الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / الأرض /

فهرس الموضوعات

ویشیر أرسطو في المقالة 13 من الکتاب الثاني لأثره «في السماء» بعد نقل آراء الفلاسفة قبله والرد علی هذه الآراء، إلی هذه الملاحظة وهي أن شکل الأرض حتی و إن کان کوریاً، فإن بالإمکان اعتبار الأرض عائمة علی الهواء کما اعتبرها آناکسیمنس و أتباعه. فهو یری أن کبر الأرض هو، حسب استدلالهم، السبب الرئیس لبقاء الأرض عائمة ولیس کونها مسطحة. وعلی هذا فحتی إذاکانت الأرض کرویة، فسوف تتحصل النتیجة هذه نفسه إذاما ظلت محافظة علی کبرها. ثم یضیف: إن الأشخاص الذین تحدثوا حول کیفیة ظهور السماء (العالم)، یعتبرون تجمع الأرض في مرکز عالم الوجود حصیلة الحرکة التدویمیة، استناداً إلی أن الأشیاء الأکبر و الأثقل تتجه دوماً نحو مرکز الدوامة (أو الإعصار) و ذلک في السوائل و الهواء. وأما إذا بقیت الأرض الآنساکنة في موضعها قسراً، فإن الحرکة التدویمیة التي استقطبتها في المرکز، یجب أن تکون قسریة هي الأخری. و علی هذا فإنهم یعملون علی البحث عن سبب لسکون الأرض. ولکن لنفترض أن لا الحرکة التدویمیة ولاشکل الأرض الرحب یمنعان حرکة الأرض، فبأي اتجاه ستتحرک الأرض في هذه الحالة؟ لأن الأرض [حسب رأیهم] إما أن تکون قد استقطبت إلی المرکز قسراً، أو تکون ساکنة فیه قسراً أیضاً ولکن حرکتها الطبیعیة بأي اتجاه؟ ثم یذکر بعض الأدلة رداً علی نظریة ولادة العالم لإمپدکلس وأخیراً یعتبر وجهة نظر آناکسیمندر «توضیحاً جمیلاً ولکنه بعید عن الحقیقة» و یأتي بأدلة لدحضه (أرسطو، «في السماء»، II.13).

ثم یقیم أرسطو، خلال إشارته من جدید إلی آراء بعض الفلاسفة حول الحرکة الدورانیة، أو الانتقالیة للأرض، بعض الأدلة علی قسریة کلا النوعین من الحرکة و یری أن الحرکة القسریة لایمکن أن تکون أبدیة في حین أن نظام العالم أبدي، کما أنه یری أن جمیع الأجسام التي لها حرکة مستدیرة – سوی الفلک الأول – تتخلف في حرکتها، ولها عدة حرکات بدلاً من حرکة واحدة. و علی هذا، فإن الأرض لابد و أن تکون لها حرکتان مکانیتان سواء، دارت حول المرکز، أم حول نفسها. وإذا ماکان الأمر کذلک فسوف تلاحظ انتقالات و حوادث إلی الوراء في حرکة النجوم. وقد أشار أرسطو إلی حسابات علماء الریاضیات في الفلک و التي تتلاءم مع کون الأرض ساکنة في مرکز عالم الوجود، باعتبارها آخر دلیل (وأضعفه علی مایبدو) (ن.م، II.14). ولکن أبا الریحان البیروني کان قد أدرک – کما سنبین ذلک – بالنظر إلی نسبیة الحرکة أن الأمر سیان من الناحیة الریاضیة، سواء کانت حرکة الأرض دورانیة و سواء دارت السماء دورة واحدة في الیوم.

وقبل أرسطو فإن إیودوکسوس الکنیدوسي (ح 400-347ق.م) الذي قیل عنه إنه کان فیثاغوریاً في نهایة حیاته (دیوجینس لایرتیوس، 8u86؛ غاتري، V/ 447)، اقترح النظام الکوکبي السیاري للسماوات المتحدة المرکز، و ذلک من خلال طرح النظام الفلاولایوسي جانباً، والذي تدور الأرض بموجبه حول النار المرکزیة مثل الکواکب السیارة الأخری (ظ: تتمة المقالة)، واستناداً إلی عقیدة سکون الأرض في مرکز العالم، وذلک من أجل بیان حرکة الکواکب السیارة و النجوم من النحیة الریاضیة (ظ: أرسطو، المیتافیزیقا، 1073b16ff؛ أیضاً ظ: غاتري، V/ 450؛ هاکسلي، 466). وقد زاد کالیپوس وأرسطو من تعقید و صعوبة هذا النموذج (أرسطو، ن.م، 1074a-1073b). و بعد قرن، اقترح أبولونیوس البرغائي نموذج الأفلاک الحاملة والخارجة عن المرکز وأفلاک التدویر، حیث کان یری هو أیضاً أن الأرض ثابتة في مرکز العالم (ظ: تومر، «أبولونیوس»، 192-189؛ نویغه باور، 4,263-273).

وقد حددت الإرصادات الدقیقة لهیپارخوش نقائص نموذج أبولونیوس البسیط و أعد المواد اللازمة للشکل النهائي لمنظومة بطلمیوس بشأن الأرض المرکزیة (عن هذا الإرصاد، ظ: تومر، «هیپارخوس»، مخـ؛ نویغه باور، 273-343). وأخیراً قدم بطلمیوس في کتاب الاقتصاص، أو فرضیات الکواکب السیارة لنظام الأرض المرکزیة المعروف بالنظام البطلمیوسي وقد کانت هذه الفرضیات سائدة في العصر الإسلامي برمته والقرون المسیحیة الوسطی علی الفکر المتعلق بعلم الکون، بل إن کپلر استند إلیها في «سر العالم» و«انسجام العالم» (نویغه باور، 918؛ أیضاً ن.د، بطلمیوس، التکملة 1، الاقتصاص).

وقد ناقش بطلمیوس في الفصول 4-8 من المجسطي شکل الأرض وحجمها و ثباتها و دوران الأفلاک، و یمکن أن نجد هذه الاستدلالات بعینها حیناً، وبشيء من التخلیص حیناً آخر وأحیاناً مع ملاحظات جدیدة، في الآثار الفلکیة الأولی في العصر الإسلامي (والتي لم‌تتناول موشعاً واحداً خاصاً فقط) وکذلک في غالبیة التحریرات والتلخیصات وترجمات المجسطي مثل: الفرغاني في جوامع علم النجوم و الحرکات السماویة (ص 11-15؛ أیضاً ظ ابن‌ رسته، 12-14، الذي نقل النصوص بحذافیرها و سمی هذا الأثر علل الأفلاک في نفس الوقت)؛ ابن‌سینا في الفن الرابع من ریاضیات الشفاء في علم الهیئة (=تلخیص المجسطي، 20-26)؛ المسعودي المروزي، في جهان دانش (ص 17-23)؛ عبدالملک الشیرازي في تلخیص المجسطي (ص 7-10)؛ نصیرالدین الطوسي في تحریر المجسطي (الورقة 2 ب – 3 ب)؛ قطب‌الدین الشیرازي، في الفن الأول من الجملة الثالثة لکتاب درة التاج في العلم الطبیعي (4/ 24-26).

وقد ذکر بطلمیوس في الفصل 4 («حول أن الأرض هي أیضاً [کالأفلاک] مدورة بشکل محسوس في کلیتها»): یمکن أن ندرک من الفواصل الزمنیة بین خسوفات القمر و کسوفات الشمس، و خاصة خسوفات القمر و شروق الشمس و غروبها و القمر والنجوم الأخری أنها تشرق في المناطق الأکثر شرقیة قبل المناطق الموغلة في الغرب. وأما إذا کانت الأرض مقعرة فیجب أن یحدث عکس هذه الظاهرة (کأن تشرق الشمس في المناطق الأکثر غریبة بشکل مبکر أکثر). وإذا کانت الأرض بصورة شکل متعدد الوجوه، لرأي سکان کل وجه هذا الشروق و هذا الغروب بشکل متزامن. ولکن الأرض لایمکن کذلک أن تکون – کما ظن البعض – کأسطوانة یکون انحناؤها في نطاق الشرق – الغرب ووجهاها المسطحان باتجاه الشمال والجنوب. ذلک لأن أي نجم أبدي الظهور سوف لایکون لتلک السطوح المحدبة (سطح الأسطوانة الجانبي)، وسیکون لجمیع النجوم طلوع و غروب من وجهة نظر جمیع المراقبین الفلکیین. کما تختفي النجوم الجنوبیة أکثر تدریجیاً عندما یسافر شخص ما باتجاه الشمال، ولکن لظهر عدد أکبر من النجوم الشمالیة. وعلی هذا یتضح أن الأرض محدبة في المجالین الشمالي و الجنوبي أیضاً. وکذلک الحال في الأسفار البحریة فعندما نقترب من أي جهة إلی الجبال، أو المرتفعات تبدو هذه المواضع و کأنها کانت قد غرقت أولاً في الماء وإذا بها تخرج منه شیئاً فشیئاً و هذا ما یدلل علی انحناء سطح المیاه.

وقد ذکر بطلمیوس أیضاً في الفصل 5 («حول أن الأرض في مرکز السماوات»): إذا لم‌تکن الأرض في المرکز فمن الممکن أن تحدث ثلاث حالات: ألف- أن تکون الأرض واقفة فيمکان خارج محو العالم، ولکن فيمسافة تعادل قطبي العلام. وفي هذه الحالة: 1. سوف لایجرب سکان خط الاستواء أبداً تساوي اللیل والنهار، لأن أفق الناظر یقسم السماء دائماً إلی نصفین غیر متساویین. وهذا التساوي إما أنه سوف لایحدث لسکان المناطق الأخری أیضاً وإذا ما حدث فسوف لایکون في وسط الأنقلابین تماماً؛ 2. زیادة طول الیوم في الانقلاب الربیعي بالنسبة إلی طول الیوم في الاعتدالین، سوف لاتکون بمقدار نقصانه في الانقلاب الشتوي؛ 3. سوف یکون قیاس (القطر الظاهري في الحقیقة) ومسافة النجوم مختلفین عند الشروق و الغروب؛ 4. سوف لاتساوي الفاصلة الزمنیة لوصول کل نجم من الطلوع إلی وسط السماء، فاصلة وصوله من وسط السماء حتی الغروب. ب- أن تکون الأرض علی محور العالم ولکن قریبة من أحد القطبین، في هذه الحالة: 1. ستقسم دائرة الأفق السماء إلی قسمین متساویین ولکن علی خط الاستواء فقط. کما سیلزم أن یری الناظرون المتسقرون في مناطق غیر خط الاستواء أقل من نصف دائرة البروج في بعض الساعات، وأکثر من نصفها في ساعات أخری. في حین أن هناک 6 بروج بادیة لنا و 6 بروج خفیة عنا دوماً. 2. إذا کان الأمر کذلک، فسوف یکون نطاق الظل الشاخص علی صفحة موازیة للأفق مختلفاً بشکل محسوس في الاعتدالین و ذلک عند شروق الشمس، أو غروبها (الاعتدال یستغرق لحظة واحدة فقط في حین أن الشروق و الغروب تفصلهما عن بعضهما مدة 12 ساعة علی الأقل وبالتالي فإن هذین النطاقین مختلفان من الناحیظ الریاضیة، ولکن هذا الاختلاف طفیف للغایة). ج- خارج المحور مع المیل إلی أحد القطبین في نفس الوقت: في هذه الحالة سترد الإشکالات علی کلا الحالتین بالإضافة إلی هذه الحالة. وبصورة عامة فلو کانت الأرض غیر واقعة في وسط العلام تماماً، لتغیرت جذریاً جمیع مشاهداتنا بخصوص زیادي طول الیوم، أو نقصانه، ولما تحددت خسوفات القمر بالحالات التي یکون فیها القمر والشمس متقابلین بشکل نصف قطري. ففي هذه الحالة سیحدث أیضاً خسوف القمر في الحالات التي تکون فیها المسافة بین القمر والشمس أقل من نصف الدائرة.

ویری بطلمیوس في الفصل 6، استناداً إلی أن الأفق الحسي لایختلف اختلافاً محسوساً عن الأفق الحقیقي، أن الأرض تبدو قیاساً إلی حجم النجوم مثل نقطة (I-6)، أو «لیس لها مقدار لدی الفلک» علی حد تعبیر ابن سینا (ن.م، 24) (نسبة قطر الأرض إلی قطر فلک النجوم ضئیلة للغایة؛ أیضاً ظ: الفرغاني، 14؛ ابن رسته، 14؛ عبدالملک، 9؛ نصیرالدین، تحریر، الورقة 3آ؛ قطب‌الدین، 25).

وفي الفصل 7، تحدث بطلمیوس عن عدم إمکانیة الحرکة الانتقالیة کما تتطرق خلال ذلک إلی الشبهة المتمثلة في هذا التساؤل و هو کیف من الممکن أن تکون الأرض معلقة في وسط السماء دون أي سند؟ وأهم أدلة علی رد الحرکة الانتقالیة هو أن الأرض إذا تحرکت من المرکز فسوف تحدث نفس الحالات التي ذکرت سابقاً ... فإذا سقطت الأرض لأي سبب من الأسباب، فسوف لایصل حینئذ أي من أجزاء الأرض إلیها في تلک الجهة الخاصة (لأن الأرض أثقل من کل اجزائها وستسقط بشکل أسرع) ولبلغت الأرض السماوات أیضاً بسرعة بالغة ولفلتت منها، ولکن بعض الناس الذین قدموا وجهات نظر مقنعة للغایة (یتضح هنا أن أتباع نظریة الحرکة الدورانیة للأرض لم‌یکونوا قلیلین في عصر بطلمیوس)، یأخذون بما قیل حول الحرکة الانتقالیة، لأنهم لایمتلکون دلیلاً للرد علیها، ولکنهم یرون أنه لایمکن العثور علی أي شاهد لرد وجهة نظرهم هذه وهي إن السماوات ثابتة والأرض [المستقرة في المرکز] تدور حول محور العالم من الغرب إلی الشرق دورة واحدة في اللیل والنهار تقریباً (تقریباً من تلک الجهة التي یجب أن تدور فیها بطول یوم فلکي، لا الیوم المتعارف علیه) أو إن الأرض والسماء کلیهما في حالة دوران (في جهة ما) ولکن إحداهما تسبق الأخری (بحیث تصبح من الناحیة النسبیة إحدی الحالتین السابقتین؛ وإذا مادارت الأفلاک والأرض في جهتین متخالفتین بحیث یکون مجموع حرکة هاتین الکرتین دورة واحدة تقریباً في اللیل والنهار، فإن بزوغ النجوم وغروبها سیبدوان مع ذلک مثل الحالات السابقة فينظر المراقبین من الأرض؛ ومن الطریف أن ابن سینا یشیر إلی هذه الحالة بدلاً من الإشارة إلی الحالة الثانیة التي ذکرها بطلمیوس، في حین أن بطلمیوس لایوردلها ذکراً). ویقدمبطلمیوس في البدء نفس تلک الأدلة حول التساؤل التالي: کیف یمکن أن یدور جسم بحجم الأرض بهذه السرعة المثیرة للدهشة خلافاً لطبیعتها (ذلک لأن الحرکة الدورانیة لیست طبیعیة بالنسبة للأرض)، حیث کررت فیما بعد في العصر الإسلامي مرارً: إذا کان الأمر کذلک فیجب أن لانری أیةغیمة، أو طائر، أو متحرک باتجاه الشرق (طبعاً لجهة الحرکة التي ینسبها هذا الفریق إلی الأرض). لأن سرعة حرکة الأرض سوف تکون کبیرة کثیراً، حیث ستسبقها حتماً، وبالتالي سوف تبدو کلها في حالة حرکة باتجاه الغرب. ویری بطلمیوس أن قول الذین یعتقدون في الجواب علی هذا الاستدلال بأن الهواء أیضاً سیدور بما فیه مع الأرض وبنفس سرعتها و سیدورکل ما فیه بنفس سرعة الأرض والهواء وبالتالي فإنها سوف لاتتخلف عن الأرض، نقول إن بطلمیوس یری أن من المفترض في هذه الحالة أن لایری أي طائر، أوشيء أخر في حالة الحرکة نحو الشرق، أو الغرب، بل أن یبدو کل ذلک ساکناً.

آراء علماء العصر الإسلامي: تعتبر الآراء المتعارضة لمعتزلة بغداد والبصرة بخصوص شکل الأرض وکذلک سبب سکونها، من أقدم آراء العصر الإسلامي في هذا المجال، فقد کان أبوعلي الجبائي، زعیم معتزلة البصرة، یری أن الأرض مسطحة ولیست کرویة. ولکن ابنه أباهاشم الجبائي (ن.ع) تریث في هذاالأمر، ومال إلی نظریة کرویة الأرض، وأما أبوالقاسم الکعبي، أحد معتزلة بغداد الکبار، فلم یتردد في کرویة الأرض، وذکر أبورشید النیسابوری، تلمیذ أبي هاشم، الذي کان یسعی في المسائل في الخلاف بین البصریین والبغدادیین لأن یثبت صحةوجهات نظر معتزلة البصرة، ذکر أدلة أتباع کل من هاتین النظریتین. ومن جملة أدلةکون الأرض مسطحة أن الأرض لو کانت مدورة کما زعم البعض لکانت مسافاتها من جهات الفلک الأخری (الحدود) متساویة، مثل مسافة النقاط المحیطة بالدائرة عن المرکز، ولوکان الأمر کذلک لاستلطم أن لاتبدوا الشمس عند الشروق والغروب أکبر مما هي علیه عندما تکون في وسط السماء. فاستناداً إلی الرأي القائل بکرویة الأرض فإن مسافة الشمس متماثلة في هذه الحالات (أبورشید، 101). ولکن الفلکیین المسلمین کانوا یعرفون هذه الظاهرة، وعلی سبیل المثال، فإن الفرغاني الذي کان یعیش قبل حوالي قرن من هؤلاء المتکلمین تحدث عن سبب ذلک (ص 10) وکان ابن رسته (تـ 290هـ) العالم الجغرافي مطلعاً علی هذا الموضوع أیضاً بواسطة أثر الفرغاني (ص 11). ونقل أبورشید أدلة أرسطو و بطلمیوس علی کرویة الأرض، ثم ردها و أخذ بالرأي القائل بکون الأرض مسطحة (ص 101-104).

وکان أبوالهذیل العلاف (ن.ع) والبعض الاخر یرون أن الله جعل الأرض ساکنة فسکنت ثم وضعها دون أن تستند إلی شيء (الأشعري، 326؛ قا: المقدسي، 2/ 51؛ یاقوت، 1/ 14). ویذکر المقدسي، أن هشام بن الحکم (تـ ح 190هـ/ 806م) کان یری أن تحت الأرض جسماً شأنه الصعود کالنار والریح و هو الذي یمنع الأرض من السقوط، وذلک الشيء لایحتاج بذاته إلی شيء آخر کعمود لأنه لیس مما ینحدر، بل هو صاعد بذاته (ن.ص؛ قا: الأشعري، ن.ص، حیث تشاهد اختلافات ملفتة للنظر في روایاته). واستناداً إلی المقدسي(ن.ص؛ یاقوت، ن.ص) أن البعض قال: الأرض ممزوجة من جنسین: خفیف و ثقیل، فشأن الخفیف الصعود وشأن الثقیل السقوط وکل منهما یمنع الآخر من الجهة التي یرید الذهاب إلیها لأن تدافعهما بشکل متساوٍ (قا: روایة الأشعري، ن.ص، حول هذا النظر الذي یشبه نظر أبي هاشم الجبائي: لایجوز أن یقال إن الأرض أصبحت ساکنة، لأن الله جعلها ساکنة شیئاً فشیئاً (هذا القسم شبیه بکلام أبي الهذیل) ومن الجائز أن یقال إن نصفها السفلي یروم السعود والنصف العلوي یروم السقوط و علی هذا فإنهما یستندان إلی بعضهما البعض، ظ: أبورشید، 192).

وکان أبوالقاسم الکعبي الذي کان یعتبر الأرض کرویة، یری أن الأرض في مرکز العالم وأن مواقع الفلک الأخری أعلی بالنسبة إلیهما. فلو تحرکت الأرض في تلک الجهة التي نسمیها السفلی، فإنها تکون في حالة صعود في نظر الذین یعیشون في الجانب الآخر من الأرض، ولیس من الجائز أن یقفز الشيء الثقیلمن مرکز الأرض. ویناقش أبورشید هنا أیضاً بشکل متصل وجهة نظر أبي القاسم الکعبي ویورد علی حد زعمه شواهد في ردها وصحة رأي معتزلة البصرة (ص 192-194). ویذکر أبورشید فينهایة المطاف هذه النظریة التي هي علی مایبدو تحریر لوجهة نظر آناکسیمندر فیقول إن الأرض ساکنة في مرکز الأفلاک لأن الفلک یجتذبها باتجاهه بشکل متساوٍ من کل جانب، أو یطردها عن نفسه بشکل متماثل، إلا أن عدم صحة هذا الرأي واضح تماماًمن وجهة نظره (ص 195؛ ابن سینا، الشفاء، الطبیعیات، «السماء و العالم»، 56، 59-60؛ یاقوت، 1/ 14-15) ویذکر الأشعري أن البعض قال أیضاً إن الله یخلق في کل «آن» شیئاً تحت الأرض ثم یزیله في آن آخر وحینما یزیل هذا الجسم یخلق جسماً آخر والأرض تستند إلی هذا الجسم ولایجوز أن یسقط هذاالجسم في حال ظهوره ولأنه لایستطیع الحرکة في لحظة الحدوث، فإنه لایحتاج إلی مسند ویبقی ساکناً [ویمسک الأرض] (ن.ص). وکتب أبوبکر محمد بن زکریا الرازي، 3 رسائل حول کرویة الأرض، وقوعها في مرکز العالم (= رد الحرکة الانتقالیة) ورد الحرکة الدورانیة، إلا أنه لم‌یصلنا أي منها (البیروني، رسالة ...، الأرقام 99-101؛ قا: ابن أبي أصیبعة، 1/ 318؛ ابن الندیم، 300-302).

وقد أشار المراکشي أیضاً إلی رد الرازي علی الحرکة الدورانیة في أثر باسم الملخص (2/ 74-75).

ولم‌یضف ابن‌سینا في تلخیص المجسطي (الشفاء، الریاضیات، الفن الرابع) ملاحظة تستحق الاهتمام إلی استدلالات بطلمیوس وحسب، بل إنه ذکر استدلاله حول عدم إمکانیة حرکة الأرض الدورانیة (التي هي من وجهة نظره طبیعیة و لیست تعلیمیة) باختصار شدید وأحال القارئ إلی قسم الطبیعیات من الشفاء (ن.م، 24-25). وهذه هي استدلالات ابن‌سینا في هذا القسم: الأرض واقعة في مکانها الطبیعي فلیس لها إذن حرکة خطیة، ولیس لها طبعاً حرکة مستدیرة لأن حرکة التراب الطبیعیة مستقیمة. وأما کلام الأشخاص الذین یقولون إن الأرض في حالة سقوط دائماً (إحدی حدسیات سیمپلکیوس في تفسیر کلام کسنوفانس الذي سبق ذکره، أیضاً : المقدسي، 2/ 51)، فإنه یثیر الدهشة. ففي هذه الحالة کیف کان بمقدور المَدَر أن یصل إلی الأرض في حین أن الجوهر الترابي یسیر بشکل أسرع کلما کان أکبر فکیف بالأرض کلها. وقیل أیضاً إن الجهات التي تقع الحرکة الطبیعیة فیها متناهیة. ولکن کلام أولئک الذین یقولون إن للأرض حرکة مستدیرة و إن الفلک ساکن وإن شروق الشمس و غروبها یحدثان علی أثر حرکة الأرض ولیس من حرکتها، وبناء علی ماقیل (عدم کون الحرکة المستدیرة طبیعیة بالنسبة للأرض) هو کلام فاسد. وکذلک لأن الحجارظ تسقط في المجال الشاقولي في حین أن الأرض لوکانت تدور لسقطت الحجارة في مسار مائل ولتخلفت عن الأرض وکذلک لو أن شخصاً ألقی عمودین أحدهما باتجاه الشرق والآخر باتجاه الغرب فلیس من المفترض أن تتساوی مسافة نقطة سقوط هذین العمودین (الشفاء، الطبیعیات، «السماء والعلام»، 55). وقد ذکر علی سبیل المثال في الفن الأول من الطبیعیات («السماع الطبیعي»، 42) عند البحث حول المقدمات الطبیعیة والتعلیمیة: إن قال عالم طبیعي إن الأرض إن لم‌تکن کرویة، لما أصبحت حاشیتها علی القمر في الخسوف هلالیة، فاعلم إنه قد خلط بین الطبیعي والتعلیمي (ن.م، 42). وقال أیضاً في فن «السماء والعالم» من الشفاء حول کرویة الأرض: لو لم‌یکن سطح الماء مستدیراً، لبدت السفینة کلها عندما تبدو من بعید، غایة ما في الأمر أنها ستشاهد بحجم أصغر؛ في حین أن ساریة السفینة ستبدو أولاً عند اقترابها ثم صدرها (ص 20) وکذلک لو کان سطح الماء مستقیماً لکان جزءه الأوسط أقرب إلی المرکز بالنسبة إلی جزئیه الجانبیین ولکان من المفترض أن یمیل الجانبان نحو الوسط (ن.م، 20-21). وقد طرح، دون أن یذکر أحداً آراء الفلاسفة الیونانیین ومعتزلة بغداد أیضاً ثم رد علیها (ن.م، 56-63). وفضلاً عن ذلک، فقد کتب ابن سینا رسالة مستقلة أیضاً بعنوان في علة قیام الأرض وسط الفلک مخاطباً فیها أباالحسن (أباالحسن) السهلي (أو السهیلي) الوزیر العلام والراعي للعلم في بلاط الخوارزمشاهیین من آل مأمون، وأما المقدمات التي طرحها في هذه الرسالة فهي کالتالي: 1. تناهي الجهات؛ 2. في أن الجهات لاتوجد ولاتتصور البتة، إلا أن یکون جسم موجود له إحاطة علی الأجسام، أو الفضاء؛ 3. في أن لکل جسم مکاناً طبیعیاً؛ 4. في أن الحرکة المستقیمة لاتکون طبیعیة للجسم علی الإطلاق؛ 5. في أن کل حرکة طبیعیة مستقیمة متناهیة؛ 6. في أن کل جسم إذا کان في موضعه الطبیعي فإنه لایتحرک عنه طبعاً. ثم یذکر بعد الإشارة إلی مسائل مثل في عدم التعجب من قیام الأرض في وسط الفلک، المثال المعروف في کیفیة السقوط في بئر فرضیة أن تمر من مرکز الأرض وغیرذلک، ویؤکد أخیراً بعد الاستناد إلی هذه المقدمات أن الأرض ساکنة دون سند في وسط السماء (ابن‌سینا، «علة قیام...»، 442-454).

الصفحة 1 من10

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: