الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

و في مجال التحقيق المشتمل على المقالات و الرسالات الوجدية في إيجاب الزهد و التوبة، و الدعوة إلى الإعراض عن الحياة الدنيا، و الحث على الحب الإلٰهي، تعتبر الرسائل المنسوبة إلى الخواجه عبد‌الله الأنصاري، و آثار الشيخ أحمد جام، و السوانح للشيخ أحمد الغزالي، و التمهيدات و كذلك زبدة الحقائق لعين‌القضاة الهمداني، و رسائل عزيز النسفي من النماذج البارزة للأدب الصوفي.

و في مجال الشعر الصوفي بالعربية يعد ديوان ابن الفارض المصري (تـ‍ 632) و خاصة قصيدته الخمرية الميمية، و قصيدتيه التائيتين المعروفتين بالكبرى و الصغرى من غرر أشعار القوم. وفيما يتعلق باللغة الفارسية، تقدم الآثار التعليمية و التحقيقية للسنائي و العطار و مولانا جلال‌الدين الرومي أفضل التعبيرات عن التجارب و التعاليم الصوفية.

و يقرر ابن الفارض في قصيدته الخمرية، مسألة الحب الإلٰهي، و في كلتا تائيتيه يقدم بالإضافة إلى ذلك، إجمالاً عن التجارب الشخصية في مراتب السلوك و رغم أن الطابع التعليمي واضح في بعض أشعاره، حتى إن هناك على ماقيل علامات تأثره بعقيدة وحدة الوجود، إلا أن الطابع التمثيلي و الغزلي يغلب على أكثر أبياتها و قد ذكر من بين الصوفية بلقب سلطان العاشقين و هي إشارة إلى تغلب الجانب الأدبي على مجموع آثاره (قا: قنواتي، 60-61, 117-120). و أما تا‌ئيته الكبرى فإن بالإمكان فهمها باعتبارها غزلاً صوفياً شخصياً خاصة أكثر من كونها منظومة تعليمية تتعلق بالتصوف؛ و هذه النقطة هي التي تجعلها تستحق الملاحظة من الجانب الأدبي أكثر بغض النظر عن اشتمالها على التجارب الصوفية. و الشروح التي كتبت على قصيدته الخمرية، تشير إلى أن الأهمية الأدبية لأشعاره لاتقل من أهمية تجاربه الصوفية.

و من بعد ابن الفارض، تعد أشعار ابن‌عربي أفضل نماذج الشعر الصوفي في الأدب العربي. و من المفيد هنا الإشارة إلى كتابه المعراج من بين آثاره، حيث يبدو أنه كان له دور في طرح كتاب الكوميديا الإلٰهية لدانته، و هي الملاحظة التي أورد آسين پلاثيوس (ن.ع) لأول مرة شواهد عليها، و أظهرت البحوث المتأخرة أن الشكوك التي أبديت في هذا المجال، من الممكن إزالتها (ظ: بدوي، 49 و مابعدها).

و يعد عبد‌الكريم الجيـلي (تـ‍ 832ه‍(، مصنف كتاب الإنسان الكامـل المهم، الشخصيـة الكبرى الأخرى في التصوف العربـي ــ بعـد ابن‌عربي، و تحـت تأثير تعليماته إلى حدمـا ــ حيث نشهد تأثيـر أثولوجيا فـي كتابه بالإضافة إلـى تعليمات ابن عربـي. ويعتبر الجيلي في الشعر الصوفي الممثل الأكبر للشعر الإبداعي في الأدب الصوفي العربي و قيل إنه ربما كان آخر شاعر كبير في اللغة العربية بين الشعراء الصوفيين (ظ: قنواتي، 66).

و بالطبـع فإن للشعر الغزلي الصوفي و حتـى الشعر التعليمي ــ و الـذي لايخلـو هـو أيضـاً مـن صبغـة المضمـون الغـزلـي ــ خلفية طويلة في الأدب الفارسي. و تنسب أقدم النماذج إلى أبي‌زرعة البوزجاني، و رابعة بنت كعب، و الأشخاص الذين ذكرت أشعارهم في مجالس شيخ أبو سعيد. و نسبت إلى أبي سعيد نفسه مجموعة رباعيات، حيث إن هناك شكوكاً في صحة نسبتها إليه. و مع ذلك، فلايمكن في هذه العجالة تجنب الإشارة إلى آثار السنائي و العطار و المولوي خلال بحث قصير في الشعر الغزلي الصوفي، رغم أن آثار المغربي التبريزي، و عبدالرحمان الجامي من بعدهم تعد طريفة، كما هو الحال بالنسبة إلى حافظ فإن اعتباره شاعراً صوفياً يعد سوء فهم مضلاً رغم اشتمال بعض أشعاره على إشارات عرفانية.

و لم‌يبدأ السنائي الغزنوي الشعر الغزلي الصوفي في الأدب الفارسي و حسب، بل إن مثنوياته التعليمية و منها حديقة الحقيقة، تعد أول و أطرف تجربة في مجال إبداع الشعر التعليمي و هي ممزوجة مع المضامين التمثيلية و الغزلية. و قد اعتبره بعض الباحثين في مثنويه القصير سير العباد إلى المعاد السابق لدانته، رغم أن سيره العلوي هذا في هذه المنظومة قد أهبطت رفعته وعظمته بسبب الأبيات التي مدح فيها أحد حكام العصر (فروزانفر، سخن...، 259).

و يبدو أن فريد‌الدين العطار الذي كرّس بعد السنائي شعره للمباحث و التجارب المتعلقة بالتصوف، كان يعيش قبله حياة دينية و صوفية حقيقية. و مع كل ذلك، فإن شعره الغزلي في مجال التصوف لايبلغ مثنوياته التي هي من المقولة التعليمية من حيث الشهرة، و القبول العام، و بالطبع فإنه لايوجد من بين العدد الكبير من المثنويات المنسوبة إلى العطار و التي وصفها بعض الناقدين بسبب كثرتها بأنها فاقدة ل‍ـ «لجام الفن» (پيتسي، I/223)، سوى عدد قليل ــ 4 مثنويات على مايبدو ــ يمكن نسبتها إليه، و لكن شعره و خلافاً لما رآه بعض منتقدي عصرنا (حميدي، عد 2، ص 73 و مابعدها، عد 4، ص 190 و مابعدها)، لايفتقر إلى اللطافة والجمال الشعري. و فضلاً عن ذلك، فقد قدم خلال هذه الأشعار أسلوباً جديداً و بسيطاً، لايمكن تقليده و خاصاً به في بيان لطائف التصوف و أسراره.

و من بين مثنوياته الأربعة، يذكّرنا مثنويه أسرار نامه إلى حدما بحديقة السنائي؛ و تبدأ أبوابه بخطابات الموعظة و تتخللها حكايات طريفة على سبيل التمثيل يتضمن البعض منها أحوال المجانين العقلاء و يشتمل البعض الآخر على حكايات قصيرة تدعو للاعتبار. و مثنويه الآخر هو إلٰهي‌ نامه الذي جاء في قالب حوار طويل بين خليفة و أبنائه الستة و يورد الشاعر خلال نقل هذا الحوار حكايات مناسبة لتكتسب القصة التي تستند بشكل كامل إلى عنصر الحوار طابع القصص المتداخلة، و يطرح الشاعر خلال هذه الرواية و حسب المناسبة ملاحظات تعليمية طريفة في أرجاء الكتاب. و في هذه المنظومة يسأل الخليفة خلال حواره مع أبنائه، عن رأيهم في باب ماهو أحب شيء لديهم، و حينئذ يعرض الأشياء المحبوبة عندهم و هي ابنة مَلِك الملائكة و السحر و«جام جم» وماء الحياة و خاتم سليمان و علم الكيمياء، و التي هي في رأيهم أمور لاتستحق التعلق بها، و يؤول مظاهرها بالحقائق ليخلص إلى أن مايمكن أن يكون المحبوب الحقيقي للإنسان هو الحب الإلٰهي الذي يحصل من خلال الإعراض عن متاع الدنيا والتزام الزهد، و بذلك، يترك هذا المثنوي التعليمي من خلال الحكايات التمثيلية التي تملؤه، تأثيراً أدبياً طريفاً في ذهن القارئ، و يدعوه إلى التأمل في المعاني الرمزية و التمثيلية للقصة.

و يحمل مثنوي العطار الآخر الذي هو أيضاً من باب القصص المتداخلة و تتخلله في إطار الحكاية الأصلية حكايات أخرى حسب المناسبة، اسم مصيبت‌نامه، حيث يقرر فيه سير سالك الفكرة و بحثه في سلوك طريق الحقيقة، و يدفعه في جميع أطوار الكائنات إلى السير و البحث، بل إنه يمرره بكل واحد من الأنبياء، و بالعرش و الأرض و جميع العوالم. و لايجد سالك الفكرة خلال هذا البحث أثراً للحقيقة في أي مكان، و أخيراً تحل هداية الرسول و إرشاده مشكلته، ليجد نفسه و شيخه الذي هو العقل، أو القلب، راضيين و قانعين بنتيجة هذا البحث. و تمتلئ القصة بالحكايات التمثيلية و الإرشادات التحقيقة، و لكن مصدرها موضع بحث. فقد قال بعض الباحثين إن العطار صاغ تلك القصة استناداً إلى حديث نبـوي ــ حديـث الشفاعـة (ريتر، 24) ــ و يبدو على رأينا أن اطلاعه على القصص التمثيلية و الرمزية المنسوبة إلى ابن سينا والغزالي و شيخ الإشراق لم‌يكن عديم التأثير في صياغة قالبها.

و أما مثنوي العطار الآخر فهو منطق الطير الذي يعد أشهر مثنوياته، و قد أخذه من قصة تمثيلية و رمزية للغزالي باسم «رسالة الطير»، حيث قيل إن أخاه الشيخ أحمد كان قد نقلها من العربية إلى الفارسية. و يرجح أن يكون هذا النقل الفارسي هو مأخذ العطار في نظمه. و في هذه المنظومة يطرح الشاعر سير أهل الطريقة في مراحل السلوك متمثلاً بتحليق الطيور بحثاً عن طائر، «سيمرغ» [العنقاء]، حيث يرشدهم الهدهد في هذه الرحلة، و بعد الوصول إلى نهايات السيرتجد «سي مرغ» [الطيور الثلاثون] بعد أن عانت الأمرين من هذه الرحلة الطويلة المليئة بالمصاعب، نفسها في حضرة العنقاء و قد اعترتها الحيرة. و هنا تجد الطيور نفسها بعد اجتياز وديان السلوك السبعة في حضرة جلال العنقاء لتواجه استغناءها، و لكن لطف الحق يخرجها من تلك الحيرة والفناء، ليفسح لها مجال الوصول إلى مقام القرب؛ و مع ذلك، تبقى الورطة التي لايمكن اجتيازها بين الحق و الخلق، و لاتنتهي إلى مايسمى مقام الفناء و الوحدة في السير إلى الله و الذي يؤدي التأمل فيه عند بعض العارفين إلى توهم وحدة الوجود. و ما يتحصل لهم في هذا السير هو مرتبة البقاء بعد الفناء (فروزانفر، شرح أحوال...، 393) التي يجدها العطار فيما‌وراء الشرح و البيان، و هو يرى أن فهم القصة يتوقف على تحمل الآلام و اللواعج التي لايمكن وصفها، و هي رهينة على إطار التجربة الشخصية.

و توجد أيضاً بعض القصص الثانوية في هذه المثنويات و هي رمزية، أو تعليمية و تحمل بحد ذاتها صورة منظومة مستقلة، ومنها قصة شيخ صنعان في منطق الطير و التي اختُلف بشأن مصدرها (ظ: زرين‌كوب، نه شرقي...، 268-276)؛ و قصة المرأة العفيفة في إٰلهي‌نامه و التي تذكّر بقصة كنستانس في منظومة «حكايات كنتربري» لجفري تشوسر و مصدره (ظ: م.ن، نقش...، 329-331)، و تعتبر من القصص النادرة و الطريفة في جميع أرجاء الأدب الإيراني؛ كما هو الحال بالنسبة إلى عدد كبير من الحكايات و الأقوال المثيرة للعبرة التي نقلت عن المجانين العقلاء في جميع أرجاء مثنوياته، و التي تبلغ 115 حكاية (فروزانفر، ن.م، 56)، إذ تتمتع هي الأخرى بأهمية خاصة في تاريخ إيران الأدبي من حيث نظرة التصوف إلى هذه الطائفة، و من حيث «الفكرة الثابتة» التي تطغى على أحوالهم أيضاً.

و يعد مثنوي معنوي الأثر الكبير و المنقطع النظير لمولانا جلال‌الدين محمد البلخي الرومي (تـ‍ 672ه‍) أضخم حدث أدبي في العرفان الإسلامي، و أكبر أثر تعليمي للتصوف في الأدب الإيراني، و الذي يرى بعض الباحثين أنه عديم النظير تقريباً في جميع الألسنة و القرون في العالم. و يبدو أن مجموع الأشعار الغزلية الصوفية لمولانا و التي عرفت باسم مرشده الروحي شمس‌الدين محمد التبريزي، أي باسم ديوان شمس، يحتل نفس هذه المكانة في الشعر الغزلي الصوفي. و يعتبر لقاء شمس التبريزي بمولانا في قونية عاصمة بلاد الروم (642ه‍) و التي أدت إلى أن يضمر مولانا الإرادة و الحب إلى شمس، حدثاً منقطع النظير، وغامضاً تقريباً في تاريخ التصوف، و لكن تأثيره الكبير تمثل في أن يظهر من وجود مولانا الواعظ و الزاهد و المدرس والمحقق و المفتي في قونية شاعر صوفي و عارف كرّس معظم أوقاته بعد ذلك في الشعر و السماع و التأمل و التفكير الصوفي. إن سرد قصة هذا التحول الذي أحدث للمولوي نوعاً من الولادة الجديدة، بل و ذكر سائر آثاره و أسماء أصحابه و مريديه وخلفائه و الذي أدى بعد ذلك بسنين إلـى تأسيس طريقة ثابتـة ــ السلسلة المولوية ــ بحاجة إلى شرح مستقل.

إن ماقدمه الباحثون الإيرانيون و غيرهم في هذا المجال، إنما هو صورة محدودة عن القيمة المعنوية لهذا الكتاب الخالد، فالشروح العديدة التي تم تصنيفها منذ تلك الفترة القريبة من عصر حياة مولانا و حتى اليوم بالفارسية و التركية و العربية في باب المثنوي، لم‌تستوعب بعد جيمع لطائفه و أسراره؛ كما يمكننا أن نجد ديوان شمس لمولانا، و المعروف بالديوان الكبير مشتملاً بشكل منقطع النظير على التجارب الصوفية في مجموع الأدب الإسلامي. إن هذين الأثرين القيمين اللذين يشبهان الآثار الأدبية من حيث سعة التأثير، و يغايرانها تماماً من حيث مضمون التعاليم، يقـرران فـي نفس‌الـوقـت ــ كما هو الحال بالنسبة إلى آثار ابن‌عربي ــ جميع المعارف الصوفية و آثار و أحوال مشايخ القوم الكبار تقريباً على ضوء القرآن و الحديث، و تحت تأثير جاذبة الإدراكات الشخصية لمولانا و مواجيده في نفس‌الوقت، و هما يقدمان في مجالهما موسوعة في التصوف تفوق بمرات آثار ابن‌عربي، و بالطبع فإنهما يطالبان القارئ بالتأمل في لطائف وأسرار الكلام مثلها، بل و أكثر منها.

و تعد المنظومة التعليمية القصيرة گلشن راز و التي تتضمن تقريباً ألفاً و نيفاً من الأبيات و التي نظمها الباحث الصوفي الشيخ محمود الشبستري في جواب أسئلة الأمير الحسيني الهروي، بناء رائعاً و صغيراً في نفس‌الوقت، حيث تتضمن دقائق كثيرة، كانت تعد خاصة في العصر الصفوي و كما نقل عن بعض سياح ذلك العصر، مجموعة كاملة في مجال التصوف، و قد خضعت مثل فصوص الحكم لابن‌عربي و بنفس المستوى إلى حدما للدراسة والبحث و الشرح و التفسير. و تشير كثرة الشروح العديدة التي كتبت على هذا الكتاب الصغير إلى سعة دائرة شهرته.

كان الشعر في العصر الكلاسيكي للأدب الفارسي خاضعاً إلى حد لتعاليم أهل التصوف بحيث كان كل شاعر كبير في تلك العصور صوفياً تقريباً، أو كان كل صوفي آنذاك يعد شاعراً كبيراً (زرين‌كوب، 134-140؛ قا: لويزن، 11 و مابعدها).

 

لغة الصوفية

بعد هذه النظرة الإجمالية إلى الأدب الكلاسيكي للتصوف، من الضروري إلقاء نظرة قصيرة إلى لغة الصوفية والمشتملة على مصطلحات القوم و رموزهم في آثارهم التعليمية و الغزلية. و هذه اللغة الخاصة التي كانت تتضمن استخدام عدد من الألفاظ في غير المواضع الشائعة في استعمال العامة، بدأت بالتوسع و الانتشار منذ عهد الطبقة الثانية من مشايخ الصوفية على الأقل. و قد كانت ضرورة الاستفادة منها نابعة من وجوب المحافظة على العقائد و التعاليم الخاصة بالقوم من أن تصل للعامة، حيث كانت نظائرها متداولة أيضاً لنفس الأسباب في رأي بعض المذاهب و الفرق الإسلامية في ذلك العصر.

كان الصوفية يعبرون عن هذا النمط من البيان بعلم الإشارة أحياناً، ذلك لأنهم كانوا يتصورون أن العبارات في مفهومها الشائع و المتداول لم‌يكن بمقدورها تفهيم تلك المعاني و إلقاؤها، و لأن إشارات القوم في هذه المعاني التعبيرية الشخصية لحصيلة العلوم الشائعة في العصر، كانت تعتبر وفق نوع من التعاقد غير المصرح به، فقد كان المشايخ يؤكدون من حين لآخر أن أهل التصوف لايمكن أن يبلغوا علم الإشارة ما لم‌يحصّلوا العلوم الأخرى (المستملي، 3/ 78). و لكن علم الإشارة كان في الكثير من الحالات تعبيراً عن الواردات و المواجيد، حيث لم‌يكن تلقيها و إدراكها بحاجة إلى العلوم الرسمية، بل إن هذه العلوم كانت تعتبر حجابها و المانع دون إدراكها.

و بالطبع فإن ما كان يرتبط بالأدب التعليمي للصوفية، هو أن معظم ألفاظ علم الإشارات كان يؤخذ من القرآن و الحديث، حيث كانت تؤخذ معانيه التأويلية بنظر الاعتبار. كما كانت الاستنتاجات المختلفة في تفسير القرآن الكريم تشكل مصدراً أساسياً في هذا المجال، لأنها كانت تختلف أحياناً حسب المذاهب التفسيرية. و قد استخدم فيما بعد عدد من الألفاظ و التعابير الشائعة في علوم العصر مثل الفقه و الكلام و المنطق و الحكمة الإلٰهية من خلال السعي لمطابقتها مع المعاني التي يريدها القوم في مثل هذه الإشارات، و هكذا ماسمي فيما بعد بمصطلحات الصوفية.

ومع كل ذلك، فإن شيوع هذه المصطلحات في محاورات مشايخ القوم و في مجالس الصوفية الخاصة أدى إلى ظهور المزيد من سوء الظن من قبل عوام المتشرعة بحق الصوفية. ويقال في هذا المجال إن منتقداً قال لابن‌عطا الآدمي الذي كان من مشايخ عهد الجنيد: أنتم يامعشر الصوفية إما أن تموهوا في استعمال مثل هذه الألفاظ و هذا ما لايجوز مع الحق، أو إن هناك عيباً في معتقداتكم تخفونه بهذا الأسلوب. فأجاب مبرراً استعمال هذه الألفاظ في كلام الصوفية: «ما فعلنا ذلك إلا لغيرتنا عليه لعزته علينا كيلا يشر به غير طائفتنا» (م.ن، 3/87). و على أي حال، يبدو من مجموع القرائن أن هدف القوم من استخدام هذه الألفاظ في مثل تلك المعاني في الغالب من أجل بلوغ تلك اللحظة التي يحفظون فيها أحوالهم و أقوالهم من سوء تعبير العوام.

و لكن مع انتشار كتب أهل التصوف و رسائلهم التي كانت الأيدي تتداولها بين أهل العلم مثل الصوفية، و من خلال الأمان النسبي الذي كان يتوفر في بعض الفترات، تم من باب الضرورة التعريف ببعض هذه المصطلحات التي كانت تعتبر شاملة لمبادئ سلوك الطريقة، في كتب القوم التعليمية، فتولت بعض الكتب مثل شرح التعرف و كشف المحجوب و الرسالة القشيرية و اللمع و منازل السائرين و مصباح الهداية و أمثالها، شرح بعض من هذه المصطلحات، أو تعريفها. و تم فيما بعد شرح ماكان يرتبط بمذهب ابن عربي، أو سعد‌الدين الحموي و المولوي في الشروح التي كتبت على آثارهم، أو في رسائل مستقلة.

وقد أصبح استخدام المصطلحات في مثنوي للمولوي، وخاصة مع الأخذ بعين الاعتبار ماكان متداولاً في مؤلفات أساتذته وتلامذته و ذويه مثل المعارف لبهاء ولد و مقالات شمس و معارف و مثنويات سلطان ولد، قابلاً للفهم أكثر، و لاشك في أنه يجب الانتباه أيضاً إلى تأثير العوامل المتعلقة بأنواع اللغة ومستوى تربية الأشخاص و تهذيبهم بسبب تعدد و تنوع الرسائل التي ألفت في مجال مصطلحات الصوفية، و هنا تنبع ضرورة المقارنة للمصطلحات من حيث زمان استخدامها و مكانه.

و فيما يتعلق بالألفاظ التي تتواجد في الأشعار الغنائية و في قلندريات الصوفية، و أحياناً في بعض آثارها المنثورة مثل السوانح لأحمد الغزالي و اللمعات للعراقي و اللوايح للجامي وأمثالها، يجب الالتفات أيضاً إلى خلفية النزعة الرمزية لدى الصوفية و شيوع تقليد تأويل المعنى الظاهر بالمعاني الباطنية. ولم‌تكن الأبيات تؤول في مقامات الشيخ أبي سعيد بمناسبة أشعار الحب الإلٰهي التي كانت تقرأ في مجالسه (مثلاً ظ: محمد‌بن المنور، 1/271) فقط، بل إن مجموعة من مثل هذه التأويلات بُينت في كلام فخر‌الدين العراقي، حيث استند إليها الآخرون وقلدوها. و لابن‌عربي أيضاً في شرح ترجمان الأشواق قطعة تدل على أن هذه الألفاظ الغزلية في كلامه يجب تفسيرها بما‌وراء مايقتضيه ظاهرها، كما توجد في أوراد الأحباب لسيف‌الدين الباخرزي، و في گلشن راز تفسيرات تأويلية في باب هذه المصطلحات مثل الوثن و الخرابات و الشاهد و الساقي وأمثالها، حيث تكررت في شرح اللاهيجي و الرسالة المشواقية للفيض الكاشاني و المصادر الأخرى.

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: