الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

تأثير الإسلام في الأدب التركي

كان الأدب التركي باعتباره مصطلحاً واسعاً و شاملاً لطيف متنوع من المجالات الأدبية، يتضمن منذ أقدم أطواره التاريخية، ميلاً ملفتاً للنظر إلى التطرق للعناصر الدينية بشكل عام. ففي الأدب المحدود المتبقي مـن التركيـة القديمة ــ التـي هـي لغــة آثـار أرخــون ـ ينـي‌ سيـي ــ تطـالعنـا بـوضوح النزعة الدينية في إطار النحلة السمنية ـ التنغرية (مثلاً ظ: مالوف، 66؛ رجبوف، 36). و يعود قسم مهم من الأثار الأدبية التركية القديمة إلى شرق آسيا الوسطى، وتشتمل على مؤلفات الأتباع الديانتين الكبيرتين في المنطقة، أي المانوية والبوذية. إن هذا الطيف من الأدب الذي ينصب في قالب الشعر في الكثير من المواضع و يتمتع بالشكل الفني يشتمل وبنطاق واسع على المفاهيم و التعاليم الدينية (لمجموعة من هذه الآثار، ظ: بانغ، 2 و ما بعدها؛ آرات، 5 و ما بعدها).

كان تعرف الأتراك على الدين الإسلامي قد تم تدريجياً طيلة القرون الأربع الهجرية الأولى، فقد كان الإسلام دوماً في حالة تقدم سلمي بين الأتراك من الغرب إلى الشرق. و تجب الإشارة في هذا المجال إلى هجرة القبائل المختلفة التي كانت تعرف بالأتراك كاسم عام، إلى المناطق المسلمة في ماوراء‌النهر وخوارزم تضمن أسلمتهم أيضاً، باعتبار ذلك عاملاً عجّل من نفوذ الإسلام.

و لاشك في أن الطريق مُهد لنفوذ المفاهيم الدينية الإسلامية في ثقافة الشعوب التركية من خلال اعتناقها للدين الإسلامي؛ حيث تدل الروايات المتعلقة بالقرن 4ه‍/10م (أو قبله) على أن الأتراك كانوا يعرفون نبي الإسلام (ص) بلقب «سافجي» (اشتقاقاً من ساف بمعنى الخبر و الرسالة، ظ: ابن شهرآشوب، 1/152: مع تصحيف إلى صانجي في النسخة المطبوعة؛ أيضاً ظ: بلاساغوني، 1؛ الكاشغري، 3/325)، و الإمام علي (ع) بلقب «بثير» (الاشتقاق المقترح: شكل من كلمة «باتير» بمعنى البطل) (ظ: ابن بابويه، 59).

و رغم أن الإبداعات الأدبية كانت ذات سابقة في البيئات السمنية و المانوية و البوذية، إلا أن الإبداع الأدبي باللغة المحلية لم‌يكن قد اعتبر بعد جدياً بين الأتراك المسلمين حتى القرن 4ه‍، و قد لوحظت هذه الظاهرة بوضع مشابه بين الشعوب المسلمة الأخرى كالإيرانيين. و قد مهد قيام الدولة القراخانية في منطقة كـاشـغــر ـ بـلاسـاغـون فـي القرن 4ه‍، بـاعتبارهـا أول دول الأمراء الإسلاميـة في المنطقـة، أرضيـة مناسبة لظهـور الأدب التركـي ـ الإسلامي، حيث كان ظهور منظومة قوتاد‌غوبيليغ (نهاية التأليف في 462ه‍ ) نقطة بدء جادة.

ورغم أن المصادر البلاساغونية غالباً، اعتبرت ناظم هذا الأثر مؤسس الأدب الإسلامـي ـ التركي، إلا أن هذا لايعني أنه لم‌تكن هناك أشعار تبقت من الأدباء المسلمين قبله. و قد كانت دراسة أقدم الأشعار الإسلامية المتبقية من المنطقة القراخانية، موضوعاً حظي باهتمام رشيد رحمتي آرات، و دفعه إلى أن يقدم على جمع نماذج من هذه الأشعار (ظ: ص 245 و ما بعدها؛ لنماذج أخرى، مثلاً الكتابات على الخزف الذي عثر عليه في سارايجيك، ظ: جعفر أوغلو، 273). و قد سجلت بضعة أسطر من رواية تركية لقصة نمرود في النموذج الذي قدمه عن ملحقات مجموعة النصوص التورفانية في برلين (رقم TID155) (ظ: آرات، 245). وتتمتع النصوص الإسلامية التي جمعها آرات، بمضامين مختلفة مثل المراثي، و وصف الصداقة و الفراق. و من الأغراض الأخرى لهذه الأشعار التي تتناغم من جهة مع التعاليم الإسلامية، وتنضوي من جهة أخرى تحت عنوان الثقافة التقليدية في الأدب التركي، الإشادة بالعلم، أو «بيليغ» و الفن، أو «أَردَم» (مثلاً ظ: ص 259,262) و إلى جانب هذه المشتركات، انعكست بشكل محدود بعض المتعقدات المقتبسة من الثقافة الإسلامية، مثل الفكر الإسلامي بشأن علاقة الإنسان بالله (ن.ص).

وتجب إضافة الأبيات التي نقلها الكاشغري كشاهد في ديوان لغات الترك إلى الأشعار المذكورة. و رغم أن كتاب الكاشغري ألف بعد بضع سنوات من قوتادغوبيليغ، إلا أن الأشعار المثبتة فيه تعود إلى عصر متقدم و قد نظم البعض منها في بيئة غير إسلامية و البعض الآخر في بيئة إسلامية. و يطالعنا في قسم من هذه الأبيات، انعكاس الحروب بين الأتراك المسلمين و الأتراك الذين لم‌يسلموا بعد المعروفين بالأويغور، حيث اكتسبت شكل الجهاد الديني (ظ: 1/ 39، 288، 362). و في بعض الأبيات انعكست الفكرة الإسلامية المتمثلة في أن السماء هي من مخلوقات الله (1/277)، و يبدو من استخدام كلمة «أُذي» لله (2/192)، أنها ترجمة تركية لكلمة «الرب» الإسلامية. و لاتلاحظ في هذه الأبيات مظاهر للتأثر بالقرآن الكريم و التعاليم الإسلامية أكثر صراحة، وفي هذا المجال تمكننا الإشارة فقط إلى المواضع التي يحتمل فيها الاقتباس، أو التوارد. و على سبيل المثال، فإن هناك بيتاً ذا مضمون أخلاقي يدعو الإنسان إلى عدم الفرح بكثرة المال والثروة (2/120)، يقترب كثيراً من مضمون الآية «... و لاتفرحوا بما آتاكم...» (الحديد/57/23).

و مما يجدر ذكره أن العصر القراخاني، لم‌يكن نهاية للأدب التركي قبل الإسلام، فمع ظهور الأدب الإسلامي، كانت بعض الآثار الأدبية النفيسة السابقة مثل أغوزنامه تحظى دوماً بالاهتمام، و لم‌تتأثر إلا نادراً بالثقافة الإسلامية. و تعد أغوزنامه أحد النصوص التركية القديمة التي يعود تاريخ أقدم تأليف لها إلى ماقبل الإسلام و تلاحظ بعض تأثيراتها في قوتادغو بيليغ أيضاً (للتحليل، ظ: جعفر‌أوغلو، 269)، و لكن هناك بعض التحريرات لها في العصر الإسلامي أيضاً. و من خلال دراسة عابرة على أساس النسخة القديمة الأويغورية للنص، يجب القول إن وجود بعض العناصر اللغوية الفارسية ـ العربية في هذا النص مثل كلمات دوست و دشمن و بدن (ص 23,43، مخ‍ )، و كذلك معرفة الناظم المبهمة لبلاد الشام و مصر (ص 54-55) يدلان على وجود تآلف محدود بين الناظم و الثقافة الإسلامية، و لكن ثقافة أغوزنامه ماتزال بعيدة جداً عن الثقافة الإسلامية. فالمحور الديني في هذا النص مايزال الديانة التركية القديمة، و «كوك تنغري» هو الرب فيه (مثلآً ظ: ص 28). و بعض العناصر الأدبية في نسيج القصة مثل المكانة الخاصة للشجرة و السماء، و تعظيم «كوك بوري» (الذئب الرمادي) باعتباره مرشداً و هادياً، و كذلك الزوجتان الماورائيتان لأغوزخان (ص 28-32، مخ‍ )، كل ذلك يمثل عناصر مرتبطة بما قبل الإسلام، حيث يمكن البحث عن آثارها في النحلة السمنية و ثقافة الأتراك القديمة (للتحليل، ظ: شتشرباك، «تعليقات...»، 89-90).

و إذا عدنا إلى الأدب الإسلامي و رمزه المتمثل في قوتادغوبيليغ ليوسف البلاساغوني و التي هي مجموعة شعر أخلاقي و الرمز لأول أثر أدبي كبير في البيئة الإسلامية، يجب القول إن هذا الأثر هو من حيث التركيبة الثقافية، الامتداد لثقافة «بيليغ» و«أردم» في عصر ماقبل الإسلام. و رغم أن ناظم هذا الديوان هو مسلم مؤمن، و قد نظم مقدمته بحمد «تنغري» (تعبير عن الله) والثناء على نبي الإسلام (ص)، و لكننا لانلاحظ في نص الكتاب، و في عمق المواعظ الأخلاقية، تأثيراً عميقاً للثقافة الإسلامية؛ إلى درجة أن «تونغا (تنكا) آلب أَر» حافظ على دوره البارز في أشعار البلاساغوني و تعاليمه الأخلاقية (مثلاً ظ: ص 43) باعتباره ــ أي تـونغـا ــ شخصية حكيمة و رمزاً للفضائل الأخلاقية، و ذلك استناداً إلى التقليد السابق في الثقافة التركية لآسيا الوسطى (ظ: الكاشغري، 1/44، 94).

و تتمثل الأرضية الرئيسة للنسيج القصصي في قوتادغو‌بيليغ، في سلسلة من المجادلات بين شخصيتين رمزيتين هما أوغدولميش و أوذغورميش اللتين ترمزان إلى الصراع بين فكرة الحضور الفاعل في الحياة الدنيوية، أو الدين الدنيوى و فكرة الانعزال و نبذ الدنيا، أو الدين النابذ للدنيا. و رغم أن أرضية الصراع بين هذين الفكرين، كانت موجودة أيضاً في الفكر الديني للمنطقة قبل الإسلام، إلا أننا يمكن أن نعتبر قوتادغو‌بيليغ محاولة للمقارنة بين هذين الفكرين و تقييمهما في بيئة الخاقانات القراخانيين الحديثة الإسلام.

و يجب أن لانبحث عن المظهر الأول لتأثر الأدب التركي بالإسلام و ثقافة الشعوب المسلمة، في النفوذ المباشر للمفاهيم الدينية و حسب، بل إن من خصائص الأدب التركي الإسلامي في مرحلته الأولى، بالقياس إلى أدب الأتراك غير المسلمين، هي قوالبـه الشعرية. حيث يطالعنا تأثير القافيـة و العروض العربيـة ـ الفارسية بوضوح في أشعار البلاساغوني وكذلك بعض الأشعار المنقولة في ديوان الكاشغري، في حين أن أسلوب «الجناس بين الحروف الأولى» القديم (المعلّى) استمر في أشعار الأتراك الذين لم‌يتأثروا كثيراً بالثقافة الإسلامية. و من خلال نظرة نسبية وعامة، يجب القول إن الشعر التركي في مناطق آسيا الوسطى والأناضول و القفقاز و منطقة الفولغا تأثر كثيراً في أبعاد مختلفة مـن الأدب الإسـلامـي الفـارسـي ـ العربي، و حافظ في آلتاي وسيبيريا الجنـوبيـة و الشـرقيـة ــ حيـث كـان بعيداً عن الثقافة الإسلامية في الشرق، و على علاقة أكثر بالثقافة المحلية للشعوب الآلتائية ــ على أسلوبه القديم حتى في الشكل والقالب (دورفر، 862 و ما بعدها؛ كوپريلي، 252؛ كونونوف، 99؛ أحمدوف، 80).

و من الشعراء الآخرين الذين ترعرعوا في بيئة تركستان الإسلامية، الأديب أحمد اليوكنكي في أواخر القرن 5ه‍/11م وأوائل القرن 6ه‍/12م، حيث بلغ الأدب الديني غير الصوفي في شعره أوج ازدهاره. استلهم الأديب أحمد في أشعاره ذات الأرضية الأخلاقية، من القرآن الكريم و الأحاديث النبوية على نطاق واسع. و تشتمل مباحثه الأولى في هبة الحقائق، و حسب الأسلوب المعهود في خطب الآثار الإسلامية، على حمد ‌الله و الثناء على النبي الأعظم (ص)؛ و لكن مايضفي الخصوصية على هذه المقدمة، النثر الذي كتب بلغة سهلة عن تعاليم الإسلام العقائدية مثل التوحيد و المعاد. و في الحقيقة فإن المعالجة الشعرية لفكرة أن الجمادات و الأحياء و كل الموجودات هي دليل على وحدانية الله (ص 101)، و الحديث عن سهولة إحياء الموتى بالنسبة إلى الله (ص 103)، هو تضمين للآيات المتعلقة بالسير في الآفاق و آية «...يخرج» الحي من الميت...» (يونس/10/31).

كما امتدت جذور ثقافة «بيليغ» التقليدية في هبة الحقائق، وانعكست بوضوح في أبيات الأديب أحمد في مقارنته بين «دانشور» [= المعلم] و«بي دانش» [= الجاهل] (ظ: ص 108-113). و بما أن الشاعر يعتبر «بيليغ» الطريق الوحيد للسعادة (ص 109)؛ فلهذا فقد تمسك، في معرض الإشادة به، بحديث عن نبي الإسلام (ص) يقول «الكلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها»، و ذلك بهدف ربط هذه الفكرة بالثقافة الإسلامية (ص 110؛ عن الحديث، ظ: السيوطي، 2/ 98). و خلال بسطه للمباحث، فقد استعان بلغة الشعر على أسلوب الآثار الأخلاقية الإسلامية، و استشهد في كل موضع، بالآيات القرآنية و الأحاديث النبوية (مثلاً ص 119، 130، 133).

كما ظهر الأدب التركي الإسلامي أيضاً في غرب تركستان، في القرنين 5و6ه‍، مع الاستيلاء الحقيقي للقراخانيين في مناطق سيحون و جيحون، و كانت علامته الفارقة، ديوان حكمت للخواجه أحمد اليسوي. كان أحمد اليسوي عالماً ذا نزعة صوفية أنهى دراسته في بخارى، و كان قد تعرف فيها بشكل كاف على العلوم الإسلامية. و بعد عودته إلى موطنه انشغل في منطقة سيرام ويسّي في حوالي سيحون، بالدعوة إلى الدين الإسلامي بين أتراك تلك المناطق باللغة المحلية؛ و تتميز أشعار أحمد اليسوي بلهجة سهلة نسبياً و بعيدة عن التكلف، فضلاً عن تركيبتها اللغوية البسيطة، وحتى من الناحية الثقافية فإن أشعاره تخلو من الأفكار المعقدة المتداولة في البيئات العلمية في ماوراء‌النهر و المراكز الإسلامية الأخرى. فقد كان متلقو أحمد اليسوي يمثلون الشرائح التي لم‌تكن تمتلك معرفة عميقة بالثقافة الإسلامية، و كانت تتلهف إلى سماع حديث قابل للفهم عن مبادئ الدين الإسلامي. و هذه الخصوصية في كتابه ديوان حكمت هي التي قدمته إلى المنطقة باعتباره «شيخ تركستان». و قد اعترف أهالي تلك المناطق بأحمد اليسوي كداعية إلى تعاليم الإسلام، و القائم بتوحيدهم حول عقيدة واحدة.

و من خلال تحليل عام يمكن اعتبار ديوان حكمت جسراً يربط بين ثقافة «بيليغ» في الأدب القراخاني، و بين ثقافة «التصوف» في الأدب الإسلامي المشترك، و يجب أن لانتجاهل تأثيـر هذه الخصوصية المزدوجة أيضاً في نجاح هذه المجموعـة في كل من بيئة ماوراء‌النهر القديمة العهد بالإسلام، و البيئة الحديثة العهد بالإسلام.و قد اعتبر أحمد اليسوي نفسه في مقدمة ديوانه، أشعاره «حكمة» (ص 129) و رأى أن بيان الحكمة هو بالنسبة إليه أمر مقرر من جانب الله (ظ: ص 136,141). و قد استند خلال الديوان مراراً إلى قيمة الحكمة، و رأى أن لا إيمان في قلب من سمع الحكمة و لم‌يتأثر بها (ظ: ص 138). و هكذا فقد ربط بين «بيليغ» القديم للأتراك، و بين «الحكمة» الإسلامية، و مهد الأرضية المناسبة لنجاحه الأدبي.

و يلاحظ تضمين الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية بشكل متكرر في شعر أحمد اليسوي (مثلاً ص 131,169، مخ‍ )؛ بل إن أشعاره تتميز أساساً بمضامين دينية، و تلاحظ فيها مواضيع دينية مختلفة من تفسير للمعتقدات، و تبيين للأحكام. و تطالعنا خلال ذلك مواضيع مثل التوحيد و عظمة العالم و المعاد و ذكر أهوال القيامة و التذكير بالذنوب و الإسراع إلى التوبة بتأكيد أكثر. ويدل الاستخدام المتكرر للتعبيرات الفارسية ـ العربية مثل دفتـر صانع و روز محشر (يوم المحشر) (ص 129) على الدور المؤثر للأدب الفارسي في نقل هذه المفاهيم إلى شعر أحمد اليسوي. و تطالعنا في فكره بعض المفاهيم الدينية بوجه خاص و ملفت للانتباه؛ وعلى سبيل المثال فإن تعبير «أمة المصطفى (ص)» يتمتع في رأيه بمفهوم سام، و لايليق إلا بمن استحق هذا العنوان بأعماله (مثلاً ظ: ص 129,136,159).

و تسود النظرة الصوفية جميع أرجاء ديوان حكمت، و تلاحظ فـي كل موضع منـه التعبيرات الخاصـة بالطريقـة، مثل پيرمغان (= شيخ مغان) (ص 130,136) و چهل تن (= الأربعون شخصاً) (ص 134، مخ‍ ). و من الخصائص التي تربط شعر أحمد اليسوي بالأشعار الصوفية في البيئة الفارسية الحديث عن مقام «فناء في الله» (ص 132,165) و صلب الحلاج (ص 144) و نداؤه «أنا الحق» (ص 153) و إعادة الحديث عن يوم أَلَسْتُ و جواب «قالوا بلى» (ص 151,190, 227). و لكن يجب الالتفات إلى أن أحمد اليسوي قدم في شعره تصوفاً متناغماً مع الشريعة، و أكد على رعاية حرمة الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر (ص 136). و من حيث الخلق الأدبي، تعد مقطوعات مثل المناظرة بين الجنة و النار (ص 206) و تصوير المساءلة في القبر إلى حدما (ص 184)، مظهراً من التربية الدينية في شعر أحمد اليسوي.

تواصل أدب أحمد اليسوي الصوفي في «حاكم آتا» لسليمان باقرخاني (ت‍ـ 582ه‍ ) الذي كان من مريديه. و يعتبر الأثر الآخر لباقرخاني تحت عنوان «آخر الزمان» نموذجاً آخر للأدب الديني (للتحليل، ظ: قونيراتبايف، 99-100)، حيث إن موضوعه الأصلي، أي حتمية وقوع آخر‌الزمان و ازدياد الفساد، كانت له جذور قبل ذلك في أشعار أحمد اليسوي (قا: ص 174)، حيث تطرق إليه بشكل تفصيلي أكثر (ظ: ط قازان، تق‍ : مالوف، 1897م).

 

الأدب الأغوزي

استناداً إلى تحليل بوروكوف الذي أيده بعض آخر من المتخصصين في الدراسات التركية، فقد كانت توجد في آسيا الوسطى و غربها، دائرة أدبية أغوزيه بموازاة الأدب القراخانـي، كانت قـد ترعرعـت فـي البيئـة الإسلاميـة (ظ: نجيب، 87-89). و رغم أن هذا الوسط الأدبي ترك تأثيراً جدياً في ظهور الأدب الجغتائي (ظ: ن.ص)، و لكننا نلاحظ الوجه الأصلي والملموس للأدب الأغوزي منذ القرن 6ه‍ في آثار أدباء الأناضول و آذربايجان و خراسان، بل و حتى مناطق إيران الداخلية تأثرت في أسلوبها كثيراً بالأدب الفارسي و الأدب الإسلامي المشترك. ومن بين النماذج الأخرى لآثار هؤلاء الشعراء الأتراك في الغرب في القرن 7ه‍/13م، يمكن ذكر بعض أشعار وملمعات جلال‌الدين المولوي و مجموعة شعرية تناهز 400 بيت لبهاء‌الدين سلطان ولد (تـ‍ 712ه‍‌)، تتضمن رؤية عرفانية للإسلام، بنفس الأسلوب المعهود في أشعارهم الفارسية (أيضاً ظ: بيوركمان، 406-408؛ زينالوف، 82).

و هناك نموذج آخر في هذه الفترة تأثر بنسبة أقل بالأدب الفارسي، و هو چرخ نامه لأحمد الفقيه (تـ‍ 618ه‍) الذي يمكن اعتباره في المفاهيم على الأقل، الامتداد للأسلوب القراخاني. يعد چرخ نامه أثراً أخلاقياً، و رغم أن مؤلفه الفقيه، كان مطلعاً على تعاليم الصوفيين و العارفين، و عارفاً بالتعابير الشائعة في أشعار هذه الجماعة، مثل چرخ ظالم (البيت 48) و جام شراب (البيت 53)، و لكن لغته في هذا الأثر هي بشكل عام لغة متشرعة وقريبة من لغة الشعراء القراخانيين (عنه، ظ: بيوركمان، زينالوف، ن.صص). و قد ألقت التعاليم الإسلامية بظلها على هذا الكتاب مثل الدعوة إلى التوبة من الذنوب، كأول نصيحة للشاعر (البيت 9) و تجنب الغرق في أمور الدنيا في جميع أرجاء الأثر، و النهي عن الغفلة و دعوة الناس إلى العمل (البيتان 13-14)، و التذكير بأهوال القيامة و تصوير الوقائع الفظيعة قبل قيامها (البيت 30)، والدعوة إلى اتباع سنة رسول الله (ص) (البيت 43) و التذكير بالأخوة الإيمانية بين المسلمين (البيتان 2-3). و فضلاً عن ذلك، يلاحظ أيضاً في چرخ نامه، في بعض المواضع التضمين المفهومي للآيات القرآنية و الأحاديث النبويـة؛ و على سبيل المثال فإن آية « و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون» (الذاريات /51/56) تم تضمينها بأن الهدف و الغاية من المجيء إلى الدنيا و خلق المخلوقات هو العبادة (البيت 5) و تقترن هذه الفكرة مع فكرة أخرى مقتبسة من الأحاديث و هي أن خلق العالم كان من أجل وجود النبي (ص) (البيت 79؛ لنماذج أخرى من تضمين الآيات والأحاديث، ظ: البيتان 32، 65).

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: