الصفحة الرئیسیة / المقالات / ایران /

فهرس الموضوعات

أمضى ملا صدرا الشطر الأخير من حياته في مسقط رأسه وانشغل فيه بتدريس الفلسفة في مدرسة خان التي كانت قد بنيت له. ومن أهم تلامذته ملامحسن الفيض الكاشانـي (تـ 1091ه‍ / 1680م) المحدث والشاعر والمتكلم، والعارف والفيلسوف المعروف الذي ألف كتاب المحجة البيضاء في إحياء الأحياء وهو أثر أخلاقي فلسفي شيعي مهم ونظم رسالة أصول المعارف علی مذهب أستاذه، والآخر هو ملا عبد الرزاق اللاهيجـي (تـ 1072ه‍ / 1662م) صاحب گوهر مراد ومشارق الإلهام في الكلام الفلسفي. وقد كان هو أيضاً شاعراً بارزاً كالفيض، ولكنه لم يكن يتحدث بشكل علني عن الحكمة المتعالية بسبب المعارضة التي كانت قد ظهرت ضد تعاليم ملا صدرا ولم يترك أثراً في هذا المجال. وكـان تلميذهما القاضي سعيـد القمي (تـ 1103 أو 1104ه‍ / 1692 أو1693م) صاحب أسرار العبادات والتعليقات على الأثولوجيا، ميالاً إلى التصوف أكثر وكان في الفلسفة يتبع في الغالب ملا رجب علي التبريزي والفلسفة المشائية ولم يكن يذكر الحكمة المتعالية. وفي الحقيقة، فقد هُمشت فلسفة ملاصدرا في إيران لقرن، أو قرنين. 
لقد تم إحياء فلسفة ملا صدرا وتأسيس مدرسة فلسفية جديـدة في إيران على يـد ملا علـي النـوري (تـ 1246ه‍ / 1830م) في أصفهان. فکان يدرّس كتب ملا صدرا لما يقرب من 70 سنة وخرّج عدة أجيال من هذه المدرسة فضلاً عن كتابته تعليقات مهمة على الأسفار. وقد كان من تلامذته ملا محمد إسماعيل الأصفهاني (تـ 1281ه‍ / 1864م) صاحب الحواشي على الشوارق والعارف الكبير السيد رضي اللاريجاني (تـ 1270ه‍ / 1854م) الذي لم يصلنا منه أثر وملا عبد الله الزنوزي (تـ 1264ه‍ /  1848م) صاحب أنوار جلیة ولمعات إلهیة وكان ملا هادي السبزواري (1212-1289ه‍ / 1797-1872م) العارف والفيلسوف المعروف في القرن 13ه‍ والذي مازالت آثاره مثل أسرار الحكم وشرح المنظومة متداولة في أوساط تدريس الفلسفة ومن أهم الكتب الدراسية فیها، حيث كان يتصل بحلقة ملا علي النوري القيّمة عن طريق ملا محمد إسماعيل الأصفهاني وتسْرف أيضاً لبضع سنوات بالتتلمذ علی ملا علي النوري. كما كان ملا هادي يميل بشدة إلى التصوف وكتب شرحاً على المثنوي للمولوي وكان هو ینظم الأشعار العرفانية بلقب «أسرار» الشعري كما عمل كملا علي النوري على إحياء فلسفة ملا صدرا ولم يضف ملاحظة من عنده على الإيضاحات التي قدمها حوله، سوى في موضع، أو موضعین جزئيين. 
وفي القرن 13ه‍ / 19م وباختيار طهران عاصمة للسلالة القاجارية أصبحت هذه المدينة تدريجياً مركزاً للفلسفة وظهرت مدرسة طهران. رغم أن النشاطات الفلسفية كانت ماتزال قائمة إلى حدما في خراسان وشيراز وأصفهان نفسها. وقد دعي ملا عبد الله الزنوزي إلى طهران وأقام مع ابنه مـلا علـي الـزنـوزي (تـ 1307ه‍ / 1890م) فـي دار الخلافة. وبقي تلميذ ملا عبد الله، جهانگير خان القشقائـي (تـ 1328ه‍ / 1910م) في أصفهان واستمرت الأنشطة الفلسفية في تلك المدينة إلى حد ما على يده، وتواصلت حتى العصر الحديث بحضور شخصيات مثل ميرزا رحيم أرباب؛ ولكن إقامة ملا عبد الله في طهران نقلت مركز الثقل إلى هذه المدينة. وقد كان ملا علي الزنوزي أبرز فيلسوف صدرائي في ذلك العصر وصاحب كتاب بدائع الحكم والتعليقات المفصلة على الأسفار، فيلسوفاً مبدعاً ومتبکراً ولعلنا نستطيع اعتباره رائد الفلاسفة في ذلك العصر من حيـث الإبـداع الفلسفي. وقد كان هو وآقا محمدرضا القُمشئـي (تـ 1306ه‍ /  1889م) ــ الذي كان من تلامذة سيد رضي اللاريجاني وأكبر أساتذة العرفان النظري في عصره والذي کان له شرح مهم علی تمهید القواعد ــ وميرزا أبو الحسن جلـوه (تـ 1314ه‍ / 1896م) ــ شارح آثار ابن سينا والذي كان مشائیاً ــ يمثلون التیارات الفلسفیة الثلاثة المهمة: الحكمة المتعالية وعرفان ابن عربي وحكمة أبي علي في طهران كما خرّجوا تلامذة كثيرين يتصلون بواسطتين بأساتذة الفلسفة الكبار في العصر الأخير مثل ميرزا مهدي الآشتياني وميرزا أحمد الآشتياني وميرزا طاهر التنكابني ومحمد كاظم العصار وأبي الحسن الرفيعي القزويني ومحمد حسين الطباطبائي. 
5. منذ نهاية العصر القاجاري وحتى اليوم عملت الفلسفة في إيران إلى حد كبير على إحياء أساسها التقليدي من جهة والتصدي للمشاكل الناجمة عن مواجهة الفلسفات الغربية من جهة أخرى. منذ ترجمة كتاب گفتار در روش دکارت (مقالة في الأسلوب لديكارت) إلى اللغة الفارسية في العصر القاجاري وحتى اليوم فقد ترجمت آثار كثيرة للفلاسفة الغربيين إلى الفارسية، وقد انجذبت مجموعة من الإيرانيين إلى المدارس الفلسفية الغربية. ومن جهة أخرى، فقد استمر في العصر الأخير تدريس الفلسفة الإسلامية وازداد ازدهـاره بهمة أساتـذة الحكمة الكبـار فـي هـذا العصـر ــ مثل محمد كاظم عصـار، رفيعي القزويني، أبي الحسن الشعراني وأخيراً محمدحسين الطباطبائي الذي أحيا الفلسفة في الحوزة العلمية بقم. وفي هذه الأثناء، سارع البعض مستندين إلى الفكر الفلسفي الإسلامي إلى مواجهة الفلسفات المتشكّكة والمادية والعبثية الغربية وسعوا لأن يفتحوا باباً جديداً في الفلسفة الإسلامية في مواجهة  الفكر الغربي. ومن بين الفلاسفة التقليديين كان للطباطبائي في كتاب أصول فلسفة وروش رئالیسم وكذلك مرتضى المطهري في بعض آثاره ومهدي الحائري اليزدي في هرم هستي وعلم حضوري دور بارز في هذا المجال. ومن جهة أخرى، فقد سعت مجموعة من المفكرين الإيرانيين الذين كانوا قد تعلموا الفلسفة في كل من المدارس الفلسفية التقليدية في إيران والغرب، إلی أن يخطوا خطوات مؤثرة في هذا الطريق. 
ويمكن اعتبار إيران المركز الرئيس للفلسفة الإسلامية حتى الآن، فقد شهدت السنوات الأخيرة إقبالاً متزايداً بين مجموعة من الجامعيين وكذلك في الحوزات العلمية على الفلسفة الإسلامية والفلسفة المقارنة وكذلك تقویم الفلسفات الغربية من منظار الفلسفة الإسلامية. وبالطبع فقد مالت مجموعة أصغر لايعتبر عدد أفرادها كبيراً، إلى بعض الفلسفات الغربية؛ ولكن الجهود التي بذلت في العقود الماضية أصبحت الآن تتكلل بالنجاح بشكل عام وأخذ الميل إلى إشاعة الفلسفة والعلوم العقلية يتزايد من جديد في إيران. وهذا الوضع من شأنه أن يؤثر على سائر البلدان الإسلامية والهند وكذلك الغرب، ويتواصل السعي في البلدان الأخرى أيضاً للتعريف بالفلسفة التقليدية الإيرانية وخاصة فلسفة ملا صدرا، الذي بدأ في إيران في الأربعينات والخمسينات من القرن 14ش. 

المصادر

   الآشتياني، جلال الدين، مقدمة الشواهد الربوبية لصدر الدين الشيرازي، مشهد، 1346ش؛ م.ن، مقدمه منتخباتي أز آثار حكماي إلهي إيران، طهران، 1351-1357ش؛ نصر، سيد حسين، معارف إسلامي در جهان معاصر، طهران، 1353ش؛ وأيضاً:  

Badawi, A., Histoire de la Philosophie en lslam, Paris, 1972; Browne, E.G., A Literary History of Persia, Cambridge, 1924; id, A Year Amongst the Persians, London, 1950; Corbin, H., Histoire de la Philosophie islamique, Paris, 1964; id, introd. Anthologie des Philosophes iraniens, (vide: PB, Ashtyani); id, »La Philosophie islamique depuis la mortd’Averroës Jusqu’à nos jours«, Encyclopédie de la Pléiade, Paris, 1974, vol. III; Fakhri, M., A History of Islamic Philosophy, New York, 1983; Gobineau, Les Religions et les Philosophies dans l’Asie Centrale, Paris, 1923; Gutas, D., Greek Thought Arabic Culture, London, 1998; History of Islamic Philosophy, ed. S.H. Nasr and O. Leaman, London, 1995; A History of Muslim Philosophy, ed. M. M. Sharif, Wiesbaden, 1963; Horton, M., Die Philosophie des Islam, München, 1924; Iqbal, M., The Development of Metaphysical Thought in Persia, Lahore, 1954; Kraemer, J. L., Humanism in the Renaissance of Islam, Leiden, 1992; Nasr, S. H., Three Muslim Sages, Cambridge, 1964. 
حسين نصر / د.


IX. الكلام والفرق 

بدأ علم الكلام في العالم الإسلامي بشكل عام وفي إيران بشكل خاص في ظروف خاصة وباعتباره يمثل حاجة، ثم انتظم وتكامل. وفي هذه المقالة سيتم بحث تاريخ علم الكلام والفرق في نطاق الثقافة الإيرانية. مع الأخذ بنظر الاعتبار استقلال إيران السياسي منذ 206ه‍ / 821م يمكن بحث المواضيع ذات العلاقة في عصرين:  


العصر الأول (حتى 206ه‍)

  منذ انهيار الدولة الساسانية في 21 أو22ه‍ وحتى بدء الاستقلال السياسي لإیران أي 206ه‍ ، كانت الثقافـة الإيرانية حية وفاعلـة، وتمارس تأثيرهـا رغم أن إيـران لم تكن تتمتع بحكومة مستقلة. وكان الكثير من علماء الکلام  الذين كانوا يكتبون آثارهم بالعربية حتى النصف الثاني من القرن 4ه‍ / 10م وما تلاه يعيشون في رقعة حکم الإمبراطورية الساسانية القديمة وكانوا يخضعون لتأثير السنن العقلية الشائعة في إيران الساسانية (فان إس، ده). ويمكن البحث عن هذه السنن العقلية، مع أسلـوب تحليل المسائل الكلامية ــ الذي كان متداولاً في علم الكلام لدى الديانة الزرادشتية ــ في آثار مثل دينكرت وبندهشن، وشكندگمانيك ويچار (محقق، 13). ويؤيد تشبيه المعتزلة بالمجوس من ناحية إسناد أفعال الشر إلى الإنسان، وأفعال الخير إلى الله، من قبل الأشعري في الإبانة (ص 13-14) حضور الثقافة الإيرانية ونفوذها وتأثيرها على الكلام المعتزلي. ويتحدث ابن حوقل في صورة الأرض عن محاورات عـوام خوزستان ــ مثل سائر البلاد ــ حول مسائل علم الكلام (ص 230)، ويتحدث ابن خلدون في مقدمته تحت عنوان «حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم» عن دور الثقافة الإيرانية والعلماء الإيرانيين في الثقافة الإسلامية ويصرح أنه «من القریب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامیة أکثرهم العجم لامن العلوم الشرعیة ولا من العلوم العقلیة إلا في القلیل النادر، وإن کل منهم العربي في نسبته فهو عجمي في لغته ومرباه ومشیخته». ومن الواجب الالتفات إلى هذه الملاحظة المهمة للغایة وهي أن طیسفون كانت في العصر الساساني قاعدة إيران، والعراق هي المحافظة الوسطى من هذا البلد وكانت تسمى بـ «دل إيران شهر» (ابن خرداذبه، 5؛ محمدي، 1 /  8). وقد برزت بغداد والكوفة والبصرة من هذه المحافظة کمواقع لحضور الثقافة الإيرانية وسيادتها، وانبثق مذهب المعتزلة الكلامي وكذلك مذهب الأشاعرة الكلامي من البصرة. 
ویبدو أن اللغة الفارسية كانت شائعة بين متكلمي العراق، أمثال النظام المعتزلي (الجاحظ، 3 / 451) وموسی بن سیار الأسواري، (القاضي عبد الجبار، 271؛ ظ: محمدي، 1 / 26-27). 
ومن الواضح أن شيوع اللغة الفارسية في العراق ــ الذي كان موطن علم الكلام ــ يشير إلى حضور الفكر الإيراني في هذا البلد وتأثيره على الأفكار الكلامية وهو نفس تأثير التقليد العقلي الشائع في إيران الساسانية والذي تحدثنا عنه سابقاً استناداً إلى قـول فان أس. ويشمل هـذا العصر عهدين: الف ‌‌ـ عصر معـاداة إيران، ب‌ ـ عصر النزعة الإيرانية. 
أ‌‌ ـ عصر معاداة إيران:  يعـد العصـر الأموي (40-132ه‍ /  660-750م) عصر معاداة إيران. ففي هذا العصر لقي الایرانیون أنواع الاضطهاد والتحقير (زرين كوب، 413) وبرزت اتجاهات ضد الثقافة الإيرانية ولغتها (م.ن، 446-449) وانضم الإيرانيون إلى الحركات المناهضة للأمويين (اليعقوبي، 2 / 343-344؛ إقبال، تاريخ ... ، 85-86، همائي، 6-7). 
ومن الناحية الكلامية كانت هناك 3 قضایا مهمة كانت قد طرحت منذ عهد الصحابة، خضعت للبحث واكتسبت أهمية خاصة: الإيمان ومسألة مرتكب الكبائر وصفات الله وذاته والجبر والاختيار. وما هو مهم في البحث الأخير، أن تياراً مناهضاً للتسلط الأموي ظهر تحت عنوان «القدريّة» بزعامة معبد الجُهَني. وكان قد تعلم نظريته من إيراني يدعى سَنبويه وكان يتحدث عن حرية الإرادة والقدرة واختيار الإنسان. وقد أدى هذا الرأي الذي لم يكن طبعاً يتوافق مع النزعة السلطوية الجبرية للأمويين، إلى مقتل معبد (80ه‍ /  699م). وتابع هذه النظرية غيلان الدمشقي والجعد بن درهم ــ اللذان قتلا كلاهما ــ وكـذلك يونس الأسواري. وقد تبرأ أصحاب الحديث وبالتالي المتكلمون والمحدثون المؤيدون للسلطة الأموية، من القدرية وأفتوا بعدم جواز إلقاء التحية على القدرية، والصلاة على موتاهم، وعيادة مرضاهم (البغدادي، 18-19، 114-115؛ الجرجاني، شرح ... ، 8 / 377- 378، التعريفات، مادة قدر؛ إقبال، خاندان ... ، 32-33). وأصبحت هذه النظرية أساس فكرة المعتزلة، في مسألة التفويض (ظ: مانكديم، 323، 332، 336؛ اللاهيجي، عبد الرزاق، 224-225). ثانياً ظهر تيار ينـزع إلى السلطة بعنوان «الجبرية»، ولأنه كان يمنع الناس من الحركة والسعي، فقد كان يؤيـد بشكـل مـا السلطـة الأموية المطلقـة (ظ:  الشهرستاني، 1 / 87؛ الجرجاني، ن.م، مادة جبر، أيضاً الجبرية، شـرح، 8 /  398- 399؛ كستلي، 115). ثالثاً بما إنّ هناك حديثاً اعتبر القدرية «مجوس هذه الأمة»، فقد اكتسب القَدَر معاني متناقضة هما: الجبر والتفويض. فكان أتباع كل نظریة ينسبون الفریق الآخر إلى القدر بتفسير مناسب لهدفهم كي لا يعتبروا مجوس الأمة الإسلامية (ظ: الأشعري، اللمع، 52-53؛ نصير الدين، 4-6؛ اللاهيجي، محمد، 428-429). وکان ذلک یدل بجملتها على حضور الثقافة الإيرانية ونفوذها في عصر معاداة الأمویین لإیران. 
ب‌‌ ـ عصر النزعة الإيرانية:  يعد العصر العباسي (132-656ه‍ /  750- 1258م) عصر النـزعة الإيرانية. إذ اعتلی العباسیون عرش الخلافة معتمدین علی الإیرانیین (ظ: اليعقوبي، 2 / 342 ومابعدها). ومنذ ذلك الحين تهيأت أرضية الحضور السياسي والثقافي للإيرانيين. وفي هذا العصر، ظهرت حركة الإيرانيين في شكلين مؤيد ومعارض: وکانت الجهود الثقافية للأسر الإيرانية مثل آل برمك وآل سهل وآل نوبخت والدور الثقافي البناء لعلماء مثل ابن المقفع ومن لقي مصرعه بتهمة الزندقة ذات أهمیة بالغة ويمكن ملاحظة لائحة من أسمائهم في بعض المصادر (ظ: ابن النديم، 401؛ الجاحظ، 4 / 447- 448). 
ويحظى دور الأسرة النوبختية التي قدمت في هذا العصر خدمات جليلة في طريق نشر علم الكلام الشيعي، بأهمية بالغة (إقبال، ن.م، 5، 7- 8) ولمع نجم عدد منهم في علم الکلام وأصبحوا من كبار علماء الإمامية (ن.م، 8 ، أيضاً الفصول 11-14). وأقدم كتاب  کلامي تبقى من الشيعة الإمامية، هو كتاب الياقوت من تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن نوبخت (النصف الأول من القرن 4ه‍ ، ظ: ن.م، الفصل 8). 
وفضلاً عن الحركات العسكرية، استمرت بجدية الحركة الثقافية ـ القومية الشعوبية التي كانت قد بدأت من قبل، في هذا العصـر متمثلة في التيارات المختلفـة وبأهداف ثقافية ـ قـومية متنوعة (زرين كوب، 452-456، 477-484). وفيما عدا التحركات المناهضة للإسلام داخل هذه الحركة التي كانت محكومة بالفشل، فقد ظهرت حركتان معاديتان للعرب، ولكن في ظل الإسلام وبقبوله، على يد مؤيدي هذه الحركة، حيث حالفها النجاح (همائي، 99-101): إحداها، السعي للنفوذ في جهاز الحكم بهدف تحقيق استقلال إيران (ظ: إقبال، تاريخ، 92-94، 110؛ زرين كوب، الفصل 7)؛ والثانية، البحث عن الحقيقة الدينية وقد تجلت في هيئة الفرق الدينية وبررها مؤلفـو كتب الملل والنحل بحديث التفرقة (ظ: الشهرستاني، 1 / 13)؛ وهي الحركة التي كانت تعتبر حركة ثقافية من المنظار الفكري‌‌ ـ الفسلفي وكـان يتولى زعامتها ــ في الغالب ــ المفکرون المسلمون الإيرانيون. وكانت حصيلة هذه الحركة بغض النظر عن ظهور الفرق المختلفة، ظهور الفرق الكلامية المهمة التي هي موضوع البحث في هذه المقالة. وهذه الفرق هي المعتزلة والأشاعرة الماتريدية والشيعة (الزيدية، الإسماعيلية والإمامية، أو الاثنا عشرية).


العصر الثاني (من 206ه‍ ومابعدها)

  تعد سنة 206ه‍ سنة استقلال إيران. فهذه السنة والسنوات التي تلتها تمثل ذروة الازدهار الثقافي وعصر سيادة النـزعة العقليـة للمعتزلـة في بغداد. استمر هذا العصر حتى نهاية خلافة المعتصم (218-227ه‍ / 833-842م) ليبدأ بعده عصر التهرب من العقل ومحاربته والتقهقر والعودة إلى النـزعة الظاهرية وهيأ الأرضية للتوبة الأشعرية عن العقل والنـزعة العقلية في 300ه‍ / 913م، ولكن الأمور كانت على شاكلة أخرى في إيران. فبعد قرنين من السكون السياسي في الظاهر والنشاط والحركة والازدهار الثقافي في الواقع (محمدي، 1 / 33-34)، كانت إيران تبدأ في الظهور وتعد نفسها لعصر ثقافتها الذهبي. وظل ظهور الأسر الإيرانية الحاكمة یمهد الطریق لنمو اللغة والأدب والثقافة في إيران الإسلامية. ويعد دور البويهيين (ن.ع) السياسي والثقافـي والديني دوراً مهماً وبناء يجب عدم إغفاله. (ظ: فراي، عصر ... ، الفصل 10، ميراث ... ، 400-405). ودخلت إیران الإسلامیة عصرها الذهبي الجدید (القرنین 3و4ه‍ / 9و10م) بعد أن قطعت شوطاً کبیراً في مجال الثقافة والحضارة لتبلغ ذروة الکمال (5و6ه‍ / 11و12م) ثم أخذت تتدهور لأسباب داخلیة عدة حتی دخلت عصر الانحطاط إثر الغزو المغولي وعلي هذا، يمكن تقسيم مسيرة الأفكار الكلامية في إيران إلى عصرين، ودراسة كل عصر في قسم مستقل: 
القسم الأول ـ من الاستقلال حتى هجوم المغول: (206-616ه‍ / 821- 1219م): يعتبر هـذا العصر ــ الذي استمر 4 قرون ــ أهم وأبرز عصور تاريخ إيران بعد الإسلام، أو تاريخ إيران الإسلامية، من الناحيتين السياسية من جهة، والثقافية والعلمية من جهة أخرى. ويمكن تقسيم هذا العصر بدوره من ناحية الحركة الثقافية إلى عصرين: 
1. عصر التجدید والعصر الذهبـي:  يمثل هذا العصـر ــ الذي يضم القرنيـن 3و4ه‍ / 9و10م ــ العصر الذهبـي وعصر التجدید والنهضة الثقافیة الإيرانية بعد الإسلام. ففي هذا العصر آتت المساعي والجهود المبذولة في القرنين الأولين ثمارها أصبحت البلاد مستعدة لتجديد حياة أخرى (ن.م، 400). وهكذا نالت إيران استقلالها وبشكل عام، اكتسبت جميع العلوم النقلية والعقلية واستقلالها على أثر انتقال الثقافة والعلوم الإيرانية من العصر الساساني إلى العصر الإسلامي وكذلك على أثر حركة ترجمة الآثار الفلسفية اليونانية. وفي هذه الأثناء، وجد علم الكلام في أرجاء إيران المستقلة طريقه نحو التوسع والكمال. ومن أبرز خصائص هذا العصر الحرية الفكرية وسيادة نوع من التساهل والتسامح، ولذلك، ظهرت في هذا العصر الأفكار المتنوعة والمذاهب الفكرية والفرق المختلفة.
2. عصر الانتشار والإکمال:  كان القرنان 5و6ه‍ / 11و12م يمثلان عصراً يحمل خصوصيتين إيجابية وسلبية: وقد كانت خصوصيته الإيجابية تتمثل في أن العلوم التي ظهرت في عصر التجدید والنهضة اتسعت واكتملت فی المجالات المختلفة، وأما خصوصيته السلبية فتمثلت في أن النظرات الضيقة والمتشددة أخذت شيئاً فشيئاً تحل محل الحرية الفكرية والتساهل والتسامح (ظ: كليلة ... ، 48). وكانت حصيلة مثل هذه الرؤية في نهایة المطاف أن وُظف العلم والفلسفة لخدمة معتقدات خاصة وتوقف تورهما ونموهما (غني، 483). 
ظهور المذاهب الكلامية:  ظهرت بشکل عام 4 مذاهب کلامیة بارزة وتطورت في أنحاء إيران الثقافية ثم في إيران المستقلة خلال القرون 2-6ه‍ / 8-12م، وهي: 
ألف‌ ـ المعتزلة: ظهرت هذه الفرقة ضمن الرقعة الثقافیة لإيران، أي البصرة. وقد دُعي علماء المعتزلة بأصحاب النزعة العقلية في العالم الإسلامي. ونحن نلاحظ أن الأفكار ذات النزعة العقلية للمعتزلة خضعت لتأثير عاملين: أحدهما النزعة العقلية اليونانية، والآخر التراث العقلي الإيراني. وقد كان الحسن البصري، أستاذ واصل بن عطاء، إيراني الأصل (محمدي، 1 / 23-24). ويعد أول متكلم بذل الجهود في هذا المجال للدعوة إلى الإسلام، وفي طريق التعريف بالأصول والأسس الكلامية وأصول العقائد الإسلامية (م.ن، 1 / 32). كما كان زعماء المعتزلة، أي واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وأبو الهذيل العلاف (ن.ع) منحدرین من أصول إیرانیة. وقد بلغ المعتزلة ذروة قوتهم في عصور المأمـون (حك‍  198-  218ه‍ / 814-833م) والمعتصـم (حك‍  218-227ه‍(  والـواثـق (حك‍ 227-232ه‍ / 842-847م) وكانت أفكارهم تمثل الأفكار الرسمية للخلافة. وبعد هذا العصر، بدأ أفول المعتزلة وتعرضوا للمطاردة منذ عهد المتوكل (حك‍ 232-247ه‍ / 847-861م) وأزیلت آثارهم. وهكذا، تهيأت أرضية زوال علم الكلام (على أسلوب المعتزلة)، لتظهر الحركة الأشعرية وتحول دون هذا الزوال. ومن جهة أخرى، أدت الحرية النسبية، والتساهل والتسامح في الفکر الإیراني السالف الذکر إلى أن يجدد المعتزلة حياتهم داخل إيران وتظهر شخصيات كبيرة في أوساطهم ومنهم القاضي عبد الجبار الهمداني الذي كان أشعرياً في البدء ثم مال إلى الاعتزال (ابن المرتضى، 112-113) ونال حظوة لدی الصاحب بن عبّاد (326-385ه‍ /  938-995م)، وزير البويهيين الشيعي الراعي للعلم. وفي 360ه‍ / 971م دعي إلى الري للتدريس (محقق، 24). وكان ظاهرة استثنائية مهمة في خضم منازعات الأشاعرة في مجال علم الكلام (فخري 81). ومن کبار المعتزلة خلال هذه الفترة أبو محمد عبد الله عباس الرامهرمزي من أصحاب أبي علي الجبائـي (ابن المرتضى، 99)، وأبو رشيد النيشابوري (ن.ع) من أصحاب القاضي عبد الجبار وخليفته في زعامة المعتزلة (م.ن، 116). وأخيـراً محمـود بـن عمـر الخـوارزمـي الـزمخشري (تـ 538ه‍ / 1143م) وصاحب تفسير الكشاف المعروف (ظ: ابن خلكان، 5 /  168) وابن الملاحمي الخوارزمي (تـ 536ه‍(. 
كانت خوارزم من جملة المراكز المهمة للمعتزلة في إيران، حيث كانت تدور النقاشات الاعتقادیة في مساجدها ومدارسها وحتى في أزقتها وأسواقها بعيداً عن النظرات الضيقة (دادبه، فخررازي، 24). وقد أمضى فخر الدين الرازي حسب مايقول 3 سنـوات من عمره هناک (ص2) وشارك في هذه النقاشات بحرية وبشكـل فاعل (دادبه، ن.م،25). 
ب‌ ـ الأشاعرة:  تأسس هذا المذهب في بداية القرن 4ه‍ / 10م، على يد أبي الحسن الأشعري (تـ 324ه‍ / 936م) في مقابل مذهب المعتزلة. ففي 300ه‍ / 913م، وهو بداية العصر الذهبي للثقافة الإيرانية، وإنه على أثر مجادلة مع أستاذه الجبائي (ظ: التفتازاني، 54-55)، تاب عن الاعتزال معلناً رأیه المبني علی تأیید معتقدات أهل السنة (ابن خلكان، 3 / 285)؛ ابن کثير، 11 / 187) وبذلك، كانت الحركة التي بدأت منذ عصر الخلیفة الواثق، ظهرت على شكل مذهب عقائدي. وأشهر تلامذة الأشعري (أو بالأحرى أتباعه) ــ والذين كان لهم دور أساسي فـي مسیرة مذهبه وتطویره ونشـره ــ هـم القاضي أبو بكـر الباقلانـي (تـ 403ه‍ / 1012م) وعبد القاهـر البغدادي (429ه‍ /  1038م) وأبـو المظفـر الأسفرايني (تـ 471ه‍ /  1078م) وإمام الحرميـن الجويني (تـ 478ه‍ / 1085م) والإمام محمد الغزالـي (تـ 505ه‍ /  1111م)، وأخيراً فخر الدين الرازي (تـ 606ه‍ /  1209م). 
التهرب من المنطق والنـزعة المنطقية:  يمكن تحديد تيارين في المذهب الأشعري منذ ظهور الأشعري وحتى عصر فخر الدين الرازي: هما: التيار المتهرب من المنطق والمحارب للعقل، والتيار النازع إلى المنطق والمختار للعقل. بدأ التيار الأول بظهور الأشعري، وانتظم على يد الباقلاني وبلغ ذروته بالجويني. وقد اتخذ هذا التيار من تنقية الإسلام من العناصر غير الإسلامية وهي حصيلة النـزعة العقلية للمعتزلة، هدفاً له. وكان مؤيدو هذا التيار يواجهون المنطق كالفلسفة ويعتبرون الاستناد إلى النقل (السنة) الأسلوب الأوحد للوصول إلى الحقيقة والفلاح. وظهر التيار الثاني بزعامة الغزالي، واستمر على يد الشهرستاني وبلغ ذروته بواسطة فخر الدين الرازي. وخلال ذلك، أصبح المنطق في خدمة الدين واستخدمت الاستدلالات المنطقيـة‌ ـ العقلية في تبرير المسائل الكلامية‌ ـ الدينية وكذلك في نقد المسائل الفلسفية والرد عليها. وقد عبر ابن خلدون عن التيار الأول بطريقة المتقدمين، وعن التيار الثاني بطريقة المتأخرين (3 / 1182).

 

الصفحة 1 من62

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: