الصفحة الرئیسیة / المقالات / الاصلاح /

فهرس الموضوعات

الإصلاح في رقعة الحكم العثماني

يمكن إطلاق اسم حركة الإصلاح على التيار الثقافي والإصلاحي والتجديدي الذي ظهر في رقعة حكم الإمبراطورية العثمانية خلال القرنين 12-13ه‍ / 18- 19م، بمسميات مثل «النظام الجديد»، «التنظيمات الخيرية» و«الإصلاحات». و تقسم مسيرة النزعة الإصلاحية في هذه الإمبراطورية إلى فترتين: 1. فترة الإصلاحات التقليدية والتحرر من المركزية خلال القرنين 10-11ه‍ / 16-17م والتي تستلهم من التاريخ والثقافة الإسلامية ـ العثمانية؛ 2. الفترة التي تأثرت بالحضارة الأوروبية، وظهرت خلال القرنين 12-13ه‍ / 18-19م. 
كانت الدولة العثمانية وإلى أواسط القرن 10ه‍ / 16م تتمتع بنظام إداري وثقافي قوي وراسخ مستلهم من الفقه الإسلامي والتقاليد القومية (IA,XI / 710)، لكن منذ النصف الثاني من هذا القرن وبعد انتهاء عهد سليمان القانوني، وبشكل خاص منذ عهدي خليفتيه، سليم الثاني ومراد الثالث، بدأ الضعف يدبّ في أوصالها وتواصل حتى نهاية القرن 12ه‍ / 18م، و في القرن 13ه‍ / 19م اعترتها حالة عرفت بمريض أوروبا (ن.ص؛ شاو، 1 / 291). 
وكان اقتدار أوروبا الاقتصادي وتدفق ثروات البلاد المستكشفة حديثاً والمستعمرات إلى هذه القارة من جهة؛ وانحطاط الصناعات العثمانية المحلية وظهور الثورات المعادية للحكومة في بلدانها (م.ن، 1 / 297-302)، والتدخل الغير مشروع لرجال البلاط وغير المسؤولين في الأمور (للتفصيل، ظ: جودت، 1 / 87-117) من جهة أخرى، يفاقم من إضعاف دعائم الدولة العثمانية أكثر من ذي قبل. وبغية مواجهة تلك الأوضاع كان إحداث تغييرات والقيام بإصلاحات يبدو أمراً ضرورياً (شاو، 1 / 292-293). و قد بدأت الخطوة الأولى للإصلاح في القرن 11ه‍ / 17م علـى يـد عثمـان الثانـي، المعروف بعثمان الشاب، و ثم على يد السلطان مراد الرابع والوزراء من أسرة كوپريلي (كارال، V / 55؛IA، ن.ص) مما ينبغي أن يُعدّ بداية عصر الإصلاحات التقليدية في الدولة العثمانية. وكان عثمان الشاب يريد بإلغائه نظام التجنيد الفوضوي، تشكيل قوة منظمة من قرويي الأناضول وسورية بدلاً من الإنكشارية الذين كانوا قد أصبحوا غير منسجمين مع الدولة، و أن يضع من خلال تقليصه قدرة شيخ الإسلام، قانوناً يتماشى ومتطلبات العصر (هامرپورغشتال، دولت...، 8 / 212؛ شاو، 1 / 331-332)؛ لكنه لم‌يوفق في تنفيذ تلك الأمور، و تم خلعه إثر تمرد الإنكشارية و ثم قتله (هامرپورغشتال، ن.م، 8 / 215-217، 220؛ شاو، 1 / 332-333). 
واصل السلطان مراد الرابع بأسلوب آخر إجراءات عثمان التي لم تكتمل، حيث كان يريد إحداث تغييرات عن طريق اللجوء إلى القوة وعمليات القتل المتتالية بحق أشخاص من مجاميع مختلفة مثل العلماء والمفكرين والعسكريين (م.ن، 1 / 341-343). فقد منع شرب القهوة والتدخين (م.ن، 1 / 341)، وأجبر أتباع الدولة العثمانية على ارتداء أزياء خاصة كل بحسب عمله ومنصبه وموقعه الطبقي (م.ن، 1 / 342). وكان هدفه من تلك الإجراءات هو المحافظة على النظام اعتماداً على القوة، وليس على الانتفاع من منجزات المدنية الحديثة. ولهذا يمكن القول إنه لم يتم إنجاز أي عمل جذري على طريق الإصلاحات في هذه الفترة وإذا كانت قد ظهرت حركة هنا، أو هناك، فقد كانت مرتبطة بشخصية الأفراد القائمين بها، حيث كانت تعود الأوضاع إلى سابق عهدها بوفاة كل واحد منهم (كارال، ن.ص). و من جهة أخرى، فإن تعاظم سلطة الأمراء المحليين الذي كان يؤدي إلى هجرة القرويين إلى المدن، وكذلك الضعف العام للحكومة، كان يحول دون تقدم حركة الإصلاحات (IA,XI / 711). وعلى هذا، لم تنجح الدولة العثمانية في القرن 11ه‍ / 17م في إحداث الإصلاحات المطلوبة برغم بعض الإجراءات المتخذة. و مع بداية القرن 12ه‍ / 18م وبتأثير من المدنية الحديثة والتغييرات الاجتماعية في أوروبا، دبّت الحياة مرة أخرى في النزعة الإصلاحية في الدولة العثمانية. 
بدأت المرحلة الجديدة في الدولة العثمانية بعهد أحمد الثالث ووزيره الإصلاحي إبراهيم باشا نوشهرلي (ن.ع). فقد أرسل إبراهيم باشا ممثلين إلى بعض الدول الأوروبية بغية التعرف إلى التطورات السياسية ـ الثقافية في الغرب، وبذلك خطا الخطوة الأولى على طريق اقتباس المدنية الأوروبية (يورد آيدين، 140). وكانت البعثة العثمانية إلى بلاط لويس الخامس عشر، ملك فرنسا برئاسة محمد أفندي (هامرپورغشتال، تاريخ...، 4 / 3068)، المعروف بـ «ييرمـي سكيـز» والـذي كـان مكلفـاً باكتسـاب معلومات صحيحة عن أوضاع أوروبا وسياستها (ن.ص؛ يورد ـ آيدين، 141؛ كارال، V / 56)؛ وكانت ثمرة هذه المهمة كتاباً بعنوان سفارت نامه (ن.ص؛ فوسينيتش، 98). و قد جعل نشر هذا الكتاب، الملكَ والصدر الأعظم مغرمين بالمدنية والثقافة الأوروبيتين. وبسبب شيوع زراعة ورد الزنبق وتربيته، أطلق على فترة حكم أحمد الثالث ووزيره إبراهيم باشا اسم «عصر الزنبق» الذي يحمل بشكل أكبر دلالة ثقافية ـ سياسية (ظ: ن.د، 2 / 119). 
يرى بعض المفكرين الأتراك، أن عصر الزنبق هو عصر نهضة الفن التركي (كارال، V / 55). ومهما يكن، فإن عصر الزنبق عُدّ عصرَ فهم جديد للحياة وفلسفتها، وفترة مصالحة الإنسان مع الطبيعة والحياة، ووُصف بأنه عصر اتساع نطاق الفنون الجميلة وقدسية الفكر. و في هذا العصر أدركت أوروبا والدولة العثمانية اللتان كانتا حتى ذلك الحين وبرغم تجاورهما تنظران إلى بعضهما نظرة عداء، ضرورة معرفة بعضهما البعض (م.ن، V / 55-56). وبعبارة أخرى، فإن عصر الزنبق هو بداية اليقظة الفكرية في الدولة العثمانية التي آتت أُكلها على عهد التنظيمات بعد قرن من الزمـان (شاو، 1 / 406). أبـدى إبراهيـم باشـا نوشهرلـي الـذي كان شخصيـة مثقفة و من أهـل الأدب، اهتماماً كبيـراً بنشر الثقافة. 
وأهم الوقائع الثقافية في هذا العصر هو دخول صناعة الطباعة إلى البلاد العثمانية و هو ما يُعدّ أول تقنية مستقاة من الغرب (كارال، V / 56). و قد أُنجز هذا العمل على يد إبراهيم متفرقة الذي كان مسلماً مجري الأصل (أوزون چارشيلي، «تاريخ...»، IV(1) / 158؛ شاو، 1 / 407؛ ن.د، إبراهيم متفرقة). وبعد دخول صناعة الطباعة صدرت فتوى من قبل شيخ الإسلام آنذاك بحلّية الطباعة، كما أصدر السلطان أحمد الثالث فرماناً تأييداً لذلك (جودت، 1 / 74). وبتأليفه وطبعه كتاب أصول الحكم في نظام الأمم سنة 1144ه‍ / 1731م، أوصى إبراهيم متفرقة السلطان بأمور مثل الانتفاع من العلوم العسكرية وعلم الجغرافيا وأساليب الحكم الجديدة؛ كما طبع كتابي حاجي خليفة، جهان نما وتحفة الكبار في أسفار البحار وكتباً عديدة أخرى. وبغية توفير الورق الذي تحتاجه المطبعة، أنشأ معملاً لإنتاج الورق في مدينة يالوفا (ظ: ن.د، 2 / 119-120). كان إبراهيم مفكراً مصلحاً يرى أن أسباب ضعف الدولة العثمانية هي عدم تطبيق القانون وعدم الاهتمام بآراء المفكرين وعدم المعرفة بالفنون العسكرية الحديثة، وكذلك الفساد المالي والجهل بما يدور في العالم الخارجي وغير ذلك (يورد آيدين، 142). 
كما يُعدّ عصر الزنبق، بداية عصر نهضة الترجمة في الدولة العثمانية. ففي هذا العصر تُرجمت كتب مثل عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان للعيني وجامع الدول لأحمد دده، المعروف بمنجم باشي من العربية إلى التركية، وحبيب السير ومطلع سعدين من الفارسية إلى التركية (أوزون چارشيلي، ن.م،IV(1) / 52-53). وبصورة عامة يمكن القول إن تأسيس المطبعة الذي يُعدّ أكبر منجزات عصر الزنبق أدى إلى تنوير الأفكار وإحياء العلوم الإسلامية في الدولة العثمانية (شاو، 1 / 409-410). 
عند دخول وانتشار المدنية الغربية في الدولة العثمانية خلال القرن 12ه‍ / 18م، لعب الممثلون السياسيون للدول الأوروبية المقيمون في إستانبول ــ والذين كانوا يصطحبون معهم العلماء والفنانين الأوروبيين إليها ــ دوراً مهماً في ذلك (كارال، ن.ص). انتهى عصر الزنبق بثورة خليل پاترونا ومقتل الصدر الأعظم إبراهيم باشا نوشهرلي وخلع السلطان أحمد الثالث (هامرپورغشتال، تاريخ، 4 / 3153-3161؛ شاو، 1 / 413-415)، غير أن حركة نفوذ المدنية الأوروبية في رقعة الحكم العثمانية تواصلت برغم ضآلتها وبطئها (كارال، ن.ص). وخلال ثورة پاترونا، اعتلى العرش السلطان‌ محمود الأول، حيث تمكن من قمع هذه الثورة (لمزيد من التفاصيل، ظ: هامر پورغشتال، ن.م، 4 / 3164-3170؛ شاو، 1 / 415) وواصل الإصلاحات التي بدأها سلفُه. فقد انبرى أولاً لإصلاح هيكلية الجيش واختار لهذا الهدف ضابطـاً فرنسياً، يدعـى الكونـت دي بونفال مستشـاراً وخبيراً عسكرياً. وقد انضم بونفال إلى الجيش العثماني وأعلن إسلامه واختار لنفسه اسم أحمد وعُرف في التاريخ العثماني بأحمد‌ باشا‌ بونفال (ن.ع) (أوزون چارشيلي، «تشكيلات...»، II / 18-19؛ فوسينيتش، 99). أنشأ أحمد باشا بونفال معهداً للعلوم الهندسية باسم «هندسه خانـه» (لويس، 47-48 ؛ طيارزاده، 158؛ شاو، 1 / 417)، وقام بتدريب الجيش العثماني وفق الأساليب الأوروبية وجهّزه بالأسلحة الحديثة (كارال، V / 57)؛ كما كان فاعلاً فى إصلاح الشؤون السياسية وإقامة علاقات بين الحكومة العثمانية والحكومات الأوروبية (ظ: ن.د، 6 / 4-5).
تابع محمود الأول التحول الثقافي لعصر الزنبق بتأسيس المكتبات (ظ: هامرپورغشتال، ن.م، 5 / 3409)، وإرسال مندوبين إلى جميع أرجاء الإمبراطورية وإنشاء معامل الورق ونشر آثار الشعراء والكتّاب (شاو، 1 / 418). و من بعده تابع أعماله خليفته، مصطفى الثالث وشحذ همته بشكل خاص لإصلاح الجيش و ضمّ إلى الجيش البارون دي توت المجري الأصل والذي كان في خدمة الحكومة الفرنسية (هامرپورغشتال، ن.م، 5 / 3357؛ شاو، 1 / 434). كما نشط مصطفى لنقل علوم وفنون أوروبا والغرب إلى البلدان العثمانية، وأرسل أحمد الرومي (ن.ع)، رجل الدولة والمؤرخ العثمانـي إلى ملك پروسيـا لدراسة كيفية تطورها (كـارال، V / 58-59)؛ لكن هذه الجهود لم تثمر كثيراً، وشيئاً فشيئاً أصبح الكثير من الإصلاحات والإجراءات الإصلاحية خلال عدة عقود، عديمة الجدوى؛ بحيث غادر البارون دي توت إستانبول وانهار ما كان قد قام به في الجيش (شاو، 1 / 435؛ كارال، V / 59). 
و مع كل ذلك، فقد نشطت الإجراءات الإصلاحية خلال عهد عبد الحميد الأول (1188-1204ه‍ / 1774-1790م)، بحيث عُرف بأقوى سلطان إصلاحي في ذلك القرن؛ فقد استخدم المستشارين الأوروبيين مرة أخرى وبدأ مرحلة جديدة من الإصلاحات في الجيش (شاو، 1 / 435-436). كما بادر خليل حميد باشا، الصدر الأعظم الإصلاحي على عهد عبد الحميد لإصلاح أمور الجيش برغم معارضة المحافظين، و قد أسس مدرسة «مهندس خانه» وجلب إلى إستانبول المستشارين الفرنسيين لإصلاح وتعزيز القوتين البرية والبحرية (كارال، ن.ص)، وأعاد فتح المدارس السابقة (شاو، 1 / 443-444). وبرغم أن حميد باشا كان يسعى إلى إيجاد توافق بين المحافظين والإصلاحيين، فقد اتهمه معارضو الإصلاحات بالتآمر على عبدالحميد (كارال، ن.ص)، و لهذا السبب عُزل عن منصبه، ثم قُتل (شاو، 1 / 445). 
وعقب عبد الحميد، اعتلى العرش ابن أخيه سليم الثالث. وكان على معرفة بالإصلاحات التقليدية ويفكر بالإصلاحات منذ عهد أبيه ويبحث عن أسباب ضعف الحكومة وخمودها (كارال، V / 60). وكان مؤمناً بتفوق أوروبا وتطورها، ولهذا أرسل إسحاق بك إلى فرنسا ومعه رسالة إلى ملكها وأمره أن يبادر إلى البحث في العلاقات الدولية والأساليب العسكرية الجديدة، وكذلك البحث حول المصانع والورش (ن.ص). وكانت الهزائم المتلاحقة للعثمانيين في الحروب تجعل إعداد برنامج مفصل للإصلاح (جودت، 6 / 4 و ما بعدها) وإعادة بناء الهيكلية الاقتصادية والإدارية أمراً ضرورياً (شاو، 1 / 450). و قد دُعي مجموع هذه الإجراءات على عهد سليم الثالث باسم النظام الجديد. 
وكان للنظام الجديد مفهومان متباينان: الأول التدريب العسكري وتأسيس جيش على النمط الأوروبي؛ الثاني وبمعنى أوسع، الاستفادة من العلوم والفنون والثقافة الأوروبية، وإلغاء الجيش الإنكشاري والحدّ من صلاحيات رجال الدين (ن.ص). وبغية إجراء هذه الإصلاحات استشار سليم المفكرين؛ فقدّم 22 فرداً من رجال الدولة (20 نفراً منهم أتراك و نفرين من الأجانب) آراءهم إليه وطالبوا جميعاً ببدء حركة التغيير من الجيش (كارال، V / 62). أما المحافظون، فقد كانوا يؤيدون تطبيق قوانين عهد السلطان سليمان فقط، بينما كان الإصلاحيون يريدون إعادة التنظيم والتحديث في إدارة البلاد (م.ن، V / 63). وأخيراً، قبل سليم طلب المصلحين وآراءهم و تمّ تنظيم برنامج النظام الجديد في 72 مادة. وكان تأسيس المدارس الفنية، مثل «مدرسۀ مهندسي دريايي» و«مدرسه مهندس خانۀ سلطاني» و «مدرسۀ مهندس خانۀ برّيۀ همايون» بمساعدة المتخصصين الأوروبيين من أوائل إجراءات الإصلاحيين (شاو، 1 / 454؛ كارال، V / 66-67). 
و قد تعلم السفراء العثمانيين في البلدان الأخرى اللغات الأجنبية، وكتبوا مشاهداتهم بشكل «سفارت نامه» استفاد منها المصلحون. كما تم في هذا العصر ترجمة كتب من اللغات العربية والفارسية والفرنسية إلى التركية (م.ن، V / 68-69). كما وُضعت قوانين عديدة خاصة بإنهاء حالة ملوك الطوائف والوقوف بوجه الفساد وحماية حقوق الأتباع المسلمين وغير المسلمين وإصلاح الأمور المالية (جودت، 6 / 53، 56، 120). وبرغم أن إصلاحات سليم لم يحالفها النجاح بشكل كامل، إلا أنها أخرجت الحكومة العثمانية من العزلة وعرّفتها بمنجزات عسكرية وفنية وكذلك الأفكار الفلسفية لدى الأوروبيين. وكان التجار والخبراء الأوروبيون يعاشرون الأتباع العثمانيين في الأماكن العامة والأسواق ويتعاملون معهم. وكان للفرنسيين نصيب أكبر من غيرهم من رعايا بقية الدول في دخول الحضارة الغربية إلى رقعة الحكـم العثمانيـة. وجديـر بالذكـر أن إصلاحـات سليم ــ و منها النظام الجديد ــ هي استمرار لنفس الأساليب الإصلاحية التي بدأت قبل إقامة علاقات منظمة مع الأوروبيين وكانت في حقيقتها تلبية لاحتياجات العصر (شاو، 1 / 458-460). 
أثارت هذه الإجراءات الإصلاحية معارضة المحافظين وانتهت أخيراً بثورة ضد سليم الثالث. فقد حاول سليم بانحلال النظام الجديد تهدئة الإنكشاريين، لكنه لم يوفق و خُلع من السلطنة (عن التفاصيل، ظ: جودت، 8 / 155 و ما بعدها؛ كارال، V / 77-85؛ شاو، 1 / 472-473). أصدر مصطفى الرابع، السلطان الجديد الذي كان ألعوبة بيد حُماته، فرامين تقضي بإغلاق المدارس الجديدة وإيقاف مسيرة الإصلاح و انحلال النظام الجديد والمؤسسات المرتبطة به؛ فقد كان يرى أن الإصلاحات هي العامل الرئيس للفوضى والهزائم وطالب بتطبيق القوانين التقليدية. و على عهده، حتى إن الأشخاص ذوي العلاقة بالنظام كانوا قد اعتقلوا وأعدموا (م.ن، 1 / 473). وعلى هذا، توقفت مسيرة الإصلاح لفترة قصيرة، لكن هذا الوضع أيضاً لم يدم طويلاً. وبرغم أن سليماً الذي كان مؤيدوه يريدون إعادته إلى الحكم مرة أخرى، قُتل، لكن مصطفى هو الآخر خُلع وتسنّم محمود الثاني عرش السلطنة العثمانية في جمادى الأولى 1223 / تموز 1808 (م.ن، 2 / 21). و قد استأنف السلطان الجديد إصلاحات أسلافه ووجّهها وجهة جديدة. وبذلك انتهى عصر الإصلاحات التقليدية، حيث كان عصر جديد يأذن بالظهور (م.ن، 1 / 477- 478). 
اضطر محمود الذي كان يواجه معارضات بسبب مواصلة الإصلاحات، إلى اللجوء للقوة، وكان يبغي باستفادته من الأساليب الغربية إصلاح أوضاع الحكومة العثمانية التي كانت تتجه إلى الضعف (كارال، V / 143). فقد أَجَّج الخلاف بين مراكز القوى مثل شيخ الإسلام والإنكشاريين ورئيس الكتّاب، وزاد من اقتداره هو تدريجياً (شاو، 2 / 32)، وبدأ بإجراءاته الإصلاحية. وتجلت أول خطوة على هذا الطريق ــ وكما هو الحال في العهد السابق ــ في إصلاح هيكلية الجيش. وكان الضعف والفوضى وحركات التمرد المتلاحقة (ظ: دانشمند، IV / 110) مشجعاً له على حل التنظيمات الإنكشارية وتأسيس جيش جديد منظم ومدرب. فاجتمعت أركان الحكومة العثمانية وزعماء الإنكشارية وعدد من العلماء في «مجلس خاص» في مقر إقامة شيخ الإسلام وأعلنوا عن تشكيل جيش جديد (ن.ص؛ جودت، 12 / 147- 148)، و تم تشكيل هذا الجيش رسمياً بصدور فرمان في 20 شوال 1241ه‍ / 28 أيار 1826م (لويس، 77؛ للتفاصيل، ظ: پاكالين، I / 560-563؛ أوزون ـ چارشيلي، «تشكيلات»، II / 268؛ شاو، 2 / 52). وبرغم أن القادة الإنكشاريين كانوا يؤيدون في البدء تشكيل هذا الجيش، لكنهم هبّوا لمعارضته بعد ذلك ورفعوا راية العصيان (كارال، V / 147). وقد قُمع تمردهم بقسوة بعد أخذ فتوى من شيخ الإسلام (م.ن، V / 148)؛ وإثر ذلك، صدر فرمان حل الجيش الإنكشاري، كما حُلَّت الفرقة البكتاشية الداعم الرئيس للإنكشاريين (شاو، 2 / 54؛ كـارال، V / 149-150). و قـد عُـرف حـل الجيـش الإنكشـاري بـ «واقعـۀ خيـريـة» (م.ن، V / 150). وعقـب انحـلال الجيـش الإنكشاري أُعلن عن تشكيل جيش جديد باسم «عساكر منصورۀ محمدية» (م.ن، V / 151؛ شاو، 2 / 57)، واختير الآغا حسين باشا (ن.ع) قائداً له (كارال، ن.ص). 

الصفحة 1 من12

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: