الصفحة الرئیسیة / المقالات / ایران /

فهرس الموضوعات

وشهد القرن 4ه‍ / 10م ظهور أبرز وجوه فن الخط في العالم الإسلامي، ألا وهو ابن مقلة الفارسي. وقد كان آباؤه من أهالي مدينة بيضا بفارس فيما ولد هو في بغداد في 772ه‍ / 886م. ورغم أنه أصبح من رجال السياسة المعروفين في عصره وتولى الوزارة 3 مرات في عصر الخلفاء العباسيين وكان يعتبر من مبرزي عصره في الفقه والتفسير والترسل والأدب، إلا أن شهرته تعود بالدرجة الأولى إلى فن الخط. ويجب اعتباره مؤسس فن الخط واضع قوانين هذا الفن وقواعده والتي تعتبر من مظاهر الثقافة الإسلامية. وقد حول ابن مقلة مقياس كتابة الحروف من الأسلوب الجمالي وفرض الذوق الفردي إلى الكتابة على أساس الأصول الهندسية الثابتة والمدونة (ظ: م.ن، 90-107). 
وقد كان مقياس ابن مقلة في الكتابة يتمثل في مراعاة المقاييس الهندسية لإقامة كل حرف على قاعدة الدور والسطح. وعلى سبيل المثال فإن ارتفاع الألف كان يشكل قطر دائرة وكان قياس الدور والسطح في كلّ حرف، أو كلّ قسم من الحرف يعين على أساس النقاط (بياني، «خط» 762). وقد اعتبر ابن مقلة واضع «الأقلام الستة»، أي المحقَّق، الريحان، الثلث، النسخ، التوقيع والرقاع. ويعتبر مصيره المؤلم من أكثر أحداث تاريخ حكم العباسيين والخلفاء العرب الآخرين إثارة للعبر والدروس، حيث أمر الخلفاء العباسيون بقطع يديه ولسانه وسمل عينيه وقتله أخيراً في 328ه‍ / 940م. وقد كان والده، اخوته وأبناؤه خطاطين أيضاً (ظ: م.ن، أحوال ... ، 4 / 1016؛ ن.د، 4 / 135 ومابعدها). 
ويتضح دور الإيرانيين بشكل ملفت للنظر خلال دراسة مسيرة تطور الخطوط الإسلامية وأساليب الخط. عند تطرقه للأقلام التي كانت يكتب بها القرآن الكريم في عصره، یذکر ابن الندیم أقلاماً مثل الأصفهاني وفيرآموز (پيرآموز) كانت خاصة بالإيرانيين، وقد استخرجت منها أقلام أخرى خاصة بهم هم أنفسهم في كتابة القرآن (ص 9). 
انتشر مذهب خط ابن مقلة والأقلام التي وضعها، في جميع أرجاء العالم الإسلامي، واتبع الخطاطون المعروفون أسلوب كتابته لقرون بعـد ذلك. ويعتبر خطاطاً معروفاً مثل ابن البواب (تـ 413ه‍ /  1022م) التلميذ غير المباشر والمتبع لمذهبه. وقد ظهر في فترة بين وفاة ابن مقلة وحتى نهاية الدولة العباسية عدد كبير مـن الفنانين الخطاطين فـي إيران، ونلاحـظ بينهم الملوك، والوزراء والعلماء (ظ: إتینغهاوزن، 246؛ لينغز، 53-54). 
وکان ظهور فنان شهير أصبح اسمه خالداً في الخط، أي ياقوت المستعصمي في عهد آخر الخلفاء العباسیین، مقدمة لبلوغ فن الخط ذروة جديدة. ورغم أن ياقوت کان من أصول رومیة إلا أنه كان في فن الخط تلميذ الموسيقي المعروف، الخطاط الإيراني الكبير صفي الدين الأرموي (المنجد، 20). وهذا مايجعل دور الإيرانيين الكبير وريادتهم أمراً مسلماً به في فن الخط، خاصة وإن دراسة أسماء تلامذته المباشرين وأتباع مذهبه في جميع تراجم الخطاطين تظهر أن معظم الأساتذة من بعده كانوا إيرانيين. وقدلمعت طيلة القرن 8ه‍ / 14م أسماء أساتذة كبار مثل أحمد السهروردي، أرغون الكاملي، يوسف المشهدي، مبارك شاه القطب التبريزي، عبدالله الصيرفي، بير يحيى الجمالي الصوفي وغيرهم في مجال فن الخط الإيراني وتركوا آثاراً فریدة (ظ: بياني، ن.م، 4 / مخ‍). 
وبعد أن استبدل الإيرانيون الخط العربي بالخط البهلوي أحدثوا فيه تدريجياً بعض التغييرات. ويرى الباحثون أن تأثير أسلوب كتابة الخطوط في إیران قبل الإسلام (بياني، «خط» 765) في الخط العربي أدى إلى ظهور أقلام مثل قلم التعليق في القرن 5ه‍ / 11م. وقد انتشر هذا القلم نفسه عبر التطورات اللاحقة والامتزاج بقلم النسخ، على شكل قلم النستعليق. وقد اعتبر الباحثون مير علي التبريزي واضعاً لقلم النستعليق، حيث عاش في نهاية القرن 8 وبداية القرن 9ه‍. ولكن الأسلم والأدق أن نعتبره واضع قواعد الخط لهذا القلم لأن هناك آثاراً كتبت قبله بأسلوب قلم النستعليق. ويتمتع النستعليق لدى الإيرانيين الذين كانوا هم مبتکروه ومبدعوه بجمالية خاصة بسبب مراعاة المبادئ والقواعد وتميّـزه بالتناسب، حتـى عرف بـ «عروس الخطوط الإسلامية» (بياني، ن.م، 767) وقد عمد عدد كبير من الخطاطين منذ بداية ظهوره وحتى الآن، إلى الكتابة بهذا القلم. ومن المتقدمين نذکر سلطان علي المشهدي، شاه محمد النيشابوري، مير علي الهروي، بابا شاه الأصفهاني ومئات الخطاطين بهذا القلم، ولكن أشهرهم کان مير عماد سيفي الحسني القزويني (مق‍ : 1024ه‍ / 1615م) الذي احتل مکانة مرموقة في الكتابة بالنستعليق، مستعصية على الآخرين. ولا يوجد بين شعوب العالم شعب کالإیرانیین استخدم فـن الخط كعنصر جمالي فـي زخرفة المباني والأشياء والآثار (ظ: حسن، 63-66؛ پوپ، «الخط»، 1738-1739). 

المصادر

   ابن خلدون، المقدمة، بيروت، 1996م؛ ابن النديم، الفهرست؛ الإصطخري، مسالك وممالك، تج‍ : محمد بن أسعد التستري، تق‍ : إيرج أفشار، طهـران، 1373ش؛ إيرانـي، عبد المحمد، پيدايش خط وخطاطان، القاهرة، 1345ه‍ ؛ بياني، مهدي، أحوال وآثار خوشنويسان، طهران، 1363ش؛ م.ن، «خط»، إيرانشهر، طهران، 1342ش، ج 1؛ م.ن، فهرست ناتمام تعدادي أز كتب كتابخانه سلطنتي، طهران؛ پوپ، أرتور آپهام، شاهكارهاي  هنر إيران، اقتباس وترجمة پرويز خانلري، طهران، 1338ش؛ پيرنيا، محمد كريم، شيوه‌هاي معماري إيران، طهران، 1369ش؛ م.ن، «مساجد»، معماري إيران، تق‍ : محمد يوسف كياني، طهران، 1366ش؛ الحاكم النيسابوري، محمد، تاريخ نيسابور، تج‍ : محمد بن الحسين خليفة النيسابوري، تق‍ : محمد رضا شفيعي كـدكني، طهران، 1375ش؛ حسن، زكي محمـد، الفنون الإيرانية في العصر الإسلامي، بيروت، 1401ه‍ ؛ حمـزة الأصفهانـي، تاريخ سني ملوك الأرض والأنبياء، برلين، 1340ه‍ ؛ خليلي، عباس، إيران بعد أز إسلام، طهران، 1335ش؛ ذكاء، يحيى، تاريخچه ساختمانهاي أرگ سلطنتي تهران، طهران، 1349ش؛ زماني، عباس، تأثير هنر ساساني در هنر إسلامي، طهران، 1355ش؛ زين الدين، ناجي، مصور الخط العربي، بيروت، 1980م؛ سهيلي خوانساري، أحمد، گلستان هنر، طهران، 1352ش؛ سيف، أحمد، اقتصاد إيران در قرن نوزدهم، طهران، 1373ش؛ شاردن، جان باتيست، سياحت‌نامه، تج‍ : محمد عباسي، طهران، 1336ش؛ الطبري، تاريخ؛ عالي، مصطفى، مناقب هنروران، إستانبول، 1926م؛ القرآن الكريم؛ كالج، ماكيوم، پارتيان، تج‍ : مسعود رجب نيا، طهران، 1355ش؛ كريمي، فاطمة ومحمد يوسف كياني، هنر سفالگري دوره إسلامي إيران، طهران، إرشاد إسلامي؛ غيرشمن، رمان، هنر إيران در دوران پارتي وساساني، تج‍ : بهرام فره‌وشي، طهران، 1350ش؛ م.ن، هنر إيران در دوران ماد و هخامنشي، تج‍ : عيسى بهنام، طهران، 1346ش؛ محمد كاظم، عالم آراي نادري، طهران، 1362ش؛ مشكوتي، نصر الله، فهرست بناهاي تاريخي وأماكن باستاني إيران، طهران، 1349ش؛ مصطفوي، محمد تقي، آثار تاريخي تهران، طهران، 1361ش؛ المقدسي، محمد، أحسن التقاسيم، بيروت، 1498ه‍ ؛ المنجد، صلاح الدين، ياقوت المستعصمي، بيروت، 1985م؛ هنرفر، لطف الله، گنجينه آثار تاريخي أصفهان، أصفهان، 1344ش؛ هوف، ديتريش، «شهرهاي ساساني»، تج‍ : محمد رحيم صراف، نظري إجمالي به شهر نشيني وشهرسازي در إيران، تق‍ : محمد يوسف كياني، طهران، 1365ش؛ ياقوت، البلدان؛ وأيضاً:. 


Allan, J., »Metalwork«, The Arts of Persia, Ahmedabad, 1990; Bennett, I., »Isfahan Strapwork Carpets«, Hali, 1988, no. 41; Blair, Sh. S. and J. M. Bloom, The Art and Architecture of Islam, London, 1994; Brend, B., »The Arts of the Book«, The Arts of Persia, Ahmedabad, 1990; Colledge, M. A. R., Parthian Art , London, 1977; Diba, L., »Lacquerwork«, The Arts of Persia, Ahmedabad, 1990; Dimand, M. S., A Handbook of Muhammadan Art¸ New York, 1958; Edwards, A. C., The Persian Carpet, London, 1975; Erdmann, K., Seven Hundred Years of Oriental Carpets, London, 1970; Ettinghausen, R. and O. Grabar, The Art and Architecture of Islam, 650-1250 , 1987; EWA; Ferrier, R. W., »Jewellery«, The Arts of Persia, Ahmedabad, 1990; Godard, A., L’Art de l’Iran, Paris, 1962; Golombek, L. and D. Wilber, The Timurid Architecture of Iran and Turan, New Jersey, 1988; Gray, B., Persian Painting, London, 1977; Grube, E. and E. Sims, »Painting«, The Arts of Persia, Ahmedabad, 1990; Hermann, G., »The Art of the Sasanians«, ibid; Hill, C., »Early Art«, ibid; Hillenbrand, R., »Architecture«, ibid; Housego, J., »Carpets«, ibid; Iranica ; James, D., Qur’ans and Bindings, World of Islam Festival Trust; Keal, E., »The Art of the Parthians«, The Arts of Persia, Ahmedabad, 1990; Lentz, Th. W. and G. D. Lowry, Princely Vision, Washington, 1989; Lings, M., The Quranic Art of Calligraphy and Illumination, World of Islam Festival Trust; Mańkowski, T., »Some Documents from Polish Sources Relating to Carpet Making in the Time of ShāhªAbbās I«, A Survey of Persian Art, Tehran, 1967, vol. VI; Mc Dowell, J. A., »Textiles«, The Arts of Persia, Ahmedabad, 1990; »News«, Hali, 1993, no. 68; Pope, A. U., »Calligraphy«, »Ceramic Art in Islamic Times«, A Survey of Persian Art, Tehran etc., 1967, vol. IV; id, »Carpet Making«, ibid, vol. VI; id, Persian Architecture, London, 1965; Roef, M., »The Art of the Achaemenians«, The Arts of Persia, Ahmedabad, 1990; Robinson, B. W., »Painting in the Post Safavid Period«, ibid; Rogers, M., »Ceramics«, ibid; Rudenko, S. I., Frozen Tombs of Siberia, London, 1970; Scarce, J., »Tilework«, The Arts of Persia, Ahmedabad, 1990; A Survey of Persian Art, ed. A. U. Pope, Tehran etc., 1967; Vanden Berghe, L., L Archéologie de l’Irān ancien, Leiden, 1959; Watson, O., Persian Lustre Ware, London, 1985; Wilber, D. N., The Architecture of Islamic Iran, The Il Khānid period, Princeton, 1955

محمد حسن سمسار / غ.

XII. العلوم والمعارف الإسلامية 


أدى الإيرانيون دوماً دوراً فاعلاً في التطورات الثقافية للعالم الإسلامي ولم تكن العلوم والمعارف الإسلامية مستنثاة من هذه الظاهرة. وبإلقاء نظرة واحدة على تاريخ علوم القرآن، والحديث والفقه یتضح أن العلماء الإيرانيين لعبوا دوراً رئیساً في تدوين هذه العلوم وتطويرها، حیث إنّ مؤلفي كتب الإمامية الأربعة وكذلك الصحاح الستة لأهل السنة في مجال الحديث انطلقوا كلهم من النطاق الثقافي الإیراني. 

نشأة المعارف الإسلامية

  تزامناً مع نفوذ الدين الإسلامي في إيران، انتشرت الأحاديث النبوية فیها على يد أوائل المحدّثین أي الصحابة، فالمصادر تحدثنا عن هجرة حوالی 50 ألفاً من أهالي الكوفة والبصرة إلى خراسان في 51ه‍ / 671م تزامناً مع ولاية ربيع بن زياد لها، وكان بينهم رجال مثل بريدة بن حصيب وأبي برزة الأسلمي من الصحابة (البلاذري، 400). وإن الوافدین من العراق والحجاز علی الأراضي الإیرانیة وإلی جانب أبناء المهاجرين الأوائل وعلى رأسهم عبد الله بن بريـدة (تـ 115ه‍ / 733م) وعلماء من التابعين مثل زيد بن وهب الجهني في آذربايجان، وعكرمة مولى ابن عباس ويحيى ابن يعمر في خراسان (ابن سعد، 5 / 214، 7(2) / 101؛ الصنعاني، 1 / 206)، أسسوا مدرسة لضبط الأحادیث النبویة ونقلها مهّدت الأرضيـة لظهور الأوساط الدينية في الشرق الإسلامي (ظ: ابن عبد البر، 108). 
منذ بدایة القرن 2ه‍ /  8م تأسست في المناطق الداخلیة من إیران مراكز ثقافية مهمة في مدن مثل الري وأصفهان وقزوين وهمدان ومن رجالها البارزين عيسى بن ماهان الرازي وجرير بن عبد الحميد الرازي (ظ: ابن سعد، 7(2) / 109-111؛ السهمي، 46 ومابعدها؛ الرافعي، 1 / 56 ومابعدها). وفي غرب إيران، يجب أن نلقي نظرة إلى الكوفة التي كانت تمثل أرضية لظهور الثقافة الإيرانية نظراً إلى خلفياتها التاريخية قبل الإسلام وكان الكثير من سكانها في العصر الإسلامي الأول من الموالي الإيرانيين. 

نظرة إلى ظاهرة التدوين

  تمثل ظاهرة التدوين تياراً بدأ في القرن 2ه‍ /  8م وقد سميت بالتدوين لظهور آثار منها تحمل اسماً عاماً هو «الديوان». وقد أطلقت كلمة الديوان الفارسية التي تمتد جذورها إلى الدواوین الحكومية الإيرانية المرتبة والمنظمة في العصر الساساني (ظ: الجواليقي، 154؛ مكنزي، 26) على بعض الآثار المتقدمة في الحديث والفقه والتي كانت تتميز بالتنظيم والترتيب (ظ: أبو زكريا، 140؛ ابن خير، 254). وهنا نتساءل عما إذا كانت كلمة الديوان ومفهومها فحسب مستمدتین من الثقافة الإيرانية؟  
واستناداً إلى أن المقصود من التدوين، عملية معقدة نسبياً في تنظيم المؤلفات، ومعالجتها بحیث لاتقید ضمن نطاق الکتابة والتسجیل فيجب القول: إن مسيرة التدوين في المصادر التقليدية بهذا المعنى تحيط بها هالة من الغموض، وإن مسيرة كتابة الحديث هي التي كانت مطروحة على الأغلب، ومادام الأمر يعود إلى نطاق التدوين، يجب القول إن أهم النماذج المتقدمة من المكتوبات المدونة والمسجلة في تاريخ الثقافة الإسلامية، سواء کانت في مجال معرفة القرآن، أم الحديث، أو الفقه، تم إنجازها في بیئة نطاق إيران الثقافية والمناطق الخاضعة لها. 
ومن بين النماذج الأولى، یمکن ذکر تفسير الضحاك بن مزاحم، حيث کانت في حیازة العلماء في النصف الأول من القرن 2ه‍ ، روايتان خراسانيتان مدونتان منه أي رواية جويبر بن سعيد البلخي ورواية نهشل بن سعيد بن وردان کما کان في منتصف القرن 2ه‍ ، الحسين بن واقد المروزي من تلامذة عبد الله بن بريدة باعتباره شخصية بارزة في الحديث في خراسان، من أوائل مؤلفي کتب التفسیر والحدیث في الشرق (ابن النديم، 37، 284). وبرز في الوقت نفسه ابن مبارك المـروزي (تـ 181ه‍ /  798م) في أوساط الحديث في خراسان لیبذل جهده في جمع وتدوین آثار قیمة في التفسیر والحدیث والفقه، بعد أن تلقی العلم من التابعين في البلدان الإسلامية، فضلاً عن کبار التابعين في خراسان مثل ربيع بن أنس (ابن سعد، 7(2) / 102 ومابعدها؛ ظ: ابن مبارك، أسانيد كتاب الزهد؛ ابن النديم، ن.ص؛ GAS,I / 95). 
أ ـ علوم القرآن: 
1. التفسير:  من خلال نظرة خاطفة إلى أولى التفاسير المدونة في القرون الثلاثة الأولى، نلحظ أن التفسير الذي وضع الختم علی عصر التفاسير الأولى في جميع أرجاء العالم الإسلامي، وفتح عصراً جديداً في التفسير، هو جامع البيان، المعروف بتفسير الطبري لمحمد بن جرير الطبري (تـ 310ه‍ / 922م)، العالم الإيراني المعروف، حيث تم تدوينه على أسلوب المحدثين . والخصوصية التي تميز هذا التفسير وجعلتها فریداً من نوعه هي شموليته من ناحیة والنظرة الاجتهادية لمؤلفه من ناحیة أخری وألقت هذه المیزة بظلالها علی مباحث الکتاب بأجمعها سواء في إطار انتقاء الروايات، أم إبداء الآراء الصريحة  وقد تواصلت هذه الحركة على يد طائفة أخرى مـن العلماء الإيرانيين مثل ابن منذر النيسابـوري (تـ 318ه‍ / 930م) وابن أبي حاتم الرازي (تـ 327ه‍ / 939م) وأبي الشيـخ الأصفهاني (تـ 369ه‍ / 979م)، وابـن مـردويـه الأصـفهـانـي (تـ 410ه‍ / 1020م) (ظ: السيوطي، طبقات ... ، 61، 91، الاتقان، 1 / 32؛ أيضاً ظ: ن. ع.ع). 
ویظهر طيلة القرنين 3و4ه‍ / 9و10م، الميل إلى تدوين تفاسير على أسلوب المحدثين بين الإمامية أيضاً، ومن نماذجها التي وصلتنا، تفسير علي بن إبراهيم القمي (ط النجف، 1386-1387ه‍) ومحمد بن مسعود العياشي (ط قم، 1380- 1381ه‍) ومن أهم مالم یصلنا تفسير الحسين بن سعيد الأهوازي الذي استند إليه على نطاق واسع، مفسرو الإمامية اللاحقون (مثلاً ظ: فرات، 3،4، 6، مخ‍). 
بلغ تـأليف آثار في التفسير، بالأسلوب الكلامي والذي كان قد ظهر منذ القرن 3ه‍ ، ذروته في القرون 4 إلى 6ه‍ بين أصحاب المذاهب المختلفة، حيث شكل قسماً مهماً من تراث إيران في مجـال التفسير. ومـن نماذج هـذا الأسلوب لـدى الإماميـة تفسيـر ابن عبدك الجرجاني (النجاشي، 382) وتفسیر أبي منصور صرام النيشابوري (الطوسي، 190) في القرن 4ه‍ ، والتفسير الكبير للشيخ الطوسي (تـ 460ه‍ / 1068م) بعنوان التبيان الذي ترک تأثیراً کبیراً علی تاريخ التفسير لدی الإمامية. وانتقالأ من الشیعة إلی سائر المذاهب يجب أن نذكر من بين النماذج المعتزلية تفسير القاضي عبد الجبار الهمداني (تـ 415ه‍ / 1024م) والتفسير الكبيـر لأبي مسلم الأصفهاني (تـ 459ه‍( والتفسير الكبير لأبـي يوسف القزوينـي (تـ 488ه‍ / 1095م) (السيوطي، طبقات، 59، 67، 98). ولدی أوساط الأشاعرة يمكن ذكـر آثار مثـل التفسير الكبيـر لعبـد الله بـن يوسف الجوينـي (تـ 438ه‍ / 1046م) (ن.م، 56-57) والتفسير الكبير لفخر الدين الـرازي (تـ 606ه‍ /  1209م) (ط القاهرة، المطبعة البهية)، حيث يعتبر أغنی التفاسیر وأکثرها رواجاً في الأوساط التفسيرية لأهل السنة. 
في مجال مناهج التألیف عند المفسرین يجب ذكر التفاسير العرفانية، حيـث کان سهل بن عبد اللـه التستري (تـ 283ه‍ / 896م) بتفسيره المختصر مـن روادها (ط القاهرة، 1326ه‍(. وفي الأجيال التالية، كان الشعور يسود بوجود أرضية مناسبة لتأليف التفاسير الدرائية العرفانية في عصر شيوع التفاسير الدرائية بالأسلوب الكلامي، وقد كانت حلقة الوصل في هذا المجال، كتاب حقائق التفسير لأبـي عبد الرحمن السلمي (تـ 412ه‍ / 1021م)، المتصوف النيسابوري، والذي حظي بإقبال واسع في جميع أرجاء العالم الإسلامي في الأوسـاط الصوفية (ظ: GAS,I / 671-672 : مخطوطاته). وقد تواصلت هذه الحركة بعد أبي عبد الرحمن بشكل مستمر، ومن نماذجها المتأخرة لطائف الإشارات لأبي القاسم القشيري (تـ 465ه‍ / 1073م) (ط القاهرة، 1981م) والتفسير البالـغ الأهميـة للخواجـه عبد اللـه الأنصـاري (تـ 481ه‍ / 1088م)، الذي ترك تأثيراً عميقاً على أحد أهم التفاسیر الصوفیة وهو تفسير كشف الأسرار لرشيد الدين الميبدي. 
تزامناً مع ظهور التفاسیر الدرائية بمختلف أنواعها، ظهر منذ القرن 4ه‍ ، فـي إيران أسلوب فـي التفسير الدرائـي‌ ـ الروائي، یقـوم علی الوعظ وکان یوجه خطابه نحو الوعاظ، وعموم المهتمین بالاطلاع على المعارف الدينية على نطاق أوسع، لأن یقدم مباحث ومواضیع قرآنیة شاملة وقابلة للفهم لعامّة الناس دون الخوض في معمعة أساليب المحدّثين المتشددة في إسناد الأخبار، أو البحوث الكلامية، أو العرفانية والصوفیة المعمقة. ومن خصائص هذه التفاسير، تناولها للقصص القرآنية بشكل موسع. ومن أمثلتها آثار مثل تفسير أبي ليث السمرقندي (تـ 373ه‍ / 983م) (ط بغداد، 1405-1406ه‍( والكشف والبيان للثعلبي النيسابـوري (تـ 421ه‍ / 1030م) (GAL,I / 429: مخطوطاته). والتفاسير الثلاثة المعروفة بالبسيط والوسیطی والوجيز للواحدي النيسابوري (تـ 468ه‍ / 1076م) (السيوطي، ن.م، 78-79). 
لقد ازدهـر أسلوب التفسير الوعظي عند الإمامية أيضاً وخاصة منذ القرن 6ه‍ / 12م وكانت حصيلته ظهور آثار عديدة بالعربية والفارسية، حيث كان بمنأی عن أسلوب التفاسير الدرائية الكلامية ومختلفاً عن التفاسير الروائية. ومن أهم هذه التفاسير روض الجنان، المعروف بتفسير أبي الفتوح الرازي بالفارسية (ط مكررة)؛ جدیر بالإشارة إلی أن أسلوب التفسير الدرائي للمتكلمين استمر في الوقت نفسه في تفسير مجمع البيان الخالد للفضل بن الحسن الطبرسي، مع توسع في المباحث المختلفة للقراءة، والإعراب، والتناسب وغير ذلك. 

 

الصفحة 1 من62

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: