الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / ابن عربی /

فهرس الموضوعات

ابن عربی

ابن عربی

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/23 ۲۱:۱۳:۱۵ تاریخ تألیف المقالة

ونجد أوضح شرح لما قاله أبو سعید الخراز عند ابن عربي قوله: یجب أن یجمع العارف بین الأضداد، فإذا كان في حال قبض یكون له حال بسط، وإذا كان في حال بسط یكون له حال قبض، فالعارف لایعرف، إلا بجمعه بین الضدین، وقد قال أبو سعید إنه عرف الله بجمعه بین الضدین لأنه شاهد جمعهما في نفسه وقد علم أنه علی صورته، وسمع قول الله: «هو الأول والآخر والظاهر والباطن»، وبهذه الآیة احتج في ذلك، ثم نظر أبو سعید إلی العالم فرآه إنساناً كبیراً في الجرم ورآه قد جمع بین الضدین، فإنه رأی فیه الحركة والسكون والاجتماع والافتراق، ورأی فیه الأضداد، وهو أیضاً علی صورة العالم كما هو علی صورة الحق، فانظر ما أعجب هذه اللفظة من أبي سعید (ن.م، 2/512).

وبذلك یظهر أن مسألة الجمع بین الأضداد في الحق، ذات أهمیة خاصة عند ابن عربي، فهو یوردها متصلة بمراحل ومنازل السلوك العرفاني وفي تجربته العرفانیة الشخصیة یشرحها، فیقول في البحث المتعلق بـ «منزل الألفة وأسرارها»: منزل الألفة هي النسبة الجامعة بین الحق والخلق. وهي الصورة التي خلق علیها الإنسان. وهو منزل منه یعلم الجمع بین الضدین، وهو وجود الضد في عین ضده وهذا العلم أقوی علم تعلم به الوحدانیة، لأنه یشاهد حالاً یمكن أن یجهله أن عین الضد هو بنفسه عین ضده، فیدرك الأحدیة في الكثرة، لا علی طریقة أصحاب العدد، فإن تلك الطریقة متوهمة، وهذا علم مشهود محقق. ویضیف ابن عربي: وممن تبرَّز في هذا المنزل المبارك أبوسعید الخراز من المتقدمین، وكنت أسمع ذلك عنه حتی دخلته بنفسي، وحصل لي ما حصل، فعرفت أنه الحق، وأن الناس في إنكارهم ذلك علی الحق، فأنهم ینكرونه عقلاً، ولیس في قوة العقل من حیث نظره أكثر من هذا (ن.م، 2/602، 605).

وأورد ابن عربي صورة بدیعة للجمع بین الأضداد في الله فیقول في باب «منزل سرَّین من أسرار قلب الجمع والوجود» في إشارته إلی آیة النور: «الله نور السموات والأرض…» (النور/24/35): لهذا المنزل التحكم في العالم كله كمشكاة فیها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة توقد من شجرة هویته، فهي لاشرقیة ولاغربیة، ولاتقبل الجهات، عن هذه الزیتونة یكون الزیت، وهو المادة لظهور هذا النور، فهذه أربعة: مشكاة وزجاجة ومصباح وزیت، والخامس الهویة، وهو الزیتونة المنزهة عن الجهات، وكنی عنها بالشجرة، من التشاجر وهو التضاد، لما تحمله هذه الهویة من الأسماء المتقابلة كالمُعزّ والمُذلّ، والضارّ والنافع، فانظر ما أكمل العبارات الإلهیة في الإخبار بما هو الأمر علیه (الفتوحات، 3/198). وأخیراً تری في موضع خلاصة جلیّة تكشف عن نظریة ابن عربي في هذه المسألة حیث یقول: قال الخراز: عرفت الله بجمعه بین الضدین، فقال صاحبنا تاج ‌الدين الأخلاطي حین سمع هذا منا: بل الله عین الضدین، وقال الصحیح، فإن قول الخراز یوهم أن ثَمّ عیناً لیست هي عین الضدین لكنها تقبل الضدین معاً. والأمر في نفسه لیس كذلك بل هو عین الضدین، إذ لاعین زائدة، فالظاهر عین الباطن والأول والآخر، والأول عین الاخر والظاهر والباطن، فما ثَمّ إلا هذا (ن.م، 2/.476).

والنظریة المثیرة الثانیة التي أوردها ابن عربي عن معرفة الله وارتباط الله بالإنسان قوله: لكل إنسان إلهه الخاص وإلهه المتصور، والحدیث عن أن الإله من حیث إطلاق ذاته غیر متعین البته لینحصر بذلك. والحق منزه عن ذاته، وعن كل صورة وحال وحكم یمكن الإشارة إلیه من ذلك الطریق من حیث لحاظ ووجه، ولكن من ناحیة أخری، ومع وجود هذا فالحق مع كل شيء بصورة ذلك الشيء، فإذا اعتقد شخص ما یعطیه إیاه العلم أو الوهم عن الله، ویقصر الله علیه، فإنه ینكر الصورة أو الصور الأخری ماعدا صورة معتقده، وذلك لأن مثل هذا الشخص لایدري تجلیات الحق ومواطنها، ویری أن تجلیات الحق لاتزال بتغیر، لاتتكرر، وأنه یجب البحث عن أصل كل تغیر في العلام في أصل التغیر، وهو التحول الإلهي في الصور (ن.م، 3/198). والتجلي عند ابن عربي «ما ینكشف للقلوب من أنوار الغیوب» (ن.م، 2/485، للاطلاع علی مقامات التجلي، ظ: 2/485-489).

ویری ابن عربي أن القلب مكان التجلیات الإلهیة في الإنسان، والقلب لایزال في تغیر وله أحوال مختلفة، لایبقی علی حالة واحدة في زمن واحد، وهنا یقول ابن عربي: فكذلك التجلیات الإلهیة، فمن لم یشهد التجلیات بقلبه ینكرها، فإن العقل یقید وغیره من القوی، إلا القلب فإنه لایتقید، وهو سریع التقلب في كل حال. ولذا قال الرسول‌(ص) إن القلب بین إصبعین من أصابع الرحمن یقلبه كیف یشاء فهو یتقلب بتقلب التجلیات، والعقل لیس كذلك، فالقلب هو القوة التي وراء طور العقل فلو أراد الحق في الآیة: «إن في ذلك لذكری لمن كان له قلب…» (ق/50/37) بالقلب أنه العقل، ما قال لمن كان له قلب، فإن كل إنسان له عقل، وما كل إنسان یعطی هذه القوة التي وراء طور العقل المسماة قلباً في هذه الآیة، فالتقلیب في القلب نظیر التحول الإلهي في الصور، فلا تكون معرفة الحق من الحق إلا بالقلب لا بالعقل، ثم یقبلها العقل من القلب (ن.م، 1/289).

ویتحدث ابن عربي بالتفصیل في مواضع عدیدة من كتبه عن أن «الحق معتقد كل شخص»، مما یدل علی مدی أهمیة هذه المسألة عنده، یقول في موضع: والكل خلق في «العماء» الذي هو نَفَس الرحمن القابل لصوركل ما سوی الله، وقد ورد ذلك في خلق الحق نفسه، فردته العقول كلها لعدم فهمها ذلك، فما شعرت بأن كل صاحب مقالة في الله أنه یتصور في نفسه أمراً ما یقول فیه هو الله فیعبده، وهو الله لاغیره، وما خلقه في ذلك المحل إلا الله، واختلفت المقالات باختلاف نظر النظار فیه فكل صاحب نظر ما عبد ولا اعتقد إلا ما أوجده في محله، وما وجد في محله وقلبه إلا مخلوق، ولیس هو الإله الحق، وفي تلك الصورة، أي في تلك المقالة، تتجلی له، وإن كانت العین من حیث ما هي واحدة، ولكن هكذا ندركه (ن.م، 4/211). ویبین ذلك في موضع آخر بقوله: إعلم أن مسمی الله أحديّ بالذات، كلٌّ بالأسماء، وكل موجود فماله من الله إلا ربه خاصة، یستحیل أن یكون له الكل [الأسماء والوجوه الإلهیة] وأما الأحدیة الإلهیة فما لواحد فیها قدم، لأنه لایقال لواحد منها شيء ولآخر منها شيء، لأنها لاتقبل التبعیض (م.ن، فصوص، 90؛ قا: الكاشاني، شرح فصوص…، 114). ویشرح ذلك في موضع أیضاً بقوله: لایعتقد معتقد إلهاً إلا بما جعله في نفسه، فالإله في الاعتقادات بالجعل، فما رأوا إلا نفوسهم وما جعلوا فیها. فإیاك أن تتقید بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فیفوتك خیر كثیر، بل یفوتك العلم بالأمر علی ما هو علیه، فكن في نفسك هیولی لصور المعتقدات كلها، فإن الله أوسع وأعظم من أن یحصره عقد دون عقد، فإنه یقول «فأینما تولوا فثم وجه الله» (البقرة/2/115) ووجه الشيء حقیقته (ابن عربي، ن.م، 113). ثم یورد ابن عربي نظریة مثیرة أیضاً عن هذا الموضوع وهي الارتباط أو الارتباط المتقابل بین الأشیاء كلها في الوجود، ومنها الارتباط بین الله والعالم والإنسان، یقول في ذلك وما في الوجود شيء أصلاً لایكون بینه وبین شيء آخر ارتباط أصلاً حتی بین الرب والمربوب، فإن المخلوق یطلب الخالق، والخالق یطلب المخلوق. وإن لم یكن كذلك، فمن أین یقع التعلق، فلاتصح المنافرة من جمیع الوجوه أصلاً، فلا بد أن تتداخل المسائل للارتباط الذاتي الذي في الوجود بین الأشیاء كلها، فافهم ما أشرت به إلیك في هذا الارتباط، فإنه ینبئ عن أمر عظیم إن لم تتحققه زلت بك قدم الغرور في مهواة من التلف؛ ولولا صحة الارتباط هذا لما صح أن یكون العالم أصلاً، وهو كائن، فالارتباط كائن والمنافرة وعدم المنافرة من وجه آخر، فكل حقیقة إلهیة لها حكم في العالم لیس للأخری. فإن نظرته علی هذا النسق، قلت لامناسبة بین الله وبین عباده، وإذا نظرت بالعین الأخری أثبت النسبة، فإنها موجودة في الكل (الفتوحات، 2/665).

ویثبت هذه النقطة حدیث آخر لابن عربي حیث یقول: فالألوهیة تطلب المألوه، والربوبیة تطلب المربوب، وإلا فلا عین لها إلا به وجوداً أو تقدیراً، والحق من حیث ذاته غني عن العالمین. والربوبیة ما لها هذا الحكم (م.ن، فصوص، 119). ویورد ابن عربي مسألة علی أساس هذه النظرة تبدو عجیبة جداً، ولكنها لیست عجیبة بالنظر إلی ما قیل قبلها، فیقول: فنحن جعلنا الله بمألوهیتنا إلهاً، فلایعرف حتی نعرف. قال‌(ص): «من عرف نفسه عرف ربه» فإن بعض الحكماء وأبا حامد ادّعوا أنه یعرف الله من غیر نظر في العالم، وهذا غلط، نعم تعرف ذات قدیمة أزلیة لایعرف أنها إله حتی یعرف المألوه، فهو الدلیل علیه ثم بعد هذا في ثاني حال یعطیك الكشف أن الحق نفسه كان عین الدلیل علی نفسه وعلی ألوهیته وأن العالم لیس إلاتجلیه في صور أعیانهم الثابتة التي یتسحیل وجودها بدونه، وأنه یتنوع ویتصور بحسب حقائق هذه الأعیان وأحوالها. وهذا بعد العلم به منا أنه إله لنا (ن.م، 81-82).

یقول القیصري: «وهذا القول (أي معرفة الإله بمألوهیتنا) لیس بلسان أهل الصحو، وفیه نوع من الشطح لما فیه من الرعونة» (ص172). ولكن یبدو أن ابن عربي لایشاهد في هذا القول أي أثر للشطح فحسب، بل یسعی لبیانه وإثباته، فهو یقول في موضع آخر: إعلم أن «الإل» هو الله فقوله «إلي كونك»، أي ألوهیتي ما ظهرت إلا بك، فإن المألوه هو الذي جعل في نفسه وجود الإله، ولذلك قال من عرف نفسه عرف ربه، فمعرفتك بالله أنه إلهك أنتجته معرفتك بذاتك، ولذلك ما أحالك الله في العلم به إلا علیك وعلی العالم، فكل ما ثبت لله من الأحكام ما ثبت إلا بالعالم، فعین «الإل» من حیث عینه هو الموصوف بهذه الأحكام، فلو ارتفع العالم من الذهن ارتفعت الأحكام الإلهیة كلها، وبقي العین بلاحكم، وإذا بقي بلا حكم وإن كان واجب الوجود لذاته لم یلزم أن یكون له حكم الألوهي فوجود أعیاننا من وجوده، ووجودنا أثبت العلم به في ذواتنا، ولولا أن ذاته أعطت وجودنا ماصح لنا وجود عین (الفتوحات، 3/544، قا: «كتاب المسائل»، 9).

وآخر كلام ابن عربي في «الحق المعتقد الخاص في كل شخص» والإله الذي وراء الاعتقادات كلها، أن العارف الكامل یعرفه في كل صورة یتجلی بها، وفي كل صورة ینزل فیها، وغیر العارف لایعرفه إلا في صورة معتقده، وینكره إذا تجلی له في غیرها، وهذا من أشكل الأمور في العلم الإلهي. اختلاف الصور لماذا یرجع؟ هل إلیه في نفسه؟ وهو الذي وقع به الإنباء الإلهي، وأحاله الدلیل العقلي الذي أعطته القوة المفكرة، فإن كان الأمر علی ما أعطاه الإنباء الإلهي، فما رأى أحد إلا الله، فهو المرئي عینه في الصور المختلفة، وهو عین كل صورة، وإن رجع اختلاف الصور لاختلاف المعتقدات، وكانت تلك الصور مثل المعتقدات لا عین المطلوب، فما رأی أحد إلا اعتقاده، فمثل هذا العلم لایعلم إلا بإخبار إلهي، وقرینة حال، فأما الإخبار الإلهي فقول رسول الله‌(ص) إنه الذي یتحول في الصور في الحدیث الصحیح، وقرینة الحال كونه ما خلق الخلق إلا لیعرفوه، فلابد أن یعرفوه إما كشفا أو عقلاً أو تقلیداً (الفتوحات، 3/132).

ویتحدث ابن عربي مراراً عن التحول الإلهي ویسنده إلی حدیث نبوي. منه قوله في أحد المواضع: وقد صح فیما أخرجه مسلم في صحیحه من تحول الألوهیة وتبدلها في صورة الاعتقادات والمعارف، فلابد من تجلیها في صور اعتقاداتهم، وذلك راجع إلی المدرِك لا إلی المدرَك فإن الحقائق لاتتبدل، ولهذا سمي عالم التمثل والتبدل برزخاً، لكونه وسطاً بین حقائق جسمانیة وحقائق غیر جسمانیة، فتعطي ذات هذه الحضرة المتوسطة هذه التجلیات، تربط بها المعاني بالصور ربطاً محققاً لاینفك («كتاب المسائل»، 18).

والمسألة الأساس في عرفان ابن عربي هي دائماً وفي كل مكان عن التجلیات الإلهیة، التجلي في العالم الخارجي عند العارف والتجلي في عالمه الباطني، أي في قلبه. ثم یرسم ابن عربي لنا صورة واضحة عن «الحق المصنوع من الاعتقادات» في حدیثه عن الارتباط بین التجلیات الإلهیة وقلب الإنسان العارف فیقول: وإذا كان الحق یتنوع تجلیه في الصور فبالضرورة یتسع القلب ویضیق بحسب الصورة التي یقع فیها التجلي الإلهي، فإنه لایفضل شيء عن صورة ما یقع فیها التجلي، فإن القلب من العارف أو الإنسان الكامل بمنزلة محل فص الخاتم من الخاتم لایفضل بل یكون علی قدره وشكله، فإن محله من الخاتم یكون مثله لاغیر وهذا عكس ما یشیر إلیه طائفة العارفین من أن الحق یتجلی علی قدر استعداد العبد، وهذا لیس كذلك، فإن العبد ویظهر للحق علی قدر الصورة التي یتجلی له فیها الحق. وتحریر هذه المسألة أن لله تجلیین: تجلي غیب وجلي شهادة، فمن تجلي الغیب یعطي الاستعداد الذي یكون علیه القلب، وهو التجلي الذاتي الذي الغیب حققته، وهو الهویة التي یستحقها بقوله عن نفسه «هو»؛ فلایزال «هو» له دائماً وأبداً. فإذا حصل له، أعني للقلب، هذا الاستعداد تجلی له التجلّي الشهودي في الشهادة، فرآه فظهر بصورة ماتجلی له، ثم رفع الحجاب بینه وبین عبده، فرآه في صورة معتقده، فهو عین اعتقاده، فلایشهد القلب ولا العین أبداً إلاصورة معتقده في الحق، فالحق الذي في المعتقد هو الذي وسع القلب صورته، وهو الذي یتجلی له فیعرفه، فلاتری العین إلا الحق الاعتقادي، ولاخفاء یتنوع الاعتقادات، فمن قیده أنكره في غیر ما قیده به وأقرّ به فیما قیده به إذا تجلی، ومن أطلقه عن التقیید لم ینكره، وأقرّ به في كل صورة یتحول فیها، ویعطیه من نفسه قدر صورة ما تجلی له إلی ما لایتناهی، فإن صور التجلّي ما لها نهایة تقف عندها، فهو خلق بنسبة، وهو حق ینسبة، والعین واحدة، فعین صورة ما تجلی عین صورة من قبل هذا التجلي، فهو المتجلي والمتجلی له، فانظر ما أعجب أمر الله من حیث هویته ومن حیث نسبته إلی العالم في حقائق أسمائه الحسنی (فصوص، 120-121).

الأسماء والصفات: إن مسألة الأسماء والصفات الإلهیة إحدی أهم بحوث ابن عربي في نظرته العالمیة العرفانیة وقد تحدث عنها بإسهاب. ولاترتبط هذه البحوث ارتباطاً وثیقاً بمعرفة الله عنده فحسب، بل تعتبر إحدی الجوانب المهمة لمعرفة الوجود والعالم عنده، وبالتالي أساس الارتباط بین الوحدة والكثرة، والكثرة في الوحدة، وبعبارة أخری، صدور الكثرة من الوحدة بناء علی كثرة الأسماء الإلهیة. ونشیر هنا إلی خلاصة آرائه فيهذا المجال. یتحدث ابن عربي أولاً عن وجود معرفة الأسماء الإلهیة، فیبینها بقوله: ما من حكم في العالم إلا وله مستند إلهي ونعت رباني، فمنه ما یطلق ویقال، ومنه ما لایجوز أن یقال ولایطلق. ثم إنی أزیدك بیاناً مما تعطیه حقائق الأسماء الإلهیة التي بها تعددت وكانت الكثرة. فلو رفعت العالم من الذهن لارتفعت أسماء الإضافة التي تقتضي التنزیه وغیره بارتفاع العالم، فما ثبت لها حكم إلا بالعالم، فهي متوقفة علیه، ومن توقف علیه ظهور حكم من أحكامه فلابد له أن یطلبه، ولایطلب إلا ما لیس بحاصل. ثم إن التنزیه إذا غلب علی العارف في هذه المسألة رأی أنه ما من جزء من العالم إلا وهو مرتبط باسم إلهي، مع تقدم بعضه علی بعض، فما توقف اسم ما من الأسماء الإلهیة، في حكمه إلا علی اسم ما إلهي من الأسماء یظهر في ذلك حكمه بالإیجاد أو بالزوال، فما توقفت الأسماء الإلهیة إلا علی الأسماء الإلهیة، ولیست الأسماء إلا عین المسمی، فمنه إلیه كان الأمر؛ ألاتری إلی الحكماء قد قالوا لایوجد عن الواحد إلا واحد، والعالم كثیر، فلایوجد إلا عن كثیر، ولیست الكثرة إلا الأسماء الإلهیة فالعالم إذن واحد أحدیة الكثرة، الأحدیة التي یطلبها العالم بذاته، ثم إن الحكماء مع قولهم في الواحد الصادر عن الواحد، لما رأوا منه صدور الكثرة عنه، وقد قالوا فیه إنه واحد في صدوره اضطرهم إلی أن یعتبروا في هذا الواحد وجوهاً متعددة عنه، بهذه الوجوه صدرت الكثرة، فنسبة الوجوه لهذا الواحد الصادر نسبة الأسماء الإلهیة إلی الله، فلیصدر عنه تعالی الكثرة كما صدر في نفس الأمر، فكما أنه للكثرة أحدیة تسمی أحدیة الكثرة، كذلك للواحد كثرة تسمی كثرة الواحد، وهي ما ذكرناه، فهو الواحد الكثیر، والكثیر الواحد، وهذا أوضح مایذكر في هذه المسألة (الفتوحات، 4/231-232).

والنقطة المهمة الأخری المتعلقة بالأسماء الإلهیة في نظر ابن عربي هي صفة هذه الأسماء، فیقول فيشرحه لذلك: «وإنما هذا الذي نثبته إنما هو أعیان النسب، وهذا الذي عبر عنه الشرع بالأسماء، فما من اسم إلا وله معنی لیس للآخر، وذلك المعنی منسوب إلی ذات الحق، وهو المسمی صفة عند أهل الكلام من النظار، وهو المسمی نسبة عند المحققین، فما في الوجود واحد من جمیع الوجوه، وما في الوجود إلا واحد وأَحَد، لابد من ذلك، ثم تكون النسب بین الواحد والأحد بحسب معقولیة تلك النسبة، فإن النسب متمیزة بعضها عن بعض، أین الإرادة من القدرة من الكلام من الحیاة من العلم، فاسم العلیم یعطي ما لایعطي القدیر، والحكیم یعطي ما لایعطي غیر من الأسماء، فاجعل ذلك كله نسباً أو اسماً أو صفات، والأولی أن تكون اسماً، ولابد، لأن الشرع الإلهي ما ورد في حق الحق بالصفات ولا بالنسب وإنما ورد بالأسماء فقال: «ولله الأسماء الحسنی» (الأعراف/7/180)، ولیست سوی هذه النسب. وهل لها أعیان وجودیة أم لا؟ ففیه خلاف بین أهل النظر، وأما عندنا فما فیها خلاف، إنها نسب وأسماء علی حقائق معقولة غیر وجودیة، فالذات غیر متكثرة بها لأن الشيء لایتكثر إلا بالأعیان الوجودیة لا بالأحكام والإضافات والنسب، فما من شيء معلوم إلا وله أحدیة بها یقال فیه إنه واحد؛ فأحدیة كل عین ممكنة تدل علی أحدیة عین الحق مع كثرة أسمائه، ودلالة كل اسم علی معنی یغایر مدلول الآخر، فیحصل من هذا أحدیة الحق في عینه، وأحدیثة الكثرة من أسمائه، فكل شيء في الوجود قد دل علی أن الحق واحد في أسمائه وفي ذاته» (الفتوحات، 4/294).

الصفحة 1 من15

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: