الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

و قد كان أصحاب الحديث و بسبب الآراء الخاصة التي كانوا يبرزونها في باب الصفات الإلٰهية، نموذجاً بارزاً للاتجاه الذي كان يعرف في تاريخ الكلام الإسلامي بالصفاتية. و لم‌يكونوا يفرقون بين صفات الذات و الفعل؛ و كانوا يتجنبون التأويل و التفسير، فكانوا على سبيل المثال يفسرون «اليد» بالنسبة إلى اللـه باللفظ عينه، و ما أكثر ماكانوا يتجنبون أي حكم بسب نقصان العلم البشري، و هم يرون أن القرآن كلام اللـه، و أن كلام اللـه ليس مخلوقاً، و لكن لايمكن القول إن القرآن قديم بالألفاظ الموجودة (ظ: الصابوني، 106-122، 127؛ الشوكاني، 94-95؛ أيضاً أبوزهرة، 308-345).

وقد بلغ من تطرف بعض أصحاب الحديث في إثبات الصفات التي هي غير ذات اللـه و العارضة عليها حداً بحيث أطلق عليهم المعارضون اسم الحشوية. و قد سعوا، اتباعاً لأسلافهم الصفاتية، من أجـل إثبات الصفات للحق تعالى حتى إنهم قالوا بالحركة والحد و الجهة و غير ذلك للّه و بشكل عام فقد اقتربوا من تجسيم الله. و قد بلغ إصرارهم على التشبيه حداً بحيث اعتقد بعضهم برؤية اللـه، لا في الآخرة و حسب، بل و في هذه الدنيا أيضاً. و قد كانوا يعتبرون معرفة الحق بالتقليد فقط، و لكن ليس بالبحث و التأمل، فقد كانوا يعتبرونهما حراماً. و كانوا يرون أن تأويل آيات القرآن وتفسيرها يجب أن يتما في قالب الظواهر وحسب. و في الحقيقة فإن المؤمنين بالمنهج المذكور الذين كانوا يأخذون بالتشبيه والتجسيم في التعامل مع الصفات الإلٰهية، ويسميهم الآخرون المشبِّهة و المجسِّمة، كانوا قد كفوا عن الكلام، و التفسير العقلي للقرآن. فقد كانوا يصرون على أنه ليس من واجب الإنسان معرفة المعاني الباطنية، و أن القبول المحض هو الواجب و لذلك قالوا بصفات مثل الصفات البشرية لله (ظ: الأشعري، مقالات...، 207-211، 217، مخ‍؛ الشهرستاني، 1/171-179، 476-477؛ ابن المرتضى، 19، 24، 114؛ أيضاً ظ: ن.د، أصحاب الحديث).

تجسدت غاية هذا المنهج في تعاليم ابن كرّام (تـ255ه‍(، مؤسس مذهب الكرامية الذي كان يعتقد بنوع من التجسيم. فقد كان يعتبر اللـه جسماً وجوهراً و فوق العرش. و رغم أن ظهور هذا التفكيـر كان في منتصف القرن 3ه‍، ولكنـه ازدهر في القـرن 4ه‍ و قد تسببت الكرامية بمعارضتهم الشديدة للمتكلمين، في اختلافات و نزاعات كثيرة بين المسلمين؛ حتى إن الكرامية في خراسان سبقوا الحنابلة أيضاً في الإفراط في هذا الموضوع (ظ: الأشعـري، ن.م، 141؛ البغـدادي، 130-137، 140؛ الشهـرستانـي، 1/ 189-193؛ ابن‌‌ المرتضى، 19، 24، 111-112؛ أيضاً فان إس، كافة أرجاء الكتاب).

استمرت حركة أصحاب الحديث التي أطلق عليها فيما بعد اسم السلفية، بين الحنابلة، و لكن لم‌تظهر منهم شخصية بارزة حتى النصف الأول من القرن 5ه‍، حيث عمد القاضي أبويعلى ابن‌الفراء إلى التصنيف في هذا المذهب و تعزيزه. و لم‌تكن آراء ابن الفراء سوى تعاليم إمام المذهب الحنبلي، و قد كان يعمد في الغالب إلى تأييد الأفكار السلفية، و يكرر آراء المتطرفين الحنابلة في صفات اللـه و رؤيته و كلامه و الميزان و الصراط. و كان أيضاً يهتم بظاهر النص في جميع الأحوال و يتجنب تفسير الظواهر؛ و كان يعتبر الإيمان هو القول باللسان، و المعرفة بالقلب، و العمل بالجـوارح، و يرى أن مرتكب الكبيرة هـو مؤمن ناقص الإيمـان، و يعتقد بأنه مؤمن بسبب إيمانه، و فاسق بسبب كبيرته (ظ: أبويعلى، كافة أرجاء الكتاب).

و بعد فترة، حل محله ابن الجوزي الذي كان من الوعاظ والمؤلفين الحنابلة البارزين، حيث لم‌يكن يألو جهداً في التشدد على المخالفين، و لم‌يكن يعتبر الشيعة من جهة، و الخوارج من جهة أخرى مشركين و كافرين فحسب، بل كان يدين الطوائف المسلمة الأخرى و حتى السنة الذين لم‌يكونوا يتفقون معه في آرائه و مذهبه. و قد كان يعتبر الكلام مكروهاً، و يتبرأ من جميع المتكلمين، و ينهى عن الغور في المسائل العقائدية (ظ: ابن‌الجوزي، 161-165، 459-460، مخ‍ ).

 

ظهور الأنظمة الكلامية المخالفة للمعتزلة

كان الدفاع عن الرأي الديني التقليدي باستخدام أداة الخصم، أي الاستدلال الكلامي، رد فعل إزاء المعتزلة، و في الحقيقة فقد ظهر الإحساس بأن الدفاع العقلاني عن هذا الرأي أمام المعتزلة هو أمر ضروري. و قد خلق هذا الإحساس مقاومة فكرية في جميع أرجاء العالم الإسلامي، و لكن هذه الأفكار كانت بحاجة إلى فترة لتكسب شكلاً مدروساً و متماسكاً، و توجد نظاماً، أو نُظُماً في عرض النظام الفكري للمعتزلة و في مثل هذه الأرضية المناسبة، ظهرت 3 نظم كلامية في 3 مناطق من العالم الإسلامي، من خلال تقديم أراء متقاربة، و في فترة واحدة، أي في حدود القرن 4ه‍ : المذهب الطحاوي في مصر و المذهب الأشعري في العراق و المذهب الماتريدي في سمرقند.

و يجب أخذ النظام الأشعري بنظر الاعتبار فيما يتعلق بالمذهب الفقهي الشافعي، و باعتباره متأثراً إلى حد ما بأفكار أحمد بن‌حنبل، فيما يلاحظ النظامان الماتريدي و الطحاوي فيما يتعلق بمذهب أبي‌حنيفة. كان الماتريدي و الطحاوي كلاهما حنفيين، ولم‌يكونا في هجومهما على آراء المعتزلة، يبديان شدة و حدة أكثر من نظيرهما الأشعري، و لكن النظام الكلامي الأشعري كان أهم منهما. و قد تخرج الأشعري نفسه من المدرسة الجبائية، وكان في البدء وفياً لاعتقاد المعتزلة، و لكنه عدل عن رأيه لسبب لانعمله؛ ذلك لأنه لم‌يكن يرى الفكر المعتزلي قادراً على الإجابة على المسائل التي كانت قد واجهته. و قد أسس بعد أن أحاط علماً بشكل كامل بالأفكار المعتزلية، و آراء النحل و المذاهب الأخرى، نظاماً جديداً يخالف النزعة الفردية للمعتزلة، و يؤيد الاستناد إلى القرآن و سنة النبي (ص) و آثار السلف الفكرية. وقد خالف غالبية أصول النظام المعتزلي بعد أن اعتبرهم أهل بدعة. ونبذ جانباً نظرية الاختيار، و حدوث القرآن، و مفهوم العدل الإلٰهي، وقدرة عقل الإنسان، و الحسن و القبح الذاتيين للأفعال، والمنزلة بين المنزلتين، و طرح في مقابلها بعض الآراء في مذهبه. حتى إنه لم‌يكن يرى وجوب نفي الصفات القديمة، وذلك في موضوع التوحيد، حيث كان مضطراً إلى موافقتهم.

أيد الأشعري، بعد تغيير رأيه و نفي العقيدة المعتزلية في باب الصفات 7 صفات إلٰهية رئيسة: الحياة و العلم و القدرة و الإرادة والسمع والبصر و النطق، و لكنه سعى في بداية ذلك إلى أن يبرر صفات مثل اليد و الرجل و الوجه. و لكنه في المرحلة التالية من التحول الفكري وعندما اتفق مع الأفكار الحنبلية، أو تأثر بها، لم‌يعد يرى حاجة إلى تبرير شيء، بل قبلها بلاكيف و بلاتشبيه، كي يكون بذلك قد نفى التشبيه و التجسيم عن اللـه. و كان الأشعري يرى أن الذات الإلٰهية بريئة من أي نوع من الجسمانية في نفس الوقت الذي أذعن فيه لصفات مثل اليد و الوجه لله، ولكنه لم‌يكن يتجنب أيضاً الإذعان بجهله بالنسبة إلى ماهية هذه الصفات. و من بعد الأشعري، عاد بعض من أتباعه إلى رأي المعتزلة في باب توحيد الصفات، و إنهم قالوا بمعان استعارية لهذه الصفات.

كان الأشعري يعتبر الصفات أزلية، و قائمة بذات اللـه، دون أن يصرح بوحدة الذات و الصفات، أو غيريتها. و يرى الأشعري نظراً للصفات الأزلية مثل العلم و السمع و النطق، أن اللـه يعلم ويسمع ويتكلم؛ و في نفس الوقت فإن القرآن هو أيضاً كلام اللـه، و لذلك فهو قديم. و يرى الأشعري أن كل صفة من صفات الباري تعالى واحدة؛ فكل من قدرته و كلامه و إرادته و غير ذلك واحدة. و في باب مسألة القدر يتمثل رأي الأشعري في أن الاختيار ينافي قدرة اللـه المطلقة، و لذلك لايمكن أن يكون صحيحاً، فالله يخلق في مخلوقه القدرة و الاختيار أيضاً مقترنين مع الفعل. و في الحقيقة فإن نظرية الأشعري هي بيان وجه لإحساس الاختيـار الموجود فـي الإنسـان، و ليسـت ــ كما قال البعض ــ سعياً لإيجاد التقارب و التوافق بين الرأيين المتضادين الجبر والتفويض.

كان الأشعري يجيز التكليف بما لايطاق، و يرى أن التكليف جائز للشخص الذي لايمتلك أساساً القدرة على الفعل. و بالطبع فإن قوله هذا أتاح للمعارضين الذريعة و قد حاول بعض كبار الأشاعرة فيما بعد تعديله. و يرى الأشعري أن الحسن و القبح صفتان وراء الوجود، و أفعال الإنسان ليست حسنة و لاسيئة من حيث إنها موجودة. و الشرع هو الذي يعين فيما إذا كان الأمر حسناً، أوسيئاً: و ما اعتبره الشرع حسناً هو حسن و غيره سيىٔ. والعقل لايستطيع سوى متابعة الشرع (ظ: الأشعري، الإبانة، أيضاً اللمع، كافة أرجاء الكتابين، مقالات، 298، 454-455؛ البغدادي، 199-204، 211-212؛ الشهرستاني، 1/145-170؛ ن.د، الأشعري، أيضاً الأشاعرة).

انتشر المذهب الأشعري بسرعة، و وافق أذواق المفكرين الذين كانوا يريدون أن يجدوا وجوهاً عقلانية لطريق الشرع التقليدي، و لكن هذا المذهب الكلامي سلك تدريجياً سبيل الأفول بعد العصر الذي أهمل فيه طريق الاعتزال و استقر المذهب الأشعري رسمياً في ذروة السلطة، بحيث أن كلا المكتبين فقدا منزلتهما في العالم الإسلامي بعد هجوم المغول، و لم‌يعد المفكرون الإسلاميون الآخرون ينسبون أنفسهم إلى أي من هذه المذاهب منذ حوالي القرن 10ه‍، رغم أن الاتجاهات الأشعرية كانت ماتزال قائمة. و من الملفت للنظر، في باب المقارنة، أن المذهب الماتريدي كان يتمتع حتى القرون الأخيرة بالإقبال و خاصة في ماوراء‌النهر.

كان النظام الفكري الماتريدي يشبه إلى حد كبير المذهب الأشعري و كانت الاختلافات بينهما تعد بالأصابع، و لكن من الممكن اعتبار بعض هذه الاختلافات جدية و مؤدية إلى انشقاق حقيقي. و من الملاحظات المهمة في هذه الاختلافات إسناد الاختيار إلى الإنسان من قبل الماتريدي، في حين أنه كان يعتبر الإرادة الإلٰهية أيضاً مؤثرة في وقوع الأفعال؛ أي إنه يرى أن الاختيار و القضاء الإلٰهيين يقعان إلى جانب بعضهما البعض. كان الماتريدي يتهم الأشعري بالاعتقاد بالجبر، و كان الماتريديون يقولون أيضاً باختيار البشر، رغم أنهم كانوا يعتبرون الأفعال مخلوقة من قبل اللـه؛ فالجزاء، أو الثواب موكولان به. و قد عدل بعد الأشعري بعض أتباعه البارزين عن نظريته هذه؛ حتى إن أمام الحرمين الجويني قال ببطلان نفي قدرة الإنسان و نفي أثرها والذي كان الأشعري يقول به، و اعتبر الإنسان قادراً على الأعمال، و لكنه اعتبر اللـه مصدر قدرته (ظ: الجويني، عبدالملك، 97-100، 107؛ الشهرستاني، 1/ 159-160).

و يرى الماتريديون، أن الاستطاعة هي نفس القدرة على الفعل و هي متزامنة معه؛ و أن التكليف بما لايطاق محال؛ و الإيمان تصديق و إقرار، و أن الإيمان و الإسلام كليهما معرفة اللـه، ولكن الإسلام أعم من الإيمان. و قد رأوا كالأشاعرة أن الأفضل أولاً بعد النبي (ص) أبوبكر حتى نصل إلى الإمام علي (ع)، ولكنهم كانوا يرون أن لاخليفة بعد النبي (ص) سواهم، و أن من جاء بعدهم سلاطين؛ أي يجب أن لانعتبر المتبقين في عداد خلفاء النبي (ص) (ظ: الماتريدي، 211-262، مخ‍‌؛ أيضاً «شرح الفقه الأكبر»، 7-10، 12-13).

 

الكلام في المحافل الإمامية

تلاحظ حركات جديدة في تاريخ كلام الإمامية في أوائل القرن 4ه‍‌؛ ففي هذه الفترة تم تأليف عدد كبير من المؤلفات في مباحث الإمامة من قبل متكلمي هذا المذهب، و لكن الحركة الهامة في هذه الفترة تمثلت في ظهور المذهب الكلامي للنوبختيين و على رأسهم أبوسهل النوبختي الذي استطاع أن يقدم نظاماً كلامياً شاملاً و يتصدى لهجمات المتكلمين المعارضين الأقوياء. و تدل عناوين آثار أبي‌سهل على أنه كان متفقاً مع المعتزلة بشكل كامل في الكثير من المباحث الكلامية الأخرى، عدا مباحث الإمامة، و مما يؤيد ذلك الآراء المنقـولة عـن بنـي نوبخت فـي الأوائـل للشيـخ المفيـد، و خاصة في باب الوعيد (مثلاً ظ: ص 71-72، 96-98؛ أيضاً ظ: ن.د، أبوسهل النوبختي).

و منذ عصر أبي‌سهل و حتى أواخر القرن 4ه‍، تلاحظ أسماء المتكلمين الإمامية في مناطق مختلفة من خراسان و حتى مصر؛ وقد كان من بينهم أشخاص مثل ابن قبة الرازي و محمد بن بحر الرهني و ابن رستم الطبري و أبي الأحوص المصري و ابن أبي عقيل العماني و أبي الطيب الرازي الذين ركزوا اهتمامهم على مباحث الإمامة و الإجابة على شبهات المخالفين في هذا المجال، و انشغل أشخاص مثل الحسن بن موسى النوبختي على تأليف آثار في مسائل علم الكلام المتنوعة بأسلوب ذي نزعة عقلية، وأبي‌القاسم الكوفي بأسلوب ذي نزعة غالية (ظ: ابن‌النديم، 226؛ الطوسي، 190، مخ‍؛ النجاشي، 63-64، 157، 265-266، مخ‍‍‌). ومما يجدر ذكره أن بعض متكلمي هذا العصر مثل ابن عبدك وأبي منصور الصرام، كانوا قريبين من تعاليم المعتزلة أكثر من الآخرين، ويقولون بالوعيد (ظ: الطوسي، 193-194).

و أخيراً، تجب الإشارة في هذه الفترة إلى آثار عقائدية لفريق من علماء الإمامية عمدوا في آثارهم إلى طرح المباحث الكلامية بأسلوب ذي نزعة حديثية، رغم أننا لايمكن أن نعتبرهم متكلمين، حيث تركوا تأثيراً هاماً في ظهور الكلام الإمامي في القرون التالية. و في هذا المجال، تجدر الإشارة إلى نماذج مثل باب الأصول من الكافي للكليني، و كتابي التوحيد و الاعتقادات لابن‌بابويه. فقد عمد الشيخ المفيد (تـ‍ 413ه‍ ) في الأوائل إلى نقل عقائد هذه الفئة بتعبير «أصحاب الحديث الإمامية»، أو بتعابير قريبة منه (مثلاً ص 72، 80، 81)، و تعد رسالته تصحيح الاعتقاد في نقد آراء ابن بابويه ذروة الاصطدام بين هذين الفريقين.

و يجب اعتبار العالم البغدادي الشهير الشيخ المفيد المحيي للكلام الإمامي بعد مدة من الفتور. فبالإضافة إلى معرفته العميقة بآراء المتكلمين الإماميين القدامى، كانت له أيضاً دراسات واسعة في آثار المعتزلة ــ و خاصة مؤلفات أبي القاسم البلخي زعيم المذهـب البغـدادي ــ و أفـاد منهم كثيراً في المناهج والأساليب الكلامية. و يمكن القول من خلال المقارنة بين آرائه الكلامية وتعاليم المعتزلة إنه اقترب كثيراً في مبحثي التوحيد والعدل من مذهب المعتزلة، فيما ابتعد عنهم كثيراً في مباحث مثل الإمامة والوعيد (ظ: مكدرموت، كافة أرجاء الكتاب).

استمر التيار الذي أحدثه الشيخ المفيد، على يد تلامذته البارزين مثل الشريف المرتضى و الشيخ الطوسي، و ألفت آثار عديدة و مفصلة أحياناً في كلام الإمامية مثل الذخيرة للشريف المرتضى، و تقريب المعارف لأبي‌الصلاح الحلبي و تمهيد الأصول للشيخ الطوسي، حيث كانت تجسد أصولاً واحدة. و ممن يجدر ذكرهم من متكلمي الإمامية في القرن 6ه‍، سديدالدين الحمصي العالم الرازي في النصف الثاني من ذلك القرن، حيث وصلنا من آثاره المنقذ من التقليد؛ و قد كان الحمصي يوافق المتكلمين البغداديين في هذا الأثر أيضاً في كل من أسلوب طرح المسائل، والأصول الكلامية، و أما ما كان يحاربه بشدة فهو الاعتقاد غير المستدل عليه و التقليدي في أصول الدين.

 

الإسماعيلية وتدوين الأسس الاعتقادية

كان الإسماعيلية في البدء حلقة من الشيعة الإمامية، حيث كانوا يعتبرون الإمامة بعد الإمام الصادق (ع) من حق ابنه الأكبر إسماعيل. و يلف الغموض بداية تاريخ الإسماعيلية (عهد الستر). فقد كان أئمة الإسماعيلية في هذه الفترة، أئمة مختفين بحيث إن تعيين سلسلة هؤلاء الأئمة المستورين يقترن الآن بإشكالات كثيرة، حتى و إن كان ممكناً. وفضلاً عن ذلك فإن مفهومي الإمام المستقر و الإمام المستودع يزيد إلى حدما من إبهام القضية (ظ: الشهرستاني، 1/424-425؛ غالب، 41؛ تامر، 143-144؛ أيضاً ظ: أخبار القرامطة، مخ‍ ).

و أما اقتدار الإسماعيليين فقد بدأ منذ أن هيأ الداعي الإسماعيلي الكبير أبو عبداللـه الشيعي الأرضية السياسية لتشكيل الإمامة الإسماعيلية في المغرب و ذلك بعد أنشطة دعائية واسعة في شمال أفريقيا، و أسست الخلافة الفاطمية بواسطة عبيداللـه المهدي (ظ: الجويني، عطاملك، 3/155-186؛ ابن خلدون، 3(4)/757-766، مخ‍؛ غالب، 156 ومابعدها).

كانـت جماعة إخـوان الصفا تمثـل أهم منظريـن إسماعيليين ــ بعد الرواد و المؤسسين الأوائل للمذهب ــ حيث كانوا يعتبرون جمعيـة سرية مـن الفلاسفة و المفكريـن ــ كانوا يحاولون عدم الكشـف عـن أسمائهـم ــ في داخل فرقة من أهل السر (ظ: رسائل...، 4/41-60، مخ‍؛ أيضاً الدسوقي، 50-54، 91- 98). و قد أسس أعضاء هذه الجمعية من خلال المزج بين الآراء الأفلاطونية المحدثة، و الفيثاغورية و الأرسطية، و الفكر الشيعي، مذهباً فكرياً سعى لأن يوفق بشكل‌ما بين الدين و الفلسفة. و كانوا يحاولون من خلال المذهب الذي أسسوه أن يوضحوا الحقائق الباطنية لعالم الوجود و الحياة الاجتماعية بشكل عقلاني، و أن يسوقوا الآراء الأساسية للإسماعيلية إلى ساحة الفلسفة، و ينشروا بطريقة‌ما التعاليم بين فضلاء أهل المذهب بحيث تكون قادرة بكفاءة على مواجهة جميع المذاهب باعتبارها سلاحاً فاعلاً. وقد كان الهدف النهائي لإخوان الصفا أن يؤمنوا بفكرهم سعادة الإنسان في ظل تعاليم المذهب و هداية الإمام. و كانوا يفسرون نهاية الكمال الإنساني بتطهير النفس من الشوائب المادية، و الصعود التدريجي، و أخيراً الاستحالة في النفس الكلية، و لكنهم كانوا يعتبرون كل ذلك ميسراً عن طريق الاقتراب من الإمام لأنه يمتلك العلم الحقيقي (للتفصيل، ظ: جامعة الجامعة، 137-140، مخ‍؛ رسائل، 1/260-262، مخ‍؛ أيضـاً الدسوقي، 224-231؛ ن.د، إخـوان الصفاء).

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: