوساط الفكرية، اتجاهات مختلفة. و من خلال نظرة عامة إلى مسيرة اتجاهات هذه الفئة، يجب التمييز خاصة بين تعاليم أصحاب الحديث في النصف الثاني من القرن 2ه‍ بزعامة سفيان الثوري، و تعاليم أحمد بن حنبل و أتباعه في القرن 3ه‍ .

و قبل التطرق إلى اتجاهات أصحاب الحديث في المسائل الكلامية المعروفة مثل الصفات و القدر و الإيمان يجب التذكير أولاً باختلاف واضح بين المتقدمين و المتأخرين من أصحاب الحديث. فقد كان التيار الغالب على المذهب العراقي لأصحاب الحديث في النصف الثاني من القرن 2ه‍، تياراً ذا نزعة علوية ومواقف مطالبة بالعدالة؛ بحيث كان هناك أشخاص مثل سفيان الثوري من الكوفة، و شعبة بن الحجاج و هُشيم بن بشير من المشاركين له في الفكر في البصرة و واسط، أدوا دوراً هاماً خلال ثورة إبراهيم الحسني الزيدية (ظ: أبوالفرج، 315-386؛ أيضاً ظ: ابن سعد، 6/ 258-260، مخ‍). و استناداً إلى المصادر، فإن هذا الاتجاه كان يتجلى من الناحية النظرية أيضاً في تقديم الإمام علي (ع) على عثمان (ظ: أبوالعرب، 445؛ الذهبي، ميزان، 2/ 588؛ أيضاً ظ: فان إس، «كلام»، I/235 و مابعدها)، بل و كان الحديث يدور أيضاً عن تقديمه (ع) على الشيخين (مثلاً ظ: الذهبي، ن.م، 2/ 248). و رغم أن هذا الاتجاه العلوي استمر في القرن التالي على يد رجال مثل أبي‌بكر و عثمان ابني أبي‌شيبة، و أبي‌نعيم الفضل بن دُكين و يحيى بن آدم (ظ: أبوالفرج، 551-552)، و لكن شخصية سفيان الثوري المحورية مالبثت أن حل محلها أحمد‌بن‌حنبل بين أصحاب الحديث و سادت هذه الفكرة بين أوساط أصحاب الحديث و هي إن طاعة «أئمة المسلمين» هي شرط اتباع السنة، و إن من الواجب طاعة أي شخص يصبح خليفة للمسلمين حتى و إن كان فاجراً، و حصل على هذا المسند بالقهر والغلبة (ظ: ابن‌أبي‌يعلى، 1/243-244). كان أحمد يقول في نظريته في الإمامة بتربيع الخلفاء، و يرى أن ترتيبهم في الفضيلة هو نفس الترتيب التاريخي لحكمهم (ظ: عبداللـه، 205-206؛ قا: الجويني، 1/ 379).

ورغم أنه لم‌تصلنا من متقدمي أصحاب الحديث نصوص عقائدية مفصلة، و لكن بعض المواقف المنقولة عنهم بشكل متفرق تدل على أن منهجهم يقوم ــ كما هو حال المتأخرين ــ قبل كل شيء على الأخذ بالمعتقدات المأثورة و المنقولة عن السلف، واجتناب الأخذ بالمذاهب الكلامية الجديدة الظهور (لنقل الأقوال، مثلاً ظ: الذهبي، العلو...، 102 و مابعدها؛ أيضاً ظ: عباد، 160-161)؛ و استناداً إلى نقل ابن قتيبة، فقد كانت معتقدات مثل الجبر، و كون القرآن غير مخلوق، و رؤية اللـه في القيامة، و تقديم الشيخين، من الوجوه المشتركة بين العلماء أصحاب الحديث، ولم‌تكن هناك اختلافات بينهم، إلا في مواضيع معقدة مثل البحث في أن «اللفظ بالقرآن» غير مخلوق (ظ: ابن قتيبة، 16؛ أيضاً الذهبي، ن.ص). و لكننا يجب أن لانبالغ في اتفاق أصحاب الحديث في جميع هذه المسائل؛ فقد كانت توجد دائماً منذ أوائل القرن 2ه‍، اختلافات في الأساليب بين الأجنحة المختلفة لأصحاب الحديث في التعامل مع المسائل الكلامية (ظ: م.ن، ميزان، 2/127؛ أيضاً ظ: القسم التالي).

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: