الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / ابن عربی /

فهرس الموضوعات

ابن عربی

ابن عربی

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/23 ۲۱:۱۳:۱۵ تاریخ تألیف المقالة

وخلاصة الروایة الثانیة: لما نظرت الأسماء الإلهیة في حقائقها ومعانیها وأرادت ظهور أحكامها حتی تتمیز أعیانها بآثارها، لجأت هذه الأسماء التي تطلبها بعض حقائق العالم بعد ظهور عینه إلی الاسم البارئ، وقالوا له: عسی توجد هذه الأعیان لتظهر أحكامنا ویثبت سلطاننا، إذ الحضرة التي نحن فیها لاتقبل تأثیرنا. فقال البارئ: ذلك راجع إلی الاسم القادر، فإني تحت حیطته. وكان أصل هذا أن الممكنات في حال عدمها سألت الأسماء الإلهیة سؤال حال ذلة وافتقار، وقالت لها: إن العدم قد أعمانا عن إدراك بعضنا بعضاً وعن معرفة ما یجب لكم من الحق علینا، فلو أنكم أظهرتم أعیاننا وكسوتمونا حلة الوجود أنعمتم علینا بذلك، فرأت الأسماء الإلهیة أن طلب الممكنات صحیح، فتحركوا فیه، ولجأوا إلی الاسم القادر، فقال لهم، أنا تحت حیطة المرید، فالجأوا إلیه عسی أن یرجح ویخصص جانب الوجود علی جانب العدم، فحینئذ نجتمع أنا والآمر والمتكلم ونجدكم. فلجأوا إلی الاسم المرید، فقال لهم أیضاً أن یسیروا إلی الاسم العالم لیعلموا هل سبق علمه بإیجادهم أو لم یسبق. فساروا إلی الاسم العالم، وذكروا له الأمر، فقال قد سبق علمي بإیجاد كم، فإن لنا حضرة مهیمنة علینا، وهي الاسم الله، فلابد من حضورنا عنده، فإنها حضرة الجمع، فاجتمعت الأسماء كلها في حضرة الله، فقال: ما بالكم؟ فذكروا له الخبر. فقال أنا اسم جامع لحقائقكم، وإنی دلیل علی مسمی وهو ذات مقدسة له نعوت الكمال والتنزیه، فقفوا حتی أدخل علی مدلولي. فدخل علیه، وقال له ما قالته الممكنات. فخرج الاسم الله ومعه الاسم المتكلم یترجم عنه للممكنات والأسماء، فذكر لهم ما ذكره المسمی، أي مدلول اسم الله. فتعلق العالم والمرید والقائل والقادر، فظهر الممكن الأول من الممكنات بتخصیص المرید وحكم العالم (الفتوحات، 1/323).

ویبدأ ابن عربي حدیثه عن خلق العالم ونشوئه بالاستناد إلی حدیث للرسول‌(ص) ویقول: إنه ما أورد شیئاً مما ذكره أو یذكره من جزئیات العالم إلا واستند فیه إلی خبر نبوي، یصححه الكشف، ولو كان ذلك الخبر مما تكلم في طریقه فإنه لایتعتمد فیه إلا علی ما یخبر به رجال الغیب («عقلة»، 50). ثم یقول ابن عربي عن نشأة العالم: «إن الله كان ولا شيء معه»، هذا نص الخبر النبوي، وزاد علماء الشریعة فیه، وهو الآن علی ما علیه كان، فهذه الزیادة مدرجة في كلام رسول الله‌(ص) (ن.م، 47). والنقطة التي یضیفها ابن عربي عن هذا الحدیث: أن الرسول‌(ص) أتی بـ «كان» وهي حرف وجودي، لابفعل، ولم یقل «وهو الآن» فإن الآن نص في وجود الزمان فلو جعله ظرفاً لهویة البارئ لدخل تحت ظرفیة الزمان بخلاف «كان» فإن لفظ «كان» من الكون، وهو عین الوجود، فكأنه یقولك الله موجود ولا شيء معه في وجوده، فما هي من الألفاظ التي ینجرّ معها الزمان إلا بحكم التوهم، ولهذا لاینبغي أن یقال: كان فعل ماض في إعرابه (الفتوحات، 2/692).

یورد ابن عربي في موضع آخر توضیحاً أكثر حول ذلك الحدیث، فیقول: معنی قول النبي‌(ص): «كان الله ولا شيء معه»، أنه لاتصحبه الشیئیة ولاتطلق علیه، وكذلك هو ولاشيء معه، فإنه وصف ذاتي له، سلب الشیئیة عنه، وسلب معیة الشیئیة، لكنه مع الأشیاء، ولیست الأشیاء معه، لأن المعیة تابعة للعلم، فهو یعلمنا فهو معنا، ونحن لانعلمه فلسنا معه. فلفظة «كان» تعطي التقیید الزماني، ولیس المراد هنا به ذلك التقیید، وإنما المراد به الكون الذي هو الوجود ولهذا لم یرد ما یقوله علماء الرسوم من التكلمین، وهو قولهم: «وهو الآن علی ما علیه كان». ثم یستنتج ابن عربي قائلاً: فمعنی هذا الحدیث أن الله موجود ولاشيء معه، أي ما ثَمّ من وجوده واجب لذاته غیر الحق، والممكن واجب الوجود به، لأنه مظهره والحق ظاهر به. ولاشك أن المعیة في هذا الخبر ثابتة، والشیئیة منفیة، والمعیة تقتضي الكثرة، والموجود الحق هو عین وجوده في نسبته إلی نفسه وهویته، وهو عین المنعوت به مظهره، فالعین واحدة في النسبتین. والشیئیة هنا عین المظهر لاعین الحق، وهو مع هذه الشیئیة لأن الوجود یصحبها، ولیست معه لأنها لاتصحبه، وكیف تصحبه والوجوب لهذا الوجود ذاتي، ولا ذوق للعین الممكنة في الوجوب الذاتي، فلهذا نفی الرسول‌(ص) الشيء أن یكون مع هویة الحق، لأن المعیة نعت تمجید ولامجد لمن هو عدیم الوجوب الوجودي لذاته (ن.م، 2/56).

ویقول ابن عربي عن معرفة العالم العرفانیة: حینما تجلی الحق بنفسه لنفسه بأنوار السبحات الوجهیة من كونه عالماً ومریداً فظهرت الأرواح المهیَّمة بین الجلال والجمال، وخلق في الغیب المستور الذي لایمكن كشفه لمخلوق العنصرَ الأعظم وكان هذا الخلق دفعةً واحدةً من غیر ترتیب سببي ولا عِلّي. ثم إنه سبحانه وتعالی أوجد دون هؤلاء الأرواح بتجلّ آخر من غیر تلك المرتبة فخلق أرواحاً متحیزة في أرض بیضاء خلقهم علیها وهیّمهم فیها بالتسبیح والتقدیس، لایعرفون أن الله خلق سواهم. وهذه الأرض خارجة عن عالم الطبیعة وسُمیت أرضاً لنسبة مكانیة لهذه الأرواح المتحیزة لایجوز علیها الانحلال ولا التبدل فلاتزال كذلك أبد الآباد («عقلة»، 49).

ثم یقول ابن عربي: إن للعنصر الأعظم المخزون في غیب الغیب التفاتة مخصوصة إلی عالم التدوین والتسطیر. ولاوجود لذلك العالم في العین، وهذا العنصر الأعظم أكمل موجود في العالم ولولا عهد الستر الذي أخذ علینا في بیان حقیقته لبسطنا الكلام فیه وبینا كیفیة تعلق كل ما سوی الله به. فأوجد سبحانه عند تلك الالتفاتة العقل الأول، وقیل فیه أول، لأنه أول عالم التدوین والتسطیر، والالتفاتة إنما كانت للحقیقة الإنسانیة من هذا العالم، فكان المقصود، فخلق العقل وغیره إلی أسفل عالم المركز أسباباً مقدمة لترتی نشأته، فإن الإنسان عند ظهوره یظهر بصورة الخلافة والنیابة عن الله، فلابد من تقدم وجود العالم علیه، وأن یكون هو آخر موجود بالفعل، وإن كان أول موجود بالقصد، فمقصود الحق عین الإنسان والعنایة الكلیة ملتفتة إلیه، فهو عین الجمع والوجود (ن.م، 50-51).

ثم یبسط ابن عربي الكلام عن العقل الأول وهو القلم الأعلی ویسمیه جوهراً بسیطاً لیس بمادة ولا في مادة، عالم بذاته في ذاته، علمه ذاته لاصفة له، مقامه الفقر والذلة والاحتیاج إلی بارئه وموجده ومبدعه، له نسب وإضافات ووجوه كثیرة لایتكثر في ذاته بتعددها، فیاض بوجهین من الفیض، فیض ذاتي وفیض إرادي، فما هو بالذات مطلقاً لایتصف بالمنع في ذلك، وما هو بالإرادة، فإنه یوصف فیه بالمنع وبالعطاء، وله افتقار ذاتي لموجده، سبحانه الذي استفاد منه وجوده، وسمّاه الله في القرآن حقاً وقلماً وروحاً، وفي السنة عقلاً، وغیر ذلك من الأسماء. وهذا العقل متمیز في ذاته عن سائر الأرواح، علم نفسه فعلم موجده فعلم العالم فعلم الإنسان، لذلك قال الرسول‌(ص): من عرف نفسه عرف ربه، وجاء في حدیث آخر: أعرفكم بنفسه أعرفكم بربّه، فهو العقل من هذا الوجه، وهو القلم من حیث التدوین والتسطیر، وهو الروح من حیث التصرف، وهو العرش من حیث الاستواء، وهو الإمام المبین من حیث الإحصاء. ولایزال هذا العقل متردداً أمام الحق بین الإقبال والإدبار، یقبل علی بارئه مستفیداً فیتجلی له، فیكشف في ذاته من بعض ما هو علیه، فیعلم من بارئه قدر ما علم من نفسه، فعلمه بذاته لایتناهی، فعلمه بربه لایتناهي، وطریقة علمه به التجلیات، وطریقة علمه بربه علمه به، وهكذا أبد الآباد في المزید، وهذا العقل الفقیر الغني، العزیز الذلیل، العبد السید، ولایزال الحق یلهمه طلب التجلیات لتحصیل المعارف (ن.م، 51-52).

ثم یبادر ابن عربي إلی وصف العروش الخمسة: عرش الحیاة (وهو عرش الهویة)، وعرش الرحمانیة، والعرش العظیم، والعرش الكریم، والعرش المجید. ویعتبر العرش الرحماني الجامع للموجودات الأربعة، وهي الطبیعة والهباء والجسم والفلك (ن.م، 52، 56). ثم نری أن لمفاهیم الهباء والطبیعة والجسم في عالم المعرفة العرفانیة ونظریة نشأة العالم عند ابن عربي أهمیة خاصة، فیقول عن بدء الخلق الروحاني: إن بدء الخلق الهباء، وأول موجود فیه الحقیقة المحمدیة الرحمانیة، ولا أَینُ یحصرها، لعدم التحیز، ومم وجد؟ من الحقیقة المعلومة التي لاتتصف بالوجود ولا بالعدم، وفیم وجد؟ في الهباء، وعلی أي مثال وجد؟ الصورة المعلومة في نفس الحق، ولم وجد؟ لإظهار الحقائق الإلهیة، وما غایته؟ التخلیص من المزجة، فیعرف كل عالم حظه من منشئه من غیر المتزاج، فغایته إظهار حقائقه، ومعرفة أفلاك الأكبر من العالم، وهو ماعدا الإنسان، ومعرفة العالم الأصغر، یعني الإنسان روح العالم وعلته وسببه، وأفلاكه مقاماته وحركاته وتفصیل طبقاته، فكما أن الإنسان عالم صغیر من طریق الجسم كذلك هو أیضاً حقیر من طریق الحدوث، وصح له التأله لأنه خلیفة الله في العالم، والعالم مسخر له مألوه، كما أن الإنسان مألوه لله تعالی (الفتوحات، 1/118).

وقبل أن یتابع ابن عربي حدیثه هنا عن نشأة العالم، یذكر بعض النقاط عن نظریة المعرفة عنده، وهذه المعلومات هي: 1. الحق تعالی وهو الموصوف بالوجود المطلق، لأنه لیس معلولاً لشيء ولا علة، بل هو موجود بذاته والعلم به عبارة عن العلم بوجوده، ووجوده لیس غیر ذاته، والعلم بحقیقة الذات ممنوع، لاتعلم بدلیل ولاببرهان عقلي؛ 2. والأصل في بحثنا هنا وهو الحقیقة الكلیة التي هي للحق وللعالم، لاتتصف بالوجود ولا بالعدم ولا بالحدوث ولا بالقدم، هي في القدیم إذا وصف بها قدیمة، وفي المحدث إذا وصف بها محدثة، لاتعلم المعلومات قدیمها وحدیثها حتی تعلم هذه الحقیقة، ولاتوجد هذه الحقیقة حتی توجد الأشیاء الموصوفة بها، فإن وجد شيء عن غیر عدم متقدم كوجود الحق، قیل فیها موجود قدیم لاتصاف الحق بها، وإن وجد شيء عن عدم كوجود ما سوی الله، قیل فیها محدثة، وهي في كل موجود بحقیقتها، فإنها لاتقبل التجزئة، فما فیها كل ولابعض ولا یتوصل إلی معرفتها مجردة عن الصورة بدلیل ولا ببرهان، فمن هذه الحقیقة وجد العالم بوساطة الحق تعالی، ولیست بموجودة، فیكون الحق قد أوجدنا من موجود قدیم فیثبت لنا القدم، وهذه الحقیقة لاتتصف بالتقدم علی العالم ولا العالم بالتأخر عنها، ولكنها أصل الموجودات عموماً، وهي أصل الجوهر وفلك الحیاة، والحق المخلوق به وغیر ذلك وهي الفلك المحیط المعقول، فإن قلت إنها العالم صدقت، أو إنها لیست العالم صدقت، أو إنها الحق أو لیس الحق صدقت، تقبل هذا كله، وتتعدد أشخاص العالم، وتتنزه بتنزیه الحق. وإن أردت مثالها فانظر في العودیة في الخشبة والكرسي والمنبر والتابوت وكذلك التربیع وأمثاله في الأشكال في كل مربع مثلاً من بیت وتابوت وورقة، والتربیع والعودیة بحقیقتها في كل شخص من هذه الأشخاص، وكذلك الألوان، بیاض الثوب والجوهر والكاغد والدقیق من غیر أن تتصف البیاضیة المعقولة في الثوب بأنها جزء منها فیه، بل حقیقتها ظهرت في الثوب ظهورها في الكاغد؛ 3. معلوم ثالث، وهو العالم كله، الأملاك والأفلاك وما تحویه من العوالم والهواء والأرض وما فیهما من العالم الأكبر؛ 4. معلوم رابع، وهو الإنسان الخلیفة الذي جعله الله في هذا العالم المقهور تحت تسخیره (ن.م، 1/18-119).

ویتابع ابن عربي حدیثه مرة أخری مشیراً إلی الحدیث: «كان الله ولا شيء معه»، فیقول: فلما أراد الحق وجود العالم وبدأه علی حد ما علمه بعلمه بنفسه، انفعل عن تلك الإرادة المقدسة بضرب تجل من تجلیات التنزیه إلی الحقیقة الكلیة، انفعل عنها حقیقة باسم الهباء، هي بمنزلة طرح النباء الجص لیفتح فیها ما شاء من الأشكال والصور، وهذا هو أول موجود في العالم، وقد ذكره علي بن أبي طالب‌(ع) وسهل بن عبد الله التستري (تـ 283هـ/896م) وغیرهما من أهل التحقیق والكشف والوجود. ثم إن الله تجلی بنوره إلی ذلك الهباء، ویسمیه أصحاب الأفكار الهیولی الكل، والعالم كله فیه بالقوة والصلاحیة، فقبل منه تعالی كل شيء في ذلك الهباء علی حسب قوته واستعداده – كما تقبل زوایا البیت نور السراج، وعلی قدر قربه من ذلك النور یشتد ضوؤه وقبوله _ فلم یكن أقرب منه قبولاً في ذلك الهباء إلا الحقیقة المحمدیة بالعقل فكان سید العالم بأسره، وأول ظاهر في الوجود، فكان وجوده من ذلك النور الإلهي، ومن الهباء ومن الحقیقة الكلیة، وفي الهباء وجد عینه، وعین العالم من تجلیه، وأقرب الناس إلیه علي بن أبي طالب‌(ع) (ن.م، 1/119؛ أیضاً ظ: یحیی، استدراك، 2/227، حیث یذكر أنه وردت في النسخة الأولی من الفتوحات بعد «علي بن أبي طالب» عبارة «رضي الله عنه إمام العالم وسر الأنبیاء أجمعین»).

ویورد ابن عربي في موضع آخر تعریفاً للهباء ومزیداً من البیان له، فیقول عن الاسم الإلهي «الآخر» وتوجهه علی خلق الجوهر الهبائي، إن هذا الجوهر مثل الطبیعة لاعین له في الوجود، وإنما تظهره الصورة، فهو معقول غیر موجود الوجود العیني. وهو في المرتبة الرابعة من مراتب الوجود. والاسم الذي اختص به منقول عن علي بن أبي طالب‌(ع)، وأما نحن فنسمیه العنقاء، فإنه یسمع بذكره ویعقل ولا وجود له في العین، ولایعرف علی الحقیقة إلا بالأمثلة المضروبة، وهو كل أمر یقبل بذاته الصور المختلفة التي تلیق به، وهو في كل صورة بحقیقته، وتسمیه الحكماء الهیولی وهي مسألة مختلف فیها عندهم. ویضیف ابن عربي هنا أنه لیس ممن یحكي أقوالهم في أمر، بل یورد في كتابه الفتوحات وجمیع كتبه ما یعطیه الكشف ویملیه الحق تعالی. والمعقول الرابع هذا من وجود العقل فیه تظهر العین التي تقبل حكم الطبیعة، وهو الجسم الكل، والذي یقبل اللطیف والكثیف والكدر والشفاف، وهذا المعقول لیست هذه مرتبته بالنظر إلی حقیقته ولا اسم الهباء، وإنما اسمه الذي یلیق به الحقیقة الكلیة التي هي روح كل حق، ومتی خلا عنها حق فلیس حقاً. والهباء أو الحقیقة الكلیة هو في كل ذات بحقیقته وعینه وما له عین وجودیة سوی عین الموصوف، فهو علی أصله معقول لاموجود ومثاله في الحس البیاض، وهو في كل أبیض والسواد في كل أسود، هذا في الألوان وكذلك في الأشكال التربیع في كل مربع والاستدارة في كل مستدر والشكل بذاته في كل متشكل، وهو علی حقیقته من المعقولیة، والذي وقع علیه الحس إنما هو المتشكل لا الشكل، والشكل معقول، إذ لو كان المتشكل عین الشكل لم یظهر في متشكل مثله، ومعلوم أن هذا المتشكل لیس هو المتشكل الآخر، فهذا مثل مضروب للحقائق الكلیة التي اتصف الحق والخلق بها، وكذلك هذا المعقول الرابع لصور الطبیعة یقبل الصور بجوهره، وهو علی أصله في المعقولیة، والمدرك الصورة لا غیرها، ولاتقوم الصورة إلا في هذا المعقول، فما من موجود إلا هو معقول بالنظر إلی ما ظهرت فیه صورته، موجود بالنظر إلی صورته (الفتوحات، 2/431-432).

ویشیر ابن عربي في مواضع أیضاً إلی الهباء وخصائصه، فیورد في موضع مثلاً أن لفظة «هباء» ذكرت في القرآن أیضاً (الواقعة/56/6). ویذكر مرة أخری أنه نقلها من كلام علي بن أبي طالب‌(ع). فخلق الله أولاً القلم واللوح وسماهما العقل والروح، ثم خلق جوهراً سماه الهباء، ویضیف ابن عربي: لما رأی علي بن أبي طالب‌(ع) هذه الجوهرة منبثة في جمیع الصور الطبیعیة كلها، وأنها لاتخلو صورة منها، إذ لاتكون صورة إلا في هذه الجوهرة سماها هباء، وهي مع كل صورة بحقیقتها لاتنقسم ولاتتجزأ ولاتتصف بالنقص، بل هي كالبیاض الموجود في كل أبیض بذاته وحقیقته (ن.م، 1/121-122).

والجدیر بالذكر أننا نری المفهوم المصطلحي للهباء ودوره في معرفة العالم، لأول مرة في المصادر الإسلامیة عند جابر بن حیان تلمیذ الإمام الصادق‌(ع)، فلنظریته حول ذلك شبه عجیب بنظریات ابن عربي، یقول جابر في أحد كتبه: أصل الأشیاء أربع طبائع ولها أصل خامس وهو جوهر بسیط باسم الهیولی وهو الهباء. المملوء به الخَلَل ویمكن رؤیتها حین إشعاع الشمس، تجتمع فیها الأشكال والصور وتنحل فیها كلها وهذا أصل كل مركب، وكل مركب أصلها وهذا أصل الجمیع (ص 482، أیضاً 429). ویری جابر أیضاً أن بنیة العالم هي من الهباء المنثور الذي یسمیه بعضهم الهیولي (ص 407).

والآن سنورد لمحة عن إحدی الروایات العرفانیة العدیدة التي ذكرها ابن عربي عن كیفیة نشوء العالم وسلسلة مراتبه والتي تصور نظریة نشأة العالم الروحاني والمادي عنده. كما نشیر خلال ذلك إلی بعض المفاهیم الأساس والنظریات الخاصة والمهمة عنده. ولابد أولاً من الالتفات إلی أن ابن عربي یری أن فعل الله هو إبداع شيء لامن شيء، وأحد الأسماء الإلهیة البدیع، وقد ورد في القرآن «بدیع السموات والأرض» (البقرة/2/117)، بمعنی الخالق والموجد. یقول ابن عربي: قال الله: «بدیع السموات والأرض»، لكونهما ما خلقا علی مثال متقدم، وكل خلق علی غیر مثال فهو مبدَع، وخالقه مبدِع. والله بدیع، فلیس في نفسه صورة ما أبدع ولاتصورها. ثم إن الإبداع یكون في الصور خاصة لأنها التي تقبل الخلق فتقبل الابتداع، وأما المعاني فلیس شيء منها مبتدعاً لأنها لاتقبل الخلق فلاتقبل الابتداع، فهي تعقل ثابتة الأعیان (الفتوحات، 2/421).

الصفحة 1 من15

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: