الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / العلوم / ابن سینا /

فهرس الموضوعات

ابن سینا

ابن سینا

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/16 ۲۱:۱۱:۴۹ تاریخ تألیف المقالة

ومن الصفات الأخری لواجب الوجود هي الوحدة، لأن واجب الوجود واحد، بحسب تعیّن ذاته، وأن واجب الوجود لایُقال علی كثرة أصلاً. فلو التأم واجب الوجود من شیئین أو أشیاء تجتمع لوجب بها، ولكان الواحد منها، أو كل واحد منها، قبل واجب الوجود ومقوّماً له. ولهذا لاینقسم واجب الوجود في المعنی ولا في الكم (الإشارات، 3/472-473). والصفة الأخری لواجب الوجود هي أنه لایشارك شیئاً من الأشیاء في ماهیة ذلك الشيء، لأن كل ماهیة لما سواه، مقتضیة لإمكان الوجود؛ في حین أن الوجود لیس بماهیة لشيء، أي أن الأشیاء التي لها ماهیة لایدخل الوجود في مفهومها، بل هو طارئ علیها. إذن واجب الوجود لایشارك شیئاً من الأشیاء في معنی جنسي ولا نوعي، بل هو منفصل بذاته. فذاته لیس لها حد، إذ لیس لها جنس ولا فصل (ن.م،3/477-478). وبالتالي فواجب الوجود لا نِدّ له ولا ضدّ ولا جنس ولا فصل ولا حد، ولا إشارة إلیه إلا بصریح العرفان العقلي (ن.م، 3/481). فواجب الجود تام الوجود أیضاً، لأنه لیس شيء من وجوده وكمالات وجوده قاصراً عنه، ولاشيء من جنس وجوده خارجاً عن وجوده یوجد لغیره،كما یخرج في غیره، بل واجب الوجود فوق التمام، لأنه لیس إنما له الوجود الذي له فقط، بل كان وجود أیضاً فهو فاضل عن وجوده (أي تابع لوجوده ولیس في مرتبة وجوده) وله، وفائض عنه. وواجب الوجود بذاته خیر محض، والخیر بالجملة هو ما یتشوقه كل شيء، وما یتشوقه كل شيء هو الوجود، أو كمال الوجود من باب الوجود. والعدم من حیث هو عدم لایتشوق إلیه، بل من حیث یتبعه وجود أو كمال للوجود، فیكون المتشوق بالحقیقة الوجود، فالوجود خیر محض وكمال محض. والشر لا ذات له، بل هو إما عدم جوهر، أو عدم صلاح لحال الجوهر. فالوجود خیریة، وكمال الوجود خیریة الوجود. والوجود الذي لایقارنه عدم – لا عدم جوهر ولا عدم شيء للجوهر بل هو دائماً بالفعل – فهو خیر محض، وكل واجب الوجود فهو حق، لأن حقیة كل شيء خصوصیة وجوده الذي یثبت له، فلا أحق إذن من واجب الوجود (الشفاء، الإلهیات (2)، 355-356).

وواجب الوجود عقل محض أیضاً، لأنه ذات مفارقة للمادة من كل وجه، والسبب في أن لایعقل الشيء هو المادة وعلائقها لاوجوده. وأما الوجود الصوري فهو الوجود العقلي [أي صورة الشيء المعقول] وهو الوجود الذي إذا تقرر في شيء صار للشيء به عقل، لأن المانع للشيء أن یكون معقولاً هو أن یكون في المادة وعلائقها، وهو المانع عن أن یكون عقلاً. إذن فالبريء عن المادة والعلائق، المتحقق الوجود المفارق هو معقول لذاته، ولأنه عقل بذاته وهو أیضاً معقول بذاته، فهو معقول ذاته، فذاته عقل وعاقل ومعقول، لا أنّ هناك أشیاء متكثرة، وذلك لأنه بما هو هویة مجردة، عقل؛ وبما یعتبر له أن هویته المجردة لذاته فهو معقول لذاته… فإن المعقول هو الذي ماهیته المجردة لشيء والعاقل هو الذي له ماهیة مجردة لشيء. ولهذا فالأول (أي الله، واجب الوجود) باعتبار أن له ماهیة مجردة لشيء، هو عاقل، وباعتبار أن ماهیته المجردة لشيء، هو معقول، وهذا الشيء هو ذاته. وبعبارة أخری فهو عاقل بأن له الماهیة المجردة التي لشيء هو ذاته، ومعقول بأن ماهیته المجردة هي لشيء هو ذاته (ن.م، 356، 357).

وواجب الوجود كذلك عشق وعاشق ومعشوق، لأنه یقول: «أجلُّ مبتهج بشيء هو الأول (الله) بذاته، لأنه أشد الأشیاء إدراكاً لأشد الأشیاء كمالاً، الذي هو بريء عن طبیعة الإمكان والعدم. والعشق الحقیقي هو الابتهاج بتصور حضرة ذات ما، والشوق هو الحركة إلی تتمیم هذا الابتهاج، إذا كانت الصورة متمثلة من وجه، كما تتمثل في الخیال، غیر متمثلة من وجه كما یتفق أن لاتكون متمثلة في الحس. والأول (الله) عاشق لذاته، معشوق لذاته، عُشِق من غیره، أو لم یُعشَق. ولكنه لیس لایُعشق من غیره، بل هو معشوق لذاته، من ذاته، ومن أشیاء كثیرة غیره» (الإشارات، 4/782-784). ویقول في موضع آخر: «فالواجب الوجود الذي هو في غایة الكمال والجمال والبهاء الذي یعقل لذاته بتلك الغایة والبهاء والجمال، وبتمام العقل، ویتعقل العاقل والمعقول علی أنهما واحد بالحقیقة، تكون ذاته لذاته أعظم عاشق ومعشوق وأعظم لاذّ وملتذّ» (الشفاء، الإلهیات (2)، 369، قا: النجاة، 245).

كیفیة علم واجب الوجود بالأشیاء: یشرح ابن سینا هذه المسألة بأسلوبه الخاص. فأولاً إن واجب الوجود إنما یعقل كل شيء علی نحو كلي، ومع ذلك فلایعزب عنه شيء شخصي، فلایعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض. ویعدّ ابن سینا هذا الأمر من العجائب التي یحتاج تصورها إلی لطف قریحة (النجاة، 247). وثانیاً فلأن واجب الوجود إذا عقل ذاته وعقل أنه مبدأ كل شيء عقل أوائل الموجودات عنه وما یتولد عنها، ولاشيء من الأشیاء یوجد إلا وقد صار من جهة واجباً بسببه، فیكون الله تعالی مدركاً للأمور الجزئیة من حیث هي كلیة، أي من حیث لها صفات (ن.م، 247-248).

وحول علم الله تعالی أو معرفته یقول في موضع آخر: «علم» الأول (الله) هو من ذاته، وذاته سبب للأشیاء كلها علی مراتبها. فعلمه بالأشیاء هو نفس وجودها. فهو یعلم الأشیاء التي لم توجد بعد ویعرف أوقاتها وأزمنتها. وإذا وجدت تلك الأشیاء لم یتجدد علمه بها فیستفید من وجودها علماً مستأنفاً. وهو یعرف كل شخص علی وجه كلي معرفة بسیطة، ویعرف وقته الذي یحدث فیه علی الوجه الكلي، فإنه یعرف أشخاص الزمان، كما یعرف أشخاص كل شيء علی الوجه الكلي، وكما یعرف هذا الكسوف علی الوجه الكلي، ویعرف المدة التي تكون بین الكسوفین علی الوجه الكلي. ویعرف أحوال كل شخص وأفعاله وتغیراته واختلافات الأحوال به علی الوجه الكلي. ولایجوز أن یدخل علمه الماضي والحاضر والمستقبل من الزمان (التعلیقات، 66-67).

ویشرح ابن سینا علم الله قیاساً إلی علمنا بأن علم «الأول» (الله) غیر مستفاد من الموجودات، بل من ذاته. فعلمه سبب لوجود الموجودات، فلایجوز علی علمه التغیر. وعلمنا مستفاد من خارج، فیكون سببه وجود الشيء. وإذا كنا لاندرك إلا الجزئیات المتغیرة فعلمنا یتغیر، ولأنها تبطل فیبطل علمنا بها. والمثال في كون علمه سبباً لوجود الموجودات هو كما لو علم إنسان صورة بناء فبنی علی تلك الصورة بناء، لا كمن یعلم صورة بناء حاصل بالفعل قائم. إذن لما كان علم الله سبباً لوجود الموجودات عنه من دون آلة وإرادة متجددة، بل كانت الموجودات تابعة لمعلومات، صحّ معنی قوله «كن فیكون». فالعلم عند الله هو نفس الإرادة، لأن هذه المعلومات مقتضی ذاته، وهذا المعنی هو معنی الإرادة (ن.م، 116، 117). إذن فنفس تعقّله لذاته هو وجود هذه الأشیاء عنه، ونفس وجود هذه الأشیاء نفس معقولیتها له، علی أنها عنه. فالله یعقل الأشیاء لا علی أنها تحصل في ذاته – كما نعقلها نحن – بل علی أنها تصدر عن ذاته وأنّ ذاته سبب لها. فإضافة هذه المعقولات إلیه إضافة محضة عقلیة، أي إضافة المعقول إلی العاقل فقط، لا إضافة كیفما وجدت، أي لیس من حیث وجودها في الأعیان، أو من حیث هي موجودة في عقل أو نفس، أو إضافة صورة إلی مادة، أو عَرَض إلی موضوع، بل إضافة معقولة مجرّدة بلا زیادة، وهو أنه یعقلها فحسب (ن.م، 153).

علم الكونیات (نظریة (الفیض أو الصدور): تقوم نظریة علم الكونیات عند ابن سینا علی نظرته إلی الوجود ومعرفة الله. وتمتزج في هذا المیدان عناصر الرؤیة الأرسطیة الأصیلة مع عناصر مهمة من الرؤیة الأفلاطونیة الحدیثة لتشكل سلسلة مراتب عظیمة علی صعید رؤیة الكون. وكما قلنا فإن من أهم خصوصیات واجب الوجود، الوعي الذاتي أو العلم الذاتي، أو بتعبر آخر تعقله الذاتي. فواجب الوجود عقل محض یعقل ذاته ویعلم أنه یلزم وجود الكل عنه، لأنه لیعقل ذاته إلا عقلاً محضاً ومبدأً أولاً، وإنما یعقل وجود الكل عنه، لأنه لایعقل ذاته إلا عقلاً محضاً ومبدأً أولاً، وإنما یعقل وجود الكل عنه علی أنه مبدؤه ولیس في ذاته مانع أو كاره لصدور الكل عنه، وذاته عالمة بأن كماله وعلوّه بحیث یفیض عنه الخیر، وأن ذلك من لوازم جلالته المعشوقة له لذاتها، ولهذا فالمبدأ الأول راض بفیضان الكل عنه، ولكن الحق الأول إنما عقله الأول وبالذات أنه یعقل ذاته التي هي لذاتها مبدأ لنظام الخیر في الوجود، فهو عاقل لنظام الخیر في الوجود (النجاة، 274، الشفاء، الإلهیات (2)، 402، 403). لهذا فإن كل ما یصدر عن واجب الوجود فإنما یصدر بواسطة عقلیته له. وهذه الصورة المعقولة له یكون نفس وجودها، نفس عَقله لها. أو بعبارة أخری معقولیته لها نفس وجودها عنه. فإذن من حیث هي موجودة هي معقولة، ومن حیث هي معقولة هي موجودة (التعلیقات، 48).

وحول كیفیة ظهور العالم، یستخدم ابن سینا مفردات «الفیض أو الفیضان» و«الانبجاس» و«الصدور» و«الإبداع» و«الخلق» علی التوالي، إلا أنه یستخدم مفردات «الفیض» و«الفیضان» و«الصدور» أكثر من غیرها. وكما نعلم فإن «الانبجاس» و«الفیض أو الفیضان» مصطلحات الأفلاطونیة الحدیثة، یعود أصلها إلی أفلوطین وكما قلنا فإن سبب صدور الموجودات عن واجب الوجود هو عقله تعالی لذاته وعقله للنظام الفاضل في وجود الكل. ویطلق ابن سینا علی هذا المعنی «انبجاساً» من حیث اعتبار جانب الموجودات عن المبدأ الأول، و«إبداعاً» من جانب نسبة المبدأ الأول إلیها (ظ: «شرح أثولوجیا»، 62).

ومن ناحیة أخری فللإبداع عند ابن سینا مفهوم أعلی مرتبة، لأن الإبداع من وجهة نظره «هو أن یكون من الشيء وجود لغیره، متعلق به فقط، دون متوسط من مادة، أو آلة، أو زمان. وهو أعلی مرتبةً من التكوین والإحداث» (الإشارات، 3/524-525). فواجب الوجود بذاته واحد من جمیع الجهات، ویلزم صدور الموجودات عنه؛ وإن الواحد من حیث هو واحد یلزم عنه واحد (قاعدة: الواحد لایصدر عنه إلا واحد). ومن جانب آخر، «إذا قیل للأول (الله) عقل، فإنما یُعنی به العقل بالمعنی البسیط، لا بالمعنی المفصّل، حتی تكون المعقولات خارجة عن ذاته، لازمة له. فلاتكون ذاته متكثرة بتلك اللوازم التي هي المعقولات إلا تكثراً إضافیاً، الذي لایتكثر به الشيء في حقیقته وماهیته» (التعلیقات، 174). وبما أن واجب الوجود واحد وعقل محض، یلزم أن یكون أول صادر عنه علی سبیل الفیض عقل، لأنه صورة لیست في المادة. وبهذا فإن أول أثر لتعقله الذاتي هو ظهور العقل، والمعلول الأول عن العلة الأولی هو واحد؛ وفیه (أي في المعلول الأول) كثرة من جهة أنه وحدة ووجود، في حین أنّ العلة الأولی كانت وجوداً فحسب، وهذا المعلول هو أحديّ الذات بسیط لأنه لازم عن الأول الأحدي، ویجب أن یكون عقلاً محضاً بسیطاً، ولایجوز أن یكون صورة مادة ولامادة، وأن تكون اللوازم بعده توجد بوساطته. وهذا هو البرهان علی أن اللازم عنه یكون علی هذه الصفة. فأما البرهان علی أنه لم یلزم عن الأول هذه الموجودات فلاسبیل لنا إلیه. ومعنی اللزوم للذات هو أن یصدر عن الذات شيء بلاسبب متوسط بینهما. وهنا یفسر ابن سینا مفهوم «الفیض» قائلاً: الفیض إنما یُستعمل في البارئ والعقول لاغیر، لأنه لما كان صدور الموجودات عنه علی سبیل اللزوم لا لإرادة تابعة لعرض بل لذاته، وكان صدورها عنه دائماً بلامنع ولاكلفة تلحقه في ذلك، كان الأولی به أن یسمی «فیضاً» (ن.م،100). إذن فالعقل هو أول صادر عن الله. وهذا العقل ممكن بذاته وواجب بواسطة المبدأ الأول. وهذا الصدور أو الفیض الأول هو الدافع لصدور باقي الموجودات. ویقوم علم الكونیات عند ابن سینا علی هذا الأساس.

وقد صوّر لنا ابن سیا كیفیة صدور الموجودات بأشكالها المختلفة في الشفاء و النجاة وبعض كتاباته الأخری. وهناك رسالة صغیرة بین كتاباته تدعی «رسالة العروس» تناول فیا ظهور الموجودات بشكل واضح ومنظم جداً، وبعبارة أخری لخّص فیها نظریته في ظهور الكون ورؤیته له، وتوجد عدة مخطوطات منها (ظ: مهدوي، 179-180)، نشرها لأول مرة شارل كونس في 1952م. ونورد هنا الجزء الأعظم من هذه الرسالة حول ظهور العالم. یقول ابن سینا: كل شيء في عالم الكون والفساد – مما لم یكن فكان – كان قبل الكون ممكن الوجود، إذ لو كان ممتنع الوجود لما وُجد، ولوكان واجب الوجود لكان لم یزل، ولایزال موجوداً. وممكن الوجود لابد له من علة تخرجه من العدم إلی الوجود، ولایجوز أن تكون علته نفسه، لأن العلة تتقدم علی المعلول بالذات، فیجب أن تكون علته غیره. والكلام في علته كالكلام فیه، ولایجوز أن یكون كل واحد منهما علة صاحبه، لأنه یؤدي إلی الدور وإلی تقدم الشيء علی نفسه. ولایجوز أن یتسلسل إلی ما لانهایة له. فیجب أن ینتهي إلی علة أولی، لیست لها علة فاعلیة ولا مادیة ولا صوریة ولا غائیة. ولایجوز أن یكون اثنین. ولایجوز أن یكون جسماً، لأنه یتجزأ في الوهم، فیؤدي إلی الكثرة، فیجب أن یكون عقلاً غایته ذاتیة. والعقل والعاقل والمعقول في حقه شيء واحد، والعاقل عالم، فیجب أن یكون عالماً، والعلم والعالم والمعلوم في حقه شيء واحد، وهو الحكیم المطلق، لأن حكمته من ذاته. وكذا الحكمة والحكیم لأن حكمته من ذاته، وهو حي، لأن الواحد منا یوصف بأنه حي لنسبة النفس التي هي سبب العقل إلیه، وهو حقیقة العقل، فأولی أن یكون حیاً، لكن الواحد منا حي بالحیاة المقوَّمة بالقوة والفعل. وهو الحي بالذات، وجوده محض ولایجوز أن یُقال إنه فعل العالم، لأن كل فاعل یكمل بفعله، كالبنّاء یكمل ببنائه، والكاتب یكمل بكتابته.

والأول (الله) واجب (الوجود)، وعَلِمَ ذاته، فبعلمه الأول وجب عنه عقل، وذلك العقل عَلِمَ الأول وعِلَمَ ذاته، فبعلمه الأول وجب عنه عقل، وبعلم ما دون الأول [أي العلم بذاته] وجب عنه نفس الفلك الأطلس، یعني الفلك الأقصی، والفلك الأول الذي هو العرش. ثم ذلك العقل [الثاني] علم الأول وعلم ما دون الأول [أي العقل الأول]… إلی العقل العاشر، فهذا العقل الأخیر یُقال له العقل الفعال وواهب الصور والروح الأمین وجبرائیل والناموس الأكبر، وما یحدث في عالمنا، إنما یجب عنه بمعاضدة الأفلاك. فالأفلاك تتحرك تحركاً شوقیاً، فلیزم من قرب الكواكب وبعدها – وخصوصاً الشمس – الحرارة والبرودة، فتحدث الأبخرة والأدخنة تتصاعد منها، وتحدث منها الآثار العلویة وما یبقی في الأرض – إن لم یجد منفذاً ووجد امتزاجاً – تحصل منه المعادن، ثم إن وجد امتزاجاً أكثر یحدث النبات، ثم إن وجد امتزاجاً آخر یحصل الحیوان غیر الناطق. وإن وجد امتزاجاً آخر أحسن واعدل یحدث الإنسان، وهو أشرف الموجودات في هذا العالم السفلي («رسالة العروس»، 396-398، قا: الشفاء، الإلهیات (2)، المقالة 9، الفصلان 4، 5).

 

علم النفس ونظریة المعرفة

یشكل الجزء السادس من الأجزاء الثمانیة لـ «طبیعیات» الشفاء الجزء الأعظم من كتابات ابن سینا في علم النفس. وله آراء فیه أیضاً وردت بأشكال مختلفة في النجاة و الإشارات وآثار صغیرة أخری. وعلم النفس عند ابن سینا أرسطي في أساسه وقواعده، ویمتاز بنفس المحاسن والمثالب التي نجدها فيعلم النفس لدی أرسطو. هذا فضلاً عن امتزاجه بالرؤیة الأفلاطونیة الحدیثة. والمیزة التي امتاز بها علم النفس عند ابن سینا علی النموذج الأرسطي أنه أكثر تفصیلاً وأوضح في بعض المباحث التي اكتفی فیها أرسطو بالاختصار وأحیاناً بالإشارة فقط.

والموضوع الأول الذي یتناوله ابن ‌سینا هو إثبات وجود النفس. فإنا قد نشاهد أجساماً تحس وتتحرك بالإرادة، بل نشاهد أجساماً تغتذي وتنمو وتُولد، ولیس ذلك لجسمیتها. فبقي أن تكون في ذواتها مبادئ لذلك غیر جسمیتها، والشيء الذي تصدر عنه هذه الأفعال، وبصورة عامة كل ما یكون مبدأ لصدور أفاعیل لیس علی وتیرة واحدة عادمة للإرادة، فإنّا نسمیها نفساً. وهذه اللفظة اسم لهذا الشيء، لا من حیث جوهره، بل من جهة إضافة ماله، أي من جهة ما هو مبدأ لهذه الأفاعیل (الشفاء، الطبیعیات، النفس، 5). ویتضح من ذلك أن النفس لیست جسماً، بل جزء من الحیوان والنبات الذي یمكن اعتباره صورة أو شبیهاً بالصورة أو كمالاً، غیر أن الكمال أجدر بتعریف النفس لأنه یشمل كافي أنواع النفس من كافة الوجوده، بل یشمل حتی النفس منفصلة عن المادة. لكن من جهة أخری لایمكن أن یقتصر علی أن النفس كمال – بأي بیان وتفصیل – لأننا بذلك لم نكن بعد قد عرفنا النفس وماهیتها، بل عرفنا من حیث هي نفس، واسم النفس لیس یقع علیها من حیث جوهرها، بل من حیث هي نفس، واسم النفس لیس یقع علیها من حیث جوهرها، بل من حیث هي مدبرة للأبدان. فلذلك یؤخذ البدن في تعریفها. والكمال علی وجهین: كمال أول وكمال ثان؛ فالكمال الأول هو الذي یصیر به النوع نوعاً بالفعل كالشكل للسیف، والكمال الثاني هو أمر من الأمور التي تتبع نوع الشيء من أفعاله وانفعالاته، كالقطع للسيف، وكالتمییز، والرؤیة والإحساس والحركة للإنسان. لذا فالنفس كمال أول، ولأن الكمال كمال للشيء فالنفس كمال الشيء، وهذا الشيء هو الجسم. ویجب أن یؤخذ الجسم بالمعنی الجنسي لا بالمعنی المادي. ولیس هذا الجسم – الذي النفس كماله – كل جسم، فإنها لیست كمال الجسم الصناعي كالسریر والكرسي وغیرهما، بل كمال الجسم الطبیعي؛ ولا كل جسم طبیعي، فلیست النفس كمال نار ولا أرض ولا هواء، بل هي في عالمنا كمال جسم طبیعي تصدر عنه كمالاته الثانیة بآلات یستعین بها في أفعال الحیاة التي أولها التغذي والنمو. وهنا یعرف ابن سینا النفس تبعاً لأرسطو فیقول: «هي كمال أول لجسم طبیعي آلي له أن یفعل أفعال الحیاة» (ن.م، 9-10؛ قا: أرسطو، «في النفس»، الكتاب II، الفصل 412b, 1).

الصفحة 1 من13

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: