الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

و من خلال نظرة عابرة إلى تاريخ التيارات العقائدية، يجب القول إن جهم بن صفوان الراسبي (ت‍ 128ه‍( من سكان سمرقند كان من أولى الشخصيات الحاملة للفكر الكلامي في بلاد ماوراء‌النهر، حيث كان قد أبدى في باب صفات البارئ، و مسائل المعاد ومباحث كلامية أخرى في ذلك العصر، آراء ذات نزعة عقلية. وكان جهم من البعد السياسي أيضاً، من معارضي الدولة الأموية، و قد شارك في إطار هذه الفكرة، في ثورة الحارث بن سريج المناهضة للأمويين في خراسان (ظ: الأشعري، 279-280؛ البغدادي، 194-195؛ عن أتباع مذهبه في ترمذ، ظ: المقدسي، 323).

و من التيارات الطائفية القديمة و العابرة في نفس الوقت في بلاد ماوراء‌النهر تيار المحكّمة الذي كان بإمكانه في بادئ الأمر أن يجد الكثير من المطالبين بالاستقلال المسلمين في ماوراء‌النهر نظراً إلى رؤيته الخاصة في مجال الحكم. و يبدو أن هذه النزعة وجدت طريقها إلى المنطقة بعيد الفتوح النهائية في بلاد ماوراء‌النهر، و ربما كان عكرمة مولى ابن عباس الذي سافر إلى سمرقند للدعوة، من أول الدعاة إليها (ظ: ابن سعد، 5/214؛ قا: الدرجيني، 1/11). و يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذه النزعة واجهت إقبالاً في خوارزم بشكل رئيس، حيث كانت تميزها خصائص إقليمية وثقافية مختلفة عن الصغد؛ ذلك لأن المقدسي العالم الجغرافي في القرن 4ه‍، اعتبر منطقة خوارزم قابلة للمقارنة مع سجلماسة في المغرب الأقصى من حيث الخصائص الإقليمية، بل و حتى أهاليها (ص 286)؛ فقد كانت مدينة سجلماسة الصحراوية ملاذ المحكّمه الصُفريين لفترة طويلة.

و كانت بلاد ماوراء‌النهر في العقدين 120 و 130ه‍ كما كان الحال بالنسبة إلى خراسان منطقة مناسبة لإرسال الدعاة الصفريين و الإباضيين، حيث لاقت الدعوة الإباضية نجاحاً نسبياً في خوارزم. و يعتبر أبو يزيد الخوارزمي أحد علماء هذه المنطقة، أهم داعية إباضي في الشرق الذي عاد إلى خوارزم بعد فترة دراسته في البصرة لدى أبي عبيدة إمام الإباضية و علماء المذهب الآخرين آنذاك، و نشر المذهب الإباضي بين الكثير من الناس (ظ: ابن‌سلام، 114؛ الكندي، 3/363؛ الشماخي، 1/ 88، 143). وعلى أثر مساعي أبي يزيد، كانت خوارزم تعد لفترة أحد المراكز الثقافية المهمة للإباضية، حيث تخرج منها علماء مثل جعفر الخوارزمي و ابنه عبدالرحمان و أبوسليمان الخوارزمي وعبد‌الله‌بن نصر الخوارزمي (ظ: الكندي، 360). و لكن تيار المحكّمة لم‌يستمر طويلاً في ماوراء‌النهر، حيث لانلاحظ له أثراً بارزاً في القرن 3ه‍.

و قد كان ممثلو طيف من الفكر الإسلامي، أي أصحاب الحديث ــ الذين كانوا يوصفون فيما بعد بأهل السنة والجماعة ــ يمثلون طبقة معروفة في المناطق المختلفة من بلاد ماوراء‌النهر في القرن 2ه‍ . فحضور محدثين من أصل عربي في الغالب في مدينتي بخارى و سمرقند طيلة القرن 2ه‍ مثل عبيدة بن هلال العمّي البصري و برد بن سنان السمرقندي و عيسى بن موسى غنجار البخاري و أبي مقاتل السمرقندي كأول محدثين في الجانب الآخر من جيحون، هيأ الأرضية لظهور أحد مذاهب أصحاب الحديث البارزة في ماوراء‌النهر. و قد استمرمذهب محدثي ماوراء‌النهر طيلة القرن 3ه‍ بازدهار تام و خرّج مؤلفين وحفاظاً مشهورين يلاحظ بينهم أشخاص مثل عبدالله بن‌‌عبد‌الرحمان الدارمي السمرقندي و عبد‌بن‌حميد‌الكشي و محمد بن‌إسماعيل البخاري. و في عصر تدوين الكتب الستة، أي العصر الذي دام 50 سنة و يعتبر ذروة ازدهار الأدب الحديثي في العالم الإسلامي، أدى علماء ماوراء النهر إلى جانب الخراسانيين والجباليين دوراً أساسياً.

و كان للنزعات الصوفية منذ بدء ظهورها، مؤيدون كثيرون في بلاد ماوراء‌النهر، حيث ترعرع في هذه المنطقة بعض من الرجال المعروفين الشهيرين في عداد أوائل مشايخ الصوفية مثل أبـي تـراب النخشبـي (ت‍ـ 245ه‍ ( و أبي‌بكـر الوراق الترمـذي (تـ 247ه‍ (.

 

العهد الساماني

كان ترسخ الدين الإسلامي في بلاد ماوراء‌النهر و سقوط الدول غير الإسلامية القومية التركية في الشرق، من العوامل المهمة لظهور حكومة ثابتة و مستقلة وموحدة وذات هويـة قوميــة ــ إسلامية في منطقة ماوراء‌النهر. فقد تم الاعتراف أخيراً بالحكومة السامانية التي كانت في البدء مجرد إمارات صغيرة تابعة لولاة خراسان، من قبل خليفة بغداد كحكومة مستقلـة في خراسـان و ذلك فـي 261ه‍/875م (ظ: ابـن الأثيـر، 7/ 279-282)؛ فالتعيين المباشر لنصر بن أحمد في هذه السنة من قبل الخليفة، يعني في الحقيقة الاعتراف رسمياً ببلاد ماوراء‌النهر كولاية مستقلة، حيث يعد ذلك منعطفاً في تاريخ هذه المنطقة.

كما بدأت الحركة باتجاه توحيد المذهب في بلاد ماوراء‌النهر مع حلول عهد آل سامان، و في أواخر القرن 3ه‍، كانت هذه الحركة قد حققت نتيجة إلى حد يستحق الملاحظة. و في هذه الفترة انتشر المذهب الحنفي في المنطقة باعتباره المذهب الفقهي الغالب، و كان المذهب الشافعي قد انتشر على نطاق محدود في مناطق الشاش و إيلاق و كذلك سواد بخارى (ظ: المقدسي، 323). و فــي القرون الهجرية الأولى، لم‌يكـن المذهـب الحنفـي ــ في الشرق على الأقل ــ مذهباً فقهياً و حسب، فقد اقترن أيضاً بالتعاليم الكلامية. و رغم أن أبا مقاتل السمرقندي الذي كان من علماء ماوراء‌النهر أدى دوراً هاماً باعتباره من أوائل ممثلي المذهب الحنفي العدلي، و لكن يبدو أن العقيدة الحنفية كانت قد اقتربت منذ فترة طويلة من عقيدة أصحاب الحديث في ماوراء‌النهر. و قد كان أتباع هذا المذهب الذين لم‌يكن هناك اختلاف خاص يميزهم عن أصحاب الحديث في المسائل العقائدية الأخرى، سوى فكرة الإرجاء، يسمون «أهل السنة و الجماعة».

و في أواخر القرن 3ه‍ أخذ الأمراء السامانيون يدعمون المذهب الحنفي لأهل السنة و الجماعة باعتباره المذهب الرسمي، حيث كانت ماوراء‌النهر أهم مركز لظهوره و خاصة في مدينتي سمرقند و بخارى، بحيث أن العلماء الحنفيين حرضوا الأمير إسماعيل الساماني على أن يحول دون انتشار المذاهب المعارضة في بلاد ماوراء‌النهر، و من أجل تحقيق ذلك، طلب الأمير الساماني من الحكيم السمرقندي أن يجمع في كتاب عقائد أهل السنة والجماعة. و كانت نتيجة هذه الجهود كتاب السواد الأعظم الذي ترجم خلال أقل من قرن إلى الفارسية بأمر الأمير نوح الساماني (ظ: أبوالقاسم الحكيم، 17-20). كان بعض كبار هذا المذهب مثل أبي حفص الكبير البخاري، يتمتع بمكانة دينية مهمة في ماوراء‌النهر بحيث أن النرشخي قال (ص 77)، إن بخارى سميت «قبة الإسلام» بسبب وجوده فيها.

و رغم أن السامانيين كانوا يعملون على القضاء على المذاهب المختلفة في بلاد ماوراء‌النهر، إلا أن التيار الشيعي الذي كان له تاريخ في هذه البلاد، ظل محافظاً على بقائه في المنطقة فكان المذهب الشيعي بطيفيه الإمامي و الإسماعيلي يتمتع بشيء من الازدهار في العهد الساماني.

و نحن لانمتلك معلومات واضحة عن تاريخ الإمامية في بلاد ماوراء‌النهر حتى أواسط القرن 3ه‍، و لكن يمكن استناداً إلى المصادر الرجالية رسم المسار التاريخي لمذهب الإمامية و خاصة في سمرقند و كش منذ منتصف القرن 3ه‍ . و يمكننا أن نجد مذهباً إمامياً ذا نزعة كلامية في ماوراء‌النهر في العقود الوسطى من القرن المذكور و يعتبر الحسين بن إشكيب المتكلم المروزي أبرز ممثل له، حيث كان قد أقام في سمرقند و كش. و رغم أننا لانستطيع أن نتجاهل دور ابن إشكيب في نقل المعتقدات الإمامية من العراق و خراسان إلى ماوراء‌النهر، و لكن يجب الالتفاف إلى أن هناك من بين معاصريه الإماميين أشخاصاً مثل إبراهيم ابن‌نصير الكشي و أحمد بن أبي عوف البخاري و جعفر بن أحمد‌بن أيوب السمرقندي الذين كانوا من السكان الأصليين للمنطقة، والحسن بن خرزاد الذي هاجر من قم (ظ: الطوسي، 439، 440، 458، 462، 463؛ النجاشي، 44، 121).

و في الثلث الأخير من القرن 3ه‍، التحق محمد بن مسعود العياشي الذي كان طالب علم غير شيعي من أهالي سمرقند، بالمذهب الإمامي، و أسس استناداً إلى ماتعلمه من علماء الإمامية في بلاد ماوراء‌النهر، و خراسان، و العراق (ظ: م.ن، 350-351) مدرسة في سمرقند تخرج منها علماء بارزون مثل الكشي صاحب معرفة الرجال. و يجب أن نذكر من بين معاصري العياشي، إبراهيم‌ بن علي الزاهد و المصنف الكوفي الذي كان يقيم في سمرقند، ويتمتع أيضاً بدعم الأمراء السامانيين مثل نصربن‌أحمد (ظ: الطوسي، 438). كما كان حضور الجماعة الإمامية المذهب في هذا القرن محسوساً أيضاً في بلاد ماوراء‌النهر في القرن 4ه‍ . فقد كانت هناك طوائف من الإمامية تعيش في هذا القرن في منطقة واسعة من خوارزم و حتى إيلاق (لعناوين بعض أجوبة الشيخ المفيد، ظ: النجاشي، 400-402). و قد سافر العالم الإمامي الشهير ابن بابويه في حدود سنة 368ه‍ إلى مناطق سمرقند وفرغانة و إيلاق للتدريس و الدراسة (ظ: ن.د،2/434-436). و قد ألف في إيلاق بناء على طلب شيعة تلك المنطقة كتاب من لايحضره الفقيه الذي يعتبر من كتب الإمامية الأربعة (ظ: 1/2).

و قد بدأت الدعوة الإسماعيلية في بلاد ماوراء‌النهر و التي كانت متأثرة بنشاطات الداعي أبي عبد‌الله الخادم في خراسان، منذ أواخر القرن 3ه‍، و لكن المحافل الإسماعيلية في ماوراء‌النهر مالبثت أن خرجت علماء متنفذين كان من شخصياتها البارزة داعية الشرق محمد بن أحمد النسفي. و قد أثار نجاح النسفي في نشر الدعوة الإسماعيلية في بلاد ماوراء‌النهر، عداء فقهاء أهل السنة و دفعهم إلى أن يطيحوا بحكم الأمير نصر الثاني الذي كان قد اعتنق الدعوة. و على إثر هذا التغيير، قتل الكثير من الإسماعيليين في ماوراء‌النهر، و قد قتل خلال ذلك النسفي وأصحابـه أيضـاً فـي 332ه‍ بأمـر الأميـر (ظ: نظام المـلك، 282 و ما بعدها؛ أيضاً ن. د، الإسماعيلية). و رغم أن الدعوة الإسماعيلية انحسرت بشكل جدي في بلاد ماوراء‌النهر بعد هذه المجزرة الجماعية، و لكن حضور الإسماعيليين المحدود في المنطقة استمر.

 

عصر مابعد السامانيين

انقرضت السلالة السامانية في بلاد ماوراء‌النهر في 389ه‍/999م على يد القراخانيين؛ و لم‌تواجه هذه الأسرة التي كانت قد أقامت في تركستان منذ القرن 4ه‍ دولة إسلامية مقتدرة، مقاومة جدية في استيلائها على بلاد ماوراء‌النهر.

و في 536ه‍/1142م استولت دولة القراختائيين غير المسلمة التي كانت قد تأسست منذ فترة قصيرة في تركستان، على مقاليد الأمور في بلاد ماوراء‌النهر و استمرت هذه السيطرة حتى 612ه‍/1215م رغم عدم التجانس الديني، و لكن هؤلاء الدخلاء تقبلوا من الناحية العملية الهوية الإسلامية للمنطقة، و تركوا المسلمين أحراراً في ممارسة شعائرهم الدينية من خلال إبقاء القراخانيين على حكم ذاتي نسبياً في المنطقة (ظ: ابن الأثير، 11/81 و ما بعدها، 12/ 259).

و في 616ه‍، احتـل المغول بلاد مـاوراء‌النهر، فظهرت علـى بقايا الحضارة القراخانيـة ـ القراختائية حضارة جديدة ذات هوية إسلامية عرفت في المصادر التاريخية باسم الحضارة الجغتائية وقد تأثرت الأوضاع الثقافية في ماوراء‌النهر و تركستان أيضاً في القرون التالية بخصائصها بشكل كامل. و ازداد ازدهار التصوف الذي كان منتشراً في هذه المنطقة منذ فترة طويلة، بعد هجوم المغول، بحيث يمكن القول إن الإسلام المعروف في ماوراء‌النهر كان يغلب عليه الطابع الصوفي، فلم‌تكن محافل الفقهاء مزدهرة كثيراً و قد تأسست طريقتان من أهم الطرق الصوفية، أي الكبروية المنسوبة إلى نجم‌الدين كبرى الخوارزمي (تـ ‍618ه‍ ( في خوارزم، و النقشبندية المنسوبة إلى بهاء‌الدين نقشبند البخاري (تـ‍ 791ه‍ ( في بخارى. و إلى جانب هاتين الطريقتين، كانت تنتشر في أرجاء المنطقة بعض الطرائق الصوفية الأخرى مثل اليسوية بشكل متفرق، و كذلك القادرية و الچشتية بشكل محدود في مناطق فرغانة (ظ: آكينر، 285-286).

 

في تركستان

في السنين الأخيرة من القرن 1ه‍، وسع قتيبة خلال فتوح متسارعة من نطاق المناطق التابعة لرقعة الخلافة المركزية حتى المناطق المجاورة لتركستان و عندما لم‌يجد أمامه عقبة جدية، انطلق بحركة سريعة من جانب فرغانة باتجاه الشرق، و من ناحية الشاش باتجاه الشمال و ذلك سنة 96ه‍ . و رغم أن حركة قتيبة العسكرية، انتهت في البدء بفتح المناطق الشرقية حتى كاشغر، و بفتح محدود بمنطقة أسبيجاب الصغدية (ظ: البلاذري، 411؛ الطبري، حوادث سنة 96ه‍(، و لكن اختلاف الظروف الإقليمية و الأوضاع السياسية لهذه المناطق عن بلاد ماوراء‌النهر، أدى إلى أن يواجه الفاتحون صعوبة في فرض سلطتهم عليها فاضطر قتيبة إلى الانسجاب (ظ: ن.صص).

و بتثبيت حكم الخلافة الإسلامية على بلاد ماوراء‌النهر منذ بداية القرن 2ه‍/ 8م، و استقرار الأوضاع الداخلية في القسم الداخلي من تركستان، ــ أي منطقة أرغـو ــ بعد استيلاء القارلق عليها، يبدو أن عمال الخلافة العباسية في ماوراء‌النهر كانوا قد استطاعوا التوصل إلى شكل من التعاون مع جيرانهم الشرقيين، أي الجَبغويين في القارلق الذين لم‌يكونوا قد أسلموا بعد. و قد دار‌الحديث في بعض الروايات عن تبادل سفراء بين الخلفاء الأمويين مثل هشام بن عبدالملك (حك‍ 105-125ه‍) و بين حكام تركستان و دعوتهم إلى الدين الإسلامي (ظ: ياقوت، مادة تركستان)؛ ولكن ذكرت في المقابل الصراعات السياسية والعسكرية أحياناً بحيث أن هناك رواية من عهد خلافة المنصور (حك‍ 136- 158ه‍ ) تدل على أن الخليفة، أرسل قائداً اسمه الليث بجيش إلى فرغانة كي ينتقض تحالف ملك فرغانة مع الخاقان التركي في كاشغر (ظ: اليعقوبي، 2/387). كما أن الخبر الذي يفيد أن جبغو القارلق كان على مايبدو يطيع إمارة خراسان في 194ه‍، و أن ملك أترار (بالقرب من أسپيجاب) كان يدفع الخراج إليه (ظ: ابن الأثير، 6/232). يمكن أن يكون وثيقة أخرى للاطلاع على شكل العلاقات بين المسلمين و تركستان.

و فضلاً عن العلاقات السياسية، فإن هناك أيضاً بعض المعلومات عن العلاقات التجارية بين المسلمين و تركستان: ففي النصف الثاني من القرن 2ه‍، كانت هناك علاقات وثيقة بين الغرب الإسلامي و بين الصين في الشرق، و بين بلاد كيما‌كان وقرقيزان في الشمال عن طريق تركستان الغربية، و هى علاقات يلاحظ انعكاسها في الآثار الجغرافية الإسلامية منذ أوائل القرن 3ه‍ (ظ: ابن خرداذبه، 28-31؛ الإصطخري، 9/ 288؛ أيضاً لتأييدها في المصادر الصينية، ظ: بارتولد، «المسيحية...» 273). و قد كانت هذه العلاقات التجارية بين غرب تركستان و بلاد ماوراء‌النهر و التي استمرت على مايبدو حتى منتصف القرن 3ه‍، الأرضية لنفوذ الإسلام المتزايد في المنطقة، فاستناداً إلى الروايات المتوفرة فكان الإسلام قد انتشر في هذه الفترة حتى المناطق الداخلية من تركستان، و على الأقل حتى كولان و إيسيك‌كول (مثلاً ظ: حدود العالم، 81، 84).

و إذا ما غضضنا النظر عن فتح أسپيجاب في 224ه‍ على يد نوح الساماني (البلاذري، 410؛ ابن الأثير، 6/509)، باعتباره حركة محدودة و غير مستمرة، فإن أية حركة عسكرية لم‌ترو طيلة قرن عن مسلمي ماوراء‌النهر ضد جيرانهم. و قد تحطم هذا الهدوء النسبي عندما توجه إسماعيل الساماني مباشرة بعد الاستيلاء على عاصمة بخارى في 279ه‍، نحو المناطق الشرقية، و سيطر على أجزاء من غرب تركستان. و قد استولى خلال زحفه من أسپيجاب باتجاه الشمال، على مدينة طراز المهمة. و استناداً إلى رواية النرشخي، يبدو أن الكثير من أهالي طراز اعتنقوا الإسلام بعد هذا الفتح و حولوا معبد المدينة الكبير إلى مسجد جامع (ظ: ص 118). و على إثر الفتوح السامانية في الجانب الآخر من أسپيجاب. تمت السيطرة على منطقة فاراب أيضاً (استنتاج من ابن خرداذبه، 31؛ المقدسي، 273) و مالبثت هذه المدينة أن تحولت إلى أحد مراكز العلم في العالم الإسلامي. و مما يدل على هذه المكانة الثقافية المهمة هجرة المحدث الشامي عبدالله بن محمد المقدسي (ت‍ـ بعد 310ه‍ ( إلى فاراب و سكناه في هذه المدينة، و انبثاق المعلـم الثانـي أبـي نصـر محمـد بـن محمد الفـارابـي (تـ‍ 350ه‍) والأديبيـن البـارزيـن أبـي نصـر إسماعيـل الجوهـري (تـ‍ 395ه‍ ( و أبي‌ إبراهيم إسحاق الفارابي (تـ‍ 350ه‍ ( من بين أهالي هذه المنطقة.

و يمكن القول فيما يتعلق بفتوح الأمير إسماعيل، إن تقدمه باتجاه الشمال استمر حتى قرية نوجكث، آخر قرية مهمة على طريق منطقة كيماك (ظ: م.ن، 274)؛ و لكننا لانستطيع التحدث بسهولة عن الحدود الشرقية لهذه الفتوح. و على أي حال، فإن انضمام هذه المنطقة إلى العالم الإسلامي في أواخر القرن 4ه‍، كان بشكل بحيث أن المقدسي عالم الجغرافيا آنذاك، تحدث عن المناطق الغربية من تركستان من أسپيجاب حتى بلاساغون باعتبارها «كورة» من كور منطقة «الهيطل» الست، و ملحقة ببلاد ماوراء‌النهر، و قد أشار إلى وجود مسجد جامع في معظمها (ظ: ص 272-275). و في أواخر هذا القرن، بلغت الأوضاع السياسية بالنسبة إلى المسلمين في حدود تركستان درجة من الثبات والاستقرار بحيث أن غزاة ماوراء‌النهر دعوا إلى ثغور الشام للجهاد (ظ: النسفي، 36).

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: