الصفحة الرئیسیة / المقالات / الاصلاح /

فهرس الموضوعات

الإصلاح في إيران

بدأت الحركات الإصلاحية في إيران تزامناً مع بقية البلدان الإسلامية منذ أوائل القرن 13ه‍ / 19م تقريباً إثر تعرف الإيرانيين بالأفكار العلمية والثقافية الحديثة. وكان هذا التعرف نفسه حصيلة عوامل وعلل سيأتي ذكرها فيما بعد. لكن يجدر القول: إن قسماً مهماً من الحركات الإصلاحية الدينية‌ ـ الاجتماعية تعود إلى قضية الخمول الروحي والفكري الناجم عن معتقدات قديمة تفتقر في الغالب إلى العلاقة الحقيقية بالدين الإسلامي والسنة النبوية. و في الحقيقة، فإن اجتياز الطريق الصخري لبعض العقائد و التقاليد التي لم تكن جميعها لتنسجم بالضرورة مع روح الإسلام والتي كانت قد فقدت على مدى قرون قدرتها على التأثير وخلق الحركة، كانت تحدد مبادئ أغلب الحركات الدينية الإصلاحية التي كانت تسعى لأن تجد تفسيراً وتحليلاً عقلانياً للعقائد والتقاليد وتجعلها تنسجم مع الأفكار السياسية والاجتماعية والثقافية الحديثة، وتبين في نفس الوقت وبقوة روح وحقيقة التعاليم الإسلامية مرة أخرى، وتدرك الروح الخالدة للإسلام وتعرّف بها؛ ذلك أن كثيراً من الإصلاحيين و محيي الشريعة كانوا يرون أن المجتمع الإسلامي ولأسباب مثل الانحطاط الأخلاقي والضعف السياسي والاقتصادي والافتقار إلى الإيمان الحقيقي و الانفصام الثقافي، هو مجتمع مريض، وكانوا يعتقدون أن مصدر هذا المرض ليس الإسلام، بل المسلمون الذين لم ينفصلوا عن المفاهيم والتعاليم الإسلامية فحسب، بل نأوا بأنفسهم أيضاً عن المسيرة المتسارعة للعلم والثقافة في العالم ومايزالون يفسرون أفكاراً مضت عليها آلاف السنين. وبطبيعة الحال، فبحسب رأي أغلبهم، فإن دعوة الناس إلى الانسجام على هذه الوتيرة لم ‌يكن يعني إفراغ الجسد الإسلامي من روح التعاليم الإسلامية. 
و من الأفضل القول إن عدداً من أبرز المنادين بالإصلاح كانوا أكثر من غيرهم على وعي بالمخاطر الثقافية والسياسية للتأثير المطلق للغرب، لكنهم اعتقدوا أن هذا المعنى لايتعارض وأخذ محاسن تلك الثقافة واكتساب القوة عن هذا الطريق من أجل مواجهة هيمنة الغرب ومصالحه السياسية والاقتصادية. و هنا سوف يتم باختصار عرض أهم المظاهر و الأفكار الإصلاحية و التحديث، سواء الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وقضية الإحياء في إيران. 
وعلى عهد فتح علي شاه القاجاري، ظهرت أولى طلائع الإصلاحات الجديدة في إيران. و إن ضعف إيران في مواجهة محاولات الهيمنة الأوروبية، وهزائمها الكبيرة في حروب الاستنزاف الواسعة التي خاضتها ضد روسيا (خلال 1218- 1228ه‍ / 1803-1813م، و خلال 1241-1243ه‍ / 1826-1827م)، والتحولات التي طرأت على خريطة أوروبا السياسية إثر تقدم نابوليون وزحفه نحو الشرق، وجهود بريطانيا للحيلولة دون هذا الزحف،كل ذلك جعل إيران بصدد إقامة علاقة مع الغرب بشكل تلقائي من جهة؛ ومن جهة أخرى، نبّه عباس ميرزا نائب السلطنة وميرزا بزرگ قائم مقام الفراهاني إلى أسباب تفوق أوروبا على إيران عسكرياً وسياسياً وإلى التطور العلمي والفني للأوروبيين؛ ثم إنهما فكّرا أولاً في إعادة بناء القوة العسكرية، لكنهما أدركا أن إعادة البناء هذه غير مجدية بدون إصلاح شتى الأمور الإدارية والثقافية والاجتماعية. ولذا فقد أقدما ــ فضلاً عن دعوتهما المستشارين العسكرييـن الفرنسييـن ومحاولة إصلاح مؤسسـة الجيش ــ علـى إرسال أول فريق طلابي إلى أوروبا. كما بدأت في نفس الفترة ترجمة بعض الكتب الأوروبية، وحظي التطور الصناعي هو الآخر بالاهتمام، و أوليت الحقوق الاجتماعية لبعض الفئات اهتماماً (لمتون، 12-25؛ حائري، نخستين...، 306-307؛ آبراهاميان، 52-53؛ إيفري، 32, 36-38؛ .EI2,IV / 163 ff ؛ آدميت، أميركبير...، 161-163)، وبذلك فتحا الطريق إلى دخول العلوم والفنون الجديدة وإلى تعرف الإيرانيين بالأفكار السياسية والاجتماعية الحديثة. وبسبب هذه الأنشطة (ظ: سهيلي، 18-20؛ نجمي، 18 و ما بعدها) ينبغي أن يكون عباس ميرزا في عداد أوائل الإصلاحيين الإيرانيين، و لا شك في أنه كان أيضاً لميرزا بزرگ قائم مقام الذي كان مربياً لنائب السلطنة ووزيراً له، دور أساسي في هذا الأمر. 
ولدى عودة الإيرانيين الدارسين في أوروبا، أصبحوا أوائل المنادين بالإصلاح والتجدد. و في ميدان العلم ظهرت على أيدي هؤلاء في ذلك العصر أوائل ترجمات كتب الطب والرياضيات الأوروبية، أو مؤلفات بالأسلوب الحديث وقائمة على المكتشفات الحديثة، و في المضمارين السياسي والاجتماعي أيضاً وجدت بواكير أفكار التجدد مجالاً للظهور. وكان الميرزا صالح الشيرازي من بين أوائل الإيرانيين الدارسين في أوروبا والذي تأثر كثيراً بالمؤسسات الاجتماعية والسياسية البريطانية وأصبح داعية لها في إيران. ويبدو أنه أول من تحدث عن «مشورت خانه» (دار الشورى) والحركة الدستورية في إيران (حائري، تشيع...، 11-12؛ محبوبي، 592-595؛ رائين، «پ ـ ث»، مخ‍ )، كما سعى إلى تأسيس مطبعة و أصدر أول صحيفة إيرانية باسم كاغذ أخبار (آبراهاميان، 52؛ حائري، نخستين، 312-313). 
ولما تسنم الميرزا أبو القاسم الوزارة لدى محمد شاه، واصل الأعمال الإصلاحية لأبيه و نائب السلطنة في المجالين العسكري والمالي، لكنه لم يجد الفرصة الكافية، حيث قُتل (إيفري، 28-33؛ آدميت، مقالات...، 5-27). وعقب ذلك وإلى تولي أميركبير الصدارة، لم تُلاحظ جهوداً إصلاحية ملموسة، و لم يحالف النجاح بعض أعمال الحاج ميرزا آقاسي الصدر الأعظم لدى محمد شاه في تطوير الزراعة والصناعات العسكرية (ظ: ن.د، آقاسي؛ أفشار، «كتابچه...»، 232، 235؛ إيفري، 46-47)؛ بل كان يعارض حتى إرسال الطلاب إلى أوروبا (خان ملك، 2 / 126). وبإزاء ذلك قام الميرزا تقي خـان أميركبير (مق‍ 1268ه‍ / 1852م) أكبر مصلح إيراني بإصلاحات مهمة في جميع المجالات الإدارية والاجتماعية والعسكرية و الثقافية تقريباً، أو أعدّ الأرضية اللازمة لها. وكانت أسباب وعوامل عديدة هي التي جعلته يفكر بالإصلاح منذ أن ذهب بمهمة إلى روسيا. 
ويمكن تقسيم إصلاحات أميركبير من حيث الموضوع إلى عدة مجاميع. ففي الأمور المالية، فبرغم أنه كان قد ورث حكومة مفلسة تقريباً، إلا أنه خطا خطوة كبيرة لتحسين الوضع الاقتصادي للحكومة والشعب بتعديله الميزانية وإصلاح قوانين الإقطاعات وإلغاء عوائد الأراضي التي كانت تمنح للموظفين وبدعمه للفلاحين والحرفيين وإيجاد نظام ضريبي حديث. و في الشؤون الإدارية والاجتماعية، كانت إصلاحات مثل إيجاد تنظيمات ديوانية دقيقة ومنسقة، وإلغاء الألقاب ومنع اعتداءات الحكام ورجال الديوان وتنظيم الشؤون القضائية وتأسيس أول مستشفى على الطراز الحديث، واتخاذ تدابير صحية مثل التطعيم العام ضد الجدري، وشق نهر كرج وإعداد مخطط لتوفير المياه لطهران وإنشاء أبنية حديثة من بين الأعمال التي أُنجزت بأمر منه لأول مرة في إيران في القرون الحديثة. و في المجال الثقافي، كان إرسال الحرفيين إلى روسيا وخطة استخدام أساتذة فنيين وحرفيين من أوروبا و إصدار جريدة وقايع اتفاقية لنشر العلوم بين عامة الناس وتهذيبهم، وأخيراً مشروع تأسيس مدرسة دار الفنون التي كانت أول مركز تعليمي للعلوم الحديثة في إيران و من أكثر عوامل تغيير الأفكار تأثيراً، تُعدّ بأسرها من أهم الإجراءات الإصلاحية في إيران و أكثرها جذرية (عن دار الفنون وأهميتها، ظ: أمير كبير ودار الفنون، مخ‍ ؛ آدميت، أمير كبير،265-401، أنديشۀ ترقّي، 15). ويجدر القول إن أميركبير كان من الناحية السياسية أيضاً رجلاً مصلحاً. ونُقل عنه أنه كان ينوي تغيير المؤسسة السياسية في إيران وإقامة حكم دستوري، لكنه لم يجد الفرصة لذلك (ن.ص؛ أيضا ظ: ن.د، أمير كبير). 
أدى سقوط ومقتل أميركبير إلى جمود وتوقف أغلب الإصلاحات التي كان قد بدأها. و قد استمر هذا الجمود إلى حوالي 20 عاماً، باستثناء الفترة القصيرة التي وجدت فيها بعض الأفكار الإصلاحية مجالاً للظهور وتحدث فيها أناس عن «مجلس مصلحت خانه» (شورى دار المصلحة) و«عيوب وعلاج نواقص مملكتي» (العيوب و النواقص الحكومية وعلاجها) و قد بدأت هذه الفترة القصيرة منذ 1275ه‍ / 1859م مباشرة بعد عزل اعتماد الدولة من الصدارة؛ وكان البادئ بها بشكل رسمي هو جعفر‌خان مشير الدولة الذي أسس لأول مرة «شوراي دولت» (مجلس الحكومة) بوصفه مجلساً للوزراء يضم 6 وزارات. و في هذه الفترة أُرسل فريق آخر من الطلاب إلى أوروبا، ودُوّن أول مشروع للدستور في إيران وجرى تعديل بعض القوانين وأُنشئ ديوان «مصلحت خانه» وشُكلت لجنة لتطوير الصناعة والتجارة وترجمت بعض آثار الفلاسفة والكتّاب الأوروبيين إلى الفارسية ومنها كتاب حكمت ناصرية، الذي هو ترجمة لكتاب مقالة في الطريقة لديكارت، وكتب مثل فلك السعادة لاعتضاد السلطنة وزير العلوم الذي كان الممهد لتطورات وإصلاحات ثقافية مهمة (ن.م، 17 و ما بعدها؛ م.ن، فكر...، 56؛ إقبال، 43-50). 
يعتقد بعض الباحثين أن تردد الإيرانيين على أوروبا لم‌يكن لوحده العامل المؤثر في انتباه الإيرانيين إلى ضرورة القيام بإصلاحات، بل إن الشروع بإقامة علاقات مع اليابان التي كانت تتجه نحو التحديث والتجدد خلال تلك السنوات كان مؤثراً أيضاً (حائري، تشيع، 18-19؛ سياح، 2-5، 541، 549). و لم تستمر فترة إصلاحات مشير الدولة هي الأخرى، فسادت منذ 1278ه‍ / 1861م حالة جمود وركود مرة أخرى، بل أعيد الطلاب الموفَدون إلى الخارج لإيران خوفاً من أن تتسرب إلى نفوسهم الأفكار المعادية للدين والحكومة. 
وبرغم كل هذا، فإن الميرزا حسين خان سپهسالار الذي كان قد تعرف جيداً ــ وعلى أثر اشتغاله بمنصب سفير في باريس وإستانبول ــ إلى أفكار إصلاحية حديثة وكانت له علاقات وثيقة مـع الإصـلاحيـيـن الأتـراك، قـام ــ بـوصفـه وزيـراً للـعـدل ــ بإصلاحات في النظام القضائي، ودوّن في 1279ه‍ نظاماً داخلياً للجهاز القضائي؛ وفي 1288ه‍ / 1871م تولى الصدارة وأخذ يفكر في سلسلة إصلاحات اجتماعية وإدارية؛ خاصة وأنه أخذ ناصر الدين شاه إلى أوروبا ولفت انتباهه إلى نتائج الإصلاحات والأفكار الاجتماعية والسياسية الحديثة في أوروبا (الجار، 260، 263 و ما بعدها؛ مستوفي، 1 / 120-121؛ حائري، ن.م، 15؛ فرهـاد معتمد، مشير الدولة...، 12). 
و قد أدى اعتقاد الميرزا حسين خان سپهسالار الراسخ بضرورة دخول الثقافة والحضارة الأوروبيتين إلى إيران وتأييده للنفوذ البريطاني بوصفه عاملاً لتطور الإصلاحات في إيران إلى أن يصبح موضع سخط بعض رجال الدين. و في الحقيقة، فإن فكرة إعطاء امتياز خط سكة الحديد إلى رويتر و أخذ قرض من أوروبا أيضاً أثارت حفيظة العلماء وكبار الشخصيات ضده (ن.م، 151 و ما بعدها؛ أمين الدولة، 43). و قد دافع بعض العلماء ومعارضي سپهسالار في رسالة إلى ناصر الدين شاه ــ رغماً عن سپهسالار ــ عن ضرورة تدخل العلماء في أمور البلاد، وعدّوا مشروع سپهسالار لإنشاء خط سكة حديد في إيران مدعاة لتدفق الأوروبيين على البلاد و الإخلال في دين الناس وعقائدهم، وأخيراً وبازدياد ضغوط العلماء أُلغي امتياز رويتر، كما عُزل سپهسالار من منصبه (تيموري، 39-44؛ آدميت، أنديشۀ ترقي، 363؛ فرهاد معتمد، ن.م، 160-161، «قرارداد رويتر»، 210-211؛ كسروي، تاريخ...، 9-10). وكان أحد أهم أعماله تشكيله مجلس للوزراء الذي يُعدّ إجراء لتعريف الإيرانيين بالمبادئ الدستورية (حائري، ن.م، 32؛ أيضاً ظ: آدميت، ن.م، 125-130، فكر، 57-92؛ كسروي، ن.م، 8). 
أدى عزل سپهسالار إلى أن تتوقف بعض مشاريعه، لكن البلاد كانت قد دخلت مرحلة لم‌يكن من الممكن معها إيقاف عجلة الإصلاحات بشكل عام. فالميرزا علي أصغر خان أمين الدولة كان الرجل الحكومي الذي وجّه بعد سپهسالار الأفكار الإصلاحية نحو الأمور الثقافية وبعض الشؤون القضائية والإدارية والعسكرية والسعي إلى إنشاء مدارس جديدة وإشاعة طرق التعليم الحديثة (ن.م، 22؛ الجار، 331-335؛ أمين‌الدولة، مخ‍ ؛آدميت، إيديولوژي...، 9، 12-14، 110-114، 117؛ أيضاً ظ: ن.د، أمين‌الدولة)؛ إلا أن هذه الأعمال التي كانت ناجمة في الأصل عن معارضته لتدخل علماء الدين في الأمور المختلفة جوبهت بمعارضتهم الذين كانوا يرون في هذه الأعمال تحديداً لصلاحياتهم (أمين الدولة، 94، 120-121، 242؛ الجار، 330 و ما بعدها).
و كان تدوين قوانين القضاء في حقيقته أول خطوة لتأسيس «عدالت خانه» التي أصبحت بدورها المحور الرئيس لأول النداءات المطالبة بالدستورية في إيران. وفيما يتعلق بدوافع المطالبة بالدستور و ما بلور تلك الدوافع، ففضلاً عن الآثار المدونة لأبرز المدافعين عن هذه الحركة والمنظِّرين لها، لدينا أيضاً دراسات موسعة نسبياً بهذا الصدد. وكان جزء مهم من هذه الأفكار والدوافع حصيلة النظام السياسي والثقافي الحديث الذي كان في طريقه للهيمنة على العالم، و لم ‌يكن بمقدور إيران بوصفها منطقة سياسية حساسة والنقطة التي كانت دوماً وعلى مدى تاريخها الطويل موضعاً لالتقاء الثقافات، أن تظل بمنأى عن هذه الأفكار لفترة طويلة. و لاشك في أن بعض التطورات الحاصلة في أوروبا كان لها تأثير رئيس في خلق الوعي بالنسبة للحقوق المدنية وضرورة القيام بإصلاحات في التركيبة السياسية والثقافية والاجتماعية في إيران. 
و إن سيطرة روسيا على عدد كبير من المدن الإيرانية والتقدم الذي أحرزته تلك البلاد خلال القرن 19م في مجالات التربية والتعليم والعلوم والصناعة، وتعرّف إيرانيي المدن المذكورة إلى تلك التطورات، وإمكانية حصولهم على الآثار الثقافية الحديثة، والعلاقات التي كانت تربطهم بالإيرانيين داخل الحدود الجغرافية للبلاد، و من جهة أخرى التنافس بين بريطانيا و روسيا، كانت جميعها من بين العوامل التي أدت إلى اطلاع الإيرانيين على الأفكار الجديدة و تبلور فكرة التحديث والإصلاح. و في الحقيقة، فإن عدداً من أبرز المدافعين عن التحديث و الذين عملوا على ترويج تلك الأفكار، تربّوا في روسيا واطلعوا إلى الأفكار الأوروبية عن هذا الطريق وكانوا يريدون التغيير في جميع المستويات الاجتماعية والسياسية، بل وحتى الثقافية والدينية؛ لكن فريقاً آخر من الإيرانيين ممن كانوا قد تعرفوا إلى التطورات الحديثة بشكل غير مباشر، وكانوا يعتقدون أن سبب تخلف الإيرانيين هو ابتعادهم عن المفاهيم والتعاليم الإسلامية الحقة، كانوا يسعون ــ فضلاً عن التحديـث الاجتماعي والسياسي ــ إلى النظر إلى الإسلام من هذه الزاوية أيضاً، وإلى استخراج أرضيات ضرورة التحديث والإحياء الديني و الإصلاحات الأساسية من نصوص التعاليم الإسلامية وعرضها. وخلال ذلك، كان لجمع من علماء الدين دور بارز في إيضاح الحقائق الدينية وانسجامها مع مفاهيم الإصلاح والتحديث والتقدم والتجديد. و إن ما يميز هذا الفريق عن غيره كان اعتقادهم وتمسكهم بالمبادئ الدينية، أي ما كان ينأى عنه بشكل صريح، أو ضمني بعضُ المجددين الذين كانوا دوماً مولعين ومتعلقين بالأفكار الغربية. 
والأمر الآخر هو أنه وبينما كان فكر الإصلاح السياسي والمجلس والدستور يجد له مكاناً بين الإيرانيين تدريجياً، كان هذا النوع من التفكير قد خرج عن نطاق رجال الحكومة و تحول إلى فكرة عامة؛ و لم يكن الإصلاح في هذه الفترة دوماً تسلطية مفروضة من قبل رجال الحكومة، بل كانت جوانب منها تُقدم من قبل مفكرين كانوا أحياناً معارضين في الأصل للنظام. ولهذا كانت هذه الأفكار تجد لها انعكاساً ونفوذاً أعمق بين طبقات المجتمع. وتظهر الدراسة الدقيقة للأفكار الإصلاحية التي أفضت إلى الثورة الدستورية، أنه برغم كون الإطار الأساسي للفكرة الدستورية نابعاً من التطورات السياسية في أوروبا، إلا أن من تحدثوا لأول مرة عن هذه الفكرة والإصلاحات السياسية والاجتماعية في إيران، إما أنهم كانوا مثل السيد جمال‌‌ الدين الأسد آبادي من علماء الدين الإصلاحيين، أو مثل الميرزا يوسف مستشار الدولة ممن يُعدّون من رجال الحكومة الذين برغم تأثرهم بالثقافة والحضارة الحديثة واعتقادهم بتدوين الدستور، فإنهم لم يكونوا يرون الأفكار الدينية متعارضة مع هذا التجدد، و كانوا يحاولون إظهار نقاط الاتفاق والانسجـام بين الاثنيـن. فمستشار الدولـة (تـ1313ه‍ / 1895م) في كتابه يك كلمه (كلمة واحدة) يتمنى من جهة أن تخطو إيران إلى جانب أوروبا خطوتها على طريق الإصلاحات الجذرية والتطورات السياسية والاجتماعية العميقة (ص 8-10) ويعتقد أن سر تقدم أوروبا كامن في كلمة واحـدة، أي القانـون ــ الدستـور ــ و من جهة أخرى، كان يسعى إلى إظهار الإسلام والدستور منسجمين ومتآلفين (ص10-12، مخ‍ ). بينما عَدّ فتح علي آخوند‌ زاده في نقده لرسالة يك كلمه، هذا الأسلوب من التفكير في خلق الانسجام بين الإسلام والتجدد، غيرَ صحيح؛ وأعلن أن بعض الأحكام والمبادئ الفقهية للإسلام تتنافى و روح الديمقراطية والنظام القانوني الجديد (آدميت، أنديشه‌ها...، 156-158؛ حائري، تشيع، 29). 
و مع كل هذا، لايمكن التغاضي عن تأثير أفكار آخوند زاده ــ الذي كان هو نفسه مستنيراً مولعاً بالثقافة والحضارة الغربيتين و مدافعاً عنهما ــ في إثارة انتباه الإيرانيين إلى مسألة الإصلاح والتجدد؛ فمن الجانب السياسي كان يؤمن بالدستورية وتشكيل مجلس لسنّ القوانين وبتحديد صلاحيات الملك؛ و من الجانب الثقافي كان ينتقد بشدة الأساليب القديمة للتربية والتعليم ويرى أن إصلاح تلك الأساليب وتوسيع نطاق التعليم والتعلم رهن بإصلاح الخط (آخوند زاده، 4 و ما بعدها). وكان يعتقد أنه وبغية التحرر من التخلف، ولأجل صيانة البلاد من تطاول الأجانب ينبغي الارتقاء بمستوى العلم ووعي الناس. و إن بعض أفكاره الإصلاحية جديرة بالاهتمام والبحث من حيث تاريخ الفكر السياسي، لكن معارضته للفكر الديني أدى إلى أن لاتنتشر آراؤه ونظرياته (حائري، ن.م، 28، 29، 54؛ أيضاً ظ: ن.د، آخوند زاده).
و في الطرف المقابل لآخوند زاده، يقف السيد جمال الدين الأسد آبادي الذي تتضمن مبادئ أفكاره الإصلاحية أمرين: الأول الاتحاد الإسلامي، والآخر العودة إلى الروح الحقيقية للإسلام والتي لاتتعارض مع مبادئ التحديث والتطور والإصلاح. و قد تركت نشاطات السيد جمال الدين الواسعة وأفكاره أثراً كبيراً في خلق الوعي واليقظة لدى الشعوب الإسلامية، وكان تلامذته وأتباعه أهم المنادين بالإصلاح والتجديد في أرجاء الدولة العثمانية الشاسعة وإيران. فمن الناحية السياسية كان يقارع الاستبداد بشدة. ويعتقد بعض الكتّاب أنه يستشف من آثاره المتناثرة أنه كان مولعاً بالحكومة الدستورية والمجلس، بل قيل إنه كان قد نظم لإيران دستوراً، لكن حائري يرى أنه لايبدو أن السيد جمال الدين الأسد آبادي كان يرغب بحكومة دستورية قائمة على أسس ديمقراطية (ن.م، 57- 58). 
و من مشاهير المجددين ودعاة الإصلاح الآخرين في هذه الفترة، الميرزا ملكم خان (1249-1326ه‍ / 1833- 1908م)، الذي عرّفته إقامته في باريس و من ثم اشتغاله بالتعليم في دار الفنون بالتطورات والأفكار التجديدية. وعندما شكل جعفرخان مشير الدولة في 1275ه‍ / 1859م أول مجلس وزراء في إيران، ألف ملكم رسالة تحت عنوان دفتر تنظيمات، أو رسالۀ غيبية موجهة إلى مشير الدولة ومتضمنة اقتراحات حول الإصلاحات؛ وعندما أصبح مستشاراً لسپهسالار في سفارة إستانبول وإثر اطلاعه على الأفكار السياسية الحديثة ومفهوم الدستورية وجهود المجددين والإصلاحيين العثمانيين، تحول إلى أحد النقاد المهمين لحكومة ناصرالدين شاه. و قد حاول تعريف الناس بالرؤى السياسية والاجتماعية الجديدة (ن.م، 40-43). 
وكان أهم البحوث التي تحظى باهتمام ملكم بهذا الشأن، تدوين القانون وإصلاح الشؤون القضائية وتأسيس مجلس شورى وحرية التعبير والانتخابات الحرة واستحداث الصناعات وتغيير الخط وإجراء إصلاحات في التربية والتعليم (ملكم، «شيخ...»، 101-102، «حرف ...»، 49-56، «رسالة...»، 59-60، 67؛ محيط طباطبائي، «وـ ز»). وقيل إنه كتب حوالي 200 رسالة في تبيان وجهات نظره حول الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية (ملكم، «ملحقات...»، 2). وكان من مؤيدي متابعة إيران للحضارة الغربية، وكان رأيه في تغيير الخط أيضاً ينبع من هذه الفكرة. ويعتقد حائري أن ملكم وبرغم كونه مثل آخوند زاده يقول بالتضاد بين النظام الدستوري والإسلام، لكنه وخلافاً له لم‌يكن يفصح عن رأيه هذا، بل كان يعدّ النظام الدستوري يتطابق والإسلام، ويريد ــ شأنه شأن مستشار الدولـة ــ خلق نوع من المصالحة بين الإسلام والدستورية الغربية (تشيع، 42)، بشكل يتبادر معه إلى الذهن أن الفكر الدستوري نابع من الإسلام. و مع كل ذلك، فقد كان يرى بأن التربية والتعليم يجب أن ينتشرا بالأسلوب الغربي و أن يخرجا من أيدي رجال الدين (ملكم، «حرف»، 38، «شيخ»، 91 و ما بعدها، «دستگاه...»، 84، «نوم...»، 172-173). وكان لأفكار ملكم دور فاعل في اتساع الإصلاح في إيران، خاصة و أن صحيفة قانون التي تدخل إيران سراً كانت تقابل بترحيب دعاة الحركة الدستورية (حائري، ن.م، 47). 

الصفحة 1 من12

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: