الصفحة الرئیسیة / المقالات / الاصلاح /

فهرس الموضوعات

كما زاد محمود من صلاحيات «ديوان همايون» ووعد بالمصادقة على قراراته (جودت، 12 / 71؛ IA,XI / 716). و من إجراءات محمود الإصلاحية الأخرى يمكن أن نذكر: 1. تأسيس «وزارت أوقاف وتجارت»، «مجلس والاي أحكام عدلية»، و«دارالشوراي باب عالي» التي كانت مكلفة بالنظر في الخلافات الناشبـة بيـن الناس والحكومـة ومخالفـات موظفـي الحكومـة؛ 2. إصلاح الهيكلية الإدارية؛ 3. إيجاد النظام المركزي وتعيين رواتب لمحافظي الولايات (كارال، V / 152-155)؛ 4. القيام بأول عملية إحصاء عام للسكان وتأسيس دائرة لتنفيذ هذه المهمة (م.ن، V / 155؛ شاو، 2 / 85)؛ 5. تأسيس دائرة البريد ودائرة الجوازات وشق طرق بريدية (كارال، V / 57-60)؛ 6. افتتاح دائرة «نظارت احتساب» التي كانت تضم محافظية إستانبول و البلدية وشؤون التموين (IA، ن.ص). 
و في مجال التربية والتعليم، رأى محمود أن الاستفادة من الأساليب الأوروبية مع المحافظة على المبادئ الإسلامية، أمر ضروري (ن.ص)؛ وعلى هذا، ظهر تطور في نظام التربية والتعليم العثماني (شاو، 2 / 96؛ كارال، V / 158-159) و صدر فرمان التعليم الإجباري و الذي كانت تدرس فيه أحكام الدين أيضاً (م.ن، V / 159). وقد افتتحت مدرسة ابتدائية و«مكتب علوم أدبية» ليحلّ محل «مكتب صبيان» (المرحلة الأولى للثانوية) و«مكتب معارف عدلي» لإعداد الكادر الحكومي، و الكليتين العسكرية والطبية (ن.ص)، وتمت ترجمة كتب من اللغات الأجنبية بوصفها نصوصاً دراسية، كما أسست «جراح خانه» ومدرسة الموسيقى (IA، ن.ص؛ شاو، 2 / 97؛ كارال، V / 158-160). و في هذه الفترة حصلت أول صحيفة باسم تقويم وقايع تصدر باللغتين التركية والفرنسية على إذن بالصدور، وكانت ترسل نسخ منها إلى موظفي وسفراء الدول الأجنبية المقيمين في العاصمة (م.ن، V / 162). 
و قد زادت إجراءات محمود الثاني الإصلاحية من عزيمة المفكرين العثمانيين على الاستفادة بشكل أكبر من المدنية والتقنية الأوروبية، والتخلي عن الأساليب التقليدية في سبيل تغيير بنية المجتمع، وبعبارة أخرى، فقد أصبح المجتمع العثماني على جميع الصُّعُد عرضة لرياح التغيير ودخل أسلوب الحياة الأوروبية المجتمع تدريجياً. كما قام محمود بتزيين قصره المعروف بـ «دُلمه باغچه» على الطراز الغربي، و جعل زيّه ومظهره غربياً. وكان يحضر الحفلات ويتجول بين الناس راكباً العربة، بل وكان يسافر إلى الولايات أيضاً لتفقد أوضاعها، ويحضر جلسات الديوان ويبدي رأيه في شتى الأمور. و قد أثر نوع لباس السلطان في الوزراء وبقية رجال الحكومة العثمانية أيضاً، بحيث كانوا يلبسون على الطراز الأوروبي أيضاً ويضعون على رؤوسهم الطرابيش بدلاً من العمائم. و قد شاع تعلم اللغات الأجنبية بين الشبان، وازداد الاتصال بين العثمانيين والأجانب، لكن هذه التطورات بأسرها كانت تعدّ مظاهر خارجية لرغبة الحكومة العثمانية في تغيير بنية المجتمع (شاو، 2 / 98-99). 
وبوفاة محمود (1255ه‍ / 1839م) وتسنم ابنه عبد المجيد العرش، بدأ عصر جديد في مسيرة النزعة الإصلاحية في الدولة العثمانية، و قد عرفت هذه النزعة الإصلاحية في التاريخ العثماني بـ «تنظيمات خيرية» التي صدر فرمانها تحت عنوان «خط شريف گلخانه» في 25 شعبان 1255. والتنظيمات هي فترة من سن القوانين والنزعة الإصلاحية التي كانت تحرر المجتمع العثماني من هيمنة المؤسسات التقليدية وتقوده إلى إقامة نظام جديد مستلهم في أغلبه من الغرب. وكان عبد المجيد يتولى زعامة هذه الحركة. و قد استمرت هذه الفترة الممتدة لسبعة و ثلاثين عاماً من التاريخ العثماني، حتى 1293ه‍ / 1876م وإعلان الدستورية الأولى (IA,XI / 719؛ كارال، V / 169؛ شاو، 2 / 115-117). 
إن مخطط ومهندس فرمان گلخانه هو مصطفى رشيد باشا (IA,XI / 717؛ شاو، 2 / 113 و ما بعدها) الذي أصبح «وزيراً أعظماً» للحكومة العثمانية 6 مرات، وكان يقف على رأس مجموعة الإصلاحيين (تنظيماتچيان) (م.ن، 2 / 118). ويمكن أن نذكر عالي‌باشا وفؤاد باشا وأحمد جودت بوصفهم أعضاء آخرين من تنظيماتچيان (م.ن، 2 / 122). و قد اطلع رشيد باشا عندما كان سفيراً في باريس ولندن على أساليب إدارة الحكم في تلك البلدان وقام بدراسات بهذا الشأن، وكان قد تشاور مع رجال الحكم في تلك البلدان بشأن إصلاح الهيكلية السياسية ـ الاقتصادية والعسكرية في الدولة العثمانية (كارال، أيضاً IA، ن.صص). 
وبرغم أن فرمان التنظيمات الخيرية كان فيه بعض النقائص من الناحية القانونية، لكنه وبسبب تنظيمه العلاقة بين الدولة والشعب واحترامه لحقوق عامة الناس وقوله بضرورة تحديث التنظيمات الإدارية، وحدِّه من صلاحيات السلطان، عُـدّ إنجازاً مهماً ومقدمة لإقامة الحكم الدستوري (IA، ن.ص). و قد أُكد في منطوق هذا الفرمان على رعاية أحكام القرآن والقوانين الإسلامية لدى تدوين القوانين الجديدة وضمان الأمن لأنفس وأموال وأعراض جميع أتباع الدولة العثمانية، من مسلمين ومسيحيين ويهود. كما رُوعي فيه إصلاح النظام الضريبي ونظام الخدمة العسكرية والمساواة بين أتباع الديانات (كارال، V / 170-171). 
وبرغم أن صدور وانتشار هذا الفرمان أدى إلى رضا سكان العاصمة، لكنه لم يقابل بالترحيب في الولايات؛ فقد أثارت المساواة بين حقوق المسلمين وغير المسلمين سخط الزعماء الدينيين وسبّبت جدلاً جديداً بين الإصلاحيين والمحافظين، بل إنها أغضبت حتى زعماء الكنائس الذين كانوا يفقدون امتيازاتهم بصدور هذا الفرمان (IA,XI / 720). 
كان تنفيذ منطوق فرمان التنظيمات يجعل تشكيل مؤسسات جديدة، وتغيير وتكميل المؤسسات القديمة وإصلاحها أمراً ضرورياً. واتُّخذت أول خطوة على طريق تحقيق هذا الأمر بتأسيس «مجلس والاي أحكام عدلية» الذي كان قد شُكل على عهد محمود الثاني. و قد أخذ المجلس الجديد ــ الذي كان في حقيقتـه مجلساً لسن القوانيـن والمؤلَّف مـن رئيس و 9 أعضـاء ــ على عاتقه وظيفة إعداد خطة لتدوين القوانين ضمن إطار فرمان التنظيمات، وعرض القوانين المصادق عليها على السلطان وشيخ الإسلام ليصادق عليها. وهذا المجلس الذي هو بمثابة «مجلس تنظيمات» كان يُدار بالأسلوب الشائع في البلدان الدستورية (كارال، V / 172). و قد انتخب «مجلس والا»، لجنة للنظر في شكاوى المسيحيين والتي كانت حتى ذلك الحين تُنقل إلى الباب العالي عن طريق الكنيسة. وبصورة عامة، كانت الإجراءات التي اتخذها هذا المجلس مؤثرة جداً في تحقيق أهداف فرمان التنظيمات (ن.ص). وبصدور فرمان گلخانه، طرأت تغييرات جذرية على النظام القانوني العثماني أيضاً وسُنّت قوانين كثيرة اعتماداً على النظام القانوني الغربي. وبرغم وجود بعض حالات عدم الانسجام بين القانون الإسلامي والأوروبي، فقد جُمع هذان النسيجان القانونيان مع بعضهما في شتى المجالات بجهود رجال التنظيمات (تنظيماتچيان) (م.ن، V / 172-173). 
و في مجال إصلاح الضرائب، أُلغيت الأساليب التقليدية من الأعشار والجزية و الالتزام وإسناد مهمة جباية الضرائب إلى المقاولين والضرائب على الأغنام وأمثال ذلك. وأوكلت مهمة جباية الضرائب إلى الموظفين الرسميين وذوي الرواتب الحكومية، على أن تودع جميع الضرائب في خزانة الدولة. وكانت المساواة في دفع الضرائب وتحديد مقدارها من قِبل مجلس المدينة، من بين منجزات فرمـان التنظيمات (شاو، 2 / 172-173؛ كارال، V / 176-177). و في مجال التجنيد أيضاً، ألغيت الأساليب السابقة، حيث أصبح التجنيد يتمّ في الحالات الضرورية ومن كل ولاية بحسب عـدد سكانها. و قد حُددت مـدة الخدمة العسكريـة بـ 4-5 سنوات وطُبقت الأساليب العسكرية الأوروبية و تم تشكيل قوات مشاة وخيّالة ومدفعية، واعتُمد منذ 1260ه‍ / 1844م وما بعدها أسلوب القُرعة لتجنيد الشبان ممن هم في سن العشرين عاماً (م.ن، V / 178-179). و في مجال التربية والتعليم أيضاً، نبّه عبد المجيد إلى ضرورة الإصلاحات بإصداره فرماناً في 1260ه‍ موجهاً إلى الصدر الأعظم، وبذلك تم تشكيل «مجلس دائمي معارف عمومية»، وأُسست دار الفنون والمدارس المتوسطة (م.ن، V / 182). 
وكان تطبيق منطوق فرمان التنظيمات مايزال سارياً برغم بعض العقبات. وكان السلطان عبدالمجيد بنفسه يبذل قصارى جهده لإجراء الإصلاحات والإسراع فيها؛ حيث جرى التأكيد ضمن فرمان مؤرخ في 4 محرم 1261ه‍ / 13 كانون الثاني 1845م قُرأ بحضوره في مجلس الوزراء (مجلس الوكلاء)، على القيام بإصلاحات وإجراءات على النحو التالي: تنظيم شؤون الجيش، نشر العلوم والفنون، تأسيس مدارس جديدة، اتخاذ التدابير اللازمة لإعمار البلاد، إنشاء مستشفى للفقراء في إستانبول، إصدار الطوابع وتداولها، تأسيس «مجالس إعمارية» الخاصة بإعمار الولايات في الأناضول و روم إيلي، مشاركة مندوبين اثنين عن كل ولاية في مجلس الوزراء لطرح القضايا الخاصة بتلك الولاية ورسم خرائط للمدن والموانئ (IA,XI / 723). 
ويمكن تقسيم تطبيق منطوق فرمان تنظيمات خيرية إلى مرحلتين: 1. من صدور فرمان التنظيمات في 1255ه‍ إلى صدور فرمان الإصلاحات في 1272ه‍ ؛ 2. من 1272 إلى 1293ه‍ ، أي الفترة الدستورية الأولى (ن.م، XI / 720). 
و في حوالي سنة 1269ه‍ و برغم مرور ما يقارب من 14 سنة على صدور فرمان التنظيمات، لم‌تكن قد تحققت من مسيرة الإصلاحات نتيجة مرضية وإيجابية، وكان انعدام التنسيق والوحدة بين السياستين الداخلية والخارجية، واستغلال رجال الحكم لمناصبهم وتباين وجهات النظر بين الإصلاحيين أنفسهم، وكذلك العراقيل التي كانت تضعها بعض الحكومات الأجنبية التي لم‌تكن راضية بنجاح حركة الإصلاح (ن.م، XI / 739-740)، من الأسباب الرئيسة لإخفاق الحركة. ولما جوبهت روسيا القيصرية التي كانت تسعى إلى تقسيم الدولة العثمانية بمعارضة دولتي فرنسا وبريطانيا، اتخذت من قضية حماية أتباع الكنيسة الأرثوذكسية ذريعة وطالبت بحق التدخل بهذا الشأن وحماية المسيحيين العثمانيين وأمهلت السلطان والحكومة العثمانية 5 أيام للتوافق على عقد معاهدة بهذا الصدد. 
رفضت الحكومة العثمانية هذا الإنذار، فأمهلت روسيا الحكومة العثمانية بتهديدها باحتلالها مرة أخرى 8 أيام للقبول بمطالبها (ن.م، XI / 740). ورُفض هذا الطلب هو الآخر؛ لكن حكومات بريطانيا وفرنسا والنمسا قبلت في 27 صفر 1272 الدولة العثمانية عضواً في مجموعة الدول الأوروبية و قرّروا إصدار فرمان جديد من قبل السلطان بشأن المسيحيين من أتباع الدولة العثمانيـة. وأخيراً أصدرت الدولـة العثمانية ــ بضغط من الدول الأوروبية ــ فرماناً بهذا الشأن عُرف بفرمان «إصلاحات» وذلك في جمادى الآخرة 1272 / شباط 1856 (كارال، V / 248-249؛ IA,XI / 741). وبهذا الفرمان الذي كان يحد من حق السيادة العثمانية (ن.ص) بدأ عهد جديد في تاريخ الدولة العثمانية عُرف بفترة التنظيمات الثانية التي استمرت حتى 1293ه‍ (ن.ص). وبموجب هذا الفرمان كان المسيحيون المقيمون في الإمبراطورية العثمانية وأتباع هذه البلاد من غير المسلمين يتمتعون بامتيازات كبيرة (ن.م، XI / 742). 
وكانت الدول الأوروبية تبغي من وراء ضغوطها على الدولة العثمانية لإصدار هذا الفرمان، المحافظة على مصالحها السياسية والاقتصادية في هذه المنطقة وإيجاد نظام «الامتيازات» الجديد (ن.م، XI / 743). وأهم الأمور التي كانت قد ذكرت في هذا الفرمان هي: صيانة الأموال والأنفس والأعراض، المساواة أمام القانون، حق توظيف غير المسلمين في الوظائف الحكومية، الحرية الدينية و التعليمية، المساواة في دفع الضرائب، إصلاح القوانين الجزائية، إيكال تأييد حكم الإعدام، أو العفو عن المحكومين بالإعدام بعد صدور رأي المحكمة إلى السلطان، كون المحاكم علنية، إلغاء مصادرة أموال المحكومين، إلغاء التعذيب، إصلاح وضع السجون ومراعاة حقوق السجناء، تشكيل محاكم تجارية وأخرى جنائية، المحافظة على الامتيازات الدينية لغير المسلمين، تأييد أهلية الكنيسة والمجالس الدينية في بعض الدعاوي، إلغاء استخدام الكلمات المشينة إلى المسيحيين في المراسلات، الموافقة على حضور ممثلين للكنيسة في مجالس الولايات والمحافظات وكذلك في «مجلس والاي أحكام عدلية» (كارال، V / 250-251). وبغية تنفيذ هذا الفرمان تم تشكيل «مجلس إجرائات» الذي لم‌يتمكن من مباشرة أعماله لفترة طويلة. وكان الصدر الأعظم يتولى رئاسة هذا المجلس؛ ومن ثم أوكلت مهام هذا المجلس إلى المجلس الأعلى للتنظيمات، أو «مجلس أعلاي عمومية» (IA,XI / 743-744). ومنذ ذلك الحين تحولت رقعة الحكم العثمانية و أكثر من ذي قبل إلى ميدان لصراع الدول الأوروبية الكبرى (ن.م، XI / 745). 
ويستفاد من دراسة فرماني التنظيمات والإصلاحات والمقارنة بينهما أن كل واحد منهما قد صدر خلال فترة متأزمة من تاريخ الدولة العثمانية، حيث صدر «خط شريف» (فرمان التنظيمات) نهاية الحرب المصرية ـ العثمانية، وصدر فرمان الإصلاحات نهاية حرب القرم. وكان فرمان الإصلاحات قد صدر بموجب المادة 9 من معاهدة باريس، ونظراً لمقدمته التي أشارت إلى مساعدة الدول الصديقة ودعمها، يلاحظ بوضوح التدخل الأجنبي في صدوره (كارال، VI / 5-6). 
وبوفاة مؤسسي حركة الإصلاحات أمثال فؤاد باشا وعالي‌باشا، بدأت مسيرتها تتجه إلى التدهور منذ 1286ه‍ / 1869م و ما بعدها (شاو، 2 / 267). وكانت الأزمات المالية والمجاعات والجفاف وتدخل الأجانب في شؤون البلاد وتراخي السلطان عبد العزيز في الحيلولة دون بروز هذه الأزمات، تزيد من معارضة الناس للحكومة وتجد الأفكار المطالبة بالدستورية التي كان يروّج لها مدحت باشا وأنصاره، مؤيدين تتزايد أعدادهم يوماً بعد يوم. وكان نفوذ الأدبيات الحديثة وظهور كتّاب مثل نامق كمال فاعلاً جداً في يقظة أفكار الناس. وخلال ذلك، فإن المحافظين الذين كانوا يعارضون تجديدات فترتي التنظيمات والإصلاحات وبشكل خاص المساواة بين حقوق المسلمين وغير المسلمين، وباستغلالهم الفرصة المتاحة، استطاعوا الحصول على تأييد الرأي العام ضد محاولة التنظيمات في استبعاد الدين و نفوذ الأجانب و ظهرت إثر ذلك موجة جديدة من عملية إحياء الفكر الإسلامي. وكان السيد جمال الدين الأسد آبادي الذي كان آنذاك (1287ه‍ / 1870م) يترأس مجلس التربية والتعليم العثماني (م.ن، 2 / 273-274) يلعب دوراً مهماً في ذلك. وأخيراً أفضت هذه الخلافات والاضطرابات إلى خلع السلطان عبد العزيز في 1293ه‍ / 1876م وتسنم مراد النجل الأكبر لعبد المجيد العرش (IA,XI / 761). 
و قد أراد السلطان الجديد (مراد الخامس) مواصلة عملية الإصلاح، بل قيل إنه كان قد قدّم وعوداً بشأن تدوين دستور وإقامة حكومة دستورية. و في هذه الفترة وبرغم كون رشدي باشا صدراً أعظماً، فقد كان مدحت باشا رئيس المجلس الحكومي يتمتع بنفوذ أكبر. و قد عُزل مراد الخامس بسبب مرضه برغم أنه لم ‌يكن كبيراً في السن، واختير للحكم عبد الحميد الثاني من قِبل مجلس الوزراء في شعبان 1293 شريطة قبوله بالدستور ومواصلة الإصلاحات (ن.م، XI / 762)؛ كما أكد على مواصلة الإصلاحات وبذل الجهد في سبيل تحقيق الرفاهية للشعب وإعمار البلاد. و في بداية سلطنته، واجهت الحكومة العثمانية أزمة، فقد قامت روسيا والنمسا وپروسيا وفرنسا وبريطانيا التي لم ‌تكن مرتاحة لنجاح العثمانيين في شبه جزيرة البلقان، بإجبار الحكومة العثمانية على عقد هدنة في البلقان و قدم مندوبوها إلى إستانبول لاتخاذ قرار بهذا الشأن وعقدوا مؤتمراً لهذا الغرض. وخلال ذلك، اختير مدحت باشا صدراً أعظماً. و في اليوم الذي افتتح فيه المؤتمر (6 ذي القعدة 1293ه‍ / 23 تشرين الثاني 1876م) تم إعلان الدستورية الأولى. وبتشجيع من مدحت باشا أصدر عبد الحميد فرماناً يقضي بتشكيل مجلس لتدوين الدستور. و قد تم تنظيمه في 119 مادة وأعلن عنه من قبل مدحت باشا في الخامس من ذي الحجة 1293 (ن.م، XI / 763؛ شاو، 2 / 301-302). وبعد فترة، اتخذ عبد الحميد من عدم النجاح في مؤتمر إستانبول ذريعة، فأقال مدحت باشا من الصدارة (م.ن، 2 / 310؛ IA، ن.ص) وعيّن أدهم باشا بدلاً منه (ن.ص). وعقب 3 أشهر، افتتح «مجلس مبعوثان» المؤلف من 141 نائباً (كان 26 منهم من أعضاء مجلس الأعيان و 69 من النواب المسلمين و 46 من النواب غير المسلمين)، وذلك في 4 ربيع الأول 1294 في قصر دلمه باغچه ضمن احتفال رسمي. وبتشكيل مجلس مبعوثان والمصادقة على الدستور وإعلانه، انتهت أيضاً فترتا «إصلاحات» و «تنظيمات خيرية» (ن.ص). 
وكحصيلة شاملة للأنشطة الإصلاحية خلال هاتين الفترتين، يجدر القول إن فترتي إصلاحات وتنظيمات كانتا بداية الاستفادة من المدنية والثقافة الأوروبية لإصلاح أوضاع الدولة العثمانية وجعلها تواكب الدول الأوروبية المتطورة. و مع أنه يمكن القول إن النتيجة لم ‌تكن مرضية تماماً، لكن المصادقة على قوانين جديدة والحد من صلاحيات السلطان و تناقص نفوذ البلاط في إدارة الأمور وتأسيس جيش جديد على النمط الأوروبي والاهتمام بالعلم لدى اختيار رجال الدولة وتأسيس مدارس جديدة وغير ذلك، تُعَدّ من المنجزات المهمة في هذه الفترة. 
إن أحد المنجزات المهمة لهذه الفترة، هو ظهور تيار أدبي جديد عُرف بـ «أدبيات تنظيمـات». و قـد خلّصت هـذه النهضـة ــ مواكبـة مـع التحديث السياسي فـي الإمبراطوريـة العثمانية ــ الآداب التركية من هيمنة الآداب الفارسية والعربية ووجّهتها وجهة أدبية أوروبية حديثة. وهذا التيار بدأ بعد حوالي 20 سنة من إعلان وصدور «خط شريف گلخانه»، بإصدار إبراهيم شناسي صحيفة ترجمان أحوال سنة 1277ه‍ / 1860م، واستمر حتى 1313ه‍ / 1895م. وبازدهار هذه المدرسة، انتهى عصر الركود الذي هيمن على الأدب الديواني لعدة مئات من السنين و بدأ تيار حيوية أدبيات جديدة والتي كان لها لغة بسيطة يتقبلها عامة الناس، وخلقت نظرة عالمية جديدة يكون فيها الناس أحياء و نشطاء. وقد انبـرى شعـراء وكتّاب هـذه الفترة فـي آثارهـم ــ من روايـات ومسرحيات وقصائد ومقالات في الصحف ــ لتنوير الأفكار. و مع هذا التيار الأدبي، أصبح الفن في خدمة المجتمع. و من بين روّاد هذه النهضة الأدبية يمكن أن نذكر إبراهيم شناسي و ضيا باشا ونامق كمال وأحمد مدحت ورجائي زاده أكرم وعبدالحق حامد وسامي باشا زاده سزائي (كارا علي أوغلو، II / 51-52). 

المصادر

جودت، أحمد، تاريخ، إستانبول، 1309ه‍ ؛ شاو، أ. ج.، تاريخ إمپراتوري عثماني و تركيۀ جديد، تج‍ : محمود رمضان زاده، مشهد، 1370ش؛ طيار زاده، أحمد عطا، تاريخ، إستانبول، 1291ه‍ ؛ فوسينيتش، فين، تاريخ إمپراتوري عثماني، تج‍ : سهيل آذري، طهران، 1346ش؛ هامر پورغشتال، يوزف، تاريخ إمپراتوري عثماني، تج‍ : ميرزا زكي علي آبادي، تق‍ : جمشيد كيان فر، طهران، 1369ش؛ م.ن، دولت عثمانيه تاريخي، تج‍ : محمد عطا، إستانبول، 1333ه‍ / 1914م؛ و أيضاً:

Daniṣmend, İ. H., İzahlı Osmanlı tarihi kronolojisi, Istanbul, 1972; IA; Karaalioğlu, S.K., Türk edebiyatı tarihi, Istanbul, 1946; Karal, E. Z., Osmanlı tarihi, Ankara, 1983; Lewis, B., The Emergence of Modern Turkey, London, 1968; Pakalın, M.Z., Osmanlı tarihi deyimleri ve terimleri sözlüğü, Istanbul, 1946; Uzunçarṣılı, İ. H., Osmanlı devleti teṣkilâtından Kapukulu ocakları, Ankara, 1984; id, Osmanlı tarihi, Ankara, 1983; Yurdaydın, H. G., İslam tarihi dersleri, Ankara, 1982.

علي أكبر ديانت / ه‍

الصفحة 1 من12

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: