الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / العلوم / ابن سینا /

فهرس الموضوعات

ابن سینا

ابن سینا

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/16 ۲۱:۱۱:۴۹ تاریخ تألیف المقالة

وأمضی ابن سینا بعض الوقت في همدان وكان تاج الملك خلالها یمنّیه بالوعود الجمیلة، لكنه عزم علی مغادرتها إلی إصفهان، فخرج متنكراً في زي الصوفیة ومعه تلمیذه الجوزجاني وغلامان ووصلوا بعد مشقة وعناء إلی محل یُدعی الطیران علی باب إصفهان، وهو الیوم إحدی قری ضواحي إصفهان ومتصل بالمدینة، شمالي محلة آب بخشان وبیدآباد ویدعی تیران (آهنگران)، واسمه مشتق من «تیر» الفارسیة وتعني كوكب عطارد مع ألف ونون النسبة (همایي، 241، الهامش). واستقبله في هذا الموضع أصدقاؤه وخواص الأمیر علاء الدولة وحُمل إلیه الثیاب والمراكب الخاصة، وأنزل في دار عبد الله بن بي بي في محلة تدعی كوي گنبد، وكانت مجهزة بالأثاث والفراش والوسائل اللازمة. ویبدأ ابن سینا منذ هذا التاریخ (414هـ/1023م) ولمدة 14 أو 15 سنة حیاة هادئة ومثمرة. فقد أصبح مقرباً وندیماً لعلاء الدولة الذي كان محباً للعلم ومربیاً للعلماء، وكانت تعقد عنده في لیالي الجمعة مجالس مناظرة یحضرها ابن سینا وعلماء آخرون، وكان ابن سینا متفوقاً علیهم في كافة العلوم. فرغ بإصفهان من كتابة أجزاء المنطق والمجسطي وأقلیدس والریاضیات والموسیقی من الشفاء. عدا جزأي «النباتات» و«الحیوانات» اللذین صنّفهما في الطریق عندما رافق علاء الدولة في خروجه لاقتحام شاپورخواست، وهي مدینة جنوبي همدان وغربي إصفهان، كما أنه صنّف كتاب النجاة خلال ذلك الخروج. حسب روایة ابن الأثیر فإن علاء الدولة خرج مراراً إلی شاپور خواست، ومنها في الأعوام 417 و421 و423هـ (ظ: حوادث هذه الأعوام). ومن جهة أخری یذكر الجوزجاني أن ابن سینا قد بلغ الأربعین عاماً حینما فرغ من كتاب الشفاء (الجوزجاني، 3). ولو اعتبرنا أن ابن سینا ولد في 370هـ، فیكون تاریخ فراغه من الشفاء هو 410هـ، مالم نفترض أن مقصود الجوزجاني هو الفراغ من جزأي «النباتات» و«الحیوانات» في كتاب الشفاء، حیث إنه – وكما أشرنا – صنفهما عندما رافق علاء الدین في إحدی غزواته لشاپور خواست، وربما فرغ منه في الطریق عام 421هـ/1030م. ألف ابن سینا كتاب الإنصاف في إصفهان أیضاً، لكن هذا الكتاب قد فُقد أثناء غزو السلطان مسعود الغزنوي لإصفهان واحتلالها، وقد غزا مسعود الغزنوي إصفهان في 421هـ واحتلها، وارتكب عسكره مجازر فظیعة ونهبوا أموال علاء الدولة، واقتحموا دار ابن سینا وأخذوا كافة أمواله وكتبه وبعثوا بها إلی غزنة. وقد أحرقت هذه الكتب عام 545هـ علی ید جنود علاء الدین جهانسوز الغوري (البیهقي، أبو الفضل، 12، 14، 15؛ المافرّوخي، 107؛ قا: همایي، 265 وما بعدها). وبقي علاء الدولة أمیراً علی إصفهان بعد غزو مسعود لها.

وظل ابن سینا مقیماً في إصفهان إلی أن هبّ علاء الدولة في 427هـ/1036م لحرب تاش الفرّاش قائد جند السلطان مسعود في ناحیة الكرَج (أو الكرخ) بالقرب من همدان. واعتری ابن سینا – الذي رافق علاء الدولة – داء القولنج فحقن نفسه في یوم واحد ثماني مرات فتقرَّح بعض أمعائه، فنُقل وهو علی تلك الحالة إلی إصفهان، فاشتغل بتدبیر نفسه حیث تحسّن بعض الشيء وحضر مجلس علاء الدولة. ثم قصد علاء الدولة همدان فرافقه ابن سینا أیضاً، فعاوده القولنج في الطریق. وعندما وصل إلی همدان أهمل مداواة نفسه، ثم توفي بعد أیام في أول جمعة من رمضان 428هـ/24 حزیران 1037م عن 58 عاماً، ودفن بهمدان (ظ: غولمان، 16-88؛ البیهقي، علي، 38-58).

وهناك نقاط غامضة تجدر الإشارة إلیها في ترجمة ابن سینا وفي الجزء الذي أملاه علی تلمیذه الجوزجاني، والذي یمكن أن نعبر عنه بـ «سیرته الذاتیة». فهو عندما یشیر إلی أحد وقائع حیاته، لایتطرق إلی دوافعه العینیة والذهنیة ولایكشف النقاب عن خلفیته التاریخیة والزمنیة، بل یمر علیها مروراً عابراً، خاصة وأنه یبدو معتمداً في إبقاء العلاقة مبهمة بین الدوافع العینیة، أي السیاسیة – الاجتماعیة لحادثة من حوادث حیاته والدوافع الداخلیة لقراره، ویكتفي غالباً بتعابیر مثل «لقد دعتني الضرورة…»، ولایُفصح عن تلك «الضرورة». هذا من جهة، ومن جهة أخری یبدو أن حیاته الفكریة والعلمیة تحظی لدیه بأهمیة أكبر من حیاته الخارجیة. لهذا كانت مجریات حیاته الداخلیة وتاريخه الروحي والعقلي، خارجة بالنسبة له عن «بعد الزمن» ولذلك ربما یمكن التكهن بإحجامه عن التصریح بـ «تاریخ» سنوات الحوادث الخارجیة لحیاته (عن هذا الموضوع، ظ: لولینغ، 513-496).

آثاره: رغم حیاة ابن سینا المضطربة الحافلة بالحوادث فقد كان مفكراً وكاتباً مكثراً. وما وصلنا من كتاباته الكثیرة إنما یعبر عن ذهن نشط ووقّاد ویبدو أنه لم یتوقف عن النشاط والإبداع حتی في أصعب الظروف وأقساها. وقد تناقلت الألسن قابلیته فیما یقرأ یسمع. وكما رأینا في سیرته، فقد أشار أیضاً إلی قدرته العجیبة في التعلم أثناء صباه، وسنشیر إلی ذلك ثانیة علی صعید آخر. وكان یحظی في الكتابة بذاكرة خاصة. وذكر تلمیذه أنه عندما كان متواریاً في دار أبي غالب العطار – كما مرّ – طلب منه إكمال كتاب الشفاء، فكان یكتب في كل یوم 50 ورقة بلاكتاب یطالعه حتی أتی علی جمیع «الطبیعیات» و«الإلهیات» من كتاب الشفاء، وكتب جزءاً من المنطق (غولمان، 58). ویقول الجوزجاني في موضع آخر من سیرة ابن سینا: «إني صحبته خمساً وعشرین سنة فما رأیته ینظر في كتاب جدید علی الوِلاء، بل یقصد المواضع الصعبة والمسائل المشكلة منه، فینظر ما قاله مصنّفه فیها فیتبین عنده مرتبته في العلم» (م.ن، 68). وللاطلاع علی مجموع الكتابات الأصیلة والمنسوبة لابن سینا، هناك فهرس جامع أعدّه یحیی مهدوي أغنانا عن أي فهرس آخر. ویقدم هذا الفهرس 131 أثراً أصیلاً و111 أثراً منسوباً لابن سینا أو كتابات ذات عناوین أخری. ونقتصر هنا علی سرد الكتب المطبوعة والمترجمة إلی اللغات الأخری:

1. الشفاء، وهو أهم أثر فلسفي لابن سینا. طبع منه جزءاً «الطبیعیات» و«الإلهیات» لأول مرة طباعة حجریة بطهران (1303هـ/1886م). وطبع جزء «المنطق» وكافة الأجزاء الأخری منه بالقاهرة منذ عام 1952 وحتی 1983م بمناسبة مرور ألف عام علی میلاد ابن سینا، وقد راجعها وقدم لها إبراهیم مدكور، حققها عدد من المحققین. أما جزء «البرهان» من «المنطق» من كتاب الشفاء فقد طبع منفرداً بالقاهرة عام 1954م (الطبعة الثانیة 1966م) بتحقیق عبد الرحمن بدوي. كما طبع جزء علم النفس «كتاب النفس» من الشفاء بشكل مستقل، المتن العربي والترجمة الفرنسیة، بتحقیق یان باكوش في مجلدین، عام 1956م في براغ، والمتن العربي بتحقیق فضل الرحمن في أكسفورد بإنجلترا. ونشرت ترجمة اللاتینیة القدیمة لأول مرة عام 1508م في البندقیة بإیطالیا، كما نشرت طبعة نقدیة جدیدة لتلك الترجمة في لوفن بسویسرا عامي 1968 و1972م بتحقیق سیمون فان ریت في مجلدین بعنوان «ابن سینا اللاتیني، كتاب في النفس» مع مقدمة لـ ج. فربكه في آراء ابن سینا في علم النفس. ونُشرت أیضاً طبعة نقدیة جدیدة للترجمة اللاتینیة لـ «إلهیات» الشفاء في لوفن بسویسرا عامي 1977 و1980م في جزأین (ج 1، یشمل المقالة 1-4، وج 2 یشمل المقالة 5-10)، بتحقیق سیمون فان ریت، مع مقدمة فربكه.

2. النجاة، موضوعاته موجزة ومنتخبة من الشفاء. ویعد من أهم كتابات ابن سینا التي تتضمن عُصارة فلسفته. طبع مرتین بالقاهرة، الأولی عام 1331هـ/1913م بتحقیق محیي ‌الدین صبري الكردي، والثانیة عام 1357هـ/1938م. وطبع بطهران عام 1364ش، بتحقیق محمد تقي دانش‌پژوه. وترجم نعمة الله كرم جزء «الإلهیات» منه إلی اللاتینیة، نُشر في روما عام 1926م. كما نُشرت الترجمة الإنجلیزیة لجزء «النفس» (علم النفس) بواسطة فضل الرحمن ضمن كتابه «علم النفس لدی ابن سینا» في لندن مرتين (1952 و1981).

3. الإشارات والتنبیهات، یبدو أنه آخر كتابات ابن سینا ومن أبرز آثاره. ویمتاز بنثر عربي جمیل. طبع لأول مرة في لیدن عام 1982م بتحقیق جي فورجیه، ثم طبع ثانیة بالقاهرة خلال 1957-1960م في ثلاثة مجلدات (أربعة أجزاء) مع شرح لنصیر الدین الطوسي، وقد حقّقه سلیمان دنیا. ونُشرت ترجمته الفرنسیة في باریس عام 1951م بواسطة آن ماري غواشون الفرنسیة المتخصصة في ابن سینا.

4. كتاب الإنصاف، كان أثراً عظیماً، قال ابن سینا فیه إنه كان یضم 28 ألف مسألة، نُهبت مخطوطته الوحیدة في غزو مسعود الغزنوي لأصفهان. ذكر ابن سینا انه كان ینوي إعادة كتابته في حال سنوح الفرصة والفراغ، لكن یبدو أنه لم یفلح في ذلك. وقد عثر عبد الرحمن بدوي علی بعض محتویات هذا الكتاب فنشرها بالقاهرة عام 1947م (الطبعة الثانیة، الكویت 1978م) ضمن مجموع باسم أرسطو عند العرب (ظ: ص 121). وضمّت المجموعة أیضاً شرح ابن سینا علی الكتاب الثاني عشر من ما بعد الطبیعة لأرسطو (ص 32-33) وشروحاً أخری له علی مقاطع من أثولوجیا المنسوبة لأرسطو (ص 35-74) وأجزاء من كتاب المباحثات لابن سینا (ص 122-239) وتعلیقات علی حواشي كتاب النفس لأرسطو (ص 75-116).

5. منطق المشرقيين، طبع لأول مرة بالقاهرة عام 1910م، ثم ببیروت عام 1982م.

6. رسالة أضحوبة في أمر المعاد، تحقیق سلیمان دنیا، القاهرة، 1954م.

7. عیون الحكمة، تحقیق عبد الرحمن بدوي، القاهرة، 1954م، الكویت 1978م.

8. تسع رسائل في الحكمة والطبیعیات، القاهرة، 1326هـ/1908م، وتشمل مایلي: «رسالة في الحدود»، «رسالة في أقسام العلوم العقلیة»، «رسالة في إثبات النبوات»، «الرسالة النیروزیة»، «في الطبیعیات من عیون الحكمة»، «في الأجرام العلویة»، «في القوی الإنسانیة وإدراكاتها»، «في العهد»، «في علم الاخلاق».

9. نشر مِهرِن منذ 1889 وحتی 1899م في لیدن بعض كتابات ابن سینا في أربعة أجزاء باسم «رسائل ابن سینا العرفانیة» مع ترجمة فرنسیة حرة. وتتضمن هذه المجموعة: «رسالة حي بن یقظان» (في الجزء الأول)، «رسالة الطیر» (في الجزء الثاني)، «رسالة في ماهیة العشق»، «رسالة في ماهیة الصلاة»، «رسالة في معنی الزیارة» (ثلاثتها في الجزء الثالث)، «رسالة في القدر» (في الجزء الرابع). وفضلاً عن ذلك فقد نُشرت بالقاهرة عام 1335هـ/1917م مجموعة رسائل لابن سینا بعنوان جامع البدائع، تضم إضافة إلی رسالة «شرح سورة الإخلاص» الرسائل الست التي وردت في مجموعة مِهرِن؛ كما نُشرت عام 1354هـ/1935م في حیدرآباد مجموعة أخری عنوانها مجموعة رسائل الشیخ الرئیس بتحقیق عبد الله بن أحمد العلوي، وتضم – فضلاً عن بعض الرسائل أعلاه - «رسالة في السعادة» و«رسالة في الذكر» أیضاً، وفي 1953م نشر حلمي ضیا أولكن في إستانبول مجموعة رسائل لابن سینا باسم رسائل ابن سینا، وتضم: «جواب ست عشرة مسألة لأبي ریحان»، «أجوبة مسائل سأل عنها أبو ریحان»، «مكاتبة لأبي علي ابن سینا»، «رسالة في إبطال أحكام النجوم»، «مسائل عن أحوال الروح»، «أجوبة عن عشر مسائل»، «رسالة في النفس وبقائها ومعادها»، «الجواب لبعض المتكلمین». وقد نُشرت رسالة حي بن یقظان بتحقیق هنري كربن مع ترجمة وشرح قدیم بالفارسیة وترجمتها الفرنسیة مرة أخری عام 1952م بطهران. وقام كربن أیضاً في مؤلف آخر یحمل عنواناً فرنسیاً «ابن سینا والتمثیل العرفاني، دراسة حول تمثیل ابن سینا» بتحلیل ودراسة رسائل ابن سینا العرفانیة. كما نشرت غواشون بباریس عام 1959م ترجمة فرنسیة لرسالة حي بن یقظان مع شرح ودراسة حولها.

10. في معاني كتاب ریطوریقا، بتحقیق م.س. سلیم، القاهرة، 1950م.

11. رسالة في الإكسیر، تحقیق أحمد آتش، إستانبول، 1953م.

12. رسالة في معرفة النفس الناطقة وأحوالها، القاهرة 1934م، نشر أندریاس آلباغوس ترجمتها اللاتینیة في البندقیة عام 1546م. ونشرس. لانداویر متن الرسالة مع ترجمتها الألمانیة عام 1876م باسم «علم النفس لدی ابن سینا» في «مجلة الجمعیة الشرقیة الألمانیة». ونشرت ترجمتها الإنجلیزیة باسم «موجز عن النفس» في فیرونا عام 1906م بمبادرة فاندیك.

13. التعلیقات، تحقیق عبد الرحمن بدوي، القاهرة، 1972م.

14. القانون في الطب، كتاب ابن سینا الشهیر في الطب. طبع نصه العربي لأول مرة في روما عام 15بولاق، 1294هـ؛ لكنهو، 1307، 1308 و1324هـ. وتُرجم إلی اللاتینیة بواسطة جیراردو الكریمونائي في القرن 12م. وطبع مراراً في إیطالیا (میلانو، 1473م؛ بادوا، 1476م؛ البندقیة، 1482م، 1591م، 1708م).

15. النُكت والفوائد، وهي رسالة مجهولة لابن سینا، منها مخطوطة في مكتبة فیض الله بإستانبول، برقم 1217، وتشتمل علی مختصر من «المنطق» و«الطبیعیات» و«الإلهیات»، وتذكر موضوعاتها بموضوعات النجاة والإشارات، وهي رسالة قیمة جداً رغم اختصارها. ونشر ویلهلم كوتش في «ذكری ابن سینا» (ص 178-149) الفن الخامس من الكتاب الثاني «الطبیعیات» لهذه الرسالة. ووعد بتحقیق ونشر أجزاء «الإلهیات» و«المنطق» وباقي «الطبیعیات» بواسطة ورنست.

16. المبدأ والمعاد، تحقیق عبد الله نوراني، طهران، 1363ش.

آثاره الفارسیة: لابن سینا عدد من الكتب الفارسیة أهمها دانشنامۀ علائي الذي دونه لعلاء الدولة كاكویه بناءً علی طلبه وأهداه له. هناك نقطة مثیرة للاهتمام وردت في كتاب نزهت نامۀ علائي، حیث یقول: «سمعت أن علاء الدولة قدس الله روحه… قال للخواجة الرئیس أبي علي سینا: لو كانت علوم الأوائل بالفارسیة لكان بإمكاني أن أفهمها، ولهذا السبب ألّف دانشنامۀ علائي بأمر منه. وعندما كتبها وعرضها علیه لم یفهم منها شیئاً» (ظ: شهمردان، 22، النص). طُبع جزءاً «المنطق» و«الإلهیات» من دانشنامه لأول مرة في طهران عام 1315ش بتحقیق أحمد الخراساني. ثم طُبع جز «الإلهیات» عام 1331ش في طهران بتحقیق محمد معین، وذلك بمناسبة الذكری الألفیة لمیلاد ابن سینا، وجزء «الطبیعیات» بطهران أیضاً وبنفس العام بتحقیق السید محمد مشكوة. ونُشرت الترجمة الفرنسیة لجزأي «الطبیعیات» و«الریاضیات» بواسطة محمد آشنا وهنري ماسه في مجلدین بباریس عامي 1955 و 1956م. وقام پرویز مروّج بترجمة جزء «الإلهیات» مع الشرح والحواشي إلی الإنجلیزیة ونشره عام 1973م في نیویورك. وفضلاً عن ذلك فقد نُشرت بطهران عام 1330ش رسالة «رگ شناسي» (علم العروق) بتحقیق السید محمد مشكوة، وجزء «الریاضیات» من دانشنامه بمبادرة مجتبی مینوي عام 1331ش. كما نُشرت له بطهران أیضاً عام 1331ش رسالتان بالفارسیة هما كنوز المعزّمین وجرثقیل. وكلاهما بتحقیق جلال ‌الدین همائي.

 

I. النظام الفلسفي

سنتناول في هذا الجزء ابن سینا بوصفه فیلسوفاً فحسب. وقد تركت فلسفة ابن سینا بشكل عام – سیما في جانب بعض مبادئها – تأثیراً عظیماً وراسخاً علی الفكر الفلسفي الإسلامي من بعده، وعلی الفلسفة الأوروبیة خلال القرون الوسطی. وهذا النظام الفلسفي خلیط من أهم العناصر الأساسیة في الفلسفة المشائیة والأرسطیة، وبعض العناصر المحدّدة للنظرة الأفلاطونیة الحدیثة العالمیة، في صلتها مع النظرة الدینیة الإسلامیة العالمیة. ورغم هذا فهو ینزع وقبل أي شيء آخر نحو أرسطو حیث یقول فیه «إمام الحكماء ورئیس ومعلم الفلاسفة أرسطاطالیس» (دانشنامه، إلهیات، 111). غیر أن هذا النزوع نحو أرسطو غیر قائم علی التعصب ولم یكن عشوائیاً، فنراه في انتهاجه الخطوط العریضة لأفكار أرسطو الأساسیة أحیاناً یجدد هنا وهناك في هیكل التفكیر المشائي، فیوضح النقاط الغامضة في فكر أرسطو، ویفصّل فیها ویُضیف إلیها أحیاناً، ویسعی آخر المطاف لوضع نظام فلسفي جدید، اعتماداً علی عناصر من الأفكار الأفلوطینیة والأفلاطونیة الحدیثة، غیر أن جهوده في هذا المضمار باءت بالفشل، ولم تسمح الحوادث التي عایشها، أن تصل بتلك الجهود إلی غایتها. وأسمی ابن سینا النظام الفلسفي الجدید الذي كان ینشده «الحكمة أو الفلسفة المشرقیة».

وقد أبدی الباحثون علی مدی سنوات وجهات نظر كثیرة حول «الفلسفة المشرقیة» هذه، إذ طرح المستشرق الإیطالي نلّینو هذه المسألة لأول مرة في مقالة عنوانها «فلسفة ابن سینا المشرقیة أو الإشراقیة» نشرتها «مجلة الدراست الشرقیة» الإیطالیة (وردت الترجمة العربیة لهذه المقالة في كتاب التراث الیوناني في الحضارة الإسلامیة، ص 245-196، لعبد الرحمن بدوي). ویبین كاتب المقالة أن حدیث ابن سینا یدور حول «الفلسفة المشرقیة» لا «الإشراقیة». وهناك من بین كتب ابن سینا المطبوعة كتاب صغیر یحمل عنواناً اختاره الناشر وهو منطق المشرقیین، یبدو أنه جزء من كتاب الحكمة المشرقیة الذي أشار إلیه ابن سینا، ویبدو أنه تناول فیه فلسفة جدیدة غیر تلك التي اعتمدها المشاؤون. ونحن نجد أن ابن سینا قد أشار إلی هذه النقطة بنفسه، فهو یقول في مقدمة كتاب الشفاء: «ولي كتاب غیر هذین الكتابین (أي الشفاء واللواحق، وهي شرح وتفصیل لـ الشفاء) أوردت فیه الفلسفة علی ما هي في الطبع، وعلی ما یوجبه الرأي الصریح الذي لایراعی فیه جانب الشركاء في الصناعة (أي الفلسفة)، ولایُتَّقی فیه من شقّ عصاهم ما یُتّقی في غیره، وهو كتابي في «الفلسفة المشرقیة»… ومَن أراد الحق الذي لامَجمجة فیه، فعلیه بطلب ذلك الكتاب» (الشفاء، المنطق، المدخل، 10)؛ كما أن له كلاماً في مقدمة منطق المشرقیین حول خطة الفلسفة المشرقیة (ص 2-3، 4).

ویستشف من كلام ابن سینا في مقدمتیه علی الشفاء ومنطق المشرقیین أنه كتب الفلسفة المشرقیة قبل إتمامه كتاب الشفاء، كما أن اللواحق كانت لاتزال قید التألیف عند كتابته مقدمة منطق المشرقیین. وهنا یطرح السؤال التالي نفسه: هل أن ابن سینا كان یهدف حقیقة في فلسفته المشرقیة إلی طرح فكر فلسفي جدید غیر ما هو معروف في سنّة الفكر الفلسفي المشائي؟ فمن جهة لم نشاهد أي سمة تجدید وإبداع في جزء منطق المشرقیین الذي هو جزء صغیر من مخطط الفلسفة المشرقیة الكبیر، عدا ما أضافه بشكل عام في «منطق» الشفاء من شرح وتفصیل إلی هیكلیة المنطق الأرسطي. كما تؤید أقوال ابن سینا نفسه في دیباجته علی منطق المشرقیین علی بقائه وفیاً لسنّة المشائین، لكن نری من جانب آخر في بعض كتاباته الأخری مثل الإشارات والتنبیهات ولاسیما الرسائل العرفانیة وفي بعض ما تبقی من كتاب الإنصاف نزوعه نحو رؤیة جدیدة إلی الفلسفة بوضوح، غیر أن الأصول الرئیسة لفكره حتی في مثل هذه الكتابات، هي عین الأصول الأرسطیة – المشائیة، ومزیجة بعناصر بارزة من الرؤیة الأفلاطونیة الحدیثة. ولدینا علی هذا الصعید شهادة أخری لشهاب ‌الدین یحیی بن حَبَش السهروردي (548-587هـ/1153-1191م) مؤسس فلسفة «الإشراق». فقد أشار السهروردي إلی كراریس لابن سینا تُنسب إلی «المشرقیین» توجد مبعثرة غیر ملتئمة، وقال: وهذه الكراریس وإن نسبها (ابن سینا) إلی المشرق فهي بعینها من قواعد المشائین والحكمة العامة، إلا أنه ربما غیّر العبارة أو تصرف في بعض الفروع تصرفاً قریباً لایباین كتبه الأخری بوناً یعتد به، ولایتقرر به الأصل المشرقي المقرر في عهد العلماء الخسروانیة (ص 195، الحاشیة). وطبقاً لهذه الأقوال، لایری السهروردي لعناصر رؤیته الإشراقیة أقل أثر فیما لدیه من كتابات ابن سینا «المشرقیة».

ومن جانب آخر نری ابن سینا یقول في رسالة بعث بها إلی أبي جعفر محمد بن الحسین بن المرزبان الكیا: «إني كنت صنفت كتاباً سمیته كتاب الإنصاف، وقسّمت العلماء قسمین: مغربیین ومشرقیین، وجعلت المشرقیین یعارضون المغربیین، حتی إذا حقّ اللَّدَد تقدمت بالإنصاف. وكان یشتمل هذا الكتاب علی ما یقرب من ثمانیة وعشرین ألف مسألة. وأوضحت شرح المواضع المشكلة في الفصوص [أي كتب أرسطو والمشائین الآخرین] إلی آخر أثولوجیا – علی ما في أثولوجیا من المطعن – وتكلمت علی سهو المفسرین، وعملت ذلك في مدة یسیرة ما لو حُرَّر لكان عشرین مجلدة، فذهب ذلك في بعض الهزائم» («المباحثات»، 119، 121).

الصفحة 1 من13

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: