الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

و قد كانت جميع الطرائق الكثيرة و العديدة الأخرى التي كانت مستقلة عن هذه السلاسل، أو متفرعة منها، ترفع مستند أقوالها و آدابها بأسلوب متأثر بأسلوب أهل الحديث في الظاهر، إلى أئمة الهدى و خاصة الإمام علي بن أبي طالب (ع) من الخلف إلى السلف، و أما النقشبندية فقد كانوا فضلاً عن ذلك يرفعون من خلال أحد الطرق سلسلة خرقتهم إلى الخليفة الأول أبي‌بكر. ومايزال التحقيق في عدد هذه السلاسل و علاقتها ببعضها بحاجة إلى دراسة. و مما يستحق ذكره من بين ما تم حتى الآن في هذا المجال، دراسة ماسينيون في «دائرة‌المعارف‌الإسلامية» و دراسة سپنسر ترمنغهام، رغم أن كليهما تبدوان بحاجة إلى الإصـلاح والتجديد.

 

مراحل‌السلوك‌‌و المقامات

تبدأ مراحل السلوك التي يجتازها الصوفية في العرفان و الطريقة، من مرحلة «التبتل» (= قطع العلاقة بمتاع الدنيا)، و بالطبع فإن مقدمتها هي في الغالب حالة اليقظة والتوبة، و تستمر في سلسلة توالي المنازل حتى مرتبة «الفناء» التي هي تقريباً آخر مرحلة للترقي في مقامات السالك في السير إلى الله. وبالطبع فإن للسير إلى الله نهاية‌، حيث إن مشايخ القوم قالوا بما سموه بالسير في الله متجاوزين السير إلى الله، و بذلك يقولون إن الغيب هو هوية السالك و السير في الأسماء و صفات الحق، و لانهاية لهذا السير لأنه يمثل السير في اللانهاية (النسفي، الإنسان...، 12-13؛ قا: الفرغاني، 464).

و تتحصل مقامات السلوك لدى الصوفية من توالي و تكرر الأحوال (= الحالات) (الهجويري، 480 و مابعدها) و هي تمثل الواردات الغيبية و القلبية غير الثابتة و السريعة الزوال، و لكن عروضها المكررة تحولها بالنسبة إلى السالك المستعد إلى المقامات، و تؤدي إلى استمرار سلوك السالك و ترقيها في الأحوال (لاختلاف الأحوال و المقامات، ظ: غني، 2/207- 208). وفي هذا المجال يعتبر السير في الله من مقولة السير الخاص لأهل التصوف؛ و السير في الله يحمل في الغالب طابع العرفان، ويرتبط بمقولة سلوك أهل المعرفة. و لايقتصر عدد منازل السلوك و مقاماته على السير إلى الله؛ فالبعض منها يشتمل على 100 منزل، من البدايات و حتى النهايات، و اعتبرت بعض المواقف مشتملة على 1.000 مقام (عبدالرزاق، «اصطلاحات»، 86 و مابعدها). و على أي حال، فإن عدد المنازل و المواقف يختلف حسب استعداد السالك و توالي أحواله و وارداته، و قد وصف الاستمرار في اجتياز هذه المقامات في بعض الأقوال بالسفر، وسميت مراتبه بالأسفار الأربعة (ظ: فروزانفر، شرح مثنوي...، 2/536) و يقوم عليها عنوان الأسفار الأربعة لصدر‌الدين الشيرازي في تقرير حكمته المتعالية، و تظهر أسفاره الأربعة على أساس السير في مراتب العرفان.

و تختـلـف أحوال المشايخ في سير هذه الأسفار و المقامات على أنه توجد مبالغة و مسامحة من قبل المريدين فيما نقل من أقوالهم و مقاماتهم في هذا الباب. و توجد عن الكثير من هؤلاء المشايخ مقامات و مقالات مستقلة مثل مقامات أبي‌سعيد‌ ابن‌أبي‌‌الخير ( أسرار التوحيد)، و مقامات ابن خفيف (سيرة الشيخ الكبير)، و فردوس المرشدية في مقامات أبي‌إسحاق الكازروني، ونور العلوم في مقامات أبي الحسن الخرقاني و مقامات الشيخ أحمد جام و مقامات أوحد‌الدين الكرماني و مناقب العارفين في أحوال مولانا جلال الدين التي لها نظائر كثيرة، كما ذكرت أحوال بعض المشايخ في كتب طبقات الصوفية منها الطبقات لأبي عبد‌الرحمان السُلمي و الطبقات للخواجه عبدالله الأنصاري وتذكرة الأولياء للعطار و نفحات الأنس للجامي و رشحات عين الحياة و طرائق الحقائق، و يمكن تتبع تاريخ التصوف من خلال دراسة مثل هذه الآثار، مع الأخذ بنظر الاعتبار رسالات و كتب المشايخ أنفسهم و موقف أهل الأعصار إلى أقوالهم و تعاليمهم.

 

الحكماء المسلمون و التصوف

من بين ما اعتبرته الطبقات غير الصوفية الممتازة من دواعي تأييد الصوفية، أو إنكارهم، يختلف موقف الفلاسفة و أهل الحكمة بشكل بارز عن موقف الفقهاء و العلماء من أهل المدرسة. و قد لقي التصوف التأييد، أو التسامح على الأقل بين الفلاسفة وأهل الحكمة، و كان هذا النمط من المواقف متماثلاً تقريباً في شرق العالم الإسلامي و غربه. ورغم أن الصوفية اعتبروا العقل عاجزاً، أو موقوفاً، أو مرفوضاً في معرفة الحقائق (المستملي، 2/101-105)، و أن البعض منهم قالوا بطور ما‌وراء العقل، إلا أن الحكماء المسلمين اعتبروا حصيلة مكاشفاتهم مستحقة للتأمل، دون أن يؤيدوا قولهم بحصر العلم في العلم الكشفي.

و كان الفارابي أيضاً شبيهاً أكثر بصوفية عصره من حيث نمط المعيشة، و نمط التفكير (فروزانفر، مجموعة..، 283-293). ومايذكره في باب الاتصال بالعقل الفعال، هو في الحقيقة طرح لنوع من التجربة الصوفية من مقولة «الجذب» (مدكور، 47). وكذلك قوله في باب تجربة خلع البدن، فإنه من مقولة مايسميه الصوفية بالموت الإرادي (عبدالرزاق، شرح فصوص، 96، قا: 434-435). و المواضع التي تتناسب في النظام الفلسفي للفارابي (ص 31) مع نمط التفكير الصوفي ليست قليلة، و حتى تجرده ورياضته فإنهما يظهران نوعاً من الحكمة الأفلاطونية المحدثة لديه متناسقاً مع شيء من التصوف.

و هكذا الحال بالنسبة إلى ابن سينا، فعلى الرغم من أن حياته الظاهرية العادية تفترق كثيراً عن الأسلوب الشائع بين أهل التصوف، فإنه يقدم في أواخر كتابه الإشارات أفضل تقرير عن نظرية أهل العرفان بلغة فلسفية. فقصيدته العينية، و خاصة رسائله الرمزية بعنوان حي بن يقظان و رسالة الطير لاتخلو من تأثير التصوف. وهو لاينفي و لاينكر بشكل قاطع مسألة خلع البدن التي هي من تجارب الصوفية، فهي تحظى لديه بالقبول و كذلك الحال بالنسبة إلى سائر الكرامات المنسوبة إلى العارفين، كما هو الحال بالنسبة إلى الفارابي، و كما يبدو مما جاء في كتاب «أثولوجيا» (ص 35)، و الذي سمي في الإشارات لابن سينا بنضو الجلباب (ابن سينا، 3/363، 418؛ للتفصيل في قضية خلع البدن و مصدرها لدى الصوفية و الحكماء، ظ: زرين كوب، سر ‌ني، 780-782).

و تتشابه الحكمة الإشراقية للشيخ شهاب‌الدين السهروردي بشكل مشهود مع أقوال الصوفية. و تعد رسائله الفارسية رسالات عرفانية بشكل رئيس. و رغم أن الشيخ يبدأ كتبه الفلسفية العربية بطرح مباحث نظرية، إلا أنه يتوصل في الغالب إلى تجارب عرفانية شخصية (ظ: كوربن، «في الإسلام»، II/19). و يولي الشيخ شهاب‌الدين في تعاليمه أهمية أكبر إلى العلم الكشفي. فهو يرى أن كمال الحكمة في الوصول إلى الانسلاخ عن النواسيت وهي نفس التجربة المذكورة في أثولوجيا (قطب‌الدين، 557). وفضلاً عن ذلك، فإن رسائله الرمزية الفارسية (ظ: پورنامداريان، 230-240)، متأثرة بآراء الصوفية إلى درجة أنه يرى حتمية وجود نوع من الارتباط بين الحكمة الإشراقية و التصوف. و خاصة تأكيده على أن نيل هذه الحكمة لايحصل، إلا بالإعراض عن الأمور المادية (الشهرزوري، 57)، حيث يبدو في هذا التأكيد دلالة على التوافق بين الحكمة الإشراقية و عرفان الصوفية؛ واعتباره بعض مشايخ الصوفية مثل بايزيد و الحلاج و سهل التستري حكماء إسلاميين (السهروردي، يحيى، 502-503) يؤيد هذه الدعوى. و استناداً إلى قول السهروردي (ظ: إبراهيمي، 19) من أن الحصول على هذه الحكمة لايمكن دون إشراف المرشد والمعلم و هدايتهما، كما هو الحال بالنسبة إلى نيل حقائق التصوف، و أن من الواجب حفظها عن غير أهلها، يجعل من غير الممكن إنكار القرابة بين هذه التعليمات و مقالات الصوفية.

و مـن جملة الحكمـاء الإسلامييـن العـرب، تتضمـن آثــار ابن طفيل و ابن‌سبعين على الأقل، و من الحكماء الشرقيين الآخرين تشتمل رسالات أفضل‌الدين الكاشاني و القبسات للميرالدام-اد، وطرح الحكمـة المتعالية لصدر‌الدين الشيـرازي، علـى أقـوال تعتبـر مـؤيـدة للأسس العرفـانيـة؛ رغـم أنهـا لاتؤيد مشايخ القوم، و بعض شطحاتهم، و طغيان أحوالهم. 

 

المتشرعة و معارضة الصوفية

خلافاً للحكماء، نظر معظم المتشرعة و الفقهاء نظرة المعارضة إلى أقوال الصوفية و دعاويهم. و قد نفى بشدة الفقهاء و المجتهدون الشيعة في العهد الصفوي أمثال مؤلف حديقة الشيعة و المولى محمد طاهر القمي مؤلف رسالة الفوائد الدينية و الشيخ علي العاملي مصنف كتاب السهام البارقة و الشيخ يوسف البحراني مؤلف النفحات الملكوتية، وآقا محمد علي صاحب رسالة خيراتية مشايخ الصوفية، و مدعي التصوف، و حتى أقوالهم و معتقداتهم، و كذلك فقد سعى قبلهم مؤلفا تبصرة العوام و بيان الأديان إلى تخطئتهم.

و من قدماء أهل المذاهب، خطّأ الكثير من الحنابلة بشدة التصوف و الصوفية في نفس الوقت الذي كان فيه البعض منهم يدافع عن التصوف. و منهم ابن الجوزي و ابن تيمية و ابن قيم الجوزية الذين عمدوا في رسائل مختلفة إلى الرد على دعاواهم ونقد أقوالهم و أحوالهم، و من الطريف أن هناك من بين الصوفية أنفسهم، أو مؤيديهم أشخاص مثل الغزالي و الهجويري و الشيخ أحمد جام اهتموا بنقد الصوفية، أو نقد الأشخاص المتشبهين بهم (ظ: زرين‌كوب، دنباله، 23 ومابعدها). و منهم الشيخ أحمد جام الذي ادعى أن مايحدث في مجالس سماع القوم قد لايختلف أحياناً عما يحدث في «الخرابات» (ص 159، قا: 189).

و يعد الاشتغال بالسماع من جملة الأمور التي تعرض الصوفية بسببها إلى النقد الشديد من قبل المعارضين؛ و كذلك عباداتهم ورياضاتهم الغريبة و غير المألوفة، حيث كانت تعتبر لدى المنتقدين من مقولة العبادات بما لم‌يشرع الله، بل إنها كانت تعد بدعة. و قد كان مشايخ الصوفية يتجنبون بشدة ماينسب إلى البدع في العبادات، و يردون على هذا النوع من اتهامات المعارضين، وكانوا يعتبرون عبادة المتشرعة التي كانوا يكتفون فيها بالحد المشروع، مهتمة بمجرد أداء التكليف، و كسب المثوبات، و نوعاً من التعامل مع الحق، و كانوا يرون أن الاكتفاء بها دون شأن العارف (ظ: عبدالرزاق، شرح فصوص، 157-158؛ قا: ابن‌سينا، 3/370).

و بالطبع فإن قول الغزالي في الدفاع عن السماع، و حكمه بجوازه (مثلاً ظ: إحياء...، 2/ 268، كيميا، 473) مشروط باجتناب المناهي الملازمة له، و لاشك في أنه لايتضمن الجواز المطلق. ومع ذلك، فعلى الرغم من أن أمثال أبي‌سعيد بن أبي‌الخير بخراسان في أوائل العهد السلجوقي، و من بعده بقرون مولانا جلال الدين البلخي الرومي في قونية، لم‌يكونوا يرون إشكالاً في السماع مع رعاية الشروط اللازمة، إلا أن الفقهاء وغالبية المتشرعة لم‌‌يتجنبوا أبداً إظهار معارضتهم له. لقد كانت الخانقاهات في الغالب مكان إجراء مراسم السماع ــ رغم أن سماع الصوفية كان يتم بالإضافة إلى الخانقاهات، في منازل الأشخاص، بل وحتى في بيوت الحكام و الخلفاء أحيانـاً ــ و هذا ما أدى إلى مزيد من الإساءة إلى سمعة الصوفية و مجالسهم في نظر المتشرعة. و رغم أن هذه الخانقاهات التي كانت تدار بمبالغ النذور و الفتوح و الصدقات وسائر أبواب البر، كانت تستضيف أبناء السبيل، و الصادرين والواردين من المسافرين العزاب و غير العزاب و كانت تقام فيها مجالس السماع بالإضافة إلى مجالس الوعظ و الذكر. و كانت أحياناً تواجه المشاكل بسبب فقدان التمويل للنفقات الجارية (قا: حكاية بهيمة المسافر، المولوي، الكراس2، البيت 156 و ما‌بعدها)، إلا أنها كانـت فـي بعـض الحـالات تتحـول إلـى مـركز للتطفـل والعطالة، فكانت تتعسر السيطرة عليها، و يشيع فيها ارتكاب المناهي.

و حتى في الحالات التي كانت تؤمن لها الصدقات و النذور والفتوح، و على الرغم من الانضباط الدقيق في إدارتها، والعقوبات التي كانت تنفذ من قبل الشيخ و الخادم بحق المخالفين، إلا أن مجرد شيوع تقليد الرقص خلال مجالس سماع القوم، كان يتعرض لنقد الطبقات المخالفة و اعتراضها، حتى ضُرب‌المثل برقص الصوفي و أكله على سبيل الفكاهة والاستهزاء، فكان المعارضون يتداولون أحاديث كثيرة في نقد آداب أهل الخانقاهات هذه، و طعن حرصهم و رغبتهم العارمة في الأكل (ظ: الثعالبي، 174-176) و ذلك على سبيل الاستهزاء منهم والاعتراض عليهم. و كان يقال إنه لوكان هناك صوفي في سمرقند سمع بوجود خانقاه في مصر يعج بالرقص لشد الرحال إليها. و قد نسب المعارضون في بعض الحالات إلى الصوفية القول بسقوط التكليف. و فيما إذا كان هذا القول قد نقل عن متشبهي القوم، أو من مستلزمات اعتقاد الأكابر بوحدة الوجود، فإنه لايتفق مع أصل مبادئ التصوف و هو الزهد و التقشف. و فضلاً عن ذلك، فقد كان الصوفيـة هدفاً لنقد المتشرعة و اعتراضهم حتى بسبب رياضاتهم و اعتكافاتهم الأربعينية وعباداتهم المبالغ فيها (ظ: زرين‌كوب، أرزش...، 163).

 

العارفات الناسكات

عندما يدور الحديث في روايات الصوفية عن رجال القوم، أو رجال الله و أهل الله حسب تعبير الصوفية، فإن ذلك يشمل أيضاً أحوال نساء القوم، كما يذكر ابن‌عربي (ظ: الجامي، نفحات، 615). و يعتبر عدد النساء اللاتي كن في الطريقة أصحاب المقامات و المقالات، ملفتاً للنظر في روايات الصوفية؛ ففي طبقات الصوفية ذكرت أسماء، أو أوصاف 16 امرأة في النفحات للجامي، و 33 امرأة في الطبقات للشعراني، و134 امرأة في صفة الصفوة. و قد كان لأبي عبدالرحمان السلمى مؤلف أشهر طبقات الصوفية مجموعة مستقلة في باب طبقات النساء الصوفيات (ن.ص) و يمكن العثور على آثار لها في منقولات صفة الصفوة و حلية‌الأولياء. و قد سلك عدد كبير من هؤلاء النساء هذا الطريق بسبب التذوق للعبادة، أو الخوف من الله. و كان البعض منهن أخوات مشايخ العصر، أو بناتهم، أو نساءهم؛ و منهن أخوات بشر الحافي، و أم علي زوجة أحمد خضرويه، و حرة الدقاقية ابنة أبي علي الدقاق، و أم محمد عمة الشيخ عبد‌القادر الجيلاني، حيث ذكرن في روايات القوم مشفوعات بالتكريم. وقد نقل عن بعض الزاهدات الناسكات ملاحظات طريفة في باب مقامات الصوفية و مواجيدهم. و قد استشكلت رابعة العدوية مراراً استشكالات صحيحة على زهاد العصر و رجاله. ومن هذا الباب الحوار الذي دار بين سفيان الثوري و أم حسان، و بين ذي‌النون المصري وفاطمة النيسابورية (ن.م، 620).

و في الكثير من المواضع نقدت العارفات الناسكات أقوال رجال الصوفية و أحوالهم، أو أصلحنها. و مما يستحق الملاحظة دور رابعة العدوية في تحول التصوف من الزهد القائم على الخوف إلى الحب القائم على الأنس و الرجاء؛ على أن هناك شطحات نقلت عن فاطمة البردعية.

و تطالعنا من بين مريدي جلال‌الدين المولوي أسماء عدد من نساء العصر، و منهن كوماج خاتون زوجة السلطان ركن‌الدين، وگرجي خاتون زوجة معين‌الدين پروانه، كما كانت زوجة أمين‌الدين ميكائيل نائب السلطان تعد شيخ النساء بين عارفات قونية، و كانت تقيم مجالس الوعظ و السماع للمولوي في دارها (الأفلاكي، 1/490-491).

و يتحدث ابن‌عربي عن العابدات العارفات بلهجة التكريم والإشادة؛ ففي الفتوحات يذكّر مراراً بأنه تلقى الأرشاد و اجتاز مراتب السلوك لدى عدد منهن. و يشير ذكره لبعض من هؤلاء النساء مثل فاطمة بنت ابن المثنى، و شمس أم الفقراء إلى الإشادة و الإعجاب (1/274، قا: 2/35). و يلفت الانتباه في موضع آخر إلى أنه لايوجد اختلاف بين الرجال و النساء في سلوك الطريقة، فالنساء و الرجال متساوون في جميع مراتب الترقي و حتى في الوصول إلى مرتبة القطبية (3/89).

إن هذا التماثل لم‌يكن مقتصراً آنذاك على طريقة التصوف. فقد كانت ناسكات العصر يحظين بالثقة في حفظ الأحاديث ونقلها أيضاً. و قد ذكرت في مشيخة أحد علماء أواخر العصر العباسي 400 من المحدثات أجزنه في الرواية (ابن الفوطي، 205). و في تلك الفترة كانت تبنى أحياناً لعابدات العصر و محدثاته خانقاهات مستقلة كان شيوخها من النساء (م.ن، 374؛ أيضاً ظ: فروزانفر، شرح مثنوي، 3/815).

 

التصوف في أدب الشعوب الإسلامية

بالإضافة إلى أن الشعر و الأدب الصوفي في الفارسية و العربية يتضمنان الطابع التعليمي بشكل‌ما، فإنهما يشتملان أيضاً على مضامين غزلية و رمزية وتمثيلية، تفوح منها أحياناً رائحة الأدب غير الصوفي أيضاً، و قد استخدمت في بعضها المصطلحات العشقية و التعابير الشائعة في الغزل بشكل رمزي، رغم أن هذا الحكم لايصدق في جميع مواضع تلك الآثار.

لقد أوجد التصوف و العرفان بشكل عام، أدباً واسعاً و مستحقاً للملاحظة في الأغراض التعليمية و التمثيلية و الغزلية في جميع اللغات المهمة للشعوب المسلمة، و بالطبع فإن أقدمها العربية والفارسية. و تحتل التركية و الأردية و اللغات الإسلامية الأخرى الدرجة الثانية من حيث الأهمية. و من بين مجموع هذا التراث الأدبي هناك آثار تحمل طابعاً تعليمياً مثل الرسالة القشيرية لأبي‌القاسم القشيري، و كتاب اللمع في التصوف لأبي نصر السراج الطوسي، و منازل السائرين لشيخ الإسلام الخواجه عبدالله الأنصاري الهروي، و عوارف المعارف لشهاب‌الدين عمر السهروردي بالعربية، و آثار مثل كشف المحجوب للهجويري، وشرح التعرف لأبي‌بكر المستملي البخاري، و كيمياي سعادت لأبي حامد محمد الغزالي، و مرصاد العباد لنجم‌الدين الرازي، ومصباح الهداية لعز‌الدين الكاشاني، و هذه الآثار جميعها بالفارسية. و مما يلحق بمثل هذه الآثار ما كتب في مقامات مشايخ القوم و يشمل أسرار التوحيد في مقامات الشيخ أبي سعيد، و فردوس المرشدية في مقامات الشيخ أبي الحسن الكازروني، و سيرت شيخ الكبير أبو عبد‌الله ابن الخفيف الشيرازي، و مقامات شيخ أحمد جام، ومقامات أوحد‌الدين الكرماني، و رسالة سپهسالار و مناقب العارفيـن في أحوال مولانا جلال‌الدين البلخي الرومـي، حيث تضم أيضـاً مـواعظ أكابـر الصوفية و العارفيـن المتقدمين ومقالاتهم.

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: