الصفحة الرئیسیة / المقالات / الاصلاح /

فهرس الموضوعات

اَلْإصْلاح، الفكرة المهيمنة على الحركات الهادفة إلى تحسين أوضاع المؤسسات والعلاقات الاجتماعية، والتي اكتسبت في القرن ونصف القرن الأخير بشكل خاص أهمية ملحوظة في العالم الإسلامي. و إن ما عُرف في الفترة الأخيرة بالإصلاح تزامن في بعض الحالات مع التجديد، و في حالات مع الأصولية، وبذلك تجلّى الإصلاح في أطياف كثيرة متباينة. و مع الأخذ بنظر الاعتبار المعنى الذي تبلور في العالم الإسلامي للإصلاح، يرد على الذهن عند الحديث عنه ذكر شخصيات مثل السيد جمال الدين الأسد آبادي والشيخ محمد عبده؛ لكن ينبغي الانتباه إلى أن الشخصيات الإصلاحية شكلت من حيث دورها الاجتماعي طيفاً واسعاً، ويلاحظ فيهم رجال دين ومعلمون حتى سياسيون وعسكريون. 
و في الدراسات المتأخرة كان النطاق الدلالي للإصلاح مثار تساؤل على الدوام وكان الترابط الدلالي بين الإصلاح في الثقافة الإسلامية وبين بعض المصطلحات المتداولة في بقية الحوزات الثقافية، موضع اهتمام. وخلال ذلك وبشكل محدد، فإن جعل الإصلاح والدعوة للإصلاح معادلاً ل‍ réforme و réformisme وجد له قبولاً عاماً. و إن هذه الترجمة تمّ تأييدها ليس في بعض المعاجم والموسوعات فحسب، بل إن قبولها الضمني ألقى بظلاله على عناوين الكثير من الكتب والمقالات وحتى بعض منظمات ومؤسسات العالم الإسلامي. وبرغم أن كلمتي الإصلاح وréforme سلكتا طريقين منفصلين من حيث الاشتقاق والمنشأ الثقافي، إلا أنهما وجدا لهما مجالاً دلالياً مشتركاً ضمن نطاق العلوم الاجتماعية.
ولدى تبيان الأبعاد الموضوعية لمصطلح «الإصلاح»، يبدو أن ما هو موضع الاهتمام في تداول الشعوب الإسلامية اليوم عند الحديث عن الإصلاح بالشكل المتعارف عليه للإصلاح على الصعيد الاجتماعي وليس الفردي، مبدأً مقبولاً؛ رغم أنه جرى الحديث في المؤلفات المعاصرة أحياناً حول الإصلاح الفردي إلى جانب الإصلاح الاجتماعي (مثلاً ظ: رضا، 1 / 367-369؛ زينو، كافة أرجاء الكتاب)، لكن يمكن اعتبار هذه الحالات بأنها لاتشكل نقضاً لنطاق المصطلح، بل هي مصطلح آخر بنطاق أعم مستند إلى الثقافة القرآنية. 
ويمكن لظاهرة الإصلاح أن تعود إلى شتى شؤون مجتمع ما، ولهذا، فإن مصاديقه تتنوع بشكل يتناسب وتنوع المؤسسات في ذلك المجتمع. و من وجهة نظر علم الاجتماع، فإن موضوعات مثل التركيبة السياسية والتركيبة الاقتصادية والتركيبة الثقافية وغيرها تشكل الأبعاد المتنوعة لهوية مجتمع ما؛ و إن التغييرات في العلاقات الاجتماعية هي ظاهرة موجودة في كل مجتمع بشكل مستمر، و إن من معالمها ظهور تغييرات في المؤسسات الاجتماعية. و إن ما يعرف في الغرب باسم réformisme و في المجتمعات الإسلامية بأسماء (الإصلاح، الإصلاحية، التجديد) هو تعبير آخر عن هذا التغيير و التطور في مختلف مؤسسات المجتمع الإسلامـي الذي اتخذ ــ وبسبب الحاجة إلى مـواكبة التغيرات الشاملـة والسريعة فـي المجتمعـات الإنسانية ــ انطلاقة خاصـة واكتسب معالم ملموسة. وعلى هذا الأساس، يمكن البحث عن الحركات الإصلاحية في مختلف المؤسسات الاجتماعية، سواء في النظام السياسي، أو الاقتصادي، لكن في المعنى الذي يراد به الدعوة للإصلاح، كانت الإصلاحات المطلوبة عادة هي تلك التي تقوم على مبادئ نظرية وثقافية. 
إن كلمة الإصلاح التي استفاد منها كثير من الإصلاحيين لتسمية حركاتهم هي كلمة مستلهمة من القرآن الكريم. فقد استخدم الإصلاح والكلمات التي تشترك معه في الجذر مراراً في الآيات القرآنية. و من ذلك تجدر الإشارة إلى الحالات التي جرى فيها الحديث عن الإصلاح بمعنى السعي في سبيل تحسين الأوضاع الاجتماعية، و في هذه الاستخدامات وضع الإصلاح أحياناً بإزاء الإفساد (مثلاً، الأعراف / 7 / 142). و من غير الاستناد إلى كلمة الإصلاح، أو إلى آية معينة، فإنه و من خلال نظرة عامة إلى الثقافة القرآنية، يمكن بوضوح استنتاج أن ظهور الدين الإسلامي نفسه كان في القرآن الكريم حركة إصلاحية مهمة، وأن إصلاح المجتمع كان أحد الأهداف الرئيسة لرسالة النبي (ص)؛ الحركة التي اتخذت من إصلاح المعتقدات والسلوك الديني هدفاً لها واهتمت أيضاً بإصلاح شتى المؤسسات الاجتماعية وإقامة القسط والعدل (مثلاً ظ: الحديد / 57 / 25؛ الجمعة / 62 / 2؛ أيضاً لاستنتاج كهذا، مثلاً ظ: رضا، 2 / 424، 9 / 21، مخ‍ (. 
ونظراً لتنوع التركيبة الاجتماعية في شتى بقاع العالم الإسلامي، وبإلقاء نظرة إلى تطورات الأوضاع المتلاحقة في تاريخ الشعوب الإسلامية، فإن الاهتمام بالإصلاحات الاجتماعية هو أمر يمكن توقعه في مختلف الأوطان و في الفترات المختلفة من التاريخ الإسلامي. فإذا كان الإصلاح خلال القرن ونصف القرن الأخير قد اتخذ مظهراً بارزاً، فليس لأنه لم يجد لنفسه مصداقاً في الفترات الماضية، بل لأن تركيبة المؤسسات الاجتماعية في تلك العصور لم‌تكن تواجه نهضة كهذه. 
و قد اهتم بعض الإصلاحيين في العصر الأخير بالحركات الإصلاحية في العصور الماضية وعدّوا حركتهم مستلهمة من تلك الحـركـات (ظ: م.ن، 7 / 144-145؛ لاؤوسـت، «الإصـلاح...»، 181 ff.). 
وبطبيعة الحال، فمن الحقيقة القول إن بعض الشعارات الأساسية للإصلاحيين المعاصرين مثل العودة إلى الكتاب والسنة ومثل مكافحة البدع والخرافات، ليست أمراً حديثاً في تاريخ الثقافة الإسلامية، و قد كان لها على الدوام مدافعون عنها منذ صدر الإسلام حتى العصر الحاضر. و قد أدت خصيصة محاربة البدع والعودة إلى طريقة السلف في التعامل مع المسائل الدينية والتي تلاحظ بشكل مشترك في نماذج بارزة من الإصلاح المتأخر والحركات الإصلاحية في العصور الماضية، إلى أن يضع أغلب الذين يبحثون في تاريخ الحركات الإصلاحية نصب أعينهم هذه الخصيصة بوصفها أبرز معالم الإصلاح، و أن يستبعدوا معالم مهمة أخرى. 

الإصلاح وتجديد الفكر الديني في الألفية الأولى للهجرة

كان من خصائص القرنين 2و3ه‍ / 8 و9م، العلاقة الأكثر وثاقة بين المسلمين والثقافات غير الإسلامية، وكان أبرز معالمها تأسيس بيت الحكمة وحركة الترجمة. ومما لاشك فيه، أن هذه الحركة هي معلم من تيار إصلاحي جارف كان يرى ارتباط الأوساط العلمية الإسلامية ببقية الأوساط أمراً ضرورياً وينتهج أسلوب النزعة العقلية مع القضايا. و إن هذا التيار لم يترك أثره في تبلور و تنامي العلوم المختلفة في العالم الإسلامي فحسب، بل كان له تأثير لاينكر حتى في الفكر الديني أيضاً. ولاشك في أن أساليب النزعة العقلية للمعتزلة والبعض الآخر من الفرق المذهبية في القرنين 2و3ه‍ في التعامل مع الفكر الديني كانت حركة إصلاحية قديرة للغاية في العالم الإسلامي، فينبغي عدم تحديد أهميتها في نطاق أتباع فرقة معيَّنة، بل إن هذه الحركة أنتجت ردود فعل في شتى الأوساط الإسلامية أدخلت الفكر الديني بشكل عام مرحلة أكثر انسجاماً. وبصورة عامة، فإنه خلال هذين القرنين كانت ظاهرة الإصلاح مقترنة بظهور الفرق بشكل لايقبل الفصل؛ و قد هيّأ كتاب «الكلام والمجتمع في القرنين 2و3ه‍ « الكبير لفان إس، جزءاً مهماً من مادة البحث بهذا الشأن (ظ: I / 17-19، مخ‍ ). 
وينبغي أن نعدّ القرن 4ه‍ / 10م منعطفاً في تاريخ الثقافة و الحضارة الإسلامية، ونعتبرها بداية كثير من الحركات في تاريخ الإسلام. ففي هذا القرن، دخل العالم الإسلامي مرحلة جديدة من تاريخه، مما أظهر خصائص مختلفة وأحياناً متقابلة مع العصر السابق. ومما لاشك فيه أنه يمكن مشاهدة تطورات في المؤسسات الاجتماعية المختلفة خلال القرون 4-6ه‍ ، نظرت إليها شخصيات من المفكرين المسلمين بعين الإصلاح وخطوا خطوات على طريقها، برغم أنه من الممكن أن بعض تلك التطورات لم‌تكن في حقيقتها وبحسب التحليل المعاصر خطوة إلى الأمام. 
إن القرن 4ه‍ هو قرن رد الفعل تجاه التنوع المتزايد للمذاهب وتزايد الفرق الذي كان قد ازدهر كثيراً في الفترة السابقة، وكانت هذه السمة تلاحظ في البحوث العقائدية وكذلك في البحوث الفقهية. وبدون إمكانية الاعتماد على عدة شخصيات محددة في إيجاد هذه الحركة ينبغي التذكير بأنه و في القرن 4ه‍ ، كان تيار التقريب قد تبلور على شتى المستويات. و في الحقيقة، فإنه ومنذ أواخر القرن 3ه‍ ، وعلى نطاق واسع في الأوساط الدينية وإثر سلسلة من العوامل التاريخية ـ الاجتماعية، أُخذت بنظر الاعتبار هذه النتيجة المشتركة و هي أن يُنبرى لتشريح وتعميق المذاهب القائمة بدلاً من تأسيس مذاهب جديدة، و أن يتم التمسك بأصول تلك المذاهب عند طرح فكرة جديدة؛ و هي الحركة التي كانت تقود الأوساط الدينية إلى تحديد الفكر من جهة، و من جهة أخرى، تخلِّص أغلب بقاع العالم الإسلامي من الفرقوية والصراعات الفرقوية عن طريق تأسيس المجتمع الديني «مجتمع أهل السنة والجماعة» وإضفاء الصفة الرسمية على بعض المذاهب داخله. وكان ظهور هذا المجتمع قائماً على أساس نوع من التعددية الدينية الذي كان يتقبل بين صفوفه فرقاً مثل أصحاب الرأي، بل وحتى استطاع ــ إلى جانب تعامله التقليدي مع القضايا العقائدية ــ النظر إلى أساليب كلامية مثل مذهب أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي نظرة تأييد (مثلاً ظ: البغدادي، 34-36؛ أبو المعالي، 59-62). 
ومن معالم تجديد الفكر الديني خلال هذا العصر يمكن أن نعدّ تيار جماعة مثل إخوان الصفاء وشخصيات مثل ابن حزم الأندلسي (تـ 456ه‍ / 1064م) و أبي حامد الغزالـي (تـ 505ه‍ / 1111م) الذين أدّوا دوراً نظرياً بشكل رئيس. وكحركة إصلاحية ثقافية مهمة في القرن 5ه‍ ينبغي الانتباه إلى تأسيس سلسلة من المدارس ذات المستوى الراقي تحمل اسم المدارس النظامية في القواعد المهمة من الشرق الإسلامي بمساعي الوزير السلجوقي الخواجه نظام الملك، وإلى حركة الفاطميين بمصر في تأسيس الجامع الأزهر بوصفه أحد أقدم الجامعات الإسلامية، حيث لايخفى بأي نحو دور هذه المدارس في تنشئة شخصيات علمية فاعلة في العالم الإسلامي (ظ: كسائي، كافة أرجاء الكتاب؛ لاؤوست، «مقدمة...»، 300 ff.). 
وخلال القرون 7-10ه‍ / 13-16م في شرقي العالم الإسلامي وغربه و مع هيمنة روح التقليد وأجواء الجمود على الأوساط العلمية، يمكن أن نتعرف من جديد على بعض الأفكار الدينية الحديثة التي كان أصحابها ينوون ــ بحسب اعتقادهـم ــ إصلاح العقيدة الدينية السائدة. ففي شرق العالم الإسلامي يمكن الإشارة من بين أبرز معالم الإصلاح الديني إلى علماء مثل المولوي وحافظ اللذين قلما أشير إليهما بوصفهما إصلاحيين دينيين. 
فالمولوي بوصفه شخصية انبرت في البدء لدراسة العلوم الدينية بالأسلوب السائد في عصره، وبحث بعد بلوغه مراتب علمية عليا عن طريق الفلاح في نهج آخر، له شبه كبير بالغزالي؛ لكنه وجد أن طريق الإصلاح ليس في «إحياء علوم الدين»، بل في الاتجاه إلى تحليل عميق لمكانة الإنسان والاعتماد على شكل من أشكال التسامح والتعددية الدينية (مثلاً ظ: المولوي، 1 / 152، 340، 3 / 407). كما أن حافظ وبمعرفة واسعة في العلوم الدينية، اختار برؤيته طريق التسامح والتعددية، وتناول التظاهر بالدين بالنقد اللاذع. فما أطلق عليه حافظ في كلامه اسم مذهب «رندان» (الأذكياء) إنما هو في الحقيقة وجه عميق من التدين والمعنوية، أو العشق على حد تعبيره والذي شاعت حكايته علـى كل لسان بشكل ما (ظ: الغزل 2، 39، مخ‍ (. 
و في العالم العربي وخلال هذه القرون يمكن العثور على تجديد الفكر الديني في طيفين متمايزين؛ وتجدر الإشارة أولاً إلى طيف الإصلاحيين من دعاة المصلحة الذين كانوا يبحثون عن سبيل لبعث الحركة في الأوساط الفقهية وتنشيط الفقه الإسلامي لتلبية الاحتياجات الاجتماعية المستجدة؛ و من الأعلام البارزين فـي هذا الطيف يمكن أن نذكر أشخاصاً مثـل ابن عبد السـلام (تـ 660ه‍ / 1262م) و أبـي إسحـاق إبراهيـم الشـاطبـي (تـ 790ه‍ / 1388م) اللذين كانا ــ إلى جانـب تأكيدهما علـى رفض التقليد والبـدع ــ يقدمان استنباطات عقلانية من الدين. و كان هذان العالمان الشافعي والمالكي اللذان ينبغي أن يُعدّا مؤسسين لتيار مستمر وبالاستناد إلى نظرية أن أحكام الدين تتبع المصالح العقلية، مقترحين لتغير جذري في الشريعة الإسلامية (ظ: ابن عبدالسلام، الشاطبي، كافة أرجاء الكتابين؛ أيضاً الطوفي، كافـة أرجاء المقالة).
أما ابن تيمية العالم الحنبلي الشهير الذي يذكر كثيراً في البحوث الخاصة بالإصلاح، فهو في الحقيقة عالم سلفي ذمَّ البدعة في معنىً اتسع كثيراً، وانتهج في تفسيره للتدين أسلوباً بعيداً عن التسامح. و إن استخدام الإصلاح في شأن ابن تيمية يعني أنه 
ينبغي تهذيب الصورة المرسومة عن الديانة الإسلامية في شتى المذاهب بشدة. وبرغم اشتراك ابن تيمية مع إصلاحيين مثل ابن عبد السلام في مقاومة البدعة والتقليد، فإنه لم‌يكن في فكره الديني سبيل للانسجام مع التطورات الحاصلة في المؤسسات الاجتماعية، وكذلك لم‌ تكن تُبدى مرونة في التعامل مع تنوع المدارس والمناهج. وبرغم أن أسلوب ابن تيمية قد جوبه بالاعتراض والنقد من قِبل جمع من علماء الدين، فقد كانت له جاذبية بالنسبة لفريق كبير أيضاً، وتمكن من أن يترك أثراً عميقاً في الشخصية الفكرية لآخرين أعقبوه مثل محمد بن عبد الوهاب، بل وحتى لبعض الإصلاحيين المعاصرين. 

تيارات الإصلاح الاجتماعي والسياسي في الألفية الأولى للهجرة

لدى دراسة تاريخ القرون الهجرية الثلاثة الأولى، يمكن مراراً مصادفة تيارات ذات علاقة بشكل ما بالإصلاح. و من بينها تتمتع بعض التيارات بخصيصة مقارعة جور الحكام ومقاومة التركيبات الاجتماعية والسياسية الفاسدة، حيث تمثل ثورة الإمام الحسين (ع) أبرز نماذجها؛ كما أن بعضها هي إصلاحات في داخل النظام الحاكم، حيث تُعدّ إصلاحات عهدي عمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد من نماذجها. ومما لاشك فيه أن جزءاً مما نعرفه اليوم بوصفه الفرق الإسلامية، كان في عصره تجلياً لتيارات تهدف إلى مجموعة من التغييرات الإصلاحية في المؤسسات السياسية والتركيبة الاجتماعية، ويمكن أن نذكر من بينها بشكل خاص بعض فرق الشيعة والمحكِّمة وكذلك المرجئة الذين استطاعوا بتطلعاتهم إلى إقامة نظام حكم عادل تأسيس حكومات في بعض بقاع العالم الإسلامي؛ برغم أن استمرار هذه الحكومات لم‌يكن في الغالب يحقق تلك التطلعات. 
إن إحدى الحركات الإصلاحية المهمة في القرن 2ه‍ ، هي النزعة القانونية التي يمكن من جديد ملاحظة انعكاساتها في الأوساط الفكرية وكذلك في العملية السياسية. و قد أدى استخدام الرأي بشكل فوضوي والفوضى القضائية في أوائل القرن 2ه‍ إلى ظهور ردود أفعال في أوساط العلماء، والتي من أمثلتها البـارزة رسالة العالم الإيراني الشهير ابن المقفـع (تـ 142ه‍ / 759م) إلى الخليفة العباسي المنصور، فقد شجّع الخليفة على تدوين الأساليب القضائية وطرق التوصل إلى الحكم، و إبلاغها إلى عامة الناس بوصفها دليلاً عملياً (ظ: ابن المقفع، 316-317). وكان تعيين هارون الرشيد لأبي يوسف القاضي بوصفه أول قاضٍ للقضاة في الخلافـة العبـاسيـة وطلبـه إليـه أن يـدون القـوانيـن المـاليـة (ظ: أبويوسف، 3-6) أيضاً خطوات في هذا الاتجاه. وبغض النظر عن البحوث النظرية في الكتب الفقهية، فإن النظامين الديواني والمالي أُعيد النظر فيهما بعد ذلك مراراً، لكن الذي يمكن أن يُعدّ منعطفاً في إيجاد سيادة القانون هو الإجراءات التي تمت في عهد الإيلخان المغولي المسلم، غازان خان في إيران (حك‍ 694-703ه‍ / 1295-1304م)، حيث إن الإصلاحات الاجتماعية والإدارية والمالية الواسعة المنجزة في عصره، كانت باهتمام وزيره العالم الخواجه رشيد الدين فضل الله الذي تناول في جامع التواريخ أبعاد تلك الإصلاحات بشكل وافٍ. وبنظرة عابرة، ينبغي أن تُعدّ أمور مثل النزعة القانونية وإزالة الفوضى وتوفير الحريات الفردية والحيلولة دون الاختلاس والمظالم الضرائبية والأنشطة العمرانية، على رأس تلك الإصلاحات (ظ: رشيد الدين، 2 / 1327 وما بعدها؛ قا: جعفري 115 و ما بعدها). 

 

الصفحة 1 من12

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: