الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الکلام و الفرق / الإسلام /

فهرس الموضوعات

و يحتفل المسلمون بعد انقضاء شهررمضان باليوم الأول من شوال باعتباره عيد الفطر، و بالإضافة إلى إقامة صلاة العيد، من الواجب عليهم عيناً دفع زكاة تسمى «زكاة الفطر»، و يعملون الخيرات كعمل مستحب.

و يعد الاعتكاف الذي بحث في الكتب الفقهية باعتباره ملحقاً إلى باب الصوم، عبادة خاصة تقام في المسجد و تقترن بالصيام. ويختلف الاعتكاف في الآداب العبادية الإسلامية عن العبادات الأخرى، بأنه يشتمل على شروط الابتعاد الموقت عن المشاغل اليومية و الاختلاء بالمعبود ــ مع مجموع الشرائط المعنوية من تواجد في بيت‌اللـه و الصيام له ــ حيث يواجه الشخص المعتكف في بعض الأحكام، نفس المحرمات و القيود التي يواجهها الشخص المحرم في الحج. و الاعتكاف هو في الأصل عمل مستحب، ولكنه يصبح واجباً في حالة النذر و أمثاله (القدوري، 1/162 و مابعدها؛ الغزالي، 100 و مابعدها؛ ابن هبيرة، 1/156 و مابعدها؛ ابن رشد، 1/282 و مابعدها؛ المحقق الحلي، 1/187 و مابعدها؛ الشهيد الثاني، 1/ 139 و مابعدها).

 

الحج

بنص القرآن الكريم يجب على كل شخص مستطيع تتوفر فيه الشرائط أداء فريضة الحج مرة واحدة، و قد سميت «حجة الإسلام». و في الحج يجب على جميع المستطيعين أن يتجمعوا في موضع واحد بنوع واحد من الثياب بعيدين عن أي نوع من الاختلاف الطبقي و يؤدوا شعائر كانت تقام في الجاهلية مع بعض الاختلافات في الأسلوب. و المقصود من المنافع في الآية القرآنية: «ليشهدوا منافع لهم و يذكروا اسم اللـه في أيام معلومات» (الحج/22/ 28) ليس المنافع المادية العابرة دون شك، بل المنافع العامة للأمة الإسلامية، و المنفعة الأخرى للمسلمين ذكر اللـه في أيام معينة و بأسلوب معين بعيداً عن الخرافات والأوهام الجاهلية (ظ: الجزيري، 1/631).

و يشتمل الحج على مناسك معقدة نسبياً، لاتلاحظ فيها الاختلافات بين المذاهب الإسلامية، إلا في التفاصيل. تبدأ مناسك الحج بالإحرام في أحد المواقيت (مواضع للإحرام خارج الحرم)، وتحرم على الحاج منذ الإحرام و حتى نهاية المناسك مجموعة من الأعمال و منها العلاقة الجنسية و حمل السلاح و صيد الحيوانات و إراقة الدم و قطع الأشجار. و يدل ارتداء ثياب موحدة ــ يجب أن لاتكون مخاطة ــ و التلبية بصوت عال على استجابة الحجاج للدعوة الإلٰهية، و هي تضفي على مناسك الحج مظهراً خاصـاً، و تجسد التضامـن بين المسلميـن، دون الالتفات إلى الاختلافات القومية، و التمكن المالي. و من جملة أعمال الحج بعد الإحرام و الوقوف في عرفات و الوقوف في المشعر والذهاب إلى منى و رمي الجمرات و التضحية و التقصير والطواف وصلاته، و السعي بين الصفا و المروة، و أخيراً، طواف النساء وصلاته وترتبط كل من هذه المراحل بشكل‌ما بالسنن الإبراهيمية، و يذكر كل منها المسلمين بمظهر من الإخلاص في طريق التوحيد. و يقع موسم الحج في شهر ذي الحجة و قد اكتسب هذا الشهر اسمه من هذه المناسك، و أما العمرة المفردة التي هي زيارة لبيت اللـه، فليس لها موسم معين مثل الحج و يمكن أداؤها طيلة السنة (القدوري، 1/177 ومابعدها؛ الغزالي، 108 ومابعدها؛ ابن هبيرة، 1/174 ومابعدها؛ ابن رشد، 1/ 318 ومابعدها؛ المحقق الحلي، 1/223 ومابعدها؛ الشهيد الثاني، 1/159 ومابعدها).

الزيارة: فيما يتعلق بزيارة قبور الأنبياء و الأئمة، و الأولياء والصالحين، يعد فريق من الحنابلة الوحيدين الذين يحملون وجهة نظر مخالفة سوى كونها للاعتبار، و لكن معظم مذاهب أهل السنة اهتمت إلى حدما بزيارة القبور. و خاصة زيارة قبر رسول اللـه (ص)، حيث تعتبر من أفضل طرق التقرب، فقد عينت في كتبهم آداب لزيارته (ص)، و كذلك زيارة بعض الصحابة، و أزواج النبي (ص) و أئمة أهل البيت (ظ: الجزيري، 1/711-715). و في المذهب الشيعي الإمامي تحظى زيارة كبار الدين و الأئمة بأهمية بالغة، حيث توجد رسوم و آداب خاصة في باب زيارة الأماكن المقدسة ذكر بعض منها في النصوص الفقهية، فيما يعد البعض منها حصيلة و انعكاس احترام الناس.

و رغم أن الاختلاف بين المذاهب الإسلامية بشأن الزيارة من الممكن بحثه بدقة برؤية فقهية، و لكن فصل أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة عن بعضهم في احترام قبور الشخصيات الدينية و زيارتها يواجه صعوبة جدية من الناحية العملية طيلة التاريخ وفي أرجاء العالم الإسلامي، فنحن نلاحظ مزارات كثيرة في جميع أنحاء البلدان الإسلامية من جنوب شرقي آسيا و حتى قلب أفريقيا. و بالإضافة إلى قبور النبي (ص) و أئمة أهل البيت (ع)، تطالعنا أيضاً قبور بعض من الأنبياء السابقين، و جماعة من الصحابة والتابعين، و عدد كبير من أولاد الأئمة، و عدد من علماء الدين ومشايخ الصوفية. كما يمكن أن نشير أيضاً إلى حالات نادرة حظت دوماً بالاهتمام لاباعتبارها مقابر، بل بوصفها تذكارات دينية؛ و تمكن الإشارة من بينها إلى موضع قدم الإمام الرضا (ع) بالقرب من نيسابور، و كذلك سرداب سامراء.

توجد في آثار الشيعة الإمامية بعض من نصوص الزيارات الفردية و الجماعية تشتمل بحد ذاتها على مجموعة من التعاليم الاعتقادية و الأخلاقية. و منها مضامين الزيارة الجامعة و زيارة عاشوراء، حيث تتضمنان دروساً في الأخلاق و الصمود في مواجهة الظلم، و مجموعة من التعاليم الإسلامية.

الدعاء: يتمتع ذكر اللـه و الدعاء إليه بالحاجات، بمنزلة سامية في الإسلام، و قد جاءت بشأنهما كليهما آيات عديدة في القرآن الكريم: فقد أمر القرآن مراراً بأن نذكر اللـه كثيراً و ندعوه خوفاً وطمعاً (الأعراف /7/56)، و قال في وصف المؤمنين إنهم يدعون اللـه في حال الرغبة و الرهبة (الأنبياء/21/90)، و يؤكد اللـه على أن يقترن الدعاء بالإخلاص في النية (غافر /40/65). و يقول: «وقال ربكم ادعوني استجب لكم» (غافر /40/60). و في الحقيقة فإن الأدعية المأثورة عن النبي الأعظم (ص) و أئمة الهدى (ع) هي لتعليم الآخرين كيف يدعون اللـه كي لاينسوه في أي حال ولايلجؤوا، إلا إليه. و يعد الدعاء مصدراً غنياً لفهم التصوف الإسلامي، و هو من شأنه أن يترك أثراً عميقاً في أخلاق الناس وسلوكهم فيما إذا ترجم بلغة عادية يمكن فهمها، و فضلاً عن أدعية ساعات الليل و النهار و أيام الأسبوع، هناك أدعية مثل دعاء كميل و دعاء الافتتاح و أدعية الصحيفة السجادية ومستدركاتها، و الدعاء الذي عرف باسم راويه، أي دعاء أبي حمزة الثمالي بتلك المضامين السامية. فهذا الدعاء يفتح أبواب العلم و المعرفة للإنسان، و أدعية عرفة، خاصة دعاء الإمام الحسيـن (ع)، حيـث يجسـد مدرسـة التوحيـد أمام المشتاقيــن و يعرفهم بالله: «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون» (البقرة/2/186؛ ظ: ابن الأثير، 5/5 ومابعدها؛ الحر العاملي، 4/1083 و مابعدها).

 

المصادر

ابن الأثير، المبارك، جامع الأصول، تق‍ ‍‌: محمد حامد الفقي، القاهرة، 1370ه‍/1950م؛ ابن بابويه، محمد، الأمالي، بيروت، 1400ه‍/1980م؛ ابن رشد، محمـد، بداية المجتهـد، بيروت، 1406ه‍/1986م؛ ابـن هبيـرة، يحيـى، الإفصـاح، تق‍ : محمد راغب الطباخ، حلب، 1366ه‍/1947م؛ الجزيري، عبدالرحمان، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، بيروت، 1406ه‍/1986م؛ الحر العاملي، محمد، وسائل الشيعة، بيروت، 1391ه‍؛ السيوطي، الجامع الصغير، القاهرة، 1373ه‍/1954م؛ الشهيد الثاني، زين الدين، الروضة البهية، طهران، 1365ش؛ الغزالي، محمد، الوجيز، بيروت، 1399ه‍/1979م؛ فقه الرضا (ع)، مشهد، 1406ه‍؛ القدوري، أحمد، «مختصر»، مع اللباب للغنيمي، تق‍ : محمود أمين النواوي، القاهرة، 1383ه‍/1963م؛ القرآن الكريم؛ المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، 1403ه‍/1983م؛ المحقق الحلي، جعفر، شرائع الإسلام النجف، 1389ه‍/1969م.      

عبد الأمير سليم /خ.

 

المناسبات و العلاقات الاجتماعية في الإسلام

تتمتع أديان العالم الكبرى، بآثار اجتماعية لأنها تجمع عدداً هائلاً من البشرية على أساس اعتقاد واحد، و لكنها لم‌تكن دون شك في مستوى واحد في إيلاء الأهمية للعلاقات الاجتماعية. و خلال ذلك فقد اهتم الإسلام بإصلاح المجتمع و تنظيم العلاقات الاجتماعية باعتبارهما من أهم أهدافه. و قد جاء في القرآن الكريم أن الهدف من إرسال الرسل و إنزال الكتب و الميزان معهم، قيام الناس بالقسط (الحديد/57/25). و المقصود من القسط العدل العملي، والعدالة الاجتماعية من خلال الرؤية العامة.

و يختص جزء هام من الأحكام المطروحة في القرآن الكريم والسنة النبوية، و قسم واسع من الفقه الإسلامي تبعاً لذلك بالموضوعات الاجتماعية؛ و منها قسم الأحكام العامة، أو بتعبير آخر تشريعات الحكم التي هي موضوع التكليف في هذه الفئة من أحكام المجتمع، فيما يهتم القسم الآخر بتشريعات القوانين الخاصة التي تتولى تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع. و رغم أن الطائفة الأخيرة هي أحكام خاصة حسب الرؤية الأولى، و لكن لأنها ترتبط بشكل غير مباشر بجميع الناس، فإنها تعتبر أموراً اجتماعية. و من جهة أخرى، فإن قسماً من مسؤوليات الإنسان المسلم الاجتماعيـة ــ سـواء المالية مثل الزكاة، أو السياسية كالجهـاد ــ تتميز بطابع عبادي و لذلك، اعتبرت في علم الفقه من عداد العبادات.

و من خلال تحكيم عام، علينا الإذعان إلى أن ماحظي باهتمام أكبر في تدوين علم الفقه وتوسيعه هو ــ عدا المباحث العبادية ــ المباحث المتعلقة بالقانون الخاص؛ و الأحكام العامة و الحكومية على مستوى محدود. و قد تم في علم الفقه تقديم تقسيم خاص للأبواب المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية و ذلك حسب ظهور المباحث و تصنيفها من حيث الأهمية، دون أن يكون الطابع الاجتماعي هو المقصود في هذه المباحث، و لذلك يمكن ملاحظة مثل هذه المباحث في كل من الأقسام الرئيسة الأربعة للفقه، أي العبادات و العقود و الإيقاعات و الأحكام (بمعنى أخص).

 

الطابع العبادي للواجبات الاجتماعية

 

ألف ـ الزكاة و الخمس

جاء في القرآن الكريم الأمر بدفع الزكاة عشرات المرات إلى جانب الأمر بإقامة الصلاة، باعتباره أحد أوائل أحكام الدين الإسلامي. و الزكاة كما يبدو من معناها اللغوي و تؤيده الإشارات القرآنية، هي نوع من التزكية والتهذيب فضلاً عن كونها دفعاً مالياً. و لذلك، و طبقاً لأولى الاستنتاجات من الآيات القرآنية، فإن الزكاة و كما هو حال العبادات الأخرى تعتبر فيها النية و قصد التقرب كشرط لتحققها و صحتها. و مع ذلك، فقد كانت الزكاة و مازالت مطروحة باعتبارها سبيلاً لتوزيع الثروة، و تهيئة الأموال لإنفاقها على أمور المسلمين العامة، بالإضافة إلى طابعها العبادي الفردي. و قد تحدث القرآن الكريم بصراحة عن العاملين على الزكاة (التوبة/ 9/60)، و هذا دليل واضح على أن الزكاة كانت تعد حتى في عهد الرسول الأعظم (ص) كضريبة حكومية كان يخصص لجبايتها موظفون معينون.

و ليست الزكاة ضريبة فردية، و لاتتعلق بالأموال نفسها؛ بل هي ضريبة على منتجات أفراد المجتمع الإسلامي، أو سيولتهم النقدية؛ بمعنى أن يدفع المسلمون في حالة تمتعهم بالسيولة، أو الأموال المحددة في الشرع نسبة مئوية منها كزكاة في حالة بلوغها حد النصاب، حيث تبلغ في بعض الحالات عشراً و في حالات أخرى عشرين.

و المنتجات المحددة في كتب الحديث و التي تكرر ذكرها في الآثار الفقهية أيضاً و تسمى اصطلاحاً «الأجناس الزَكَوية»، هي المحاصيل الزراعية و منتجات المواشي التي كانت سائدة في عهد النبي (ص) و في نطاق الحكومة الإسلامية آنذاك و هي الحنطة والشعير و التمر و الزبيب و الغنم و البقر و الإبل، و تجب إضافة الذهب المسكوك و الفضة المسكوكة إلى هذه الأجناس السبعة. وباتساع رقعة الخلافة الإسلامية بعد الفتوح كانت مسألة توسيع الأجناس الزكوية و إضافة بعض المحاصيل الأخرى مثل الرز والخضراوات تمثل موضوعاً مثيراً للنقاش في الأوساط الفقهية، وفي هذا المجال، يلاحظ التوسيع الأكبر في بعض المذاهب مثل الحنفي، فيما كانت بعض المذاهب تصر على أن تكون الأجناس محدودة بحالاتها الأولى. و في القرن الحالي قدمت أيضاً آراء لتوسيع أجناس الزكاة سواء في مجال المحاصيل الزراعية و الحيوانية، أم السيولة النقدية.

و قد عين القرآن الكريم حالات لمصارف الزكاة تشير بحد ذاتها إلى فلسفة تشريع الزكاة (ظ: التوبة/ 9/60) و تدل على أن الزكاة شرعت لهدفين هما توزيع الثروة و إدارة الحكومة الإسلامية. و من بين مصارف الزكاة مساعدة الفقراء و المساكين و أبناء السبيل و أداء ديون الدائنين المستأصلين و عتق الرقاب كتحقيـق للهـدف الأول، و دفـع حـقـوق العامليـن على الـزكـاة، و النفقات لتأليف قلوب الأعداء و الإنفاق العام و القابل للنمو «في سبيل اللّٰه» لتأمين مصالح المجتمع الإسلامي (ظ: القدوري، 1/136 ومابعدها؛ الغزالي، 1/79 و مابعدها؛ ابن رشد، 1/244 ومابعدها؛ ابن هبيرة، 1/131 و مابعدها؛ المحقق الحلي، 1/140 ومابعدها؛ الشهيد الثاني، 1/120 و مابعدها).

و تحدث القرآن الكريم عـن الخمس ــ كنوع من الضرائب الأخرى (الأنفال /8/41) ــ و يتعلق بالغنائم، و قد اقتصر فقه أهل السنة على تعلق هذه الضريبة و هي مقدار الخمس بالغنائم الحربية و بعض الحالات المحدودة الأخرى. و على العكس من ذلك فقد اتسعت الغنيمة المذكورة إلى حدّ بعيد في فقه الإمامية استناداً إلى المصادر الروائية، و ضمت مواضيع متعددة. و أهم هذه المواضيع «منفعة الكسب» التي طرحت الخمس باعتباره ضريبة عامة في جميع الأزمنة و الأمكنة، و أجرته في حياة الناس اليومية؛ بأن يحسب كل مكلف الدخل المتحصل من كسبه خلال سنة مالية، ويدفع الخمس مما يزيد على نفقاته السنوية.

و قد بينت الآية الكريمة مواضع صرف الخمس بتعبير عام، ولكن المصادر الفقهية الإمامية فسرتها بتقسيم الخمس إلى قسمين «سهم الإمام» و «سهم السادة». فيتعلق سهم الإمام بالإمام المعصوم و نوابه بأن ينفقوه على مصالح المجتمع الإسلامي، فيما يتعلق سهم السادة بالمستحقين من بني هاشم الذين منعوا من استلام الزكاة، حيث يعتبر الخمس هو السبيل الوحيد لقضاء حاجاتهم (ظ: ابن هبيرة، 2/431-432؛ المحقق الحلي، 1/179 ومابعدها؛ الشهيد الثاني، 1/134 و مابعدها).

و بالإضافة إلى الضريبتين الزكاة و الخمس، طرح الاهتمام بحاجات الناس و الإنفاق بشكل عام بوصفه أمراً أخلاقياً في الآيات القرآنية العديدة، و الأحاديث المنقولة عن أئمة الدين؛ وقد دعا القرآن الكريم المسلمين في هذا المجال إلى رعاية حد التعادل في الإنفاق، فحذر المنفقين من أن الإنفاق بغير حساب لايمكن أن يرضى عنداللـه في نفس‌الوقت الذي حذرهم فيه من البخل (ظ: الإسراء/17/ 28).

 

ب ـ الجهاد

يشمل الجهاد بمعناه العام في المفهوم الإسلامي كل جهد عسكري، أو غير عسكري للدعوة إلى الإسلام (ظ: الجرجاني، 36) و قد استعملت كلمة الجهاد في القرآن الكريم أحياناً بالمعنى العام للسعي في سبيل اللـه (مثلاً العنكبوت/ 29/6، 69)، و لكن الجهاد يعني اصطلاحاً المحاربة في سبيل اللـه ضد الكافرين و المشركين. و قد نزلت آيات القرآن حول الجهاد متناسبة مع ظروف دعوة النبي (ص). و في عهد تواجد النبي (ص) في مكة، لم‌تحدث أية مصادمة عسكرية بين المسلمين والمشركين، و دعت آيات القرآن المسلمين إلى الصبر و الثبات أمام إيذاء المشركين، و مع ذلك، فإن البعض من الآيات المكية كانت قد هيأت أرضية الفكر الجهادي الذي كان يجد معناه في إطار حكومة إسلامية (ظ: الفرقان /25/52؛ الشعراء /26/227؛ العاديات/100/1-5). و بهجرة المسلمين إلى المدينة، تشكلت حكومة جديدة بقيادة النبي (ص)، و لم‌يمر وقت طويل حتى بدأت أولى المصادمات بين المسلمين و المشركين. و استناداً إلى القول المشهور، فقد كانت الآية 39 من سورة الحج (22) الآية الأولى التي أذنت للمسلمين بالجهاد.

انقضت فترة حياة النبي (ص) في المدينة و التي استمرت 10 سنوات، بحروب عديدة، و بذلك تحقق قسم مهم من السيرة النبوية، أو طويت بتعبير آخر صفحات مهمة من التاريخ السياسي في صدر الإسلام، أي «المغازي». و من خلال نظرة عامة إلى مكانة الجهاد في المجتمع الإسلامي يجب القول إن الجهاد لدى المسلمين لم‌يطلق أبداً على كل حرب و بأي هدف، بل إن الجهاد هو حرب و لكن ليس بهدف قتل المعارضين و فتح الأراضي وكسب الغنائم، بل للدفاع عن المعتقدات و القيم التوحيدية والإنسانية، و تهيئة الأرضية لنشر هذه القيم؛ و لذلك اعتبر إحدى أهم العبادات و سبل التقرب إلى اللّٰه. و لهذا أيضاً اقترن الأمر بالجهاد في الدين الإسلامي ببعض الأحكام الأخلاقية، فكان النبي (ص) يوصي القادة دائماً برعاية التقوى و اتباع الأوامر الإلٰهية والأخلاق الإنسانية، و يمنعهم من أعمال مثل قتل الشيوخ والنساء و الأطفال و كذلك قطع الأشجار و القضاء على الحيوانات (ظ: مسلم، 3/1364-1366؛ الكليني، 5/27-28). و استناداً إلى تعاليم القرآن فإن المجاهدين الحقيقيين الذين يؤدون دوراً بارزاً في حفظ كيان الإسلام و عزة المسلمين، يتمتعون بمكانة رفيعة لدى اللـه وأجر كبير (النساء/4/95). و إن قتلوا فإنهم يعتبرون شهداء و«أحياء عند ربهم يرزقون» (آل عمران/3/ 169).

و بعد رحيل النبي (ص)، كانت لمسألة الجهاد ارتباط مستمر بالتاريخ السياسي للخلافة الإسلامية، و كانت الفتوح أكبر تجسيد لها في القرون الأولى، سوى حالات محدودة مثل حروب الردة. ومع اتساع الفتوح، حظيت بالقبول فكرة تقسيم المناطق من حيث الاقتدار الديني إلى مناطق إسلامية: «دار الإسلام» و مناطق غير إسلامية: «دار الحرب»، حيث كان دور عنصر الجهاد مشهوداً بوضوح في هذا التقسيم. و استناداً إلى هذا الفكر تم تأليف أولى المؤلفات الفقهية المستقلة حول الجهاد في النصف الثاني من القرن 2ه‍ تحت عنوان عام هو «السير» منها آثار مثل السير للأوزاعي، وكتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني.

الصفحة 1 من57

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: