الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / ابن عربی /

فهرس الموضوعات

ابن عربی

ابن عربی

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/23 ۲۱:۱۳:۱۵ تاریخ تألیف المقالة

والنقطة المهمة الأخری التي یتحدث عنها ابن عربي فیما یتعلق بمفهوم النفس الرحماني، الارتباط بین الهواء ونَفَس الرحمن. فیقول تحت عنوان: في الاسم الذلهي الحي وتوجهه علی إیجاد ما یظهر في ركن الهواء: فالهواء موجود عظیم، وهو أقرب الأركان نسبة إلی نَفَس الرحمن، والهواء هو نفس العالم الكبیر، وهو حیاته، وله القوة والاقتدار، وهو السبب الموجب لوجود النغمات بتحریك الآلات من حركات الأفلاك وأغصان الأشجار فیؤثر السماع الطبیعي في الأرواح فیحدث فیها هیمان وسكر وطرب؛ وقد جعل الله ركن الهواء أصل حیاة العالم الطبیعي كما جعل الماء أصل الصور الطبیعیة، فصورة الهواء من الماء، وروح الماء من الهواء، ولو سكن الهواء لهلك كل متنفس، وكل شيء في العالم متنفس، فإن الأصل نفس الرحمن، تظهر في الهواء صور الحروف والكلمات، فلولا الهواء مانطق ناطق، ولاصوت مصوت. ولما كان البارئ متكلماً ووصف نفسه بالكلام، وصف نفسه بأن له نفساً؛ فحیاة العالم بالنفخ الإلهي من حیث إن له نفساً، فلم یكن في صور العالم أحق بهذه الحیاة من الهواء، فهو الذي خرج علی صورة النفس الرحماني الذي ینفس الله به عن عباده ما یجدونه من الكرب والغم الذي تعطیه الطبیعة (ن.م، 2/450-451، عن الرحمن والنفس الرحماني، ظ: التجلیات، 124-135). ونحن نجد ما یقال مصطلح «النفس الرحماني» لأول مرة عند الفلیسوف الإسكندراني فیلون (تـ ح 40 م) فیسمیه «نفس الله» ویصفه بـ «محیي الأشیاء» والله «علة الحیاة» («حول خلق العالم»، 6).

وتشكل مقولات نفس الرحمن والعماء والخیال عند ابن عربي المبادئ الثلاثة المهمة لرؤیته العرفانیة للعالم. یقول ابن عربي: إن حقیقة الخیال المطلق هو المسمی بالعماء، الذي هو أول ظرف قبل كینونة الحق، وقد قیل لرسول الله‌(ص): أین كان ربنا قبل أن یخلق خلقه؟ قال: كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء. وإنما قال هذا من أجل أن العماء عند العرب هو السحاب الرقیق الذي تحته هواء وفوقه هواء، فلما سماه بالعماء أزال ما یسبق إلی فهم العرب من ذلك، فنفی عنه الهواء حتی یعلم أنه لایشبهه من كل وجه، فهو أول موصوف بكینونة الحق فیه، فإن للحق علی ما أخبر خمس كینونات: كینونة في العماء وهو ما ذكرناه، وكینونة في العرش وهو قوله «الرحمن علی العرش استوی» (طه/ 20/5)، وكینونة في السماء في قوله‌(ص): «ینزل ربنا كل لیلة إلی السماء الدنیا»، وكینونة في الأرض وهو قوله «وهو الله في السموات وفي الأرض» (الأنعام/6/3)، وكینونة عامة وهو مع الموجودات علی مراتبها حیثما كانت كما بین ذلك في حقنا فقال «وهو معكم أینما كنتم» (الحدید/57/4). ففتح الله في ذلك العماء صور كل ما سواه من العالم، إلا أن ذلك العماء هو الخیال المحقق، ألا تراه یقبل صور الكائنات كلها، ویصور ما لیس بكائن، هذا لاتساعه، فهو عین العماء لاغیره، وفیه ظهرت جمیع الموجودات، وهو المعبر عنه بظاهر الحق في قوله: «هو الأول والآخر والظاهر والباطن»، ولهذا في الخیال المتصل یتخیل من لا معرفة له بما ینبغي لجلال الله بتصوره، فإذا تحكم علیه الخیال المتصل فما ظنك بالخیال المطلق الذي هو كینونة الحق فیه وهو العماء. وانتشاء هذا العماء من نفس الرحمن من كونه إلهاً لامن كونه رحماناً فقط، فجمیع الموجودات ظهر في العماء بـ «كن» أو بالید الإلهیة أو بالیدین، إلا العماء فظهوره بالنفس خاصة، وكان أصل ذلك النفس حكم الحب، والحب له الحركة في المحب، والنفس حركة شوقیة لمن تعشق به وتعلق له، في ذلك التنفس لذة، وقد قال تعالی كما ورد «كنت كنزاً لم أعرف فأحببت أن أعرف» فبهذا الحب وقع التنفس فظهر النفس فكان العماء (الفتوحات، 2/310).

فلما عمر هذا العماءُ الخلاءَ كله الذي هو مكان العالم أو ظرفه، إذ لو انعدم العالم لتبین الخلاء، وهو امتداد متوهَّم في غیر جسم، فهذا العماء هو الحق المخلوق به كل شيء، وسمي الحق، لأنه عین النفس، والنفس مبطون في المتنفس، فالنفس له حكم الباطن، فإذا ظهر له حكم الظاهر، فهو الأول في الباطن والآخر في الظاهر، فإنه فیه ظهر كل شيء مسمی من معدوم یمكن وجود عینه، ومن معدوم یوجد عینه، ثم ظهر في عین هذا العماء أرواح الملائكة المهیمة، وما هم ملائكة، بل هم أرواح مطهرة، ثم مازال یظهر في ذلك العماء صور أجناس العالم شئاً بعد شيء، وطوراً بعد طور إلی أن كمل العالم من حیث أجناسه، فلما كمل بقیت الأشخاص من هذه الأجناس تتكون دائماً تكوین استحالة من وجود إلی وجود، لا من عدم إلی وجود، فخلق آدم من تراب، وخلق بني آدم من نطفة… فلهذا قلنا في الأشخاص: إنها مخلوقة من وجود لا من عدم، فإن الأصل علی هذا كان، فما خلق شيء من عدم لایمكن وجوده، بل ظهر في أعیان ثابتة. وهنا یتابع ابن عربي حدیثه قائلاً: وهو قولنا في أول الفتوحات: الحمد لله الذي أوجد الأشیاء عن عدم، وعدمه عن عدم من حیث أنه لم یكن لها عین ظاهرة، وعدمه وعدم العدم وجود، أي وإن لم یكن لها عین فهذه العین من وجود ظهرت علی الحقیقة، فأعدمت العدم الأول الذي أثبته بنسبة ما، فهو من حیث تلك النسبة ثابت ومن هذه النسبة الأخری منفي (2/310-311).

ویرى ابن عربي كما مر أن سبب الخلق من قبل الله هو أنه «أحب» أن یعرف، ولذا من البدیهي بیان «النَّفَس الرحماني» و«العماء» فیما یتصل بالمحبة والحب المتبادل بین الخالق والمخلوقات. فیقول في ذلك: لما سمعت النفس الناطقة الزكیة قوله «كنت كنزاً لم أعرف…»، فعرفته لما تجلی لها في صورة طبیعیة، فعلمت أنه یستحق من تلك الصورة التي ظهر لها فیها اسم الظاهر والباطن، فعلمت أن الحب الذي أحب به أن یعرف إنما هو في الباطن المنسوب إلیه، وعلمت أن المحب من شأنه إذا قام بالصورة أن یتنفس لما في ذلك التنفس من لذة المطلوب، فخرج ذلك النفس عن أصل محبة في الخلق الذي یرید التعرف إلیهم لیعرفوه فكان العماء المسمی بالحق المخلوق به، فكان ذلك العماء جوهر العالم فقبل صور العالم وأرواحه وطبائعه كلها. وهو قابل إلی ما لایتناهي، فهذا بدء حبه إیانا، وأما حبنا إیاه فبدؤه السماع لا الرؤیة، وكما رأینا من قبل فابن عربي یری أن أول استعداد الأعیان الثابتة هو السماع، لسماعها كلام الله أو كلمة «كن» ووجودها، وهنا یشیر إلی هذا المعنی أیضاً، فقد سمعنا ونحن في جوهر العماء كلمة «كن». فالعماء من تنفس الحق، والصور المعبر عنها بالعالم ومن كلمة «كن»، فنحن كلماته التي لاتنفد؛ فلما سمعنا كلامه ونحن ثابتون في جوهر العماء، لم نتمكن أن نتوقف عن الوجود، فكنا صوراً في جوهر العماء فأعطینا بظهورنا في العماء الوجود للعماء بعد ما كان معقولي الوجود حصل له الوجود العیني، فهذا كان سبب بدء حبّنا الله (ن.م، 2/331). ویبدو النَّفَس الرحماني والعماء بشكل أوضح فیما یتعلق بالمحبة الإلهیة حیث یقول: إن في الوجود أمراً ما لایعلم وهو الله، ولاسیما للممكنات من حیث أن لها أعیاناً ثابتة لا موجودة مساوقة لواجب الوجود في الأزل. كما أن لنا تعلقاً سمعیاً ثبوتیاً لاوجودیاً بخطاب الحق، ثم إن الله اتصف لنا بالمحبة، والمحبة حكم یوجب رحمة الموصوف بها بنفسه، ولهذا یجد المتنفس راحة في تنفسه، فبروز النفس من المتنفس عین رحمته بنفسه، فما خرج عنه تعالی إلا الرحمة التي وسعت كل شيء فانسحبت علی جمیع العالم، فأول صورة قبل نفس الرحمن صورة العماء فهو بخار رحماني فیه الرحمة، بل هو عین الرحمة، فكان ذلك أول ظرف قبله وجود الحق، فكان الحق للعماء كالقلب للإنسان (ن.م، 3/429-430، قا: 3/420).

وأخیراً تجدر الإشارة إلی تعبیر دقیق آخر عن العماء عند ابن عربي حیث یقولك العماء هو أول الأینیات، ومنه ظهرت الظروف المكانیات والمراتب فیمن لم یقبل المكان وقبل المكانة، ومنه ظهرت المَحال القابلة للمعاني الجسمانیة حساً وخیالاً، والعماء موجود شریف، الحق معناه، وهو الحق المخلوق به كل موجود سوی الله، وهو المعنی الذي ثبتت فیه واستقرت أعیان الممكنات، ویقبل حقیقة الأین وظرفیة المكان ورتبة المكانة واسم المحل (ن.م، 2/283).

الخیال: فإن ابن عربي یربط بین مقولتي العماء والخیال، وللخیال في النظام الفكري لدیه أهمیة خاصة، یجدر أن نتناولها باختصار. وتبدو أهمیة الخیال عنده أولاً في هذا البیت:

لولا الخیال لكنا الیوم في عدم ولا انقضی غرض فینا ولا وطر (ن.م، 1/304).

ویعدد ابن عربي في ترتیبه علوم المعرفة السبعة من حیث المذهب وطریقه إلی 1. علم بالحقائق، أي العلم بالأسماء الإلهیة؛ 2. العلم بتجلي الحق في الأشیاء؛ 3. العلم بخطاب الحق عباده؛ 4. علم الكمال والنقص في الوجود؛ 5. علم الإنسان نفسه من جهة حقائقه؛ 6. علم الخیال وعالمه المتصل والمنفصل؛ 7. علم الأدویة والعلل (ن.م، 2/299 وما بعدها). فعلم «الخیال» یقع في المرتبة السادسة حیث یقول عنه ابن عربي: والنوع السادس من علوم المعرفة هو علم الخیال وعالمه المتصل والمنفصل، وهذا ركن عظیم من أركان المعرفة، وهذا هو علم البرزخ، وعلم عالم الأجساد التي تظهر فیها الروحانیات، وهو علم سوق الجنة، وهو علم التجلي الإلهي في القیامة في صور التبدل، وهو علم ظهور المعاني التي لاتقوم بنفسها مجسدة، وهو علم ما یراه الناس في النوم، وعلم الموطن الذي یكون فیه الخلق بعد الموت وقبل البعث، وهو علم الصور، وفیه تظهر الصور، وفیه تظهر الصور المرئیات في الأجسام الصقیلة كالمرآة، ولیس بعد العلم بالأسماء الإلهیة ولا التجلي وعمومه أتم من هذا الركن فإنه واسطة العقد، إلیه تعرج الحواس وإلیه تنزل المعاني (ن.م، 2/309).

ویجدر القول هنا إن عالَم الخیال وكذلك «عالم المثال» في مدرسة ابن عربي یسمیان «البرزخ» أو «عالم المثال المطلق». یقول صدر الدین القونوي كبیر تلامذة ابن عربي عن ذلك: عالم المثال المطلق مرتبة بین عالم الأرواح وعالم الأجسام، ولعالم الخیال مرتبتان واسمان: مرتبة مقیدة تختص بالإنسان وبكل متخیل، ویسمی باعتبار تقییده خیالاً، وانطباع المعاني والأرواح فیه، قد یكون مطابقاً، وقد یكون غیر مطابق، وذلك بحسب صحة شكل الدماغ واختلاله وانحراف المزاج واعتداله، وقوة المصورة وضعفها، وهذا العالم في مرتبة إطلاقه یسمی عالم المثال، وكل ما یتجسد فیه یكون مطابقاً للواقع (ص 204).

ویربط ابن عربي نظریاته عن العماء التي تحدثنا عن أكثرها بنظریة «الخیال» ویقول: ولولا قوة الخیال ما ظهر من هذا الذي أظهرناه لكم شيء فإنه أوسع الكائنات وأكمل الموجودات، ویقبل الصور الروحانیات، وهو التشكل في الصور المختلفة من الاستحالة الكائنة، والاستحالة منها مافیها سرعة كاستحالة الأرواح صوراً جسدیة، والمعاني صوراً جسدیة تظهر في كون هذا العماء، وثَمّ استحالات فیها بطء كاستحالة الماء هواء والهواء ناراً والنطفة إنساناً والعناصر نباتاً وحیواناً، فهذه كلها وإن كانت استحالات فما لها سرعة استحالة الصور في القوة المتخیلة في الإنسان، وهو الخیال المتصل. فالفرق بین الخیال المتصل والخیال المنفصل، أن المتصل یذهب بذهاب المتخیل، والمنفصل حضرة ذاتیة قابلة دائماً للمعاني والأرواح فتجسدها بخاصیتها، ومن هذا الخیال المنفصل یكون الخیال المتصل والخیال المتصل علی نوعین: منه ما یوجد عن تخیل ومنه ما لایوجد عن تخیل كالنائم ما هو عن تخیل ما یراه من الصور في نومه، الذي یوجد عن تخیل ما یمسكه الإنسان في نفسه من مثل ما أحس به أو ما صورته القوة المصورة إنشاء لصورة لم یدركها الحس من حیث مجموعها، لكن جمیع آحاد المجموع لابد أن یكون محسوساً فقد یندرج المتخیل الذي هو صورة الملك في صورة البشر، وهو من الخیال المنفصل في الخیال المتصل، فیرفعه في الخیال المتصل، وهو خیال بینهما صورة حسیة لولاها ما رفع مثالها الخیال المتصل، ومن هذا الباب التجلي الإلهي في صور الاعتقادات. ویورد ابن عربي هنا حدیثاً من صحیح مسلم یظهر فیه الله بصور اعتقادات الناس، ویعرفونه بهذه الصور، ویستنتج من ذلك أن هذا الخبر یشیر إلی تحول الحق في الصور وهو لا غیره، ثم یقول: هذا عین ما أردناه من اختلاف الصور في العماء، أعني صور العالم، فالصور بما هي صور هي المتخیلات، والعماء الظاهرة فیه هو الخیال. فما أوسع حضرة الخیال، وفیها یظهر وجود المحال، بل لایظهر فیها علی التحقیق إلا وجود المحال، فإن الواجب الوجود، وهو الله تعالی لایقبل لاصور، وقد ظهر بالصورة في هذه الحضرة، فقد قبل المحال الوجود، الوجود في هذه الحضرة. فقد ثبت أن الحكم للخیال بكل وجه، وعلی كل حال في المحسوس والمعقول، والحواس والعقول، وفي الصور والمعاني، وفي المحدث وفي القدیم، وفي المحال وفي الممكن، وفي الواجب الوجود، ثم یستنتج ابن عربي قائلاً: إن من لایعرف مرتبة الخیال فلا معرفة له جملة واحدة، وهذا الركن من المعرفة، إذا لم یحصل للعارفین فما عندهم من المعرفة رائحة (الفتوحات، 2/311-313).

ثم یعدد ابن عربي خصائص أخری للخیال: فحقیقة الخیال التبدل في كل حال والظهور في كل صورة، فلا وجود حقیقي لایقبل التبدیل إلا الله. فما في الوجود المحقق إلا الله، وأما ما سواه فهو في الوجود الخیالي. وإذا ظهر الحق في هذا الوجود الخیالي، ما یظهر فیه إلا بحسب حقیقته لا بذاته التي لها الوجود الحقیقي؛ فكل ما سوی ذات الحق خیال حائل وظل زائل. فلایبقی كون في الدنیا والاخرة وما بینهما ولا روح ولا نفس ولا شيء مما سوی الله، أعني ذات الحق علی حالة واحدة، بل تتبدل من صورة إلی صورة دائماً أبداً، ولیس الخیال إلا هذا، فهذا هو عین معقولیة الخیال (ن.م، 2/313).

والجدیر بالذكر هنا أن للوجود في نظر ابن عربي ومدرسته مراتب خمساً یسمیها الحضرات الخمس، وتسمی هذه المراتب أیضاً «التنزلات الخمسة» لله الأحد إلی العالم الظاهر، یعني عالم الحس: 1. تجلي الذات في صور الأعیان الثابتة التي هي عالم المعاني؛ 2. التنزل من عالم المعاني إلی التعینات الروحیة حیث عالم الأرواح المجردة؛ 3. التنزل إلی التعینات النفسیة حیث عالم النفوس الناطقة؛ 4. التنزلات المثالیة المتجسدة والمتشكلة من غیر المادة والتي هي حقیقة خیال العالم؛ 5. عالم الأجسام المادیة، أي عالم الحس والظهور (ظ: الكاشاني، شرح فصوص، 333-334). وعالم المثال عند ابن عربي عالم حقیقي تظهر فیه صور الأشیاء بشكل بین اللطافة والغلظة أو بین الروحانیة المحضة والمادیة الصرف، وهذا هو ما یسمیه عالم المثال المطلق أو المنفصل أو الخیال المطلق أو المنفصل. وعالم الخیال أو المثال المطلق حضرة تظهر فیه الحقائق بشكل رمزي تجسد فیا الأرواح وتتمثل فیها الأجساد بشكل الأرواح، یقع مقابل عالم الخیال المطلق أو المنفصل، وعالم المثال المطلق أو المنفصل، عالم الخیال أو المثال المقید أو المتصل، وهذا العالم ساحة المخیلة الإنسانیة التي هي كمرآة تنعكس فیها صور عالم المثال أو الخیال المطلق. ویعتبر ابن عربي الرؤیا والحلم مجال نشاط الخیال وإبداعه، ثم إن الخیال عند ابن عربي برزخ بین عالم المثال المطلق وعالم المحسوسات، فیعرض له صورة مثیرة تعكس خصائص الخیال ویقول: إن البرزخ عبارة عن أمر فاصل بین أمرین لایكون متطرفاً أبداً كالخط الفاصل بین الظل والشمس، وإن عجز الحس عن الفصل بینهما والعقل یقضي أن بینهما حاجزاً یفصل بینهما، فذلك الحاجز المعقول هو البرزخ، فإن أدرك بالحس فهو أحد الأمرین، ما هو البرزخ. ولما كان البرزخ أمراً فاصلاً بین معلوم وغیر معلوم وبین معدوم وموجود وبین منفي ومثبت وبین معقول وغیر معقول، سمي برزخاً مصطلحاً، وهو معقول في نفسه، ولیس إلا الخیال، إذا أدركه الإنسان، وكان عاقلاً تعلم أنه أدرك شیئاً وجودیاً وقع بصره علیه، وعلم قطعاً ما بدلیل أنه ما ثَمّ شيء رأساً وأصلاً، فما هو هذا الذي أثبت له شیئیة وجودیة ونفاها عنه في حال إثباته إیاه؟ فالخیال لاموجود ولامعدوم ولامعلوم ولامجهول ولامنفي ولامثبت، كما یدرك الإنسان صورته في المرآة یعلم قطعاً أنه أدرك صورته بوجه. ویعلم قطعاً أنه ما أدرك صورته بوجه، لما یری فیها من الدقة إذا كان جرم المرآة صغیراً، ویعلم أن صورته أكبر من التي رأی بما لایتقارب. وإذا كان جرم المرآة كبیراً، ویری صورته في غایة الكبر، ویقطع أن صورته أصغر مما رأی. ولایقدر أن ینكر أنه رأی صورته في المرآة، ویعلم أنه لیس في المرآة صورته، ولا هي بینه وبین المرآة، ولا هو انعكاس شعاع البصر إلی الصورة المرئیة فیها من خارج سواء كانت صورته أو غیرها، إذ لوكان كذلك لأدرك الصورة علی قدرها، وما هي علیه، وفي رؤیتها في السیف من الطول أو العرض یتبین ما ذكر، مع علمه أنه رأی صورته بلاشك، وهو بذلك لیس بصادق ولاكاذب في قوله إنه رأی صورته، ما رأی صورته، فما تلك الصورة المرئیة؟ وأین محلها؟ وما شأنها؟ فعلیه یمكن القول إنها منفیة ثابتة، موجودة معدومة، معلومة مجهولة، والإنسان یری مثل هذه الحقیقة ما یراه النائم في حال نومه والمیت بعد موته، كما یری في خیاله الأعراض صوراً قائمة بنفسها تتكلم معه، وكذلك الأجساد التي لاشك بوجودها، فجعل الله هذا الخیال نوراً یدرك به تصویر كل شيء أيّ أمر كان، فنوره ینفذ في العدم المحض فیصوره وجوداً، فالخیال أحق باسم النور من جمیع المخلوقات الموصوفة بالنوریة، فنوره لایشبه الأنوار وبه تدرك التجلیات وهو نور عین الخیال لا نور عین الحس، ثم یضیف ابن عربي قائلاً: والذي یقول هذا خیال فاسد، وذلك لعدم معرفة هذا القائل بإدراك النور الخیالي الذي أعطاه الله تعالی، كما أن هذا القائل یخطئ الحس في بعض مدركاته وإدراكه صحیح، والحكم لغیره لا إلیه. فالحاكم أخطأ لا الحس، كذلك الخیال أدرك بنوره ما أدرك، واله حكم، وإنما الحكم لغیره، وهو العقل، فلاینسب إلیه الخطأ فإنه ما ثَمّ خیال فاسد قط، بل هو صحیح كله (الفتوحات، 1/304-306).

الصفحة 1 من15

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: