أصفهان
cgietitle
1442/9/29 ۱۳:۴۲:۲۷
https://cgie.org.ir/ar/article/236345
1446/4/5 ۱۴:۰۵:۳۷
نشرت
8
لما كانت طبيعة علوم القرآن والحديث تجعلها على ارتباط بالمذاهب والفرق الإسلامية، فإن تاريخ هذه العلوم في أصفهان له ارتباط لاينكر بالتنظيمات الدينية والتنافس بين الفرق. ففي القرون الإسلامية الأولى وعندما كانت أصفهان قد اشتهرت بصفتها أحد مراكز تجمع المتطرفين المناوئين للشيعة (مثلاً ظ: بديع الزمان، 50-51؛ المقدسي، 306) ــ وبطبيعة الحال، فإن هذه لم تكن خصوصية قابلة للتعميم على جميع الأوساط الدينية في أصفهان ــ فقد كان عدد من علماء الشيعة يتحملون جميع أنواع الضغوط لينشروا في مركز على هذا القدر من الأهمية، التعاليم والآثار الشيعية. وكمثال، فإن إبراهيم الثقفي وبغية نشر آثاره، وبشكل خاص المعرفة اختار الإقامة في أصفهان ورفض دعوة شيعة قم الملحة له للذهاب إلى تلك المدينة (ظ: النجاشي، 17). وعلى الرغم من أنه يمكن أن نجد جذوراً للبحث عن الحديث في أصفهان منذ القرن 2ه / 8م، إلا أن المعلومات قليلة إلى حدما. و من بين المحدثين الذين يعثر على أحاديثهم في الكتب المعتد بها لدى أهل السنة، يمكن التعرف إلى محدثين أصفهانيين من القرن 2ه الذين كان بعضهم من المهاجرين العرب وعدد منهم من أهل أصفهان المحليين(ظ: ابن حجر، الأعداد 1090، 1319، 1555، مخ (. و في القرن 3ه / 9م و في الفترة التي كان فيها المحدثون في بقيـة البلـدان الإسلامية يـولـون اهتمامـاً كبيراً لتأليـف الكتـب ــ وبشكل خاص كتب السنن والمسانيد ــ فقد ظهرت في أصفهان آثار محدودة فحسب (لنماذج، ظ: الكتاني، 68، 72، 95)؛ بينما نجد في الكتب الرجالية أن عدداً من المحدثين الأصفهانيين كانوا مشاهير في تلك الفترة (مثلاً ظ: ابن حجر، الأعداد 2890، 4294، 7660، مخ(. ومنذ القرن 4ه / 10م وتزامناً مع هيمنة البويهيين على أصفهان، وربما تأثراً بذلك إلى حد ما، شهدت الأوضاع الثقافية تغيراً ملحوظاً. ففي القرون 4-6ه ، كانت أصفهان ميداناً لازدهار مدرسة في علم الحديث قابلة للمقارنة ببغداد من حيث علو الأسانيد وكثرة الروايات (ظ: الذهبي، الأمصار...، 115). وخلال هذا العصر برز في أصفهان محدثون خلفوا أثراً خالداً تجاوز حدود البلاد في الثقافة الإسلامية. و من بين هؤلاء يمكن أن نذكر علماء مثل أبي الشيخ الأصفهاني وابن مردويه وابن المقرئ وأبي نعيم الأصفهاني وابن منجويه وأبي موسى المديني (ن.ع.ع)، وأفراد أسرة ابن منده (ن.ع) مع آثار عديدة ومتنوعة. و قد تمكن أبو طاهر السلفي من محدثي أصفهان أواسط القرن 6ه / 12م بجهوده التي اجتازت الحدود المحلية أن يؤسس مدرسة في الإسكندرية بمصر ظلت وإلى عدة أجيال مدرسة مرموقة (ظ: الذهبي، ن.م، 31-32؛ أيضاً ابن نقطة، 1 / 208-209).و في الطيف الشيعي أيضاً ينبغي أن نبدأ الكلام منذ القرن 2ه ونشير إلى شخصيات ذكروا في عداد أصحاب الإمام الصادق (ع) (ظ: البرقي، 492؛ الطوسي، رجال، 150، 288). و في القرن 3ه كان يوجد بين المحدثين الإمامية في أصفهان عدد من أصحاب الأئمة (ع)، وكان لأصفهان لدى محدثي قم من الأهمية ما يستقطب علماء مثل أحمد بن خالد البرقي وابن همام الإسكافي (ظ: الكليني، 1 / 326؛ الطوسي، ن.م، 398، 508، الفهرست، 8، 81، 127، تهذيب...، 3 / 87؛ النجاشي، 88). و إن المعلومات الخاصة بالمحدثين الإمامية بأصفهان في القرنين 4و5ه ضئيلة، ويبدو أنه لم تكن هناك علاقة بينهم وبين القميين والبغداديين. و إن المعلومات القليلـة بهـذا الشأن مـدينـة للأسـانيـد المحـدودة المـوجـودة فـي آثار القمييـن والبغدادييـن (مثلاً ظ: الخـزاز، 132؛ الطوسـي، ن.م، 3 / 86-87؛ أيضـاً ظ: منتجب الديـن، 28، 95، 198: القرن 6ه(. كانت علوم القرآن إلى جانب الحديث موضع الاهتمام في أصفهان وكانت مجالس قراءته وتفسيره ــ برغم أنها ليست بقدر مجالس الحديث ــ تُعد أحد المراكز المهمة للدراسات القرآنية في إيران. و في مجال اختيار القراءات، كانت قراءة حمزة الكوفية غالبة في أصفهان، واستمر الحال على هذا المنوال حتى القرن 4ه علـى الأقل (ظ: بديع الزمـان، 49؛ ابن خير، 38). و فـي القرون 4-6ه كانت أصفهان أحد مراكز تعليم القراءة في إيران وترعرع في بيئتها مقرئون مثل ابن أشته (ن.ع) بتأليف آثار عديدة في القراءة وأحمد بن الفضل الباطرقاني بتأليف كتاب طبقات القراء (الحازمي، 73: نقلاً عنه؛ عن المقرئين الآخرين، ظ: الذهبي، معرفة...، 1 / 241، 356، مخ (. و في مجال التفسير تجدر الإشارة أولاً إلى عدة كتب في التفسير لطيف المحدثين ومنها تفاسير ابن توبة وأبي الشيخ وابن مردويه (ظ: الكتاني، 72، 76، 77؛ أيضاً ابن الملاحمي، 466)، وفـي فترة متأخرة التفسير الكبير لقوام السنة أبي القاسم التيمـي(تـ 535ه / 1141م) (ظ: السيوطي، العدد 23). و في مجال التفسير الدرايي، فإن النموذج البارز بين الآثار الأصفهانية، هو تفسير أبي مسلم الأصفهاني (ن.ع) وعنوانه جامع التأويل لمحكم التنزيل و مؤلفه عالم معتزلي (تـ 322ه / 934م) وحظي باهتمام بقية كتّاب التفاسير الدرايية من المذاهب المختلفة بصفته نموذجاً مهماً. و فـي هـذا المجـال، يجـدر أيضـاً ذكـر الـراغـب الأصفهانـي (تـ 503ه / 1109م) الذي برغم فقدان آثاره في التفسير، فإن كتابه البالغ الأهمية بعنوان مفردات ألفاظ القرآن بحد ذاته أساس مهم للدراسات الدرايية في القرآن. وكان تأليف تفاسير للقرآن بأسلوب وعظي موضعاً للاهتمام في أصفهان أيضاً ــ شأنها شأن الأجزاء الأخرى من ايران ــ في النصف الثاني من القرن الخامس والقرن السادس الهجري بأسره، و قد سُجلت نماذج عديدة من أمثال هذه التفاسير (ظ: السيوطي، الأعداد 87، 90، 117، 125، 129).
فيما يتعلق بتاريخ الفقه في أصفهان خلال القرنين 2و3ه وبتحليل إشارات المقدسي (ص 303) حول رسم «الإقامة»، يمكن الاعتقاد بأن الفقه الحديثي بأصفهان في القرون الأولى، تأثر بالفقه المحلي الكوفي بشكل كبير. وضمن رؤيته أن أغلب أهل أصفهان في النصف الثاني من القرن 4ه كانوا من أهل السنة والجماعة، فقد وصفهم المقدسي بأنهم حنابلة متطرفون (ص 298). إن المدرسة الخاصة بأصحاب الحديث التي ظهرت ببغداد في النصف الأول من القرن 3ه بزعامة أحمد بن حنبل، شقت طريقها إلى أصفهان تدريجياً، وكان أحد الشخصيات الفاعلة في هذا الانتقال، أبا عبد الله ابن منده (تـ 301ه / 914م) الذي كان يعدّ من تلامذة أحمد (ظ: ابن أبي يعلى، 1 / 328). وعقب أبي عبد الله كـان لأبنائه أيضاً دور كبير في نشر هذا المذهب في أصفهـان (ظ: ن.د، ابن منده)، واستطاعوا في مدة تقل عن قرن واحد أن يمنحوا المذهب الحنبلي القوة في تلك المدينة. وكان هذا الوضع قد خلق بطبيعة الحال شكلاً من أشكال المواجهة بين أصحاب الحديث المتقدمين وبين أصحاب الحديث الحنابلة، لكن وبرغم تغلب الحنابلة، فإن نتيجة ذلك لم تكن بالضرورة اضمحلال المدرسة السابقة لأصحاب الحديث (عن أوجه الاختلاف بين المدرستين، ظ: ن.د، أصحاب الحديث). و من الباقين من مدرسة أصحاب الحديث المتقدمين في أصفهان خلال عصر المقدسي، ربما أمكن ذكـر ابن المقرئ (تـ 381ه / 991م)؛ و إن شخصية ابن المقرئ، وبشكل خاص بسبب تأليفه مسند أبي حنيفة (عن مخطوطة هذا الكتاب، ظ: GAS,I / 205) وعلاقته الوثيقة بالطحاوي (ظ: ن.د، 4 / 113-114) في دراسة توافق محدثي أصفهان مع المذهب الحنفي، جدير بالتأمل. و من الشخصيات الأخـرى ينبغي أن نذكـر أبا الشيـخ الأصفهانـي (تـ 369ه / 979م) الذي كان قد ألف آثاراً عديدة في شتى الموضوعات الفقهية مثل الأذان، الأموال، النكاح، و الفرائض بأسلوب أصحاب الحديث المتقدمين (ظ: الكتاني، 46-49). و مع قلة المصادر التي تحدد الزمن الدقيق لدخول المذهبين الحنفي والشافعي إلى أصفهان، و من المعروف بشكل عام أن هذين المذهبين في القرنين 5و6ه / 11و12م قد أزاحا بقية المذاهب الفقهية من الساحة، وكانا يهيمنان على الأوساط الفقهية في أصفهان بصفتهما خصمين متنافسين؛ وينبغي الانتباه إلى أن كلا المذهبين كان له في تلك الفترة أتباع كثر في المناطق المحيطة بأصفهان (المقدسي، 280، 303، مخ (، و أن تناميهما في أصفهان كان يمكن أن يكون في المستوى الطبيعي لاتساع المذهب، و إن كانت التيارات السياسية في العصر السلجوقي مؤثرة في هذا الأمر أيضاً (لتأييد ذلك، ظ: الراوندي، 18). و ما يتطلب المزيد من الدراسة هو توافد دعاة من البلدان البعيدة، حيث يمكن الإشارة من بينهم إلى أسرة آل خجند المعروفة؛ فأفراد هذه الأسرة الذين كانوا قد قدموا إلى أصفهان من خجند في ماوراءالنهر وكانوا ينشرون المذهب الشافعي، تمتعوا طوال القرون 5-7ه / 11-13م بنفوذ اجتماعي واسع في أصفهان (ظ: ن.د، 1 / 492-495). و في الجناح الحنفـي ينبغي أن نذكر بشكل خاص قضاة آل صاعد الذيـن كانـوا أيضـاً أسـرة أصفهانيـة ـ خراسانيـة (ظ: ن.د، 1 / 540-545). و من الفقهاء البارزين بأصفهان في المذهب الشافعي أواخر القرن 6ه ، أبو الفتوح العجلي (ن.ع) الذي ألف آثاراً عديدة في الفقه كان من بينها كتابه تتمة التتمة الذي كان لفترة أساساً لعمل المفتين في أصفهان (ظ: ابن خلكان، 1 / 209). و في الفترة التي تلت الغزو المغولي، و برغم بروز بعض الرجال المرموقين مثل فقهاء آل تركة (ن.ع) الحنفيين، لكن و مع حلول العصر الصفوي لم يكن قد بقي مجال لاستمرار المذهبين الحنفي والشافعي اللذين كانت الحروب العنيفة والطويلة (ظ: رشيد الدين، 1 / 319، 322، 354؛ ابن الأثير، 11 / 319، مخ ) و فقدان شخصياتهما العلمية البارزة، قد اتجهت بهما نحو الزوال. و في نظرة سريعة إلى تاريخ فقه الإمامية في أصفهان خلال القرون الأولى لايمكن ــ من خـلال المصادر المتوفـرة ــ متابعة تيار فقهي ملحوظاً. بينما كانت أصفهان عقب تجاوزها فترة انحطاط العصر المغولي و مع بدء حقبة جديدة من الازدهار الثقافي في العصر الصفوي، ساحة لظهور مدرسة مهمة في فقه الإمامية حيث تعدّ واقعة ذات شأن في تاريخ فقه هذا المذهب. ومن فقهاء هذه المدرسة في القرنين 11و12ه / 17و18م الذين وضعوا من حيث نهجهم الأصولي في مدرسة المحقق الكركي، يمكن أن نذكر علماء أمثال بهاء الدين العاملي، المعروف بالشيخ البهائي والميرالداماد وآغا جمال الخوانساري والفاضل الهندي. وبإزاء هذا التيار كان هناك أيضاً تيار أخباري يمكن أن نذكر من شخصياته البارزة محمد تقي المجلسي ومحمد باقر المجلسي (ظ: مدرسي طباطبائي، 50-52، مخ (. و من الشخصيات الأخرى التي نبغت من مدرسة أصفهان في المراحل التاريخية التالية، يمكن أن نذكـر أمثـال حجـة الإسـلام الشفتـي (تـ 1260ه / 1844م) وشيخ الشريعـة الأصفهـانـي (تـ 1339ه / 1921م) والشيخ محمد حسين الكمپاني (تـ 1361ه / 1942م).
كانت أصفهان ومنذ القرن 3ه على الأقل تعدّ أحد مراكز نفوذ المعتزلة (ظ: القاضي عبد الجبار، 276)، وقد حافظت على مكانتها هذه حتى القرن 5ه )ظ: ابن نقطة، 1 / 86، 199). و من بين رجال المعتزلة في أصفهان يمكن أن نذكر أسماء أمثال أبي مسلم الأصفهاني (ن.ع) وأبي الفتح الأصفهاني (ظ: المنصور بالله، 1 / 139)، وأحمد بن محمد بن رزا الأصفهاني (الذهبي، ميزان، 1 / 155). وإلى جانب المعتزلة، تجدر الإشارة إلى وجود بعض المتكلمين الإمامية القريبين من المعتزلة، و من بينهم بشكـل خاص ابـن مملك الأصفهانـي الذي اشتهـر ــ فضلاً عن تأليفه أثرين في باب الإمامة ــ بسبب مجالسه الكلامية مع أبي علي الجبائي والحسن بن موسى النوبختي (ظ: ابن النديم، 226؛ الطوسي، الفهرست، 193؛ النجاشي، 63). و عن الطيف الكلامي الآخر، ينبغي ذكر الأشاعرة الذين تجلى دورهم في أصفهان في المصادر بشكل أكبر. فاستناداً إلى أبي نعيم، فإن أحد التلاميذ الأصفهانيين لدى الأشعري و الذي كان يدعى محمد بن القاسم الشافعي، عاد إلى موطنه في 353ه / 964م وانبرى هناك لنشر المذهب الأشعري بصفته «متكلماً على مذهب أهل السنة» (ظ: أبو نعيم، ذكر...، 2 / 300؛ أيضاً ابن عساكر، 197، 207- 248). و من بين العلماء الجديرين بالذكر ابن فورك الأصفهاني الذي قدم إلى أصفهان أواسط القرن 4ه و لعقد من الزمن أسس واحدة من أهم الحلقات في تاريخ علم الكلام الأشعري (ظ: ن.د، 3 / 662). وطوال القرنين 5و6ه وحتى بعد ذلك أيضاً كان المذهب الأشعري في أصفهان هو الاتجاه الكلامي السائد في أوساط الشافعية (عن بعض الرجال، ظ: ابن عساكر، 249 و ما بعدها)، لكن لم تلاحظ بينهم شخصيات بارزة (عن نقد كون أبي نعيم أشعرياً، ظ: ن.د، 5 / 416- 418). و من بين أصحاب الحديث في أصفهان، كان ممثلو الاتجاه المتقدم في القرن 3ه مثل رُسته في الإيمان وأبي مسعود الرازي في الرد يوجهون ردودهم في آثارهم الاعتقادية إلى معارضي أصحاب الحديث، أي المرجئة والشيعة (ظ: أبو نعيم، ن.م، 2 / 49؛ السمعاني، 5 / 99؛ الكتاني، 45)؛ بينما كانت البدعة التي حاربتها أسرة ابن منده الحنبلية في القرنين 4و5ه ، هي الأفكار الأشعرية بشكل أكبر (ظ: ابن منده، كافة أرجاء الكتاب؛ أيضاً الذهبي، سير، 18 / 350، ميزان، 1 / 159).
في مجال التصوف والعرفان، تجدر الإشارة أولاً إلى شخصية محمد بن يوسف بن معدان الأصفهاني (القرن 2ه( الذي كان لفكره ارتباط واضح بمدرسة الزهد الكوفية و ممثليها مثل سفيان الثوري (ظ: أبو نعيم، حلية...، 8 / 225-237).و في القرن 3ه كان للاتجاه إلى التصوف أنصار في أوساط أصفهـان و كـان أشـخـاص مثـل محمـد بـن يـوسـف البـنـاء (تـ 286ه / 899م) وتلميـذه علـي بـن سهـل الأصفهانـي (تـ 307ه / 919م) على رأس هذا التيار (ظ: م.ن، ذكر، 2 / 14، 220؛ السلمي، 229-232). وفي العقود الأخيرة مـن القرن 4ه والأولى من القرن 5ه ، فإن ظهور شخصية المتصوف أبي منصور الأصفهاني شكل ظاهرة معقدة في تاريخ الثقافة الأصفهانية. فقد أرجع أبو منصور نفسه طريقة سلوكه إلى محمد بن يوسف البناء وعلي بن سهل الأصفهاني اللذين وصلته تعاليمهما عن طريق أصحابهما (ظ: ص 41). لكن الغموض يكتنف المدى الذي مدت فيه تعاليم البناء وعلي بن سهل جذورهما في أصفهان والواسطة التي وصلت بها إلى أبي منصور (ظ: ن.د، 5 / 364-365). كان تصوف أبي منصور تصوفاً حنبلياً يمكن مقارنته مع تصوف الخواجه عبد الله الأنصاري في خراسان، وبرغم انسجامه مع الأوضاع الثقافية في عصره، لم تكن له في الأجيال التالية ومع اضمحلال المذهب الحنفي في أصفهان القدرة على المقاومة في مواجهة التصوف الخراساني المقتدر. ومنذ أواخر القرن 5ه طغى التصوف الخراساني على أجواء أصفهان وأودع طريقة أبي منصور الأصفهاني زوايا النسيان (ظ: ن.د، 5 / 365). و في القرن 5ه أيضاً ينبغي الحديث عن أبي نعيم الأصفهاني الذي كان عالماً من المدرسة المعتدلة لأصحاب الحديث وكان بربطه السنة الزهدية للسلف والمتقدمين من أصحاب الحديث مع تعاليم الصوفية، يروم إقامة نوع من الألفة بينهما. و قد حقق نظريته هـذه عملياً باتجاه تاريخـي ـ تعليمي في حلية الأولياء (القاهرة، 1351-1357ه(. و إن كتاب الأربعين على مذهب المتحققين من الصوفية (بيروت، 1414ه( لأبي نعيم أيضاً خطوة أخرى على طريق تقديم وجه مقبول للتعاليم الصوفية. و في القرون التالية، كان تيار التصوف تياراً متواصلاً، و في بعض الفترات ظهرت في ساحته شخصيات شهيرة مثل الشيخ نجم الدين الأصفهاني (كان حياً في 730ه / 1330م) (ظ: حمد الله، 676). و من بين علماء أصفهان الذين ألفوا آثاراً في الدراسة النظرية للتصوف وبحوث العرفان النظري، يجدر ذكر صائن الدين تركة (تـ 836ه / 1433م) (عن آثاره، ظ: ن.د، 1 / 474-475). و في العصر الصفوي ينبغي أن تعد المواجهات الأولى مع الصوفية مواجهات سياسية بشكل أكبر. و من بين التحركات التي تمت على عهد الشاه طهماسب بأهداف سياسية ـ مذهبية صفوية، كان تهذيـب كتاب صفوة الصفا لابن البزاز على يد أبي الفتـح الحسيني (ظ: ن.د، 5 / 196). مع ظهور مدرسة أصفهان في الفقه و الفلسفة، كان هناك تعاملان متباينان تجاه التصوف و العرفان في أوساط علماء أصفهان الشيعة، فقد كان للميرالداماد ومدرسته الفلسفية رؤية موافقة بشأن أفكار معرفة العالم لدى أهل الطريقة، وهذه الرؤية الموافقة أصبحت أرضية للاستفادة من الأفكار العرفانية في وضع أسس الحكمة المتعالية على يد صدر الدين الشيرازي. وبإزاء ذلك، أبدى العلماء المتجهون إلى الأخبار مواجهة عنيفة تجاه التصوف وكانوا يرون محاربة الصوفية واجباً عليهم، بحيث ضمن محمد باقر المجلسي رسالته الاعتقادية البحث حول الصوفية ونقض طريقتهم (ظ: ص 77 و ما بعدها).
في مجال الفلسفة والعلوم، يمكن القول إن كلام ابن رسته في القرن 3ه حول سفر جماعة من الحكماء والفلاسفة والأطباء إلى أصفهان (ص 156)، يمكن أن يكون مبالغاً فيه إلى حد ما، لكن مهما يكن، فإنه لاتلاحظ في المصادر التاريخية معلومات واسعة عن ازدهار الفلسفة والعلوم في أصفهان خلال القرون الإسلامية الأولى. و من بين الشخصيات المعروفة تجدر الإشارة إلى عامر بن أحمد الشونيزي (تـ 301ه / 914م) الذي كان ماهراً في الحساب والجبر والمقابلة (ظ: أبو الشيخ، 3 / 601). كما يمكن العثور بين الرجال المتقدمين في أصفهان على أسماء جمع من الأطباء غير المعروفين (مثلآً ظ: أبو نعيم، ذكر، 2 / 286، 287، 304، 307، 310، مخ(. و في أواخر القرن 4ه وأوائل القرن 5ه ، تجدر الإشارة إلى ابن مندويه (ن.ع) الطبيب و الصيدلي الأصفهاني الذي كان قد كتب رسائل عديدة للأطباء الأصفهانيين، كما يقول ابن أبي أصيبعة (2 / 31-32). و من بين عشرات الآثار المنسوبة لابن مندويه توجد عدة عناوين بشكل مخطوطات في شتى المكتبات (ظ: GAS,III / 328-329). كانت السنوات الخمس عشرة التي أمضاها ابن سينا في أصفهان (414-428ه / 1023-1037م) والتي انقضت بتأليف وتدريس مصحوبين بالهدوء (ظ: القفطي، 274 و ما بعدها)، أكثر سنيّ حياة ابن سينا إبداعاً من جهة، ومنعطفاً في تاريخ علوم أصفهان من جهة أخرى. و من تلامذة ابن سينا في هذه الفترة يمكن أن نذكر أبـا منصور ابـن زيلة الأصفهانـي (تـ 440ه / 1048م) الذي درس طبيعيات الشفاء، وكانت له أيضاً بحوث في الرياضيات والموسيقى. و في الفترات التي أعقبت ذلك ينبغي الحديث عن أبي الفتح الأصفهاني (تـ بعد 513ه / 1119م) الذي كانت له بحوث في الرياضيات وأنتج آثاراً في بحث المخروطات (ظ: ن.د، 3 / 215- 218، 5 / 188- 189؛ أيضاً عن بعض الأطباء، ظ: القفطي، 154، 215، 224). وكان الازدهار الثقافي لأصفهان خلال العصر الصفوي مصحوباً بظهور مدرسة فلسفية أيضاً، وضع أساسها علماء مثل الشيـخ البهائـي (تـ 1031ه / 1622م) و المـيـرالـدامـاد (تـ 1040ه / 1630م). وكانوا ــ إلـى جانـب الفلسفـة ــ يولون اهتماماً ببعض العلوم مثل الرياضيات والطب (عن بعض علماء الرياضيات والطـب، ظ: الحـر العاملـي، 1 / 70،156، مخ(. و مـن فـلاسفـة هذه المدرسة يمكن أن نذكر الميرالفندرسكي (ظ: ن.د، الميرالفندرسكي) وصدر الدين الشيرازي صاحب الحكمة المتعالية ( الأسفار) و آغا حسين الخوانساري (ن.ع) وآغا جمال الخوانساري (ن.ع). وبرغم أن هذه المدرسة الحديثة التأسيس كانت تجابه بمعارضة العلماء الأخباريين (ظ: المجلسي، 76)، إلا أنـه كان لها طوال القـرون الأخيرة ممثلـون مرموقون فـي أصفهان أمثـال الآخـونـد الكـاشـي و الميـرزا جـهـانگيـرخـان القشقائـي. و في كتاب بعنوان الحركة الفكرية في أصفهان جمع صبري أحمد لافي الغريري مواد حول مسيرة العلوم الدينية وبقية العلوم في أصفهان خلال القرون الإسلامية الستة الأولى (بغداد، 1410ه / 1990م). والمعلومات المجموعة غنية وبشكل خاص من وجهة نظر المؤسسات العلمية ورجال العلوم الدينية لأهل السنة.
ابن أبي أصيبعة، أحمد، عيون الأنباء، تق : أغوست مولر، القاهرة، 1299ه / 1882م؛ ابن أبي يعلى، محمد، طبقات الحنابلة، تق : محمد حامد الفقي، القاهرة، 1371ه / 1952م؛ ابن الأثير، الكامل؛ ابن حجر العسقلاني، أحمد، تقريب التهذيب، تق : محمد عوامة، حلب، 1408ه / 1988م؛ ابن خلكان، وفيات؛ ابن خير، محمد، فهرسة، تق : قداره، بغداد، 1382ه / 1963م؛ ابن رسته، أحمد، الأعلاق النفيسة، تق : دي خويه، ليدن، 1309ه / 1891م؛ ابن عساكر، علي، تبيين كذب المفتري، بيروت، 1404ه / 1984م؛ ابن الملاحمي، محمود، المعتمد، تق : مكدرموت وماديلونغ، لندن، 1991م؛ ابن منده، محمد، الإيمان، تق : علي فقيهي، بيروت، 1406ه / 1985م؛ ابن النديم، الفهرست؛ ابن نقطة، محمد، التقييد، حيدرآباد الدكن، 1403-1404ه / 1983-1984م؛ أبو الشيخ الأصفهاني، عبدالله، طبقات المحدثين بأصبهان، تق : عبد الغفور البلوشي، بيروت، 1407-1412ه ؛ أبو منصور الأصفهاني، معمر، «المنهاج»، تق : نصرالله پور جوادي، معارف، طهران، 1368ش، عد 3؛ أبو نعيم الأصفهاني، أحمد، حلية الأولياء، القاهرة، 1351ه / 1932م؛ م.ن، ذكر أخبار أصبهان، تق : ديدرينغ، ليدن، 1934م؛ بديع الزمان الهمذاني، أحمد، مقامات، بيروت، 1889م؛ البرقي، أحمد، المحاسن، تق : جلال الدين المحدث الأرموي، طهران، 1331ش؛ الحازمي، محمد، ما اتفق لفظه وافترق مسماه في الأماكن و البلدان، ط مصورة، تق : فؤاد سزگين، فرانكفورت، 1407ه / 1986م؛ الحر العاملي، محمد، أمل الآمل، تق : أحمد الحسينـي، بـغــداد، 1385ه / 1965م؛ حـمـد اللـه المستـوفـي، تـاريـخ گـزيـده، تق : عبدالحسين نوائي، طهران، 1362ش؛ الخزاز، علي، كفاية الأثر، قم، 1401ه / 1981م؛ الذهبي، محمد، الأمصار ذوات الآثار، تق : محمود الأرناؤوط، دمشق، 1405ه / 1985م؛ م.ن، سير أعلام النبلاء، تق : شعيب الأرنؤوط وآخرون، بيروت، 1405ه / 1985م؛ م.ن، معرفة القراء الكبار، تق : طيار آلتي قولاج، إستانبول، 1416ه / 1995م؛ م.ن، ميزان الاعتدال، تق : علي محمد البجاوي، القاهرة، 1382ه / 1963م؛ الراوندي، محمد، راحة الصدور، تق : محمد إقبال، ليدن، 1921م؛ رشيد الدين فضل الله، جامع التواريخ، تق : محمد روشن ومصطفى موسوي، طهران، 1373ش؛ السلمي، محمد، طبقات الصوفية، تق : پدرسن، ليدن، 1960م؛ السمعاني، عبد الكريم، الأنساب، تق : عبد الله عمر البارودي، بيروت، 1408ه / 1988م؛ السيوطي، طبقات المفسرين، تق : علي محمد عمر، القاهرة، 1396ه / 1976م؛ الطوسي، محمد، تهذيب الأحكام، تق : حسن الموسوي الخرسان، النجف، 1379ه ؛ م.ن، رجال، تق : محمد صادق آل بحر العلوم، النجف، 1381ه / 1961م؛ م.ن، الفهرست، تق : محمد صادق آل بحر العلوم، النجف، المكتبة المرتضوية؛ القاضي عبد الجبار، «فضل الاعتزال»، فضل الاعتزال و طبقات المعتزلة، تق : فؤاد سيد، تـونس، 1393ه / 1974م؛ القفطي، علي، إخبار العلماء بأخبار الحكماء، القاهـرة، 1326ه ؛ الكتانـي، محمد، الرسالة المستطرفة، إستانبول، 1986م ؛ الكليني، محمـد، الأصول من الأصول من الكافي، تق : علي أكبر الغفاري، طهران، 1391ه ؛ المجلسي، محمد باقر، «الاعتقادات»، في حاشيه الاعتقادات لابن بابويه، ط حجرية، طهران، 1300ه ؛ المقدسي، محمد، أحسن التقاسيم، بيروت، 1408ه / 1987م؛ منتجب الدين الرازي، علي، فهرست، تق : عبد العزيز الطباطبائي، قم، 1404ه ؛ المنصور بالله، القاسم، الاعتصام، صنعاء، 1408ه / 1987م؛ النجاشي، أحمد، الرجال، تق : موسى الشبيري الزنجاني، قم، 1407ه ؛ وأيضاً:
GAS; Modarressi Tabātabā’i, H., An Introduction to Shī‘ī Law, London, 1984.أحمد پاكتچي / ه
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode