الصفحة الرئیسیة / المقالات / ایران /

فهرس الموضوعات

تتمثل أقدم أساليب التدوين في نقد الحديث، في آثار تحمل عنواناً عاماً هو «علل الحديث» ويعـد كتـاب العلـل لأبي عيسـى الترمذي النموذج البارز لها  (GAS,I / 159) وهي حركة واصلها أشخاص مثل أبي علي النيسابوري (الكتاني، 148)، وبلغت ذورتها في كتاب علل الحديث المعروف لابن أبي حاتم الرازي (تـ 327ه‍) (ط القاهرة، 1926، وما بعدها؛ GAS,I / 179: مخطوطاته).
من بين الجهود الأخرى في النقد التوثیقي والمضموني للحديث، يمكننا الإشارة إلى آثار مثل تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة الدينوري الذي تصدى فيه لإزالة التناقض الظاهري بين عدد من الأحاديث النبوية والرد على هجمات المتكلمين (ظ: مصادر هذه المقالـة) وتصحيفـات المحدثيـن للأديب أبـي أحمـد العسكري (تـ 382ه‍ / 993م)، حيث ذكر فيه التصحيفات والتحريفات التي ارتكبها بعض المحدثين وإصلاح غلط المحدثين لأبي سليمان الخطابـي (ط القاهرة، 1936م) والأباطيل للجـورقاني الهمداني (تـ 543ه‍ / 1148م)، حيث تم فيه تحديد بعض الأحاديث الموضوعة (ط بنارس، 1403ه‍(. 
تأثير هجوم المغول على الأوساط الحديثية: في القرن 6ه‍ / 12م، كانت لاتزال الحوزات الحديثية في خراسان وماوراء النهر علی قدر من الرفعة والاشتهار لکي یجذب بعض المحدثين من أقصى مناطق العالم الإسلامي وحتى الأندلس إلیها (كنماذج، ظ: ابن نقطة، 1 / 266، 2 / 275،264،263،169)؛ ولكن أوساط الحديث أصبحت تسیر نحو الزوال في المناطق الواقعة في أقصى الغرب والمتمثلة في جرجان والري، منذ أواسـط القرن 4ه‍ / 10م (ظ: الذهبي، الأمصار، 199، 204). وفي أوائل القرن 7ه‍ / 13م، كانت أهمية تعليم الحديث في خراسان تبلغ درجـة بحيث أن أبـا المظفـر السمعانـي (تـ 615ه‍ /  1218م) جمع كتاباً باسم معجم الشيوخ في 18 جزءاً (الكتاني، 138). 
وقد ترک استيلاء المغول على إيران منذ 617ه‍ ، تاثیراته السلبیة على الأوضاع الثقافية بحيث أوقع البلاد في حالة من الجمود والرکود لم تتخلص منها إلا بعد قرون. ولاغرو أن يصف بعض كتاب ذلك العصر هذه الحادثة بأنها «موت الإسلام والمسلمين» (ابن الأثير، جامع، 12 /  358). ورغم أن الهدوء والثبات النسبيين عادا إلى آسيا الوسطى بعد مضي فترة قصيرة وازدهرت إلى حدما العلوم الدينية وغير الدينية المختلفة، إلا أن علم الحديث، لم يزدهر أبداً ولعل السبب یمکن في الاعتماد على التراث السابق في هذا المجال وعلی وجه خاص. وإن الآثار الضئیلة التي ظهرت في هذا العصر في إيران لم تكن مضموناً تصلح للمقارنة لامع الآثار الأخرى في البلدان الإسلامية ولا مع المؤلفات السابقة في المنطقة. وقد أفادت نوادر مثل فرائد السمطين لإبراهيم الحموئي (تـ730ه‍ / 1330م) (ط بيروت  1398ه‍ /  1978م) على نطاق واسع من أسانيد المناطق الغربية. وقد كانت المؤلفات الحديثية الأخرى، إمّا مثل المختصر للشريـف الجـرجـانـي (تـ 816ه‍ / 1413م) (ظ: الكتاني، 217) قد ألفت في أصول علم الحديث، وإمّا من قبيل الشروح التي ظهرت علی نطاق واسع في هذا العصر (عن النماذج الأخرى، ظ: پاكتچي1). 
2. علوم الحديث لدى الإمامية:  يجب تتبع دور الإيرانيين مرة أخرى في أوساط الكوفة، خلال مسيرة تدوين أحاديث الأئمة (ع) التي كان قد بدأها أصحابهم منذ القرن الهجري الأول وكان من نماذجها كتاب سليم بن قيس الهلالي الشهير (أحد تحريراته، ط بيروت، 1400ه‍ / 1980م). استمر جمع أحاديث الأئمة (ع) وخاصة في عصر الإمامين الباقر والصادق (ع). مؤدباً إلى ظهور ذخيرة غير مدونــة مـن الأحاديث عرفت بين الإمامية بـ «الأصول الأربعمائة» وقد كان جامعو عدد كبير منها الأصحاب الإيرانيين للأئمة (ع) مثل بسطام بن سابور الزيات (الطوسي، 40؛ النجاشي، 110). 
لقد كانت طيلة القرون 2-4ه‍ /  8-10م، مراكز مختلفة في إيران لتعليم حديث الشيعة وخاصة في قم والري وأصفهان وأهواز ونهاوند وقزوين وجرجان ونيسابور  (على أساس الشروح المذكورة في الفهرست للشيخ الطوسي والرجال للنجاشي). كانت هذه المراكز في حالة تعاطٍ مستمر مع بعضها البعض من جهة، ومع الكوفة ومع سائر مراكز الشيعة، من جهة أخرى؛ وفي خلال هذا التعاطي كان الارتباط بين قم والكوفة يحظى بأهمیة أکبر، حيث أدت شخصيات مثل إبراهيم بن هاشم القمي وعبد الله بن جعفر الحميري في القرن 3ه‍ ، الدور الأهم في هذا المجال (ظ: الطوسي، 4؛ النجاشي، 156، 219). 
1. Paketchy 
مجامیع أحاديث الإمامية:  تزامناً مع اتساع التدوين الموضوعي في أوساط أهل السنة في القرن 3ه‍ ، حظي التدوين الموضوعي باهتمام جدي من قبل المحدثين بين أوساط الإمامية وظهرت آثار جامعة ومبوبة، مثل المحاسن لأحمد بن محمد البرقي (تـ 274 أو 280ه‍ / 887 أو 893م) (ط طهران، 1331ش). وقد كان ذلك طليعة تيار أكثر حزماً أدى في القرنين 4و5ه‍ / 10و11م، إلى ظهور أهم المجاميع الحديثية للإمامية، أي الكافي للكليني (تـ 328 أو 329ه‍ / 940 أو 941م)، ومـن لايحضره الفقيه لابن بابويـه (تـ 381ه‍ / 99م) والتهذيب والاستبصار للشيخ الطـوسي (تـ 460ه‍ /  1068م)، وهي الكتـب التي عرفـت في العصـور التالية لدى الإمامية بـ «الكتب الأربعة»، وأصبحت الأساس في البحوث الروائية. 

كما يمكن خلال هذه المجامیع ملاحظة ظهور التأليفات الفردية الموضوعية في نطاق علم الحدیث لدی الإمامية، ومثالها البارز، آثار ابن بابويه المختلفة بعناوين مثل التوحيد والخصـال وعلل الشرائع وعيون أخبار الرضا (ع) ومعاني الأخبار (ظ: ن.د، 2 / 433). ومن الأمثلة الأخرى یمکن ذکر كامل الزيارات لابن قولويه القمي (القرن 4ه‍ / 10م) (ط طهران، 1375ش). وكان تأليف كتب الأمالي يمثل أسلوباً آخر في التأليف الحديثي في هذا العصر ولكنه يفتقر إلى الترتيب الموضوعي ومن نماذجه البارزة الأمالي لابن بابويه والشيخ المفيد والشيخ الطوسي (ظ: ن.د، الأمالي). 
وفي القرن 6ه‍ / 12م أخذ تدوين كتب المسند الحديثي ینحسر، ومن النماذج المحدودة لمثل هذه التأليفات، بشارة المصطفى لعماد الدين الطبري (القرن 6ه‍( )ط النجف، 1383ه‍( وقصص الأنبياء للقطـب الراونـدي (تـ 573ه‍ / 1177م) (ط مشهـد، 1409ه‍(. ألحق الغزو المغولي بهذه الأنشطة الضئیلة ضربات متعذر تعویضها لیخیم بعد ذلک الفتور النسبي علی النشاط الحديثي للشيعة في إيران. 
وفي إبان العصر الصفوي، بلغ التيار الإخباري ذروته واکتسب علم الحديث أهمیة في ظل مساعي المحدثین لجمع الأخبار وإعداد المجاميع الروائية الجدیدة وتحسین إمکانیة استخدام الکتب الأربع وتوفیر ظروف للاستفادة من الأحادیث الواردة في سائر الکتب الروائیة. وقد أدى هذا الدافع إلى أن يتم إعداد مجموعة واسعة وضخمة في هذا العصر، مثل الوافي للفيض الكاشاني (ط قم، 1404ه‍( ولاسيما بحار الأنوار لمحمد باقر المجلسي (تـ 1110 أو 1111ه‍ /  1698 أو 1699م). وبالطبع يجب الالتفات إلى أن أساس هذا النوع من المجامیع، کان التعرف على الكتب القدیمة المتبقية من الإمامية والاستخراج الموضوعي للأحاديث وتقديم تدوين جديد لها؛ وفي الحقيقة، فإن هذا التدوين الجـديـد وعـرض الأحـادیـث فیـه بشکـل مـرتّـب ومصنّـف (ظ: پاكتچي، «ويژگيها ... »، 42 ومابعدها) جعل المجامیع المتأخرة في مکانة لم یکن بإمكان الباحثين في أحاديث الشيعة تجاهلها (عن آثار في شرح الحدیث ونقده ،ظ: ن.د، الإمامية، علوم الحديث، عن شروح مختلفة لنهج البلاغة، ظ: الحسيني، 1 / 202 ومابعدها). 
ج‌ ـ الفقه:  رغم أن  المدارس المحلية تشكلت في العصر الأول من ظهور علم الفقه في نطاق الثقافة الإسلامية وفي المراكز الثقافية المهمة خارج حدود إيران، غیر أنّ العلماء الإيرانيين لعبوا دوراً مهماً في هذه العملية، وفي هذا المجال يجب اعتبار التحولات الفقهية في بيئة العراق بشكل خاص ولاسيما الكوفة، سواء في أجوائها الشیعیة أو غیر الشیعیة مرتبطة إلى حد كبير بالثقافة الإيرانية. 
1. الخطوات الأولى في تدوين الفقه:  لدراسة تاريخ الفقه في إيران خلال القرون الهجرية الثلاثة الأولى، فلابد أن ندرس جزءاً کبیراً منه في سیاق تاریخ الحدیث فیها. وفیما یتعلق بالاتجاهات الحدثیة في الفقه فقد لعب المحدثون الإيرانيون دوراً مهماً في ظهور علم الفقه سواء في أوساط أهل السنة، أم الشيعة. ولكن يجب القول فيما يتعلق بتتبع الاتجاهات الاجتهادية في الفقه، إن أوساط إيران الفقهية كانت دوماً تمثل جواً مناسباً لنمو مثل هذه الرؤى. 
أما فیما یرتبط ببیئات أهل السنة فلا بدّ من الأشارة قبل كل شيء إلى مكانة أبي حنيفة العالم الكوفي الإيراني الأصل الذي عرف باعتباره أبرز فقيه من أهل الرأي والاجتهاد ومؤسس المذهب الحنفي. جدیر بالذکر أن آراء أبي حنیفة الفقهیة لقیت أیام حیاته إقبالاً ملعتاً للنظرفي إیران وخاصة في خراسان وذلک بعد أن طرحت أول الأمر في البیئة العراقیة وقد دعا إليها بعض تلامذته الإيرانيين مثل نوح بن أبي مريم المروزي بين عامة الناس (ظ: ن.د، أبو حنيفة). وفي بیئة الإمامية، لابد من الإشارة إلى النـزعة الاجتهادية لهشام بن الحكم الذي كان قد احتل مكانة رفيعة، خاصة بين شيعة شرق إيران واستطاع مذهبه بفضل جهود علماء مثل الفضل بن شاذان النيسابوري، أن يواصل بقاءه في خراسان بعد فترة من الضعف الذي شهده في العراق (ظ: پاكتچي، «گرايشها ... »، 21). 
ومنذ منتصف القرن 3ه‍ / 9م، اضطلع العلماء الإيرانيون الشيعة منهم والسنة بدور مهم في تيار إقبال بعض الأوساط الفقهية علی تجنب أساليب أهل الرأي واتساع ظاهرة التمسك بظواهر النصوص. ففي جانب أهل السنة برز الفقیه والعالم الإیراني داود الأصفهاني، الذي عرف كمؤسس للمذهب الظاهري وهو بطبیعة الحال أبرز شخصیات هذا المذهب وفي جانب الشيعة، أدى الأدوار الأساسية في هذا التيار، إيرانيون مثل أبي سهل النوبختي وابن قبة الرازي (ظ: ن.د، الإسلام، الفقه الظاهري؛ أيضاً پاكتچي، ن.م، 24). 
وخلال السنوات المؤدية إلى القرن 4ه‍ / 10م وعلى أثر الدافع القائم للحد من المذاهب الجديدة، ظهرت في الفقه حركة الفقهاء من أهل الاختيار التي لم تدم طويلاً، حيث يمكن القول إنها كانت ذات طابع إيراني، وتجسد ميل الإيرانيين إلى أسلوب الاختيار، أو اختيار أفضل الآراء، والذي كانت لـه مصاديق في العلوم الدينية الأخرى كالقراءة، ومما يؤيد ارتباط هذه. الحركة بالفكر الإيراني، هو انحدار الشخصیات التي حملوا رایة هذه الحرکة من أصول إیرانیة التي انخرطت في هذه ويجب الالتفات إلى أن الشخصيات الثلاث البارزة التي عرفت في تاريخ الفقه كفقهاء من أهل الاختيار انطلقت جميعها من إيران وهي محمد بن جرير الطبري وابن خزيمة النيسابوري وابن منذر النيسابوري (ظ: ن.د، ابن خزيمة، أيضاً ابن المنذر). 
2. المواجهة بين المذاهب في القرون 3- 5ه‍ / 9-11م:  كانت إيران خلال القـرون 3-5ه‍ ، ذات خارطة متغيرة دوماً من حيث انتشار المذاهب الفقهية، نظراً إلى تنوع الجغرافیا الثقافیة من جهة والتطورات التاريخية التي حدثت في هذا العصر من جهة أخرى. ففي تیار أهل السنة، كان يسود هذا العصر تنوع لافت في المذاهب نظراً إلى وجود مجالات فقه أصحاب الحديث وفقه أصحاب الرأي والفقه الظاهري. ويعود الفضل في توفر أدق المعلومات عن الانتشار الجغرافي للمذاهب الفقهية في القرن 4ه‍ ، إلى روايات المقدسي التي يمكن إكمالها من خلال معلومات المصادر الأخرى. وجدیر بالذکر أن المذهب الشافعي كان يعتبر في القرن 4ه‍ وعلى الامتداد الجغرافي لإيران وبين أهل السنة، أهم منافس لفقه أصحاب الرأي الحنفي، باعتباره مذهباً مستقلاً عن أصحاب الحديث. 
وإلى جانب هذين المذهبين، فقد وصلتنا أيضاً معلومات عن وجود الجماعات الحنبلية في مناطق مثل جرجان آذربايجان والري وخوزستان وحضور محدود للمالكيين في بعض مناطق والظاهريين في فارس، وأتباع سفيان الثوري في مناطق مثل دينور (المقدسي، 252-253، 480، مخ‍ ؛ الذهبي، ميزان ... ، 3 /  449) وأتباع أبي ثور في آذربايجان (ابن النديم، 265). وفضلاً عن ذلك، فقد أشار المقدسي دون أن يتحدث عن منطقة بعينها، إلى انتشار أتباع إسحاق بن راهويه في عصره (ص44)، ولا يُسْـتَبعد أن يكونوا نفس أصحاب الحديث الذين تحدث المؤلفون الجغرافيون في القرن 4ه‍ ، عن نفوذهم في منطقة واسعة من جنوب شرق إيران، کانت تضم فارس وكرمان وحتى سواحل الجنوب (ظ: ابن حوقل، 2 / 292، 312؛ المقدسي، 334، 353؛ أشكال ... ، 121، 131). 
أما فیما یتعلق بالشیعة فلا بدّ من أن نذكر قبل الجمیع الإمامية الذين كانوا يعيشون في مناطق إيران المختلفة، ولاسيما في منطقتي الري وخراسان، حيث كانوا يتمتعون بمكانة قوية. وفي القرن 4ه‍ ، أدت بقايا أفكار مذهب هشام بن الحكم في خراسان، إلى أن يواجه فقيه من أصحاب الرأي مثل ابن جنيد إقبالاً کبیراً في هذه المنطقة، ولكن الجو الحديثي كان هو الجو الغالب بين الإمامية ومنهم الإمامية في إيران. ومنذ النصف الأخير من القرن 5ه‍ / 11م، كان الاتجاهان الرئيسان في الأوساط الفقهية الإمامية، من نصيب أتباع مذهب الشريف المرتضى وأتباع مذهب الشيخ الطوسي، حيث واصلوا تنافسهم في إيران، حتى عصر سيادة تعاليم مدرسة الحلة. 
كان تنوع المذاهب الفقهية في إيران، قد حوّل هذه البلاد إلى ساحة للمواجهة النظرية بين المذاهب ولذلك، كان الإيرانيون باتجاهاتهم المذهبية المختلفة من رواد التأليف النظري في أصول الفقه، أو تدوين علم الأصول. وقد اكتسب علم الأصول الذي كانت قواعده قد وضعت في القرن 2ه‍ ، شكله المدون تدريجياً خلال القرن 3-5ه‍ وخلال هذه المسيرة، كان دور عدد من العلماء الإيرانيين حساساً وأساسياً؛ وفي هذا المجال، يجب ذكر أشخاص مثل داود الأصفهاني، وابنه ابن داود وأبي إسحاق المروزي ومحمد بن جرير الطبري وأبي بكر الجصاص وأبي بكر الأبهري، وفي الأجيال اللاحقة كان هناك أيضاً علماء مثل شمس الدين السرخسي من الحنفية، وأبي إسحاق الشيرازي من الشافعية والشيخ الطوسي من الإمامية، أبدعوا آثاراً خالدة في أصول الفقه في مذاهبهم. وكخاتمة للبحوث الأصولية في القرن 5ه‍ ، يجب أن نذكر محمد الغزالي الذي يعتبر كتابه المستصفى منعطفاً خاصاً في تاريخ علم الأصول، وكان نموذجاً للبحوث الأصولية بعده في جميع مذاهب أهل السنة. 
3. الفقه في القرون الوسيطة:  كانت النـزاعات المذهبيـة في القرن 6ه‍ / 12م، قد استقطبت قسماً مهماً من طاقات الأوساط الفقهية؛ فقد وجه النـزاع بين الشافعيين والحنفيين الذي كان قد بدأ منذ القرن 4ه‍ (المقدسي، 263)، ضربات جدية إلى كيان الأوساط الفقهية لأهل السنة طيلة القرن 6ه‍ ، حیث دفعت هذه النـزاعات التي كانت أحياناً دموية وذات أضرار بالغة (مثلاً ظ: القزويني الرازي، 458، مخ‍ ؛ ابن الأثير، جامع، 11 / 319؛ الذهبي، العبر، 4 / 169)، كلاً من الاتجاهين الحنفي والشافعي في إيران إلى الضعف والاضمحلال. وفي الأوساط الفقهية الإمامية أيضاً، كانت آراء الشیخ الطوسي الفقهیة قد ألقت بظلالها على محافل الإمامية طيلة قرن بعد وفاته، إلى درجة كانت تبدو فيها أحياناً شائبة التقليد والجمود (ظ: ابن طاووس، كشف ... ، 127). 
بالإضافة إلى كل ماقيل، فقد وجه هجوم المغول في أوائل القرن 7ه‍ / 13م، ضربة قاضیة إلى كيان الأوساط الفقهية في إيران، وبذلک دخل تاریخ الفقه في إیران أضعف مراحله التاریخیة وأکثرها جموداً. كانت أوساط فقه أهل السنة طیلة القرن 7- 9ه‍ تجتاز تدريجياً مسيرة الاضمحلال والزوال، بحيث كان الكثير من الشخصيات ذات النفوذ في الأوساط الفقهية الحنفية والشافعية، مثل رجال آل تركة وآل خجند (ن.ع ع)، شخصيات سياسية في الغالب. وفي هذا المجال، ألفت شخصيات مثل القاضي البيضاوي (تـ 685ه‍ / 1286م) وسراج الدين الأرموي (تـ 68ه‍( وعز الدين الأردبيلي (تـ بعد 775ه‍ / 1373م)، آثاراً مهمة في الفقه والأصول. 
ورغم أن شخصيات مثل قطب الدين الراوندي وسديد الدين الحمصي الرازي بدأت في الأوساط الإمامية، بنقد جمود الفقه الإمامي، غیر أن ظهور الحركة الفقهية الجديدة في الحلة التي أثرت على جميع الأوساط الإمامية، أخضع الأوساط الفقهية الإيرانية أيضاً منذ القرن 7ه‍ / 13م لنفوذ هذه المدرسة. ويمكن أن نذكر من بين أوائل الفقهاء الإيرانيين المرتبطين بهذه المدرسة حسن بن أبي طالب الآبي (تـ بعد 672ه‍ / 1273م، ظ: ن.د، 1 /  18). 
كان القرن 10ه‍16م، أي عصر ظهور السلالة الصفوية في إيران، مؤثراً للغاية في توجیه الأوساط الفقهية في إيران، فقد وجد فقه الإمامیة من خلال أنشطة الصفویین الأرضیة النمو إعادة البناء من جهة کما تقلّص نشاط الأوساط الفقهیة السنیة في إیران إلی أدنی مستویاته من جهة أخری. 
4. الفقه في القرون المتأخرة:  أتيحت للفقه الإمامي في عهد الدولة الصفوية في إيران (907-1135ه‍)، إمكانية جديدة للنمو والازدهار نظراً إلى إعلان المذهب الإمامي مذهباً رسمياً في هذا البلد، وخاصة من حيث توفر إمكانية التطبيق العملي للكثير من أحكامه، فأخذ يتسع في الأبواب التي لم تتح له فيها من قبل إمكانية الاتساع. وعلى سبيل المثال فقد وجدت بعض المواضيع مثل مباحث القضاء وتنفيذ الحدود، مباحث الضرائب والخراج، وكذلك إقامة صلاة الجمعة، المجال للتوسع بسبب ارتباطها المباشر بالحكومة (عن آثار من هذا القبيل، ظ: المدرسي، 210-215، مخ‍). 
وفي القرن 10ه‍ / 16م، كان أهم مركز للدراسات الفقهية الإمامية قائماً في جبل عامل ولذلك، فقد حدثت موجة هجرة علماء جبل عامل إلى إيران وخاصة إلی أصفهان على أثر تعزیز الأوساط الفقهية الإمامية في إيران. ونتيجة لهذه الهجرات والزيارات أحياناً، استطاعت المدرسة الفقهية الإمامية الجديدة في أصفهان أن تنتفع بحضور علماء بارزين مثل المحقق الكركي والشيخ البهائي والحر العاملي (ظ: الحر العاملي، 1 / 145، 157، مخ‍). وعند دراسة فقه الإمامية في العصر الصفوي يمكننا التمييز من حيث تصنيف الأساليب بين 3 تيارات رئيسة: الأول هو التيار الرئيس للأصولية بشخصية بارزة مثل المحقق الكركـي (تـ 940ه‍ /  1533م)، حيث يجب اعتبار فقه هذا التيار صورة متكاملة عن فقه الشهيد الأول، والأخر هو تيار إصلاحي في الأوساط الأصولية وعلى رأسه المقدس الأردبيلي، والثالث هو التيار الإخباري الذي كان يتزعمه محمد أمين الأسترابادي. 

 

الصفحة 1 من62

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: