الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / الأرض /

فهرس الموضوعات

5. استتار الأرض والسماء

من النماذج التي تستحق الطرح، ماجاء في الآیة 66 من سورة المائدة بشکل خاص حول أهل الکتاب و إمکان تمتعهم بنعم «من فوقهم ومن تحت أرجلهم»، شریطة العمل بالأوامر الإلهیة، و رغم عدم التفات هذه الآیة إلی الأرض والسماء، واقتصارها علی الحدیث عن أهل الکتاب، إلا أن بالإمکان تتبع النسیج الثلاثي وهو الإنسان – الأرض – السماء في أساسها. وقصة حضور إبراهیم (ع) والذبیح في أرض محددة، ثم هبوط جبرائیل بالکبش کفدیة إلهیة نموذج آخر من هذا القبیل (الطبرسي، 8/ 710-711).

 

6. استشار الأرض والإنسان

و خلال الحدیث عن النوع الأخیر في الارتباط الثلاثي المتمثل في الأرض – الإنسان – السماء، حیث یکون فیه الرکنان الأرض و الإنسان مستترین، رغم حضورهما، یمکن ذکر بعض الآیات القرآنیة مثل الاشارة الالهیة الخاصة بانزال المطر (مثلا النمأ/ 78/ 14) والذي من شأنه أن یهیئ أسباب نمو البذور و النباتات. ویمکن ملاحظة هذا النوع – علی سبیل المثال – في بعض الروایات المتعلقة ببعض الملائکة الموکلة علی الحیاء و الغضب و الإیمان و إلی ذلک (السیوطي، الحبائک، 128)، حیث وردت الإشارة فیها إلی بعض صفات «الإنسان» الذي یعیش فوق الأرض، من خلال توظیف عنصر الملائکة (العنصر الرابط) في الرکن السماوي من هذا النسیج (أیضاً ظ: م.ن، الدر، 5/ 546).

 

المصادر

ابن أبي عاصم، أحمد، الزهد، تقـ: عبدالعلي عبدالحمید حامد، القاهرة، 1408هـ: ابن بابویه،محمد، عیون أخبار الرضا (ع)، بیروت، 1404هـ؛ ابن خزیمة، محمد، صحیح، تقـ: محمدمصطفی الأعظمي، بیروت، 1971م؛ ابن طاووس، علي، سعد السعود، النجف، 1950م؛ ابن عدي، عبدالله، الکامل في ضعفاء الرجال، تقـ: یحیی مختار غزاوي، بیروت، 1988م؛ ابن عساکر، علي، تاریخ مدینة دمشق، تقـ: علي شیري، بیروت/ دمشق، 1995م؛ ابن کثیر، البدایة، تقـ: علي شیري، بیروت، 1988م؛ م.ن، تفسیر، بیروت، 1401هـ؛ ابن نما، جعفر، مثیر الأحزان، قم، 1406هـ؛ أبوالشیخ الأصفهاني، عبدالله، العظمة، تقـ: رضاء الله مبارکفوري، الریاض، 1408هـ؛ أبوعمرو الداني، عثمان، السنن الواردة في الفتن، تقـ: رضاه الله مبارکفوري، الریاض، 1408هـ؛ أبو عمرو الداني، عثمان، السنن الواردة في الفتن، تقـ: رضاءالله مبارکفوري، الریاض، 1416هـ؛ أبو عوانة، یعقوب، المسند، تقـ: أیمن الدمشقي، بیروت، 1998م؛ أبوالقاسم الحکیم السمرقندي، إسحاق، السواد الأعظم، ترجمة فارسیة قدیمة، تقـ: عبدالحي حبیبي، طهران، 1348ش؛ أبونعیم الأصفهاني، أحمد، حلیة الأولیاء، القاهرة،1932م؛ الأزرقي، محمد، أخبار مکة، تقـ: رشدي الصالح ملحس، بیروت، 1403هـ/ 1983م؛ البخاري، محمد، صحیح، تقـ: مصطفی دیب البغا، بیروت، 1407هـ/ 1987م؛ الثعلبي،أحمد، قصص الأنبیاء، بیروت، المکتبة الثقافیة؛ الخلال، أحمد، السنة، تقـ: عطیة الزهراني، الریاض، 1401هـ؛ الخلیلي، خلیل، الإرشاد، تقـ: محمدسعید عمر إدریس، الریاض، 1409هـ؛ الدارقطني، علي، النزول، تقـ: علي الفقیهي، بیروت، 1403هـ/ 1983م؛ سعید بن لمنصور، السنن، تقـ: سعد بن عبدالله آل حمید، الریاض، 1414هـ؛ السیوطي، الحباتک في أخبار الملائک، تقـ: محمد السعید بن بسیوني زغلول، بیروت، 1405هـ/ 1985م؛ م.ن، الدر المنثور، بیروت، 1993م؛ الشافعي، محمد، السنن المأثورة، تقـ: عبدالمعطي أمین قلعجي، بیروت، 1406هـ؛ الصنعاني، عبدالرزاق، المصنف، تقـ: حبیب الرحمان الأعظمي، بیروت، 1403هـ/ 1983م؛ الطبراني، سلیمان، المعجم الأوسط، تقـ: طارق بن عوض الله و عبدالمحسن الحسیني، القاهرة، 1415هـ؛ الطبرسي، الفضل، مجمع البیان، تقـ: هاشم الرسولي المحلاتي و فضل‌الله الیزدي الطباطبائي، بیروت، 1408هـ/ 1988م؛ الطبري، التفسیر، بیروت، 1405هـ؛ الطوسي،محمد، التبیان، تقـ: أحمد حبیب قصیر العاملي، النجف، 1383هـ/ 1964م؛ القرآن الکریم؛ الکلیني، محمد، الکافي، تقـ: علي أکبر الغفاري، طهران، 1391هـ؛ المسعودي، علي، إثبات الوصیة، النجف، المکتبة الحیدریة؛ مسلم بن الحجاج، صحیح، تقـ: محمدفؤاد عبدالباقي، القاهرة، 1955م؛ یاقوت، البلدان.

فرامرز حاج منوچهري/ ع. خ.

 

V. الأرض من منظار علم الکونیات و نشأة الکون

تدل المواضع العدیدة التي ذکر فیها القرآن الکریم خلق الأرض، خاصة خلق السماوات و الأرض ومابینهما (مثلاً ظ: البقرة/ 2/ 164؛ ص/ 38/ 27؛ الزمر/ 39/ 5؛ غافر/ 40/ 57؛ الشوری/ 42/ 11، 29؛ الزخرف/ 43/ 9)، علی مدی أهمیتها في تعالیم هذا الکتاب السماوي. وتشمل الأرض في اللغة الرمزیة للآیات القرآنیة و کذلک في الروایات، نطاقاً أوسع بکثیر من الأرض المحسوسة، حیث لابد و أن تضم أیضاً المعنی المتداول و المحسوس خلال التطرق إلی رمزیة الأرض المثالیة ومکانتها و تعابیرها في علم الکونیات و نشأة الکون.

 

خلق الأرض

تفید غالبیة الروایات، بأن الله عندما أراد خلق السماوات و الأرض، قبض قسماً من زید المیاه الأولی، ثم تصاعد منها الدخان، أو أنه خلق من المیاه الأولی جوهراً (أخضر اللون) استناداً إلی بعض الروایات (أبوالفتوح الرازي، 1/ 63؛ لانتساب هذه الروایة إلی التوراة، ظ: ابن أبي الحدید، 1/ 85؛ القزویني، 22)؛ «ثم استوی إلی السماء وهي دخان... فقضٰهن سبع سماوات في یومین...» (ظ: فصلت/ 41/ 11-12). وقد جاء في رحاب قصص الخلق أن الرب أیبس قسماً من الماء فظهرت منه طینة فجعلها أرضاً (الطبري،تفسیر/ 1/ 194؛ السیوطي، الدر...، 1/ 90؛ القرطبي، 1/ 256). واستناداً إلی بعض من التفسیرات للآیة 30 من سورة النازعات و التي تشیر إلی موضوع «دحو الأرض» (ن.ع) فقد وضع أساس الأرض من خلال جعل أرض الکعبة بساطاً، أو إن هذا الأساس وضع علی الماء استناداً إلی بعض روایات خلق الأرکان الأربعة للبیت العتیق ثم قضاهن سبع سماوات (قا: الطلاق/ 65/ 12؛ الطبري، ن.م، 30/ 46؛ أبوالفتوح، 1/ 63؛ أبوالشیخ، 2/ 601، 4/ 1386؛ المقدسي، 2/ 3؛ السیوطي، الهیئة...، 9، 12؛ ابن‌کثیر، 1/ 18-22).

وإن الإشارة إلی صخرة مربعة خضراء اللون علی سطح المیاه الأولی و التي تقوم الأرض علیها استناداً إلی بعض الرایات (السیوطي، ن.م، 14؛ أیضاً ظ: أبولفتوح، 5/ 372)، تنسجم مع خلق أرکان البیت العتیق 2,000 سنة قبل الخلق. و علی هذا الأساس، فإن خلق السماوات و الأرض حدث بعد خلق أرکان بیته، بمعنی أن الجوهر الذي أخذت منه مادة السماوات و الأرض متأخر من حیث المرتبة عن أرکان البیت العتیق (ظ: ناصرخسرو، جامع ...، 255-260). وقد جاء في بعض الروایات أنه خلقت السماوات من الدخان، والأرض من الطین، والجبال من الزَبَد؛ أو خلقت الأرض من انجماد الزید، والجبال من انجماد الأمواج (المقدسي، 2/ 2؛ السیوطي، الدر، 1/ 91).

وقد فُصلت الإشارات القرآنیة إلی خلق الأرض في یومین (فصلت/ 41/ 9) في الروایات، فهي تفید بأن الله خلق الأرضَ في یومي الأحد والاثنین، والجبال في لاثلاثاء، والأشجار والمیاه في یوم الأربعاء، والسماء في یوم الخمیس، والنجوم والشمس والقمر و الملائکة في یوم الجمعة؛ و خلق آدم في الساعة الأخیرة من یوم الجمعة (الطبري، تاریخ، 1/ 22-23؛ قا: ابن کثیر، 1/ 17؛ تفسیر قرآن مجید، 2/ 103؛ أبوالشیخ، 4/ 1358-1377؛ المقدسي، 2/ 53-55؛ قا: العهد القدیم، سفر التکوین، 1: 1-31، 2: 1-4).

ومن خلال نظرة عامة إلی الروایات المذکورة، فإن الأمر الإلهي وتقدیرات الله، بالمداد – المتضمن لأولی إمکانات التجلي غیر المتجلیة (شوئون، «أبعاد الإسلام»، 104) – والمترشح من القلم الأعلی، أو العقل الأول (المظهر الأول للکمال الفعّال، الروح) کتبت في النفس الکلیة، أو اللوح المحفوظ کي یظهر الجوهر الکوني، أو الهیولي (ظ: أبوالشیخ، 2/ 578؛ الفرغاني، 38-45؛ أیضاً: شوئون، ن.م، 102 وما بعدها؛ بورکهارت، «مقدمة ...» 103-97)؛ ذلک لأن الخلق هو إحداث الشيء علی أساس التقدیر (ظ: القمر/ 54/ 49؛ الطوسي، 2/ 56). والمظهر الثاني لذلک المبدأ الفعّال و الذي کان القلم الأعلی مظهره الأول، هو العرش العظیم الذي هو موضع الاستواء الرحماني والمظهر الثاني لذلک المبدأ المنفعل الذي یمثل اللوح المحفوظ، أو النفس الکلیة مظهره الأول، هو الکرسي؛ و العرش و الکرسي هما، حسب الترتیب، سقف الجنة و أرضها (الفرغاني، 42) و المثل العلیا للسماء والأرض. والصور والذوات التي هي تقدیرات الله، یتم إفاضتها بواسطة العقل الکوني علی هذا الجوهر الکوني أو الهیولی الکلیة التي هي الجسم المطلق من الفلک الأعلی و حتی ماتحت الثری (نصیرالدین الطوسي، 31؛ ناصرخسرو، ن.م، 257).

والجوهر الکوني هو باللغة الرمزیة، الزبد علی المیاه الأولی، الذي یتکون بالحکم الإلهي کي یحصل منه الإمکانان، الفاعل والمنفعل، أي الدخان (اللطافة والضیاء) و الطین، أو الزید (الکدورة والثقل) و تظهر إلی الوجود مواد خلق السماوات و الأرض. و الإمکانان الفاعل والمنفعل کانان في الهیولی الکلیة، و هما یجدان مُثُلهما العلیا في کون العرض و الکرسي مکملین لبعضهما البعض، أو في کون القلم الأعلی واللوح المحفوظ مکملین لبعضهما البعض في مرتبة أعلی و کذلک في کون الروح و العنصر الأعظم مکملین لبعضهما البعض، أو في کون الأمر الألوهي و النَّفَس الرحماني مکملین لبعضهما البعض في مرتبة أعلی. وقد أشار عزیزالدین النسفي إلی التناظر بین الـ «ن» و «القلم» مع الأرض و لاسماء حسب الترتیب (کشف، 225؛ ن المراتب المذکورة، ظ: بورکهارت، ن.ص، «صناعة الکیمیاء»، 116؛ أیضاً ظ: هذه المقالة، مکانة الأرض المثالیة).

ویجب القول في معرض الحدیث عن «رتق» السماوات و الأرض والذي تمیز بـ «الفتق» الإلهي، إن کل اللطافة و الضیاء، تحول إلی دخان و خلقت السماء منه و بقي کل ماکان من کدورة و قذارة و ظلام و أصبح صلباً (طیناً، أو زیداً و خلقت الأرض منه (ناصرخسرو، ن.ص؛ الفرغاني، 43-44؛ النسفي، الإنسان...، 113) و یمکن مقارنة هذا التعبیر مع ما أشیر إلیه في الآیة 30 من سورة الأنبیاء حول رتق المساوات و الأرض (قبل الخلق)، حیث اعتبره الفرغاني (ص 43) یمعنی «الاجتماع و التداخل و المزج» بینهما (لبیان هذا المعنی في نشأة التکوین للسنن الأخری، ظ: إلیاده، «أساطیر...»، 180-181)، واستناداً إلی هذا المعنی، فإن خلق الکون هو نتیجة «فتق» السماوات و الأرض، و هکذا فإن إعمال التعینات المتعددة المذکورة هو المکون لمراتب السماوات و الأرض، أو بتعبیر أکثر تجریدیة، موجد المراتب المتعددة للوجود الکوني من ألطف المراتب، حتی أکثرها کثفاة، أي من العرش و الکرسي و حتی الأفلاک و العناصر و الموالید (ظ: النسفي، ن.م، 114) و تبقی الکرة الأرضیة في الوسط (ناصرخسرو، ن.م، 258؛ أیضاً ظ: النسفي، زیدة ...، 51-53، الإنسان، ن.ص) و تحیط بها السماء منکل الجوانب (الهمداني، 65). والأرض التيهي في رأي القدماء هي العاکسة لعالم الشهادة بصورة رمزیة و لاصورة الموجزة لکل العلام الذي یتم فیها إنماء کل الأشیاء بشکل «موزون» (الحجر/ 15/ 19)، تحتل مکانها في أثقل مراتب التجلي الکلي، أي في مرکز جمیع الأفلاک والأجرام السماویة، فهي من هذا المنظار لیست محددة بالنظرة الفیزیائیة البحتة من وجهة نظر العلوم التجریبیة الحدیثة (عن آراء أخری، ظ: شوئون، «الترکیز...» 177-171). ولذلک فإن الأرض هي محل استقرار آدم خلیفة الله (ظ: البقرة/ 2/ 30) حیث یقف بین لاسماء (عالم الغیب) و الأرض (عالم الشهادة) (ظ: گنون، «الثلاثي...»، 65-69، «الترمیز...»، 124-126) و هو الجامع و العالم بجمیع الأسماء تناظراً مع موضعه المتمثل في الأرض، التي هي المعبّر المثالي عن کل العالم (البقرة/ 2/ 31؛ أیضاً ظ: النسفي، ن.م، 268).

 

الأرضون السبع

استناداً إلی الآیات و الروایات المذکورة، فإن الله قسم الأرض إلی 7 طبقات تناظراً مع السماوات السبع. و الجسم یمثل عناصر کل طبقة من طبقات الأرض، استناداً إلی تفسیر النسفي للآیة 12 من سورة الطلاق و أن الطبیعة، هي عناصر طبقة من طبقات السماء، و هذا المعنی نفسه یستعمل للقالب و لاروح الحیوانیین و القالب و الروح البشریین و أجرام أفلاک الکواکب السیارة و النفس الفلکیة وأخیراً فلک الأفلاک و نفس فلک الأفلاک؛ و طبقات السماوات والأرض سبعة (م.ن، کشف، 222). وبالطبع فإن هذه الأرضین السبع یمکن أن تکون طبقات الأرض السبع المعبرة عن مراتب الوجود الکلي الجسماني، ذلک لأن العدد 7 هو عدد النظم و في نفس الوقت عدد الکثرة، و لکن کلاً من هذه الأرضین السبع هو بتعبیر آخر، أرض لسماء من السماوات السبع؛ ذلک لأن الأرض الثانیة فوق السماء الأولی والسماء الثانیة تحت الأرض الثالثة و هکذا حتی النهایة (المجلسي، 57/ 74-75). کما قیل إن الأرضین السبع، السماوات السبع، السیارات السبع، الجواهر الجسمیة المعدنیة السبع، تمتد جذورها في الجواهر السبعة الإبداعیة و هي: الحیاة، العلم، القدرة، الإدراک، الفعل، الإرادة والبقاء (ظ: ناصرخسرو، ن.م، 109-110).

 

دحو الأرض منتحت الکعبة

یمکن القول فیما یتعلق بحل رموز دحو الأرض من تحت الکعبة إن کل مکان مقدس کالکعبة هو من ناحیة مرکز للعالم بشکل رمزي و موضع تلاقي السعة العمودیة (السماء، أو محور العالم الذي ینزل الأمر الألوهي و یصعد من وسطه) مع السعة الأفقیة (الأرض و التي هي مرتبة من العالم)، فلذا، فإن نقطة التلاقي هذه – حیث تتلامس فیها السماء مع الأرض – هي في الحقیقة نقطة بدایة دحو أرض تلک المرتبة في ساحة أفقیة، وبعبارة أخری فإن البیت العتیق الذي هو مرکز العالم الترابي، هو نقطة في أقصی المحور الذي یقطع جمیع الأفلاک (محور العالم)؛ و المثل الأعلی لهذا «البیت» هو البیت المعمور و في النهایة العرش الإلهي، و الذي یطوف حوله الکروبیون، وماعمل الطواف حول الکعبة، إلا إحیاء منسکي مجدد لدوران السماء حول محورها القطبي (ظ: الطبري، تفسیر، 27/ 17؛ الطبري، 1/ 382؛ أیضاً: بورکهارت، 21؛ إلیاده، «نماذج... »، 227؛ بنت، 95). والشکل المکعب للبیت العتیق هو تجسم المفهوم في کونه مرکزاً، ذلک لأن المکعب هو تشکیلة متبلورة من کل الفضاء (بورکهار، 20؛ کوربن، «معبد...»، 208) و یذکّر بمفهوم المرکز الذي لایتغیر. و یمکن مقارنة هذا القول مع ماذکره الطبرسي (ن.ص) حول کون العرش الإلهي مربعاً، خاصة لأن عرش الله هو الموضع الرمزي لاستقرار الألوهیة (المرکز) و هو في نفس الوقت المثل القدیم لکل ثبات و سکون. و لذلک، فإن مفهوم موضع استقرار الأرض مستمد هو الآخر من مثلها القدیم المربع (البیت العتیق) و بالتالي من البیت المعمور و العرش الألوهي (ظ: کوربن، ن.م، 214-227). ومن حیث الترمیز الهندسي یمکن افتراض الأرض کمربع محاط في الدائرة (السماوات). و هذا الترکیب للمربع والدائرة یشکل البنیة الأساسیة والمجردة لمعابد السنن المعنویة الکبیرة ومنها المساجد الإسلامیة، ذلک لأن دور المعبد هو التعبیر عن جسم کل الکون – السماوات و الأرض – وکذلک إیجاد محمل للتلاقي الرمزي لهما (بنت، 106؛ أیضاً بورکهارت، «الفن...»، 17 و ما بعدها). وعلی هذا الأساس و مع الأخذ بنظر الاعتبار هذا المثل القدیم المربع الشکل الذي یمثل التوأمین و هما مرکز الأرض وأساسها یمکن أن نعتقد بوجه رمزي لرأي بعض القدماء حول کون الأرض مسطحة و مستطیلة و مرکزاً في نفس الوقت (ظ: المقدسي، 2/ 39 ومابعدها؛ لتوضیح أکثر، ظ: بورکهارت، «مرآة...»، 17 و مابعدها).

 

الأرض المستقرة علی ظهر البقرة و الحوت

جاء في الروایات أن الأرضین السبع المدحیة علی الماء، مستقرة علی صخرة بید ملک واقف علی جناح الحوت الغاطس في الماء، و الماء علی ظهر الریح (أبوالشیخ، 4/ 1384)؛ وقد فسرت بعض الروایات هذا الحوت بحرف «النون» و هو الآیة الأولی من سورة القلم (الطبري، تاریخ، 1/ 50؛ أبوالفتوح، 1/ 63، 5/ 372). و ربما یمکننا أن نفسر الحوت السابح في «المیاه العمیقة الأولی» (الهیولی الکونیة) بـ «جسم الکون» (لتعبیر مشابه یتعلق بقصة یونس و الحوت، ظ: مولوي، 1/ 423). وکما جاء في الکثیر من الثقافات الأسطوریة أن الحوت له علاقة بإله، أو إلهة أعماق البحار و «إئا» الإله البابلي للأعماق و الذي یتمثل نصف جسده بشکل حوت و الإلهة «کوان – یین» في الأساطیر الیابانیة هما نموذجان من هذه الأساطیر (ظ: گنون، «رموز ...»، 108).

ومن بین النماذج القابلة للمقارنة مع الحوت السابح في المیاه الأولی في الروایات الإسلامیة، تمکن الإشارة إلی التجسد الأول لفیشنو علی شکل الحوت الأول. وفیشنو هو وجه من إیشفره، رب الأرباب الهندوسي و حافظ العالم الذي یقود السفینة الحاملة لجراثیم العالم المقبل بسلامة بین أمواج الطوفان العاني في آخر الزمان (ظ: ستاري، 74؛ گنون، ن.ص؛ لترمیز الحوت، ظ: ستاري، 67 و مابعدها؛ گنون، ن.م، 105 ومابعدها).

 

الأرض والجبال

وردت الإشارة في القرآن الکریم و الروایات إلی الجبال الراسیة (الحجر/ 15/ 19؛ الرعد/ 13/ 3) التي تحفظ الأرض من أن تمید و کأنها «أوتاد» غرست فیها (النحل/ 16/ 15؛ النبأ/ 78/ 6-7؛ ظ: نهج‌البلاغة، الخطبة 1؛ الطبري، ن.ص؛ المقدسي، 2/ 3). ویمکن القول إن الجبال هي بمثابة أوتاد (قا: النبأ/ 78/ 7) هبطت علی الأرض کالذوات السماویة (أوامر الله) لثبات الأرض واستقرارها و تحافظ علیها بحالة متعادلة، أو هي عروق ثابتة في الأرضین السبع علی ماتفید الروایات (أبوالشیخ،4/ 1485)؛ ولذلک فإن الجبل في وجه المثالي یمثل تواجد السماء في الأرض، أو موضع تلاقي السماء و الأرض وکذلک الله والإنسان، حیث یمر منه محور العالم (مشیئة السماء). کما ذکر في الروایات جبل قاف بمثابة أقطار السماوات و الأرض (ن.ص) واستناداً إلی الآیة 33 من سورة الرحمن، فإن هذه الأقطار هي في الحقیقة منافذ العبور من العالم، أو سلسلة مراتب الوجود المتعددة. وقد خاطب الله الکثیر من الأنبیاء و الأولیاء فوق الجبال؛ بعبیر آخر، فإن الجبل المثالي هو الأرض السماویة التي تلامس السماء (ظ: الإسراء/ 17/ 37). ومع الأخذ بنظر الاعتبار الترمیز العددي و الهندسي للسماء (واحد) والأرض (اثنان) و تسجیلها علی شکل نقاط علی صفحة ذات بعدین ورسم الخطوط الموصلة، فإننا سنتوصل إلی الترکیب الرمزي الهندسي للتلاقي والسماء و الأرض (المثلث المتجه إلی الأعلی، والذي یمثل شکلاً فعّالاً ورجولیاً) حیث إنه النموذج المثالي للجبل (لتعبیر مشابه له، ظ: گنون، ن.م، 149-150).

و«جبل قاف» هو الأصل المثالي لجیمع الجبال في الروایات والتفاسیر الإیرانیة الإسلامیة، حیث یضم الأرضَ و «وتدها» وقد بُني علیه کنفا السماء (أبوالشیخ، 4/ 1489؛ أبوالفتوح، 1/ 63، 5/ 131-132؛ السیوطي، الهیئة، 34-35)، حیث من شأنه أن یؤید أن الجبل في وجهه المثالي هو موضع تلاقي السماء و الأرض. واستناداً إلی بعض الروایات، فإن المسافة بین قمة قاف حتی السماء هي بمقدار قامة الإنسان (مثلاً ظ: المقدسي، 2/ 46)، و هي إشارة إلی تلاقي السماء والأرض مع الاشتمال علی هذه الملاحظة و هي أن الإنسان هو بشکل توأم حیّز هذا التلاقي وتجسدّه. حتی إن بعض التفاسیر و الروایات ذکرت أن اسم سورة «ق» هو إشارة إلی اسم هذا الجبل (مثلاً ظ: أبوالشیخ، 4/ 1484؛ أبوالفتوح، ن.ص) کما أن کل الأرضین متصلة بجبل قاف بواسطة عروق (والتي هي في الحقیقة المحافظة علی الأرض) و إذا ماحرک جبل قاف عرقاً من هذه العروق، فإن من الممکن أن یحدث زلزال (أبوالشیخ، 4/ 1485؛ أبوالفتوح، 1/ 63). و توجد في الأساطیر جبال مثالیة و مقدسة ومن مرکز العالم، موضع التلاقي بین السماء والأرض و موضع الآلهة، حیث بنیت أحیاناً المعابد المرکزیة الکبری تکراراً لفعل خلق الکون، علی هذه الجبال الرمزیة؛ و الصخرة التي بني علیها هیکل أورشلیم، هي نموذج من هذا القبیل (لبعض النماذج، ظ: إلیاده، «أسطورة...»، 23 ومابعدها؛ قرشي، 45-70، 165-202).

 

مکانة الأرض المثالیة ورمزیتها في علم الکونیات الإسلامي

إذا أخذنا بنظر الاعتبار أوسع نطاق للدلالة علی کلمة الأرض في علم الکونیات الرمزي و کذلک التعلیم ماوراء الطبیعي لسلسلة مرات الوجود المتعددة، یمکن القول إن کل مرتبة من مراتب الوجود، هي أرض المرتبة العلیا، و إن کل الکون المخلوق هو في أکثر التقسیمات کلیة، أرض الملکوت (السماوات و العوالم الألوهیة) (شوئون، «صُوَر...»، 41؛ کوربن، «الجسم...»، 82، نقلا عن ابن‌عربي؛ تشیتیک، 14). ویشیر ابن عربي إلی الدلالة الرمزیة للأرض باعتبارها تمثل جمیع العوالم السفلیة، والسماوات بمعنی جمیع العوالم العلویة (الفتوحات، ط بیروت، 2/ 285؛ أیضاً ظ: النسفي، کشف، 220، 221؛ الراغب، 73؛ قا: الحج/ 22/ 65؛ الرحمن/ 55/ 10، 7). وقد فسر أیضاً في تفسیر القرآن الکریم المنسوب إلیه (1/ 76، 80-81)، السماوات بعالم الأرواح والأرض بعالم الأجسام، حیث یعتبر الثاني ظاهر الأول (أیضاً ظ: النسفي، زبدة، 52؛ گنون، «الثلاثي»، 28)؛ وهکذا فإن الأرض هي جسم السماء، والسماء روح الأرض، وهما رمزا عالمي الغیب والشهادة علی التوالي (قا: الزمر/ 39/ 46). ومن هذا المنظار، فقد انعکس أول و أهم اثنینیة من اثنینیات الوجود، أي الذات و الجوهر، أو الکمال الفعّال والکمال المنفعل حسب الترتیب، في اللغة الرمزیة للأساطیر و النصوص المقدسة للکثیر من السنن الکبری علی شکل اثنینیة السماء والأرض (گنون، ن.م، 24-25). و یشیر ابن‌عربیة إلی الالتحام المعنوي بین الأرض والسماء (الفتوحات، ط القاهرة، 2/ 277) وذکر المیرالداماد السماء علی أنها «الصورة» [فرما] والأرض علی أنها المادة [ماتریا] («مواقیت»، 228-229؛ أیضاً ظ: گنون، «سیطرة الکمیة...»، 19-20؛ أیضاً ظ: موراتا، 126-123). والأرض هي رمز الجوهر القابل و الخلّاق والتي هي من منظار تعالیم الحکمة الإسلامیة، المحمل والحیّز لتشکل الذوات و الصُّور التي اندرجت فیها بواسطة السماء؛ وقد وردت الإشارة في الآیة 22 من سورة البقرة إلی السماء و الأرض باعتبارهما الفراش والبناء و الماء المُنزَل من السماء لتأمین رزق الناس و یمکن تفسیر قطرات الماء المنزلة من السماء بالذوات التي تندرج علی الحیّز الجوهري المتناظر (الأرض باعتبارها الزوج المکمل/ المستقبلة للسماء) کي تتعین فیها (قا: البقره/ 2/ 22)، أو تخلق بها الأقسام المختلفة من النباتات و البساتین و الحدائق (طه/ 20/ 53؛ النمل / 27/ 60؛ أیضاً ظ: نهج البلاغة، الخطبة 23). واستناداً إلی بعض الإشارات القرآنیة لنزول ماء من السماء یجري في الأودیة «بقدر» (الرعد/ 13/ 17؛ أیضاً النحل/ 16/ 15؛ طه/ 20/ 53)، فإن الأرض لیست القابلة للجوهر و المعیّنة لـ «الذاوات المنزلة من السما فحسب، بل هي التي تشکلها (في الأودیة و الصدوع) و هي أیضاً من الممکن أن تکون محمل تنمیتها باتجاه تحقق علتها الوجودیة. کما أن کلام ناصرخسرو الذي یشیرفیه إلی وجه من الکلام السابق، یستحق الاهتمام أیضاً و هو أنه یسمي عالم‌الدین رسول اسماء و وصیها، أي الأرض علم الدین فالمؤمنون في هذه الأرض کالنباتات التي تنمو بمطر هذه المساء (ن.م، 262).

الصفحة 1 من10

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: