ابن سینا
cgietitle
1442/11/16 ۲۱:۱۱:۴۹
https://cgie.org.ir/ar/article/233684
1447/1/10 ۰۰:۴۱:۵۸
نشرت
3
لایوجد بین أیدینا الیوم من الرسائل التي كتبها ابن سینا بأسلوب الأدباء الذین سبقوه، إلا أنه بقیت مختارات قلیلة من كتابه لسان العرب مما یمكن أخذ فكرة منها عما كان علیه الكتاب في الأصل. وهذه المختارات عبارة عن رسالة صغیرة ضمت عدداً من الكلمات والمصطلحات الدینیة والفلسفیة والكلامیة مع تعاریف مختصرة لها، رتبت حسب الموضوعات، وعناوین فصولها الرئیسة هي: كتب الأنبیاء والنبیین، القضاء والقدر، في أمر الصحابة، المهاجرون والأنصار، العبادة والزهد، المذاهب (ظ: ابن سینا، «رسالة في اللغة»، 7-18). ولیس معلوماً عناوین الفصول التي كان علیها أصل الكتاب، وهل كان الكتاب في أصله معجماً شاملاً، أم كان یضم الكلمات والمصطلحات الدینیة والفلسفیة والكلامیة فحسب، لكن أسلوب شرح المصطلحات والدقة التي تلاحظ في هذه المختارات تذكر بالدسلوب الذي انتهجه ابن سینا في كتاب الحدود. ورغم أن أسلوبه في بعض مؤلفاته مثل القانون والشفاء ورسائله في المنطق والریاضیات وكافة الفروع العلمیة، بسیط وواضح وخال من الصناعة اللفظیة، إلا أنه یشاهد بوضوح في بعض آثاره الأخری مثل الإشارات والتنبیهات وفي قصصه التمثیلیة نوع من محاولة تزویق الكلام واستخدام المحسنات اللفظیة وفنون البدیع والبیان.
إن أحد الجوانب المهمة في شخصیة ابن سینا التي غطت علیها شهرته في الحكمة والطب، قدرته الفائقة في نظم الشعر والخطابة؛ فإضافة إلی قصیدته العینیة التي مرّ ذكرها وقصیدة الجمانة الإلهیة في التوحید (مهدوي، 67)، والقصیدة المزدوجة في المنطق (ظ: ابن سینا، «القصیدة المزدوجة»، 1-18)، وعدة أراجیز في الطب ومواضیع أخری (ظ: مهدوي، 25-28)، كانت له أشعار مشهورة أیام حیاته، كما ورد ذكرها ضمن فهرست آثاره التي أوردها أبو عبید الجوزجاني (ص 18).
ومن النماذج التي ذكرها ابن أبي أصیبعة (3(1)/22) من أشعار ابن سینا عند ترجمته له، یمكن التعرف إلی أسلوبه في الشعر. ففي تلك النصوص تتناول مواضیع شعره في أغلبها الحكمة والأخلاق والموعظة، كما تشاهد بینها عدة مقطوعات شبیهة بالخمریات أیضاً. ورغم أن أشعاره بصورة عامة تبین أفكاره الفلسفیة، إلا أنها لاتخلو غالباً من معان بدیعة ورقیقة. وكأن مطلع القصیدة الخمریة المشهورة لابن الفارض قد استعار الشكل والمضمون والمعنی من بیت ابن سینا الذي قاله في وصف الخمر القدیم:
شرینا علی الصوت القدیم قدیمة لكلّ قدیم أوبل هي أوّلُ
وعبارات ابن سینا في الشعر والنثر رصینة تظهر قدرته وكفاءته في اللغة العربیة، وقد ذكر له – إضافي إلی الشعر – خطب وتحمیدات وأسجاع ومخاطبات ومكاتبات وهزلیات (أبو عبید الجوزجاني، ن.ص؛ ابن أبي أصیبعة، 3(1)/28)، مما لابد أن یكون بطبیعة الحال من صنف كتاباته الأدبیة. كما كان له علی ما یبدو مؤلف في علم النحو ذكر باسم كتاب الملح في النحو (أبو عبید الجوزجاني، ن.ص؛ ابن أبي أصیبعة، 3(1)/29). وكان له كتاب في علم العروض بعنوان معتصم الشعراء كتبه وهو في الـ 17 من عمره (أبو عبید الجوزجاني، 18؛ ابن أبي اصیبعة، 3(1)/28)، لكنه لم یعثر علی هذه الآثار حتی الآن.
وإن أحد آثار ابن سینا المهمة رسالة صغیرة في مبادئ علم الأصوات الملفوظة التي ورد اسمها بعناوین مختلفة في المخطوطات الموجودة بین أیدینا (ظ: مهدوي، 30-31)، إلا أن أبا عبید الجوزجاني ذكرها باسم «مقالة في أسباب حدوث الحروف ومخارجها» (ص 16؛ قا: ابن سینا، الشفاء، الریاضیات، جوامع علم الموسیقی، 88). وقد ألفها بطلب من اللغوي والنحوي المعروف أبي منصور الجبان وباسمه. وللرسالة روایتان بین أیدینا طبعت كلاهما وترجمتا للفارسیة (ظ: خانلري، 11). وتقع في ستة فصول:
الفصل الأول في كیفیة حدوث الصوت بصورة عامة وسبب وكیفیة سماعه؛ وعلی حد تعبیر ابن سینا فإن الصوت یحدث بسبب تموج في الهواء ناتج عن القرع والقلع الشدیدین السریعین المفاجئین، ثم یصل ذلك الموج إلی الهواء الراكد في الصماخ فیموّجه فیحس به العصب المفروش في سطحه.
الفصل الثاني بحث فیه سبب حدوث الحروف والأصوات المنطوقة وكیفیاتها، وتحدث بسبب مرور الهواء في جهاز النطق لدی الإنسان بحسب التموج الحادث في المخارج والمحابس، وتتغیر كیفیاتها وفقاً لأجزاء التموج إن كانت متصلة ببعضها أم منفصلة وتحصل فیها الأشكال المختلفه، فالحرف إذن هو هیئة للصوت الملفوظ عارضة له یتمیز بها عن صوت آخر مثله. وبتعبیر آخر فإن اختلاف الحروف عن بعضها ناشئ عن اختلاف الأعضاء التي یصدر عنها – التي یسمیها ابن سینا الأجرام – وكیفیة عملها في حبس أو إطلاق الهواء. وتنقسم الحروف بناء علی ذلك إلی أنواع حصرها في هذا الفصل بقسمین مهمین وشرحهما وهما الحروف المفردة والحروف المركبة. ویحدث المفرد من حبس تام للصوت أو الهواء مع إطلاق مفاجئ له؛ أما المركب فیحدث عن حبس غیر تام والإطلاق التدریجي له. وفي موضع آخر یسمي الحرف المفرد بالحبسي والمركب بالتسریبي (ابن سینا، ن.م، 86). والنحویون یسمون الأول منهما بالحروف «الشدیدة» والثاني بالحروف «الرخوة». وعلی حد تعبر سیبویه فإن الحروف الشدیدة هي التي یحبس فیها مجری الصوت، وحروف الرخوة هي التي یمكن اندفاع الصوت فیها.
وقد حصر سیبویه ومن تلاه من النحاة الحروف الشدیدة بـ: الهمزة، ق، ك، ج، د، ط، ت، ب؛ إلا أنه في النسخ الموجودة لهذه الرسالة، عدّ الحرفان الخیشومیان «ن» و«م» وكذلك الحرفان «ل» و«ض» أیضاً من الحروف المفردة، بینما حذفت الهمزة من بینها (ظ: م.ن، مخارج الحروف، 8). ویبدو أن حذف الهمزة قد كان بسبب سهو في الكتابة، لأن ابن سینا نفسه قد أشار في بدایة الفصل الرابع في كیفیة لفظ الهمزة وتبیان الفرق بین الحرفین «هـ» و«الهمزة» (ن.م، 15) والحرفین «ف» و«ب» (ن.م، 21) إلی الحبس التام في الهمزة وإلی كونها مفردة بطبیعة الحال؛ أما ذكر الحروف الخیشومیة ضمن هذه المجموعة، فلأنه بسبب أن طریق التنفس من الفم یغلق تماماً عند لفظها ویستمر خروج الصوت من الخیشوم. وفي حالة نطق الحرفین «ل» و«ض» یمر اندفاع الصوت من الفم ولایكون هناك حبس تام. ولاشك في أن إدخاله هذه الحروف ضمن الحروف المفردة جاء لأن اللسان یبقی ثابتاً في مكانه عند نطقها ولایتغیر، ویسد طریق النفس لینساب الصوت من جوانبه، ولهذا السبب فقد جعل حرفي «ض» و«ن» في عداد الحروف المفردة وقیّد ذلك بقوله «من وجهٍ» (ن.م، 8). وللسبب المذكور آنفاً فقد أخرج سیبویه الحروف ل، ن، م مع ر، ع، أ، و، ي من عداد الحروف الشدیدة والرخوة ووضعها تحت عنوان «بین الشدیدة والرخوة»، لكنه وضع حرف ض ضمن الحروف الرخوة بمصاف س، ص، ظ وغیرها (ن.ص). وإن رأي ابن سینا في وضع هذا الحرف خاص به ولم یرد إلا في هذه الرسالة، إذ أنه عندما تناول میزات هذه الحروف في جوامع علم الموسیقی من ریاضیات الشفاء (ن.ص)، لم یذكر «ض» ضمن مجموعة الحروف الحبسیة (المركبة).
ومما یدعو للعجب أن ابن سینا في هذا الفصل لم یعر أي اهتمام لبقیة الممیزات المهمة والواضحة للحروف، أي كیفیة أدائها وجهرها وهمسها. وهذه المیزة كانت موضع اهتمام كبیر في الحدیث عن أنواع الحروف وصفاتها منذ عصر سیبویه، حیث تم تقسیم الحروف وتعریفها إلی مجموعتین منفصلتین هما الحروف المجهورة و المهموسة (سیبویه، 2/489).
وخصص الفصل الثالث لتشریح الحنجرة واللسان وبقیة أعضاء جهاز النطق، وقد فصلت أجزاء وحركات ودور كل واحد منها بشكل دقیق لانجد له مثیلاً، لیس في كتب النحو والبحوث المتعلقة بعلم الأصوات فحسب، بل حتی في التراث الطبي لتلك الفترة. ویبدو أن ابن سینا قد استفاد أیضاً في شرح هذه المواضیع من كتابات الیونانیین في الطب وعلم تشریح الأعضاء. ویشكل هذا الفصل في الحقیقة مقدمة للفصل الرابع.
والفصل الرابع هو أهم فصول هذه الرسالة، وضَّح فیه بدقة كیفیة أداء الحروف ومواضع حبس النفس ومخارج الأصوات ومیزان ضغط الهواء والزمن اللازم له والمكان الذي یمر فیه، والشكل الذي یكون علیه كل عضو من أعضاء جهاز النطق لدی لفظه كل حرف. ویبدو أن البحوث المتعلقة بوصف مخارج الحروف وأعضاء النطق من حیث نعومتها وخشونتها ولزوجتها ویبوستها ورطوبتها خلال إخراج صوت كل حرف من الحروف هي من استنتاجات ابن سینا مما لانجده في البحوث المتعلقة بعلم الأصوات التي تكتب عادة في باب الإدغام من كتب النحو. وإن ترتیب الحروف العربیة في هذا الفصل هو الترتیب الخاص بالهندیة الذي نظم حسب مخارج الحروف، ویبدأ من أدنی مخرج صوتي، أي الحلق وینتهي بأعلی مكان للتلفظ أي بالشفتین. ویلاحظ هذا الترتیب أیضاً في كتاب العین للخلیل بن أحمد وفي الكتاب لسیبویه (باب الإدغام)، وجرت العادة بعد ذلك أن یذكر في كتب النحو ضمن بحث مخارج الحروف وقواعد الإدغام وكان شائعاً في تنظیم بعض كتب اللغة حتی انتشار الترتیب الأبتثي في كتابة المعاجم. إلا أن الأسلوب الذي انتهجه ابن سینا في هذه الرسالة لایتفق تماماً مع الترتیب الذي یشاهد في كتاب العین و الكتاب لسیبویه وأتباع طریقته، حیث تبدو هناك اختلافات بینها في ترتیب الحروف وتسلسلها. فخلافاً للخلیل بن أحمد الذي بدأ تسلسل الحروف بحرف «العین» جعل ابن سینا – شأنه في ذلك شأن سیبویه - «الهمزة» في بدایة التسلسل. وخلافاً لسیبویه الذي وضع حروف العلة (ا، ي، و) في عداد الحروف الأخری وترك كلاً منها في مكانه الخاص، أوردها ابن سینا – شأنه في ذلك شأن الخلیل بن أحمد – في نهایة تسلسل الحروف (ظ: الخلیل بن أحمد، 1/47؛ سیبویه، 2/488-489). كما توجد اختلافات في ترتیب الحروف لدی ابن سینا في عدة حالات أخری مع ترتیبها في كتاب العین ومع الترتیب الوارد في الكتاب لسیبویه، ناجمة بصورة عامة عن استنتاجاته وملاحظاته الشخصیة، وربما جاءت عن كونه لم یعش إطلاقاً في بیئة عربیة اللغة، ولم تتوفر له فرصة تفحص أصوات الحروف بالشكل الذي یُسمع فیه من أفواه أهل اللغة أنفسهم. وهذه النقطة وبقیة النقاط الواردة في الرسالة تظهر بوضوح أن ابن سینا استعان في شرح الأمور المتعلقة بهذا الموضوع بمطالعاته وملاحظاته الخاصة، وربما كان قد استعان بمصادر أخری غیركتب ومؤلفات النحویین المتقدمین نجهلها نحن الیوم.
ومن الأمور التي تستحق الاهتمام في هذا الفصل، إیضاح نسبة الحركات إلی الحروف وعلاقتها بها والتمییز بین الألف والواو والیاء الصامته وبین المصوتة. فالفتحة متعلقة بالألف، والضمة بالواو، والكسرة بالیاء (قا: ابن سینا، الشفاء، الریاضیات، جوامع علم الموسیقی، 87). ومع كل هذا، فإن رأي ابن سینا بشأن كیفیة نطق الحركات والحروف المصوتة مشوب بنوع من الشك، فهو یقول: «وأما المصوّتات فأمرها عليّ كالمشكل، ولكني أظن أن…» (مخارج الحروف، 22). ویظهر كلامه هذا وكلام الخلیل بن أحمد الذي قال فیه «والعویص في الحروف المعتلة وهي أربعة أحرف: الهمزة والألف اللیّنة والیاء والواو…» أن بحث حروف العلة من حیث علم الأصوات لم یكن لیخلو من إشكال علی العلماء المسلمین (ظ: الأزهري، 1/51).
أما الفصل الخامس فقد خصص لبیان كیفیة نطق الحروف غیر الموجودة في اللغة العربیة، مث «پ» و«ژ» والحروف الأخری الخاصة باللغة الفارسیة، وبعض الأصوات المنطوقة في اللغتین التركیة والخوارزمیة.
واشتمل الفصل السادس علی مواضیع جدیدة تماماً ولایمكن ملاحظتها في مكان آخر. وقد قام هنا بدراسة التشابه بین الأصوات الكلامیة وبین الأصوات غیر الكلامیة والأصوات التي تسمع في الطبیعة، بشكل دقیق ومفصل، حیث شرحت كیفیة تكون الأصوات الخاصة بالحروف، من الحروف الحلقیة إلی الحروف الشفویة بواسطة الأشیاء والعوامل الخارجیة بالتفصیل، فمثلاً صوت حرف الكاف یأتي من انشقاق الأجسام الیابسة، وصوت حرف الجیم یأتي من وقع رطوبات علی رطوبات (كسقوط قطرة ماء بشدة علی سطح ماء راكد)، وصوت السین یأتي من النفخ في مثل أسنان المشط. وإن ملاحظات تجریبیة دقیقة عن كیفیة حدوث الأصوات والمقارنة بین الأصوات الكلامیة وغیر الكلامیة لهي مما یحظی بالاهتمام من وجهة نظر علم الصوت والدراسات النظریة في كیفیة نشوء الأمواج الصوتیة.
ترك ابن سینا باللغة الفارسیة آثاراً قیمة لها أهمیة من حیث تاریخ تطور هذه اللغة ومعرفة قدراتها وقابلیاتها. وأشهر مؤلفاته بالفارسیة هو كتاب دانشنامۀ علائي، الذي ورد في المصادر العربیة والفارسیة بأسماء «الحكمة العلائیة» و«الرسالة العلائیة» و«حكمت علائي» و«كتاب علائي» (ظ: إقبال، 2/210؛ مهدوي، 101). وذكره ابن أبي أصیبعة باسم «دانش مایه العلائي» (3(1)/27). وقد ألف هذا الكتاب لعلاء الدولة كاكویه (393-433هـ) في إصفهان خلال الفترة الواقعة بین 413-428هـ، وهي الفترة التي كان یعیش فیها هناك. فهو یقول في مقدمة قسم المنطق من دانشنامه: ورد الأمر الجلیل من ملكنا العادل… عضد الدین علاء الدولة… إليّ أنا عبده وخادم حضرته… بأن أكتب لخدام مجلسه كتاباً باللغة الفارسیة الدریة، أجمع فیه علی سبیل الاختصار أصول ومبادئ العلوم الخمسة من علوم حكمة المتقدمین (ص 1-2). ثم ذكر تلك العلوم الخمسة علی النحو التالي: علم المنطق، علم الطبیعیات [السفلیات]، علم الهیئة، علم الموسیقی، علم ماهو خارج الطبیعة [علم العلویات] (ن.م،2-3). إلا أن الترتیب الذي انتهج في تصنیف هذا الكتاب هو غیر ذلك ومخالف للأصول المتبعة في تدوین كتب الحكمة، فقد وضع ابن سینا هنا قسم الإلهیات أو ما بعد الطبیعة قبل الطبیعیات، واتبع تلمیذه بهمنیار ترتیب دانشنامه في تدوین مباحث كتابه التحصیل (ظ: بهمنیار، 2). وقد أشار ابن سینا في مقدمة قسم المنطق من دانشنامه إلی أنه قد عمل في ترتیب المباحث خلافاً لما هو مألوف (ص 4)، وقال في بدایة قسم الإلهیات من ذلك الكتاب في تسویغ هذا الأسلوب «وأصول جمیع العلوم مندرجة تحت هذا العلم [العلم الإلهي أو علم الربوبیة]، ویدرس هذا العلم آخر الأمر رغم أنه في الحقیقة هو الأول، إلا أننا نسعی إلی تعلیمه أولاً» (ص 8). أما الأقسام الثلاثة الأولی للكتاب أي المنطق والإلهیات والطبیعیات فقد كتبها ابن سینا بنفسه، لكن قسم الریاضیات الذي یضم الهندسة والهیئة والحساب والموسیقی فقد ضاع في نفس تلك الفترة، وبعد وفاته قام أبو عبید الجوزجاني بتلخیصه من المؤلفات الأخری لابن سینا وترجمه إلی الفارسیة وألحقه بالكتب الثلاثة المتبقیة (عن أجزاء دانشنامه ومخطوطاتها وطبعاتها، ظ: مهدوي، 101-113).
ولابن سینا رسائل أخری بالفارسیة أشار إلیها ابن أبي أصیبعة (3(1)/28). وتوجد باسمه رسائل بالفارسیة في مواضیع مختلفة مثل رسالۀ نبض ومعراج نامه وكنوز المعزّمین وظفر نامه وعلل تسلسل موجودات وعدة كتابات أخری (ظ: صفا، 1/57-63)، حیث یشك في صحة نسبة أغلبها إلیه. ومن بین الرسائل المنسوبة له ذكرت رسالۀ نبض لوحدها بشكل صریح في رسالة سرگذشت (أبو عبید الجوزجاني، 16). ومع الأخذ بنظر الاعتبار الإشارة التي نقلت عن ابن أبي أصیبعة یمكن القول إن قسماً آخر من العناوین المذكورة هي الأخری من كتابات ابن سینا.
وأسلوب ابن سینا في كتابة هذه الآثار سلس لاتصنع فیه، فإن بدت بعض عباراته الیوم في بعض الحالات صعبة وغیر مألوفة، فإن مرد ذلك یعود إلی وجود فاصلة زمنیة بیننا وبینه تزید علی ألف سنة. فالجمل قصیرة والربط بین أجزائها واضح لاغموض فیه، ولاوجود للعبارات المنمقة وحالة الترجمة التي تشاهد عادة في آثار كهذه. وهو لم یمتنع عن استخدام المصطلحات العربیة بالمقدار الذي كانت قد دخلت في اللغة الفارسیة وشاعت في عصره. كما لم یأت في كلامه بالمصطلحات الفارسیة الشاذة والنادرة. وكلماته الفارسیة بشكل عام هي نفسها التي استخدمها كتّاب الشعر والنثر الفارسیین في القرنین 4 و5هـ/10 و11م. وكان غالباً یذكر المصطلحات الفلسفیة والمنطقیة بأسمائها الفارسیة والعربیة معاً لئلا یصعب أو یستحیل فهم الموضوع (ظ: دانشنامه، «رسالة منطق»، 5)، إلا أنه في الحالت التي لم یكن یجد فیها المصطلح المقابل للفارسي تماماً والقابل للفهم، كان یمتنع عن اختلاق الألفاظ الغریبة، ویكتفي بذكر اسمها العربي الشائع كما فعل في مصطلحات مثل «جنس» و«نوع» و«فصل» و«عرض خاص»، إذ لم یستخدم ما یقابلها بالفارسیة. وكان في نقله للمفاهیم العلمیة والفلسفیة إلی الغة الفارسیة أو الألفاظ المتداولة في هذه اللغة مما ورد بالمعاني المتداولة في آثار المتقدمین علیه والمعاصرین له أمثال البلعمي والفردوسي وغیرهما، یستخدمها بالمعاني المصطلحي، أو أن یكوّن مصطلحات جدیدة من تركیب كلمات فارسیة متداولة مع ربعضها، أو من تركیب كلمات فارسیة وعربیة (ظ: معین، 540-544؛ ماسه، 41-35).
إننا نعلم أن اللغة الفارسیة قد استخدمت منذ أواسط القرن 4هـ/10م في تدوین الآثار التاریخیة والجغرافیة والدینیة، وقبل عصر ابن سیناً أیضاً كتبت بهذه اللغة عدة كتب في النجوم والطب، إلا أن استخدام النثر الفارسي الدري في شرح المفاهیم الفلسفیة العمیقة والعلوم المرتبطة بها قد بدأ مع ابن سینا، واستمر أسلوبه علی أیدي تلامذته في العصور اللاحقة، وبلغ الكمال في آثار أمثال ناصرخسرو والحكیم عمر الخیام وعمر بن سهلان الساوي وأفضل الدین الكاشاني والخواجة نصیر الدین الطوسي وقطب الدین الشیرازي وجمیع الذین دونوا الآثار المنسوبة لابن سینا.
وقد نسب لابن سینا في كتب التراجم أشعار فارسیة أیضاً، إلا أن صحة نسبتها لایمكن تأییدها بأي شكل من الأشكال، أولاً لأنه لم یرد في قصة حیاة ابن سینا والفهرست الذي كتبه الجوزجاني عن آثاره وفي الفهارس الأخری التي تشاهد في كتب المتقدمین عن مؤلفاته وكتاباته، ذكر عن أن ابن سینا كان له شعر باللغة الفارسیة. ثانیاً إن الأشعار الفارسیة المنسوبة له قد ذكرت في المؤلفات وكتب التراجم التي ألفت علی العهد الصفوي وما بعده. ومن ناحیة أخری ولأن نظم الشعر المتضمن لمعاني الحكمة وخاصة بشكل رباعیات كان متداولاً جداً خلال حیاة ابن سینا وكان أمثال أبي سعید بن أبي الخیر وعمر الخیام والخواجة عبد الله الأنصاري وقبلهم الرودكي والشهید البلخي وغیرهما ینظمون أشعاراً من هذا القبیل، فلیس مستبعداً إطلاقاً أن یكون ابن سینا قد نظم هو الآخر شعراً من قبیل ما نسب إلیه. ولذا فإن من الممكن اعتبار بعض الرباعیات والأشعار المنسوبة إلیه خاصة تلك التي ذكرت في كتب المجامیع الأدبیة القدیمة، من نظمه (ظ: نفیسي، 1206-1210).
ابن أبي أصیبعة، أحمد، عیون الأنباء، بیروت، 1377هـ/1957م؛ ابن الخطیب، محمد، الإحاطة، تقـ: محمد عبد الله عنان، القاهرة، 1397هـ/1977م؛ ابن سبعین، عبد الحق، بدّ العارف، تقـ: جورج كتوره، بیروت، 1978م؛ ابن سینا، «الإشارات والتنبیهات»، مع شرح الإشارات، قم، 1404هـ؛ م.ن، «تفسیر كتاب أثولوجیا»، أرسطو عند العرب، عبد الرحمن بدوي، القاهرة، 1978م؛ م.ن، دانشنامۀ علائي (الإلهیات)، تقـ: محمد معین، طهران، 1331ش؛ م.ن، ن.م (المنطق)، تقـ: محمد معین، طهران، 1353ش؛ م.ن، «رسالة الطیر»، «رسالة العشق»، «سر القدر»، «القضاء والقدر»، «الكشف عن ماهیة الصلاة»، رسائل، قم، 1400هـ؛ م.ن، «رسالة في اللغة»، پنج رساله، تقـ: إحسان یار شاطر، طهران، 1332ش؛ م.ن، الشفاء، الإلهیات، تقـ: إبراهیم مدكور، القاهرة، 1380هـ/1960م؛ م.ن، ن.م، الریاضیات، جوامع علم الموسیقی، تقـ: إبراهیم مدكور، 1380هـ/1960م؛ م.ن، «قصه سلامان وأبسال»، «نیروزیة»، تسع رسائل، مصر، 1326هـ/1908م؛ م.ن، «القصیدة المزدوجة»، منطق المشرقیین، قم، 1405هـ؛ م.ن، مخارج الحروف، تقـ: پرویز ناتل خانلري، طهران، 1348ش؛ م.ن، «مكاتبة»، رسائل ابن سینا، تقـ: حلمي ضیاء أولكن، إستانبول، 1953م؛ م.ن، منطق المشرقیین، قم، 1405هـ؛ م.ن، النجاة، تقـ: محمد تقي دانش پژوه، طهران، 1364ش؛ ابن عربي، محمد، الفتوحات المكیة، بولاق، 1293هـ؛ م.ن، فصوص الحكم، تقـ: أبو العلاء عفیفي، القاهرة، 1365هـ/1946م؛ أبو روح، لطف الله، حالات وسخنان أبو سعید أبو الخیر، تقـ: محمد رضا شفیعي كدكني، طهران، 1366ش؛ أبو عبید الجوزجاني، عبد الوحد، سرگذشت ابن سینا، طهران، 1331ش؛ أخبار الحلاج، تقـ: لویس ماسینیون، باریس، 1936م؛ الأزهري، محمد، تهذیب اللغة، تقـ: محمد عبد السلام هارون، القاهرة، 1384هـ/1964م؛ إقبال، عباس، «چند نكته راجع به زندگاني وآثار ابن سینا»، جشن نامۀ ابن سینا، طهران، 1334ش؛ بهمنیار بن مرزبان، التحصیل، تقـ: مرتضی مطهري، طهران، 1349ش؛ الجامي، عبد الرحمن، «تحفة الأحرار»، «سلسلة الذهب»، «مثنوي سلامان»، مثنوي هفت أورنگ، تقـ: مرتضی مدرس گیلاني، طهران، 1361ش؛ م.ن، كلیات دیوان، تقـ: شمس بریلوي، طهران، 1362ش؛ خانلري، پرویز ناتل، مقدمة مخارج الحروف (ظ: همـ، ابن سینا)؛ الخلیل بن أحمد، كتاب العین، تقـ: مهدي المخزومي وإبراهیم السامرائي، قم، 1405هـ؛ السنائي، مجدود، حدیقة الحقیقة وشریعة الطریقة، تقـ: مدرس رضوي، طهران، 1359ش؛ م.ن، دیوان، تقـ: مدرس رضوي، طهران 1362ش؛ السهروردي، یحیی، «قصة الغربة الغربیة»، مجموعة مصنفات شیخ إشراق، تقـ: هنري كوربن، طهران، 1355ش؛ سیبویه، عمرو، الكتاب، بیروت، 1387هـ/1967م؛ الشیبي، كامل مصطفی، الفكر الشیعي والنزعات الصوفیة، بغداد، 1966م؛ صفا، ذبیح الله، جشن نامۀ ابن سینا، طهران، 1331ش؛ العطار، محمد، تذكرة الأولیاء، تقـ: نیكلسون، لیدن، 1905م؛ عین القضاة الهمداني، عبد الله، تمهیدات، تقـ: عفیف عسیران، طهران، 1341ش؛ الغزالي، محمد، تهافت الفلاسفة، تقـ: سلیمان دنیا، القاهرة، 1385هـ/1966م؛ فخر الدین الرازي، محمد، شرح الإشارات (ظ: همـ، ابن سینا)؛ فروزانفر، بدیع الزمان، «أبو علي سینا وتصوف»، جشن نامه، 1334ش؛ محمد بن منور، أسرار التوحید، تقـ: محمدرضا شفیعي كدكني، طهران، 1366ش؛ معین، محمد، «لغات فارسي ابن سینا وتأثیر آنها در أدبیات»، مجموعة مقالات، تقـ: مهدخت معین، طهران، 1367ش؛ «منتخب نور العلوم»، مع أحوال وأقوال شیخ أبو الحسن خرقاني، تقـ: مجتبی مینوي، طهران، 1363ش؛ مهدوي، یحیی، فهرست نسخههاي مصنفات ابن سینا، طهران، 1333ش؛ المولوي، محمد، كلیات شمس، تقـ: بدیع الزمان فروزانفر، طهران، 1355ش؛ م.ن، مثنوي معنوي، تقـ: نیكلسون، طهران، 1363ش؛ نصیر الدین الطوسي، محمد، شرح الإشارات (ظ: همـ، این سینا)؛ نفیسي، سعید، «آثار فارسي ابن سینا»، مجلۀ مهر، 1323ش، س 4، عد 12؛ نیكلسون، ر.، «سنائي پیشرو إیراني دانته»، مجلۀ یادگار، طهران، 1323ش، س 1، عد 4؛ یار شاطر، إحسان، «أثر تازهاي از ابن سینا»، جشن نامه، طهران، 1334ش؛ وأیضاً:
Affifi, A. E., «The Influence of Hermetic Literature on Moslem Thought», Bulletin of the School of Oriental (and African) Stuies, 1950, voi. VIII (3); Anawati, Georges, Études de philosophie musulmane, Paris, 1974; Asin Palacios, Islam and the Divine Comedy, tr. Sunderland, London, 1926; Corbin, Henry, Avicenne et le rècit visionnaire, Tehran, 1945; Goichon, A. M., Le récit de Hayy ibn yaqzan (Commenté par des textes d’Avicenne), Paris, 1959; Judaica; Massé, «Termes philosophiques de langue persane employés Par Avicenne», Le livre du millenaire d’ Avicenne, Tehran, 1956; Massignon, Louis Opera minora, Paris, 1969; id, Recueil de textes inédits, Paris, 1929.
فتح الله مجتبائي/هـ.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode