الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

انحطاط التصوف

لقد فقد التصوف باعتباره قوة مؤثرة في الثقافة الإسلامية جاذبيته منذ فترة طويلة. و حتى قبل أن ينحسر بشكل نهائي في القرنين الأخيرين، فإنه ابتعد قبل ذلك بمدة طويلة عن التجارب العرفانية، كما انعكس في أدب الصوفية القديم، بل إننا لانصادف في هذا القرن الأخير لساناً مبدعاً يستحق الملاحظة في الأدب الصوفي. و بالطبع فإننا لانتوقع في الوقت الحاضر ظهور غزالي جديد، أو ابن‌عربي آخر، و لكن نشاط السلاسل و الطرائق الصوفية لاتبدو الآن قائمة على التصوف الحقيقي. و أما التأثير الذي كانت تمارسه هذه الطرائق في الحياة السياسية للمسلمين في شمال أفريقيا و مصر والهند، فإنه لم‌يعد يحظى بالأهمية. على أن المبادئ العرفانية للصوفية لم‌تكن هي وحدها التي خرجت على أثر القضايا الاجتماعية الجديدة من نطاق المباحث الإلٰهية تدريجياً، بل إن التصوف لم‌يعد يعتبر اليوم عاملاً فاعلاً في إحياء الفكر الديني، و بالطبع فإن غلبة الفكر المتشرع في الكثير من المجتمعات الإسلامية، حدّت بشدة من الرغبة المحدودة التي كانت تُبْدى في بعض المجتمعات.

 

المصادر

الآملي، حيدر، جامع الأسرار و منبع الأنوار، تق‍ : هنري كوربن و عثمان إسماعيل يحيى، طهران، 1368ش؛ إبراهيمي ديناني، غلامحسين، شعاع أنديشه وشهود در فلسفۀ سهروردي، طهران، 1364ش؛ ابن أبي الحديد، عبدالحميد، شرح نهج البلاغة، تق‍ : محمد أبوالفضل إبراهيم، القاهرة، 1991م؛ ابن سينا، الإشارات والتنبيهات، طهران، 1403ه‍؛ ابن عبدربه، أحمد، العقد الفريد، تق‍ : أحمد أمين وآخرون، بيروت، 1402ه‍؛ ابن عربي، محيي‌الدين، الفتوحات المكية، بيروت، دار صادر؛ ابن الفوطي، الحوادث الجامعة، بغداد، 1351ه‍؛ أبومنصور الأصفهاني، «معاني التصوف»، «دو أثر كوتاه از أبو منصور أصفهاني»، تق‍ : نصرالله پور جوادي، معارف، 1368ش، الدوره 6، عد 3؛ أبونصر السراج، اللمع، تق‍ ‍‌: عبدالحليم محمود وطه عبدالباقي سرور، القاهرة/ بغداد، 1960م؛ «أثولوجيا»، منتخباتي أز آثار حكماي إلهى إيران، تق‍ : هنري كوربن و جلال‌الدين الآشتياني، مشهد، 1355ش، ج 3؛ أحمد جام، أنس التائبين، تق‍ : علي فاضل، طهران، توس؛ أخبار الحلاج، تق‍ : ل. ماسينيـون و پ. كـراوس، بـاريس، 1936م؛ الأفـلاكـي، أحمـد، مناقـب العارفيـن، تق‍ : تحسين اليازيجي، طهران، دنياي كتاب؛ إقبال الآشتياني، عباس، خاندان نوبختي، طهران، 1345ش؛ بدوي، عبدالرحمان، دور العرب في تكوين الفكر الأوروبـي، الكويـت/ بيـروت، 1979م؛ البغـدادي، عبـدالقاهـر، الفرق بين الفـرق، تق‍ : محمد زاهد بن الحسن الكوثري، بغداد، 1367ه‍؛ پورنامداريان، تقي، رمز وداستانهاي رمزي در أدب فارسي، طهران، 1364ش؛ البيروني، أبوالريحان، تحقيق ماللهند، حيدرآباد الدكن، 1377ه‍/1958م؛ التهانوي، محمد أعلى، كشاف اصطلاحات الفنون، تق‍ : محمد وجيه و آخرون، كلكتا، 1862م؛ الثعالبي، عبدالملك، ثمار القلوب، تق‍ : محمد أبوالفضل إبراهيم، القاهرة، 1379ه‍/1959م؛ الجامي، عبدالرحمان، نفحات الأنس، تق‍ : مهدي توحيدي پور، طهران، 1366ش؛ م.ن، نقد النصوص، تق‍ : وليم تشيتك، طهران، 1370ش؛ الجرجاني، علي، التعريفات، القاهرة، 1306ه‍؛ جنثالث پالنثيا، آنخل، تاريخ الفكر الأندلسي، تج‍ : حسين مؤنس، القاهرة، 1955م؛ الجندي، مؤيد‌الدين، نفحة الروح، تق‍ : نجيب مايل هروي، طهران، 1362ش؛ حافظ، الديوان، تق‍ : بهاء‌الدين خرمشاهي، طهران، نيلوفر؛ الحلاج، الحسيـن، «الديـوان»، مع الشرح لكامـل مصطفى الشيبـي، بيروت/ بغـداد، مكتبـة النهضة؛ م.ن، الطواسين، تق‍ : ماسينيون، باريس، 1913م؛ حميدي، مهدي، «عطار»، يغما، 1344ش، عد 2 و 4؛ الخاقاني، ديوان، تق‍ : ضياء‌الدين سجادي، طهران، 1357ش؛ الخواجه عبدالله الأنصاري، طبقات الصوفية، تق‍ : محمد سرور مولايي، طهران، 1363ش؛ الخوارزمي، الحسين، جواهر الأسـرار، تق‍ : محمد جواد شريعـت، أصفهان، مشعل؛ م.ن، شرح فصوص الحكم، تق‍ : نجيب مايل هروي، طهران، 1363ش؛ الديلمي، أبوالحسن، سيرة الشيخ الكبير أبو عبد الله بن الخفيف الشيـرازي، تق‍ : شيمل طاري، طهران، 1363ش؛ روزبهان البقلي، شرح شطحيات، تق‍ : هنري كوربن، طهران، 1360ش؛ ريتر، هلموت، درياي‌جان، تج‍ : عباس زرياب، طهران، 1374ش؛ زرين‌كوب، عبدالحسين، «أدبيات عرفاني»، مجلۀ دانشكدۀ أدبيات و علوم إنساني دانشگاه تهران، 1350ش، عد 77؛ م.ن، أرزش ميراث صوفية، طهران، 1344ش؛ م.ن، جست و جو در تصوف إيران، طهران، 1363ش؛ م.ن، دنبالۀ جست و جو، طهران، 1362ش؛ م.ن، سر ني، طهران، 1364ش؛ م.ن، نقش برآب، طهران، 1368ش؛ م.ن، نه شرقي نه غربي إنساني، طهران» 1356ش؛ سعدي، گلستان، تق‍ : غلام‌حسين يوسفي، طهران، 1368ش؛ السمعاني، عبدالكريم، الأنساب، تق‍ : عبدالرحمان يحيى المعلمي اليماني، حيدرآباد الدكن، 1385ه‍؛ السنائي، ديوان، تق‍ : مظاهر مصفا، طهران، 1336ش؛ السهروردي، عمر، عوارف المعارف، بيروت، 1966م؛ السهروردي، يحيى، «المشارع والمطارحات»، مجموعة في الحكمة الإلٰهية، تق‍ : هنري كوربن، إستانبول، 1945م، ج 1؛ الشبستري، محمود، گلشن راز، تق‍ : أحمد مجاهد و محسن كياني، طهران، 1371ش؛ م.ن، مجموعة آثار، تق‍ : صمد موحد، طهران، 1365ش؛ شفيعي كدكني، محمد رضا،حواش على تصوف إسلامي و رابطۀ إنسان و خدا لنيكلسون، تج‍ : نفس المؤلف، طهران، 1358ش؛ شمس التبريزي، مقالات، طهران، 1349ش؛ الشهرزوري، محمد، شرح حكمة الإشراق، تق‍ : حسين ضيائي تربتي، طهران، 1372ش؛ الشيبي، كامل مصطفى، الصلة بين التصوف و التشيع، القاهرة، 1969م؛ صدرالدين الشيرازي، محمد، الأسفار، قـم، دارالمعارف الإسلامية؛ م.ن، كسرأصنام الجاهليـة، تق‍ : محمدتقـى دانش‌پژوه، طهـران، 1340ش؛ العبـادي، منصور، مناقب الصوفيـة، تق‍ : نجيب مايل هروي، طهران، 1362ش؛ عبدالرزاق الكاشي، «اصطلاحات»، في هامش شرح منازل....(هم‍‍)؛ م.ن، شرح منازل السائرين، طهران، 1354ش؛ م.ن، شرح فصوص الحكم، القاهرة، 1309ه‍؛ عريب بن سعد، «صلة تاريخ الطبري»، ج 11 تاريخ الطبري؛ عزالدين الكاشاني، محمود، مصباح الهداية، تق‍ : جلال الدين همائي، طهران، 1323ش؛ العفيفي، أبوالعلا، تعليقات على فصوص الحكم لابن عربي، بيـروت، 1400ه‍؛ علاء الدولـة السمناني، أحمـد، چهـل مجلس، تق‍ : نجيب مايـل هروي، طهران، 1366ش؛ عيـن القضاة الهمداني، زبدة الحقائق، تق‍ : عفيف عسيران، طهران، 1340ش؛ الغزالي، محمد، إحياء علوم الدين، بيروت، 1403ه‍/1983م؛ م.ن، كيميـاي سعـادت، تق‍ : أحمـد آرام، طهـران، 1352ش؛ م.ن، المنقـذ من الضـلال، تق‍ : فريد جبر، بيروت، 1959م؛ غني، قاسم، بحث در آثار وأفكار و أحوال حافظ، طهران، زوار؛ غولپينارلي، عبدالباقي، مولوية بعد أزمولانا، تج‍ : توفيق سبحاني، طهران، كيهان؛ الفارابي، محمد، الجمع بين الرأيين، طهران، 1405ه‍؛ فخرالدين الـرازي، التفسير الكبيـر، القاهرة، 1313ه‍؛ الفرغانــي، سعيد، مشـارق الـدراري، تق‍ : جلال‌الدين الآشتياني، طهران، 1357ش؛ فروزانفر، بديع‌الزمان، أحاديث مثنوي، طهران، 1361ش؛ م.ن، سخن و سخنوران، طهران، 1358ش؛ م.ن، شرح أحوال ونقد و تحليل آثار شيخ فريد‌الدين عطار نيشابوري، طهران، 1339-1340ش؛ م.ن، شرح مثنوي شريف، طهران، 1347ش؛ م.ن، مجموعۀ مقالات وأشعار، تق‍ : عنايت‌الله مجيدي، طهران، 1351ش؛ القرآن الكريم؛ القشيري، عبدالكريم، ترجمۀ رسالۀ قشيرية، تق‍ : بديع‌الزمان فروزانفر، طهران، علمي وفرهنگي؛ م.ن، الرسالة القشيرية، القاهرة، 1367ه‍؛ قطب الدين الشيرازي، شرح حكمة الإشراق، طهران، 1313ه‍؛ القمـي، عباس، سفينة البحـار، طهران، 1355ش؛ القونـوي، صدرالدين، الفكـوك، تق‍ ‍‌: محمد خواجوي، طهران،1371ش؛ القيصري، داود، شرح فصوص الحكم، طهران، 1299ه‍؛ كـارادي فو، برنـار، متفكـران إسلام، تج‍ : أحمـد آرام، طهـران، 1361ش؛ اللاهيجي، محمد، شرح گلشن راز، تق‍ : كيوان سميعي، طهران، 1337ش؛ محمد ابن‌المنور، أسرارالتوحيد، تق‍ : محمد‌رضا شفيعي كدكني، طهران، 1366ش؛ مدكور، إبراهيم، في الفلسفة الإسلامية، القاهرة، 1367ه‍/1947م؛ المستملي البخاري، إسماعيل، شرح التعرف، تق‍ : محمد روشن، طهران، 1363ش؛ معصوم عليشاه، طرائق الحقائق، طهران،1316ه‍؛ المقدس الأردبيلي، أحمد، حديقة الشيعة، طهران، معارف إسلامي؛ المولوي، مثنوي معنوي، تق‍ : نيكلسون، طهران، 1363ش؛ النسفي، عزيز، الإنسان الكامل، تق‍ : ماريجان موله، طهران، 1362ش؛ م.ن، «زبدة الحقائق»، شرح أشعة اللمعات للجامي، طهران، 1263ه‍؛ نهج البلاغة؛ الهجويري، علي، كشف المحجوب، تق‍ : جوكوفسكي، طهران، 1371ش؛ همائي، جلال‌الدين، مقدمة مصباح الهداية (ظ: هم‍، عزالدين الكاشاني)؛ وأيضاً:

 

Anawati, G. C. and L. Gardet, Mystique musulmane, Paris, 1961; Corbin, H., Creative Imagination in the Sufism of Ibn Arabi, tr. R. Manheim, Princeton University Press; id, En Islam Iranien, Paris, 1971; Lewisohn, L., «Overview: Iranian Islam and Persianate Sufism», The Legacy of Mediaeval Persian Sufism, London/New York, 1992; Massignon, L., Essai sur les origines du lexique technique de la mystique musulmane, Paris, 1968; id, La Passion deHallaj, Paris, 1975; id, Recueil de textes inédits…, Paris, 1929; Molé, M., «Les Kubrawia entre sunnisme et shiisme…», Revue des études islamiques, Paris, 1961, vol.XXIX; id, Les Mystiques Musulmans, Paris, 1965; Nicholson, R. A., The Idea of Personality in Sofism, 1964; id,The Mystics of Islam, London, 1970; Nöldeke, Th., «Şufi», ZDMG, 1894, vol. XLVIII; Pizzi, I., Storia della poesia persiana, Torino, 1970; Schimmel, A., Mystical Dimensions of Islam, Chapel Hill, 1975; Zarrinkoob, A. H., «Persian Sufism in its Historical Perspective», Iranian Studies, 1970, vol.III.

عبدالحسين زرين‌كوب/خ.

 

VIII. تأثير الإسلام في أدب الشعوب المسلمة

 

تأثير الإسلام في الأدب العربي: انعكس الإسلام في الشعر العربي بمجرد أن حقق أولى انتصاراته في المجالات المادية و الروحية؛ ذلك لأن بعض الشعراء الجاهليين ما إن رأوا «سيداً عربيا» تعاظم أمره حتى اتجهوا إليه على أمل أن يصيبهم من عطائه و صلاته. و بطبيعة الحال فقد مرت هذه الأشعار بمنعطفات كثيرة، و ما أكثر ما كان القسم الأكبر منها، أو كلها من اختلاقات العصور المتأخرة. و لكننا سنشير إليها على أمل أن تشتمل تلك الأشعار المختلقة احتمالاً على انعكاس للأوضاع و الأجواء الحقيقية.

و يعد الأعشى أقدم شاعر، حيث وفد على الرسول (ص)، استناداً إلى روايات مختلطة بالأساطير، بقصيدة أيد الكثير كونها مختلقة (مثلاً ظ: بلاشير، I/164-165). و أسلوب المدح في هذه القصيدة هو نفس الأسلوب الجاهلي، فالممدوح «جواد» بالدرجة الأولى، أي إنه مصدر «الصلة». و لم‌يرد فيها من المصطلحات الإسلامية، سوى كلمة «محمد» و «نبي»؛ و أما تعابير من مثل «زاد من التقى... تزوّدا» فمن الأفضل أن نعتبرها من إضافات العصر الإسلامي (ظ: ص 102؛ مبارك، 19).

و أما القصيدة الثانية التي نظمت في مدح نبي الإسلام (ص)، فهي لكعب بن زهير (ص 6-23) التي عرفت باسم «بانت سعاد» (ن.ع)، أو «البردة» أحياناً و أصبحت من ضمن أشهر القصائد العربية، أو أكثرها أصالة (بلاشير، II/271) استناداً إلى أحد الأقوال. و لم‌يكن كعب الذي نظم هذه القصيدة حقناً لدمه، قد أسلم بعد، و لاشك في أنه لم‌يكن يعرف شيئاً عن الإسلام؛ ولذلك، فإن القصيدة لاتحمل الطابع الإسلامي أبداً، رغم شهرتها الواسعة. فبناؤها ومضامينها و كلماتها جاهلية تماماً: فالممدوح رجل مقتدر و منتصر يسارع في الصفح عن الأعداء. و من أبرز مصطلحاتها الإسلامية «رسول الله» و «نافلة القرآن» (ص 19)، وأما كلمة «الرحمان» (ن.ص) و التي كانت تمثل اسم الله تعالى في اليمن، و كان استخدامها الإسلامي في بداية الوحي يقلق القرشيين بشدة (ظ: جوميه، 361-381)، فتبدو غريبة على الأقل في شعره.

و رغم أن هذه القصيدة لم‌تتأثر بالإسلام، إلا أنها في المقابل أدت إلى ظهور العشرات من القصائد التي نظمت بصدق في مدح خاتم الأنبياء (ص)، و امتلأت بالألفاظ و المفاهيم الإسلامية والإشارات القرآنية الخالصة. و نحن نقصد من ذلك التخميسات والتشطيرات والمعارضات التي نظمت حولها (مبارك، 24-26؛ GAS,IX/272-274؛ GAL,I/69-70).

و لعل من الممكن القول، إن الكلمات و التركيبات القرآنية نفذت شيئاً فشيئاً في الشعر العربي مع ظهور شعراء النبي (ص) عبدالله بن رواحة، و كعب بن مالك، و على رأسهم حسان بن ثابت. اعتنق حسان الإسلام بعد فترة طويلة قضاها في مدح الأمراء الغسانيين و اللخميين، و ذلك حوالي سنة 622م (السنة الأولى من الهجرة النبوية)، و أخذ منذ ذلك الحين يمدح نبي الإسلام وأصحابه لعشر سنوات، و لكنه لم‌يستطع أبداً التخلص من القوالب و المعاني القديمة التي كان قد اعتاد عليها منذ القدم، و بالطبع فإن النقائض الشعرية بين الكفار و المسلمين كانت تسهّل عليه مهمته، فكان بإمكانه بنفس الأساليب القديمة وخاصة توظيف الأنساب لدى العرب و ذكر المثالب و المناقب، الهجوم على الأعداء. و مع كل ذلك، و كما يشير بلاشير (II/315)، فقد ظهرت بعض التأثيرات الإسلامية في شعره. فتكررت في شعره كلمات مثل النبي و الرسول و الكتاب... و لكن هناك جملات تطالعنا في شعره لايمكن أن تبرز، إلا في أجواء مابعد القرآن (مثلاً ظ: 1/464: و يتلو كتاب الله في كل مشهد؛ قا: مبارك، 35، الذي أورد «مسجد» بدلاً من «مشهد»).

وتعد المراثي التي نظمها دون طمع في ارتحال النبي الأ‌عظم (ص) أكثر أشعار حسان صدقاً، فالطابع الإسلامي، و الألفاظ والمعاني القرآنية واضحة بشدة في هذه المراثي (و التي لاتتجاوز الثلاث). و يبدو نمط التعبير، و العواطف الخالصة والألفاظ الدينية كثيرة في هذه القصائد بحيث شكك البعض في صحتها (1/ 269-270، 272، 455-457). و يرى زكي مبارك (ص 37) إننا لو نسبناها إلى البوصيري الذي عاش بعده بعدة قرون، لبدت طبيعية. خاصة وإننا نراه يبكي في بداية القصيدة الدالية (1/455) على «الأطلال و الدمن» للنبي (ص)، كما فعل البوصيري، بدلاً من «النسيب» المعهود؛ و لكنه يعلم أن «الآيات» (الآية، الإيهام بآثار الأطلال) التي هي في «دار الحرمة» و كذلك «منبر الهادي» (منبر النبي الأعظم) الذي يقع فيها، سوف لاتزول طبعاً. و هذه الدقائق التي تبدو حقاً غير معقولة في شعر القرن الأول الهجري، تؤيد كلام زكي مبارك (أيضاً ظ: بكار، 262-267).

و كلما مضينا في الزمان إلى الأمام، نرى الثقافة العربية تجذب أكثر الآداب و التقاليد الإسلامية، فيتأثر الكتّاب و الشعراء بها شاؤوا، أم أبوا. و منذ ذلك الحين لانرى خطبة، أو مؤلَّفاً، إلا ويبدأ بالأدعية القرآنية و الصلاة على النبي (ص)، و على سبيل المثال فإن الخطبة التي لم‌تبدأ باسم الله تعالى (خطبة زياد بن أبي سفيان) أطلقت عليها لهذا السبب تسمية خاصة و هي «البتراء».

و فضلاً عن ذلك، فإن الحشد الكبير من الألفاظ الجاهلية التي كانت تشتمل على القيم الأخلاقية لذلك العصر، بدأ يتغير محتواه شيئاً فشيئاً، و على سبيل المثال فإن ألفاظاً مثل الشجاعة و السخاء و الوفاء و الصدق و الصبر أصبحت ذات طابع إسلامي، و من ضمن القيم المحددة في القرآن (قا: إيزوتسو، 53 و ما بعدها). ومع كل ذلك، فإن هذا التطور لم‌يكن بإمكانه أن يكون فجائياً، ويبدو أنه كان بطيئاً للغاية في الشعر، لأن الشعر و بسبب التقاليد الجاهلية الراسخة و تاريخه الممتد إلى أكثر من قرنين أولاً، وبسبب النزعات القبلية للأمويين ثانياً، لم‌يستطع الخروج بسهولة من أطره الخارجية و الداخلية، فحتى بداية القرن الثاني لم‌تكد قصيدة تخرج عن نمط النسيب مضافاً إلى الوصف و المدح، أو الهجاء، أو الرثاء. و الشعر الوحيد الذي اكتسب اتجاهاً جديداً هو الشعر الغزلي و ذلك بهمة عمر بن أبي ربيعة.

و في شعر كبار شعراء العصر الأموي، جرير و الفرزدق والأخطل تعد التعابير الإسلامية قليلة حقاً بالقياس إلى التعابير والقيـــم الفنيـــة ـ الأخـلاقية الجاهليـة. صحيـح أن الكلمـات والمصطلحات عرضت في شعر جرير و الفرزدق في جو إسلامي، و من الممكن كما أشرنا أن تكون قد اكتسبت مضموناً جديداً، إلا أن الألفاظ مازالت تتردد بين المفهومين الجاهلي و الإسلامي، ولم‌تستقر بعد بشكل نهائي. و قد استخدم الأخطل ــ الذي لم‌يكن مسلماً أساساً ــ تلك الألفاظ نفسها أيضاً.

وتدل نظرة عابرة إلى ديوان جرير ــ الذي كان على ماقال جميـع المؤلفين السابقين أكثر شعـراء «النقائض» طيبة و إيمانـاً ــ على أن القصائد العربية في القرن الأول كانت ماتزال بعيدة عن التأثير العميق للإسلام:

ففي الصفحات المائة و الخمسين الأولى من الديوان لاتتجاوز المصطلحات الإسلامية الخالصة، عشرة، أو عشرين موضعاً؛ وأهمها: حوض الرسول (ص 21، البيت 6) و حوض النبي (ص 79، البيت 4)؛ و هو يتحدث في معرض مدحه لشخص عن يوسف (ع) و إخوته (ص 35، البيت 4) و يدعو بأن يمنحه الله الفضيلة ويوفقه، كما وفق يوسف (ص 35، البيت 5)؛ و هو يصف الممدوح بأنه خليفة «الرحمان» (ص 35، البيت 3)؛ و نراه يفخر بنفسه في نزاعه مع الأخطل بأن «رسول الله» نهض من بينهم (ص 54، الأبيات 6- 8)؛ تكرر مصطلح «صلى الإلٰه» عدة مرات (ص 73، البيت1؛ ص 124، البيت1)؛ و قد ورث ممدوحه النبوة و الكتاب (ص 79، البيت 4)؛ و نرى الشاعر يستخير ربه (ص 101، البيت 6)؛ ويشبه عدوه في الشقاء بثمود (ص 128، البيت 4)؛ و يرى أن يدعوا ربهم بجد كي يرضى عنهم (ص 136، البيت 5)؛ و قد أعان القرشيون النبوة و الجهاد و أرشدوا المسلمين (ن.ص، البيت 7؛ ص 137، البيت1)؛ و من هداه الله سيهتدي، و من أضله فسوف لايجد الطريق المستقيم (ص 153، البيت 8)؛ و قد نزلت «ملائكة الرحمان» بين ممدوحيه، و هم لازاد لهم سوى «التوكل والتسبيح» (ن.ص، البيت 11)؛ و قد سُجّلت مرتبة ممدوحه الذي هـو «فـي طاعـة الله»، فـي «كتـاب الله»، فأنعـم عليـه بـ‍ »جنة الفردوس» (ص 159، البيتان 7 و8). و قد وظف جرير في المرثية الجميلة التي نظمها لزوجته (ص 201) المضامين الجاهلية غالباً، وهو لايدعو لها بصلوات الملائكة و الصالحين و الأبرار، إلا في بضع عبارات من البيت 15 و مابعده.

و من الواضح، أن المفاهيم الإسلامية هي الغالبة على هذا القبيل من الألفاظ، و على سبيل المثال، فإن «التسبيح و التوكل وجنة الفردوس» لم‌يأت بها أي أثر من الجاهلية، أو حتى المسيحية.

و لم‌يكن ديوان الفرزدق أفضل منه؛ و لكن القضية المهمة المطروحة في شعره، هي القصة الشيقة، و القصيدة الإسلامية المتجانسة و الملحمية التي نسبت إليه، و لكن هذه القصيدة التي تختلف عن أشعار الفرزدق الأخرى اختلافاً فاحشاً من حيث الصياغة، ليست له على مانرى (ظ: آذرنوش، 9 و ما بعدها) ويجب دراستها في نطاق أشعار العصور التالية.

 

الشعر الديني الخالص

ظهر منذ عهد خلافة الإمام علي (ع) حشد من الأشعار الدينية، و الدينية ـ السياسية حفلت بعواطف إسلامية ملتهبة، و بدأت بالشعراء المشايعين للإمام (ع). و لكن فريقاً من هؤلاء الأتباع انحرفوا، و أطلقوا باسم الخوارج صيحة التظلم في عصر كان يمثل النموذج الأسمى للتقوى و العدل. و قد جعلت منهم أوضاع العصر السياسية رجالاً راسخي العقيدة وملتزمين بالأحكام الدينية و معاندين إلى حد كبير في نفس‌الوقت، و لأن طلب الشهادة كان أهم وسيلة للنصر و القرب من الله بين أكثر فرقهم، فقد امتلأت أشعارهم بالصرخات المطالبة بالحـرب و الشهادة. و تموج تلك الأشعار بالحماس الإسلامـي ــ رغم انحرافه ــ مقترناً بحشد من الألفاظ القرآنية، أو الخاصة بالإسلام الحديث التأسيس. و قد تكررت فكرة الحرب و الموت المريضة فيها إلى درجة بحيث إنها تؤدي إلى ملل القارئ. وحتى الشاعر الكبير عمران بن حِطّان الذي كان يجالس صحابة النبي (ص)، و يحيط علماً بالفقه و الحديث فإنه غير مستثنى من هذه القاعدة (ظ: ضيف، 2/302-314؛ عباس، 9-26).

خمدت نيران شعر الخوارج في أواخر العصر الأموي تقريباً، ولكن شعر الشيعة الذي كان قد بدأ في نفس ذلك العصر، استمر حتى عصرنا محتفظاً بحماسه و قوته. و لعلنا نستطيع أن نصنف أشعار بعض الشعراء الذين مدحوا الإمام مثلاً في صفين (مثل حجر‌بن‌عدي، ظ: نعمة، 94) و كذلك بعض مقطعات أبي الأسود، فـي عـداد أول الأشعـار الدينيـــة ـ السياسية الشيعية (ص 133-136، 174-175، 180-182؛ ضيف، 2/ 318).

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: