ابن عربی
cgietitle
1442/11/23 ۲۱:۱۳:۱۵
https://cgie.org.ir/ar/article/234032
1446/11/15 ۱۳:۲۲:۲۳
نشرت
3
3. شرح رسالة في الأحدیة، أو رسالة من عرف نفسه فقد عرف ربّه، لأحمد بن الخالدي باسم: مرآة العرفان ولبّه في شرح رسالة من عرف نفسه… .
4. شرح كتاب الأمر المحكم المربوط فیما یلزم أهل طریق الله من الشروط لأحم بن عبد القاسم الدوعني (تـ 1052هـ/1642م).
5. عدة شروح علی عنقاء مغرب: البرق اللامع المغرب في شرح عنقاء المغرب لأبي القاسم سعدي (تـ 982هـ/1574م)؛ الأغرب من العجالة الأعجب لعلي بن محمد بن أحمد الحجازي؛ كشف القناع المعجب عن وجه عنقاء مغرب لمحمد بن محمود الداموني (تـ 1199هـ/ 17785م)؛ إظهار المختوم عن سر المكتوم لعبد الرحمن بن الحسن الشافعي المقابري الحلبي (تـ 933هـ/1526م)؛ الوعاء المختوم علی السر المكتوم لعبد الكریم الجیلي.
لم یترجم من تصانیف ابن عربي الكثیرة سوی القلیل إلی اللغات الأوروبیة، ولا شك في أن ذلك یعود إلی صعوبة فهم معانیها، ولیس لصعوبة لغة ابن عربي التي هي صعبة أیضاً. لابد أن تذكر منها: 1. الترجمة الإنجلیزیة لدیوان ترجمان الأشواق الذي نشره المستشرق الإنجلیزي نیكلسون مع نصه العربي بلندن في 1911م؛ 2. رسالة في الأحدیة، ترجمة عبد الهادي، طبعت بباریس في 1933م؛ 3. كتاب الألف وهو كتاب الأحدیة، ترجمة ویر في «مجلة الجمعیة الآسیویة الملكیة»؛ 4. الترجمة الفرنسیة لمختارات من مقدمة الفتوحات لفالسان؛ 5. الترجمة الفرنسیة لأقسام من فصوص الحكم لتیتوس بوركهارت باسم «حكمة الأنبیاء»، باریس، 1955م؛ 6. الترجمة الإنجلیزیة لأقسام من الفصوص للخواجه خان بنفس الاسم «حكمة الأنبیاء»، مدرس، 1929م؛ 7. الترجمة الإسبانیة لمختارات من عدة كتب لابن عربي لآسین بالاثیوس في كتاب له باسم «الإسلام المتنصرة»، مدرید، 1931م؛ 8. رسالة في معنی النفس والروح، النص والترجمة الإسبانیة له في «مقالات المؤتمر الرابع عشر للمستشرقین»، الجزائر، 1905م؛ 9. ترجمة إنجلیزیة للأقسام المتعلقة بشیوخ ابن عربي في رسالة روح القدس ورسالة الدرة الفاخرة لآستین باسم «صوفیو الأندلس» لندن، 1971م؛ 10. ترجمة فرنسیة ودراسة تحلیلیة لمقدمة ابن عربي في ترجمان الأشواق، لهنري كربن، في إرانوس سیاربوخ 1956م؛ 11. الترجمة الفرنسیة لـ اصطلاحات الصوفیة لابن عربي لآندره رینیه في مجلة موزؤن، 1935م. وترجَمَ هنري كربن أقساماً من الباب الثامن من الفتوحات (1/128-131) في كتابه «الأرض السماویة والجدث المبعوث» (باریس، 1960م)، مع شرح له إلی الفرنسیة (للاطلاع علی أكثر هذه الترجمات، ظ: یحیی، II/699).
یمكن أن یعتبر ابن عربي بحق أكبر وأبرز مؤسسي العرفان الفلسفي أو الفلسفة العرفانیة أو الحكمة الإلهیة العرفانیة في تاریخ الإسلام، وقد لا نبالغ إذا قلنا إنه أكبر عالم عرفاني في جمیع العصور. ولایمكن أن نجد عالماً عارفاً أو عارفاً عالماً أو فیلسوفاً صوفي النزعة في عالم الإسلام لم یتأثر تأثیراً عمیقاً بآراء ابن عربي بشكل من الأشكال ولایزال هذا التأثر إلی یومنا هذا. فلیس اعتباطاً أن یلقب بـ «الشیخ الأكبر». عاش ابن عربي في فترة من تاریخ العالم الإسلامي سبقته أجواء اجتماعیة وروحیة مضطربة ولاسیما الأجواء الروحیة التي كانت طافحة بالتجارب والأفكار والنظریات العرفانیة والفلسفیة. وكانت أوساط التصوف والعرفان بالأندلس الإسلامیة قبل ولادة ابن عربي بعدة عقود تصخب بمجالس أمثال ابن بَرَّجان وابن عریف صاحب كتاب محاسن المجالس والصوفي الثوري ابن قَسي صاحب كتاب خلع النعلین الذي شرحه ابن عربي. وقد تطرق ابن عربي مراراً إلی ذكر هؤلاء الثلاثة في الفتوحات وكتبه الأخری، وكان إلی جانبهم عارفون ومتصوفة آخرون بلغوا منزلة روحیة سامیة. كما كانت البیئة الاجتماعیة والروحیة في الشرق الإسلامي (سوریة والعراق وإیران) تسودها التقالید العرفانیة العریقة المتجذرة، فكانت تنتشر فیها الآراء الیونانیة والأفلاطونیة الحدیثة و الغنوصیة وعقائد المعتزلة وإخوان الصفا والنزعات الفلسفیة الأرسطیة – المشائیة والإشراقیة. ویجب أن لاننسی أن شهاب الدين یحیی بن حَبَش السهرورودي (مقتـ 587هـ/1191م) قتل في السنة التي كان ابن عربي فیها یبلغ من العمر 27 عاماً.
ولذلك فإن تراثاً روحیاً كبیراً ساهم في تكوین نظرة ابن عربي العرفانیة، وكان لقدرته الفكریة العجیبة أثر في إنتاج مجموعة كبیرة نادرة من التصانیف ضمنها آراءه وعقائده وأفكاره الأساسیة، ولكن لیس من السهل تناولها في خضم المواضیع الفرعیة وفي لغة تزخر بالمجازات والرموز والمصطلحات الخاصة المجهولة والغامضة أحیاناً وتجعل من الصعوبة فهم مدوناته، حیث یمكن قبول ما حكم به نیكلسون حین قال: لو كان ابن عربي في كتابته أكثر اختصاراً ووضوحاً وترتیباً لعرف بشكل أفضل (ص 88). ویبدو أن ابن عربي نفسه كان لایرید أن یورد آراءه وعقائده الخاصة في موضع واحد، أو في عدد من تصانیفه بشكل صریح ومنظم ومترابط، فهو یقول: «أما التصریح بعقیدة الخلاصة فما أفردتها علی التعیین لما فیها من الغموض، لكن جئت بها مبددة في أبواب هذا الكتاب مستوفاة مبینة، لكنها كما ذكرنا متفرقة، فمن رزقه الله الفهم فیها یعرف أمرها ویمیزها من غیرها فإنه العلم الحق والقول الصدق ولیس وراءها مرمی» (الفتوحات، 1/38). ویصرح ابن عربي في موضع آخر من الفتوحات «فالعلم الإلهي هو الذي كان الله سبحانه معلمه بالإلهام والإلقاء وبإنزال الروح الأمین علی قلبه وهذا الكتاب من ذلك النمط عندنا فوالله ما كتبت منه حرفاً إلا عن إملاء إلهي وإلقاء رباني أو نفث روحاني في روع كیاني» (3/456).
ولابد هنا من القول قبل كل شيء إن نظرة ابن عربي العالمیة تعتمد علی عرفانه النابع من تجربته وحیاته. والنقطة الأخری في بدء الحدیث عن نظرته العالمیة التي لابد من الإشارة إلیها والتأكید علیها، هي اهتمام ابن عربي ببعض المفاهیم كالمعرفة والعلم والعقل والإدراك والكشف والشهود أو الوجود والذوق، وبعبارة أخری دركه لنوعین من المعرفة أو الدرك العقلي والمعرفة الكشفیة – الشهودیة. ونری ابن عربي دون أن ینكر المعرفة العقلیة والنظریة أو یراها غیر معتبرة، لایعتقد في المرحلة الأولی بأصالتها ویقتصر فیها علی أصالة المعرفة والدرك بالكشف والشهود، فهو من ناحیة یمنع القراء من إنكار المسائل الفلسفیة أو اعتبار الفلاسفي بلا دین ویقول: «الفیلسوف لیس كل علمه باطلاً فعسی تكون مسألة فیما عنده من الحق ولاسیما وجدنا الرسول(ص) قد قال بها… فإن كنا لانعرف الحقائق ینبغي لنا أن نثبت قول الفیلسوف في تلك المسألة المعینة وأنها حق…و أما قولك إن الفیلسوف لا دین له فلایدل كونه لا دین له علی أن كل ما عنده باطل» (ن.م، 1/32).
ثم إن ابن عربي یقسم العلوم من حیث طریقة المعرفة ومحتواها إلی ثلاثة أقسام: 1. علم العقل وهو كل علم یحصل لك ضرورة أو عقیب نظر في دلیل بشرط العثور علی وجه الدلیل، وهذا العلم منه صحیح ومنه فاسد؛ 2. علم الأحوال ولا سبیل إلیها إلا بالذوق. فلایقدر عاقل علی أن یحدّها، ولایقیم علی معرفتها دلیلاً، كالعلم بحلاوة العسل ومرارة الصبر ولذة الجماع والعشق والوجد والشوق وما شاكل هذا النوع. فهذه العلوم من المحال أن یعلمها أحد إلا بأن یتصف بها ویذوقها؛ 3. علم الأسرار وهو العلم الذي فوق طور العقل. وعلم نفث روح القدس في الروع یختص به النبي والولي… وصاحب علم الأسرار یعلم العلوم كلها ویستغرقها ولیس صاحب العلوم الأخری كذلك. فلا علم أشرف من هذا العلم المحیط الحاوي علی جمیع المعلومات (ن.م، 1/31). وهذا علم الأسرار الذي یطلق علیه ابن عربي عبارة أخری هي العلم الإلهي ویقول: العلم الإلهي هو أصل العلوم كلها وإلیه ترجع (ن.م، 1/143).
وبعد أن ینتقد ابن عربي بشدة أولئك الذین یدعوهم علماء الرسوم، یقول: ولا أشد من علماء الرسوم علی أهل الله المختصین بخدمته العارفین بهعن طریق الوهب الإلهي… فهم لهذه الطائفة [طائفة اهل الله] مثل الفراعنة للرسل… فهم ینكرون علی أهل الله إذا جاؤوا بشيء مما یغمض عن إدراكهم، لأنهم یعتقدون فیهم بأنهم لیسوا بعلماء. وإن العلم لایحصل إلا بالقلم المعتاد في العرف، وصدقوا. فإن أصحابنا [أي أصحاب الطریقة العرفانیة] ماحصل لهم ذلك العلم إلا بالتعلم وهو الإعلام الرحماني الرباني… فالله معلم الإنسان فلانشك في أن أهل الله هم ورثة الرسل… فصدق علماء الرسوم عندنا فیما قالوا: إن العلم لایكون إلا بالتعلم، وأخطأوا في اعتقادهم أن الله لایعلّم من لیس بنبي ولا رسول. یقول الله: «یؤتي الحكمة من یشاء» (البقرة/ 2/269)، ولكن علماء الرسوم لما آثروا الدنیا علی الآخرة وآثروا جانب الخلق علی جانب الحق، وتعوّدوا أخذ العلم من الكتب ومن أفواه الرجال الذین من جنسهم، ورأوا في زعمهم أنهم من أهل الله بما علموا وامتازوا به عن العامة، حجبهم ذلك عن أن یعلموا أن لله عباداً تولی تعلیمهم في سرائرهم بما أنزله في كتبه وعلی ألسنة رسله وهو العلم الصحیح عن العالم المعلم الذي لایشك أحد في كمال علمه (الفتوحات، 1/279). طالما أكد ابن عربي مرات ومرات علی أن ما یعرفه أهل الله إنما عن طریق الذوق لا عن الفكر والتدبر (ن.م، 3/431). فیقول في موضع آخر: «وعلم الأذواق لاعن فكر، وهو العلم الصحیح وما عداه فحدس وتخمین» (فصوص…، 173).
ویسمي في موضع آخر علوم أهل الله بعلوم الأكابر، فیقول: علوم الأكابر ذوق فهو عن تجلّ ذلهي… فإنا ما نتكلم ولانترجم إلا عما وقع من الأمر لاعما یمكن فیه عقلاً، وهذا الفرق بین أهل الكشف فیما یخبرون به وهم أهل البصائر وبین أهل النظر العقلي. والفائدة إنما هي فیما وقع لا فیما یمكن فإن ذلك علم لاعلم وما وقع فهو علم محقق (الفتوحات، 2/487). ویقسم ابن عربي العلوم عامة إلی قسمین: علم الكسب وعلم الوهب أو الدهش، ویقول في شرحهما: ثَمَّ علم اكتسبناه من أفكارنا ومن حواسنا وثَمَّ علم آخر لم نكتسبه بشيء من عندنا، بل هبة من الله أنزله في قلوبنا وعلی أسرارنا فوجدناه من غیر سبب ظاهر، وهي مسألة دقیقة، فإن أكثر الناس یتخیلون أن العلوم الحاصلة عن التقوی علوم وهب، ولیست كذلك، وإنما هي علوم مكتسبة بالتقوی. فإن التقوی جعلها الله طریقاً إلی حصول هذا العلم، كما جعل الفكر الصحیح سبباً لحصول العلم، لكن بترتیب المقدمات كما جعل البصر سبباً لحصول العلم بالمبصرات، والعلم الوهبي لایحصل عن سبب بل من لدنه سبحانه (ن.م، 1/254).
وبعد أن یقسم ابن عربي العلوم إلی أربع طبقات: العلم الإلهي والطبیعي والریاضي والمنطقي، وأن من جمعها الحكیم، یؤكد علی أنه لیس ثَمّ إلا هذه الأربع مراتب من العلوم وتختلف الطریق في تحصیلها بین الفكر والوهب وهو الفیض الإلهي. ثم یضیف قائلاً: وعلیه طریقة أصحابنا لیس لهم في الفكر دخول لما یتطرق إلیه من الفساد، والصحة فیه مظنونة، فلا یوثق فیما یعطیه الفكر. ویقول: وأعني «بأصحابنا» أصحاب القلوب والمشاهدات والمكاشفات لا العبّاد ولا الزهاد ولامطلق الصوفیة إلا أهل الحقائق والتحقیق منهم. ولهذا یقال في علوم النبوة والولایة أنها وراء طور العقل، ولیس للعقل فیها دخول بفكر، لكن له القبول خاصة عند سلیم العقل الذي لم یغلب علیه شبهة خیالیة فكریة یكون من ذلك فساد نظره (ن.م، 1/261).
ویشیر ابن عربي إلی هذه النقطة في حدیثه عن الفلاسفة، فیقول: وما ثَمّ شيء إلا ویجوز أن ینال العلم به من طریق الكشف والوجود، والاشتغال بالفكر حجاب وغیرنا یمنع هذا، ولكن لایمنعه أحد من أهل طریق الله، بل مانعه إنما هو من أهل النظر والاستدلال من علماء الرسوم الذین لا ذوق لهم في الأحوال، فإن كان لهم ذوق في الأحوال كافلاطون الإلهي من الحكماء فذلك نادر. وما كره أفاطون من بعض أهل الإسلام إلا لنسبته إلی الفلسفة لجهلهم بمدلول هذه اللفظة. والحكماء هم علی الحقیقة العلماء بالله وبكل شيء ومنزلة ذلك الشيء، والفیلسوف معناه محب الحكمة لأن «سوفیا» باللغة الیونانیة هي «الحكمة» والفلسفة معناه «حب الحكمة» وكل عاقل یحب الحكمة، غیر أن أهل الفكر خطأهم في «الإلهیات» أكثر من إصابتهم سواء كان فیلسوفاً أو معتزلیاً أو أشعریاً أو ما كان من أصناف أهل النظر. فما ذمت الفلاسفة لمجرد هذا الاسم، وإنما ذموا لما أخطأوا فیه من العلم الإلهي مما یعارض ماجاءت به الرسل. وما علم أهل النظر أن الله وهب قوة في بعض عباده تعطي حكماً خلاف ما تعطي قوة العقل في بعض الأمور وتوافق في بعض، وهذا هو المقام الخارج عن طور العقل فلا یستقل العقل بإدراكه (ن.م، 2/523).
ویورد ابن عربي حدیثین طریقین حول ذلك لأبي یزید البسطامي والشیخ أبي مدین، ذكرهما یزید الموضوع وضوحاً، یقول أبو یزید مخاطباً علماء الرسوم: أخذتم علمكم میتاً عن میت أخذنا علمنا عن الحي الذي لایموت، یقول أمثالنا: حدثني قلبي من ربي، وأنتم تقولون: حدثني فلان؛ فنسأل: أین هو: فیقولون مات؛ عن فلان، وأین هو؟ یقولون: مات. وكان الشیخ أبو مدین إذا قیل له قال فلان عن فلان عن فلان، یقول: ما نرید نأكل قدیداً، هاتوا ائتوني بلحم طري (ن.م، 1/280). وبناء علی هذه العقائد یصرح ابن عربي بأن ترتیب كتاب الفتوحات لم یكن باختیاره، فالله تعالی رتّب علی یده هذا الترتیب فتركه ولم یدخل فیه برأیه ولا بعقله، والله أملی علی قلبه (ن.م، 2/163). وأخیراً یصرح بأن الله مصدر علومه وأنه أخذها عنه بخلو القلب عن الفكر والاستعداد لقبول الواردات وبذلك أعطی الأمر علی أصله وعرف الحقائق علی ما هي. سواء كانت المفردات أو الحادثة بحدوث التألیف أو الحقائق الإلهیة، لایمتري في شيء منها، ثم یقول «فمن هناك هو علمنا والحق سبحانه معلمنا» (ن.م، 1/56).
وبناء علی هذا فابن عربي یفكر من جهة في كل ما یكتبه بما یطابق جمیع الموازین والمعاییر المنطقیة المعروفة ویستدل بها، كما یری من جهة أخری أن الكشف والشهود والنظر الباطنی والانكشاف المفاجئ وظهور ومضات الحقیقة أو الحقائق في باطنه، أفضل الموازین والمعاییر للوصول إلی العلم والمعرفة. والمعرفة الحقیقیة عنده أن یعرف الإنسان كل أمر وكل شيء كما هو في ذاته وهو هدف بعید المنال لایمكن أن یصل إلیه الإنسان. ویتناول ابن عربي هذه النقطة المهمة بالتفصیل كما سنری في بحث معرفة الله. ومع ذلك یجدر هنا أن نشیر إلی إحدی أهم جوانب نظرته في هذا الخصوص، لتكون مرشداً للتعرف كلیاً علی «نظریة المعرفة العرفانیة» عنده. فبناء علی نظرة ابن عربي العرفانیة لایصح العلم لأحد إلا لمن عرف الأشیاء بذاته، وكل من عرف شیئاً بأمر زائد علی ذاته فهو مقلد لذلك الزائد فیما أعطاه، وما في الوجود الآن مَن علم الأشیاء بذاته إلا واحد [وهو الله] وكل ما سوی هذا الواحد فعلمه بالأشیاء وغیر الأشیاء تقلید، وإذا ثبت أنه لایصح فیما سوی الله العلم بشيء إلا عن تقلید فلنقلد الله ولاسیما في العلم به؛ فإن الإنسان لایعلم شیئاً إلا بقوة ما من قواه التي أعطاه الله وهي الحواس والعقل. فالإنسان لابد أن یقلد حسه فیما یعطیه، وقد یغلط هذا الحس وقد یوافق الأمر علی ما هو علیه في نفسه أو یقلد عقله فیما یعطیه من ضرورة أو نظر. والعقل یقلد الفكر، ومنه صحیح وفاسد؛ فیكون علم العقل بالأمور بالاتفاق فماثَمّ إلا تقلید. وإذا كان الأمر علی ما قلناه فینبغي للعاقل إذا أراد أن یعرف الله فلیقلده فیما أخبر به عن نفسه في كتبه وعلی ألسنة رسله؛ وإذا أراد أن یعرف الأشیاء فلایعرفها بما تعطیه قواه، ولیسع بكثرة الطاعات حتی یكون الحق سمعه وبصره وجمیع قواه فیعرف الأمور كلها بالله، ویعرف الله بالله، إذ ولابد من التقلید، وإذا عرفت الله بالله، والأمور كلها بالله لم یدخل علیك في ذلك جهل ولاشبهة ولاشك ولاریب، فقد نبهتك علی أمر ما طرق سمعك. فإن العقلاء من أهل النظر یتخیلون أنهم علماء بما أعطاهم النظر والحس والعقل وهم في مقام التقلید لهم. وما من قوة – من القوی الظاهرة والباطنة في الإنسان – إلا ولها غلط، وقد علموه ومع هذا غالطوا أنفسهم، وفرقوا بین ما یغلط فیه الحس والعقل والفكر وبین مالا یغلط فیه، وما یدریهم لعل الذي جعلوه غلطاً یكون صحیحاً، ولامزیل لهذا الداء العضال إلا من یكون علمه بكل معلوم بالله ولابغیره لأن الله عالم بذاته ولا بأمر زائد (ن.م، 2/298).
وبناء علی ما مرّ فإن البحث في النظرة العالمیة العرفانیة عند ابن عربي عمل صعب وسیر في طریق متداخل لایخلو غالباً من انحراف في الفهم وحتی إضاعة السبیل ولهذا وضعت شروح مختلفة لبعض تصانیفه، ومن ناحیة أخری فلیس ابن عربي ذلك العارف العالم ممن لایفصح عن مكنونات قلبه، وإن أوردها مبعثرة ومتفرقة هنا وهناك یكتنفها الحذر والخشیة حیناً وحیناً آخر بلا خوف ولا غموض ولذلك سنسعی لإیراد صورة ظاهریة وتخطیطیة لنظرة ابن عربي العالمیة العرفانیة بالاعتماد علی أفكاره الخاصة تحت ثلاثة عناوین: 1. معرفة الوجود ومعرفة الله العرفانیة، 2. معرفة العالم والنظریة العرفانیة لظهور العالم، 3. معرفة الإنسان العرفانیة.
یمكن اعتبار البحث في معرفة الوجود ومعرفة الله العرفانیة عند ابن عربي من أهم ما وصلت إلیه أبحاثه النظریة – العقلیة والكشفیة – الشهودیة، والتي اتسع میدان تأثیرها في العصور التالیة اتساعاً كبیراً، حیث إن جمیع العلماء من الفلاسفة-العرفانیین بعده نهلوا قلیلاً أو كثیراً من ینبوع آرائه في هذا الخصوص.
ویبدأ ابن عربي بحثه في معرفة الوجود بأن الوجود والعدم أمران لیسا بشيء زائد علی الموجود والمعدوم، بل هما نفس الموجود والمعدوم. لكن الوهم یتخیل أن الوجود والعدم صفتان راجعتان إلی الموجود والمعدوم، یتخیلهما كالبیت، والموجود والمعدوم قد دخلا فیه، ولهذا یقال: قد دخل هذا الشيء في الوجود بعد أن لم یكن، وإنما المراد بذلك عند المتحذلقین أنما معناه أن هذا الشيء وجد في عینه، فالوجود والعدم عبارتان عن «إثبات عین الشيء أو نفیه»، إذا ثبت عین الشيء أو انتفی فقد یجوز علیه الاتصاف بالعدم والوجود معاً، وذلك بالنسبة والإضافة، فیكون زید الموجود في عینه موجوداً في السوق معدوماً في الدار، فلو كان العدم والوجود من الأوصاف التي ترجع إلی الموجود كالسواد والبیاض لاستحال وصفهما بهما معاً، بل إذا كان معدوماً لم یكن موجوداً كما أنه إذا كان أسود لایكون أبیض. وقد صح وصفه بالعدم والوجود معاً في زمان واحد؛ هذا الوجود الإضافي والعدم مع ثبوت العین، فإذا صح أنه لیس بصفة قائمة بموصوف محسوس ولا موصوف معقول وحده دون إضافة فیثبت أنه من باب الإضافات والنسب مطلقاً مثل المشرق والمغرب والیمین والشمال والأمام والوراء.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode