الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

و في السنة 6ه‍، استطاع المسلمون أن يهزموا بني المُصْطَلق الذين كانوا يريدون التجمع ضد النبي (ص) (ظ: ابن هشام، 3/302 و مابعدها) و في نفس السنة انطلقت مجاميع مختلفة من جيش المسلمين باتجاه القبائل حولهم. و بفضل اهتمام النبي (ص) و جهوده المتواصلة أزيلت الكثير من العقبات من أمام طريق المسلمين، ذلك لأن الكثير من القبائل في شمال شبه الجزيرة أعلنت طاعتها، أو دخلت الإسلام، و كانت مكة الموضع الوحيد الذي كان مايزال يشغل بال النبي (ص). و في هذه السنة أراد النبي (ص) و المسلمون أن يذهبوا إلى مكة لأداء شعائر الحج ولذلك ساروا نحو مكة؛ و اتحد القرشيون لمنع النبي (ص) من الدخول، فأرسلوا رسولاً إليه و حذروه من القرشيين، و لكن النبي (ص) أكد أنه لاينوي الحرب و أنه يرى من الواجب رعاية حرمة بيت اللّٰه، بل و أعرب عن استعداده للتصالح مع قريش لفترة. لم‌تكن قريش على رأي واحد في البدء، و لكنهم أرسلوا أخيراً شخصاً إلى النبي (ص) لعقد معاهدة الصلح. و استناداً إلى هذه المعاهدة، فقد أعلن الصلح و الهدنة بين النبي (ص) و القرشيين لمدة 10 سنوات، و اشترط فيها أن لايدخل النبي (ص) مكة حتى السنة القادمة (ظ: الواقدي، 2/571 و مابعدها). و استناداً إلى بعض الروايات، فعلى الرغم من أن بعض المسلمين لم‌يحتملوا هذا الصلح في البدء، و لكنهم أدركوا أهميته أخيراً في نشر الإسلام (ظ: م.ن، 2/606-609).

و عندما فرغ النبي (ص) من أمر قريش، قرر في السنة 7ه‍ دعوة الحكام و الملوك في البلدان المجاورة. ثم بعث كتباً إلى إمبراطور روما الشرقية و النجاشي و أمير غساسنة الشام و أمير اليمامة (الطبري، 2/644 و مابعدها). و في هذه السنة أيضاً انتصر النبي (ص) على يهود خيبر الذين كانوا قبل ذلك قد تحالفوا عدة مرات مع الأعداء ضده، فلم‌يكن (ص) يأمن جانبهم. و سيطر المسلمون على حصن خيبر التي كانت تقع بالقرب من المدينة، ووافق النبي (ص) على أن يستمر اليهود في أعمالهم الزراعية في تلك المنطقة على أن يدفعوا للمسلمين كل سنة قسماً من محاصيلهم. و عاد النبي (ص) إلى المدينة، و لكن عملية إرسال السرايا و القوافل إلى المناطق المجاورة و البعيدة استمرت (ظ: الواقدي، 2/633 و مابعدها؛ الطبري، 3/ 9 و ما‌بعدها).

و في السنة 8ه‍، نقضت قريش معاهدتها، و هجمت ليلاً على قبيلة كانت قد تحالفت مع المسلمين. و لذلك، فقد خرج النبي (ص) إلى مكة بجيش جرار، و عسكر ليلاً خارجها. و قدم أبوسفيان كبير قريش على النبي (ص) بشفاعة عمه العباس، وأظهر الإسلام، فأعلن النبي (ص) من دخل دار أبي سفيان فهو آمن (الواقدي، 2/817 ومابعدها). و دخل جيش الإسلام مكة دون مقاومة، فأصدر النبي (ص) عفواً عاماً، و دخل هو نفسه الكعبة وطهرها من الأصنام. ثم جلس على ربوة الصفا، و بايعه جميع الناس (الطبري، 3/61-62؛ أيضاً ظ: غيوم، 50-51). و لم‌يكد يمر 15 يوماً من إقامة النبي (ص) في مكة حتى تحالفت قبائل عديدة ممن لم‌تسلم في الجزيرة العربية ضد النبي (ص). فخرج النبي (ص) بجيش جرار من المسلمين من مكة، و عندما بلغ موضعاً يقال له حنين، بدأ الأعداء الذين كانوا قد كمنوا في الوديان المجاورة بالرماية. و كان الرمي كثيفاً إلى درجة أن جيش المسلمين اضطر إلى التراجع، و لم‌يثبت منهم سوى عدد قليل، ولكن الهاربين عادوا أخيراً، و هجموا على جيش الأعداء، و هزموه (الواقدي، 3/885 ومابعدها).

و في صيف سنة 9ه‍، بلغ النبي (ص) أن الروم أعدوا جيشاً وأنهم ينوون الهجوم على المدينة. فخرج النبي (ص) و المسلمون لمواجهتهم حتى وصلوا تبوك، و لكن الحرب لم‌تحدث، فعاد النبي (ص) إلى المدينة بعد أن عقد معاهدات مع قبائل تلك المناطق (ظ: ابن هشام، 4/ 159 و مابعدها). و بعد هذه الحادثة التي عرفت باسم غزوة تبوك، بدأ الإسلام ينتشر في جميع أنحاء الجزيرة العربية. و منذ ذلك الحين كانت وفود القبائل المختلفة تتوافد على المدينة بشكل مستمر و تعتنق الإسلام بحيث كان النبي (ص) في السنة 10ه‍ و التي سميت «عام الوفود» في المدينة يستقبل مبعوثي القبائل. و في هذه السنة أيضاً عقد النبي (ص) معاهدة مع نصارى نجران، و ذهب للحج، و في طريق عودته نصب علي بن أبي طالب «مولى» للمسلمين في موضع يدعى غديرخم (البلاذري، أنساب...، 2/ 108-111).

و في أوائل سنة 11ه‍، كان مرض النبي و وفاته. و عندما اشتد عليه المرض، ارتقى المنبر و أوصى المسلمين بالتراحم بينهم، وقال فأيما رجل كنت أصبت من بَشَره شيئاً فهذا بَشَري فليقتص و أيما رجل كنت أصبت من ماله شيئاً فهذا مالي فليأخذ (ظ: ابن سعد، 2/255). كانت وفاة النبي (ص) في 28 صفر سنة 11ه‍، أو على رواية في 12 ربيع الأول من نفس السنة في الثالثة و الستين من عمره و في ذلك الوقت لم‌يكن قد بقي من أولاده حياً، سوى فاطمة (ع). فقد كان أولاده الآخرون و منهم إبراهيم الذي ولد قبل سنة، أو سنتين من وفاة النبي (ص)، قد توفوا جميعهم. و كان علي (ع) مع عدد من أسرته هم الذين غسلوا الجثمان الطاهر للنبي (ص) و كفنوه و دفنوه في بيته الذي يقع الآن داخل مسجد المدينة.

قيل في وصف سلوك النبي (ص) و صفاته إنه كان يميل إلى الصمت غالباً، و لم‌يكن يتكلم، إلا بقدر الحاجة. و لم‌يكن يفتح فمه كله أبداً، و كان يتبسم غالباً، و لم‌يكن يضحك بصوت عال أبداً. و عندما كان يريد الالتفات إلى شخص، كان يدير جسمه كله، وكان يحب الطهارة و التعطر كثيراً، حتى إن المارة كانوا يعرفون حضوره من أثر الرائحة الطيبة. و كان يعيش في غاية البساطة، ويجلس على الأرض، و يأكل عليها، و لايتكبر أبداً. ولم‌يكن يأكل حتى الشبع أبداً، و كان في الكثير من الحالات يتقبل الجوع، خاصة عندما كان قد دخل المدينة لتوه. و مع كل ذلك، فإنه لم‌يكن يعيش كالرهبان، و كان هو نفسه يقول إنه قد تمتع بنعم الدنيا إلى الحد المطلوب، فكان يصوم، و يتعبد في نفس الوقت. وكان سلوكه مع المسلمين، بل و حتى أتباع الأديان الأخرى، قائماً على الشفقة و اللطف و التسامح. و كانت سيرته و حياته مقربتين إلى قلوب المسلمين بحيث كانوا يتناقلونها بتفاصيلها كلها ومايزالون يتخذونها اليوم أسوة لحياتهم و دينهم أيضاً.

كانت الرسالة الأساسية للإسلام، العودة إلى الهدف المشترك بين الأنبياء، أي التوحيد؛ و هو الاعتقاد الذي اعتبر الإيمان به في قول معروف عن النبي (ص) مصدراً لسعادة الإنسان: «قولوا لا إلٰه الا اللّٰه تفلحوا» (ظ: أحمد‌بن‌حنبل، 3/492). و في مثل هذا التفكير، و بالإضافة إلى إقامة «القسط» الذي هو من الأهداف الرئيسة للأنبياء (ظ: الحديد/57/25)، فإن جميع الامتيازات البشرية مثل اللون والجنس واللغة وما إلى ذلك تعتبر الأساس والمعيار للتمايز بين الناس و حسب، و إن «التقوى» هي الملاك الوحيد للتفاضل (ظ: الحجرات / 49/13). و من أجل تحقق هذا الجانب من رسالته، فقد أسس النبي (ص) في مدينة صغيرة حكومة قائمة على أصل التوحيد، و دعا القبائل المختلفة في الحجاز و تهامة إلى الاتحاد وتشكيل «أمة واحدة» (ظ: الأنبياء /21/92)، و كانت هي بمنزلة عودة إلى هذه الخلفية القرآنية المتمثلة في أن جميع الناس كانوا أمة واحدة و أن الأنبياء سعوا دوماً لكي يعيدوا الوحدة للأمة ويقيموها (ظ: البقرة/2/213). و رغم أن رسالته كان من الواجب أن تبدأ إنذارها أولاً من قومه و موطنه (ظ: الأنعام /6/92)، إلا أنها كانت تشتمل منذ البدء على رسالة عالمية (ظ: يوسف/ 12/ 104). و رغم أن القرآن هب لمحاربة مظاهر الجاهلية القبيحة في اصطدامه مع تقاليد العرب، فوصف على سبيل المثال حمية العرب قبل الإسلام بأنها «حمية الجاهلية» (ظ: الفتح / 48/26)، ولكن دور الإسلام في التعامل مع التقاليد الحميدة والقائمة أحياناً على التعاليم السماوية، كان التوجيه إلى التوحيد و تصحيح النحرافات.

 

الخلفاء الأوائل

مع وفاة النبي (ص)، كانت القبائل المتفرقة في الجزيرة العربية قد تجمعت، و عاشت في ظل حكومة واحدة؛ وهي الحكومة التي أدارها بعد وفاته (ص) جماعة من أصحابه تحت عنوان «خلفاء رسول اللـه». و تبدو العقود الثلاثة التي تولى فيها الخلافة بعد رحيل النبي (ص) 4 من الصحابة المتنفذين، أقرب إلى سنّة النبي (ص) قياساً إلى العهود التي تلتها، و قد كان من أبرز خصائص هذه السلسلة الأولى من الخلفاء، أن الخلافة لم‌تكن قد اكتسبت بعد الشكل الوراثي. و قد سمي هؤلاء الخلفاء الأربعة فيما بعد «الخلفاء‌ الراشدين»، و لكن الظروف تغيرت بعد انقضاء هذا العهد بشكل بحيث إنه لم‌يكد النصف الأول من القرن الأول الهجري ينتهي حتى ظهرت من جديد بعض تقاليد العصر الجاهلي.

كان أبوبكر يواجه مصاعب كثيرة باعتباره أول خليفة للنبي (ص). فأرسل في بدء تصديه الخلافة الجيش الذي كان النبي (ص) عازماً في آخر أيام حياته على إرساله إلى حدود الروم بقيادة أسامة‌بن‌زيد (الطبري، 3/223 و مابعدها). و العقبة الأخرى هي، تمرد القبائل التي لم‌تكن ترتضي دفع الزكاة إلى خليفة النبي (ص). و ظهرت بعض من حركات التمرد هذه و التي عرفت في تاريخ الإسلام بحروب الردة، في قالب ادعاء النبوة في بعض مناطق الجزيرة العربية (م.ن، 3/227 و مابعدها، 249 و مابعدها، 261 و مابعدها). و كانت بعض هذه الحركات قد بدأت بشكل متفرق في الأيام الأخيرة من حياة النبي (ص)، و لكنها ظهرت بشكل أوضح في خلافة أبي بكر. و على أي حال، فقد قمعت الجيوش هؤلاء المتمردين كراراً، و بقيت الحكومة المركزية ثابتة بخلافة أبي‌بكر.

و في هذه الفترة أيضاً، و على إثر حروب الردة، أخذ المسلمون يهاجمون حدود الدولة الساسانية التي كانت قد آلت إلى الضعف و السقوط. كما بعث أبوبكر جيوشاً إلى بعض المناطق مثل الحيرة و حقق بعض الانتصارات (ظ: البلاذري، فتوح...، 241 و مابعدها؛ الدينوري، 111-112). و قد انعكس هذا الكر و الفر، بالتفصيل وذكر الجزئيات الكثيرة في الروايات التاريخية، و لكننا يجب أن نحتاط كثيراً في الاعتماد عليها؛ ذلك لأن ارتباطاً وثيقاً يلاحظ بين هذه الروايات، و القصص الملحمية قبل الإسلام، أو مايصطلح عليه باسم «أيام العرب» المليئة بالمفاخر القومية. و ليس واضحاً لدينا كثيراً دافع كل من هؤلاء الرواة في جمع أخبار هذه المرحلة من الفتوح في عهد الخلفاء؛ و لكن الاختلاف بين الروايات قد يصل أحياناً إلى درجة بحيث يبدو الجمع بينها و التوصل إلى نتيجة مستحيلاً. و رغم أن هذا الامتزاج بين الملحمة و التاريخ، يصدق بشكل عام فيما يتعلق بالكثير من روايات ذلك العهد، ولكنه يبدو ملفتاً للنظر أكثر في روايات الفتوح باعتبار تشابهها مع حروب العصر القديم.

و تزامناً مع معارك جيوش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد في العراق غالباً، بعث أبوبكر جيشاً آخر إلى الشام بقيادة أبي عبيدة ابن الجراح، و كانت السرايا العسكرية تتوالى بعده من المدينة بمساعدته (ظ: البلاذري، ن.م، 107 ومابعدها؛ الطبري، 3/387 ومابعدها). كان جيش الإسلام على مشارف الانتصار في اليرموك عندما وصل إلى الشام خبر وفاة أبي‌بكر (جمادى الآخرة 13ه‍، في الثالثة و الستين من عمره). و قد كان قد عين قبيل وفاته عمر بن‌الخطاب خليفة له (اليعقوبي، 2/115-116؛ الطبري، 3/419-420، 428 و مابعدها).

و بعد أن تولى عمر الخلافة، واصل حروب الفتوح في الشرق و الغرب معاً، أي في إيران و الشام؛ بحيث سيطر المسلمون مع بداية العقد 3ه‍ على مناطق واسعة من إيران و الشام و حتى مصر. و على إثر الفتوح، تدفقت الأموال و الغنائم على دارالخلافة في المدينة، و خصص عمر قسماً كبيراً من الموارد الجديدة للصحابة و خاصة السابقين في الإسلام (مثلاً ظ: اليعقوبي، 2/131). وعندما حصلت أرهاط قريش التي كانت خبيرة في التجارة، على غنائم كثيرة، عادت إليها تدريجياً نزعتها الدنيوية السابقة. و رغم أن عمر كان يتشدد كثيراً في رقابته للطبقة الأرستقراطية الجديدة، ولكن السيطرة على الظروف الاجتماعية الجديدة كانت تبدو مستحيلة من الناحية العملية. و من الصعوبة بمكان إصدار الأحكام بشأن الفتوح و مدى حدوثها بهدف نشر الدين الإسلامي، و مدى نجاحها في هذا المجال، و لكن ليس من قبيل الصدفة أن لانرى الكثير من الزهاد و العلماء من الصحابة بين قادة حروب الفتوح وجيوشها. و من جهة أخرى، فإن السكان الأصليين للبلاد المفتوحة، كانوا يعانون من سياسة حكامهم السابقين إلى درجة أنهم اعتنقوا الإسلام بأرواحهم و قلوبهم باعتباره ديناً جديداً ينادي إلى المساواة و العدالة و هذا ما أدى إلى أن يزحف الفاتحون المسلمون في البلاد المختلفة بشكل يبعث على الدهشة.

و في 23ه‍، طعن الخليفةَ أسيرٌ إيراني يدعى فيروز و يعرف بأبي لؤلؤ بسبب عدم اهتمام عمر بشكواه على ماصرحت الروايات، و مالبث أن توفي (ظ: الطبري، 4/190-194). و رغم أن الروايات صرحت بأن أبالؤلؤ بادر من تلقاء ذاته إلى قتل الخليفة، و لكننا لايمكن أن نتجاهل سخط كبار قريش على تشدد الخليفة (ظ: شهيدي، 114). عين عمر و هو على فراش الموت شورى تشكلت من علي (ع) و كبار الصحابة: عبدالرحمان بن عوف وعثمان بن عفان و سعد بن أبي وقاص و طلحة بن عبيداللـٰه والزبيـر بن العوام كي يختاروا الخليفة من بعده (البلاذري، أنساب، 5/15 و مابعدها؛ الطبري، 4/227 و مابعدها). و بعد محادثات طويلة، منح عبدالرحمان بن عوف من قبل الآخرين صلاحية أن يختار بين علي (ع) و عثمان (م.ن، 4/234). و تحدث عبدالرحمان الذي كانت تربطه صلة القرابة مع عثمان مع كليهما بشرط العمل بكتاب اللـه و سنة النبي (ص) و سنة الشيخين (أبي‌بكر و عمر). ولم‌يدل علي (ع) بجواب حول العمل بسنة الخليفتين السابقين يرضي عبدالرحمان، و لأن عثمان قبل الشرط، فقد بايعوه بالخلافة (ظ: البلاذري، ن.م، 5/22 و مابعدها؛ الطبري، 4/ 238-239).

و هكذا تولى عثمان‌بن‌عفان الخلافة، و أثار لينه منذ البدء النقد و النقاش (مثلاً ظ: البلاذري، ن.م، 5/24؛ الطبري، 4/243-244). و قد تجاهل شيئاً فشيئاً النظام الذي كان يتقيد به أبوبكر وخاصة عمر في اختيار ولاة المدن و رقابة النبلاء، و حتى إذا افترضنا أنه كان راغباً في مواصلة سياسات الخليفتين السابقين، إلا أن أقاربه كانوا يدفعونه إلى تأييد القرارات التي كانوا يتخذونها. و على أي حال، ففي المدة التي كانت فيها الخلافة بيد عثمان خلال 23-35ه‍، أثارت الطبقة الأرستقراطية و خاصة الأقارب المقربين من عثمان غضب عموم الناس و ذلك من خلال السيطرة على المناصب المهمة و الحساسة في المناطق المختلفة (مثلاً ظ: م.ن، 4/251- 252). و لم‌يكن أصحاب النبي (ص) الزهاد مثل أبي‌ذر الغفاري والذين لم‌يكونوا يحتملون ترف الطبقة الأرستقراطية و نزعتها السلطوية، يجدون مجالاً للاعتراض و النقد من قبل عثمان، فكان يتم نفيهم أحياناً إلى المناطق النائية (مثلآً ظ: البلاذري، ن.م، 5/52 و مابعدها؛ الطبري، 4/284 و مابعدها). وشيئاً فشيئاً تحول الاعتراض في المناطق المختلفة و خاصة العراق و مصر، إلى ثورة. و قدم الثوار إلى المدينة و حاصروا دارالخليفة، و بعد أيام من المحاصرة هجموا على الخليفة و قتلوه (البلاذري، ن.م، 5/ 59 ومابعدها؛ الطبري، 4/365 و مابعدها).

و في هذه المرة لم‌يكن أمام الأصحاب سوى أن ينتخبوا علياً‌ (ع) للخلافة (البلاذري، ن.م، 2/205 ومابعدها) ولم‌يكد يمض وقت طويل حتى أثار عزم علي بن أبي طالب (ع) على الالتزام الدقيق بالعدالة و سيرة رسول اللـٰه (ص) الاعتراضات و ذلك في مجتمع كان قد اعتاد على الترف و جمع الأموال و الثروات. و قد اصطحب هؤلاء المعارضون و على رأسهم طلحة و الزبير الصحابيان اللذان أصبحا الآن يطالبان بمكانة في الحكم وامتيازات على المسلمين الآخرين، و اصطحبوا معهم عائشة زوجة النبي (ص)، و ثاروا على أمير‌المؤمنين علي (ع)، و أعدوا للحرب التي تعتبر أول حرب داخلية في العالم الإسلامي، و عرفت بحرب الجمل (ن.م، 2/221 و مابعدها؛ الطبري، 4/506- 508؛ أيضاً ظ: المفيد، جميع أرجاء الكتاب).

الحركة التالية قام بها حاكم الشام آنذاك معاوية بن أبي‌سفيان الذي كان قد حكم الشام لسنين عديدة، وها هو ذا الآن يرى الخطر يحدق بمكانتة. و قد كان يمتنع عن مبايعة الإمام علي (ع) بحجة الانتقام لعثمان. و في هذه المرة أيضاً انتهى الأمر بالحرب، و رغم أن هذه الحرب الطويلة التي عرفت بحرب صفين، لم‌تتمخض عن نتيجة مشرفة لمعاوية، و لكنها تركت أثراً كبيراً في تفريق صفوف المسلمين و خلق الاتجاه الثالث المتثمل في الخوارج (البلاذري، ن.م، 2/275 و مابعدها؛ أيضاً ظ: نصر بن مزاحم، كافة أرجاء الكتاب). و الآن و بعد إنهاء الحرب، رفع معاوية من جهة دعوى الخلافة، و من جهة أخرى اختار الخوارج عبداللـه بن وهب الراسبي للإمارة في موضع يدعى حَروراء بعد أن اعتزلوا معسكر الإمام علي (ع). و لم‌يكن خليفة المسلمين يقاتل الخوارج ماداموا كانوا يكتفون بالاعتراض، فكان يدعوهم بشكل متواصل إلى الطاعة و الصلح؛ و لكن أميرالمؤمنين علي‌(ع) أعد الجيش لمحاربتهم بعد أن تجرؤوا على أذى الناس و قتلهم، فقضى عليهم في معركة عرفت بالنهروان (البلاذري، ن.م، 2/ 359 و مابعدها؛ الطبري، 5/72 و مابعدها).

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: