ابن سینا
cgietitle
1442/11/16 ۲۱:۱۱:۴۹
https://cgie.org.ir/ar/article/233684
1446/11/15 ۱۳:۳۸:۳۷
نشرت
3
رغم أن سلم النغم لم یكن معروفاً علی عهد ابن سینا بالشكل الذي هو متعارف علیه الیوم في الموسیقی، كما یوجد اختلاف أساسي بین النظام العلمي للموسیقی الموجود لدینا الآن وبین ماكان علیه آنذاك، لكنه وبالاستفادة من تقسیمات أوتـار الرباب تمكن من اكتشاف وسطی أخـری بنسبة لم یشر إلیها حتی الفارابي، وهي غیر الوسطی الفیثاغوریة (مي بیمول) ذات نسبة (بركشلي، «موسیقي»، 1/851) وعرفها بوتر إضافي بنسبة . وعلی هذا فإذا أخذنا بنظر الاعتبار القواعد الموسیقیة الحالیة حیث سلم النغم مكون من مجموعة ذات 8 نغمت، مع ما ذكره ابن سینا عن تقسیم الأوتار وتسویة العود، فإن سلم النغم كما كان یراه هو كالآتي:
ومع الأخذ بنظر الاعتبار للتقسیمات الواقعة علی وتر الثقیل (الوتر الأول أو بتغبیر آخر الرابع)، فإن تقسیمات آلة العود ستكون علی النحو التالي:
من ناحیة أخری، فإن تقسیم الوتر إلی 17 قسماً أو بُعداً من الأثقل حتی الأحدّ وفقاً لرأي ابن سینا هو كما في الجدول الآتي الذي تشیر فیه الكسور إلی النسب الطولیة علی الوتر، أما الأرقام المذكورة في العمود الثاني فتشیر إلی قیمها حسب السنت (وحدة قیاس عالمیة للموسیقی) حیث یتكون كل نغم أحادي من 1200 سنت (یوسف، 23):
یمكن أن یكون ما كتبه ابن سینا عن الموسیقی مفیداً لنا ومثمراً من نواحد عدة:
إن ما كتبه عن الموسیقی من حیث الأسلوب جدیر بالاهتمام بالدرجة الأولی، ذلك لأنه یمكن أن یكون دلیلاً للدراسات العلمیة في الموسیقی. فنحن نراه یمتنع عن مواضیع ممتزجة بالخیال والأساطیر، إذ لانری في «جوامع علم الموسیقی» مواضیع أمثال أن اختراع آلة العود تمّ علی ید لمك بن قبیل بن آدم، أو أن صناعة الآلات الموسیقیة من النحاس والحدید تمت علی ید توبال بن لمك (ظ: المراغي، مقاصد، 137-138؛ الحفني، 15).
والأمر الآخر هو الاهتمام الذي أولاه ابن سینا لآثار فلاسفة الیونان القدماء حیث أشار أو اعتمد أحیاناً علی أقوال أمثال بطلمیوس وأقلیدس وفیثاغورس، وقد قام بهذا العمل قبله وإلی حدّما، الفارابي وآخرون.
الأمر الثالث هو الحسابات الدقیقة التي استخدمها ابن سینا في أثره القیم «جوامع»، وفي الحقیقة فقد اهتم بالجانب النظري والعلمي للموسیقی بوصفها علماً ذا حسابات دقیقة. ولهذا السبب فلیس مبالغاً فیه القول بأن ما أورده عن النسب والأبعاد الموسیقیة أو الدقة التي استخدمها في التعریفات الرئیسة للموسیقی، هو أمر لامثیل له في بابه أو قلّ نظیره. وكذلك الأمر بالنسبة للترابط بین الموسیقی والشعر وقیاس كل واحد من هذین الفنین إلی الآخر، إذ ربما كان ذلك من أوائل التحقیقات المتعلقة بموسیقیة الشعر، خاصة وأن التحقیقات كانت منصبة آنذاك بشكل أكبر علی الجانب العملي للموسیقی، وحیث لم یلتفت إلا بشكل ضئیل إلی الموسیقی بوصفها علماً ذا حسابات دقیقة.
لاشك في أن كثیراً من الموسیقیین أو علماء الموسیقی ممن جاؤو بعد ابن سینا قد استفادوا بشكل مباشر أو غیر مباشر من آثاره، نذكر علی سبیل المثال ابن زیلة (ن.ع) أحد طلاب ابن سینا المتمیزین، فهو رغم كونه لم یشر بشكل صریح إلی أستاذه في الكتاب الوحید الباقي له الكافي في الموسیقی، إلا أن مضامین كتابه تظهر بشكل واضح استفادته من آثار ابن سینا، إلی الحد الذي كان یستخدم معه أحیاناً نفس العبارات الواردة في «جوامع علم الموسیقی» أو یقتبس منها (ظ: ابن زیلة، 44)، وطبقاً لما قاله فارمر فربما لم یضف إلیها سوی بعض الموضوعات من آثار الكندي أو نتیجة دراساته الخاصة (ظ: EI1).
كما أن صفي الدین الأرموي (تـ 692هـ/1294م) ثاني موسیقي إیراني بعد الفارابي، وفي كتابیه القیمین الأدوار و الرسالة الشرقیة، وقطب الدین محمود الشیرازي (تـ 710هـ/1310م) في كتاب درة التاج الشبیه بالموسوعة إضافة إلی أنهما قد أولیا اهتماماً خاصاً بآثار ابن سینا، فإن أغلب البحوث من أمثال النغمة والحدة والثقل والإیقاع قد نقلاها كما هي في «جوامع علم الموسیقی» لابن سینا (قطب الدین، 2/19، 39).
وكذلك عبد القادر المراغي (تـ 839هـ/1435م) الذي اعتمد مراراً في آثاره علی آراء ابن سینا، وهو مثل صفي الدین الأرموي وقطب الدین الشیرازي، قد نقل عن ابن سینا البحث الذي قسم فیه الوتر إلی 17 جزءاً، وأورد التعریفات المتعلقة بالصوت والنغمة وأسباب الحدة والثقل ونسب الأبعاد وأمثال ذلك بنفس الشكل الذي أورده ابن سینا تقریباً، وفي موضع آخر ومن أجل إظهار المقام السامي للموسیقی النظریة وصعوبة الجمع بین العلم والعمل أو دور الموسیقی العملیة التي وضع لها عنوان الفن أو الصناعة، نقل عبارة ابن سینا الشهیرة عن الموسیقی: «هذا هو العلم، فأین رجاله؟» (مقاصد، 66)، لكنه انتقد في نفس الوقت عدم اهتمام ابن سینا – كما یبدو – بالموسیقی العملیة وقال: «كان الشیخ أبو علي حائزاً لقصب السبق في الجانب العملي لكل فن، لكنه ظل حائراً في الجانب العملي لهذا الفن» (ن.م، 138). وكان یؤكد مراراً علی أنه في الموسیقی كان ینبغي أن یجمع بین العلم والعمل وفي موضع آخر انتقد ابن سینا في تعریفه للنغمة (جامع، 18).
یری فارمر في ابن سینا نظریاً، عمیق الاهتمام بالنظریة الیونانیة لاسیما بأقلیدس، وأضاف: لقد آل الأمر بمؤرخي سیرة ابن سینا إلی الادعاء ببحثه مسائل أغفلها الیونان. ومهما بلغت قیمة القسم الخاص بالموسیقی في كتابیه الشفاء و النجاة، فإن فائدتهما تكمن في مساعدتنا علی تفهم ما وصل إلینا من الموسیقی العملیة للقرن 5هـ/11م (ص 202).
ابن أبي أصیبعة، أحمد، عیون الأنباء، بیروت، 1377هـ/1957م؛ ابن زیلة، الحسین، الكافي في الموسیقی، تقـ: زكریا یوسف، القاهرة، 1964م؛ ابن سینا، «جوامع علم الموسیقی»، الشفاء، القاهرة، 1376هـ/1956م؛ م.ن، دانشنامۀ علائي، نسخة مصورة عن مخطوطة المتحف البریطاني، عد 2361 or؛ الأرموي، عبد المؤمن، كتاب الأدوار، النسخة المصورة الموجودة في مكتبة المركز؛ إسماعیل بیگي، ضیاء الدین، آكوستیك، طهران، 1330ش؛ بركشلي، مهدي، «موسیقي»، إیران شهر، النشرة رقم 22 الصادرة عن اللجنة الوطنیة للیونسكو في إیران، 1342ش/1963م؛ م.ن، موسیقي دورۀ ساساني، طهران، 1326ش؛ الحفني، محمود أحمد، مقدمة «جوامع علم الموسیقی»، (ظ: همـ، ابن سینا)؛ دانش پژوه، محمدتقي، مداومت در أصول موسیقي إیراني، طهران، 1355ش؛ دایرة المعارف فارسي؛ الفارابي، محمد، الموسیقی الكبیر، تقـ: عطاس عبد الملك خشبة ومحمود أحمد الحفني، القاهرة، 1967م؛ قطب الدین الشیرازي، محمود، درة التاج، طهران، وزارة الثقافة؛ المراغي، عبد القادر، جامع الألحان، تقـ: تقي بینش، طهران، 1366ش؛ م.ن، مقاصد الألحان، تقـ: تقي بینش، طهران، 1356ش؛ منصوري، پرویز، ساز شناسة، طهران، 1355ش؛ مهدوي، یحیی، فهرست نسخههاي مصنفات ابن سینا، طهران، 1333ش؛ یوسف، زكریا، مقدمة «جوامع علم الموسیقی»، (ظ: همـ، ابن سینا)؛ وأیضاً:
Cornut, Guy, La voix, Paris, 1983; Dozy, R., Supplément aux dictionnaires arabes, Beirut, 1968; E11; Farmer, H. G., A History of Arabian Music, London, 1967.
تقي بینش/هـ.
جری الحدیث عن اتجاه ابن سینا العرفاني في القسم الأول من هذه المقالة ولكن نظراً لكون بعض كتاباته في الأدب الصوفي خلال الفترة اللاحقة قد تركت بصمات واضحة علی أسلوب موضوعاته العرفانیة باستخدام الرموز والكنایات واستخدام القوالب التمیثیلیة، فمن المناسب الحدیث باختصار عن آثاره وأفكاره في هذا المجال.
منذ فترة مبكرة وقع خلاف بین المتصوفة حول اتجاه ابن سینا العرفاني وطریقته وأسلوبه في التصوف وعلاقته به. فقد رأی بعض كبار العارفین فیه نموذجاً مثالیاً للعقلانیة ودحضوا آراءه في قوة وصحة الأدلة العقلیة في معرفة حقائق الوجود (ظ: السنائي، حدیقة…، 300، دیوان، 43؛ الغزالي، تهافت…، مخـ؛ المولوي، مثنوي، 2/208، كلیات…، 7/121؛ الجامي، كلیات…، 44، «تحفة الأحرار»، 420-421)، إلا أنه توجد من ناحیة أخری شواهد تتحدث عن أن بعض أهل السلوك والعرفان كانوا ینظرون منذ تلك الفترة إلی سلوكه بعین الرضى، كما كان له أیضاً رأي خاص بهذه الفئة. فقد ورد في «منتخب نور العلوم» خبر عن ذهاب ابن سینا للقاء الخرقاني (ص 135-136؛ أیضاً ظ: العطار، تذكرة…، 1/207). وخبر آخر عن لقاء وحوار بین ابن سینا وأبي سعید بن أبي الخیر في أسرار التوحید (1/194-195) وفي كتاب حالات وسخنان أبو سعید (أبو روح، 97-98). وتدل الرسائل المتبادلة بین هذین الاثنین الموجودة بین أیدینا (ظ: مهدوي، 3-11) بوضوح أن كلاً منهما كان ینظر إلی الآخر نظرة احترام وتكریم، فقد قال ابن سینا في مقدمة جواب له علی أحد أسئلة الشیخ أبي سعید: إن سؤال شخص كأبي سعید منه هو مثل عمل بصیر استبصر عن مكفوف ضریر، وسمیع استخبر من موقر السمع غیر خبیر. كما أن أبا سعید خلال عرضه للسؤال قد بالغ في عباراته بمدح ابن سینا وتكریمه (م.ن، 8، أیضاً ظ: 4، 5، 6). وجاء في مقدمة رسالة «سر القدر» بأن ابن سینا كتب هذه الرسالة في جواب من سأله عن معنی قول الصوفیة: «من عرف سر القدر فقد الحد» (ص 238). وإن سؤال عارف كبیر كأبي سعید بن أبي الخیر لابن سینا حتی في القضایا المتعلقة بالعرفان والتصوف، ولجوء آخرین إلیه في حل معضلات هذا العلم، دلیل علی أنهم كانوا یرون فیه آنذاك خبیراً في هذا المجال ومرشداً. كما أن نقل عین القضاة الهمداني في عدة مواضع لآراء ابن سینا واستناده إلیها واستشهاده بها في شرح موضوعاته، وإشارته إلی رأیه في مسألة «نكیر ومنكر» ونقله لقوله حول «الكفر الحقیقي والإسلام المجازي» الذي قاله في جوابه لأبي سعید بن أبي الخیر، وتسویغ عین القضاة لرأي ابن سینا في قدم العناصر الأربعة، لجدیر بالاعتبار من هذا الباب (ظ: عین القضاة، 167، 289، 349-350).
إن اختلاف وجهات النظر حول ابن سینا كان یلاحظ حتی لدی شخص واحد أو مدرسة فكریة واحدة. فقد عاب علیه المولوي في المثنوي عقلانیته (ن.ص)، إلا أنه وفي موضع آخر (في قصة عشق الملك للجاریة) ودون أن یذكر اسمه دعاه بـ «الضیف القادم من الغیب» و«الطبیب الإلهي» و«الأمین الصادق» (1/6، 7، 8). كما یلاحظ هذا الأمر في آثار الجامي أیضاً (ظ: الجامي، ن.ص، قا: «سلسلة الذهب»، 299-300). وفي حین عاب العارف الأندلسي ابن سبعین في كتابه بد العارف، ابن سینا واستنكر آراءه (ص 116، 144)، أورد تلمیذه وخلیفته أبو الحسن الشوشتري، اسمه في القصیدة التي شرح فیها سلسلة طریقته، ضمن إسناد الطریقة السبعینیة وذكره في مصاف أشخاص كهرمس وسقراط وأفلاطون،…، والحلاج وابن مسرة (ابن الخطیب، 4/210-211).
وبین المستشرقین الذین اهتموا بدراسة تاریخ التصوف والعرفان الإسلامیین لم یحدث أیضاً اتفاق في الآراء حول الآثار العرفانیة لابن سینا وكیفیة اهتمامه بهذا الموضوع: فمرن الذي طبع في أواخر القرن الماضي مجموعة من رسائل ابن سینا ضمت رسالة العشق ورسالة الطیر وحي بن یقظان و…، وترجمها للفرنسیة تحت عنوان «الرسائل العرفانیة لأبي علي… ابن سینا»، ومن بعده لویس ماسینیون ولویس غارده، وأوسعهم جمیعاً هنري كربن في بحوثهم عن ابن سینا، حاول كل منهم أن یؤكد علی جانب واجد من اتجاهاته العرفانیة والباطنیة. ومن ناحیة أخری فإن غواشون – كما أشرنا إلی ذلك من قبل – لم تلاحظ في كتاباته العرفانیة أي مضمون خارج عما كان یبدو في آثاره فلسفیاً محضاً، وقد سعت في ترجمتها لرسالة حي بن یقظان للفرنسیة إلی مطابقة جمیع ما ورد فیها من مضامین – وعلی حد تعبیرها «جملة جملة» - مع الموضوعات التي كان ابن سینا قد أوردها في آثاره الفلسفیة، وقد اعتمدت هذا الأساس في شرحها وتفسیرها لنص الرسالة المذكورة (قنواتي، 305-291، وخاصة 303).
ولاشك في أنه لایمكن اعتبار ابن سینا صوفیاً بالمعنی الذي یتبادر إلی الذهن من هذا اللفة، كما لم یكن أسلوبه في الحیاة صوفیاً بأي شكل من الأشكال، لكن الواضح في نفس الوقت أن أفكاره ورؤیته قد تحولت في أواخر حیاته إلی ما یتعارض تماماً مع المدرسة المشائیة الیونانیة (ظ: ابن سینا، مقدمة منطق المشرقیین)، ولاینكر اتجاهه في هذه الفترة نحو النظریات العرفانیة والحكمة الذوقیة. وإن اعتماد ابن سینا في بعض رسائله وكتاباته علی الأخبار والأقوال التي تروی عادة في كتب الصوفیة، وذكره للكلمات والمصطلحات الخاصة بهذه الطبقة في كتاباته وخاصة في الأنماط الواردة في نهایة كتاب الإشارات، تدل علی وجود اهتمام خاص بالآثار العرفانیة لدیه. وفي الحقیقة فإن جوابه رداً علی رسالة أبي سعید بن أبي الخیر التي طلب إلیه فیها إرشاده وهدایته والتي أوضح فیها ابن سینا العبارة القائلة «الدخول في الكفر الحقیقي والخروج عن الإسلام المجازي» (م.ن، «مكاتبة»، 2/39)، كان یعني به قول الحسین بن منصور الحلاج الذي كتبه لمریده جندب بن زادان: «السلام علیك يا ولدي. ستر الله عنك ظاهر الشریعة وكشف لك حقیقة الكفر، فإن ظاهر الشریعة كفر خفي، وحقیقة الكفر معرفة جلیة» (أخبار الحلاج، 62-63).
تزامن عصره والفترة التي كانت فیها الآراء الصوفیة وطریقة الفقر والتجرد قد شاعت بشكل كبیر في أرجاء العالم الإسلامي، وشملت بشكل حركة فكریة وثقافیة واسعة النطاق كافة طبقات المجتمع، فلم یكن بوسع أحد مثله أن یكون بمعزل عن تأثیر هذا التیار الشامل والواسع أو أن لایعیره أهمیة. إن الأساس الفلسفي لابن سینا كان مشائیاً، لكن علینا أن لاننسی بأن الفلسفة المشائیة لدی المسلمین هي خلیط من الفلسفة الأرسطیة ونظریات شراحه ومفسریه في العصور التي تلت، وإذ أنها كانت متأثرة بالمذاهب الفكریة الأخری كالأفلاطونیة والفیثاغوریة والأفلاطونیة الحدیثة، ومن بین هذه الآراء والمؤلفات الأفلاطونیة الحدیثة، كان لكتاب أثولوجیا المعروف – وهو ترجمة مختارات من أجزاء التاسوعات لأفلوطین وینسب خطأ لأرسطو – النصیب الأكبر. وكان للفلسفة الأفلاطونیة الحدیثة بكافة خصائصها ومكوناتها العرفانیة (كنظریة الصدور والفیض وموضوع هبوط الروح من العالم الروحاني إلی العالم الجسماني وانشغالها في أوضاع وضروریات هذا العالم، وعودتها إلی موطنها الأول واتصالها بالمبدأ عن طریق المجاهدة والارتیاض بعد التزكیة والتنویر والإشراق…) التأثیر العميق في آراء ابن سینا الذي كتب شرحاً علی بعض أجزا أثولوجیا (ظ: «تفسیر كتاب أثولوجیا…»).
إن نظریة «الصدور» أو «فیض» الوجود من الواحد المطلق التي هي أساس الفلسفة الأفلاطونیة الحدیثة، ونظریات ابن سینا في موضوع تكوین العالم مقترنة بتصور ینطوي علی التوحید الوجودي، ولذا كان لهذا الفلسفة منذ البدایة ارتباط وثیق بالعرفان المسیحي – لاسیما من حیث وحدتها الوجودیة – ویعتبر من أسسها ومبادئها الرئیسة. إضافة إلی أن النظریة العامة لابن سینا في سیر النفس الكمالي من مرحلة العقل البسیط الهیولاني إلی درجة العقل بالملكة والعقل بالفعل وبلوغ مرحلة العقل المكتسب والاتصال بالعقل الفعال، لیس بعیدة عن آراء العارفین في السیر التكاملي للروح وبلوغ مقام القرب والشهود، سوی أنه قد استخدمت فیها عبارات ومصطلحات أخری خاصة بابن سینا الذي كان یری أنه لیس هناك تغایر ذاتي بین العقل والعلم والعرفان، بل هن كیفیات مختلفة للنفس ودرجات ومراتب لحقیقة واحدة. وإن مقام العقل المستفاد هو مقام تظهر فیه كل قوی واستعدادت النفس إلی حیز الفعل، وتصیر النفس بذاتها عالماً عقلیاً ترتسم فیه صورة عالم الوجود بأسره، وباتصالها بالعوالم الروحانیة تشاهد الخیر المطلق والجمال الحق وتبلغ درجة الإشراق وشهود المعارف والحقائق الإلهیة (الشفاء، الإلهیات، 425-426، النجاة، 686).
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode