ابن عربی
cgietitle
1442/11/23 ۲۱:۱۳:۱۵
https://cgie.org.ir/ar/article/234032
1446/11/16 ۰۱:۵۱:۲۰
نشرت
3
والصورة الأخری التي یرسمها ابن عربي لخلق الإنسان الأول قوله: لما أراد الله تعالی أن یخلق الإنسان بعدما مهد له المملكة وأحكم أسبابها، جعل نسخة من العالم كله، هو الإنسان، فما من حقیقة في العالم إلا وهي في الإنسان، فهو الكلمة الجامعة، وهو المختصر الشریف. وجعل الحقائق الإلهیة التي توجهت علی إیجاد العالم بأسره توجهت علی إیجاد هذه النشأة الإنسانیة الإمامیة («عقلة»، 94). ولكون الإنسان الكامل وجد علی صورة الحق الكاملة صحت له الخلافة والنیابة عن الله تعالی في العالم، ولسنا نرید الإنسان بما هو إنسان حیوان فقط، بل بما هو إنسان وخلیفة، وبالإنسانیة والخلافة صحت له الصورة علی الكمال (ن.م، 45-46). والفرق الذي یضعه ابن عربي لشكل الإنسان، أي الإنسان الكامل والإنسان الحیوان، نواة معرفة الإنسان الأساسیة العرفانیة عنده، وهو لایتعب من التأكید علیه. وكما أشرنا سابقاً، فحینما یبین ابن عربي سلسلة مراتب خلق الموجودات یعتبر نهایة مرحلة كل صنف منها بدایة موجود أكمل، ویبسط القول في موضع آخر حول هذه النظریة المثیرة، وبعد أن یعدد ظهور ومراتب الأجرام الكونیة وتأثیرها في العناصر الأربعة، یقول: وتولد من هذه العناصر المعدن أولاً، ثم النبات، ثم الحیوان، وآخر موجود الإنسان الحیوان خلیفة الإنسان الكامل. وهو الصورة الظاهرة التي بها جمع حقائق العالم، والإنسان الكامل هو الذي أضاف إلی جمعیة حقائق العالم، حقائق الحق التي بها صحت له الخلافة (الفتوحات، 3/437، قا: «عقلة»، 93).
ثم إن كلاً من مراتب الموجودات عند ابن عربي تتعلق كما رأینا بأحد الأسماء الإلهیة، ونتیجة توجه ذلك الاسم علی إیجاد ذلك الموجود، ویربط هنا بین نشأة الإنسان، والاسم الجامع ویقول: الاسم الجامع هو الله، ولهذا جمع الله لنشأة جسد آدم الأسماء كلها بین یدیه فقال «...لما خلقت بیديّ» (ص 38/75)، وأعطاها جمیع حقائق العالم وتجلی لها في الأسماء كلها، فحازت الصورة الإلهیة والصورة الكونیة، وجعلها روحاً للعالم، وجعل أصناف العالم له كالأعضاء من الجسم للروح المدبر له. فلو فارق العالم هذا إنسان مات العالم. فالدار الدنیا جارحة من جوارح جسد العالم الذي الإنسان روحه، فلما كان له هذا الاسم الجامع قابل الحضرتین بذاته فصحت له الخلافة وتدبیر العالم وتفصیله. فإذا لم یحز الإنسان رتبة الكمال، فهو حیوان تشبه صورته الظاهرة صورة الإنسان، وكلامنا في الإنسان الكامل، فإن الله ما خلق أولاً من هذا النوع إلا الكامل وهو آدم(ع) فهو مجلی الحق، والحق حقائق العالم بروحه الذي هو الإنسان، ولولا أن الله تعالی جمع لخلق آدم في كل أسمائه بین یدیه، فحاز الإنسان الصورتین الإلهیة والكونیة لكان من جملة الحیوان الذي یمشي علی رجلیه (الفتوحات، 2/468).
ویبین ابن عربي هذا الموضوع في موضع آخر بقوله: ولما انتهی خلق المولَّدات من الجمادات والنبات والحیوان بانتهاء إحدی وسبعین ألف سنة من سني الدنیا، ورتب العالم ترتیباً حكمیاً، لم یجمع سبحانه الأسماء لما خلقه من أول موجود إلی آخر مولد وهو الحیوان بین یدیه إلا للإنسان، وهذه هي النشأة البدنیة الترابیة، لأنه خلق كل ما سواها إما عن أمر إلهي التي هي كلمة «كن»، أو عن ید واحدة، وورد في الخبر أن الله تعالی خلق جنة عدن بیده، وكتب التوارة بیده وغرس شجرة طوبی بیده، لكنه خلق آدم الذي هو الإنسان بیدیه، فقال تعالی لإبلیس علی جهة التشریف لادم: «مامنعك أن تسجد لما خلقت بیدي» (ن.م، 1/122).
وكما أشرنا مراراً حتی الآن فإن ابن عربي یری أن الله خلق الإنسان علی صورته، وهو دائم التأكید علی هذه النقطة. والجدیر بالذكر أن ابن عربي یعتبر أثناء حدیثه عن خلق الإنسان علی صورة الله أن خلق العالم – كما سبق وقال – بدایة لخلق الإنسان، ویبین في موضع ما ظهر له من الحقائق في حال الكشف والشهود، ویقول بعد الإشارة إلی صلة العالم كله بالإنسان ونسبته إلیه وتوجه الله علی الإنسان في إیجاد عینه ولاسیما لمعرفة الله أنه رأی تقدم العالم علیه وآثاره فیه وعلم انفعاله عنه وأنه لولا العالم ما كان له وجود عیني، ثم یقول: علمت عند ذلك أني من القلیل الذین یعلمون أن خلق السموات هي الأسباب العلویة لوجودي، والأرض هي الأسباب السفلیة لوجودي، أكبر من خلق الناس قدراً، لأن لها نسبة الفاعلیة وللناس نسبة الانفعال، فأدركني انكسار یكاد أن یؤیسني عن مشاهدة الحق… فلما حصل عندي ذلك الانكسار، قیل لي: هذه الأساب وإن كان لها هذا القدر علیك في المرتبة فیما ظهر، فاعلم أنك العین المقصودة، فما وجودت هذه الأسباب إلا بسببك لتظهر أنت، فما كانت مطلوبة لأنفسها، فإن الله لما أحب أن یعرف لم یمكن أن یعرفه إلا من هو علی صورته، وما أوجد الله علی صورته أحداً إلا الإنسان الكامل، فإذا حصل حصلت المعرفة المطلوبة، فأوجد ما أوجد من الأسباب لظهور عین الإنسان الكامل… وعلمت أني من الكمل وأني لست بإنسان حیوان فقط… وعلمت أن العالم كله لولا أنا ما وجد وأنه بوجودي صح المقصود من العلم الحادث بالله، والوجود الحادث الذي هو علی صورة الوجود القدیم، وعلمت أن العلم بالله المحدث الذي هو علی صورة العلم بالله القدیم لایتمكن أن یكون إلا لمن هو في خلقه علی الصورة ولیس غیر الإنسان الكامل. ولهذا سمي كاملاً وأنه روح العالم، والعالم مسخر له علوه وسفله، وأن الإنسان الحیواني من جملة العالم المسخر له، وأنه یشبه الإنسان الكامل في الصورة الظاهرة، لافي الباطن من حیث الرتبة، كما یشبه القرد الإنسان في جمیع أعضائه الظاهرة (ن.م، 3/266).
وبالتالي، یستنتج ابن عربي أن الله أاد أن یعرف عن طریق المعرفة الحادثة لتكمیل مراتب المعرفة، وتكمیل الوجود بوجود المحدّث، ولكن لایمكن أن یعرف الشيء إلا نفسه أو مثله، فلابد أن یكون الموجود الحادث الذي یوجده الله للعلم به علی صورة موجده، حتی یكون كالمثل له، فإن الإنسان الكامل حقیقة واحدة، ولوكان بالشخص ما كان زاد علی الواحد، فهو عین الواحد، فلو لم یكن في العالم من هو علی صورة الحق ما حصل المقصود من العلم بالحق، أعني العالم الحادث من قوله: «كنت كنزاً لم أعرف، فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق وتعرفت إلیهم فعرفوني»، فجعل الله نفسه كنزاً، والكنز لایكون إلا مكتنزاً في شيء، فلم یكن كنز الحق نفسه إلا في صورة الإنسان الكامل في شیئیته وثبوته، فلما كسا الحق الإنسان ثوب شیئیة الوجود، ظهر الكنز بظهوره فعرفه الإنسان الكامل بوجوده، وعلم أنه كان مكنوزاً فیه في شیئیة ثبوته وهو لایشعر به (ن.م، 3/267).
وهنا لابد من الإشارة إلی أن أكثر المتكلمین والمحدثين من الأشعریة یرون أن حدیث الصورة غیر صحیح، ومنهم إمام الحرمین الجویني (تـ 478هـ/1085م) الذي یری أنه غیر مدون في الصحاح، وضمیره یعود إلی آدم (ص 163—164). والجدیر بالذكر أن أصل نظریة خلق الإنسان علی صورة الله وردت في التوارة «وقال الله نعمل الإنسان علی صورتنا كشبهنا… فخلق الله الإنسان علی صورته» (سفر التكوین، 1: 26-27). ثم انتقلت هذه الفكرة إلی المسیحیة ومنها المدرسة الغنوصیة، ونجد نواة هذه النظریة الأصلیة لأول مرة عند الفیلسوف الیهودي فیلون الإسكندراني، فهو یقسم الإنسان إلی نوعین: 1. «الإنسان المساوي» الذي صنع علی صورة الله وهو یفنی، و«الإنسان الإلهي»، وهو الكلمة الخالدة، ولذلك لایفنی؛ 2. الإنسان الأرضي. كما استعمل مصطلح «الإنسان الأول» الذي أورده ابن عربي أیضاً (فیلون، «التفسیر المستعار»، 49، «حول خلق العالم»، 34؛ أیضاً ظ: ابن عربي، «عقلة»، 94).
ثم إن ابن عربي یسمي الإنسان كما رأینا بـ «العالم الصغیر» مقابل «العالم الكبیر»، ویسمي العالم بـ «الإنسان الكبیر»، ویعرض صورة جمیلة لهذا الموضوع، فیقول: وكل ما سوی الله قد ظهر علی صورة موجده، فما أظهر إلا نفسه، فالعالم مظهر الحق علی الكمال، فلیس في الإمكان أبدع من هذا العالم، إذ لیس أكمل من الحق تعالی، فلوكان في الإمكان أكمل من هذا العالم لكان ثَمّ من هو أكمل من موجده، وما ثَمّ إلا الله فلیس في الإمكان إلا مثل ما ظهر، لاأكمل منه. ثم إن الله اختصر من هذا العالم مختصراً مجموعاً یحوي علی معانیه كلها من أكمل الوجوه سماه آدم، وقال إنه خلقه علی صورته، فالإنسان مجموع العالم، وهو الإنسان الصغیر، والعالم الإنسان الكبیر، أو سمّ الإنسان العالم الصغیر كیفما شئت (الفتوحات، 3/11). ونحن نجد مصطلح «العالم الصغیر» لأول مرة عند دیموكریتس (460- ح 380ق.م) وهو من الفلاسفة قبل سقراط، فیقال إنه سمی الإنسان العلام الصغیر (دیلز، II/153). وإذا لم تصح نسبة هذا المصطلح إلی ذلك الفیلسوف، فأرسطو أول فیلسوف سمی الإنسان «العالم الصغیر» (الكتاب VIII، الفصل 252b25, 2). وورد في رسائل إخوان الصفا بحث مسهب عن العالم بوصفه «الإنسان الكبیر»، والإنسان بوصفه «العالم الصغیر» (2/24، 456-479). وأكبر الظن أن ابن عربي أخذ هذه المفاهیم عن إخوان الصفا.
ونظریة الإنسان الكامل، النواة الأصلیة لمعرفة الإنسان العرفانیة عند ابن عربي. فهو یتحدث عنه في مواضع متفرقة من الفتوحات وكذلك من الفصوص ضمن بحوث شتی. ونحن نقتصر هنا علی عدد من النماذج. فیشیر في موضع إلی نقطة مهمة بقوله: فلیس العلام إنساناً كبیراً إلا بوجود الإنسان الكامل الذي هو نفسه الناطقة، كما أن نشأة الإنسان لاتكون إنساناً إلا بنفسها الناطقة، ولاتكون كاملة هذه النفس الناطقة من الإنسان إلا بالصورة الإلهیة المنصوص علیها من الرسول(ص). وبعد أن یشیر ابن عربي إلی أن الرسول(ص) هو نفس العالم، وأنه حاز درجة الكمال بتمام الصورة الإلهیة في البقاء والتنوع في الصور وأن بقاء العالم به، یقول: إن الإنسان لما كان مثال الصورة الإلهیة كالظل للشخص الذي لایفارقه علی كل حال، غیر أنه یظهر للحس تارة ویخفی تارة، فإذا خفي فهو معقول فیه، وإذا ظهر فهو مشهود بالبصر لمن یراه، فالإنسان الكامل في الحق معقول فیه كالظل إذا خفي في الشمس، فلا یظهر، فلم یزل الإنسان أزلاً وأبداً، ولهذا كان مشهوداً للحق من كونه موصوفاً بأن له بصراً، فلما مد الظل منه ظهر الإنسان بصورته، فقد ورد في القرآن: «ألم تر إلی ربك كیف مدّ الظلّ، ولوشاء لجعله ساكناً …» (الفرقان/ 25/ 45)، أي ثابتاً فیمن هو ظله فلایمده، فلا یظهر له عین في الوجود الحسي إلا لله حده، ولم یزل الإنسان الكامل مع الله، ولایزال مع الله. فهو باق ببقاء الله، وماعدا الإنسان الكامل فهو باق بإبقاء الله (الفتوحات، 3/187).
وتجدر الإشارة هنا إلی أن ابن عربي یری أن نبي الإسلام(ص) مثال للإنسان الكامل فیقول في موضع: الإنسان الكامل الذي ساد العالم في الكمال هو محمد(ص) سید الناس یوم القیامة (ن.م، 3/331)، كما یبادر ابن عربي في رسالة له باسم شجرة الكون إلی شرح ذلك وبیانه، وكیف أنه ظهر من حبة الكلمة الإلهیة «كن» شجرة الوجود والعالم، وأن الوجود كله من عنصرین، وهما مأخوذان من جزئي كلمة «كن» وهما الظلام والنور، والخیر كله من النور والشر كله من الظلمة، والمقصود من الخلق وجود «الفرع المحمدي» في شجرة الوجود (ص 5 وما بعدها، 17وما بعدها).
ونجد صورة أوضح وأدق عن الإنسان الكامل عند ابن عربي في موضع یقول فیه: خلق الله الإنسان الكامل وخلفاءه من الأناسي علی أكمل صورة، وما ثَمّ كمال إلا صورته تعالی، أخبر أنه خلق آدم علی صورته لیشهد فیعرف من طریق الشهود… فلما أسمع الحق العقل المركب في الإنسان الحیواني الخطاب، والإنسان الحیواني عرف الحق بعقله بعدما استعمل آلة فكره فلا المَلَك عرف الإنسان الكامل لأنه ما شاهده من جمیع وجوهه، ولا الإنسان الحیواني عرف الإنسان الكامل بعقله من جمیع وجوهه، فجهل الكل الإنسان الكامل، فجهلوا الحق، فما عرف الحق إلا الإنسان الكامل، وما وصل إلی هذه المعرفة بالله لا ملك ولا عقل إنسان حیواني، فإن الله حجب الجمیع عنه وما ظهر إلا للإنسان الكامل الذي هو ظله الممدود، وعرشه المحدود، وبیته المقصود الموصوف بكمال الوجود. فلا أكمل من الإنسان الكامل لأنه لا أكمل من الحق تعالی، فعلمه الإنسان الكامل من حیث عقله وشهوده، فجمع بین العلم البصري الكشفي وبین العلم العقلي الفكري، فمن رأی أو من علم الإنسان الكامل، فقد علم من استنابه واستخلفه (الفتوحات، 3/282).
ویقول ابن عربي في موضع آخر: الإنسان روح العالم والعالم الجسد، فبالمجموع یكون العالم كله هو الإنسان الكبیر والإنسان فیه، وإذا نظرت في العالم وحده دون الإنسان وجدته كالجسم المسوّی بغیر روح، وكمال العالم بالإنسان مثل كمال الجسد بالروح (ن.م، 2/67). أما الحدیث عن الإنسان الكامل فتجتمع فیه قوی جمیع العلام والأسماء الإلهیة بكمالها، فلا موجود أكمل من الإنسان الكامل، ومن لم یكمل في هذه الدنیا من الأناسي، فهو حیوان ناطق جزء من صورة الحق لاغیر، ولایلحق بدرجة الإنسان بل نسبته إلی الإنسان نسبة جسد المیت إلی الإنسان، فهو إنسان بالشكل لا بالحقیقة، وكماله بالخلافة، فلا یكون خلیفة إلا من له الأسماء الإلهیة (ن.م، 2/441). لهذا یتحدث ابن عربي عن مسألة خلافة الإنسان المهمة، ونجد أوضح ما أورده عن هذا الموضوع وفسره قله: إن الكمال المطلوب الذي خلق له الإنسان إنما هو الخلافة، فأخذها آدم(ع) بحكم العنایة الإلهیة، وهو مقام أخص من الرسالة في الرسل، لأنه ما كل رسول خلیفة، فإن درجة الرسالة إنما هي التبلیغ خاصة، فإذا أعطاه الله التحكم فیمن أرسل إلیهم فذلك هو الاستخلاف والخلافة، والرسول خلیفة، فإن ظهر بالتحكم من غیر نبوة فهو ملك ولیس بخلیفة فلا یكون خلیفة إلا من استخلفه الحق علی عباده لامن أقامه الناس وبایعوه وقدموه لأنفسهم وعلی أنفسهم. وللنفوس تعمّل مشروع في تحصیل مقام الكمال، ولیس لهم تعمّل في تحصیل النبوة، فالخلافة قد تكون مكتسبة، والنبوة غیر مكتسبة. والإنسان خلق للكمال، فما صرفه عن ذلك الكمال إلا علل وأمراض طرأت علیهم، إما في أصل ذواتهم، وإما بأمور عرضیة (ن.م،2/272).
ونجد ما استنتجه ابن عربي من نظریاته في معرفة الإنسان بصورة عامة في موضع آخر حیث یقول: فإذا نفخ في الإنسان روح القدس، التحق بالموجود المطلق التحاقاً معنویاً مقدساً، وهو حظه من الألوهیة. والإنسان نسختان نسخة ظاهرة، ونسخة باطنة، فالنسخة لاظاهرة مضاهیة للعالم بأسره، والنسخة الباطنة مضاهیة للحضرة الإلهیة، فالإنسان هو الكلي علی الإطلاق والحقیقة، إذ هو القابل لجمیع الموجودات، قدیمها وحدیثها، وما سواه من الموجودات لاتقبل ذلك فإن كل جزء من العالم لایقبل الألوهیة، والإله لایقبل العبودیة، بل العالم كله عبد. والحق سبحانه وحده إله واحد صمد. والإنسان ذو نسبتین كاملتین، نسبة یدخله بها إلی الحضرة الإلهیة، ونسبة یدخل بها إلی الحضرة الكیانیة، فیقال فیه عبد من حیث إنه مكلف، ولم یكن، ثم كان كالعالم، ویقال فیه رب من حیث إنه خلیفة ومن حیث صورة الله، ومن حیث أحسن تقویم، فكأنه برزخ بین العالم والحق وجامع لخلق وحق، وهو الخط الفاصل بین الحضرة الإلهیة والكونیة، كالخط لافاصل بین الظل والشمس، وهذه حقیقته، فللإنسان الكمال المطلق في الحدوث والقدم، والحق له الكمال المطلق في القدم، ولیس له في الحدوث مدخل یتعالی عن ذلك (إنشاء الدوائر، 21-22).
وأخیراً یقول ابن عربي في مدح الإنسان ومخاطبته: فما وراء الله مرمی وما وراءك له مرمی لأن الصورة الإلهیة بك كملت وفیك شهدت. فهو حسبك كما أنت حسبه، ولهذا كنت آخر موجود وأول مقصود، ولولا ماكنت معدوماً ماكنت مقصوداً، فصح حدوثك، ولو لاما كان علمك به معدوماً، ماصح أن ترید العلم به، فهذا من أعجب ما في الوجود أن یكون من أعطاك العلم بنفسه لایعلم نفسه إلا بك لأن الممكنات أعطت العلم بأنفسها الحق، ولایعلم شيء منها نفسه إلا بالحق، فلهذا كان حسبك لأنه الغایة التي إلیها تنتهي، وأنت حسبه لأنه ما ثَمّ بعده إلا أنت (الفتوحات، 4/154).
یعتبر ابن عربي الحب – كما سبق وأشرنا – أصل الوجود (ظ: الفتوحات، 2/323). فلیس عجیباً أن تبد نظریة الحب علی مدی مسار أفكاره العرفانیة بأشكال مختلفة وعلیها المحور الأساس في كل نظام الكون ووجود الإنسان. ویسمي هنري كربن نظریة الحب عند ابن عربي بـ «دیالكتیك الحب» ویقول في ذلك: لقد بلغ ابن عربي الذروة في شرح ظاهرة الحب بین أساتذة التصوف، واعتمد في ذلك علی رؤیته الجدلیة الخاصة (ص 111).
ویورد ابن عربي تفسیراً مسهباً للحب في مواضع عدیدة من الفتوحات ولاسیما في «باب مقام المحبة» وبعد أن یشیر هنا إلی أن الحب مقام إلهي وأن الله سمی نفسه «ودوداً» وسمي «محباً» في الخبر أیضاً، یشیر إلی حدیث الرسول(ص): «إن الله جمیل یحب الجمال» (الفتوحات، 2/322-323)، ویدعوه حدیثاً ثابتاً (ن.م، 2/114). ثم یری أن للحب أربعة ألقاب: 1. الحب، وهو خلوصه إلی القلب وصفاؤه عن كدورات العوارض، فلاغرض ولا إرادة مع محبوبة؛ 2. الود، وله اسم إلهي وهو الودود، والود من نعوته، وهو الثابت فیه؛ 3. العشق، وهو إفراط المحبة، وقد وصف الحق نفسه في الخبر بشدة الحب، غیر أنه لایطلق علی الحق اسم العشق والعاشق، والعشق التفات الحب علی المحب حتی خالط جمیع أجزائه، واشتمل علیه اشتمال الصماء، مشتق من العَشَقَة؛ 4. الهوی، وهو استفراغ الإرادة في المحبوب والتعلق به في أول ما یحصل في القلب ولیس لله منه اسم (ن.م، 2/323).
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode