الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

و من وجهة نظر الآراء العامة في مجال الحكم، يجب التذكير بأن أهل السنة أولوا اهتماماً خاصاً إلى مسألة الخلافة بوصفها أمراً دينياً نظراً إلى أنهم كانوا يتمتعون بحكم ديني و خلافة طيلة القرون المتوالية، و سعوا من أجل أن يضعوا أعمال حكم الخليفة في إطار المقررات و الأحكام الشرعية، ذلك لأن الخليفة نفسه محكوم حسب آرائهم العامة، بالقوانين الشرعية، و ليس له حق تأسيس حكم شرعي (ظ: الماوردي، 15 و مابعدها؛ ابن نجيم، 137). و على إثر هذه المساعي التي أدت في القرن 5ه‍/11م إلى تأليف آثار تحت عنوان الأحكام السلطانية، وضعت تشريعات حتى لأهم مسائل الخلافة مثل تعيين الخليفة و عزله. و رغم أن تدوين مثل هذا النوع من القوانين التي يمكن اعتبارها حقوقاً دستورية، يدل على تطور مدني، و كان مؤثراً طبعاً على مسيرة التنفيذ سلطة الخلفاء و عمالهم، و لكننا يجب أن لا نبالغ في مدى التنفيذ العملي لهذه المقررات و القوانين.

و أما بالنسبة إلى أوساط الشيعة الإمامية، فلم تحظ مسائل الحكومة بأهمية كبيرة من قبل الفقهاء و العلماء نظراً إلى أن الحكومة كانت بيد الآخرين دوماً. و العدد القليل من الرسائل التي ألفت في عهد البويهيين، مثل رسالة في جوائز السلطان للشريف المرتضى، و في العصر الصفوي، مثل الرسائل الخراجية، هي من نماذج هذه الحركة التي لم‌تنته أبداً بتأليف آثار جامعة من نوع الأحكام السلطانية.

و في الختام علينا أن نذكر مبحث القضاء و الأحكام الجزائية اللذين يعتبران من توابع الحكومة، و كانا موضوع بحث دوماً منذ بداية ظهور الفقه، و اتسعت موضوعاتهما في فقه المذاهب الإسلامية المختلفة و منها المذهب الشيعي. إن ما كان يعرف في الفقه بعنوان «أدب القضاء»، كان في الحقيقة يمثل آداب القضاء الإسلامي، حيث كان يدور الحديث عنه داخل الأوساط الفقهية حيناً، و في قالب آثار مستقلة حيناً آخر (ظ: ن.د، أدب القاضي). وأما الأحكام الجزائية، فقد تم بحثها بشكل واسع في الأبواب المختلفة للفقه‌ الإسلامي. و تسمى العقوبـات المعينة في الشريعة بـ‍ «الحد» حسب المصطلح الفقهي المأخوذ من القرآن، و يقف في مقابله «التعزير» الذي يمثل عقوبة غير معينة، حيث يعين مقداره حسب الظروف. و من بين الأحكام الجزائية التي خضعت للبحث، المباحث المتعلقة بالسرقة و الجرائم الجنسية في باب «الحدود»، والمباحث المرتبطة بالجرح و القتل في بابي «القصاص» و«الديات»؛ رغم أن مباحث الديات لاتتمتع دوماً بالخصوصية الجزائية، و هي تبحث أيضاً في تعويض الضرر في حالات الخطأ كبحث عام في نطاق المسؤولية المدنية (ظ: القدوري، 3/140 ومابعدها، 4/3 و مابعدها؛ الغزالي، 2/121 و مابعدها؛ ابن هبيرة، 2/374 و مابعدها؛ ابن رشد، 2/394 و مابعدها؛ المحقق الحلي، 4/67 ومابعدها؛ الشهيد الثاني، 2/347 و مابعدها).

 

المصادر

ابن بابويه، محمد، من لايحضره الفقيه، تق‍ ‍‌: حسن الموسوي الخرسان، النجـف، 1376ه‍/1957م؛ ابن‌حجرالعسقلانـي، أحمد، بلوغ المرام، تق‍ : محمد حامـد الفقي، القاهرة، 1352ه‍؛ ابن رشد، محمد، بداية المجتهد، بيروت، 1406ه‍/1986م؛ ابن عبدالسلام، عبدالعزيز، قواعد الأحكام، تق‍ : طه عبدالرؤف سعد، بيروت، 1400ه‍/1980م؛ ابن‌ماجة، محمد، سنن، تق‍ : محمد فؤاد عبدالباقي، القاهرة، 1952-1953م؛ ابن نجيم، زين الدين، الأشباه و النظائر، تق‍ : محمد مطيع الحافظ، دمشق، 1403ه‍/1983م؛ ابن‌هبيرة، يحيى، الإفصاح، تق‍ : محمد راغب الطباخ، حلب، 1366ه‍/1947م؛ أبويعلى، محمد، الأحكام السلطانية، تق‍ : محمد حامد الفقي، القاهرة، 1386ه‍/1966م؛ الأنصاري، المرتضى، المكاسب، تبريز، 1375ه‍؛ البجنوردي، حسن، القواعد الفقهية، قم، 1413ه‍؛ الجرجاني، علي، التعريفات، القاهرة، 1306ه‍؛ الحرالعاملي، محمد، وسائل الشيعة، بيروت، 1391ه‍؛ الحكيم، محمد تقي، الأصول العامة للفقه المقارن، بيروت، 1979م؛ الشاطبي، إبراهيم، الموافقات، القاهرة، المكتبة التجارية؛ الشهرستاني، محمد، الملل و النحل، تق‍ : محمد بدران، القاهرة، 1375ه‍/1956م؛ الشهيد الثاني، زين‌الدين، الروضة البهية، قم، 1365ش؛ الغزالي، محمد، الوجيز، بيروت، 1399ه‍/1979م؛ القدوري، أحمد، «مختصر»، مع اللباب للغنيمي، تق‍ : محمد محيي الدين عبدالحميد، القاهرة، 1383ه‍/1963م؛ القرآن الكريم؛ الكليني، محمد، الكافي، تق‍ : علي أكبر الغفاري، طهران، 1391ه‍؛ الماوردي، علي، الأحكام السلطانية، تق‍ : محمد فهمي السرجاني، القاهرة، 1978م؛ المحقق الحلي، جعفر، شرائع الإسلام، النجف، 1389ه‍/1969م؛ مسلم بن الحجاج، صحيح، تق‍ : محمد فؤاد عبدالباقي، القاهرة، 1374ه‍/1954م؛ المفيد، محمد، أوائل المقالات، تق‍ : مهدي محقق، طهران، 1413ه‍.                   

أبوالقاسم گرجي/خ.

 

III . سير الأفكار الكلامية في تاريخ الإسلام

 

الأفكارالكلامية‌في‌القرن‌الأول الهجري

كان‌العلماء المسلمون منذ عهد الصحابة، يستعينون في التعاليم الاعتقادية، بنصوص القرآن الكريم و الأحاديث النبوية لتعزيز مذهبهم الكلامي، و لكن فهمهم و استنتاجاتهم كانت دوماً هي التي تشكل القسم الأصلي من العبارات، و أسلوب بلورة إبداء الآراء. و قد كانت هذه الاستنتاجات تصدر من جهة من معاني الآيات القرآنية و السنة النبوية، و من جهة أخرى كانت توضع على أساس التعقل والتوجه الديني للأفراد. و قد كان هذا التعقل و التوجه يعود أحياناً إلى العالم نفسه، أو حلقة العلماء المشاركة له في الفكر، وكان أحياناً حصيلة ثقافة متجذرة و تعقلية ذات تاريخ طويل تعود إلى مجتمع ذي ثقافة عريقة.

و فيما يتعلق بمدى تأثر البيئة الكلامية في العهد الأول بتعاليم الأديان الأخرى، يجب القول إن ذلك الجو المنفتح الذي كان سائداً بين الصحابة و تابعيهم حول الحكمة الأخلاقية و القصص، وأصبح الأرضية لنفوذ التعاليم الحكمية لليهود و المسيحيين و الإيرانيين في أوساط العلماء المسلمين تزامناً مع مسيرة تعرف المسلمين على ثقافاتهم، لم‌يكن يلاحظ بشأن التعاليم الاعتقادية. و الحديث النبوي «الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها» (ظ: الترمذي، 5/51؛ أيضاً ظ: نهج البلاغة، الحكمتان 79 و80)، لم‌يكن مأخوذاً به في التعاليم الاعتقادية خلافـاً لمعارف مثـل الأخلاق و التفسير ــ على الأقل في القرن 1 ه‍ ــ و على أي حال، فإن وجود إشارات في الروايات المتبقية يدفع إلى التصور بأن طرح قسم من المباحث الكلامية العامة في مجالي التوحيد و العدل في عصر الصحابة من الممكن أن يكون حصيلة مناظرات أهل الكتاب مع العلماء المسلمين؛ فقد دار الحديث عن طرح مباحث في نفي الجسمانية عن اللـه، في جواب سائل من يهود اليمن (ظ: ابن بابويه، 78، 174)، و مباحث عن القدر، جواباً لسائل من مسيحيي الشام (ظ: عبداللـه، 124). و خاصة في الموضوع الأخير، حيث وردت الإشارة إلى مسألة تأثر المتكلمين المسلمين ببعض تعاليم أهل الكتاب منذ القرن 1ه‍، و اعتبر مسلم بن يسار (تـ‍ 100ه‍( معبد الجهني مؤيداً لوجهة نظر المسيحيين في نظرية القدر (ظ: م.ن، 109).

إن الآثار و المصنفات المتبقية من القرن 1ه‍ قليلة للغاية، حيث يعد الحديث عن الأفكار الكلامية في هذه الفترة أمراً صعباً لقلة المعلومات و اقتصار الدراسات. و من البديهي أن من الواجب البحث عن أقدم أمثلة الفكر الكلامي، و أقدم النصوص الاعتقادية بعد الكتاب و السنة في الآثار و الروايات المنقولة عن الصحابة؛ وإذا ما استثنينا إشارات قصيرة و متفرقة عن بعضهم، فإن الإمام علياً (ع) هو الشخص الوحيد الذي اشتهر عنه نقل نصوص مفصلة نسبياً في المواضيع الكلامية على شكل خطب. و بالطبع يجب الاعتماد من بين هذه الروايات بشكل خاص علي النماذج التي يتمتع صدورها بسند كاف و مقبول. إن مايطالعنا من المباحث الكلامية لمرات في الروايات المنسوبة إلى علي (ع)، هو في الغالب تعاليم في مجال التوحيد ونفي الصفات الجسمانية عن الله استلهاماً من المضامين القرآنية (مثلاً ظ: نهج البلاغة، الخطب1، 65، 152، مخ‍؛ أيضاً ظ: الكليني، 1/134-136، مخ‍؛ ابن بابويه، 78-79، مخ‍).

و تعتبر مسألة القدر من جملة المسائل التي حظيت في الغالب بالاهتمام في عهد الصحابة. فمن خلال دراسة المصادر الروائية، نرى أن هناك نماذج من الاستنتاجات الشخصية للصحابة بالإضافة إلى الأحاديث التي نقلها الصحابة عن النبي (ص) في هذا المجال. و في مثل هذه الروايات، نقلت عن كبار الصحابة مثل أبي بن كعب و ابن مسعود و عبادة بن الصامت موقف بسيط عموماً وخال من التعقيدات الكلامية في التأكيد على القضاء و القدر الإلٰهيين (مثلآً ظ: مسلم، 4/2037؛ ابوداود، 4/225-226)، ولاتلاحظ المواجهات الاستدلالية و غير البسيطة مع المسألة، إلا في القليل من الروايات. و على سبيل المثال فقد استدل في رواية عن الإمام علي (ع)، على نفي فكر حتمية القضاء و لزوم القدر ببطلان الثواب والعقاب، و الوعد و الوعيد في تلك الحالة (ظ: الكليني، 1/155؛ ابن بابويه، 380).

و فيما عدا المباحث الكلامية البحتة، مثل نفي الصفات التي كان نطاق بحثها محدوداً في القرن 1 ه‍ و خاصة في عهد الصحابة، فقد كانت هناك بعض من المباحث الكلامية ـ السياسية مثل الإمامة و المسائل الكلامية ـ الأخلاقية مثل منزلة الفاسق، تشكل الجزء الرئيس من المجادلات في المحافل الإسلامية. و خلافاً لمباحث القسم الأول التي كانت الوليد الطبيعي للتنظير للأفكار الدينية، و كانت لها خلفية تاريخ قبل ذلك في كلام الأديان السماوية الأخرى، فقد كانت المباحث الأخيرة حصيلة الأحداث والأوضـاع و الأحوال التاريخية للعالـم الإسلامي في القـرن 1ه‍، و خاصة نصفه الأول. و رغم أن المباحث الكلامية المجردة اتسعت كثيراً في القرون التالية، و أوجدت افتراقات لاحصر لها، ولكن علينا الإذعان إلى أنها كانت أهم الافتراقات الكلامية للمسلمين طيلة الألفية و النصف، أي تاريخ الشيعة و المحكمة وعامة المسلمين الذين سموا فيما بعد «أهل السنة و الجماعة»، حيث يرتبط الكثير من فروع كل منهم بالاتجاهات الكلامية ـ السياسية و الكلامية ـ الأخلاقية للقرن الأول.

 

الإمامة، أولى أرضيات الافتراق

كان الافتراق المهم بين المسلمين، كما ذكر الشهرستاني، افتراق الفئة الموالية لعلي (ع) إثر بيعة السقيفة و تولي أبي‌بكر للخلافة (1/30). و دون الدخول في تفاصيل المباحث الكلامية، فإن من المعلوم إجمالاً أن الإمام علياً (ع) كان يعتبر منصب الخلافة حقاً لنفسه في نفس الوقت الذي بايع فيه الخلفاء الثلاثة، و تجنب إثارة الانشقاقات في صفوف المسلمين، و هذا ما انعكس في بعض خطبه و كتبه هو وأولاده، ومنها الخطبة الشقشقية (ظ: نهج البلاغة، الخطبة 3 ومصادره العديدة؛ أيضاً ظ: الثقفي، 1/305 ومابعدها: من كتاب له (ع))، و كتاب الإمام الحسن (ع) إلى معاوية (ظ: أبوالفرج، 55-56: نص الكتاب). و الملاحظة الأخرى هي من المعلومات التاريخية، حيث كانت جماعة من المسلمين في صدر الإسلام، ترى هذا الحق للإمام علي (ع)، و كانوا يعرفون بشيعة الإمام علي (ع) في 41ه‍، حيث استعمل في الروايات المتعلقة بحرب صفين عنوان «الشيعة» لجماعة من خواص أصحاب الإمام علي (ع) (ظ: نصر، 86، 359)، فقد كان من شروط الصلح في رواية صلح الإمام الحسن (ع) في 41ه‍، عدم إيذاء معاوية لأحد من «شيعة علي» (ع) (مثلاً ظ: أبوالفرج، 67). و مما يجدر ذكره أن مصدر ظهور مصطلح الشيعة هو استعمال تعبير «شيعة علي» (ع) خلال التيارات التاريخيـة ـ الدينية في القرن 1ه‍؛ و لكن يبدو أن الشكل المختصر لهذا المصطلح كان قد أصبح متداولاً منذ ذلك القرن (مثلاً ظ: أحمد بن حنبل، 1/ 148).

و خلافاً للشيعة الذين كانوا يعتبرون الإمامة لعلي (ع) مسألة دينية و حقاً إلٰهياً، فإن الحوارات التي دارت بين المهاجرين والأنصار خلال حادثة السقيفة تدل على أن الطرف المقابل لهم كان يحمل في الأساس عقيدة مختلفة في هذا المجال، و حتى ممثلي الأنصار كانوا يرون لأنفسهم حقاً في التصدي للخلافة، ولم‌يتغلب المهاجرون عليهم في الاستدلال، إلا عندما اعتبروا الإمامة حقاً لقريش دون تخصيص أشخاص معينين، و ذلك من خلال التمسك بالحديث النبوي «الأئمة من قريش» (ظ: البلاذري، 1/583-584). و من الناحية الكلامية كانت إمامة أبي‌بكر من منظار عامة المسلمين إمامة بالاختيار دوماً، و إذا ما استثنينا فرقة مجهولة عرفت في تاريخ الفرق باسم البكرية، فإننا لانجد أبداً أحداً يقول بالإمامة لأبي‌بكر، كما قالها الشيعة لعلي (ع) (مثلاً ظ: ابن قبة، 104).

و بعد وفاة أبي‌بكر (الخلافة: 11-13ه‍)، تولى عمر الخلافة بوصية منه (الخلافة: 13-23ه‍)؛ و قد كلف عمر بدوره عند احتضاره شورى مؤلفة من 6 أشخاص كي تختار واحداً من بينها، و كانت النتيجة تولي عثمان للخلافة (الخلافة: 23-35ه‍). و قد قبل علي (ع) و أصحابه خلال هذه الفترة، خلافة أبي‌بكر و عمر من باب رعاية مصلحة الأمة، لا باعتبارها أمراً مطابقاً للحق، و هي الملاحظة التي انعكست مراراً في الأقوال المنقوله عنه (ع) (مثلاً ظ: نهج البلاغة، الخطبة 3؛ أيضاً ظ: الثقفي، 1/305 ومابعدها). ومما يجدر ذكره أن سيرة الشيخين (= الخليفتين الأولين) خلال أواخر خلافة عمر كانت قد اكتسب الموضوعية بين جماعة من المسلمين و كأنها سيرة متبعة، و كانت أحياناً تأخذ مكانها في عرض كتاب اللـه و السنة النبوية؛ و النموذج التاريخي الأبرز الذي تجسدت فيه هذه الفكرة تلك الشورى المؤلفة من 6 أشخاص التي دعا فيها عبدالرحمان بن عوف علياً (ع) و عثمان بعد عرض الخلافة عليهما، إلى العمل بسيرة الشيخين كشرط للبيعة؛ و في هذه الأثناء لم‌ير علي (ع) قيمة لسيرة الشيخين، إلا إذا طابقت الكتاب و السنة، و لكن عثمان جلس على مسند الخلافة بعد قبوله الشرط المذكور (ظ: الطبري، 4/ 238-239).

و بشهادة المصادر التاريخية و الكلامية، فقد كان عثمان يعمل بسيرة الشيخين في السنوات الست الأولى من خلافته، و لكنه منذ حوالي 30ه‍ بدأ يثير سخط الأشخاص الذين كانوا يعتبرون أساس انعقاد إمامته مشروعاً، و يعيبون عليه ترك سيرة الشيخين، و ذلك بعد أن أحدث تغييرات في أساليب حكمه، و إفساح المجال لبني أمية. و كنموذج تاريخي لاعتراض جماعة من علماء الأجنحة المختلفة على سيرة عثمان ذلك الذي حدث في 33ه‍، إلى جانب كبار من الشيعة، و ممثلين من العلماء غير الشيعة مثل عامر بن عبداللـه بن عبد قيس (ظ: م.ن، 4/ 318-326). و قد تفاقمت الاعتراضات على سياسة عثمان إلى الحد الذي ثارت عليه جماعة من المسلمين و قتلته. و لم‌يكن الإمام علي (ع) يؤيد هذا السلوك أبداً (مثلاً ظ: أبوالعرب، 86، 88؛ أيضاً نهج البلاغة، الكتاب 54). ولايلاحظ عليه طيلة التاريخ في المصادر الكلامية موضع إيجابي إزاء قتل عثمان رغم عدم إيمانه بأساس خلافته.

و بعد عثمان، بايع المسلمون الإمام علياً (ع) بالخلافة، فيما هبت لمحاربته فئات من معارضيه بذريعة الانتقام لعثمان. و تعرف الحرب الأولى بحرب الجمل، و قد حدثت بين الإمام علي (ع) من جهـة، و طلحة و الزبير ــ من أصحـاب النبي (ص) المتنفذيـن ــ من جهة أخرى. و رغم أن هذه الحرب كانت أساساً حركة سياسية بحتة، و لكنها تحولت هي نفسه إلى أرضية للمواقف الكلامية؛ ذلك لأن بعض الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص و عبداللـه بن عمر اعتزلوا كلا الطرفين و مالوا إلى «التوقف» بشأن مشروعية الطرفين، حيث رأوا أن حرباً قد نشبت بين أصحاب النبي (ص)، وإن الحق مختلط بالباطل (ظ: المفيد، 20-21). و قد عرفت هذه الفئة أحياناً في المصادر باسم «المعتزلة الأوائل»، و بعد حرب الجمل، نشبت بعد فترة قصيرة حرب صفين بين الإمام علي (ع) ومعاوية ــ والـي الشام مـن جانب عثمـان ــ فكانـت هي أيضاً مرحلة هامة في تاريخ أولى الاختلافات الكلامية ـ السياسية.

و خلال «التحكيم» الذي فرض في 37ه‍ على الإمام علي (ع) إثر حرب صفين، افترقت جماعة من الزهاد المصرّين على سنة الشيخين و الذين عرفوا في تاريخ الإسلام منذ ذلك الحين باسم الحرورية و الشراة و الخوارج، و الأدق من كل ذلك المُحَكِّمة. ولم‌تكن قضية التحكيم السبب الرئيس لظهور هذه النزعة، بل مرحلة لظهور نزعة غير متبلورة تمتد جذورها في تعاليم المدرسة الزهدية في العراق ــ و خاصة الكوفة ــ حيث كانت تستند في الأمور الفردية إلى التعبد و الزهد في الدنيا، و في الحياة الاجتماعية إلى إقامة الحق و الأمر بالمعروف. و إن أصحاب هذه النزعة الذين كانوا يعتبرون القبول بالتحكيم إيكال الحكم في أمر ديني إلى خلق اللـه، اعتزلوا الإمام متمسكين بشعار «لاحكم إلالله» و عسكـروا فـي حـروراء (= قريـة بالقرب من الكوفـة)، و بايعوا بالإمامة عبداللـه بن وهب الراسبي، و عملوا على تنظيم قوتهم العسكرية و تعزيزها. و رغم جهود الإمام المتواصلة لدعوتهم إلى الهدوء و المماشاة، إلا أن الحروريين كانوا يصرون على محاربته و أخيراً مهدوا الأوضاع و الظروف لحرب النهروان في 38ه‍ . و قد قتل في هذه الحرب التي انتهت بهزيمة المحكمة المحتمة، الكثير من الحروريين المتطرفين و المطالبين بالحرب، ولكن جماعة منهم اعتزلت الحرب باتخاذهم موقفاً معتدلاً، بقيادة فروة بن نوفل، و لازموا معسكرهم (للتفاصيل، ظ: الطبري، 5/64 و مابعدها).

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: