الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

و على أي حال، فإن بلاد الشام كانت قبل الإسلام تابعة لرقعة حكم الدولة البيزنطية، و كانت لسنين طويلة موضع تصادم وصراع بين إيران و الإمبراطورية الرومية. و في آخر مرة احتل كسرى أبرويز الشام بعد الهجوم على الأناضول و حمل الصليب المقدس إلى إيران، و لكن هراقليوس (هرقل في المصادر العربية) مالبث أن هزم الإيرانيين و سيطر على الشام، و قد كانت سيطرة الروم على الشام قد ضعفت قبل هذه الحروب، خاصة و أن قطع العطايا عن القبائل العربية المسيحية في تلك المنطقة و التي كانت تتولى حراسة حدود الشام أدى إلى إضعاف ارتباط هذه القبائل بالإمبراطورية. كما أن الأوضاع الاقتصادية اتجهت نحو الضعف في فترة الحروب بين إيران و الإمبراطورية الرومية و اشتدت الاختلافات الدينية بين الكنيسة اليعقوبية و الكنيسة الأرثوذوكسية الرومية و التي كانت تمثل المذهب الرسمي للإمبراطورية. و أسهم وجود اليهود و السامريين و حتى الوثنيين في الشام في تأجيج الاختلافات الدينية (العريني، 118-119؛ عاقل، 257-258). ولم‌يفقد الشاميون الذين كانوا يختلفون مع الروم في المذهب خصائصهم القومية و اللغوية، وفي الحقيقة فإن الحضارة اليونانيــة ـ الرومية كانت بمثابة قشرة ظاهرية تكسو باطن ثقافتهم السامية. و لذلك فإنهم كانوا يرون العرب المسلمين أقرب إليهم من الروم في الجنس و اللغة و حتى المعتقدات الدينية (حتي، 2/14). و من الناحية القومية، كانت هناك قبائل عربية الأصل وعربية اللغة كثيرة تعيش على حدود الحجاز و الشام وفي داخل الشام، واستناداً إلى الروايات التاريخية فقد كانت مرتبطة بحكومة المدينة منذ عهد النبي (ص)، و كان البعض من رؤسائها قد اعتنق الإسلام. و يجب أن نذكر من بينها بني عُذرة و بني سعد هُذيم (الواقدي، 1017 و ما بعدها) حيث كان أحدهم في معركة مؤتة قائد مجموعة من المسلمين (ابن هشام، 2/377؛ حول انتشار اللغة العربية بين قبائل الشام، ظ: كرد علي، 1/41-43؛ دانر، 117). واستناداً إلى رواية ابن‌سعد (1/329-331)، فقد أسلم ممثلو كلا القبيلتين على يد النبي (ص) (قا: الطبري، 3/243). و لذلك، فإنهم لم‌يتخذوا موقفاً معارضاً و عدائياً منذ دخول المسلمين الشام. وهناك أيضاً قبيلة بلي التي كانت من القبائل العربية الشامية والمؤيدة بشدة للإمبراطورية، و لكن فروعها التي كانت تسكن في الحجاز، كانت في عداد الأنصار، و كانت تشارك في غزوات النبي (ص) (ابن هشام، 1/432، 456، 463، 687، 689). و كانت طوائف من قبيلتي جذام و لخم تعيش في تبوك و البحر الميت، قد تحالفت مع المسلمين في عهد النبي (ص)، و قد أسلم البعض منها (الطبري، 3/96؛ ابن سعد، 1/343-344؛ ابن هشام، 1/696-697)؛ و من جملتهم فروة بن عمرو الجذامي من شيوخ وحكام قبيلة جذام و الذي أسلم، و لذلك قتله الروم (م.ن، 2/591-592). و كان بعض طوائف قبيلة قين، أو بلقين و الذين كانت منطقتهم تمتد من شمال تيحاء حتى حوران، من جملة المتحالفين مع الروم في غزوة مؤتة (م.ن، 2/375)، و إنهم أسلموا قبل وفاة النبي (ص). و قد ارتد بعضهم قبل الوفاة، و حارب البعض الآخر المرتدين مع أسامة (الطبري، 3/243).

و على هذا، فإننا يجب أن نعتبر بداية دخول الإسلام الشام منذ حياة النبي (ص) الذي توجه بنفسه إلى شمال الحجاز و جنوب سورية، حيث أذعنت هذه المناطق بعد غزوة ذات السلاسل لسيادة المدينة. و لأن الجهاد لنشر الإسلام يعد من الفرائض، و أن النبي (ص) نشط قبل وفاته في هذا المجال في داخل شبه الجزيرة وحدود الشام، فإن من الممكن القول إن الهجمات بعد النبي (ص) على حدود الشام تزامناً مع حروب الردة، كانت قائمة على مبدأ نشر الإسلام و تعميم الدعوة (قا: حتي، 2/16). و رغم أن بعض الباحثين يرون أن مسيرة الفتوح هي استمرار لمحاربة المرتدين، ولكن العامل الاقتصادي و الحصول على المصادر الحياتية لايمكن تجاهلهما (ظ: البلاذري، 107). و مع كل ذلك، يجب القول استناداً إلى كتب النبي (ص) إلى ملوك إيران و روما ومصر و دعوتهم إلى الإسلام، إن نشر الإسلام كان أقوى دافع لإرسال جنود الإسلام إلى حدود هذه الممالك، حيث يعتبر الفتح و الجهاد المتممين له و الجانب التنفيذي منه. بدأ نشاط النبي (ص) لنشر الإسلام في حدود الشام منذ سنة 6ه‍، حيث بعث جيشاً إلى دومة الجندل على بعد 10 منازل عن دمشق و دعا عبدالرحمان بن عوف هناك الناس إلى الإسلام، و أسلم زعيمهم الأصبغ ابن عمرو الكلبي الذي كان مسيحياً (الواقدي، 560-561؛ ابن بدران، 1/89-91). و في سنة 8ه‍ توجه كعب بن عمير الغفاري إلى ذات الأطلاح في الشام بأمر النبي (ص)، و لكن أهاليها رفضوا الدعوة إلى الإسلام، فحاربوا المسلمين و أخرجوهم (الواقدي، 752). و في نفس السنة قتل الحارث بن عمير رسول النبي (ص) إلى بُصرى على يد شرحبيل بن عمرو الغساني فبعث النبي (ص) زيد‌بن‌حارثة بجيش إلى مؤتة. فخرج الغسانيون و الروم للمواجهة، وقتل زيد وجعفر بن‌أبي‌طالب خلال حرب ضروس (م.ن، 755 و ما بعدها؛ ابن‌بدران، 1/91-95). و في غزوة ذات السلاسل أيضاً استولى عمرو بن العاص و أبو عبيدة في عهد النبي (ص) على منطقة القبيلتين العربيتين الشاميتين عذرة و بلقين، و شتتا جموع قبيلتي بلي و قضاعة اللتين كانتا قد خرجتا للمواجهة (م.ن، 1/102-105). و أخيراً، وجه النبي (ص) في رجب 9ه‍ جيشاً إلى تبوك التي كانت واحة في جنوب سورية و شمال الحجاز. و قد أسلم الكثير من مسيحيي أيلة، و أذرح بين البتراء و معان، و الجرباء في شمال أذرع، و كذلك يهود مقنا في جنوب أيلة على ساحل خليج العقبة (البلاذري، 59-60).

و مع بداية أحداث الردة، وجد عدد من القبائل العربية المطيعة للمدينة فرصة للتمرد، و لكن أسامة‌بن‌زيد لم‌يواجه صعوبة كبيرة في السيطرة على غالبيتهم (الطبري، 3/ 258 و ما بعدها). و قد كان لأسلوب تعامل أسامة استناداً إلى تعليمات أبي بكر الذي كان يحذره من قتل النساء و الأطفال و المسنين و التوسل بالحيلة والخيانة، أثر في تجديد هذه السلطة (ظ: ابن البطريق، 2/ 9-10). وبعد القضاء على المرتدين، أراد أبوبكر أن يبعث جيشاً إلى الشام في إطار نشر الإسلام. و قد كان بعض أصحاب النبي (ص) يخشون الحرب مع الروم، و لكن الإمام علياً (ع) شجع أبابكر على ذلك (اليعقوبي، 2/133). و في جهة أخرى بعث الخليفة آنذاك في صفر 13ه‍، 3 أو 4 من قادته بجيش إلى الأردن وفلسطين و حمص و حدود دمشق عن طريق تبوك، و أمر من الجانب الآخر خالداً بن الوليد الذي كان عند حدود إيران بالتوجه إلى الشام (البلاذري، 107-109، عن التفصيل لهذا الهجوم و وصية أبي‌بكر للقادة، ظ: الأزدي، 1- 8: قا: ابن الأثير، 2/402-405). ويبدو من أوامر أبي‌بكر لأبي عبيدة بأن يهاجم القرى و خارج المدن و أن لايهاجم المدن دون أمره (ابن أعثم، 1/124)، إن أبابكر كان يستهدف في البدء نشر الإسلام بين القبائل العربية الرحل و الفلاحين و القرويين الشاميين الناطقين بالعربية كي يحصل على قوات أكثر في فتح المدن و محاربة الروم (عاقل، 259؛ دانر، 117).

و تدل دراسة خطة تقدم المسلمين ليس في الشام و حسب، بل عند حدود إيران أيضاً على أن القبائل العربية الساكنة في حدود إيران و الشام التي انضمت إلى المسلمين بسرعة، كانت من العوامل المهمة لسيطرة العرب على هذه المناطق. و على أي حال، فقد حدثت أول معركة في داثن بالقرب من غزة، حيث تغلب عمرو بن العاص على سرجيوس بطريق تلك المنطقة، و توجه إلى وادي العربة. كما سارت مجموعة إلى البلقاء عن طريق تبوك (الطبري، 3/387؛ حتي، 2/6) و هزمت المجموعة الأخرى الروم في العربة (البلاذري، 108-109). و تصالح أبوعبيدة الجراح في البلقاء مع أهالي مآب (من قرى البلقاء)، و قيل إن ذلك كان أول صلح في الشام (الطبري، 3/387، 406؛ ابن الأثير، 2/405). و في هذه الأثناء، وصل خالد بن الوليد إلى تدمر من إيران عن طريق غير معهود بعد السيطرة على عين التمر و بعض الواحات و فرض الجزية على الأهالي و بعث أشخاصاً إلى غوطة دمشق، و توجه هو نفسه إلى الجابية. و بعد هزيمة العرب المسيحيين الغسانيين في مرج راهط توجه إلى بصرى في شرق الأردن و انضم إلى الأمراء الآخرين و تولى القيادة العليا. و كانت بصرى أول مدينة فتحت في الشام (البلاذري، 109-113؛ الطبري، 3/406، 417؛ دانر، 119 و ما بعدها؛ حتي، 2/7-9). و قد وقعت أول معركة كبيرة في جمادى الأولى سنة 13 في أُجنادين بين الرملة و بيت جبرين انتهت بانتصار المسلمين و مقتل القائد الرومي (الطبري، 3/ 418؛ دانر، 130-129؛ قا: ابن الأثير، 2/417-418، الذي ذكر وقعة أجنادين بعد معركة اليروموك). هرب الروم باتجاه فحل على الساحل الشرقي من نهر الأردن و سيطر المسلمون على فحل بعد مطاردتهم (البلاذري، 115). و توجهوا بعد ذلك إلى دمشق، حيث كان الروم قد لجؤوا إليها. و بعد فترة نشبت معركة أخرى في محرم سنة 14 في مرج الصفر قرب دمشق، حيث كان الانتصار من نصيب المسلمين (ابن عساكر، 1/173؛ دانر، 131-130، أيضاً 315؛ ها 197). و هناك اختلاف بين بعض الروايات حول تقدم معركتي أجنادين و مرج الصفر، أو تأخرهما (البلاذري، 118؛ قا: ابن‌البطريق، 2/14-15). و بعد ذلك حوصرت دمشق. و في هذه الأثناء تولى عمر بن الخطاب الخلافة و عزل خالد بن الوليد عن القايدة و ولى أباعبيدة (البلاذري، 120-121؛ قا: اليعقوبي، 2/140). و مع كل ذلك، فقد فتحت دمشق في رجب سنة 14 صلحاً و عنوة (البلاذري، 121-122؛ ابن عساكر، 1/176 و ما بعدها؛ قا: ابن‌الأثير، 2/427-429). و تمت السيطرة بعدها صلحاً على حماة وحمص و شيزر و معرة النعمان (البلاذري، 130-131. و قد ذكر ابن البطريق أن بعلبك و حلب استسلمتا أيضاً في هذه الفترة صلحاً (2/16).

حدثت أكبر معركة بين المسلمين و الروم و هي التي حددت مصير الشام، في اليرموك. فقد تجمع الجيش الرومي المؤلف من الجنود الروم و الشاميين و أهالي الجزيرة و أرمينية، و القبائل العربية الموالية للروم بقيادة جبلة بن الأيهم الغساني عند ملتقى نهري اليرموك و رقاد بالقرب من واقوصة (ياقوصة)، و لكنهم تكبدوا هزيمة فادحة، و سلك هرقل (هراقليوس) الذي كان في أنطاكية، طريق القسطنطينية، خارجاً من الشام. و قد وقعت هذه الحادثة في رجب سنة 15 (البلاذري، 135-137؛ الطبري، 3/570 فما بعدها؛ قا: ابن الأثير، 2/410 و ما بعدها؛ أيضاً ظ: حتي، 2/11-12). و على إثر هذا الفتح تمت السيطرة بسرعة على مدن نابلس ولدّ ويبنى و عمواس و بيت جبرين و يافا و رفح، و توجه المسلمون إلى القدس بعد الاستيلاء على قنسرين. و قد استغرقت محاصرة القدس وقتاً طويلاً و وافق المحاصرون على أن يسلموا المدينة إلى الخليفة نفسه. و لذلك، قدم عمر بنفسه و وقع على معاهدة الصلح و التسليم (البلاذري، 137-139؛ الطبري، 3/ 608-610). و قد ذكرت هذه الواقعة في سنين 16- 18ه‍ (البلاذري، 138-139؛ ابن عساكر، 2/ 708-709). و كانت قيسارية و الرقة وحران و سمياط و نصيبين و ميافارقين و قرقيسيا من آخر مدن الشام المهمة التي فتحت منذ 19ه‍ و هكذا، سقطت الجزيرة وفلسطين والثغور الشامية و أجناد الشام كلها بيد المسلمين (البلاذري، 140-177؛ الطبري، 4/53-54). و رضخت منطقة الجزيرة التي كانت قد حوصرت من قبل المسلمين من جانبي العراق و الشام للصلح بسرعة (م.ن، 4/54؛ خماس، 70).

و هكذا تمت السيطرة على جميع أرجاء الشام خلال 7 سنوات، و توجهت حياته الحضارية مرة أخرى نحو الشرق بعد أن كانت متجهـة قبل ذلك نحـو الروم. و اتجهت ثقافـة المنطقة اليونانية ـ السريانية نحو الضعف و حلّ الإسلام تدريجياً محلها (حتي، 2/14). و استناداً إلى ماذكره حتي (2/18) من أن الفتوح الإسلامية هي أهم عوامل تكامل المجتمعات، يمكن القول إن سيطرة الإسلام على أطراف البحر المتوسط كانت نهاية العصر القديم و بداية القرون الوسطى. و بالطبع فإن من الواجب اعتبار الانتصار العسكري بوصفه أحد عوامل انتشار الإسلام، حيث أن هذه المسيرة ترتبط بشكل كامل بالأوضاع و الأٔحول السياسية إلى درجة بحيث أن بعض المؤرخين تصوروا أن المسلمين استهدفوا محاربة المسيحية من الحرب في الشام؛ و لكن يجب القول إنه فضلاً عن أن العرب المسيحيين اعتنقوا الإسلام بسهولة (مثلاً ظ: البلاذري، 145، 150)، فإن العلاقات الطيبة كانت قائمة بين المسلمين و المسيحيين المتبقين في الشام (آرنولد، 46-47). ومنذ دخول الإسلام لم‌يكن المسيحيون السريان يعتبرون أنفسهم غرباء عنه و على حد قول أحد بطارقة الكنيسة الشرقية، فإن المسلمين لم‌يكونوا يعادونهم بعدالفتح الإسلامي، بل كانوا يكنون الاحترام لدينهم و علمائهم و أوليائهم. و فضلاً عن ذلك فإن هناك أوجه شبه بين الإسلام و المسيحية في الشام في بعض العقائد والأحكام كانت تقربهما أكثر من بعضهما. و لعل هذا هو السبب الذي جعل بعض المستشرقين يبالغون و يعتبرون الإسلام وريث المسيحية السريانية من وجوه كثيرة (حتي، 2/143-145). و من جهة أخرى، فإن مسيحيي هذه المناطق كانوا يعتبرون المسلمين يد الانتقام الإلٰهي لخلاصهم من ظلم الروم، و ذلك بسبب الاختلاف بين مسيحية الشام، و بين الكنيسة الرومية، و الضغوط التي كان يمارسها هرقل على الشاميين. و قد رحب الكثير من مسيحيي الشام بالمسلمين، و قدموا لهم العون في الحالات الخطيرة (آرنولد، 53-55؛ حتي، 2/11). و تدل مواد معاهدة الصلح مع مسيحيي المدن على سعي المسلمين لجلب قلوب السكان الأصليين و على سبيل المثال فقد أمنوا الناس في حلب على أموالهم وآراضيهم وكنائسهم و لم‌يأخذوا منهم شيئاً، سوى أرض خصصت لبناء المسجد. و رغم أن اللاذقية فتحت عنوة، إلا أن المسلمين سمحوا للمسيحيين بأن يعودوا إلى مدينتهم و بيوتهم، كما بقيت الكنائس في المدن الأخرى، رغم أنه لم‌يكن يسمح لهم ببناء كنائس جديدة (البلاذري، 133، 146-147، 172-174).

و كان المسلمون يتعهدون طبق معاهدات الصلح أن يحافظوا على أهالي المدن مقابل الجزية التي كانوا يأخذونها، و قد بلغ التزامهم بهذا التعهد حداً بحيث أنهم أعادوا ماكانوا أخذوه من أهل حمص خشية أن لايستطيعوا الوفاء بتعهدهم، و ذلك قبل معركة يرموك الكبرى، و قد أثر ذلك على الناس إلى درجة بحيث أن المسيحيين و اليهود اتحدوا مع المسلمين ضد الروم (م.ن، 137). و بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك روايات عديدة حول تعاون الأنباط ــ الذين كانت تربطهم علاقات تجارية مع أهل المدينـة قبل الإسلام (الواقـدي، 989-990) ــ مع المسلمين في القتال ضد الروم (خماس، 69). و يبدو أن يهود الشام أيضاً أصبحوا يتمتعون بحرية أكبر مع دخول الإسلام تلك المنطقة ولذلك فقد تعاونوا مع المسلمين (البلاذري، ن.ص). و يتضح تشدد المسيحيين على اليهود عندما اشترطوا على الخليفة عند تسليمهم القدس أن لايسكن يهودي فيها (الطبري، 3/609). و أما الضغـوط التي مورسـت فيما بعد علـى أهل الذمة، فإنهـا ــ و إن كانت نادرة ــ كانت تؤدي أحياناً إلى بعض الثورات، و لعل اعتناق مسيحيي الشام للإسلام في عصور المهدي و هارون والمتوكل كان مصدره هذه السلوكيات (مثلاً ظ: م.ن، 8/324، 9/171-174، 196؛ ابن الأثير، 7/76؛ حتي، 2/170). و قد كانت هذه الضغوط في الغالب رد فعل على التحركات العسكرية للروم في حدود البلاد الإسلامية، و بعض هجماتهم و غاراتهم.

و أما من الناحية الثقافية، فقد كانت هناك في بلاد الشام منذ أوائل دخول الإسلام مبادلات و مناظرات دينية بين الإسلام والمسيحية، فكانت تقام المجالس و التجمعات المشتركة في حضور الأمراء و الخلفاء. و كان المسلمون يتعاملون بالتسامح مع أصحاب الملل و لذلك لم‌يكن المسيحيون العلماء و العارفون بالحضارات يبخلون بنقل ماكانوا يمتلكونه من معلومات (مثلاً ظ: الأمين، 130-132). و كان بين الفاتحين المسلمين للشام عدد كبير من الصحابة و حفاظ القرآن تولوا بعد الفتح نشر الإسلام و تعليم الدين للمسلمين الجدد، و كان الخليفة يعين أحياناً بنفسه أشخاصاً للقيام بهذه المهمة و قد أصبح عدد منهم من جملة أوائل قضاة تلك المناطق و فقهائها (ابن حجر، 2/ 268-269). و قد أقام هؤلاء الصحابة و التابعون و أبناؤهم في مدن الشام و استقروا فيها بشكل بحيث نسبوا إلى مدنها (مثلاً م.ن، 3/ 138، 4/179؛ ابن‌عساكر، مادة الرجاء بن حيوة الكندي الفلسطيني). و فضلاً عن ذلك، فقد أثر المحدثون و الفقهاء و المقرئون الذين اتجهوا إلى الشام فيما بعد، على الحياة الفكرية في تلك المناطق، و تحولوا بدورهم إلى عامل مهم في انتشار الإسلام (ظ: آرنولد، 51).

و قد حاصر عمرو بن العاص قيسارية قبل إتمام فتوح الشام وبعد معركة اليرموك بفترة و لكنه ولى ابنه عليها بعد فترة، وسار إلى مصر بجيش لسبب لم‌يتفق عليه المؤرخون، حيث كان يعرف طرقها، و كان يذهب إليها للتجارة قبل الإسلام (ابن عبدالحكم، 53-55). و قد ذكر أن عمرو فعل ذلك برأيه، و عندما علم عمر غضب و بعث إليه كتاباً وبّخه فيه بشدة و أمر بأن يعود إن لم‌يدخل مصر بعد (البلاذري، 212). و قد وصله الكتاب قبل دخوله مصر و كان على مايبدو يتوقع مضمونه، و لكنه لم‌يتوقف حتى بلغ العريش و استولى عليها بسهولة، حيث لم‌تكن تمتلك القدرة الدفاعية (حسن، 1/235). و تفيد رواية أخرى بأن عمرو هاجم مصر بأمر الخليفة و يبدو أنه لم‌يطلع الجيش على نيته حتى دخوله تلك المنطقة (ابن‌عبدالحكم، 56-57). ويبدو أن عمر‌بن‌الخطاب كان يخشى الهجوم على مصر و الحرب في عدة جبهات في ذلك الوقت الذي لم‌يستقر فيه المسلمون بعد في الشام و إيران. و يبدو أن موافقته فيما بعد كانت بناء على إصرار عمرو‌بن‌العاص الذي كان قد أقنعه أن الاستيلاء على مصر يعني تثبيت فتح الشام، و أن حضور الروم في مصر هو تهديد لسيادة العرب في الشام (ظ: حسن، 1/234). و قيل إن هذه الواقعة التي انتهت بفتح مصر حدثت خلال السنوات 16-20ه‍ )الطبري، 4/104؛ ابن الأثير، 2/564).

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: