الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

المدينة، أو الكوفة، منشأ فكرة الإرجاء

بموازاة مذهب أهل البيت (ع) كانت التعاليم المذهبية للعلماء غير الشيعة هي الغالبة على محافل المدينة طيلة القرن 1ه‍، و يمكن تسميتها مذهب «الفقهاء السبعة». و بدلاً من الزهد، أو الرجاء العراقي، كان يتم الاستناد في تعاليم هذا المذهب على الورع بمفهوم أداء الواجبات، أو تجنب المحرمات (ظ: أبونعيم، 2/162). و من بينهم، كان سعيد‌بن المسيب يوصي بالتفكر و التدبر (ن.ص)، و مع كل ذلك، فقد كانت بيئة المدينة تنزع إلى التقليد بشدة في مقابلة الآراء الجديدة، حيث لم‌تكن تتوفر فيها أرضية لنمو التعاليم الكلامية مقارنة مع العراق. و رغم أن مبدأ فكرة السكوت عند المنازعات بين «السلف» و اجتناب سبهم كان لها نموذج بين علماء الحجاز في عصر التابعين مثل فقيه مكة عطاء بن أبي رباح (ظ: الخطيب، 13/331؛ أيضاً ظ: الذهبي، 7/186)، إلا أن طرح هذه المسألة في قالب نظرية كلامية، أي «الإرجاء الأول» و تدوينها في أحد أول الآثار الكلامية من قبل الحسن بن محمد بن الحنفية حفيد الإمام علي‌(ع)، يعد نموذجاً لانظير له من علماء المدينة.

و في الحقيقة، فإن الحسن الذي اعتبر في المصادر، أول من تحدث مؤيداً فكرة الإرجاء (مثلاً ظ: ابن سعد، 5/67، 241)، يعد أول مدوّن لهذه النظرية الكلامية، حيث بين في قالب رسالة وصلتنا منه، بشكل لايتوقع من رجال أسرته، فكرة ولاية الشيخين و التوقف عند البعض الآخر من الصحابة. فقد مال إلى الوقف فيما يتعلق بالصحابة الذين كانت منزلتهم موضعاً للمنازعات بين الفرق و وجهت إليهم بعض الفرق الانتقادات، و أوكل الحكم عليهم إلى الله (ظ: الحسن بن محمد، 4). و تعد هذه النظرية أساس اتجاه كلامي في القرن 1، أو أوائل القرن 2ه‍، و كانت تعرف باسم «المرجئة الأوائل»، و تميل إلى الوقف في باب منازعات الصحابة و خاصة حول الإمام علي (ع) و عثمان، بل كانت تتجنب اتخاذ موقف حول أصل إيمانهم و كفرهم (ظ: ابن سعد، 6/214).

و رغم أن الحسن واجه معارضة اثنين من التابعين الكوفيين وهما زاذان و أبوصالح ميسرة عندما طرح فكرة الإرجاء (ظ: ابن‌سعد، 5/241)، و لكن هذا الرأي وجد في الكوفة أيضاً أتباعاً، وكان يتمتع بنجاح نسبي رغم معارضة علماء مثل إبراهيم النخعي (ظ: م.ن، 6/191-192). ورغم أننا لايمكن أن نعتبر عامر بن‌ شراحيل الشعبي عالم الكوفة المعروف في أواخر القرن 1 ه‍، شخصية مرجئية ومن أتباع فكرة الحسن بن‌محمد، ولكن يجب أن نذكّر بأنه كان يستحسن أساس هذا التفكير و هو وجوب التوقف عند الأمور التي نجهلها و إيكالها إلى اللـه (ظ: م.ن، 6/173).

و مما يجدر ذكره أن مصطلح «الإرجاء» عدا المفهوم المذكور، أي المعتقد المرجئي الأول، كان يستخدم مع شيء من التأخر في الاستعمال، بمفهوم مختلف أيضاً و المراد منه «إرجاء العمل من الإيمان»، أو بتعبير آخر، عدم إدخال العمل في تعريف الإيمان. و من أجل الحصول على صورة أفضل عن الجو الذي ظهرت فيه هذه الفكرة يجب القول إن نظرية اعتبار مرتكب الكبيرة مؤمناً و التي كانت أساس عقيدة «المرجئة» بمفهومها الجديد، كانت قد أوجدت منذ النصف الثاني من القرن 1ه‍ ثلاث فئات مختلفة: الأولى هي المحكمة الذين كانوا يعتبرون ارتكاب الكبيرة مؤدياً إلى الكفر في الغالب؛ و الثانية تتمثل في جماعة من العامة كانوا يعتبرون الإيمان مشتملاً على درجات و قابلاً للزيادة و النقصان متجنبين تكفير الفاسق؛ والثالثة المرجئة الذين لم‌يكونوا يرون أن ارتكاب الكبيرة مزيلاً للإيمان، و يعتبرون الإيمان حقيقة لاتزيد و لا تنقص بالعمل (ظ: ن.د، 4/ 518). و بالطبع فإن غموض الكثير من الإشارات إلى المرجئة في النصوص الكلامية والتاريخية القديمة، و اجتماع كلا فكرتي الإرجاء في النظام الكلامي لبعض فرق المرجئة (مثلاً ظ: أبوحنيفة، 47-49، 93)، كانا يجعلان من الصعب أحياناً أن نفصل تاريخياً بين هاتين الفكرتين.

و قد وردت الإشارة في المصادر القديمة مراراً إلى فئات متطرفة من المرجئة دون أن يذكر اسماً للكبار التابعين، حيث كانت تؤمن بأن أية معصية لاتضر مع تحقق الإيمان، و أن المؤمن سوف لايستوجب النار بارتكاب أية معصية؛ و لكن الشواهد التاريخية تدل على أنه يجب اعتبار هذا الفكر مجرد نزعة متطرفة و بعيدة عن أصل فكرة الإرجاء. و قد كانت فرق المرجئة الأصلية و المعتدلة، تعتقد بالإرجاء إلى حد اعتبار أصل الإيمان ثابتاً، رغم ارتكاب المعصية و تبعاتها الكلامية، و تعارض الآراء المتشددة حول المعاصي (ظ: ن.د، 4/518-519؛ أيضاً أبوعبيد، 22)، و على سبيل المثال يجب ذكر طلق بن حبيب الذي كان من تابعي البصرة البارزين وتلميذ ابن عباس الذي كان ينزع في حياته الفردية نزعة زهدية رغم اعتقاده بفكرة الإرجاء (ظ: ابن سعد، 7(1)/165) وكانت له نزعة زهدية في حياته الفردية و يهتم في تعاليمه بالخوف من غضب اللـه و تجنب المعاصي (مثلاً ظ: أبونعيم، 3/63-64). و من جملة علماء المرجئة في أواخر القرن 1ه‍ في الكوفة، ذَرّ بن عبدالله الهمداني الذي كان يعد من معلمي الأخلاق البارزين، و شارك في قيام ابن الأشعث ضد الحجاج (ظ: ابن سعد، 6/205).

لقد كانت جذور فكرة الإرجاء بكلا معنييها تمتد في تعاليم قراء الطبقة الأولى في الكوفة مثل الربيع بن خثيم و أبي وائل وأبي عبدالرحمان السلمي (ظ: البخاري، 1/17- 18؛ أيضاً ظ: السطور السابقة)، كما كانت جماعة من التابعين المتنفذين من الجيل الثاني في الكوفة مثل إبراهيم التيمي تميل أيضاً إلى فكرة الإرجاء (ظ: ن.ص؛ أيضاً ابن سعد، 6/199-200). و إن سعيد ابن‌جبير الذي كان من التابعين البارزين في الكوفة في هذه الطبقة وكان يحضر الحلقة الدراسية لابن عباس لفترة طويلة، اعتبر صراحة من أهل الإرجاء (ظ: البسوي، 2/793؛ الخطيب، 13/374؛ الشهرستاني، 1/130). و قد كانت محاربة الجور من الوجوه المشتركة بين رجال هذه الطبقة (ظ: ابن سعد، 6/183-186، 199، 205)، و خاصة جهاد سعيد بن جبير ضد الحجاج، حيث سجل اسمـه كبطـل فـي التاريـخ (عـن تكـريمـه حتـى لـدى الشيعـة و المحكمة، ظ: الكشي، 119؛ ابن سلام، 79). و يجب التذكير بأن فكرة الإرجاء المعتدلة، لم‌تكن أبداً تشجيعاً للفسق و الجور، بل إن العلماء المعتنقين لهذه الفكرة، كانوا يؤكدون دائماً على التخلق بالأخلاق الحسنة في البعد الفردي (مثلاً ظ: أبونعيم، 4/276-286، مخ‍ (، و محاربة نظام الجور في البعد الاجتماعي.

و مما يجدر ذكره أنه في أواخر القرن 1ه‍، كان هناك حديث قد انتشر برواية عكرمة (تـ‍ 104ه‍) عن طريق ابن عباس عن النبي (ص)، مضمونه أن صنفين من الأمة، المرجئة و القدرية (أهل الإرجاء و أهل القدر في بعض النصوص) سوف لايكون لهما سهم في الإسلام. و يدل انتهاء الأسانيد العديدة لهذا الحديث عن طريق راويين ــ نزار‌‌بن‌ حيان و سلام‌‌بن‌‌أبي عمرة ــ إلى عكرمة على أن بالإمكان بثقة نسبة انتشاره إلى عكرمة نفسه (عن أسانيده، ظ: سلام، 119؛ الترمذي، 4/454؛ ابن ماجة، 1/ 28؛ الآجري، 148) واعتباره نموذجاً لتفاقم مجادلات محاربي الإرجاء مع المرجئة. ومن النماذج المسجلة لهذه المجادلات، سفر وفد من المرجئـة مؤلف من 3 علماء كوفييـن ــ منهم عون بن عبداللـه المسعودي ــ إلى الشام لمناظرة عمر بن عبدالعزيز (حك‍ 99-101ه‍) (ظ: ابن‌سعد، 6/ 218). و على أي حال، فإن العلماء المرجئة الآخرين لم‌يكونوا يحبذون إطلاق اسم المرجئة عليهم، و كانوا ينتقدون بسهولة في مباحثهم فريقاً باسم المرجئة باعتبارهم جماعة معارضة (مثلاً ظ: ابوحنيفة، 40-41) من خلال قصر عنوان المرجئة على الجماعات المتطرفة، و ذلك تحت تأثير عوامل مختلفة مثل رواج حديث عكرمة و الأحاديث المشابهة الأخرى في ذم المرجئة، وكذلك ظهور الجماعات المتطرفة بين أهل الإرجاء مع نهاية القرن 1ه‍ .

 

المباحث الكلامية الأولى في الجبر و الاختيار

رغم أن الجبر و الاختيار هما من المسائل التي كانت تمتد جذورها في تعاليم القرآن الكريم، و كانت منذ عهد الصحابة موضوعاً للستاؤلات الدينيـة، و لكـن لعـل بالإمكـان اعتبـار الأشخاص الـذيـن اعتبرتهـم المصـادر أول القـائـليـن بـ «القدر»، أولى الشخصيات التي عرضت فكرة الاختيار على المحافل الإسلامية في قالب نظرية كلامية مدونـة. و على أي حال، فقد ذكرت المصادر غالبـاً شخصاً باسم معبـد الجهنـي (تـ‍ 80 ه‍) (ظ: مسلم، 1/36؛ عبداللـه، 109؛ ابن النديم، 201). كان معبد بن عبداللـه الجهني عالماً من التابعين البصريين و من تلامذة ابن عباس وابن عمر وعمران‌بن‌الحصين، حيث كان يدعو إلى فكره الكلامي في العراق و الحجاز (ظ: الذهبي، 4/185-187)، و كان يواجه في هذا المسلك معارضة أساتذته من الصحابة و خاصة ابن عمر؛ و رغم أن رديات على الفكر القدري نقلت عن ابن عباس (مثلاً ظ: عمر بن عبدالعزيز، 351) و لكن ابن عمر كان المعارض الرئيس لمعبد وأفكاره الكلامية من بين الصحابة (ظ: أبوداود، 4/223-224؛ مسلم، 1/36-37). و استناداً إلى المصادر القديمة، فقد كان معبد قد أخذ فكرة الاختيار من أستاذ مسيحي حديث العهد بالإسلام في العراق يدعى أبا يونس الأسواري، المعروف بسنسويه (أو سسويه، سوسن) (ظ: عبداللـه، ابن النديم، الذهبي، ن.صص).

و رغم الانتشار المحدود لتعاليم معبد القدرية في المدينة، إلا أنها كانت قد أدت إلى استمرار موجة محاربة هذا الفكر بعد وفاة ابن عمر (تـ‍ 73ه‍( من قبل تابعي المدينة مثل سالم نجل‌ ابن‌عمر والقاسم بن محمد بن أبي‌بكر (ظ: ابن سعد، 5/139-140، 148). ولعل التعريف الدقيق للاختيار في رأي معبد لايتأتى بشكل مباشر من الإشارات العابرة للمصادر، و لكن من الواضح أن القدريين المتنازعين مع التابعين ذوي النزعة للسنة في المدينة و خاصة سالم بن عبداللـه لم‌يكونوا يعزون فعل الشر إلى القدر الإلٰهي خلافاً لهم، حيث كانوا يعتبرون «خير القدر و شره» من اللـه (ظ: ن.ص). و قد طرحت هذه الفكرة و هي إن فعل المعاصي ليس بالقدر الإلٰهي لجماعة أهل الاختيار، و نسبة جميع الأفعال من الطاعة و المعصية إلى القدر لجماعة أهل الجبر، في رسالة الحسن البصري إلى عبدالملك بن مروان (المؤلفة في الفترة بين سنوات 75-80ه‍، ظ: EI2,IV/369) أيضاً (ظ: الحسن البصري، 74، 78). كما كان عامر الشعبي من تابعي الكوفة يستحسن بشكل بسيط فكرة أن العمل الحسن من اللـه، و الذنب من الإنسان نفسه رغم النهي عن اعتناق المذهب القدري(ظ: ابن سعد، 6/173).

و قد وضع الشهرستاني معبد الجهني في توضيح أكثر حول وجهة نظر‌ه في مسألة القدر، في فئة واحدة مع غيلان الدمشقي، ثم مع واصل بن عطاء، و بين رأيهم قائلاً إن اللـه تعالى حكيم وعادل و لايجوز إسناد الشر و الظلم إليه، و لايجوز أن يحتم أمراً على عبده، ثم يعاقبه عليه (1/51؛ أيضاً للتفسير، ظ: وات، 40 ومابعدها)؛ و قد تم بيان تعبير عن هذه الفكرة في رسالة الحسن البصري كوجهة نظر شخصية له (ظ: ص 81).

و رغم أن النصوص المتبقية في موضوع القدر من القرن 1ه‍، محدودة للغاية، و لكن يمكن الاستنتاج استناداً إلى هذا القليل، أن الفئتين الرئيستين المؤمنة بالاختيار، و المؤمنة بالجبر كان قد سعى كل منهما إلى حدما في تدوين تعاليمها و تنظيم أسس استدلالها و ذلك في حدود سنة 75ه‍، بالإضافة إلى أهل السنة المتهربين من البحث حول القدر. و من جملة المباحث النظرية التي كانت تطرح من قبل معتنقي الاختيار، مسألة دور الإرادة البشرية في تقديم الأجل؛ فكما يبدو من «رسالة» عمر بن عبدالعزيز (ص 352)، فإن فريقاً من معارضيه كانوا يعتقدون بأن قتل النفس الإنسانية هو في غير الأجل. و من بين النماذج الأخرى للمباحث النظرية، تجب الإشارة إلى رأي غيلان الدمشقي حول الاستطاعة التي كان يفسرها بالصحة و السلامة و خلو أعضاء البدن من الآفات (ظ: الأشعري، 229).

و استناداً إلى مايبدو من رسالة الحسن البصري، فإن الجبريين الذين كانوا آنذاك على شكل جماعة منظمة نسبياً (ظ: ص 68، 70) كانوا يستندون إلى الكثير من الآيات القرآنية لإثبات عقيدتهم، و كانوا قد أسسوا مباحث استدلالية في هذا المجال (ظ: ص 73 و مابعدها). و فضلاً عن الاستدلالات القرآنية المباشرة، تجب الإشارة إلى نظرية «العلم الإلٰهي السابق» كنموذج بارز للاستدلالات النظرية بين أدلة أهل الجبر، حيث تطالعنا آثارها في الآثار و الروايات المتبقية من تلك الفترة؛ و قد كان الاستدلال يقوم على أن جميع الوقائع معلومة منذ القدم في العلم الإلٰهي، وهذا الأمر يمكن أن يكون تأييداً لحتمية الوقائع اللاحقة عن علم سابق. و في معرض إشارة الحسن البصري في رسالته إلى استدلال الجبريين هذا، فإنه تناول بالتحليل نظرية علم اللـه، و توصل إلى نوع من الجمع بين العلم الإلٰهي القديم و اختيار الإنسان (ظ: ص 77). و من بين نماذج الآثار المتبقية من معارضي الاختيار، تجب الإشارة إلى رسالة عن عمر بن عبدالعزيز يدور محورها الرئيس حول نظرية العلم الإلٰهي السابق (ظ: ص 346، مخ‍ ‍). إن الاستدلال بالعلم الإلٰهي السابق و طرح جماعة مثل جماعة الحسن البصري يمثل ملاحظة تشاهد أيضاً في مناظرة قصيرة بين عمر بن عبدالعزيز و غيلان (ظ: عبداللـه، 106-107).

و هنـا من المناسب الإشارة مـرة أخرى إلى حديث عكرمـة (ت‍ـ 104ه‍(، عن النبي (ص) و الذي شاع في أواخر القرن 1ه‍، وانتقدت فيه فرقة القدرية إلى جانب المرجئة (ظ: السطور السابقة). و على أثر عوامل مختلفة منها شيوع حديث عكرمة هذا، كان عنوان القدرية يعد عنواناً غير مرغوب فيه في أواخر القرن 1ه‍، حتى إن أهل الاختيار كانوا يعتبرون أهل الجبر قدريين (مثلاً ظ: ابن النديم، 203).

 

البصرة في العقود المؤدية إلى القرن 2ه‍ ‍‌

في الفترة الثانية من التابعين في البصرة، اكتسبت التعاليم الدينية في البصرة شكلاً مدوناً أكثر، و ذلك مع تعزز العلاقة بين محافل البصرة و الحجاز، وخاصة مع الاستفادة الواسعة من تعاليم الأصحاب المتأخرين مثل ابن عباس. و يلاحظ في تعاليم البصريين في هذه الفترة اتجاهان رئيسان: مذهب أهل الخوف بزعامة الحسن البصري، و مذهب أهل الرجاء بزعامة ابن سيرين. و قد كان الفكر الديني للحسن البصري (تـ‍‌110ه‍) يتميز بوضع معقد؛ فقد كانت أفكاره مرتبطة من جهة بطريقة القراء الزهاد في العراق؛ و من جهة أخرى فقد كان يتمتع بنصيب وافر من تعاليم الإمام علي (ع)، و من جهة ثالثة فقد كان مهتماً بالتعاليم الحجازية و خاصة حلقة ابن عباس الدراسية (ظ: ن.د، الأخلاق). و أما ابن سيرين (تـ‍ 110ه‍( فقد كان عالماً بصرياً تلقى العلم من بعض قراء حلقة درس ابن مسعود مثل عبيدة السلماني، فضلاً عن استفادته من كبار الصحابة مثل ابن عباس و ابن عمر و أنس بن مالك. و رغم أن طرح فكرة الرجاء يلاحظ أيضاً قبل ابن سيرين في تعاليم أبي العالية و مطرف بن عبداللـه (ظ: ابن سعد، 7(1)/103)، و لكن التقابل بين اتجاهي الخوف و الرجاء في البصرة تجسد دوماً في الآثار الإسلامية في قالب التقابل بين أفكار الحسن البصري و ابن سيرين (مثلاً ظ: م. ن، 7(1)/117، 120، 142)؛ و من جملة ذلك بين في حكاية عن هشام بن‌حسان كيف إن ابن سيرين فسر الإيمان بذكاء و دون إعطاء دور للعمل، بالإيمان بالله و الملائكة و ذلك في مقابل تفسير الحسن للإيمان بالقول و العمل، و بذلك بين الفكرة التي تقوم عليها نظرية الإرجاء المتأخرة (ظ: الذهبي، 7/186).

و لم‌يكن ابن سيرين يقدم طريقة معقدة في تعاليمه الأخلاقية، و بتعبير حديث، فإن مايمكن العثور عليه كمبدأ أساسي لدى رجال هذا المذهب بشكل مشترك هو كونهم «عظيمي الرجاء» بالنسبة إلى أهل القبلة (ظ: ابن سعد،7(1)/144، 7(2)/16، مخ‍( وهو مايتضمن طبعاً نتيجة الاتجاه إلى الوقف أيضاً (ظ: أبونعيم، 2/271؛ أيضاً ظ: ن.د، 3/299). و في نطاق هذا الاتجاه نفسه، فقد اقترب جناح أبي قلابة ــ ابن عون من الميول العثمانية من خلال الابتعاد الأكيد عن القائمين بالسيف (ظ: ابن سعد، 7(1)/91، 7(2)/24). ومن خلال الدراسة الرجالية حول شخصيات هذين المذهبين، فإن مما يستحق التأمل وجود ارتباط محدود بين أهل الخوف و بين المحكمة و القدرية، و من الجهة الأخرى، العداء الشديد بين أهل الرجاء و بين المحكمة و القدرية و الارتباط المحدود مع المرجئة. و ممايجدر ذكره أن مذهب أهل الرجاء كانت تجمعه وجوه اشتراك مع مذهب المرجئة في بعض التعاليم ولعل هذا ما كان يربط بعض رجال هذا المذهب مع شخصيات المرجئة مثل طلق بن حبيب البصري (ظ: م.ن، 7(1)/166).

 

المصادر

الآجرّي، محمد، الشريعة، تق‍ : محمد حامد الفقي، بيروت، 1403ه‍/1983 م؛ ابن إباض، عبداللـه، «رسالة إلى عبدالملك بن مروان»، ضمن العقود الفضيـة، مسقـط، 1403ه‍/1983م؛ ابن‌الأثيـر، الكامل؛ ابن‌بابويـه، محمد، التوحيـد، تق‍ : هاشم الحسيني الطهراني، طهران، 1387ه‍/1967م؛ ابن حبيب، محمد، «أسماء المغتالين»، ضمن ج 6 نوادر المخطوطات، تق‍ : عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، 1374ه‍/ 1954م؛ ابن دريد، محمد، الاشتقاق، تق‍ : عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، 1378ه‍/ 1958م؛ ابن سعد، محمد، كتاب الطبقات الكبير، تق‍ : زاخاو وآخرون، ليدن، 1904-1915م؛ ابن سلام الإباضي، بدء الإسلام، تق‍ : فيرنر شفارتس، بيروت، 1406ه‍/1986م؛ ابن عبدربه، أحمد، العقد الفريد، تق‍ : أحمد الأمين وآخرون، بيروت، 1402ه‍/1982م؛ ابن قبة، محمد، أقسام من «نقض الإشهاد»، ضمن كمال الدين لابن بابويه، تق‍ : علي أكبر الغفاري، طهران، 1390ه‍؛ ابن ماجة، محمد، سنن، تق‍ : محمد فؤاد عبدالباقي، القاهرة، 1952-1953م: ابن النديم، الفهرست؛ أبوحنيفة، العالم و المتعلم، تق‍ : محمد رواس قلعه‌جي و عبدالوهاب الهندي الندوي، حلب، 1392ه‍؛ أبوداود السجستاني، سليمان، سنن، تق‍ : محمد محيي الدين عبدالحميد، القاهرة، دارإحياء السنة النبوية؛ أبوعبيد القاسم بـن سلام، الإيمان، تق‍ : محمد ناصـرالدين الباني، بيروت، 1403ه‍/1983م؛ أبوالعرب التميمي، محمد، المحن، تق‍ : يحيى وهيب الجبـوري، بيروت، 1403ه‍/1983م؛ أبوالفـرج الأصفهاني، مقاتل الطالبييـن، تق‍ : أحمد صقر، القاهرة، 1368ه‍/1949م: أبوقحطان، خالد، «سيرة»، ضمن السير والجوابات، تق‍ : سيدة إسماعيل كاشف، القاهرة، 1406ه‍/1986م؛ أبونعيم الأصفهاني، أحمد، حلية الأولياء، القاهرة، 1351ه‍/1932م؛ أحمد بن حنبل، مسند، القاهرة، 1313ه‍؛ الأشعري، علي، مقالات الإسلاميين، تق‍ : ه‍ . ريتر، فيسبادن، 1980م؛ الإمامة والسياسة، المنسوب لابن قتيبة، القاهرة، 1388ه‍/1969م؛ پاكتچي، أحمد، تاريخ سياسي فرق محكمة، لم‌يُنشر؛ م.ن، «تحليلي برداده‌هاي آثار شيخ مفيد در بارۀ خوارج»، مقالات فارسي كنگرۀ جهاني هزارۀ شيخ مفيد، قم، 1372ش؛ البخاري، محمد، صحيح، إستانبول، 1315ه‍؛ البسوي، يعقوب، المعرفة و التاريخ، تق‍ : أكرم ضيـاء العمري، بغـداد، 1975-1976م؛ البغـدادي، عبـدالقاهـر، الفـرق بين الفـرق، تق‍ : محمد زاهد الكوثـري، القاهـرة، 1367ه‍/1948م؛ البــلاذري، أحمـد، أنسـاب الأشـراف، ج 1، تق‍ : محمد حميداللـه، القاهرة، 1959م، ج 4(1)، تق‍ : إحسان عباس، بيروت، 1400ه‍/1979م، ج 5، تق‍ : غويتين، بيت‌المقدس، 1936م؛ الترمذي، محمد، سنن، تق‍ : أحمد محمد شاكر وآخرون، القاهرة، 1357ه‍ و مابعدها؛ الثقفي، إبراهيم، الغارات، تق‍‌: جلال‌الدين محدث الأرموي، طهران، 1354ش؛ الحسن البصري، «رسالة في القدر» تق‍ : ريتر (ظ: مل‍، ريتر)؛ الحسن بن محمد بن الحنفية، «كتاب الإرجاء» تق‍ : فان إس (ظ: مل‍، فان إس)؛ الخطيب البغدادي، أحمد، تاريخ بغداد، القاهرة، 1349ه‍؛ الدرجيني، أحمد، طبقات المشايخ بالمغرب، تق‍ : إبرهيم طلاي، قسنطينة، 1394ه‍/1974م؛ الذهبي، محمد، سيرأعلام النبلاء، تق‍ : شعيب الأرنؤوط وآخـرون، بيروت، 1405ه‍/1985م؛ سعد بن عبداللـه الأشعري، المقالات و الفرق، تق‍ : محمد جواد مشكور، طهران، 1361ش: سلام بن أبي عمرة، «أصل»، ضمن الأصول الستة عشر، قم، 1405ه‍؛ الشهرستاني، محمد، الملل و النحل، تق‍ : محمد فتح اللـه بدران، القاهرة، 1375ه‍/1956م؛ الطبرسي، أحمد، الاحتجاج، تق‍ : محمد باقر الخرسان، النجف، 1386ه‍/1966م؛ الطبري، تاريخ؛ عباس، إحسان، شعر الخوارج، بيروت، 1974م؛ عبدالله بن أحمد، كتاب السنة، دلهي، 1404ه‍؛ عمر بن عبدالعزيز، «رسالة في الرد على القدرية»، ضمن ج 5 حلية الأولياء (ظ: هم‍، أبونعيم)؛ الكشي، محمد، معرفة الرجال، اختيار الشيخ الطوسي، تق‍ : حسن مصطفوي، مشهد، 1348ش؛ الكليني، محمد، الكافي، تق‍ : علي أكبر الغفاري، طهران، 1391ه‍؛ المبرد، محمد، الكامل، مع شرح المرصفي، طهران، 1970م؛ مسائل الإمامة، المنسوب للناشئ الأكبر، تق‍ : يوزف فان إس، بيروت، 1971م؛ مسلم بن الحجاج النيسابوري، صحيح، تق‍ : محمد فؤاد عبدالباقي، القاهرة، 1955م؛ المفيد، محمد، الجمل، النجف، 1368ه‍؛ نصر بن مزاحم، وقعة صفين، تق‍ : عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، 1382ه‍؛ نهج البلاغة؛ و أيضاً:

 

EI2; Ritter, H., «Studien zur Geschichte der islamischen Frömmigkeit», Der Islam, 1933, vol. XXI; Van Ess, J., «Das Kitāb al-Irğāʾ», Arabica, 1974, vol. XXI; Watt, W. M., Free Will and Predestination in Early Islam, London, 1948.

أحمد پاكتچي/خ.

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: