الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / الأرض /

فهرس الموضوعات

ألف- لوحة المنظر

استأثر قسم من آثار الفنانین بمناظر لم‌ترسم فیها سوی قطعة من الأرض مع میزاتها. و یبدو في هذه اللوحات أن الفنان سعی لأن یجسد في أثره الفکرة الإسلامیة عن الجنة و ینضوي تحت هذا العنوان الکثیر من رسوم المناظر مثل نموذج من أوائل القرن 8 هـ في شیراز (عکاشة، التصویر الفارسي، لوحات 54-56)، مناظر الصیف والشتاء من القرن نفسه في تبریز («المنمنمات»، لوحتان 289-689)، وکذلک نماذج من القرنین 9 و 10 هـ (رابینسون، 32, 52، لوحات 27i، 19vi، 19iii؛ لمناظر مرسومة حوالي الأشخاص الذین تم رسمهم في اللوحة، ظ: برند، 148، لوحة 58).

وتلاحظ أحیاناً في بعض الفخاریات نقوش المناظر و الطبیعة و التي تتجلی فیها المکانة الواضحة للأرض. و لنموذج من بین هذه الآثار تمکن الإشارة إلی صحن فخاري (من آنیة کوباجه و هي موضع في داغستان) من القرن 16، أو 17م یحمل نقش شجرة في الوسط وقد أحاطت بها الورود و النباتات («الفن الإسلامي...»، 192، لوحة 45) وکذلک إناء فخاري آخر (کوباجه) ارتسم علیه منظر شجرة وأزهار ونباتات مع صورة شخصین، حیث تتفوق الأرضیة علیهما (پوپ، X/ 791).

وهناک قطعة من الفسیفساء في قصر الحلابات الأموي (الأردن) نُقشت فیها أرض في وسطها إنسان وقد أحاطت به أشجار و حیوانات مختلفة (بیشه، 52-53، لوحة 8). ویمکننا أن نضیف إلی هذه المجموعة منظراً رُم علی غلاف جلدي من القرن 10 هـ في مجموعة گلبنکیان (پوپ، IX/ 961, 962).

و بالإضافة إلی ما أسلفنا، فقد تجلت نقوش الأرض في بعض السجادات مع منظر تظهر فیه شجرة السرو، وقد نقشت في هذا النوع من السجاد المعروف بالسجاد السروي، قطعة أرض مع أنواع من الأشجار و الورود والنباتات. ومن جملة سجاد المناظر، تجب الإشارة إلی نموذج هندي یعود إلی حوالي القرن 10 هـ (زاره، 13). و من الجدیر بالذکر أن هذه الآثار تعود في الغالب إلی العهود المتأخرة (لهذه النماذج، ظ: دادگر، 76-77، 112-113؛ پوپ، XI/ 1126, 1241, 1259-1260).

 

ب- الأماکن المقدسة

و من المجالات الأخری لنطعة الفنان المسلم إلی النظرة الجزئیة للأرض، الاهتمام بالأماکن المقدسة. فالأماکن المقدسة هي «أرض» من حیث إنها مستقرة علیها و من حیث إن لها تواجداً من السماء علی الأرض «لیست أرضاً». وهذه الاثنینیة هي التي أضفت الخصوصیة البارزة علی الأماکن المقدسة خلال دراسة الأرض في نطاق الفن الإسلامي. و علی سبیل المثال، فإن المنطقة الجغرافیة والأرض اللتین یقع فیهما غار حراء، إنما یعمد الفنان إلی رسمهما لأنهما تمثلان مهبط الوحي الإلهي وقد صور الفنان المطلع علی زمان هذا الهبوط، النبيَّ (ص) والسیدة خدیجة و أبابکر مجتمعین و بالقرب من ذلک المکان المقدس (عکاشة، التصویر الإسلامي، لوحات 70، 111، 112،119). وفي لوحة أخری، رسم ملک الوحي في ذلک الغار إلی جانب النبي (ص) («المنمنمات»).

ولاشک في أن بعضاً من الأماکن الخاصة التي تتمیز في الثقافة الإسلامیة بمکانة مذهبیة، حظیت بالاهتمام الأکبر من قبل الفنانین. وقد أثارت الکعبة من بینها اهتمامهم أکثر من غیرها؛ خاصة و إن دحو الأرض بدأ حسب الفکر الإسلامي في زمان الخلق من تحت الکعبة، بل إن الکعبة هي في الحقیقة أصل الأرض. وقد تبقت نماذج عدیدة من رسوم أرض الکعبة و ماحولها (مثلاً لوحة متحف القاهرة، ظ: پاپا دوپولو، 605)، حیث اقترنت الکعبة أحیاناً مع وجود النبي (ص) نفسه، أو حضور حشود الزائرین (إتینغهاوزن، «عرض...»، 205 ومابعدها؛ لویس، 45، لوحة 11؛ عن رسم الکعبة فوق محراب في طوبقابي سراي، ظ: آتاسوي، 146). کما تمت حیاکة نقوش مثل المراقد المبارکة والمقدسة کمسجد النبي (ص) علی شکل سجاد، حیث تعتبر سجادة «هفت شهر عشق» [= مدن الحب السبع] التي تحمل البقاع المقدسة السبع في مکة والمدینة و التي یعود تاریخا إلی 1394هـ، من هذا القبیل («ننفائس...»).

وقد اکتسبت الأرضُ القدسیةَ في بعض الحالات بسبب قدوم الأنبیاء والشخصیات الدینیة إلیها، حیث وجد هذا الدور طریقه إلی الآثار الفنیة، وفي هذا المجال، فإننا نری حتی إن خارطة الأماکن المبارکة في الحجاز والتي تحفظ مخطوطتها في مکتبة بریطانیا (ظ: آتاسوي، 10) و کذلک نقوش مراقد الأئمة العظام التي وردت في کتاب غرائب الفنون في أوائل القرن 7هـ و في قطعة من القاشاني من القرن 11 هـ (من العهد العثماني، والموجودة في متحف اللوفر) (م.ن، 66؛ کریستي)، یتم تبویبها ضمن هذه المجموعة من الآثار أیضاً.

کما لفت انتباه الفنان المسلم، إفساد الإنسان في الأرض والذي قُبح في الفکر الدیني، و وردت بسببه الکثیر من نماذج العذاب الإلهي في الآیات القرآنیة و القصص، فقام برسم نماذج منه، و یمکننا مشاهدة إفساد السدومیین و البلاء النازل علیهم في لوحة من القرن 10 هـ («منتخبات»، 37). ومن هذا القبیل أیضاً، هروب قوم نوح (ع) من العذاب الإلهي نحو الجبال و کذلک خسف الأرض بقارون (لوحات من القرن 10 هـ) (ستشوکین، لوحة XXII).

وأخیراً یجب القول إننا نلاحظ في نظرة الفنان إلی الأرض باعتبار طبیعتها، آثاراً اعتُبرت فیها الأرض کموضع لحیاة الإنسان؛ حیث تزاول فیه الزراعة و أمور الحیاة الیومیة. وعلی سبیل المثال، من النماذج الکثیرة، تمکن الإشارة إلی لوحة من أوائل القرن 10 هـ عرضت زراعة الأرض وحرثها (لویس، 52) واستخدام التراب المأخوذ من الأرض لإعداد اللَّبْن و بناء مبنی فخماً مثل قصر الخورنق في إحدی لوحات بهزاد (بهاري، 148، أیضاً 79).

 

المصادر

بورکهارت، تیتوس، «نظري به أصول و فلسفۀ هنر إسلامي»، تجـ: حسین نصر، مباني هنر معنوي، تقـ: علي تاجدیني، طهران، 1372ش؛ م.ن، هنر إسلامي، تجـ: مسعود رجب‌نیا، طهران، 1365ش؛ الثعلبي، أحمد، قصص الأنبیاء، بیروت، المکتبة الثقافیة؛ دادگر، لیلا، فرش إیران، طهران، 1380ش؛ دوبوکور، مونیک، رمزهای زندۀ جان، تجـ: جلال ستاري، طهران، نشر مرکز؛ عزام، خالد، «معني رمزي صورت در معماري إسلامي»، راز و رمز هنر دیني، تقـ: مهدي فیروزان، طهران، 1380ش؛ عکاشة، ثروت، التصویر الإسلامي، بیروت، 1977م؛ م.ن، التصویر الفارسي و الترکي، بیروت، 1983م؛ «غرائب الفنون و ملاح العیون...»، تجـ: مهري خلیلي شینگل، نامۀ بهارستان، 1382ش، س 4، عد 1 و 2؛ القزویني، زکریا، عجائب المخلوقات، طهران، 1340ش؛ میشون، جان لوئي، «هنر، طریق ذکر»، راز ورمز هنر دیني، تقـ: مهدي فیروزان، طهران، 1372ش؛ نصر، حسین، هنر و معنویت إسلامي، تجـ: رحیم قاسمیان، طهران، 1375ش؛ «نفائس متحف السجاد» (ظ: ملـ www. Aglibrary)؛ هوهنه‌گر، آلفرد، نمادها و نشانه‌ها، تجـ: علي صلح‌جو، طهران، 1366ش؛ و أیضاً:

Allen, J. W., Metalwork of the Islamic World, the Aron Collection, London, 1986; Atasoy, N. et al., The Art of Islam, UNESCO, 1990; Bahari, E., Bihzad, London/ New York, 1997; Beach, M. C., The Imperial Image, Washington, 1981; Bisheh, G., «From Castellum to Palatium…», Muqarnas, Leiden, 1993; Blochet, E., Musulman Painting XII-XVII Century, NewYork, 1975; Brend, B., Perspecives on Persian Painting, London, 2003; Christies, http:/ / www. Christies. Com/ departments/ exceptionalprices. Asp? DID=31; Ettinghausen, R., «Die bildliche Darstellung der Ka’ba…», Islamic Art and Archaeology, Berlin, 1984; id, «The Iconography of a Kāshān Lustre Plate», ibid; id, «Persian Ascension Miniatures of the Fourteenth Century», ibid; id, «The Wade Cup in the Cleveland Museum of Art…», Ars Orientalis, Michigan, 1957, vol. II; Grabar, O., «Cities and Citizens», The World of Islam, London; Golden, P. B., «The Turks: A Historical Overview», Turks, a Journey of a Thousand Years…, ed, D.J. Roxburgh, London, 2005; Gray, B., Persian Painting, London, 1977; Hill, D., Islamic Architecture and its Decoration, London, 1967; Islamic Art in the Keir Collection, ed. B. W. Robinson, et al, London/ Boston, 1988; Kashghari, M., Divanū Lûgat- it-tûrk, tr. Besim Ataly, Ankara, 1940; Lewis, B., «The Faith and the Faithful», The World of Islam, London, 1994; «Miniatures», Bilkent University, http:/ / www. Ee. Bilkent. Edu.tr/ -history/ geometry. Html; The Miraculous Journey of Mi’rajnameh, MS Bibliothéque nationale (Paris), New York, 1977; Papadopoulo, A., L’Islam et l’art musulman, Paris, 1976; Pope, A. U., A Survey of Persian Art, Tehran,1967; Rice, D. T., Islamic Art, London, 1975; Robinson, B.W., Persian Miniature Painiting, London, 1967; Sabra, A. I., «The Scientific Enterpries», The World of Islam, London; Selection of 33 Turkish Miniatures, Istanbul, 1983; Sarre, F. and H. Trenkwald, Oriental Carpet Designs in Full Color, New York, 1979; Stchoukine, I., Les Peintures des manuscrits de Shākʿ Abbās I à la fin des Safavis, Paris, 1964; Titley, N. M., Persian Miniature Painting, London, 1983; «Topkapı», Bilkent University, http:/ / www. Ce. Bilkent. Edu. Tr/ -history/ ottoman 33. Html; Wilson, E., Islamic Design, London, 1988; www. Aglibrary. Org/ museums/ carpet. Htm; York Leach, L., «Paintings from India», The Nasser D. Khalili Collection of Islamic Art, London, 1998, vol. VIII.

مهبانو علي‌زاده/ ع.خ.

VII. الأرض في الفقه الإسلامي

أولیت الأرض اهتمام ومباحثات الفقهاء باعتبار مادتها أحیاناً، وباعتبار استخداماتها الاقتصادیة أحیاناً أخری. فالأرض مُطَهِّرة بالاعتبار الأول، و تستخدم لتطهیر النجاسة و إزالة «الحَدَث» (الأمر الموجب للوضوء، أو للغسل). وتعتبر الأرض لدی الإمامیة من المطهرات العشر في دفع النجاسة، حیث تم تحدید تطهیرها بتطهیر أسفل الحذاءو باطن القدم، و أما في مصادر أهل السنة، فقد فرضت علیها محدودیات أکثر (مثلاً ظ: الشهید الأول، 16؛ الزحیلي، 1/ 94). ومن أجل إزالة الحدث، یعتبر التیمم علی الأرض جائزاً، باعتباره بدیلاً عن التطهیر بالماء – سواء الغسل ، أم الوضوء – ولکن بشروط منها فقدان الماء. ففي هذه الحالة یکون ضرب الکفین علی الأرض مرتین واجباً للمسح علی الجبهة والیدین (المحقق الحلي، 1/ 47). والمراد من الأرض هنا کل مایصدق علیه اسم الأرض، سواء کان تراباً، أم حجراً، أم حصی، أو حتی طیناً (الشهید الثاني، 1/ 450؛ صاحب الجواهر، 2/ 282؛ ابن‌رشد، 1/ 71).

ولایقتصر بحث الأرض في النصوص الفقهیة علی باب الطهارة، بل إنها عندما تکون باعتبارها المال موضوعاً للحکم الشرعي، تتم دراستها في أبواب مختلفة مثل الجهاد و الخمس و کذلک في البحث بشأن تعیین وضع الأراضي التي تُفتح و یستولي علیها المسلمون باعتبارها غنیمة حربیة. و في کتاب البیع فعندما یدور الحدیث عن شروط «العوضین» تکون الأرض في أنواعها المختلفة موضوع بحث الفقهاء و تعد الأرض جزء من الأموال غیر المنقولة، حیث تکون أبرز مصادیق «العقار» عندما یدور الحدیث عنه في النصوص الفقهیة. وتعد الأرض في الاقتصاد الإسلامي أحد أهم مصادر الإنتاج، حیث یتم توزیعها استناداً إلی الأسس الثلاثة للمکلیة و هي الملکیة الخاصة و الملکیة العامة وملکیة الدولة (الصدر، 441). و رغم أن ملکیة الله للأرض قد ذکرت في القرآن الکریم (الأعراف/ 7/ 128) وفي السنة أیضاً (الکلیني، 5/ 297)، ولکن ملکیة الإنسان للأرض قد طرحت أیضاً في النصوص الفقهیة بلحاظ أقسامها التي تتبلور باعتبارات مختلفة.

وإذا ما اعتبرنا العمران ملاک التقسیم، فإن الأراضي التي یسیطر علیها المسلمون، تقسم إلی قسمین رئیسین: الأرض العامرة و الأرض الموات. فإذا کانت هناک أرض عامرة بشکل طبیعي و دون تدخل الإنسان، و کانت تتمتع بالماء والتربة المطلوبة والوفارة و النباتات الطبیعیة، فإنها تعرف في النصوص الفقهیة بالأرض «العامرة بالأصالة»، حیث ستکون في عداد الأنفال و عائدة إلی الإمام باعتباره رئیس الدولة الإسلامیة (الشیخ الأنصاري، 4/ 16؛ الخمیني، البیع، 3/ 14) و أما إذا کانت متروکة و غیر قابلة للاستثمار بسبب فقدان المقتضي للإحیاء، أو وجود مانع مثل عدم توفر الماء، أو کونها رملیة، فإن مثل هذه الأرض تسمی الأرض «الموات بالأصالة»، کما یدخل هذا النوع من الأرض أیضاً في عداد الأنفال و هو ملک لإمام المسلمین (الطوسي، المبسوط، 2/ 29؛ الشیخ الأنصاري، 4/ 12؛ الخمیني، ن.ص).

وإذا ماتم إحیاء الأراضي الموات علی أساس الشروطالتي ذکرت في الکتب الفقهیة (مثلاً ظ: صاحب الجواهر، 13/ 289 ومابعدها)، فإنها تدخل في ملکیة المحبي، ولذلک فمن الناحیة الفقهیة فإن الشخص الذي یقوم بـ «تحجیر» الأرض الموات و یقیم جداراً حولها علی سبیل المثال، فإنه یکون مقدماً علی الآخرین في ملکیتها، ذلک لأن ملکیة هذا النوع من الأرض تتحصل من خلال الإحیاء، لابالتحجیر الذي هو بمثابة الشروع (م.ن، 13/ 304).

والحدیث النبوي المشهور «من غرس شجراً ... و أحیی أرضاً میتة فهي له ...» (الحر العاملي، 25/ 413؛ أیضاً ظ: الدارمي، 2/ 347)، هو الذي یستند إلیه الفقهاء. و لکن هناک اختلافاً بین الفقهاء في اشتراط إذن الإمام في إحیاء الموات. فقد أوجب بعض علماء الإمامیة إذن الإمام في حالة حضوره (الشهید الأول،210) في حین أن البعض الآخر یرونه شرطاً بشکل مطلق (الطوسي، الخلاف، 3/ 525). علی أن الفقهاء الشافعیین و الحنابلة و جماعة من الحنفیین، لم‌یشترطوا إذن الإمام، أو نائبه في تملک الأرض خلافاً لأبي حنیفة والعلماء المالکیین (أبویوسف، 64؛ أیضاً ظ: الزحیلي، 5/ 545).

وأما الأراضي التي کانت عامرة بالأصالة من قبل، ثم تحولت إلی موات، فقد بحثها الفقهاء ضمن 3 افتراضات:

الفرض الأول: أن تکون الأرض دون مالک مثل القری المهجورة والمهدمة، حیث من الممکن أن تکون مثل هذه الأرض منسوبة إلی عشیرة خاصة، ولکنها انقرضت ولم‌یتبق منها أثر، فستبقی الأرض في ملکیة الإمام (الخمیني، تحریر...، 2/ 195-196).

الفرض الثاني: عندما تکون الأرض مجهولة المالک، فتعتبر علی القول المشهور مثل الموات لاأصالة، حیث یمتلکها کل من أحیاها (الخوئي، منهاج...، 2/ 151).

الفرض الثالث: عندما یکون للأرض مالک معلوم، فإذا ما أعرض عن هذا النوع من الأرض المعروف بـ «البائر»، فإنها تکون ملکاً لکل من أحیاها. فإن لم‌یعرض عنها، فإن أبقاها المالک کمرعي للحیوانات، و کان ینوي إحیاءها في الفرصة المناسبة، فسوف لایحق لأي أحد أن یستولي علیها، أو یحیها دون إذن المالک. ولکن إذا ما عطلها المالک دو نسبب ولم‌ینو إحیاءها، فإن هناک اختلاف بین الفقهاء. فیری البعض أن هذا النوع من الأرض الذي له مالک معروف، لایخرج من ملکیة المسلم بمجرد بوارها (ابن‌إدریس، 2/ 375)، ذلک لأن تحولها إلی موات لایمکن أن یکون سبباً لنقل ملکیتها (الشهید الثاني، 7/ 139). ویری فریق آخر أن إحیاء الأرض إذا کان هو منشأ الملکیة، فإن کل من یحییها سیصبح مالکاً لها علی مایظهر، ذلک لأنها ستکون مشمولة بالحکم العالم في الروایة (من أحیی أرضاً...)؛ و لکن إن کانت الملکیة ناجمة عن المعاملة، أو الإرث، فلایجوز للآخرین الاستیلاء علیها و إحیاؤها (الخوئي، ن.ص).

وللأرض بلحاظ تصرف المسلمین لها، تقسیمات یمکن ذکر 4 أنواع لها:

1. الأرض التي أسلم أصحابها بناء علی رغبتهم مثل المدینة والبحرین و «أطراف» الیمن (الشهید الثاني، 7/ 139). و هذا النوع من الأرض یعود إلی ساکنیه و ماداموا یسعون في إحیائها، بإمکانهم أن یتصرفوا بها بأي شکل و لاتجب علیها الزکاة، إلا في حالة اجتماع الشروط. ولکنهم إذاکفّوا عن إحیائها فأصبحت بالتالي مواتاً، فإن من یحییها سیکون له حق التقدم (ظ: الحر العاملي، ن.ص) و ذلک استناداً إلی الروایة المنقولة في هذا الباب.

2. الأرض التي عقد سکانها معاهدة صلح مع النبي، أو الإمام کي یعیشوا في کنف الدولة الإسلامیة بعد هجوم المسلمین ویسمی هذا النوع من الأرض في النصوص الفقهیة «أرض الصلح» (الشهید الثاني، 7/ 149) و أرض الجزیة (الخمیني، البیع،3/ 46). وعلی هذا الأساس یجب علی المسلمین أن یلتزموا بمفاد الصلح و یعملوا بمقتضاه. وإآذا تم الصلح علی تملک الأمة الإسلامیة للأرض، تدخل في ملکیة عموم المسلمین (الصدر، 473)، أي أن تخصص لمصالح جمیع أهل الإسلام (الخوئي، مصباح ...، 5/ 123)،وسینطبق علی هذه الأرض حکم دارالإسلام (الطوسي، المبسوط، ن.ص)، أو ستکون وقفاً للمسلمین استناداً إلی رأي فقهاء أهل السنة (الماوردي، 175)، مثل أرض خیبر التي تصالح النبي (ص) مع ساکنیها کي یعملوا علیها لتخصص نصف محاصیلها لهم (البخاري، 2/ 820؛ مسلم، 3/ 1186). لکن إذا ما تعهدت الدولة الإسلامیة استناداً إلی معاهدة الصلح بأن تبقی الأرض في ملکیة سکانها، فإن الأمة الإسلامیة سوف لایکون لها حق فیها کما کان بالنسبة إلی أرض الیمن و الحیرة، ولکن سکانها یجب أن یدفعوا خراجها إلی الدولة الإسلامیة (أبویوسف، 63) و سوف یستمر هذا الحکم ماداموا یعتبرون من أهل الذمة و یدفعون الجزیة، أما إذا أسلموا، فإن هذه الأرض سیکون حکمها کحکم الأرض التي أسلم أصحابها بناء علی إرادتهم ورغبتهم، أي إنها ستدخل في ملکیتهم، دون أن یتعهدوا بدفع العوض عنها (الشهید الثاني،ن.ص).

3. أرض الأنفال: و هذا النوع من الأرض الذي یعود في الأصل إلی الله، هو من وجهة نظر فقهاء الإمامیة عطیة وهبة و هبها الباري تعالی إلی نبیه (ص) (صاحب الجواهر، 6/ 68) وسیختص للأئمة (ع) من بعده. ویطلق مصطلح الأنفال علی الأراضي التي ترکها مالکوها، أو تخلی عنها الکفار للمسلمین دون حرب، و بمیلهم و رغبتهم، أو أن یکون أهلها بادوا و انقرضوا، أو الأراضي البائرة التي لامالک لها، أو الأراضي التي «فما أو جفتم علیه من خیل و لارکاب» علی حد تعبیر القرآن (الحشر/ 59/ 6). ویری الإمامیة أن التصرف في مثل هذه الأرض مباح للمسلمین (الشهید الثاني، 2/ 84؛ الشیخ الأنصاري، 4/ 11)؛ ولکن هذا النوع من الأرض المعروف بـ «الفيء» له حکم الوقف عند فقهاء أهل السنة و في الحقیقة فإنه سیدخل بواسطة «الاستیلاء» في بیت مال المسلمین وسیکون جزء من الأملاک العامة (الماوردي، ن.ص؛ ابن قدامة، 10/ 542؛ لتفصیل ذلک، ظ: ن.د، الأنفال).

4. الأرض المفتوحة عنوة: و هي الأراضي التي فتحها المسلمون بالحرب والقهر و لاغلبة وانتزعوها من الکفار، حیث تعرف بهذا الاسم في الفقه الإسلامي مثل أراضي السواد (العراق)، مصر، إیران، سوریة وکثیر من البلاد الإسلامیة (الصدر، 442). ویعتبر الشافعیة و الظاهریة هذا النوع من الأراضي غنیمة تقسم بین الجند، في حین اعتبرها المالکیة وقفاً للمسلمین ولم‌یجیزوا تقسیمها، و خیّر الحنفیة والزیدیة الإمام بین تقسیم الأرض و الاحتفاظ بها و الاکتفاء بأخذ الخراج من ساکنیها. وأما الحنابلة فقد أوکلوا التصرف بهذا النوع من الأراضي إلی الإمام فی وقفها إن رأی الصلاح في ذلک، أو یقسمها بین الفاتحین (ظ: الماوردي، ابن قدامة، نصص؛ الزحیلي، 5/ 532-533).

وفي فقه الإمامیة، إذا کانت الأراضي المفتوحة عنوة، عامرة عند فتحها، فإن ملکیتها ستکون لعموم المسلمین بإجماع الفقهاء (صاحب الجواهر، 8/ 177)، بمعنی أن العائدات المتحصلة منها مثل الخراج و«المقاسمة» یتم إنفاقها علی مصالح الأمة الإسلامیة (الشهید الثاني، 7/ 136). وعلی هذا الأساس، فإن منغیر الممکن تملک هذه الأرض بالإحیاء إذا ما انطبق علیها حکم الموات، ذلک لأنها تعتبر في عداد الأراضي التي لها مالک معروف یتمثل في عموم المسلمین (المحقق الحلي، 4/ 791) وأما الأرض المفتوحة عنوة، فإن کانت مواتاً في زمان الفتح، فسوف تعود ملکیتها إلی إمام المسلمین (الصدر، 457)، وعلی هذا فإن إحیاءها صحیح بإذن الإمام، و في عصر غیبة الإمام یتملکها کل من یحییها (الشهید الثاني، 7/ 137). واستناداً إلی ماقیل، لایمکن بیع الأراضي المفتوحة عنوة، کما هو الحال بالنسبة إلی عدم صحة هبتها ورهنها و وقفها (الطوسي، المبسوط، 2/ 210؛ الشیخ الأنصاري، 4/ 23؛ الخوئي، مصباح، 5/ 146 ومابعدها)؛ وصحة هذا النوع من التصرفات یتوقف علی ملکیة صاحب المعاملة، حیث یکون کل تصرف ناقل فیها باطلاً و لاأثر له دون إذن الإمام، بلحاظ عمومیة ملکیة الأرض المفتوحة عنوة وعدم اختصاصها بشخص، أو أشخاص معینین (صاحب الجواهر، ن.ص). وعلی هذا الأساس، فإذا ما افترضنا أن الأرض وضعت تحت تصرف شخص آخر بإذن الإمام، أو الدولة الإسلامیة، کي یتنفع منها، ویدفع للدولة في مقابلها الخراج، أو الضرائب، فإن هذه الأرض سوف لاتصل للورثة بموته، ذلک لأنه لم‌یکن مالکها. و رغ. وجود اختلاف بین فقهاء الإمامیة في أصل ملکیة الأرض المفتوحة عنوة، و لکن بعض الفقهاء یجیز رهنها و بیعها تبعاً للآثار و الأبنیة التي شیدت فیها (العلامة الحلي، 1/ 493؛ الشهید الأول، 94)، أي إن من الممکن بیع الأرض مادامت الأشجار و الأبنیة المشیدة فیها قائمة، أما إذا زالت تلک الآثار، فإن تصرف الناقل في الأرض سوف لایکون صحیحاً (الشهید الثاني، 7/ 155).

وفیما یتعلق ببیوت مکة، فرغم أننا نتوقع الاتفاق في الرأي علی عدم صحة بیعها بفرض کونها مفتوحة عنوة (الطوسي، الخلاف، 5/ 527)، إلا أن بعض الفقهاء رجح صحة بیعها (العلامة الحلي، 2/ 23) وإذا ما درسنا أنواع الأراضي المذکورة، فإن بالإمکان تقسیمها إلی قسمین، باعتبار النظام المالي الذي یحکمها:

1. أراضي الخراج: و تطلق علی الأراضي التي تأخذ الدولة الإسلامیة ضرائب معینة من أصحابها. و في هذه الحالة إذا کان الخراج مقداراً معیناً من المال، فإنه یسمی «خراج الوظیفة»، و إذا کان یمثل حصة معینة من محاصیل الأرض یسمی «خراج المقاسمة». وهناک اختلاف بین العلماء في تعیین الأراضي الخراجیة بین أراضي البلدان الإسلامیة؛ ولکن الأراضي التي منحت للمسلمین بمعاهدة الصلح، و کذلک الأراضي المفتوحة عنوة التي لم یتم تقسیمها، هي دون شک في عداد الأراضي الخراجیة (ظ: أبویوسف، 69؛ الشهید الثاني، 4/ 69).

2. الأراضي العُثریة: یطلق هذا المصطلح علی الأراضي التي تأخذ الدولة الإسلامیة من أصحابها عُشر ثمارها و غلاتها کضرائب بدلاً من أخذها الخراج. و تعتبر الأراضي التي أسلم أهلها برغبتهم، والأراضي المفتوحة عنوة التي ثم تقسیمها بین الفاتحین، مثل الأراضي العشریة، حیث لایمکن فرض الخراج علیها (الماوردي، ن.ص؛ أیضاً ظ: حسن، 1/ 462).

و فضلاً عن «الحیازة» التي تعد أحد طرق تملک الأرض، فإن الأرض تخضع لتصرف الأشخاص بواسطة «الإقطاع» أیضاً. والإقطاع في أحد معانیه عبارة عن منح النبي، أو الإمام الأرض الموات، أو الأراضي المملوکة للدولة الإسلامیة للشخص، أو الأشخاص الذین یشتغلون بالزراعة علیها و یدفعون ضرائبها. وإقطاع النبي (ص) للزبیر بن العوام و بلال بن الحرث، هو شاهد علی جواز الإقطاع. و الإقطاع هو کالتحجیر لایفید الملکیة، و لکنه بستوجب الأولویة و حق الاختصاص لـ «المُقطَع له» و لیس لأي شخص الحق في التصرف بالأرض و إحیائها دون إذنه و إذا ما أحیاها المقطع له، فسیصبح مالکاً لها (الماوردي، 248 ومابعدها؛ المحقق الحلي، 4/ 793؛ لتفصیل ذلک، ظ: ن.د، الإقطاع).

ویری الفقهاء المسلمون أن «الجمی» یحمل أیضاً حکم الإقطاع (فخر المحققین، 2/ 234)، بمعنی أن النبي (ص) بإمکانه أن یمنع الناس من الاستیلاء علی قسم من الأراضي الموات و إحیائه، سواء کان المنع لمصلحة النبي (ص) نفسه، أو لمصلحة عموم المجتمع الإسلامي، مثل حمی أرض ما لرعي الخیل و الأغنام المأخوذة تحت عنوان الزکاة والجزیة (الطوسي، المبسوط، 3/ 270؛ الماوردي، 242 و مابعدها؛ صاحب الجواهر، 13/ 307). وفي فقه الإمامیة، بإمکان الإمام المعصوم أیضاً کالنبي (ص) أن یمنع الناس من التصرف في الأرض الموات و أنه یخصصها لنفسه، أو للدولة الإسلامیة (الطوسي، الخلاف، 3/ 528؛ المحقق الحلي، 4/ 794). وقد رأی فقهاء أهل السنة أیضاً صحة حمی الإمام لمصلحة المسلمین عامة بشروط (الزحیلي، 5/ 572-574). والاختلاف الرئیس بین الإقطاع و الحمی هو أن المقطع له یمکنه أن یملک الأرض بإحیائها، لکن فيحالة الحمی فإن المحیي للأرض لایمکنه أن یتملکها مادام الحمی مفروضاً علیها.

وقد تناول حسین مدرسي طباطبائي في کتاب بعنوان زمین در فقه إسلامي (ط طهران، 1362ش) بشکل مفصل مباحث الأرض عند المذاهب الفقهیة المختلفة.

 

المصادر

ابن‌إدریس، محمد، السرائر، قم، 1410هـ؛ ابن رشد، محمد، بدایة المجتهد، بیروت، 1402هـ/ 1982م؛ ابن قدامة، عبدالله، «الشرح الکبیر»، مع المغني، بیروت، دارالکتاب العربي؛ أبویوسف، یعقوب، الخراج، بیروت، 1399هـ/ 1979م؛ البخاري، محمد، صحیح، تقـ: مصطفی دیب البغا، بیروت، 1407هـ/ 1987م؛ الحر العاملي، محمد، رسائل الشیعة، قم، 1409هـ؛ حسن، حسن إبراهیم، تاریخ الإسلام، القاهرة، 1964م؛ الخمیني، روح‌الله، البیع، قم، 1410هـ؛ م.ن، تحریر الوسیلة، النجف، 1390هـ؛ الخوئي، أبوالقاسم،مصباح الفقاهة، قم، 1368ش؛ م.ن، منهاج الصالحین، قم، 1410هـ؛ الدارمي، عبدالله، السنن،تقـ: فواز أحمد زمرلي و خالد السبع العلمي، بیروت، 1407هـ؛ الزحیلي، وهبة، لافقه الإسلامي و أدلته، دمشق، 1407هـ/ 1987م؛ الشهید الأول، محمد، اللمعة الدمشقیة، تقـ: علي الکوراني، قم، 1411هـ؛ الشهید الثاني،زین الدین، الروضة البهیة، تقـ: محمد کلانتر، قم، 1410هـ؛ الشیخ الأنصاري، المکاسب، قم، 1415هـ؛ صاحب الجواهر، محمدحسن، جواهر الکلام، بیروت، 1992م؛ الصدر، محمدباقر، اقتصادنا، بیروت، 1401هـ/ 1981م؛ الطوسي،محمد، الخلاف، تقـ: مهدي طه نجف وآخرون، قم 1417هـ؛ م.ن، المبسطو، تقـ: محمدتقي کشفي، طهران، 1387هـ؛ العلامة الحلي، الحسن، القواعد، قم، 1413هـ؛ فخرالمحققین، محمد، إیضاح الفوائد، تقـ: حسین موسوي الکرماني وآخرون، قم، 1387هـ؛ القرآن الکریم؛ الکلیني، محمد، الکافي، تقـ: علي‌أکبر الغفاري، طهران، 1391هـ؛ الماوردي، علي، الأحکام السلطانیة، تقـ: أحمد مبارک البغدادي، الکویت، 1409هـ/ 1989م؛ المحقق الحلي، جعفر، شرائع الإسلام،تقـ: صادق الشیرازي، طهران، 1409هـ؛ مسلم بن الحجاج، صحیح، تقـ: محمدفؤاد عبدالباقي، القاهرة، 1955م.

أحمد باقري/ ع.خ.

الصفحة 1 من10

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: