الصفحة الرئیسیة / المقالات / الاصلاح /

فهرس الموضوعات

الإصلاح في شبه القارة الهندية

بدأت الجهود الإصلاحية النظرية والعملية التي تجلت إلى حد كبير في مفهوم التجديد، عقـب تعرف رجـال السياسـة والديـن والثقافـة في شبـه القـارة ــ وبشكل رئيس مسلمي هذه البلاد ــ إلى الأفكار الغربية. وكان هذا التعرف نتاج عوامل مثل هيمنة شركة الهند الشرقية و من بعدها الدولة البريطانية على الهند، وظهور وعي ذاتي وطني وديني؛ لكن ينبغي التذكير بأن فكرة الإحياء الديني، أو تجديد حياة الإسلام التي تُعدّ أحد أبعاد الإصلاح أيضاً، ترجع إلى فترات سبقت ذلك و على الأقل إلى عهد أحمد السرهندي (971-1034ه‍ / 1564-1625م)، المعروف بمجدد الألف الثاني ومؤسس الطريقة المجددية. فقد انبرى أحمد السرهندي على عهد أكبر شاه بالنهضة التي أحدثها، وبعناد لمجابهة ما كان يسميه بدعة وسوء الدين، ووجّه سهام نقده إلى أفكار أكبر شاه التي كانت تروَّج تحت عنوان «الدين الإلٰهي» (أحمد، 167-181؛ أحمد السرهندي، ج1، المكتوبات 65، 73، 77، 81-85؛ ظ: ن.د، أكبرشاه). فقد أرسل مريديه وتلامذته إلى جميع أرجاء شبه القارة ليروّجوا آراءه في إحياء الدين و ينشروا الشريعة. و مع أن أحمد السرهندي كان يعتبر من أبرز متصوفة شبه القارة، لكنه كان معارضاً لبعض آداب الصوفيـة، وكـان يشجع المريدين علـى دراسة العلوم الدينيـة (ظ: ج1، المكتوب 266؛ كشمي، 212). و قد هبّ بشكل خاص لمقارعة آراء ابن عربي في وحدة الوجود وروح التسامح تجاه الأديان الأخرى التي كانت تنتشر في شبه القارة، وقاوم بشدة حركة الهندوس الدينية المعروفة بالبهكتية التي كانت قد تغلغلت فـي بعض الفرق الصوفية الإسلامية فـي شبه القـارة (مجتبائي، 92-110؛ أحمد السرهندي، ج1، المكتوب 167).
وبرغم أن أفكار أحمد السرهندي قوبلت بهجمات بعض العلماء والصوفية وانتقاداتهم (رضوي، II / 340-341؛ فريدمان، 110,119)، و أن جهانگير شاه التيموري وصفه بسببها بأنه رجل محتال و مخادع (توزك...، 309، 350)، إلا أنها أثرت في بعض الحركات الإصلاحية الدينية والاجتماعية اللاحقة (ن.م، 309؛ أحمد السرهندي، ج1، المكتوبات 31، 47، 67، 81، 124)، بل قيل إن إصلاحيين مثل سيد أحمد خان كانوا متأثرين به في بعض أفكارهم (فاروقي، 11-15). 
وعقب ذلك، أدى انحطاط أوضاع الدولة التيمورية في الهند واندفاع الأوروبيين نحو شبه القارة و استعمارهم لهذه البلاد، إلى ظهور حركات إصلاحية تحمل مضامين دينية واجتماعية مختلفة. وكـان الشطـر الأكبر من الحركـات الاجتماعيـة ـ الدينية تؤيـد التجديد واقتباس بعض أفكار وأرضيات الحضارة الجديدة ومواءمتها للمجتمع الإسلامي في شبه القارة، بينما هب فريق آخر معارضاً تغلغل هذه الثقافة والفكر وكانوا يرون أنه لأجل إصلاح المجتمع المسلم في شبه القارة، تجدر العودة إلى الإسلام الأصيل. وكان الإصلاح الاجتماعي والتجديد الديني بمفهومه التقليدي يلتقيان في هذه النقطة (أيضاً ظ: إقبال، 1 / 194). وعلى أي حال، ففي عصر الحضارة الحديثة، فإن أول من يجدر ذكره في عداد المجددين الدينيين هو شاه ولي الله الدهلوي (تـ 1176ه‍ / 1762م). ويبدو أنه كان متأثراً بمحمد بن عبد الوهاب في بعض آرائه مثل تنزيه الدين من الخرافات وسوء الفهم والتقاليد المخالفة لروح الإسلام. و قد بلغ تأثير الشيخ ولي الله في المجتمع المسلم في شبه القارة حداً، بحيث عُدّ هو أيضاً مجدد الألف الهجري الثاني. وقد تأثر بتعاليمه فيما بعد إقبال اللاهوري ووصفه بأنه أول محيي للدين في شبه القارة (ص 113، أيضاً ظ: 141، 196-197: إشارة إلى معتقداته). 
و قد أدى تواجد البريطانيين في المجتمع المتعدد القوميات لشبه القارة إلى حدوث تغيرات في التركيبة الاجتماعية والقوانين السائدة هناك. وكانت تلك التغيرات مقبولة من قبل المجتمع غير المسلم في شبه القارة؛ بينما كان تعارض الشريعة الإسلامية مع القوانين البريطانية التي أخذت تهيمن تدريجياً، برغم أنها كانت تُطبق في بعض الحالات إلى جانب بعضها بشكل قوانين بريطانية ـ إسلامية، يحدو بالمجددين الدينيين إلى مقاومتها من جهة، و من جهة أخرى خلق نظرة جديدة للتغيير في التركيبة الفكرية والثقافية والاجتماعية للمسلمين مع المحافظة على المبادئ والأسس الأصيلة للإسلام. ويمكن أن نجد هذه الرؤية بشكل بارز لدى مصلحين مثل السيد أحمدخان و السيد أمير علي وأبو الكلام آزاد وغيرهم ممن كانوا يريدون تعرف المسلمين إلى الحضارة الجديدة 
و التمسك بالكثير من أبعادها، ويرون أن تطور المجتمع رهن بها. و قد بالغ السيد أحمد خان في هذا المجال إلى الحد الذي عارض معه الثورة على الإنجليز ودافع بشكل عملي عن تواجدهم في شبه القارة ودعا الناس إلى التعاون معهم (فخر داعي، مقدمة تفسير...، 1 / ج). وكان يعتقد أن المسلمين ينبغي لهم وبغية مواجهة انحطاطهم وتخلفهم، أن يتبعوا أوروبا ويتعلموا العلوم والأفكار الحديثة (ن.م، 1 / د).
و لم ‌يكن السيد أحمد خان يخشى بشدة مشاركة المسلمين في الحروب المطالبة بالاستقلال عن الإنجليز في شبه القارة فحسب، بل وحتى تأييد المجتمع الإسلامي الهندي فكرياً للثورات و الحروب المعادية للاستعمار في العالم الإسلامي أيضاً. لهذا وبرغم الحماس الذي كان قد أثاره انتصار العثمانيين على اليونان، وكذلك اتساع فكرة الاتحاد الإسلامي، فقد انبرى للتبليغ وتأليف رسائل في رفض الخلافة العثمانية وذمها، بينما كان بعض أكبر رجال الهند المسلمين مثل شبلي النعماني والسيد أمير علي يدافعون عن الاتحاد الإسلامي؛ وحتى في الفترة التي كان فيها السيد جمال الدين الأسد آبادي يقيم في الهند، وبرغم أن أشخاصاً مثل السيد أمير علي والمولوي چراغ علي التقوا به، فإن السيد أحمد وأنصاره لم يبالوا به. و قد انبرى السيد جمال الدين الذي كان معارضاً للسيد أحمدخان لنقد آرائه ونظرياته، وفضلاً عن تأليفه كتاب حقيقة مذهب نيچري في دحض نظرياته (إقبال، 1 / 196، 199-200)، فقد وصفه فيما بعد في العروة الوثقى أيضاً بأنه رجل دهري أظهر الحكم الأجنبي للناس السذج بمظهر حسن وسعى إلى محو آثار وسمات الغيرة الدينية والوطنية. وكما يستشف من آرائه وآثاره، فقد كان السيد أحمدخـان ــ كما كان يدّعي ــ مؤيداً للإصلاح العقلاني وتهذيب مسلمي شبه القارة ورقيهم الثقافي المصحوب بالتسامح الديني. و في رأيه، فإن الاستقلال السياسي يأتي بمرتبة تلي الإصلاح الثقافي والديني؛ ذلك أن النضال في سبيل الاستقلال يتطلب التمتع بطاقة علمية وثقافية وسياسية و أن المسلمين يفتقرون إليها. إذن ينبغي لهم أن يسايروا البريطانيين و يتعلموا العلوم والفنون الحديثة. وكان يرى أن التعليم التقليدي والديني لملايين المسلمين في شبه القارة عديم الجدوى تماماً وخاطئ، ويحول بينهم وبين المعرفة العقلانية ومتغيرات العصر. و هو يأسف على أن المسلمين يعرِضون عن التعلم في المدارس الحديثة، بينما يكيِّف الهندوس أنفسهم بسرعة مع الأوضاع الجديدة ويبادرون لدراسة العلوم الحديثة ويحصلون على الوظائف الحكومية المهمة والحساسة، فيهيمنون على المسلمين (أمين، 121، 125). 
و مع أخذه بنظر الاعتبار هذه الأمور وبشكل خاص بعد سفره إلى بريطانيا وتعرّفه إلى مبادئ التربية والتعليم هناك ولأجل أن يعلّم مسلمي الهند ثقافة الشرق والغرب معاً بأساليبهما الحديثة، أسس السيد أحمد في 1869م مدرسة عليكره التي أصبحت فيما بعد جامعة وانبرى لتعليم طبقة من المسلمين العارفين بالثقافتين والحضارتين الحديثة و التقليدية (م.ن، 129-130). ويجدر القول إن فريقاً كبيراً من المسلمين الذين تولوا قيادة الإصلاحات السياسية والاجتماعية في شبه القارة، بل وحتى الذين هبّوا لمقارعة البريطانيين، هم خريجو هذه المدرسة. 
وبرغم أن السيد أحمد كان يؤمن بتجديد الحياة الدينية، فإنه لم‌يكن يرى أن تجديد الحياة هذا يعني العودة إلى الإسلام القديم. ولهذا، فقد قدّم ــ فضلاً عن جهوده العلمية للإصلاحات الثقافية والاجتماعية ــ آراء جديدة في المجال الديني أيضاً. وبرفضه حجية الإجماع، أحلّ الاجتهاد محل القياس و عدّه حقاً لكل مسلم عالم ودارس للعلوم. وكانت نظرته للوحي وبعض الموضوعات القرآنية، نظرة تنطلق من زوايا النزعة العقلانية و النزعة الطبيعية والفطرة الإنسانية؛ و بهذه الرؤية، بادر إلى تفسير القرآن من جديد. و قد وردت آراؤه ــ فضلاً عـن آثـاره العديـدة ــ بشكل رئيس في تفسيره الواقع في مجلدين المسمى تفسير القرآن و هو الهـدى والفرقـان (1 / ط- لـج، أيضـاً مخ‍ ، ج2، مخ‍ ؛ EI2,IV / 170؛ أمين، 131- 138). 
أثارت آراء السيد أحمدخان وأساليبه، معارضة بعض المسلمين وزعماء الفرق الإسلامية و انتقاداتهم الحادة منذ ذلك الحين، حيث اتهموه بالفساد والخيانة. وفضلاً عن السيد جمال الديـن وبعض مسلمي الهند، هب لانتقـاده مفكرون مثل شريعتـي ( نامه‌إي...، 9 و ما بعدها، سر سيد أحمد خان، 3-7، مخ‍ ‍( وطالقاني (3 / 140-143).
و من الإصلاحيين الآخرين المعاصرين للسيد أحمدخان، كان شبلي النعماني من المسلمين العلماء في الهند؛ و الذي رفض في البدء دعوة السيد أحمد خان للتدريس في عليكره، ربما بسبب معارضته لبعض أفكاره، لكنه تسلم بعد فترة وإثر إصراره كرسيَّ اللغتين الفارسية والعربية. و خلافاً للسيد أحمد خان، فقد كان شبلي يدافع عن نهضة الاتحاد الإسلامي؛ وتدل منظومته شهرآشوب على تألمه من تفرق المسلمين و انحطاطهم، وتتضمن دعوته إياهم إلى الاتحاد والتطور وتجديد حياة الحضارة الإسلامية وإلى الاهتمام بالعلوم الحديثة. وعقب سفره إلى إستانبول وبيروت ومصر، تعرف شبلي بالأفكار الحديثة، وانبرى في الهند لممارسة نشاطه بوصفه مصلحاً، حيث كان يُكلَّف أحياناً بشكل رسمي من قبل الحكومة ببعض الإصلاحات؛ وتضم صحيفة الندوة التي كان يصدرها، آراءه أيضاً (فخر داعي، مقدمة شعر...، 1 / د ـ ك؛ إقبال، 1 / 200). 
كما كان السيد أمير علي من الإصلاحيين في الهند خلال نفس الفترة. فقد كان رجلاً عالماً أيضاً وملمّاً بالثقافتين الإنجليزية والفارسية وأدبيهما و ذا اطلاع على الثقافتين الشرقية والغربية (رزاقي، 8-9)، لكن آراءه حول الإصلاح في المجتمع الإسلامي كانت متباينة عن آراء السيد أحمد خان. وأهم أوجه اختلافه مع السيد أحمد خان كان اهتمامه الخاص بالقضايا السياسية. كان السيد أمير علي يعتقد أنه إلى جانب الجهود المبذولة في مجال الإصلاح الثقافي ينبغي العمل في مجال القضايا السياسية للمسلمين. وبغية تحقيق هذا الهدف، بادر في 1878م إلى تأسيس «جمعيت ملي إسلامي» (الجمعية الوطنية الإسلامية) للدفاع عن حقوق المسلمين وتبيان أوضاعهم السياسية ووجّه دعوة للسيد أحمد خان للتعاون معه، لكنه لم يستجب لذلك. و لما تولّى أمير علي الزعامة السياسية لمسلمي الهند، جوبه بمعارضة الهندوس وكذلك بمعارضة بعض المسلمين هناك، لكنه واصل جهوده، فانبرى لإصلاح الأمور الاجتماعية للمسلمين فضلاً عن أنشطته السياسية، و كان من بين أعماله إصلاح شؤون النساء المسلمات وإثبـات ضـرورة تعليمهـن (أميـن، 139-142). وكـان أميـرعلي ــ وكما يستشف من آثـاره ــ ذا إيمان راسخ بمبادئ الإسلام وتعاليمه وبالنبي (ص) (ظ: ص 15 -61، 131-190). 
و من أبرز المفكرين الإصلاحيين في شبه القارة، كان إقبال اللاهوري الذي أدت دراسته في بريطانيا وألمانيا إلى معرفة عميقة بثقافة الغرب وفكره وتبلور لديه الاهتمام والإعجاب بالتراث الإسلامي بشكل أكبر، وكان متأثراً من بعض الجوانب بأفكار السيد أحمد خان، وكان يرى ضرورة أن يستيقظ الشعور والوعي الديني والغيرة الإسلامية في المسلمين، ولهذا كان يتعاون مع «جمعيت حمايت اسلام» (جمعية حماية الإسلام) التي كانت لها أهداف مثل تأسيس مدارس وكليات حديثة، وطبع ونشر الآثار الإسلامية والوقوف بوجه نشر الأفكار اللا إسلامية (مطهري، 59-60؛ إقبال، 1 / 189-190). و قد تجلت أفكار إقبال وآراؤه الإصلاحية في أشعاره وكذلك في كتابه إحياي فكر ديني، وكان يرى أن الفكر الديني في الإسلام ظل في حالة جمود لخمسة قرون تقريباً، لكن العالم الإسلامي اليوم يتحرك نحو الغرب الذي هو من الناحية العقلانية عرصة من ثقافة الإسلامية، وهذا التحرك ليس خاطئاً، بل يعد أبرز عملية في التاريخ الحديث، لكن يخشى أن تحول الظواهر المذهلة في الغرب دون إدراك المسلمين للمضمون الحقيقي للحضارة الجديدة. كما أعلن إقبال اللاهوري أنه وبسبب التطور الفكري و العلمي و القضايا الجديدة التي طرأت، فإن الجيل الجديد من المسلمين بحاجة إلى شرح وتسويغ جديد لعقائدهم الإسلامية وإيمانهم. وبناء على هذا، ينبغي تقييم المنجزات الغربية بشكل حيادي وإدراك ما يمكن أن تقدمه هذه المنجزات من عون لتجديد الفكر الديني لدى المسلمين؛ ولما كان الهدف الرئيس للقرآن هو إيقاظ أسمى درجات الوعي لدى الإنسان ليتمكن من إدراك علاقاته المتعددة الجوانب بالله وبالعالم، يبدو ضرورياً وجود تبيان جديد للإيمان والنظرة العالمية للإسلام وتجديد الفكر الديني (ص 10-12؛ قا: مطهري، 57-59). 
ويرى إقبال أن العالم إذا ما تغير وواجه المسلمون قوى نجمت عن الاتساع الغير مسبوق للفكر البشري، فإن الجيل الجديد من المسلمين الذي يرغب في تفسير جديد للعقائد الإسلامية في ظل الأوضاع الجديدة للحياة الإنسانية، محقّ في طلبه هذا و أن هذا الحق مستقى من نص القرآن (ص 192)؛ ذلك أن الدين في تجلياته السامية هو العامل الوحيد الذي يستطيع أن يُعِدّ الإنسان الجديد من الناحية الأخلاقية لتحمل عبء المسؤولية الثقيلة للعصر الجديد (ص 214)؛ الإسلام الذي يريد التركيبة المتكاملة للمجتمع الإنساني، استطاع إيجاد إرادة وضمير جماعي وعام بين الشعوب والأعراق المختلفة. و في هذه الحالة، فإن قضية إعادة النظر والتجديد في المؤسسات الإسلامية القديمة أمر جاد جداً وعسير على المصلحين ولاينبغي لهم دراسة ربح هذه المؤسسات وخسارتها ضمن رقعة جغرافية خاصة، بل ينبغي عليهم أن يقيّموا تأثيرها في حياة البشر بشكل عام، ذلك أن الإسلام دين عالمي وأن الفوارق الجغرافية والقومية تستخدم فقط للتسهيل في معرفة الشعوب والبلدان الإسلامية (م.ن، 182، 191). ولهذا السبب، فإن إقبال اللاهوري برغم اعتقاده بالتجديد في تبيان الأفكار الدينية ـ الاجتماعية كان يعدّ الوطنية ظاهرة تتعارض مع فكرة الإصلاح في الإسلام وينهى المسلمين عنها (ص 213-214). و مع أنه في تعامله مع الثقافة الغربية كان قد بلغ مرحلة الوعي الديني، فقد كان يرفض التغريب بمفهومه المادي ويعتقد أن علوم وفنون أوروبا هي ظواهر مادية سطحية و أن بريقها موقت وظاهري (إقبال، 1 / 244-245). 
مرّت آراء إقبال اللاهوري الإصلاحية وعقائده هي الأخرى بمراحل وحالات صعود وهبوط تجعلها غامضة أحياناً ومتضادة في أحيان أخرى. ويعتقد عزيز أحمد أن آراء ومعتقدات إقبال هي شاعرية وإلى حد ما مستنيرة لتكامل الذات الفردية والاجتماعية، لكن لايمكن أن تُدعى إلٰهية. وفيما يتعلق بالشريعة أيضاً، فبرغم أن إقبال أعار أهمية كبيرة للاجتهاد، فإنه خلافاً للسيد أحمد خان يرى الإجماع معتدّاً به أيضاً، لأنه أكثر انسجاماً مع شكل من الحكم البرلماني والنظام الديمقراطي (EI2,IV / 170). 
وتزامناً مع إقبال، أدى أبو الكلام آزاد المصلح الهندي الآخر دوراً مهماً في صحوة مسلمي هذه البلاد والإعلان عن هويتهم؛ وبرغم أنه في شبابه كان معارضاً للثقافة الأوروبية ويعتقد أن رواج هذه الثقافة يقضي على الإيمان الديني، لكنه فيما بعد وبتأثير من أفكار وآثار مفكرين مثل السيد جمال الدين ومحمد عبده والسيد أحمدخان، انبرى لتعلم الفلسفة والعلوم والآداب الحديثة، بل وشجّع المسلمين على ذلك (أمين، 118). وكما أعلن هو، فإنه ظل لمدة طويلة أسير صراعات فكرية على مفترق طريقي الكفر والإيمان إلى أن وجد أخيراً طريقاً جديداً إلى الإسلام (آزاد، 14). وكان يرى نظام التدريس في المدارس الإسلامية مثل الأزهر حتى فيما يتعلق بالعلوم الإسلامية، ناقصاً تماماً، وكان يؤنّب الذين يقفون بوجه تجديد النظام الديني في الأزهر (م.ن، 17). 
كان أبو الكلام آزاد يتحدث في محاضراته وآثاره عن 3 أنواع من حركات الإصلاح الإسلامية: 1. كان يضع أشخاصاً مثل السيد أحمد خان في عداد المصلحين و التغريبيين والمنبهرين بالحضارة الأوروبية؛ 2. ويعدّ الفريق الذي يتزعمه السيد جمال الدين الأسد آبادي محيين للدين و مصلحين سياسيين 3. وكان يعد الفريق الثالث ــ الـذي يقف هـو أيضـاً في صفوفـه ــ مؤيداً للإصلاح الديني وكان يعتقد أن سبب انحطاط المسلمين هو تعطيل الاجتهاد وحلول ظواهر الدين وجزئياته محلَّ مبادئه. و قد أعلن أن على المسلمين ولأجل أن يستحقوا سِمة «خير أمة» أن يتبعوا القرآن والسنة و لما كان الإسلام دين الكمال المتوخّى، فمن الضروري أن يكون ذا كمال بذاته. إذن، فإن ما هو مطلوب لتجسيد هذا الكمال هو الاجتهاد وتجديد الدين وليست المطالبة بالتجديد. و من الناحية السياسية كان آزاد من أنصار الوحدة الإسلامية والقيادة الموحدة والجامعة للمسلمين، وكان يسمي التشتت و التفرق جاهلية. وكان يرى أن المجتمع الإسلامي الموحد حائز على هذه السمات الأساسية: الاهتمام بدعوة الخليفة، الإطاعة لقائد واحد (الإمام، أو الخليفة) والوفاء له، الهجرة إلى دار الإسلام والجهـاد؛ لهذا، كـان ــ شأنه شأن السيد جمال الديـن ــ يرى أن على المسلمين أن يدافعوا عن الخلافة العثمانية في مواجهة الهجوم الأوروبي، ويعدّ الجهاد ضد من احتلوا جزءاً من دار الإسلام واجباً، لكنه لم‌يكن يرى الخليفة العثماني زعيماً روحياً وكان يقول: إن هذه الزعامة في الإسلام هي لله ورسوله وإن الخليفة هو فقط الزعيم السياسي للمسلمين (أحمد، 66-67). يعتقد البعض أنه كان في إعلانه عن هذه الآراء، متأثراً بالماوردي وكتابه الأحكام السلطانية (عنايت، 111). وعدّه البعض داعية ومبشراً بالإسلام ذي الفكر الحر الذي كان يعتقد بالنزعة الإنسانية للإسلام. وبرغم أنه لم‌يكن يؤيد الاستنباط المباشر للنظريات العلمية الجديدة من القرآن، فقد كان يستعين به في حل المعضلات السياسية والاجتماعية المعاصرة (سميث، 128,212,218). و قد وردت أهم آرائه الإصلاحية في ترجمان القرآن ومسألة خلافت ودعوت عمل واتحاد إسلامي وقول فيصل و غبار خاطر وكاروان خيال(مجموعة رسائل). 

المصادر

آزاد، أبو الكلام، هند آزادي گرفت، تج‍ : فريدون گركاني، طهران، 1342ش؛ أحمد السرهندي، مكتوبات إمام رباني، تق‍ : حسين حلمي، إستانبول، 1397ه‍ / 1977م؛ إقبال، جاويد، جاويدان إقبال، تج‍ : شهيندخت كامران مقدم، لاهور، 1987م؛ إقبال اللاهوري، محمد، إحياي فكر ديني در إسلام، تج‍ : أحمد آرام، طهران، 1346ش؛ أمير علي، تاريخ سياسي واجتماعي إسلام، تج‍ : إيرج رزاقي ومحمد مهدي حيدرپور، مشهد، 1370ش؛ أمين، أحمد، زعماء الإصلاح في العصـر الحديث، القاهرة، 1965م؛ توزك جهانگيري، تق‍ : محمد هاشم، طهران، 1359ش؛ رزاقي، إيرج و محمد مهدي حيدرپور، مقدمـة تاريخ سياسي و اجتماعي إسلام (ظ: هم‍ ، أميـر علـي)؛ السيد أحمدخـان، تفسير القـرآن و هـو الهدى والفرقـان، تج‍ : فخر داعي گيلاني، طهران، دار نشر علمي؛ شريعتي، علي، سر سيد أحمد خان، طهران؛ م.ن، نامه إي به دفاع أز علّامه إقبال و مسلم ليگ، طهران، 1355ش؛ طالقاني، محمود، پرتوي أز قرآن، طهران، شركت انتشار؛ عنايت، حميد، أنديشۀ سياسي در إسلام معاصر، تج‍ : بهاء الدين خرمشاهي، طهران، 1362ش؛ فخر داعي گيلاني، محمد تقي، مقدمة تفسير القرآن (ظ: هم‍‍ ، السيد أحمد خان)؛ م.ن، مقدمة شعر العجم لشبلي النعماني، طهران، 1333ش؛ كشمي، محمد هاشم، زبدة المقامات، لكناو، 1302ه‍ ؛ مطهري، مرتضى، نهضتهاي إسلامي در صد سالۀ أخير، طهران، 1363ش؛ و أيضاً:

 

Ahmad, A., Studies in Islamic Culture in the Indian Environment, Oxford, 1970; EI2; Fārūqī, B.A., The Mujaddid’s Conception of Tawhid, Lahore, 1989; Friedmann, Y., Shaykh Aħmad Sirhindī, Montreal / London, 1971; Mujtabai, F., Aspects of Hindu-Muslim Cultural Relations, New Delhi, 1978; Rizvi, A. A., A History of Sufism in India, New Delhi, 1983-1986; Smith, W. C., Modern Islam in India, London, 1946.

حسن يوسفي إشكوري ـ صادق سجادي / ه‍.

 

الصفحة 1 من12

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: