الصفحة الرئیسیة / المقالات / ایران /

فهرس الموضوعات

وفي هذه الأثناء شدّ الرحال بعض الزرادشتیین الرافضین اعتناق الإسلام من سواحل الخلیج الفارسي نحو غجرات في الهند، حیث أطلق علیهم لقب «پارسیان» (= الفرس) وأکرم حاکمها مثواهم وأذن لهم بالتوطن بعد أن کان متخوفاً منهم (زرین کوب، ن.م، 376-377). ومع کل ذلک حظي حضور النازحین في إیران بالقبول من قبل الجمهور وذلک لأن الإسلام لم یکد یفتح مدینة حتی یحدث تحولاً في الفرد والاجتماع ویمنح أفراد المجتمع حقوقاً لم یکونوا مطلعین علیها من قبل وعلی الصعید الاجتماعي فقد أصبح النظام الطبقي یزول وامتیازات الأسر ذات النفوذ في طریقها إلی الإلغاء کما کان الدین الجدید یملأ الفراغ بین طبقات المجتمع العالیة والدانیة ومن کان یخضع للإسلام یدفع نفس الضرائب التي کان یقدمها للملوک الأکاسرة کصدقات وزکاة خراج ومن أراد الاحتفاظ بدیانة آبائه یدفع الجزیة ویعفی من الخدمة العسکریة متمتعاً بالحریة الدینیة إلی حدما دون أن یتحمل ضغوط الموابذة وتصرفاتهم المتشددة وکان المسلمون الجدد الذین لم یقفوا في معارک الفتوح في وجه المسلمین ولم یقعوا في الأسر، یسمون الموالي وهم الذین مثلوا دوراً کبیراً في تطورات العراق منذ القرن الأول وکان عددهم في بعض المدن یفوق عدد العرب ویشکلون طبقة اجتماعیة خاصة وإن هذا الأمر اضطر بعض ولاة العراق إلی تعلم اللغة الفارسیة ومع کل ذلک فقد کان الموالي یتعرضون کثیراً للأذی والازدراء (ن.م، 377-379).
لقد أدت هذه الضغوط وأعمال العنف الناتجة عن الغطرسة والنازعة إلی العنصریة العربیة إلی ظهور حرکة الشعوبیة وکانت الشعوبیة تنکر هیمنة العرب والنزعات السلطویة العربیة داعیة إلی المساواة بین جمیع الشعوب في العالم وکان أنصار الشعوبیة یرون أن التفاخر والتعصب للعنصر العربي یتعارضان مع مبادئ الإسلام وتعالیم القرآن ولذلک عمدوا إلی طعن العرب وذمهم بالتدریج حتی اتجهوا نحو الإفراط ویتمثل هذا الاتجاه خیر تمثیل في المصنفات الـتي ألفها الموالي وغیرهم في القرون الإسلامیة الأولی (علی سبیل المثال ظ: ابن الندیم، 59، 112، 125) والأشعار التي نظمها أنصار الشعوبیة في مثالب العرب أمثال إسماعیل بن یسار وبشار بن برد وأبي یعقوب الخریمي (أبو الفرج، الأغاني، 4 / 125؛ أمین، 1 / 30). وما حريّ بالذکر هو أن الشعوبیة کتیار ضد الإسلام أدت إلی نشر الزندقة والإلحاد تارکة بصماتها بصدی واسع علی الثقافة والأدب في أواخر العهد الأموي وأوائل العصر العباسي وإن صلة الشعوبیة بالزنادقة في العراق ودهاقنة خراسان حققت لهم النجاح إلی حد کبیر في معارضتهم ضد العنصریة الأمویة وسببت هذه التیارات بحذافیرها استمرار النزعة القومیة الإیرانیة لدی الموالي (شبولر، 2 / 277) وحتی ترسیخها في أذهانهم. لکن توفیق البرامکة وبني سهل في اصطباغ الدولة العباسیة في بغداد بصبغة إیرانیة أثار التعصب القومي لدی أشراف العرب. إلا أن هیمنة العنصر الترکي علی بلاط الخلفاء أخذت تخمد بالتدریج نیران التعصبات الشعوبیة حتی تفرق شمل الموالي وخرجوا من بلاط العباسیین متوجهین إلی الدویلات المستقلة وشبه المستقلة في خراسان وسیستان وماوراء النهر. کان الحکام الأمویون یلحقون الظلم والأذی بأهل الذمة فضلاً عن الموالي وخلافاً لما کان ینص علیه في معاهدات الصلح واشتد ذلک خاصة في عهد حکم الحجاج علی العراق، بحیث حتی إذا کان أهل الذمة یدخلون الإسلام رغبة فیه أو کرهاً منه وتخلصاً من الظلم والاضطهاد، أجبرهم الحکام علی دفع الجزیة للحیلولة دون إلحاق التضرر ببیت المال (مثلاً ظ: حتي، 1 / 282، 286، 301). وکان مثل هذا التعامل العنیف والمغایر للعدالة وروح الإسلام قد یحمل المتدینین والمتورعین من العرب علی إبداء الکراهیة والبغضاء إزاء نظام الحکم الأموي مثلما جعل الخلیفة عمر بن عبد العزیز یتفوه بالاعتراض حیال بعض القضایا (ابن الأثیر، 5 / 61). وکان الأمویون بسوء تصرفاتهم قد زرعوا بذور الکراهیة في قلوب جماعات متنفذة من المسلمین والموالي وأهل الذمة؛ بحیث أصبحت خراسان في أواخر عهدهم تتحول إلی بؤرة لنشر دعوة الشیعة السریة. کما کان نشوب الخلافات وظهور العصبیات بین القبائل العربیة القاطنة فیها من الأسباب التي مهدت الطریق لنشر هذه الدعوات السریة. وعلی الرغم من أن الثورات التي اندلعت نیرانها علی أیدي الشیعة من التوابین والزیدیة والکیسانیة والهاشمیة وغیرها من مختلف الفرق وبدعم من الموالي في الأغلب، لم تنجح في العراق نجاحاً باهراً إلا أن أذیالها سرعان ما اجتمعت تحت رایة إبراهیم الإمام العباسي في خراسان وحظیت الدعوة بالنجاح بعد أن انضم إلیها موالي خراسان وأقبل علیها بکل ترحیب سکان القري والأریاف المنتمین إلی الشیعة والمعجبین بمبادئها في باب الإمامة، خاصة وإن بعض زعماء الدعوة کانوا من الإیرانیین (زرین کوب، تاریخ، 387- 388). وإن أبا مسلم الخراساني وهو من الموالي والذي تتضارب الروایات بشأن انضمامه إلی الدعوة العباسیة وبدایة أمره (ظ: ن.د، أبو مسلم) ما إن شمر عن ساعدیه في توحد صفوف الخراسانیین حتی التف حوله المزارعون وأصحاب المهن والتجار والموالي وأفضی الأمر إلی الإطاحة بالحکم الأموي. ولم یکن أبو مسلم في تحقیق أهدافه بمنأی عن قمع الحرکات الثوریة کثورة به‌‌آ‌فرید والتي اندلعت نیرانها في خراسان تزامناً مع انطلاق الدعوة العباسیة (ظ: هوتسما، 32 ff.).
مهما کان الأمر فإن مساعي أهل خراسان في انتصار الدعوة العباسیة بلغت حداً أطلق البعض علی الخلافة العباسیة «الدولة الخراسانیة» (الجاحظ، 3 / 206؛ قا: البیروني، 197). وکان ذلک أول دور کبیر مثله الإیرانیون في التاریخ السیاسي الإسلامي کما أصبح مبدأ لانطلاق الثورات والحرکات الاستقلالیة التي أدت إلی ظهور الدویلات الإیرانیة وقیل بحق أبي مسلم الخراساني إنه وبدعم من أنصاره المعروفین بالملبسین الثیاب السود کان یطمح إلی استقلال خراسان وفصلها عن الخلافة وإن هذه الفکرة لم تترک باله منذ انتصار الدعوة العباسیة بینما ذهب البعض إلی أنه مجرد اتهام رماه به أصحاب السلطة في البلاط العباسي (للمزید بشأن مدی سلطانه نفوذه وفي خراسان، ظ: الطبري، 7 / 459-460، 464؛ ابن الأثیر، 5 / 448-449، 453؛ النرشخي، 86-89) ومهما کان من أمر أساء به الظن کل من أبي العباس السفاح والمنصور فحاول السفاح أن یقیم ثورة ضده في خراسان إلا أنه أصیب بخیبة الأمل (المقدسي، 6 / 75؛ الذهبي، سیر ... ، 6 / 60)؛ وأما المنصور فإنه التجأ إلی الحیلة لجلبه إلی الکوفة وقتله قتلاً ذریعاً (137ه‍ / 754م).
وبالرغم من أننا نفتقر إلی شواهد ومؤشرات تدل علی انتماء أبي مسلم إلی نزعة انفصالیة إلا أن الثورات المتتالیة التي قام بها أنصاره والمقربون منه ضد الخلافة العباسیة والتي کانت متسمة بتکریم ذکراه (البلاذري، أنساب، 3 / 235؛ الطبري، 7 / 495؛ المسعودي، 3 / 294؛ النرشخي، 90- 91) قد یمکن ذلک أن یسوق المؤرخین في عصرنا الحاضر إلی تصدیق هذا الانتماء. وفي الحقیقة کانت الأراضي الواسعة والممتدة من النواحي الغربیة في خراسان کنیشابور وقومس والري وطبرستان تضم جماعات کثیرة من أنصار أبي مسلم کانوا دوماً علی أهبة لشد أزره في مواجهة جیوش الخلیفة وللقیام بالعصیان ضد الخلافة العباسیة في حین لم یکن عدد المؤیدین له في المناطق الشرقیة بأقل منهم کما أثبتت ذلک ثورة إسحاق الترکي وثورة المقنع. وکان أبو مسلم لبسط سلطانه وتثبیت أقدامه علی المناطق الشرقیة من خراسان بدأ ببعض المناوشات وعملیات کرّ وفرّ في الأراضي الحدودیة للصین وألحق بالجیش الصیني خسائر فادحة في معرکة قامت فی نواحي طراز (ابن الأثیر، 5 / 449؛ أیضاً ظ: بارتولد، 430-432) وکان من غیر المتوقع أن تسبب تحرکاته لاستقلال خراسان مضایقة له من جانب الصین وعلی أیة حال فإن تعامل العباسیین العنیف لم یلبث حتی حمل کثیراً من زعماء الدعوة وأنصارها علی إظهار الندم من دعم الخلافة العباسیة مما ترک صداه في الشعر العربي (مثلاً ظ: أبو الفرج، الأغاني، 16 / 84؛ زرین کوب، در قرن ... ، 189). ومن جهة أخری إن نفوذ أبي مسلم في خراسان حمل أتباعه ومؤیدیه علی القیام بثورات دینیة ووطنیة أدت إلی زعزعة أرکان سلطة العباسیین في خراسان ولقد حدثت بعض هذه الثورات في ماوراء النهر وخراسان والري وطبرستان وآذربایجان باعتبارها حروب استنزاف (ظ: صدیقي، 168-175، 188، مخ‍ ؛ زرین کوب، ن.م، 174-175) ورغم أن الخلفاء العباسیین استطاعوا من قمع هذه الثورات جمیعاً بید أنهم أدرکوا مدی الصعوبات التي تواجههم لتثبیت أقدامهم علی الولایات النائیة عن عاصمة الخلافة وخاصة نواحي خراسان. کانت ثورة سنباد في طلیعة الثورات التي قامت بعد مقتل أبي مسلم وإن سنباد کان في عداد المسوّدة أي أصحاب الثیاب السود محظواً بدعم أبي مسلم ومتمتعاً بعنایته وکانت ثورته قصیرة الأمد لکنها مروعة دمویة وأصحابه في الأغلب من أهالي جبال الري وطبرستان. لقد سیطر علی الري وقزوین وقومس ونیشابور علی جناح السرعة وتواطأت معه جماعات من مختلف العناصر إلا أنه مني بالهزیمة إزاء الجیش العباسي ولاذ بالفرار ولم یلبث، حتی لقي مصرعه علی ید رجل من أصحاب حاکم طبرستان (م.ن، تاریخ، 405-407؛ صدیقي، 168-175). وأما الأخذ بثأر أبي مسلم فإنه أصبح ذریعة بید رجل متهور خطر یدعي الحکم وهو المقنع الذي کان من قواد أبي مسلم وأطلق علی أتباعه لقب «المبیضة» أي أصحاب الثیاب البیض ومعظمهم من الموالي وسکان الأریاف في خراسان. فإنه عاث لمدة 14 سنة في نواحي صغد وبخاری وکش ونخشب وأوقع الرعب في قلوب المسلمین. لاتتوفر لدینا معلومات بشأن مصیره إلا أنه حوصر في قلعة سنام في ضواحي کش وعندما وقع في موقف حرج سلّم القلعة وغاب عن الأنظار (م.ن، 207-231).
لم تکن ثورة المقنع هي الأخیرة من الثورات التي قامت باسم أبي مسلم. فإن ثورة بابک التي کانت متسمة باسمه نهضت لیبعث الخوف والقلق في قلب الخلیفة في بغداد (ظ: ن.د، بابک خرم دین). فکانت النتیجة الثانیة التي حصلت لخلافة بغداد من خلال هذه الثورات أن نیران هذه الثورات والحرکات التمردیة لاتخمد بقوة السیف. فإن الخلیفة المأمون الذي کان قد أدرک هذا الأمر جیداً سلّم خراسان إلی القائد الإیراني والخراساني طاهر ذی الیمینین بغیة کبح الاضطرابات التي کانت تهدد أرکان خلافته وکان طاهر قد نقل قبیل ذلک الخلافة من الأمین إلی المأمون بمساندة جیوش خراسان (الطبري، 8 / 472- 478، 578-580). وسرعان ما بلغ طاهر ذروة الاقتدار والنفوذ في بدایة عهد المأمون، بحیث کان هذا الأمر یعید إلی الأذهان سلطة أبي مسلم الخراساني وبطشه في عهد السفاح وعلی مایبدو کان طاهر یحکم خراسان حکماً ذاتیاً بالنیابة عن المأمون إلا أنه أسقط أخیراً اسم الخلیفة من الخطب علی المنابر وألقی عصا الطاعة ولم یطل یوم أو عدة أیام حتی أدرکته المنیة (205ه‍ / 820م). ومع ذلک أوکل المأمون إمارة خراسان إلی أخلافه وحذا الخلیفة المعتصم حذوه وظل یسلم إلیهم إمارتها رغم استیائه منهم ولذلک لو لم یصح تماماً أن نقول: إن طاهر أسس أول دولة إیرانیة مستقلة في العهد الإسلامي لصحّ القول دون أدنی ریب أنه أول حاکم إیراني کبیر جعل إمارة الاستکفاء في خراسان وراثیة في أسرته.
تتضارب الآراء بشأن وفاة طاهر وقیل إن أحمد بن أبي خالد الأحول أو المأمون نفسه کان یسيء الظن بطاهر ویری إعلانه بالاستقلال في خراسان أمراً محتملاً فبعث رجلاً مؤتمناً لدیه أن یرصد أحواله سرّیاً ویقدم علی قتله بمجرد رفعه علم العصیان إلا أن هذه الروایة لا أساس لها. مهما کان الأمر فإن طاهر حقق نجاحاً في قمع الخوارج في خراسان بعد أن اشتدت سواعدهم في فترة زمنیة تصاعدت الصراعات فیها للسیطرة علی مقالید السلطة. ثم أوکل إمارة سیستان إلی ابنه طلحة أوفده للقتال ضد الخوارج وأصحاب حمزة بن آذرک. وبالرغم من أن نیران الفتن لم تخمد تماماً في أیامه إلا أن مهابته وحدة بطشه أدت إلی استتباب الأمن في خراسان وأخذ ینکمش نطاق الاضطرابات والقلاقل التي کانت تعیشها خراسان قبل إمارته علیها بعدة سنین وعلی أثر سیطرة حمزة والخوارج ( تاریخ سیستان، 177-179؛ زرین کوب، تاریخ، 495-501).
تولی عبد الله بن طاهر إمارة خراسان بعد والده ونال لدی المأمون حظوة ومکانة سامیة بعد أن آزره مرات عدیدة في إخماد الثورات وحرکات التمرد  في مابین النهرین وأصبح رئیساً لشرطة بغداد (الطبري، 8 / 581). وکانت إمارته علی خراسان طلیعة عصر جدید في تاریخ إیران باعتبارها أول دولة إیرانیة نالت استقلالاً نسبیاً فـي العصر الإسلامي. ولقد ترک إنـه وإخوته ــ من أمراء خراسان ــ ذکریات طیبة في الأذهان بما بذلوا مساعیهم في نشر العدالة وإزالة الفوضی. واعتبر دور عبد الله في القضاء علی ثورة بابک ومازیار خدمة کبیرة أسداها إلی الخلیفة العباسي (ظ: ن.د، آذربایجان؛ أیضاً بابک خرم دین؛ زرین کوب، ن.م، 507-510). وکان حفیده محمد بدوره یحظی بمکانة مرموقة لدی الخلفاء العباسیین حتی خضع لیعقوب بن لیث الصفاري وکان الحاکم الأخیر من سلالة الطاهریین یمیل إلی الشعر ومجالس الخمر أکثر منها إلی إدارة البلاد. وثار في عهده حسن بن زید العلوي في طبرستان یدعي الإمارة والإمامة حتی سیطر علیها بعد أن خاض عدة معارک ضد محمد بن طاهر وأخرجها من قبضة الطاهریین. ثم خرجت الری وقزوین في 251ه‍ / 865م من نطاق حکمهم (م.ن، 304؛ ابن اسفندیار، 1 / 242 ومابعدها). وبعد مضي عدة سنین سیطر یعقوب بن لیث علی نیشابور في 259ه‍ وکبّل محمد بن طاهر إلا أن محمداً هرب في 262ه‍ / 876م وتوجه نحو خراسان بعد هزیمة یعقوب أمام جیوش الموفق العباسي إلا أنه أخفق في إحیاء دولة آبائه (زرین کوب، ن.م، 512).
أثبتت الإمارة الطاهریة التابعة للخلافة العباسیة أن نیل الاستقلال في خراسان والولایات النائیة لایتیسر إلا في ظل الانقیاد للخلافة العباسیة والتنحي عن حرکات التمرد والمخاصمة خلافاً لما کان یجول في بال یعقوب بن لیث الصفاري الذي ظهر (247ه‍( في منطقة حافلة بالاضطرابات موطئة تحت أقدام الخوارج والمعارضین للخلافة في الأغلب. وإن یعقوب لم یعلن عن عصیانه ضد الخلافة في بدایة أمره وحتی جعل الخطبة باسم الخلیفة في شیراز لفترة ما، إلا أنه وفي ضمیره کان لایری سلطانه منبعثاً من الخلیفة ولذلک لم یلبث حتی شق عصا الطاعة وأعلن عن ثورته ضد الخلافة. ولم یمض طویلاً منذ نهض یعقوب الصفاري في زیّ أهل الفتوة حتی انتزع سیستان وبوشنج هراة من قبضة ید الخلیفة (253ه‍( إلی أن ضم کرمان وفارس (255ه‍( وخوزستان إلی ممتلکاته مما جعل منه قائداً کبیراً وأمیراً مقتدراً ( تاریخ سیستان، 200-215).
لقد أسس یعقوب دولة أطلق علیها اسم «الصفاریة» نظراً إلی مهنته وذلک بعد أن أودی بقتل رتبیل وسیطر علی نیشابور (259ه‍(. واستناداً إلی روایة گردیزي (ص 308-309) جرت بینه وبین مبعوثي محمد بن طاهر محادثة إبان فتح نیشابور طلبوا منه مرسوم الخلیفة وعهده حسب العادة السائدة إلا أنه امتنع عن ذلک رافعاً سیفه في وجوههم (أیضاً ظ: تاریخ سیستان، 222-223؛ بارتولد، 1 / 471). وبذلک آذنهم بأن شرعیة حکمه تقوم علی التفوق العسکري وقدرته الشخصیة وقوة السیف. ثم زحف بعساکره نحو طبرستان وألحق الهزیمة بحسن بن زید حتی تحول إلی قوة هائلة وخطر جدیّ یهدّد کیان الخلافة. وبما أن ثورته کانت تتزامن من ثورة صاحب الزنج فحاول الخلیفة أن یصرفه عن زحفه نحو عاصمة الخلافة من خلال الاعتراف بسیطرته علی سیستان وتسلیم ولایات طخارستان وسند إلیه إلا أن بسط سلطانه في النواحی الشرقیة لم یمنعه عن الزحف نحو بغداد فأقدم علی محاربة الخلیفة دون أن یقبل التحالف مع صاحب الزنج. لکنه مني بالهزیمة في معرکة قامت في دیر عاقول قرب بغداد بینه وبین جنود الخلیفة بقیادة الموفق شقیق المعتمد العباسي (ابن الإثیر، 7 / 290؛ الطبري، 9 / 516-520؛ تاریخ سیستان، 231-232) ولم یلبث حتی توفي في جندي شاپور (265ه‍ / 879م) وإنه لم یقبل التصالح مع الخلیفة حتی اللحظات الأخیرة من حیاته وکأنه لم تکن له بغیة إلا إسقاطه والإطاحة بحکمه (ابن الأثیر، 7 / 325-327). وبالرغم من أن أخاه عمرو بن لیث تولی إمارة جزء من رقعة حکم یعقوب وظل یجاري الخلیفة إلا أنه اضطر إلی التمرد عدة مرات وأخیراً تم اعتقاله (287ه‍ / 900م) حین مواجهته الجیش الساماني وبعد أن کان الخلیفة التجأ إلی الخدعة وعرض علیه وعلی السامانیین معاً مرسوم ولایة خراسان. هکذا وبدعم من السامانیین تخلص الخلیفة من تهدید الصفاریین. ومع ذلک کان أعقاب عمرو یحکمون مناطق من سیستان وبعض ولایات ماوراء النهر لعهد بعید (ظ: ن.د، الصفاریة).
وفي هذه الأثناء رسخت السلالة السامانیة سیادتها علی خراسان (ظ: ن.د، السامانیة؛ ابن الأثیر، 7 / 279) وإنها وبالرغم من استقلالها الأکثر لم تمتنع عن الانقیاد للخلافة وکان أسد بن سامان خدات من حکام ماوراء النهر محظواً بدعم المأمون (النرشخي، 90-91؛ گردیزي، 322؛ ناظم، 180) ولم یزل ینقاد للخلیفة وحذا حذوه أخلافه. ولم یستطع إسماعیل بن احمد، المؤسس الحقیقي للدولة السامانیة تثبیت حکمه إلا بعد القضاء علی الخوارج وقمع المعارضین للخلافة (النرشخي، 108-109، 118؛ الطبري، 10 / 30، 81؛ ابن اسفندیار، 1 / 256-257) کما بذل أولاده مساعیهم في طرد الزیدیة وقمع المناهضین ضد الخلافة العباسیة (مثلاً ظ: م.ن، 1 / 256-260؛ گردیزي، 323 ومابعدها؛ الطبري، 10 / 144-145). مع کل ذلک ــ وإذا ما استثنینا بعض الهدایا الضئیلة ــ کان أمراء الدولة السامانیة لایدفعون الخراج ولایدعمون الخلافة في الحروب بإرسال القوات. ومع هذا إن انقیادهم للخلیفة کان یکسب لهم شرعیة أکثر عند الرأي العام.

الصفحة 1 من62

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: