الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / ابن عربی /

فهرس الموضوعات

ابن عربی

ابن عربی

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/23 ۲۱:۱۳:۱۵ تاریخ تألیف المقالة

ویفسر ابن عربي ألطف وأدق أنواع الحب بتجربته الشخصیة فیقول: ألطف ما في الحب أن یجد الإنسان عشقاً مفرطاً، وهوی وشوقاً مقلقاً وغراماً ونحولاً، وامتناع نوم ولذة بطعام، ولایدري فیمن ولابمن، ولایتعین المحبوب، أما یبدو له تجل في كشف، فیتعلق ذلك الحب به، أو یری شخصاً فیتعلق ذلك الوجود الذي یجده به عند رؤیته فیعلم أن ذلك كان محبوبه، وهو لایشعر. وهذا من أخفی دقائق استشراف النفوس علی الأشیاء من خلف حجاب الغیب فتجهل حالها ولاتدري بمن هامت ولافیمن هامت ولاماهیمها (ن.م، 2/323-324).

ویطلق ابن عربي علی المرحلة الأخری «حب الحب»، وهو الشغل بالحب عن متعلقه، والعاشق في هذه الحالة یحب بحیث یشغله حب المحبوب عنه (ن.م، 2/325).

ویقول ابن عربي: إن في تعریف الحب نظریات مختلفة، ولاحدّ للحب یعرف به ذاتي ولایتصور (ن.ص)، ولكن یحد بالحدود الرسمیة واللفظیة لاغیر، فمن حدّ الحب ما عرفه، ومن لمن یذقه شرباً ما عرفه، ومن قال رویت منه ما عرفه، فالحب شرب بلا ريّ، ونقل قول أبي یزید البسطامي: الرجل من یحسي البحار ولسانه خارج علی صدره من العطش (ن.م، 2/111).

ویشیر ابن عربي إلی حالة خاصة حیث إن الحب یهیمن علی المحب ویستغرقه، والحب لایستغرق المحب كله إلا إذا كان محبوبه الحق تعالی أو أحداً من جنسه، لأن الإنسان لایقابل بذاته كلها إلا من هو علی صورته إذا أحبه، فما فیه جزء إلا وفیه ما یماثله… فیهیم ظاهره في ظاهر المحبوب، وباطنه في باطنه، ألا تری الحق قد تسمی باظاهر والباطن؟ فتستغرق الإنسان المحبة في الحق وفي أشكاله ولیس ذلك فیما سوی الجنس من العالم، وأما استغراق حبه إذا أحب الله فلكونه علی صورته، فیستقبل الحضرة الإلهیة بذاته كلها. ولهذا تظهر فیه جمیع الأسماء الإلهیة ویتخلق بها، وإذا تعلق الحب بالله، وكان الله محبوبه، فیفنی في حبه في الحق أشد من فنائه في حب أشكاله، فإنه في حب أشكاله فاقد في غیبته ظاهر المحبوب، وإذا كان الحق هو المحبوب فهو دائم المشاهدة، ومشاهدة المحبوب كالغذاء للجسم به ینمی، فكلما زاد مشاهدة زاد حباً، ولهذا الشوق یسكن باللقاء والاشتباق بهیج باللقاء، وهو الذي یجده العشاق عند الاجتماع بالمحبوب، لایشبع من مشاهدته، ولایأخذ نهمته منه، لأنه كلما نظر إلیه زاد وجداً به وشوقاً (ن.م، 2/325-326). والنقطة المثیرة الأخری في نظریة الحب عند ابن عربي إشارته إلی التنافي بین العقل والحب، وعدم الانسجام بینهما، فكل حب یبقي في المحب عقلاً یعقل به عن غیر محبوبه أو تعقلاً، فلیس بحب خالص وإنما هو حدیث النفس، قال بعضهم: ولاخیر في حب یدبر بالعقل (ن.م، 2/326). ویشرح ابن عربي التنافي بین الحب والعقل بقوله: إن الحب أملك للنفوس من العقل، لأن العقل یقید صاحبه، والحب من أوصافه الضلال والحیرة، والحیرة تنافي العقل، فإن العقل یجمع الإنسان والحیرة تفرقه. ومن ضلالة المحب أنه یتخیل أن كل من یری محبوبه یحسن في عینه كما یحسن عنده، وهذا من الحیرة، وضلالة المحب الأخری أنه یتحیر في الوجوه التي یری أنه یحصل محبوبه منها، فیقول: أفعل كذا لیصل بهذا الفعل إلی محبوبه أو كذا وكذا، فلا یزال یحار، لأنه یتخیل أن وجود اللذة بمحبوبه في الحس أعظم منها في الخیال، وذلك لغلبة الكثافة علی هذا المحب، ویغفل عن لذة التخیل في حال النوم، لأنه أشد اتصالاً بالمحبوب من الخیال، والاتصال بالخیال أشد من الاتصال بالخارج وهو المحسوس، فلذته بمعنی أشد اتصالاً من الخیال بالمحبوب (ن.م، 2/338). ثم یستنتج ابن عربي أن الحب لایجتمع مع العقل في محل واحد فلابد أن یكون حكم الحب یناقض حكم العقل، فالعقل للنطق، والتهيام للخرس (ن.م، 2/112).

وفي غضون ذلك یشیر ابن عربي بعد التأكید علی أن أخبار الشریعة هي سبب حب الحق: لولا الشریعة التي جاءت بالإخبار الإلهي ما عرف الله أحد، ولو بقینا مع الأدلة العقلیة التي دلت في زعم العقلاء علی العلم بذاته بأنه لیس كذا ولیس كذا ما أحبه مخلوق، فلما جاء الخبر الإلهي بألسنة الشرائع بأنه سبحانه كذا وأنه كذا من أمور تناقض ظواهرها الأدلة العقلیة أحببناه لهذه الصفات الثبوتیة، فما یعرف الله إلا بما أخبر به عن نفسه من حبه إیانا ورحمته بنا ورأفته وشفقته لنمثله تعالی ونجعله نصب أعیننا في قلوبنا وفي قبلتنا وفي خیالنا، حتی كأنا نراه، لابل نراه فینا لأنا عرفناه بتعریفه لابنظرنا، ومنا من یراه ویجهله، فكما أنه لایفتقر إلی غیره كذلك لایحب في الموجودات غیره، فهو الظاهر في كل محبوب لعین كل محب، وما في الموجود إلا محب، فالعالم كله محب ومحبوب، وكل ذلك راجع إلیه، كما أنه لم یعبد سواه. وما أحب أحد غیر خالقه، ولكنه احتجب عنه تعالی بحب المحبوبین والذهب والفضة والجاه والمقام وكالمحبوب في العالم، فأفنت الشعراء كلامها في الموجودات وهم لایعلمون المحبوب الحقیقي، والعارفون لم یسمعوا شعراً ولاتغزلاً ولامدیحاً إلا فیه من خلف حجاب الصور، وسبب ذلك الغیرة الإلهیة، أن یُحَب سواه، فالحب سببه الجمال وهو له، لأن الجمال محبوب لذاته، والله جمیل یحب الجمال فیحب نفسه (ن.م، 2/326؛ أیضاً ظ: 2/114).

من ناحیة أخری یورد ابن عربي نظریة مثیرة جداً یشیر فیها إلی المیزة الدیالكتیكیة للحب: فالحب تعلق خاص من تعلقات الإرادة، فلاتتعلق المحبة إلا بمعدوم غیر موجود، وقولنا إن المحب یرید وجود المحبوب وإن المحبوب علی الحقیقة إنما هو معدوم، فذلك أن المحبوب للمحب هو إرادة أوجبت الاتصال بهذا الشخص المعین، فما تعلق حبه إلا بمعدوم في الوقت من هذا الشخص، فیتخیل أن حبه متعلق بالشخص ولیس كذلك وهذا هو الذي یهیجه للقائه ورؤیته، أما إذا قال أحدهم: إني كنت أحب مجالسة شخص أو تأنیسه أو حدیثه، ثم أری تحصل ذلك والحب لایزول، فإذا متعلق الحب قد لایكون معدوماً، قلنا: أنت غالط، فإن متعلق حبك في تلك الحال ما هو بالحاصل، وإنما هو بدوام الحاص واستمراره، والدوام والاستمرار معدوم ما دخل في الوجود ولاتتناهی مدته، فإذاً ماتعلق الحب في حال الوصلة إلا بمعدوم وهو دوامها، وقد جاء في القرآن: «یحبهم ویحبونه» (المائدة/5/54) بضمیر الغائب، والفعل المستقبل فما أضاف متعلق الحب إلا لغائب ومعدوم، وكل غائب فهو معدوم إضافي (الفتوحات، 2/327).

ثم یشیر ابن عربي إلی إحدی صفات الحب الخاصة، التي تدل مرة أخری علی میزتها الجدلیة فیقول: وهي أن یجمع المحب في حبه بین الضدین لیصح كونه علی صورة الله لما فیه من الاختیار، وهذا هو الفرق بین الحب الطبیعي والروحاني، والإنسان یجمعهما وحده، والبهائم تحب ولاتجمع بین الضدین بخلاف الإنسان، وإنما جمع الإنسان في حبه بین الضدین لأنه علی صورة الله وقد وصف الله نفسه بالضدین وهو قوله «هو الأول والآخر والظاهر والباطن»، وصورة جمع الحب بین الضدین أن الحب من صفاته اللازمة له حب الاتصال بالمحبوب، ومن صفاته اللازمة حب ما یحبه المحبوب، فیحب المحبوب الهجر، فإن أحب المحب الهجر فقد فعل ما لاتقتضیه المحبة، فإن المحبة تطلب الاتصال، وإن أحب الاتصال فقد فعل مالاتقتضیه المحبة، لأن المحبوب لایرید الاتصال. ثم إن المحب یحب ما بحب محبوبه، ولم یفعل، فالمحب محجوج علی كل حال، وغایة الجمع بینهما أن یحب المحب حب المحبوب للهجر ویحب الاتصال (ن.ص، أیضاً: 2/337).

ثم یتحدث ابن عربي عن اللقاء بین المجنون ولیلی في الدور الخلاق للخیال في الحب، فیقول: ومن الحب الطبیعي أن تلتبس صورة المحبوب في خیال المحب فتلصق بصورة نفسه المتخیلة له. وإذا تقاربت الصورتان في خیاله تقارباً مفرطاً، وتلتصق به لصوق الهواء بالنار، یطلبه المحب في خیاله، فلا یتصوره للقرب المفرط، فیأخذه لذلك خبال وحیرة مثل ما یأخذ من فقد محبوبه. ثم یقول ابن عربي كان قیس لیلی في هذا المقام حیث كان یصیح: لیلی لیلی في كل ما یكلم به، فإنه كان یتخیل أنه فقید لها، ولم یكن، وإنما قرب الصورة المتخیلة أفرطت في القرب فلم یشاهد لیلی فكان یطلبها طلب الفاقد، ولهذا حین جاءته فلم تطابق صورتها الظاهرة الصورة الباطنة المتخیلة التي مسكها في خیاله منها فرآها كأنها مزاحمة لتلك الصورة الخیالیة، فخاف فقدها، فقال للیلی: إلیك عني فإن حبك شغلني عنك، یرید أن تلك الصورة الخیالیة عین الحب، فبقی یطلبها: لیلی لیلی (ن.م، 2/111-112، أیضاً ظ: 2/337).

ویشیر ابن عربي إلی نقطة أخری مثیرة جداً في دیالكتیكیة الحب، وهي أن نفوس الأناسي قد جبلت علی حب الرئاسة، والمحب عبد مملوك بحبه لهذا المحبوب، فالمحبوب لایكون له رئاسة إلا بوجود هذا المحب، فیعشقه علی قدر عشقه رئاسته، وإنما یتیه علیه للطمأنینة الحاصلة في نفس المحبوب بأن المحب لایصبر عنه، وهو طالب إیاه، فتأخذه العزة ظاهراً، وهو الطالب له باطناً، ولایری في الوجود أحداً مثله لكونه ملكه (ن.م، 2/112). والجدیر بالذكر هنا أن ابن عربي یقبل قول أحد العارفین في حق قیس المجنون بأنه كان من المحبین لله وجعل حجابه لیلی. ومن شأن المحب أن یغشی علیه عند فجأة ورود المحبوب علیه ویدهش، وقیس المجنون یقول لها: إلیك عني وما دهش ولا فني، فلیس ببعید أن قیس المجنون كان من المحبین لله، فلله ضنائن من عباده (ن.م، 2/352).

ویقسم ابن عربي الحب إلی ثلاث مراتب: حب طبیعي وحب روحاني وحب إلهي، فالحب الطبیعي، هو حب العوام، وغایته الاتحاد في الروح الحیواني، فتكون روح كل منهما روحاً لصاحبه بطریق الالتذاذ وإثارة الشهوة، ونهایته من الفعل النكاح. والحب الروحاني النفسي، وغایته التشبه بالمحبوب مع القیام بحق المحبوب ومعرفة قدره. والحب الإلهي، وهو حب الله للعبد وحب العبد ربه، كما قال تعالی «یحبهم ویحبونه»، ونهایته من الطرفین أن یشاهد العبد كونه مظهراً للحق وهو لذلك الحق الظاهر كالروح للجسم، باطنه غیب فیه لایدرك أبداً ولایشهده إلا محب. وأن یكون الحق مظهراً للعبد فیتصف بما یتصف به العبد من الحدود والمقادیر والأعراض ویشاهد هذا العبد، وحینئذ یكون محبوباً للحق (ن.م، 2/111، أیضا ظ: 2/327).

أما الحب الإلهي فمن اسمه «الجمیل» و«النور»، فیتقدم النور إلی أعیان الممكنات، فینفر عنها ظلمة نظرها إلی نفسها وإمكانها، فیحدث لها بصراً هو بصره إذ لایری إلا به، فیتجلی لتلك العین بالاسم الجمیل، فتتعشق به، فیصیر عین ذلك الممكن مظهراً له، فیبطن العین من الممكن فیه وتفنی عن نفسها فلا تعرف أنها محبة لله، أو تفتنی عنه بنفسها مع كونها علی هذه الحالة، فلا تعرف أنها مظهر له سبحانه، وتجد من نفسها أنها تحب نفسها، فإن كل شيء مجبول علی حب نفسه، وما ثَمّ ظاهر إلا هو في عین الممكن، فما أحب الله إلا الله، والعبد لایتصف بالحب (ن.م، 2/112-113).

وكل محب ما أحب سوی نفسه، ولهذا وصف الحق نفسه بأنه یحب المظاهر، والمظاهر عدم في عین وتعلق المحبة بما ظهر، والحق ظاهر فیها، فتلك النسبة بین الظاهر والمظاهر هي الحب، ومتعلق الحب كما رأینا هو العدم، فمتعلقها هنا الدوام، والدوام ما وقع فإنه لانهایة له، وما لانهایة له لایتصف بالوقوع (ن.م، 2/113). وهنا یشیر ابن عربي إلی مسألة دقیقة: «قیل إنه یستحیل أن یحب أحد الله، فإن الحق لایمكن أن یضاف إلیه ولا إلی ما یكون منه نسبة عدم أصلاً، والحب متعلقه العدم، فلاحب یتعلق بالله من مخلوق، لكن حب الله یتعلق بالمخلوق، لأن المخلوق معدوم، فالمخلوق محبوب لله أبداً دائماً، ومادام الحب لایتصور معه وجود المخلوق، فالمخلوق لایوجد أبداً، فأعطت هذه الحقیقة أن یكون المخلوق مظهراً للحق لا ظاهراً» (ن.ص).

ویفسر ابن عربي بإسهاب كل من مراتب الحب الثلاث، ملخصها: أن الحب الإلهي هو أن یحبنا الله لنا ولنفسه، أما حبه إیانا لنفسه فهو قوله: «أحببت أن أعرف فخلقت الخلق فتعرّفت إلیهم فعرفوني»، فما خلقنا إلا لنفسه حتی نعرفه، وأما حبه إیانا فإنه عرّفنا بمصالحنا دنیا وآخرة، ونصب لنا الأدلة علی معرفته حتی نعلمه ولانجهله، ثم إنه رزقنا وأنعم علینا (ن.م، 2/327-328). ثم إن الحب الإلهي هو كوننا نحب الله، فإن الله یقول «یحبهم ویحبونه»، ونسبة الحب إلینا ما هو نسبة الحب إلیه، والحب المنسوب إلینا من حیث ما تعطیه حقیقتنا ینقسم إلی قسمین، قسم یقال فیه حب روحاني والآخر حب طبیعي، وحبنا الله بالحبین معاً. وحبنا لله أربعة أقسام، إما أن نحبه له، أو نحبه لأنفسنا، أو نحبه لأنفسنا، أو نحبه للمجموع، أو نحبه ولا لواحد مما ذكرناه (ن.م، 2/329).

ویقول ابن عربي: الحب هو صفة نفسیة للمحب، فإن قیل: نراها تزول، قلنا: من المحال زوالها إلا بزوال المحب من الوجود، والمحب لایزول من الوجود، فالمحبة لاتزول، وإنما الذي یعقل زواله إنما هو تعلقه بمحبوب خاص یمكن أن یزول ذلك التعلق الخاص وتزول تلك العلاقة بذلك المحبوب المعین وتتعلق بمحبوب آخر أو بمحبوبین كثیرین، فتنقطع العلاقة بین المحب ومحبوب خاص، وهي موجودة في نفسها، فإنها عین المحب، فمن المحال زوالها، فالحب هو نفس المحب وعینه، لا صفة معنی فیه یمكن أن ترتفع فیرتفع حكمها، فالعلاقة هي النسبة بین المحب والمحبوب، والحب هو عین المحب لاغیره. فما في الوجود إلا محب ومحبوب، لكن من شأن المحبوب أن یكون معدوماً ولابد، فیجب إیجاد ذلك المعدوم، أو وقوعه في موجود، إذ كان المحبوب لایمكن أن یتصف بالوجود ولكن یتصف بالوقوع (ن.م، 2/332). ویری ابن عربي أن الهدف من الحب الروحاني هو الاتحاد، حیث تصبح ذات المحبوب عین ذات المحب، وذات المحب عین ذات المحبوب؛ ویصح في هذه الحالة أن یقول كل واحد منهما: أنا من أهوی ومن أهوی أنا (شعر منسوب للحلاج)، وهذا غایة الحب الروحاني في الصور الطبیعیة (ن.م، 2/334).

وكما رأینا فإن ابن عربي یسمي المرتبة الثالثة من الحب بـ «الحب الطبیعي». والحب الطبیعي هو العام، فإن كل ما تقدم من الحب في الموصوفین به قبلوا الصور الطبیعیة علی ما تعطیه حقائقهم، فاتصفوا في حبهم بما تتصف به الصور الطبیعیة من الوجد والشوق والاشتیاق وحب اللقاء بالمحبوب ورؤیته والاتصال به، وقد وردت أخبار كثیرة صحاح في ذلك یجب الإیمان بها مثل قول الرسول‌(ص) «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه» (ظ: فنسینك، 1/405)، مع كونه ما زال من عینه، ولایصح أن یزول عن عینه فإنه علی كل شيء شهید ورقیب، ومع هذا فجاء باللقاء في حقه وفي حق عباده (ابن عربي، ن.ص). ثم إن الحب الطبیعي من ذاته إذا قام بالمحب أن لایحب المحبوب إلا لما له فیه من النعیم به واللذة، فیحبه لنفسه لالعین المحبوب ورأینا أن هذه الحقیقة ساریة في الحب الإلهي والروحاني. فأما بدء الحب الطبیعي فما هو للإنعام والإحسان، فإن الطبع لایعرف ذلك جملة واحدة وإنما یحب الأشیاء لذاته خاصة، فیرید الاتصال بها والدنو منها، وهو سار في كل حیوان، وهو في الإنسان بما هو حیوان، فیحبه الحیوان في نفس الأمر لقوام وجوده به لا لأمر آخر، ولكن الحیوان لایعرف معنی قوام وجوده، وإنما یجد داعیة من نفسه للاتصال بموجود معین؛ ذلك الاتصال هو محبوبه بالأصالة، وذلك لایكون إلا في موجود معین، فیحب ذلك الوجود بحكم التبعیة لا بالأصالة؛ فاتصاله اتصال محسوس وقرب محسوس، فهذا غایة الحب الطبیعي، فإن كان نكاحاً، عین محبوبه في موجود ما، فغایته حصول ذلك المحبوب في الوجود، فیطلب ویشتاق للمحل الذي یظهر فیه عین محبوبه، ولایظهر إلا بینهما، لا في واحد منهما، لأنها نسبة بین اثنین، وهذا الأمر في الإنسان أتم من غیره، لأنه جامع حقائق العالم والصورة الإلهیة، فله نسبة إلی الجناب الأقدس، فإنه عنه ظهر، وله نسبة إلی الأرواح بروحه وإلی عالم الطبیعة والعناصر بجسمه، فهو یحب كل ما تطلبه العناصر والطبیعة بذاته؛ ومنها أجسام عنصریة، وكل جسم عنصري فهو طبیعي؛ ومنها أجسام طبیعیة غیر عنصریة، فما كل جسم طبیعي عنصریاً، فالعناصر من الأجسام الطبیعیة لایقال فیها عنصریة وكذلك الأفلاك والأملاك (2/334-335).

وتجدر هنا الإشارة إلی آراء ابن عربي في المرأة أیضاً، فله في ذلك آراء مثیرة، فهو كما رأینا لایضع فرقاً في طریق تكامل الإنسان بین الرجال والنساء، ولایعتقد بوجود اختلاف بینهما في ذلك (ظ: «عقله»، 46-47). یقول في حدیثه عن خلق المرأة: لما ظهر جسم آدم لم تكن فیه شهوة نكاح، وكان قد سبق في علم الحق إیجاد التوالد والتناسل والنكاح لبقاء النوع. فاستخرج من ضلع آدم من القصیری حواء، فقصرت بذلك عن درجة الرجل كما قال تعالی: «وللرجال علیهن درجة» (البقرة/2/228). وكانت من الضلع للانحناء الذي في الضلوع لتحنو بذلك علی ولدها وزوجها، فحنو الرجل علی المرأة حنوه علی نفسه لأنها جزء منه، وحنو المرأة علی الرجل لكونها خلقت من الضلع، والضلع فیه انحناء وانعطاف وعمر الله الموضع من آدم الذي خرجت منه حواء بالشهوة إلیها. فحنّ آدم إلیها حنینه إلی نفسه لأنها جزء منه، وحنت إلیه لكونه موطنها الذي نشأت فیه، فحب حواء حب الموطن، وحب آدم حب نفسه (الفتوحات، 1/124، أیضاً ظ: فصوص، 216).

ویقول ابن عربي في موضع آخر: لما كانت المرأة خلقت من الرجل من ضلعه القصیری، فإنه ینزلها من نفسه منزلة الصورة التي خلق الله الإنسان الكامل علیها، وهي صورة الحق. فجعل الحق المرأة مجلی للرجل، وإذا كان الشيء مجلی للناظر، فلایری الناظر في تلك الصورة إلا نفسه، فإذا رأی في هذه المرأة نفسه اشتد حبه فیها ومیله إلیها لأنها صورته، وقد تبین لنا أیضاً أن صورة الرجل هي صورة الحق التي أوجده علیها، فما رأی الرجل في المرأة إلا الحق، ولكن بشهوة حب والتذاذ، وصلة یفنی فیها فناء حق بحب صدق. ولذلك فني فیها، فما من جزء فیه إلا وهو فیها، والمحبة قد سرت في جمیع أجزائه، فتعلق كله بها فلذلك فني في مثله الفناء الكلي (الفتوحات، 4/454). ویصرح في موضع آخر بأن شهود الحق في النساء أكبر الشهود وأكمله (فصوص، 217).

وهنا لابد من الإشارة إلی أن ابن عربي یقول: ورد في الحدیث النبوي: «حُبِّب إليّ من دنیاكم ثلاث: النساء والطیب وجُعلت قرة عیني في الصلاة» (ظ: فصوص، 214؛ قا: فنسینك، 1/405، 5/336)، واستند إلیه مراراً وجعله المحور الأساس لبحثه وتفسیره العرفاني (ن.م، 214، 216-218). وهو یحاول في موضع أن یتعمق فیه ویزید في إیضاحه بتفسیره العرفاني الخاص فیقول: ما ورد قط عن نبي من الأنبیاء أنه حبب إلیه النساء إلا محمد‌(ص)، وكلامنا في كونه حبب إلیه، وذلك ما ذكر عنه قوله: «كنت نبیاً وآدم بین الماء والطین» ولهذا كان النبي‌(ص) منقطعاً إلی ربه لاینظر معه إلی كون من الأكوان لشغله بالله عنه، فحبب الله إلیه النساء فأحبهن عنایة من الله بهن، فكان‌(ص) یحبهن بكون الله حببهن إلیه. ثم یشیر ابن عربي إلی حدیث الرسول‌(ص): «إن الله جمیل یحب الجمال» ویضیف: وكان من سنته النكاح، وجعل النكاح عبادة للسر الإلهي الذي أودع فیه (الفتوحات، 1/145-146).

الصفحة 1 من15

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: