الاصلاح
cgietitle
1442/10/7 ۰۹:۰۱:۱۱
https://cgie.org.ir/ar/article/236358
1446/11/15 ۱۷:۰۶:۰۹
نشرت
8
إن الحديث عن أي تيار ثقافي في بلاد مترامية الأطراف مثل آسيا الوسطى والقفقاز ومع وجود تنوع قومي ولغوي وديني، سيواجه صعوبات، وبشكل خاص إذا كانت ظاهرة واسعة جداً مثل الإصلاح هي موضوع البحث. ومهما يكن، فإن أمراً واحداً ينطبق على قسم واسع من الرقعة الجغرافية موضع البحث و هو وقوع هذه البلدان ضمن نطاق التغلغل الثقافي والهيمنة السياسية الروسية؛ بل إنه توجد اختلافات واضحة حتى في مدى تأثر هذه المناطق بالثقافة الروسية. فبعض هذه البلدان مثل قازان أُلحقت بالأراضي الروسية في القرن 10ه / 16م، بينما يعود إلحاق البعض الآخر مثل بخارى إلى القرن 14ه / 20م. كما ينبغي في مجال المقارنة أن نأخذ بعين الاعتبار أن شعوب بلدان مثل بخارى وبسبب تمتعها بخلفية ثقافية إسلامية عريقة، أبدت مقاومة في مواجهة النفوذ الثقافي الروسي تفوق ما أبدته شعوب حديثة الإسلام مثل القوزاق. و في نظرة شاملة يمكن تقسيم التيارات الإصلاحية لآسيا الوسطى والقفقاز نظراً لدراسات مؤسسيها إلى مجموعتين رئيستين: الأولى التيارات التي تقف على رأسها شخصيات ناشئة في بيئة ثقافية شرقية تلقت تعليمها في بلاد مثل الرقعة العثمانية ومصر وإيران والهند، فضلاً عن المحافل الإسلامية في بلادهم؛ الثانية التيارات التي كان قادتها قد تمتعوا بتربية وتعليم غربي وبشكـل خاص روسي، فضلاً عمـا لديهم من تراث شرقي. غير أن القضايا الأساسية في الأوساط الفكرية لشرقي العالـم الإسلامي التي شغلت بال المفكرين، ودعتهم إلى التفكير، وبسبب تنـوع أطيافهم الفكرية، لايمكن الفصل بينها على هذا الأسـاس، بل إن الأفضل هو تناول موضوعات مثل البحث عن الهوية التاريخية وإصلاح العلاقات الاجتماعية التي كانت مطروحة من قبل شتى أطياف الإصلاحيين.
الأصولية والأنشطة الاجتماعية: غالباً ما ظهرت التطورات الدينية في منطقة القفقاز بمظهر تيارات صوفية. ويبدو أن حركة النقشبندية من أجل إقامة إمامة دينية في القفقاز والتي اشتهرت باسم «مريديسم» (المريدية)، توقف بعد إخفاق الشيخ شامل في 1276ه / 1859م، لكن ينبغي القول إن ذلك لميكن نهاية التحركات الاجتماعية الصوفية في المنطقة. فقد واصل النقشبندية بعد إخفاق الشيخ شامل نشاطهم الديني السياسي بشكل منظمة سرية، وفضلاً عن ذلك، فإن شيوخ الطريقة القادرية في المنطقة والذين كانوا يُعرفون غالباً بوصفهم شخصيات بعيدة عن السياسة وتفضّل الانطواء على نفسها، وقفوا إلى جانب النقشبندية بعد تغيير نظرتهم الاجتماعية. و من الذين تزعموا حركة المريدية فيما بعد يمكـن أن نذكـر الإمـام نجـم الـديـن گتـزو (مق 1344ه / 1925م) (ظ: بنيغسن، 115-116؛ آكينر، 131-132؛ براكساپ، 216 ff.). كما تجدر الإشارة هنا إلى أحد التيارات الدينية المعقدة في منطقة القفقاز والذي استقى من مصادر غير إسلامية من جهة، وأظهر بعض السمات الأصولية من جهة أخرى؛ والحديث هو عن «طريقة وايسوف» بوصفها فرعاً منشعباً من الطريقة النقشبندية والتي أسسها بهاء الدين وايسوف في 1279ه / 1862م. وطريقته هي مزيج من الأفكار الاجتماعية والعقائدية لمفكرين غير مسلمين مثل تولستوي والعقائد التقليدية للصوفية النقشبندية؛ بينما كان لهذه الطريقة تعامل متشدد في المجال الاجتماعي تجاه بقية الأفكار، و من سماتها البارزة عدم مرونتها إزاء الفرق الإسلامية الأخرى (ظ: آكينر، 69). وكانت حركة «الإخوان» في شمال غربي الصين قابلة للمقارنة بالحركات الصوفية في القفقاز من حيث الأصولية والأنشطة الاجتماعية والتنظيمات الجهادية، لكنها لمتكن ذات طابع صوفي. وكانت هذه الدعوة في تشكلها قد استلهمت من التعاليم السلفية في الحجاز من جهة، واعتمدت من جهة أخرى على الأدب التقليـدي لمسلمي الصيـن؛ وكان ماكوهيـوآن (تـ 1362ه / 1943م) أحد الأئمة الرئيسين لهذه المدرسة، يدعو الناس إلى الالتزام بكتاب الله بوصفه هدفاً سامياً للدعوة الإسلامية ويصر على اتّباع سنة النبي الأكرم (ص)؛ وإلى جانب هذه الأفكار الأساسية، و في المجال السياسي أيضاً كان يقول علناً بتدخل الدين في السياسة ويدعو المسلمين إلى الجهاد في سبيل الله (ظ: نينغ، 105). كانت حركة جماعة الإخوان في مظهرها الاجتماعي أيضاً تياراً متطرفاً يوجه سهام نقده إلى كثير من التقاليد الدينية وسلوكيات بقية الطوائف، القديمة منها والحديثة ويعدّها خارجة عن نطاق الشريعة. و من بين مشاهير الإخوان، يمكن الإشارة أيضاً إلى سونغ شان، أشهر تلامذة ماكوهيوآن الذي كان قد اتخذ من إقامة اتحاد بين مختلف طوائف المسلمين هدفاً له (ظ: ن.ص؛ لمزيد من الاطلاع عن ثورة يعقوب بك السلفية، قبل 1294ه / 1877م، ظ: يوآن، 138-139). استمرت حركة الإخوان في الصين بعد ذلك أيضاً برغم وجود الأوضاع الصعبة و مع وجود بعض الانشقاقات، فهي تُعدّ أحد أهم الاتجاهات في المنطقة خلال الفترات الأخيرة؛ بينما تغلغلت الحركة الوهابية أيضاً في المنطقة منذ 1355ه / 1936وانتشرت تدريجياً (ظ: أميدوارنيا، 17 و ما بعدها).
إن من بين الحركات التي يمكن أن تُعدّ شكلاً بارزاً من أشكال تجديد الفكر الديني هو التيار الشامل لكل منطقة أتل وآسيا الوسطى، وهو حصيلة علاقة علماء المنطقة بالتيارات الدينية في مصر وإلى حدّ ما في الإمبراطورية العثمانية. وكان أساس هذا التيار الذي نما أولاً في القرم وقازان، ثم انتشر في المناطق الشرقية، التخلي عن الأفكار الخاصة بانسداد باب الاجتهاد، وكان يستند في ذلك إلى أن الاجتهاد من مستلزمات التحرك الديني والمواءمة بين الشريعة والحاجات الاجتماعية في مختلف الظروف الزمانية والمكانية. وكان أنصار هذا الفكر يتواجدون في شتى الحواضر الثقافية كقازان وبخارى وسمرقند، بل و في المناطق الأقل أهمية؛ و من بين هؤلاء، يمكن أن يشار إلى أمثال القروسوي وشهاب الدين المرجاني في قازان والقاضي أبي سعيد في سمرقند والخليفة نياز قلي ومير عبد الكريم البخاري في بخارى (ظ: طوغان، 540). ولاشك في أن موضوع فتح باب الاجتهاد خلال هذه الفترة كان قضية عامة لجميع العالم الإسلامي، ولكن يجدر الانتباه إلى هذه الحقيقة و هي أنه من حيث كيفية التعامل مع الشريعة وبطبيعة الحال مكانة الاجتهاد، فإن منطقتي أتل وماوراء النهر كانتا ذات سمات تميز هاتين المنطقتين عن العالم الإسلامي بأسره، بل وحتى هاتين المنطقتين عن بعضهما. و في قازان وبقية حواضر منطقة أتل التي ضُمت منذ عدة قرون ماضية إلى روسيا وكانت قد خطت خطوات مهمة على طريق الإصلاح الاجتماعي من خلال انتشار التعاليم الحديثة والطباعة ونشر الصحف، كان التعارض بين التجديد والمحافظة على التقاليد مطروحاً بوصفه قضية أساسية قبل أن يكون مطروحاً في بقية المجتمعات الإسلامية، ولفت انظار العلماء إليه. ففي قازان التي كان فيها إدراك واضح ومباشر أكثر للتطورات الحاصلة في العالم الغربي مقارنة بكثير من البلدان الإسلامية الأخرى، كانت مسألة إمكانية الحصول على طريقة توفر إمكانية الاستفادة من الشريعة للإجابة على التساؤلات، مسألة حساسة جداً، و قد انعكست هذه السمة في آثار أشخاص من أمثال المرجاني (ظ: ن.ص). وبرغم أن علماء قازان وبقية مناطق أتل كانوا في البدء قد اتخذوا موقفاً مؤيداً، بل وحتى دعائياً لهذه النظرية، غير أن تغيّر الأوضاع في العقود الأولى من القرن 14ه / 20م وتضعيف مكانة قازان الدينية، لم يوفر الأرضية اللازمة لأن يكمل هذا الفكر مسيرته التكاملية ويؤتي ثماره على الصعيد العملي. وبإزاء ذلك، ينبغي أن تُعدّ المدارس الدينية في ماوراء النهر خلال عصر طرح نظرية فتح باب الاجتهاد، في مصاف آخر خنادق التقليد التي لم تُقتحم، والتي لم يكن للنظريات الإصلاحية وإلى الربع الثالث من القرن 19م تواجد ملحوظ فيها. وتدل تقارير فامبري الدقيقة (الخاصة بسنة 1281ه / 1864م) عن الأوضاع الثقافية لشتى حواضر ماوراء النهر وخوارزم على أنه من وجهة نظر مدرسي المدارس الدينية في سمرقند وخيوه وبشكل خاص بخارى خلال ذلك العصر، فإن مسألة المحافظة على الأفكار القديمة بشكل تقليدي، عُرفت بوصفها فضيلة، وكانت «بخارى الشريفة» تفخر بأنها الحارس للسنّة التي زلّ الآخرون عن التمسك بها (ظ: فامبري، 248-249، مخ(. ولا شك في أن التطورات التي كانت قد حدثت بجهود خان بخارى، مظفر الدين منذ 1277ه / 1860م، وأشار فامبري إلى منجزاتها، كانت قد تركت أثرها في إعداد الأرضية اللازمة بتطورات فكرية وظهور تطور في أوساط ماوراء النهر (ظ: م.ن، 252-253). مهما يكن، فإن طرح نظرية فتح باب الاجتهاد من قبل علماء أمثال القاضي أبي سعيـد و مير عبـد الكريـم البخاري ــ اللذيـن و مع الأخذ بنظـر الاعتبار مكانتهما الاجتماعية، لايمكن أن يُعدّا مفكرين منعزلين ــ هو أول مظهر لهذا التطور على مستوى الأفكار الدينية. وفضلاً عن قازان وماوراء النهر ينبغي الانتباه إلى إشارات المفكر والشاعر القوزاقي، آباي قونانبايف (تـ 1322ه / 1904م) إلى مسألة الاجتهاد التي هي برغم كونها عابرة، لكنها معبرة وجديرة بالتأمل؛ و كمثال، فإنه وبإشارته إلى عدم الفهم في الاستنباط من الدين وضمن إشارته إلى حديث نبوي، استشف منه أن كل شيء عرضة للتغير بمرور الزمان و أن قوانين الشريعة وأحكامها أيضاً قابلة للتطور (ظ: الفصل 38). والمثال الخاص الآخر هو ظهور حركة قائمة على تجديد النظر في الشريعة في بيئة مسلمي الصين و في صفوف طائفة الإخوان منذ 1356ه / 1937م. وعقب هذا الانشقاق، فإن فريقاً من الإخوان عرف باسم «باي»، أو «سن تاي»، دعا إلى التخلي عن ضرورة اتّباع الآراء الفقهية لأبي حنيفة، واتجهوا إلى فكرة استخراج أحكام الشريعة من مصادر الكتاب والسنة (ظ: أميدوارنيا، 17).
أدى اتساع نطاق التعليم الحديث والاطلاع على الثقافات المختلفة إلى جانب الاتصال المباشر مع الذين ترعرعوا في مجتمعات مختلفة، إلى أن تُعدّ تدريجياً الأرضية اللازمة لمفكري آسيا الوسطى لينبروا من خلال أسلوب المقارنة إلى بحث سننهم الاجتماعية والتحليل الانتقادي لها. وتجدر الإشارة في البدء إلى المفكر التتري شهاب الدين المرجاني (تـ 1306ه / 1889م) الذي أكد في أفكاره الإصلاحية على ضرورة إعادة النظر في سنن المسلمين الاجتماعية بوصفها أحد المحاور الأساسية لإصلاحهم الاجتماعي. و في عبارة شاملة له، رأى أن التحرر من الغرور المفعم بالجهل و من التعصب والجمود الفكري، ضروري لمسلمي روسيا قبل كل شيء (طوغان، 540).و في مقارنة بين شتى شعوب آسيا الوسطى، ربما كان مفكرو القوزاق أكثر الناس تقدماً في هذا المجال من الإصلاح الاجتماعي، وبطبيعة الحال، فإن اهتمامهم هذا كان ناجماً عن الحاجة التي كانت تُستشعر في أوساط قبائل القوزاق إلى مثل هذه الإصلاحات. وقـد نظر شوخـان ولي خانـوف (تـ 1282ه / 1865م)، المفكر القوزاقي ذو التربية الروسية، إلى السنن الاجتماعية السائدة في أوساط القوزاق نظرة ناقدة، ووجد لدى دراسته أوضاع المتقدمين، طبائع أخلاقية وعلاقات اجتماعية متوازنة أيقظت فيه نوعاً من الشعور بالميل إلى القديم. و قد نقد إسلام الدعاة القازانييـن والبخاريين، وفضّل صورة الإسلام التي ظهرت ــ كما يقول ــ إثر المزج بين الإسلام التبليغي والنزعة الشمنية القديمة (ظ: «الإسلام...»، 71، مخ ، «الرد على النزعة الشمنية...»، 50-51). وبطبيعة الحال، فإن الأجواء المهيمنة على فكره ليست النقد الداخلي للدين، بل ضرورة إصلاح جذري للجانب الاجتماعي للدين الذي انعكس بشكل خاص في مؤلَّفه المعنون «مذكرات حول الإصلاح القضائي» (ظ: ص 87,102، مخ). واعتماداً على تضلّعه بالعلوم الإسلامية ومعرفته بالأدبين الفارسي والعربي، كان آباي قونانبايف أكثر نجاحاً من شوخان في طرحه فكرة الإصلاح الاجتماعي ومكانة الدين في ذلك، و قد اتخذ موقفاً أكثر اعتدالاً. ويلاحظ الاعتماد على السجايا الأخلاقية للمتقدمين في آثار آباي أيضاً، لكنه وبتحكمه في مشاعره، أكّد على الابتعاد عن السلوك غير المقبول لدى المتقدمين وعلى إحياء قيمهم الحميدة بوصفها قيماً وطنية (ظ: الفصل 38). و قد انتقد آباي الذي يظهر في ثنايا جميع آثاره بمظهر المسلم الملتزم، التعامل الأعمى مع المذهب و عَدّ معرفة ماهية الصلاة أمراً ضرورياً للمصلي (الفصل 12). و إن إعادة بناء النظام الاجتماعي على أساس التدين الحقيقي ونبذ الرذائل الأخلاقية، هو تعليم واظب آباي على اتّباعه في جميع آثاره، ورأى أن الأوضاع المتدهورة للمسلمين ليست ناجمة دوماً عن عدم العمل بالتكاليف الدينية، بل إنها في كثير من الحالات ناجمة عن خطأ الفلسفة التي تعلموها طوال حياتهم (ظ: الفصل 29، مخ (. وينبغي إضافة أن ضرورة الإصلاحات الاجتماعية ونقد صفات مثل الجهل والنفعية المتقلبة، وضرورة إحياء الخصال الأخلاقية وفكرة إحياء القيم الوطنية والإسلامية ألقت بنورها على الآداب القوزاقية للقرنين 13و14ه / 19و20م، على نطاق واسع (ظ: آلتايف، 179-204). و في ماوراء النهر أيضاً تلاحظ بنفس النظرة، بعض الآثار الأدبية الأوزبكية والتاجيكية، بحيث كان ظهورها في خوقند (بعد 1293ه / 1876م)، إثر إلحاقها بروسيا أكثر بروزاً. وينبغي في البدء أن نذكر محمد أمين، المتخلص بمقيمي (تـ 1321ه / 1903م) وذاكر جان، المتخلص بفُرقت اللذين تهيمن على شعرهما روح النقد للجهل، والتحريض على تلقّي العلوم وضرورة الإصلاحات الاجتماعيـة. كما ينبغـي ذكـر حمزة حكيم زاده نيازي (تـ 1929م) الـذي انبرى ــ استمـراراً لنهـج هذين الاثنين ــ فـي آثـار مثـل «الحيـاة المسمومة» وضمن تأكيده على الإصلاحات الاجتماعية، لنقد الفهم الخاطىٔ عن الدين (ظ: بنتسينغ، 703-706؛ هاييت، 124 ff.). و في بلاد القفقاز التي كانت منذ القرن 12ه / 18م قد عرفت بوصفها إحدى مراكز الدعوة إلى التجديد النظر في المنطقة، وبشكل خاص منذ النصف الثاني من القرن 19م و في تواصل مع الحركة الدستورية في إيران، ظهر تيار واسع للإصلاح الاجتماعي الذي يمكن أن نجد فيه ــ كما هو الحال في آسيا الوسطى ــ طيفين شرقي وغربي، مع وجود فوارق نسبية بطبيعة الحال. و في الحديث عن الطيف الشرقي يجدر ذكر أشخاص مثل الميـرزا علـي أكبر صابـر (تـ 1308ه / 1891م) الـذي انبـرى لبيان أفكـاره في آثار مثـل صحيفـة مـلّا نصـر الديـن ومجموعـة هوپ هوپ نامه الشعرية. وأهم الموضوعات التي تم التأكيد عليها في أشعار صابر هي: مكافحة الأمية والغفلة، دعوة الناس إلى اكتساب العلم وشحذ الهمم في العمل، ذم فساد الجهاز الحاكم والطبقات الاجتماعية المتنفذة، الحديث عن الأوضاع المزرية للعمال والفلاحين، و الدعوة إلى الالتزام بالقانون. و قد أثار نقد صابر لفهم الدين بالشكل السائد في عصره واستشعاره الحاجة إلى تحطيم الأصنام كما فعل إبراهيم (ع) (ظ: ص 362)، ردود أفعال عنيفة ضده في بلده شروان، ولهذا أصرّ هو مراراً على التزامه بمبادئ الدين الإسلامي (ص 359). و في الحديث عن الطيف الغربي للمنتقدين، تجدر الإشارة إلى فتح علي آخوند زاده المقيم بتفليس الذي كان ينتقد بشدة الأوضاع الاجتماعية والسياسية في المنطقة، كما كان له تعامل معقد مع مكانة الدين الإسلامي. ففي نقوده وجه النقد حيناً إلى تفاسير خاصة للدين الإسلامي، واستهدف حيناً «دين وزراء إستانبول» (ظ: آخوندزاده، 234-235)، و في حين آخر تحدث عن نشوء إسلام آخر في إيران المستقبل (م.ن، 223). وبرغم أن آخوندزاده نفسه استند إلى تمسكه بالإسلام (ظ: م.ن، 297)، لكن ومنذ حياته ولدى تحليل أفكاره، كان يوجد أحياناً رأي يقول بأنه كان له منذ البدء فكر آخر (ظ: آدميت، 118، 190، مخ (. التجديد في آسيا الوسطى: خلال النصف الثاني من القرن 19م وأوائل القرن 20م، ظهر في منطقتي أتل وماوراء النهر تيار يبحث عن بعض التطورات الثقافية والاجتماعية والسياسية بأسلوب مستلهم من الغرب، لكن ليس بالتخلي عن الهوية الشرقية. و إن هذا التيار الذي عُرف في المصادر التركية باسم «جديد چيليك» وفي المصادر الغربية باسم «جديديسم» ( التجديد) وبوصفه مدرسة شاملة، ترك أثراً عميقاً في مختلف الشؤون الاجتماعية والثقافية في المنطقة. و في الحديث عن بداية هذه المدرسة، يجدر القول إن ثقافة المسلمين كانت تتجه نحو الازدهار في منطقة أتل برغم ضغوط حكومـة روسيـا المركزيـة و إن قـازان ــ بوصفهـا مركزاً ثقافياً مهمـاً ــ كـان لها دور فـاعل ليس في المناطـق التي يقطنهـا المسلمون فحسب، بل حتى في روسيا. وكانت جامعة قازان التي أُسست في 1219ه / 1804م قد اكتسبت أهمية بالغة بوصفها مركزاً للتعليم العالي الروسي في القسم الشرقي، سواء من حيث نشر العلوم الطبيعية، أو الإنسانية. وتكفي الإشارة بهذا المقدار بأن مصلحين مشاهير مثل فايض خانوف وخَلفين ونصيري كانوا ينشطون في مدارس العلوم الإنسانية في هذه الجامعة، و من الشخصيات الخالقة للتطور في روسيا تخرج من هذه الجامعة أشخاص مثل تولستوي ولينين (ظ: BSE3,XI / 406). و في قازان، كان التعرف إلى الثقافة والحضارة الأوروبيتين على مستوىً رفيع، وبعيداً عن التمسك بالقديم، وأدّى هذا المجتمع الذي كان يهتم كثيراً بتاريخه أيضاً، دوره بوصفه قاعدة لتبلور الأفكار الحديثة بهدف خلق تطور في البيئة الإسلامية. وبطبيعة الحال، فإن أبلغ التأثير الذي تركته قازان، كان بإمكانه أن يحدث في البيئات الثقافية المتقاربة نسبياً مثل آسيا الوسطى في الشرق وإلى حد ما مثل القرم في الغرب. وسرعان ما اتخذ هذا التيار الثقافي الجديد الذي كان مفكرو قازان ومنطقة أتل قد أسسوه، اسم «جديد چيليك». وإلى العقود الأولى من القرن 20م، كان تتر قازان يتولون عملياً الزعامة الفكرية للمجتمعات الإسلامية في روسيا، وعندما تشكل «اتفاق المسلمين»، أو «اتفاق مسلمي روسيا» في سان بطرسبرج سنة 1324ه / 1906م، كان 11 عضواً من مجموع أعضاء اللجنة المركزية المكونة من 15 عضواً من تتر أتل (ظ: آكينر، 58-59). و قد أكّد عبد العلام فايض خانوف أحد مفكري قازان في أثر بعنوان محرِّك الأفكار أصدره سنة 1893م على ضرورة التقدم في تعليم العلوم والفنون وتوسيع نطاق الصناعة والزراعة والتجارة بوصفها ضرورات مشتركة لمسلمي روسيا (ظ: طوغان، 540-541). كما تجدر الإشارة إلى نشاط إسماعيل غاسپيرالي و هو أحد شخصيات القرم الذي هيأ بإصداره صحيفة تركيـة ـ روسية تحمل عنوان ترجمان سنة 1883م في قازان ــ والتـي كان لهـا فضـلاً عن الغرب، قراء في آسيا الوسطى وإلى كاشغر ــ الأرضية المناسبة لإشاعة هذه الأفكار الحديثة بشكل متناسق بين مسلمي روسيا وإلى حد ما مسلمي الصين (ظ: آكينر، 272-273).
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode