الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

و قد واصل هذا النوع من الأدب فريق منهم أبو‌القاسم الصيمري و خاصة ابن الصلاح الشهرزوري (القرن 7ه‍) في أدب المفتي و المستفتي. و لكن أجمل مباحث الأدب المهني فخصص لنظم التعليم و التربية الذي تجسد بشكل بارز في آداب المتعلمين للخواجه الطوسي، و تواصل منذ ذلك الحين و حتى القرنين 10 و11ه‍ في آثار عديدة كثيرة.

 

المصادر

آذرنوش، آذرتاش، «پژوهشي در قصيده‌إي بزرگ»، مقالات وبررسيها، طهران، 1362ش، عد 38-39؛ ابن خلكان، وفيات؛ أبوالأسود الدؤلي، ديوان، تق‍‌: عبدالكريم الدجيلي، بغداد، 1954م؛ أبوتمام، حبيب، ديوان، تق‍ : شاهين عطية، بيروت، 1387ه‍/ 1968م؛ أبوالفرج الأصفهاني، الأغاني، تق‍ : يوسف علي الطويل، بيروت، 1407ه‍/1986م؛ الأعشى، ميمون، ديوان، تق‍ : حنا نصر الحتي، بيروت، 1412ه‍؛ إيزوتسو، توشي هيكو، ساختمان معنايي مفاهيم أخلاقي ـ ديني در قرآن، تج‍ : فريدون بدره‌إي، طهران، 1360ش؛ بكار، يوسف حسين، «أثر القرآن في شعر حسان بن ثابت»، نشريۀ دانشكدۀ إٰلهيات و معارف إسلامي، مشهد، 1351ش، عد 4؛ البيهقي، أبوالفضل، تاريخ، تق‍ : علي أكبر فياض بخش، مشهد، 1350ش؛ جرير‌بن عطية، ديوان، شرح محمد إسماعيل عبدالله الصاوي، بيروت، دار‌مكتبة الحياة: حسان‌بن‌ثابت، ديوان، تق‍ : وليد عرفات، بيروت، 1974م؛ خرمشاهي، بهاء‌الدين، «استشهادهاي ظريف به آيات قرآن»، نشر دانش، طهران، 1372ش، عد 6؛ ضيف، شوقي، تاريخ الأدب العربي، القاهرة، 1963م؛ الطباطبائي، محمود، «غديريه‌ها در أدب پارسي»، مجلۀ دانشكدۀ أدبيات و علوم إنساني، طهران، 1370ش، عد 29؛ عباس، إحسان، شعر الخوارج، بيروت، 1974م؛ عبدالجليل، ج.م.، تاريخ أدبيات عرب، تج‍ : آذرتاش آذرنوش، طهران، 1373ش؛ الفاخوري، حنا، تاريخ الأدب العربي، بيروت، 1987م؛ فيصل، شكري، أبو العتاهية: أشعاره و أخباره، دمشق، 1384ه‍/1964م؛ القرآن الكريم؛ الكاشفي، الحسين، روضة الشهداء، تق‍ : أبوالحسن الشعراني، طهران، 1349ش؛ كثير بن عبدالرحمان الخزاعي، ديوان، تق‍‌ : هنري پرس، باريس، 1930م؛ كعب بن زهير، ديوان، القاهرة، 369ه‍/1950م؛ مبـارك، زكـي، المـدائـح النبـويــة فـي‌ الأدب العـربـي، القـاهـرة، 1354ه‍/1935م؛ ملحس، ثريا عبدالفتاح، القيم الروحية في الشعر العربي، بيروت، مكتبة المدرسة و دار‌الكتاب اللبناني؛ مهيار الديلمي، ديوان، القاهرة، 1344ه‍/1925م؛ النظامي العروضي، أحمد، چهار مقالة، تق‍ : محمد القزويني، ليدن، 1327ه‍/ 1909م؛ نعمة، عبدالله، الأدب في ظل التشيع، بيروت، 1400ه‍/1980م؛ وأيضاً:

 

Blachère, R., Histoire de la littérature arabe des origines, Paris, 1964; GAL; GAS; Jomier. J., «Le nom divin Al-Raħmān dans Le Coran», Extrait des mélanges Louis Massignon, Damascus, 1957; Mouakket, A., Linguistics and Translation, Semantic Problems in Arabic- English Translation, Damascus, 1988.

آذرتاش آذرنوش/خ.

 

الإسلام و الأدب الفارسي

كان الأدب الفارسي الدري يعتبر منذ ظهوره و اتساعه (منتصف القرن 3ه‍( أدباً إسلامياً، بل إنه لم‌يمر أيضاً بعصر جاهلي خلافاً للأدب العربي. و من الطبيعي أن تأثير الإسلام فيه لم‌يكن تأثيراً خارجياً، بل كان استمراراً لتأثير البيئة التي ظهر فيها. ظهر هذا الأدب في عهد الصفاريين، وفي بداية عهد الطاهريين على الأكثر. إن ما كان يعود إلى إيران قبل الإسلام، لايعتبر الخلفية المباشرة لهذا الأدب الإسلامي. وقبل عهد الطاهريين و أوائل عهد خلافة المأمون، لم‌يكن الأدب الفارسي الدري قد اكتسب بعد الشكل المكتوب و المضبوط أيضاً. فما كان قد ظهر في هذه اللغة قبل الفتوح الإسلامية لم‌يكن يتجاوز الأغاني و التصانيف المتداولة على ألسنة العامة في ذلك العصـر، مثل أنشودة أهل بخـارى (زرين كوب، «سـرود...»، 288 ومابعدها) و أغنية أطفال بلخ (القزويني، 1/34-45) و أنشودة كركوي (تاريخ سيستان، 37). و يبدو أن الأنشودات الخسروانية التي تم العثور على نموذج منها على الأقل (شفيعي، 571-573)، كانت معروفة و متداولة بشكل محدود حتى عصر شمس قيس الرازي مؤلف المعجم، و في الحقيقة فإن جميع هذه الأنشودات تقريباً كانت متعلقة بالأدب العامي و غير المكتوب.

و يعود أول نموذج للشعر الفارسي الدري ذكر في المصادر، إلى أوائل عهد المأمون و فترة إقامته في مرو بخراسان. و مع ذلك، فإن من غير الممكن تأييد صحة نسبة الأبيات الأربعة التي ذكرت عن ذلك النموذج في رواية العوفي مؤلف لباب الألباب فهي على أي حال موضع نقاش (ظ: صادقي، 87 ومابعدها). وهناك نماذج أخرى نقلت تعود إلى ذلك العهد و تلوح في بعضها آثار القدم مما يؤيد احتمال أصالتها. و أما في تاريخ سيستان فإن الشعر الأول الذي نظم باللغة الفارسية، نسب إلى محمد بن وصيف كاتب ديوان إنشاء يعقوب بن الليث (ص 210)، ومن الطريف أن هذه الأشعار تعد أقدم شعر إسلامي في اللغة الفارسية، بنفس نسبة اعتبارها نموذجاً لأقدم شعر باللغة الفارسية الدرية.

و لم‌يصلنا من النثر الفارسي الدري، أي أثر غير إسلامي، أو يعود إلى ما قبل الإسلام، بحيث يكون قائماً على «التعبير الأدبي». و الآثار القليلة التي وصلتنا بهذه اللغة من أواخر عصر الفتوح الإسلامية، هي نموذج للأسناد و وثائق التمليك، و ليست من باب الآثار الأدبية (لازار، 31). و أما الآثار التي وصلتنا من تورفان ومن أنقاض تراث المانويين في تركستان، فتمثل الآثار الدينية المانوية، و بضع أوراق لمنظومة بلوهر و بوداسف الفارسية (هنينغ، 89-104)، و يبدو أنها تعود إلى فترة طويلة بعد نظم أقدم شعر فارسي، أي عهـد رودكـي. و علـى أي حال، فإن أقدم نماذج النثر الموجودة و المصنفة باللغة الفارسية، تحمل هي الأخرى الطابع الإسلامي، سواء كانت متبقية من أجزاء من التفسير المنسوب إلى أبي علي الجبائي (تـ‍ 303ه‍) من أئمة المعتزلة، أو الأجزاء الموجودة و المتلاعب بها لكتاب مفقود في باب المباحث الكلامية، يحمل اسم السواد الأعظم المنسوب إلى أبي القاسم الحكيم السمرقندي (تـ 342ه‍) الذي كتبه بطلب من الأمير نصر الساماني بالعربية، ثم ترجمه إلى الفارسية.

و تصنف مقدمة الشاهنامه القديمة المعروفة بشاهنامۀ أبومنصوري، و ما ظهر في مجال ترجمة تفسير الطبري إلى الفارسية الدرية، يقع من حيث التاريخ في هذا المجال أيضاً، ويدل مجموعها على أن أقدم نماذج النثر الفارسي هي كالشعر الفارسي إسلامية أيضاً. و أن الدعوى المتمثلة في أن الأدب الفارسي الدري ظهر في شعره و نثره كأدب إسلامي، و لم‌تكن له قبل ذلك خلفية تستحق الملاحظة، لاتمثل قولاً موضع ترديد، واختلافاً عارياً من المكابرة. و إن الجهود التي بذلها الفرس في هذه القرون و القرون التي تلتها لنشر اللغة العربية باعتبارها لغة الإسلام، ونشروا آثارهم العلمية على الأقل بهذه اللغة، يجعل من الثقافة الإيرانية المعاصرة لظهور الأدب الفارسي الدري، ثقافة إسلامية. كما أن اعتبار هذه الآثار في أوروبا في القرون الوسطى آثاراً عربية، لايخفي الأصل الإيراني لمؤلفيها، بل إنه يصوره على أنه أمر لايمكن الشك فيه (ظ: پيتسي، 422). و مع كل ذلك، فإن اللغة العربية أثرت هي أيضاً في تكوين وتطوير اللغة الأدبية الفارسية، و بالطبع فإن هذا التأثير كان نوعاً من التأثير الإسلامي. و قد كانت الكلمات العربية التي دخلت اللغة الفارسية مع الفتوح الإسلامية و إلى فترات بعدها خلال القرون الإسلامية الأولى، والتي وجدت المجال للاستخدام الواسع، ناجمة عن هذا التأثير نفسه. و في الحقيقة، فلو أن الفتوح الإسلامية لم‌تنته باستقرار حكم الخلفاء في إيران خلال مدة طويلة، لما وجدت هذه الكلمات الدخيلة طبعاً مجال الدخول و البقاء في الفارسية الدرية إلى هذا الحد من الغزارة و التنوع و التجذر.

كان بعض هذه الألفاظ مرتبطاً بالدين الجديد، مثل الآية والأذان و الإيمان و الثواب و الجمعة و الجهاد و الحج و الحرام والحـلال و الدعـاء و الـركـوع و السجـود و السـلام و الصـلاة و الصوم و العذاب و العقاب و الغزو و الغيب و الفاسق و القبلة والقضاء و القدر و القلم و الكافر و اللوح و المحراب و المسجد والمسلم و المؤمن و أمثالها. و كان البعض من الكلمات إدارياً ومتعلقاً بشكل الحكم الجديد، مثل الإمام و الأمر و النهي و الأمير و بيـت‌المال و التعزيـر و الثغر و الجبايـة و الجزية و الحاكـم والحد والخراج و الخطبة و الخطيب و الخليفة و الرعية و الزجـر و الحبس و السلطان و الطاعـة و الطغيان و العاصي و العصيـان و القتـل و القهـر و الكاتــب و المحتسـب و المصـلى و المـولى و الوالي و الوزير و أمثالها. و قد كان عدد من الألفاظ مترادفاً دخلت بمقتضى ضرورة الظروف في بعض الحالات من اللغة العربية بدلاً من الألفاظ الفارسية، أو دخلت معها في اللغة الفارسية و أصبحت متداولة و اتخذت مكانها فيما بعد في المحاورات العامة للفرس، أو في الأدب الفارسي، و شاعت.

و من المحتمل جداً، أن اختلاف الأنواع و تنوعها و اللهجات الفارسية في أوائل القرون الإسلامية الأولى، بقيت بشكل بارز في ساحة انتشار الفارسية الدرية (ظ: رواقي، 7-24) و قد كان ضرورة اجتناب الفوضى الناجمة عن عدم الانسجام بينها من الأسباب و الدوافع الرئيسة في دخول مثل هذه المترادفات غير اللازمة في اللغة الفارسية. و من جملة هذه الألفاظ أيام الحرب والحياة و الموت و الخير و الشر و السمع و السهل و الصبح والصعب و الصلح و القليل و الكثير و اللسان و اليوم و أمثالها وبالطبع فإن دخولها في اللغة الفارسية كان من تأثير مقتضيات حكم الإسلام، ثم أضفى عليها استعمالها فيما بعد في اللغة الفارسية و آدابها سعة و غنى يستحقان الملاحظة (لنماذج أكثر، ظ: بهار، 1/295 وما بعدها، 2/85 ومابعدها، 190 ومابعدها).

و توجد في اللغة الفارسية الدرية أيضاً الكلمات العلمية والكلامية و الفلسفية المأخوذة من القرآن و الحديث، أو معادلاتها القياسية في مقابل المصطلحات الشائعة في الترجمات العربية للآثار اليونانية و الهندية و الآرامية و السريانية و البهلوية، وشاعت منذ القرون الأولى في اللغة العربية العلمية مثل البرهان والجسم و الجوهر و الجهة و الحس و الخاطر و الصواب و الخطأ و المطلق و المقيد و الفرع و الأصل و النفس و الروح و العقل والحركة و الزمان و الظاهر و الباطن و القوة و المقولة و القياس و الحجة و أمثالها، و لأنها شاعت أولاً في العربية، فقد دخلت الفارسية بهذا الطريق، و يمكن اعتبار هذه الظاهرة أيضاً من تأثير الإسلام في اللغة الفارسية. و لكن كون اللغة العربية هي لغة العصر العلمية آنذاك، لم‌ينف قابلية اللغة الفارسية على تقرير المعاني العلمية، فظهرت كتب علمية أيضاً في تلك الفترة باللغة الفارسية اتخذت مصطلحات من الألفاظ الفارسية في مقابل الألفاظ العربية (ظ: معين، 63 و ما‌بعدها). و بالطبع فإن قابلية اللغة الفارسية و كذلك اللغات الإيرانية الوسطى على بيان المعاني العلمية و الدينية كانت قد جربت في بيئة الثقافة العربية منذ فترة طويلة قبل الإسلام.

إن وجود عدد كبير من الكلمات الفارسية و الإيرانية بين الكلمات غير العربية و الدخيلة في القرآن الكريم (جفري، 44، مخ‍‌ ) و عدد أكبر من الألفاظ الفارسية في الشعر العربي الجاهلي، (آذرنوش، 122-144) يرسخان في الذهن أننا يجب أن لانعتبر دخول الكثير من الكلمات العربية في الفارسية الدرية نابعاً من حاجة أدبية بعيدة عن تأثير الإسلام؛ و عامله و دافعه الرئيسان سيطرة الإسلام و ضرورة التوافق مع لغة القرآن. و لم‌يبق تأثير اللغة العربية في الأدب الفارسي و لغة الحوار فيها محدوداً بدخول عدد من الألفاظ العربية في اللغة الفارسية. و بسبب الأرضية الإسلامية للثقافة الإيرانية في ذلك العصر شاع تدريجياً كمّ لايستهان به من التركيبات و التعابير و الأمثال العربية في اللغة الفارسية و قد كان للبعض منها جذور قرآنية، أو إنها دخلت الفارسية عن طريق الأحاديث و التفاسير، و أصبحت بعد فترة من بين التقاليد الأدبية في الأدب الفارسي؛ و من جملتها تركيبات من مثل آتش [نار] إبراهيم، آتش طور، آتش نمرود، پيراهن [قميص] يوسف، پير [شيخ] كنعان، حزن يعقوب، حسن يوسف، حكمة لقمان، دم [نَفَس] عيسى، صبر أيوب، طوفان نوح، طينة آدم، عصا موسى، كشتي [سفينة] نوح، گناه [ذَنْب] آدم، لحن داود و ملك سليمان حيث تكثر نظائرها في الفارسية، و الكثير منها له جذور قرآنية.

و مع ذلك، فعلى الرغم من أن الدخول التدريجي للألفاظ والتعبيرات العربية في الفارسية، لم‌يُزل نفوذ و استمرار بقايا التراث الإيراني القديم في الأدب الفارسي، إلا أنه كان له على أي حال تأثير ملفت للنظر في مسيرة تكامل اللغة الفارسية باتجاه أقصى تقبل ممكن للنفوذ الإسلامي. و لم‌تكن فنون البلاغة العربية التي أُخذت في الغالب من البلاغة القرآنية، هي وحدها التي أثرت بشكل تدريجي في أسلوب بيان المعاني و تقريرها في اللغة الفارسية، و تم تقليد السجع و الموازنة و الصناعات البديعية الشائعة في النثر و الشعر العربيين، في النثر الفارسي و خاصة ما كان يسمى بالنثر الفنّي، بل إن الشعر الفارسي اتخذ منذ البدء الشعر العربي الشائع في ذلك العصر أنموذجاً، و أخذ الأوزان العروضية العربية من ذلك النموذج، و طرح جانباً بعض تلك الأوزان، و اهتم ببعض الأوزان الخاصة التي لم‌تكن متداولة في الشعر العربي. و في مجال القافية كان الشعر الفارسي واقعاً تحت تأثير الشعر العربي منذ القرون الإسلامية الأولى، و رغم أنه أضاف «الرديف» إلى أوصاف القافية، إلا أنه أخذ القافية نفسها من الشعر العربي. و في الحقيقة فإننا لايمكن أن نسلّم بوجود القافية في الشعر البهلوي قبل الإسلام، كما أراد بعض الباحثين (ومن جملتهم، بنفينيست، 245 وما‌بعدها) أن يثبتوا ذلك في رسالة يادگار زريران البهلوية. ولعل وجود القافية في النصوص البهلوية الأخرى مثل مقطوعة أندر متن شاه وهرام أن يكون مصدره تقليد الشعر العربي. و يبدو أن مقطوعة أندرز داناكان المنظومة في اللغة البهلوية هي من هذا القبيل. و توجد القافية أيضاً في مقطوعة درخت آسوريك البهلوية، و لكن الباحثين لم‌يستبعدوا في هذا المجال أيضاً أن تكون قد أخذت من الشعر العربي. و فضلاً عن ذلك، إن فنون الأدب كانت تشتمل أيضاً على عناصر من الثقافة الإيرانية قبل الإسلام، رغم أنها كانت شائعة في العصر العباسي الأول في بغداد. و قد كان تقليد الشعر و النثر الفارسيين للشعر والنثر العربيين في القرن 3ه‍ ومابعده من مستلزمات تأثير الإسلام. إن ارتباط الحكومات المحلية في إيران مع بلاط الخلافة في بغداد، وضرورة تجنب سوء التفاهم، جعلا المكاتبات الرسمية لفترة طويلة بالشكل العربي الشائع في سائر البلدان الإسلامية؛ ولذلك، فقد وجبت الاستفادة من القوالب التعبيرية العربية في الشعر و النثر الفارسي تحت تأثير أسلوب كتابة النثر العربي في ذلك العصر، فحذا النثر الفارسي بحكم الضرورة حذو الأنواع والصياغات العربية. إن اقتباس هذه القوالب في الشعر و النثر الفارسيين كان في نفس الوقت دليلاً على التفاهم مع الأدب الرسمي لعامة المسلمين، وعلى التربية الإسلامية أيضاً. و لذلك، فقد تم تقليد أسلوب بلاطات الخلفاء في الرسائل و التوقيعات. وفي الشعر، أصبحت قوالب القصائد و الغزل الشائع لدى العرب هما النموذج. و رغم أن قالب القصيدة كان في الأصل تراثاً جاهلياً عربيـاً، إلا أن الشعر الفارسي أخـذه و قلده باعتباره جزء مـن تقليد الشعر الإسلامي. و كانت القوالب الأخرى مثل المسمط والغـزل والقطعة و التركيـب‌‌بند فنوناً جديـدة أخذت مـن القصيدة، و أضفت نوعاً من الميزة على القوالب الخاصة بالشعر الفارسي.

و مع كل ذلك، فإن جميع الأوزان الشائعة في العروض العربي لم‌تنتشر في الفارسية، و كذلك فيما يتعلق بالقوالب الشعرية المأخوذة من العرب، فإنه لم‌يتم تقليد جميع الأوصاف و الحدود الشائعة في الأدب العربي. و على سبيل المثال، فإن القصيدة والغزل لم‌يتقيدا من حيث عدد الأبيات في الفارسية بما كان متداولاً في العربية، فالقوالب المثنوية (= المزدوجة) التي شاعت في الفارسية اكتسبت في الأدب الفارسي تنوعاً و أهمية كبيرة، رغم أنها لم‌تخل من تأثير الأراجيز العربية، فلم‌يظهر في الأدب العربي شيء شبيه لها أبداً (فروزانفر، مباحثي...، 33-35؛ قا: شبلي النعماني، 4/113-119، ترجمة، 4/ 99-101). و بالطبع فإن قالب الرباعيات وما ألحق به باعتباره «دوبيتاً»، ليس من بين القوالب القديمة للشعـر العربـي، و لكـن هنـاك اختلافـاً كبيراً بشـأن مصـدره (ظ: باوزاني، 528-537)؛ و قد نسب القدماء ابتكاره إلى رودكي، ولكن تعلقه بالأدب الشعبي الذي تبدو أشكال الـ «دوبيت» المنسوبة إلى بابا طاهر الصور المتحولة عنه، يضع اختراعه من قبل رودكي موضع الشك (ظ: شفيعي، 467 و ما بعدها).

و فضلاً عن اقتباس الوزن و القافية و القوالب الشعرية من الشعر العربي، فإن الشعر الفارسي و منذ عهد السامانيين، حيث دخل مرحلة نضجه، واصل حسب الضرورة الأغراض الرئيسة الشائعة في الشعر العربي مثل المدح و الهجاء و الفخر و الرثاء والشكر و العتاب و التشبيب و الاعتذار و الوصف و الحكمة، وأبدع فوق ذلك الشعر الملحمي الذي لم‌يكن له نظير في العربية، وجعله وسيلة للتعبير عن الحماس الوطني و الديني الذي اعتبر بدوره غرضاً خاصاً من أغراض الشعر الفارسي. و مع كل ذلك، فإن تقليد أبنية الشعر العربي و فنونه و أغراضه في الشعر الفارسي هو ليس في الحقيقة تقليداً للشعر العربي، بل هو سعي للتناغم مع الشعر الإسلامي الشائع. و لذلك تعتبر القصائد المنسوبة إلى محمد بن وصيف، و بسام كُرد الخارجي، و محمد‌بن مخلد السكزي (تاريخ سيستان، 210-212) أشعاراً إسلامية من بين أقدم النماذج الشعرية في اللغة الفارسية و مع وجود ألفاظ وتعابير مثل اللوح و الخط و لمن الملك و آدم و حوا و مكة والحرم ومعجزة النبي المكي فيها، فإن هذه الأشعار تعتبر في الحقيقة شعراً إسلامياً قبل أن تكون شعراً فارسياً.

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: