الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / الأرض /

فهرس الموضوعات

والشکل الآخر مما سبق الحدیث عنه، النظر إلی الأرض باعتبارها زوجاً مؤنثاً للسماء (الأرض – الزوجة). واستناداً إلی الآیات القرآنیة، فإن الأرض تتمتع بالحیاة، و حیاة الأرض – الزوجة المیتة تتجدد بنزول الماء من السماء و تنبت من هذا الماء الأشجار و الأعشاب من الأرض (ظ: البقرة/ 2/ 164؛ الأعراف/ 7/ 57؛ النحل/ 16/ 65؛ الفرقان/ 25/ 48-49؛ الروم/ 30/ 24). ولذلک تذکر السماء کرجل و الأرض کامرأة و أولادهما الموالید من النباتات والحیوانات (ناصرخسرو، ن.م، 261) و تتمتع بعلاقة مکملة (النسفي، کشف، 224-225؛ أیضاً ظ: ناصرخسرو، ن.ص).

واستناداً إلی کون السماء و الأرض مکملین لبعضهما البعض بمثابة الرجل والمرأة، یمکن القول إن آدم و حواء هما نظیر هذا الزوج في الکون الصغیر والآیات القرآنیة الدالة علی أن الناس خُلقوا من نفس واحدة، تدل علی أن آدم و حواء انفصلا عن بعضهما في الطول علی صعید الخلق، وفي العرض علی صعید التجلي (ظ: الأنبیاء/ 21/ 30) والأرض في هذا الجانب هي زوج السماء و التي تتولد منها، کما خلقت حواء من آدم (ظ: هذه المقاله: خلق الأرض،الإشاره إلی الرتق) و هما الآن یشکنان إلی بعضهما البعض علی صعید التجلي (قا: الأعراف 7/ 189).

وقد حظي هذا التناظر باهتمام الحکماء المتصوفة، فابن عربي یری العلاقة بین الأرض و السماء باعتبارها نوعاً من العلاقة الزوجیة و یشیر عزیزالدین النسفي إلی تناظر السماء و الأرض مع آدم و حواء (کشف 222) و یعتبر ناصرخسرو (گشایش...، 35) الرجل کالعالم العلوي (السماء) والمرأة کالعالم السفلي (الأرض) و هو یُرجع في بسطه لهذه الفکرة، الذکورة إلی حقیقة العقل والأنوثة إلی حقیقة النفس في العالم الروحاني (ن.ص) و هکذا، یشیر إلی تناظر السماء و الأرض مع العقل المذکر و النفس المؤنثة.

ومع الأخذ بنظر الاعتبار خلفیة فکرة الأم – الأرض وبالتالي خصوبة الأرض وقدرتها علی الإنجاب في السنن و الأساطیر القدیمة (ظ: إلیاده، «أساطیر»، 156 و مابعدها، «نماذج»، 239 ومابعدها)، فإن الوجه الجوهري و التعبیر القرآني المتمثل في «المهد» للأرض والذي سبقت الإشارة إلیه، یمکن أن یؤخذ أیضاً بنظر الاعتبار کمبین لمثل هذا التعبیر عن الأرض (الأم – الأرض) في السنة الإسلامیة. ومن جهة أخری، فکما أن الجوهر یشمل الأعراض و یستحیل إلی الأصل، فإن الأرض باعتبارها العاکسة لـ «الجوهر» تتولی هذه الوظیفة، وبالتالي فهي مطهرة (في هذا الشأن لدی السنن الأخری، ظ: إلیاده، ن.م، 254). وفي الحقیقة فإن منسک التیمم ومراسیم دفن الموتی وفقاً للقراءة الرمزیة یقومان علی نفس هذا الدور «الجوهري» للأرض في استحالة الأعراض.

واستمراراً في البحث، تمکن الإشارة أیضاً إلی ترمیز العدد «اثنین» وعلاقته بالأرض؛ ذلک لأن الأرض «منفعلة» و «مستقبلة»، کما أنها تتمتع بقابلیة «الخصوبة» و «الولادة» و هذا مایدل علی عمل الأرض الخاص في تجسید «عالم الشهادة و التکثر»، في حین أن «الاثنین» هو رمز الزوجیة «بدایة التکثر» (أیضاً ظ: یس/ 36/ 36). ویشیر النسفي أیضاً إلی السماوات و الأرض «الخاصة» بکل مرتبة من مراتب العالم (الجبروت و الملکوت و الناسوت) ویقول بناء علی هذا الترتیب ستکون 3 أراضٍ (أصلیة) و 3 سماوات (أصلیة)، و علی هذا الأساس فإنه حینما یعبر عن «الیوم» بـ «المرتبة»، فإنه في تفسیر الآیة 54 من سورة الأعراف التي تشیر إلی الخلق في 6 أیام یعتبر هذا الخلق في 6 مراتب (الإنسان، 221-222).

 

تساوي القیمة الرمزیة للأرض والجسم المطلق للإنسان

اعتبر جسم الإنسان في علم الکونیات الرمزي الإسلامي، وخاصة استناداً إلی الآیات القرآنیة في خلق الإنسان من «الطین» (الأنعام/ 6/ 2) تجسم الأرض باعتباره الکون الصغیر و اعتبرت الأرض تجسم الکون الکبیر لبدن الإنسان (ظ: ابن عربي، ن.م، 2/ 257؛ الفرغاني، 126؛ أبوالفتوح، 4/ 43). وعلی هذا الأساس، فإن کان قالب الإنسان «أرض الکون الصغیر»، فلابد أن یجتمع أیضاً علی طبائع «الأرض» و إمکانیاتها؛ ویدخل في هذا الإطار أیضاً الإشارة إلی خلق آدم من مختلف أتربة الأرض (الجامعیة): من حَزْنِ الأرض و سهلها و عذبها و سَبَخِها وتربةً سنّها بالماء حتی خلصت (نهج‌البلاغة، الخطبة 1) و إشارات إلی تساوي القیمة الرمزیة لـ «مرکز الأرض» (الکعبة) و «مرکز وجود الإنسان» (القلب) (مثلاً ظ: النسفي، کشف، 228). ویقول النسفي عند الحدیث عن أرض عرفات التي هي «أرض وجود الإنسان» إن «جملة الخلائق» الذین یقصدون الکعبة (الرجعة إلی الأصل و المرکز، في الکون الصغیر «القلب»)، فإنهم یتوجهون لتلک الأرض (ن.م، 227).

وتماشیاً مع‌هذه الفکرة، یشیر ابن‌عربي من منظار آخر إلی تناظر الجسم و الروح مع الأرض والشمس (التي هي في السماء) وکذلک إلی تساوي القیمة الرمزیة للعظام في أرض الجسم مع الجبال التي هي کالأوتاد الحافظة (شجرة الکون، 60-61). وافترض المیرالداماد الأنوار العقلیة لعالم القدس شمساً، والنفس بمنزلة القمر، والجسم جرم الأرض («الجذوات»، 19). ومن منظار آخر، إذا کان الإنسان واقفاً بین السماء و الأرض، فإن قالبه «الأرض» و روحه السماء (ظ: النسفي،ن.م، 222؛ أیضاً ظ: گنون، «الثلاثي»، 65-69). ومما یستحق التأمل أیضاً تفسیر الآیة 17 من سورة الرعد بأنها أودیة القلوب في أرض النفس، حیث تدب فیها الحیاة من جدید بمطر «سماء الروح» (ماء المعفرة (تفسیر القرآن الکریم، 1/ 638-639).

 

العناصر الأربعة

لقد تطرق سعیدالدین الفرغاني (ص 388) خلال شرحه تفکیک «لطائف» المحسوسات و «کثائفها»، إلی بیان «رتق» الأرض من اجتماع تلک الکثائف المتمیزة عن بعضها البعض (الماء، التراب، النار و الهواء.). وخلال ذلک، تنبسط و تتمیز أجزاء تلک الکثائف المجتمعة و غیر المتمیزة علی أساس حکم التکوین الإلهي، فنجمت عنها بالتالي کرة الأثیر التي هي الماء، کرة الهواء، کرة الماء و کرة التراب التي هي الأرض (أیضاً ظ: ابن قرچغاي خان، 352 ومابعدها). وبعبارة أخری، یبدو أن کرة «الأرض» الأثیریة محیطة بالعناصر الأربعة و«جامعة» لها، وکرة «الأرض» الترابیة، التي هي الأعمق والمحاطة بالکرات الأخری، صورة لهذه الجامعیة، و لکن مع غلبة التراب فیها، کما یمکن الأخذ بنظر الاعتبار الحقائق الأربعة – الکیفیات الأربع الکامنة في الجوهر الأول العدیم الشکل – التي تتعین علی شکل الأرکان الأربعة لـ «البیت العتیق»، وتدحی الأرض من تحتها، باعتبارها المثل الأعلی لهذه العناصر الأربعة (لتفصیل ذلک، ظ: ن.د، العنصر).

 

معادن الأرض

ظ: ن.د، المعدن.

 

المصادر

ابن أبي‌الحدید، عبدالحمید، شرح نهج‌البلاغة، تقـ: محمد أبوالفضل إبراهیم، القاهرة، 1378هـ/ 1959م؛ ابن عربي، محیي‌الدین، شجرة الکون، تقـ: گل بابا سعیدي، طهران، 1376ش؛ م.ن، الفتوحات المکیة، تقـ: عثمان یحیی، القاهرة، 1392هـ/ 1972م؛ ن.م، بیروت، دار صادر؛ ابن قرچغاي خان، علي قلي، إحیاي حکمت (المشتمل علی الطبیعیات)، تقـ: فاطمة فنا، طهران، 1377ش؛ ابن کثیر، البدایة؛ أبوالشیخ الأصفهاني، عبدالله، العظمة، الریاض، 1411هـ؛ أبوالفتوح الرازي، روح الجنان، قم، 1404هـ؛ بورکهارت، تیتوس، «نظري به أصول و فلسفۀ هنر إسلامي»، تجـ: غلامرضا أعواني، جاویدان خرد، 1355ش، س 2، عد 2؛ تفسیر القرآن الکریم، المنسوب لابن عربي، بیروت، دارالیقظة العربیة؛ تفسیر قرآن مجید، تقـ: جلال متیني، طهران، 1349ش؛ الراغب الأصفهاني، حسین، مفردات ألفاظ، القرآن، تقـ: صفوان عدنان داوودي، دمشق/ بیروت، 1412هـ/ 1992م؛ ستاري، جلال‌ پژوهشي در قصۀ یونس و ماهي، طهران، 1377ش؛ السیوطي، الدر المنثور، بیروت، 1411هـ/ 1990م؛ م.ن، «الهیئة السَّنیة في الهیئة السُّنیة»، تقـ: أ.م. هاینن، مع علم الهیئة الإسلامي، بیروت، 1982م؛ الطبرسي، الفضل، مجمع البیان، تقـ: هاشم الرسولي المحلاتي، بیروت، 1408هـ؛ الطبري، تاریخ؛ م.ن، تفسیر، بیروت، 1405هـ؛ الطوسي، محمد، التبیان في تفسیر القرآن، تقـ: أحمد حبیب قصیر العاملي، النجف، 1383هـ/ 1964م؛ العهد القدیم؛ الفرغاني، سعید، مشارق الدراري، تقـ: جلال‌الدین الآشتیاني، طهران، 1357ش؛ القرآن الکریم؛ قرشي، أمان الله، آب و کوه در أساطیر هند و إیراني، طهران، 1380ش؛ القرطبي، محمد، الجامع لأحکام القرآن، تقـ: أحمد عبدالعلیم البردوني، القاهرة، 1372هـ؛ القزویني، زکریا، عجائب المخلوقات، القاهرة، 1376هـ؛ المجلسي، محمدباقر، بحارالأنوار، بیروت، 1403هـ/ 1983م؛ المقدسي، المطهر، البدء والتاریخ، تقـ: کلمان هوار، باریس، 1899م، 1901م؛ مولوي، مثنوي، تقـ: ر. أ. نیکلسون، طهران، 1382ش؛ المیرالداماد، محمدباقر، «الجذوات»، مع الجذوات و المواقیت، تقـ: علي أوجبي، طهران، 1380ش؛ م.ن، «المواقیت»، ن.م؛ ناصرخسرو، جامع الحکمتین، تقـ: هنري کوربن و محمدمعین، طهران، 1332ش/ 1953م؛ م.ن، گشایش و رهایش، تقـ: محمد الهونزایي، لندن، 1999م؛ النسفي، عزیزالدین، الإنسان الکامل، تقـ: ماریجان موله، طهران، 1379ش/ 2000م؛ م.ن، زبدة الحقائق، تقـ: حق وردي ناصري، طهران، 1381ش؛ م.ن، کشف الحقائق، تقـ: أحمد مهدوي الدامغاني، طهران، 1359ش؛ نصیرالدین الطوسي، روضۀ تسلیم، (تصورات)، تقـ: جلال حسیني بدخشاني، لندن، 2005م؛ نهج‌البلاغة؛ همداني، محمد، عجائب‌نامه، تقـ: جعفر مدرس صادقي، طهران، 1375ش؛ وأیضاً:

Bennett, C., «Islam», Sacred Place, ed. J. Holm, London/ New York, 2001; Burckhardt, T., Alchemy, tr. W. Stoddart, Cambridge, 1967; id, Introduction aux doctrines ésotériques de l’Islam, Paris, 1969; id, Mirror of the Intellect, tr. And ed. W. Stoddart, Cambridge, 1987, id, Sacred Art in East and West, tr. Northbourne, Bedfont, 1976; Chittick, W. C. The Sufi Path of Knowledge, New York, 1989; Corbin, H., Spiritual Body and Celestial Earth, tr. N. Pearson, Princeton, 1977; id, Temple and Contemplation, tr. Ph. Sherrard, London, 1986; Eliade, M., Le Mythe de l’éternel retour, Paris, 1969; id, Myths, Dreams and Mysteries, tr. Ph. Mairel, London/ Glasgow, 1971; id, Patterns in Comparative Riligion, tr. R. Sheed, London, 1971; Guénon, R., Fundametat Symbols, tr. A. Moore, Cambridge, 1995; id, The Great Triad, tr. P. Kingsley, Cambridge, 1991; id, The Reign of Quantity and the Signs of the Times, tr. Northbourne, London, 1953; id, Symbolism of the Cross, tr. A. Macnab, London, 1958; Murata, S., The Tao of Islam, Lahore, 2001; Schuon, F., Dimensions of Islam, tr. P. N. Townsend, London, 1969; id, ToHave a Center, Bloomington, 1990; id, Images de l’Esprit, Paris, 1961.

شهرام خداوردیان/ ع.خ.

VI. الأرض في الفن الإسلامي

تشمل مجموعة من الآثار الفنیة التي أبدعها الفنانون المسلمون علی مر القرون، مواضیع مختلفة ترتبط بالأرض. و إن ما تبلور في أذهان المسلمین من تعالیم القرآن الکریم و التفاسیر والروایات المختلفة باعتبارها معتقدات دینیة تهيء الأرضیة المناسبة للفنان کي ینظر إلی الأرض مع تنوع في الرؤیة. وبناء علی هذا الأساس، یجسد الفنان المسلم الأرض في أثره الفني لوحدها، أو إلی جانب السماء. وینعکس النوع الأخیر، خاصة بمظهرین رئیسین، أي المظهر المضموني و المظهر الهندسي – الرمزي. وتتمثل أهم میزة للآثار ذات النظرة الجزئیة في اتّباع الفنان بشکل کامل نسبیاً للروایات والمعتقدات الدینیة. وفي هذه الآثار تظهر إمکانیة تجسید بعض الأفکار الدینیة، أیضاً، فضلاً عن أن المعتقدات الدینیة یتم التعبیر عنها بأشکال فنیة مختلفة عن طریق الکلام واللفظ.

 

1. النظرة الکلیة في موضوع الأرض

ألف – المظاهر المضمونیة

خلال دراسة الفن الإسلامي في موضوع الأرض، دون الالتفات إلی تاریخ، أو مکان خاص، یمکننا ملاحظة کرویة الأرض في الآثار والأشیاء، و خاصة في الرسوم. وعلی سبیل المثال، فإن الکرة التي نشاهدها في لوحة مجموعة الفکیین (من القرن 10 هـ) هي من هذا القبیل (ظ: صبرة، 200؛ قا: القزویني، 151). کما یجب ذکر مجموعة من الرسوم المتعلقة بعهد التیموریین في الهند، حیث نری فیها جهانکیر (و في أحد هذه الرسوم، شاه جهان) ومعه کرة. و نلاحظ في أحد هذه الرسوم شاه جهان واقفاً علی کرة، فیما حلق فوق رأسه عدد من الملائکة (بیتش، 186). ونری في رسوم أخری، جهانکیر وقد أمسک بکرة (م.ن، 184)، أو واقفاً علی کرة، أو جالساً وقد وضع رجلیه علیها (م.ن، 96) والملائکة محلقة فوق رأسه (م.ن، 187).

ویوجد في هذه المجموعة رسم آخر یُظهر لنا جهانکیر والشاه عباس وقد احتضن أحدهما الآخر و وقفا علی کرة (م.ن، 169). ومن الملفت للنظر أن الفنان سعی في هذه الآثار، لأن یبرز بشکل فني من خلال الفصل بین الأرض والسماء، برسم «الکرة الأرضیة» والتقابل القدیم بین «الفوق و التحت» والفکرة المتمثلة في إمکانیة السیطرة علی الأرض. ومن المفاهیم القابلة للدراسة في أحد هذه الآثار، انعکاس فکرة قدیمة في بعض الروایات الإسلامیة، أي موضع استقرار الأرض و وضعها في طبقاتها الأسطوریة. وتستقر الأرض حسب هذه الفکرةعلی کاهل ثور، والثور علی ظهر حوت (ظ: الثعلبي، 4). وقد رسم الفنان في إحدی هذه المنمنمات، جهانکیر وهو واقف علی الکرة الأرضیة،فیما استقرت الکرة الأرضیة بدورها علی کاهل ثور، و الثور علی ظهر حوت (ظ: یورک لتیش، لوحة 46؛ قا: إتینغهاوزن، «رسم الصور....»، 629).

وقد اکتفی الفنان في مجموعة من الآثار و الرسوم، برسم قسم من الأرض مع الأخذ بنظر الاعتبار قطعة مستقلة، أو قطعة خاصة. وقد افترض الفنان في هذه الآثار، الأرض منفصلة عن المعتقدات الدینیة، ونظر إلیها باعتبارها مجرد موطن لحیاة الإنسان وجسّد قسماً من الربع المسکون من وجهه نظر فنیة من خلال تقطیعها الترکیز علی أرض خاصة، کما تم إظهار أماکن مقدسة مثل الکعبة (ظ: لویس، 43، لوحتان 5-6؛ غراي، 73)، وعلی نطاق أوسع، أماکن أسطوریة مثل جزیرة واق الواق (عکاشة، التصویر الفارسي...، لوحة 135؛ «غرائب...»، 273-274)، أو المدینة التي أُظهرت للنبي (ص) خلال المعراج («المنمنمات...»). وتم في نماذج أخری، رسم بلدان الشعوب المسلمة مثل بلاد مصر (ظ: لویس، 44، لوحة 10)، والتوزیع الجغرافي لقبائل الترک (غولدن، لوحة 5؛ أیضاً ظ: الکاشغري، II، الخریطة؛ لنماذج أخری، ظ: «منتخبات...»، لوحات 15, 17, 19, 21؛ صبرة، 198؛ تیتلي، 152، لوحة 55).

وتطالعنا في هذا النوع من الآثار، بعض الرسوم التي رسم فیها الفنان قسماًمن الأرض، دون أن یقصد إظهار نقطة جغرافیة خاصة (علی سبیل المثال، ظ: غراي، 68).

ویمکننا أن نتتبع في الروایات الإسلامیة، إقامة العلاقة و الترابط بین الأرض والسماء، وعلی نطاق واسع، باعتبارها قضیة قدیمة للإنسان. وعلی سبیل المثال، فقد وردت الإشارة في بعض الروایات إلی دیک عظیم الجثة، قدماء علی الأرض و رأسه في السماء؛ وقد صورا لفنانون المسلمون مثل أحمد موسی هذه الروایة و خلقوا منها بعض المنمنمات (ظ: عکاشة، التصویر الإسلامي، لوحة 147؛ «معراج‌نامه ...»، 16؛ إتینغهاوزن، «منمنمات...»، 247). وقد تحققت إقامة هذه العلاقة في الرسوم الإسلامیة بأسالیب مختلفة اعتباراً من هبوط آدم و حواء من الجنة إلی الأرض (ستشوکین، لوحة VIII؛ عکاش، ن.م، لوحة 118)، وحتی المناسبات المختلفة لحضور ملائکة السماء فوق الأرض، وفي هذه المواضع تؤدي الملائکة دور الوسیط والرابط، من خلال نظرة شاملة إلی الأرض والسماء.

ومن خلال دراسة أنواع نماذج الارتباط بین السماء والأرض بواسطة الملائکة، یشیر حضورها فوق الأرض إلی تحول الکائنات الأرضیة إلی سماویة أحیاناً، و إلی تحول الکائنات السماویة إلی أرضیة أحیاناً أخری. وتوجد من النوع الأول نماذج یمکن أن نذکر من بینها هبوط الملائکة علی الأرض عند ولادة نبي الإسلام (ص) (عکاشة، ن.م، لوحتان 67، 110)، نزول الملک علی النبي یوسف (ع) (أثر من القرن 8 هـ موجود في مکتبة تشستربیتي، ظ: رابینسون، 45) وحضور الملک (و الکبش أیضاً) فوق الأرض في قصة ذبح إسماعیل (ع) (بلوشه، لوحة CXXX؛ عکاشة، ن.م، لوحة 92؛ أیضاً ظ: «منتخبات»، 39). و کنموذج علی المجموعة الثانیة یمکن ذکر منمنمة هاروت وماروت في بئر بابل (عکاشة، التصویر الفارسي، لوحة 133)، حیث صور فیها الفنان روایة العقوبة الإلهیة لهذین الملکین. ومما یجدر ذکره في نظرة إزاء النظرة السالفة، فإن اتجاه الارتباط هو من الأسفل إلی الأعلی و من الأرض إلی السماء، و یتمثل نموذجه الأعلی في المنمنمت المتعلقة بمعراج النبي (ص) (ظ: ن.د، أحمد موسی؛ أیضاً ظ: یورک لیتش، 225، لوحة 65؛ پاپادوپولو، لوحة 531).

 

ب- المظاهر الهندسیة. الرمزیة

یتمتع الشکلان الهندسیان المتمثلان في الدائرة والمربع اللذین یرمزان إلی السماء و الأرض علی التوالي في نطاق واسع من السنن و التقالید، بأهمیة خاصة في آثار الفن الإسلامي أیضاً، فالدائرة رمز لحرکة السماء المتواصلة و الدائریة، و المربع رمز ثبات الأرض و منعتها و في هذا الإطار تجسد القبة فوق الأبنیة في العمارة الإسلامیة، رمز قوس السماء، و البناء نفسه بشکله الهندسي المربع، رمز الأرض، حیث یجسد لنا ذلک اثنینیة السماء و الأرض (دوبوکور، 104؛ هوهنه‌گر، 29-31؛ أیضاً بورکهارت، «نظري...»، 35 ومابعدها).

ویلاحظ سعي الفنان المسلم لعرض هذا الارتباط و التوفیق، خاصة في عمارة المساجد. ویرمز مرکز قبة المساجد إلی مبدأ الوحدة (نصر، 45) واتصال السماء بالأرض في الموضع الذي یتجه فیه المصلي إلی المحراب لیعبد الله (میشون، 68).

وخلال ذلک، یری بورکهارت أن المقرنصات، فضلاً عن جانب الزخرفة في العمارة الإسلامیة، تنقل ثقل القبة الکرویة إلی الأضلاع والزوایا و هي عامل اتصال القبة بقاعدتها المربعة و تمکن مقارنة ذلک مع نسبة السماء إلی الأرض والارتباط بینهما (هنر إسلامي، 84-85، لوحات 47-51؛ «طومار طوبقابي»). ونحن نلاحظ أفضل نموذج للتوفیق بین الدائرة والمربع في الکعبة و الطواف حولها (عزام، 169، 171).

وخلال ترمیز السماء و الأرض، عرضت السماء علی شکل دائرة والأرض علی أشکال متعددة الأضلاع منتظمة؛ فإن نماذج لانظیر لها وکثیرة مننصب القاشاني في الأبنیة، خاصة في المساجد و التي تضم نقوشاً لتقسیم الدائرة و إیجاد الأشکال المنتظمة، تذکرنا بالتقابل بین السماء و الأرض (ویلسون، لوحات 18, 19, 39, 45؛ هیل، لوحتان 160, 238). وقد یدل مبدأ الدائرة أحیاناً علی السماء، فیما یشیر الدوران إلی صفة للأرض، بمعنی أن نقوش الدوائر التي تدور حول محور واحد، تجسد الارتباط بین السماء و الأرض، و مما یجدر ذکره أن البعض اعتبر الرقص والسماع الدورانیین مستقین من النزعة الرمزیة الکونیة، حیث یجسدان الشکل المثالي للاتصال بین الأرض و السماء عند بلوغهما الذروة واشتداد الدوران (دوبوکور، 88). ومن هذا الباب أیضاً، توظیف الدوائر المتداخلة بشکل واسع في النقوش المتبقیة (لنموذج علی ذلک، ظ: عکاشة، التصویر الإسلامي، لوحة 281)، وکذلک الدوائر التي تدور حول محور واحد (پوپ، X/ 583, 584, 618). وقد نلاحظ أیضاً ترکیباً من الرمز المضموني و الرمز الهندسي، فعلی سبیل المثال تجب الإشارة إلی ترکیب شکل الدائرة مع رمز الحوت، حیث یرمز إلی الولادة الأولی للأرض، ومن جملة ذلک، رسم دائرة مع نقش الحوت، أو حلقة من الحیتان، حیث نلاحظ نموذجه في غطاء إناء معدني من سوریا (القرن 7 و 9هـ) (آلن، 96-97؛ إتینغهاوزن، «ویدکاپ ...»، 352). کما تمکن مشاهدة نموذج الحرکة الدائریة للحوت علی عمود حجري في الجامع الکبیر لإسکي ملاطیة من القرن 13م (ظ: هیل، لوحة 380؛ أیضاً ظ: رایس، 130، لوحة 129).

 

2. النظرة الجزئیة في موضوع الأرض

نلاحظ بوضوح في النظرة الجزئیة للفنان المسلم في موضوع الأرض، متابعته لکل من المواضیع الروائیة و العقائدیة، أي أنه، و خلافاً للنظرة السابقة اهتم بالأرض، لا في سعتها الکونیة، بل بها نفسها. ومن المواضیع الملفتة للنظر في هذا المجال، مکانة الأرض في مراسم الدفن. فنحن نلاحظ بوضوح فکرة خلق الإنسان من التراب، و رجعته النهائیة إلیه، و کذلک مفهوم نزول الجسم الفاني إلی قعر الأرض في مراسم الدفن. فنحن نلاحظ في أثر من القرن 7 هـ في لوحة لهذه الطقوس،الأرض التي تضم الجسم الترابي (غرابار، 116). و تعد لوحات المناظر و کذلک لوحات الأماکن المقدسة، أهم مجالات تحقق هذا المظهر للأرض.

الصفحة 1 من10

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: