الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / الأرض /

فهرس الموضوعات

ویری ناصر خسرو أنه لو زعم شخص أن الحجارة إنما تسقط باتجاه الأرض لأن «الأرض کلها» فإنه یکون قد أخطأ. لأن «کل الأرض أجزاء أیضاً وقد وقعت کلها علی نقطة وهمیة هي مرکز العالم» وکل واحد من أجزاء الأرض یرید الوصول إلی تلک النقطة.ولکن في تلک النقطة «لایستوعب من کل هذا التراب سوی جزء غیر متجزئ». وعلی هذا فإن هذه الأرض الهائلة برمتها تبحث عن ذلک الجزء والکل یبحث عن الجزء ولیس العکس، وبالتالي فإن الأجزاء الأقرب إلی المرکز هي للأجزاء الأبعد بمثابة عمود والتراب کله أصبح عموداً للماء؛ وللفلک في وسطه نقطة من التراب (أي الکرة الأرضیة) وهي معدن السکون (زاد المسافر، 43-52).

وتناول الفخر الرازي في التفسیر الکبیر و الشرح الذي کتبه علی عیون الحکمة لابن سینا، مسألة کرویة الأرض و حرکتها الدورانیة. وهو یری في الأثر الثاني، في معرض تشکیکه في کون الحرکات السماویة إرادیة، وبیان أن دلیل الحکماء علی کون حرکات الأفلاک دورانیة فیما یتعلق بالأجسام البسیطة الکرویة الأخری هو معتبر أیضاً وکذلک التشکیک في أن الجسم البسیط لایمکن أن یکون له أکثر من مبدأ للحرکة، یری أن تثبت عدم مباینة حرکة الأرض الدورانیة حسب مبادئ أتباع أرسطو، وفي الحقیقة، فإن الفخر الرازي یری أنه لوکان هناک جسم ترابي بشکل کروي في مکانه الطبیعي، فإن حرکته دورانیة و إلا فإنه مرکب من الحرکات المستقیمة والدورانیة (مثل کرة تلقی من قمة جبل باتجاه الأرض). وأما إذا لم‌یکن الجسم الترابي لاکرویاً ولا في مکانه الطبیعي فستکون حرکته مستقیمة مثل حرکة الجبال نحو الأرض (لشرح وجهة النظر هذه و بسطها، ظ: معصومي همداني، 89-114). ویبدو نصیر الدین الطوسي في أثره الشهیر التذکرة في علم الهیئة، مستمراً في التزامه بمبادئه بشأن الأرض المرکزیة رغم انتقاد علم الهیئة لدی بطلمیوس، فهو یخصص الفصل الأول من الباب الثاني لـ «کرویة السماء و الأرض، وقوع الأرض في المرکز وسکونها» وذلک بعد ذکر المقدمات الهندسیة والطبیعیة في الباب الأول، ویورد أدلة بطلمیوس نفسها ویحیل بالطبع طالبي البراهین اللمّیة إلی کتاب السماء والعالم في العلم الطبیعي (ص 103-107).

ویرجع نجم‌الدین الکاتبي القزویني (توفي 675هـ/ 1276م) في حکمة العین إلی ذلک الرأي القدیم نفسه المذکور في المجسطي ثم الشفاء لابن‌سینا وذلک فیما یتعلق بالأمثلة المعروفة المتعلقة برد حرکة الأرض الدورانیة (سقوط الحجارة، حرکة الطیور في الهواء و غیر ذلک). وهو یری أن الأرض إذا دارت فسوف یدور معها أیضاً الهواء المحیط بالأرض کما أن الأثیر یتحرک علی إثر الفلک، ولذلک فسوف یدور معها الطیر، الغیوم، أو أي شيء آخر في الهواء (ص 552). وکما قلنا سابقاً فإن ابن‌سینا وبطلمیوس، کانا قد أقاما، حسب زعمهما، أدلة في الرد علی هذا الرأي ولکن یبدو أن الکاتبي رفض استدلالهما، رغم أنه قال بسکون الأرض في النهایة مستنداً إلی الأدلة التعلیمیة (ظ: ن.ص). وقد کرر القاضي عضدالدین الإیجي أیضاً في المواقف کلام الکاتبي القزویني تقریباً (طبعاً أفضل وأکثر وضوحاً). وهو ینقل في البدء نفس المثالین السابقین و هما رمي السهم في الجهتین (الشرق و الغرب) وقذف الحجارة بشکل عمودي في الهواء، ثم یضیف قائلاً: کلاهذین الوجهین ضعیفان ذلک لأن الهواء أیضاً یصطحب الأرض کما قیل إن النار ترافق الفلک، ولکنه یعتبر هو أیضاً الأرض ساکنة من خلال إیراد أدلة شبیهة بأدلة الکاتبي القزویني والأهم من ذلک نظراً لوجهة نظره فی بعض الآیات القرآنیة الکریمة (ص 219-220؛ أیضاً الجرجاني، 147-148).

 

نظر مؤلفي الموسوعات و علماء الجغرافیا و التاریخ في العصر الإسلامي

أشار المسعودي، في الباب 61 من مروج الذهب في غایة الاختصار إلی بعض استدلالات بطلمیوس وأحال تفصیل هذا الموضوع إلی کتابه أخبار الزمان (المسعودي، مروج الذهب، الباب 61، أیضاً 1/ 99) ولکن لم یرد شيء مهم في النص المتوفر من أخبار الزمان حول الأرض. ویعد المطهر بن طاهر المقدسي الذي أولی في البدء والتاریخ اهتماماً خاصاً بموضوع الخلق، من الأشخاص المعدودین الذین تحدثوا مستندین إلی «الآراء الطبیعیة» عن آراء الفلاسفة الیونانیین حول خلق العالم والأرض. وقد بحث أیضاً في الفصول الأخری من أثره حول شکل الأرض وسبب سکونها بشکل مسهب وذکر آراء الیونانیین إلی جانب الآیات القرآنیة و تفسیراتها المختلفة وکذلک آراء الفلاسفة والمتکلمین (ومنهم المعتزلة) وسعی کذلک خلال نقد بعض الآراء،لأن یوضح الاختلافات والتشابهات بین الآراء المختلفة (1/ 135-152، 2/ 39-52).

وقد اکتفی الکثیر من علماء الجغرافیا في العصر الإسلامي في آثارهم الجغرافیة بإشارة في غایة الاختصار إلی کرویة الأرض والسماوات واستقرارها في وسط الأفلاک دون أیة حرکة وکرروا أحیاناً نفس المثال المعروف المتمثل في المُحّة في جوف البیضة (مثلاً ظ: ابن‌الفقیه، 90؛ ابن خرداذبه، 4؛ حدود العالم، 8؛ الإدریسي، 7؛ بکران، 6؛ حافظ أبرو، 1/ 89). ولکن إشارات البعض منهم تبدو ملفتة للنظر في هذا المجال، فابن رسته (تـ 290هـ) مثلاً والذي یبدو من جمیع أرجاء أثره ملماً لاآثار الفلکیة في ذلک العصر، وخلال نقله حرفیاً للفصل الثاني حتی الفصل الخامس من کتاب جوامع علم النجوم للفرغاني، 7-19) یطرح بحثاً طریفاً حول اختلاف آراء العلماء بشأن هیئة الأرض، وهو أن من الممکن العثور علی جذور هذه الأقوال في النصوص البهلویة أحیاناً و في نظریات الفلاسفة قبل سقراط أحیاناً أخری: یعتقد بعض الناس أن الأرض مسطحة ومنبسطة في الجهات الأربع الشرق و الغرب والشمال والجنوب. ولاتوجد الحیاة إلا في وجهها الأعلی... وتقول طائفة إن حول الأرض جبلاً قد أحاط بها والشمس تشرق من هذا الجبل في زمان وساعة معینین، ثم تختفي وتدور عند غروبها حول ذلک الجبل، وهذا الجبل یخفي الشمس عن أعین الناس وکذلک الحال بالنسبة إلی القمر والنجوم (ص 23). والأهم من کل ذلک أنه قال حول اعتقاد البعض بالحرک الدورانیة: یقول البعض أیضاً إن مایبدو من أن الکواکب تدور إنما هو في الحقیقة علی إثر دوران الأرض، لاالفلک والشمس (ص 23-24؛ المقدسي، 2/ 50؛ یاقوت، 1/ 14؛ قا: آیتیوس، III, 13.3؛ «الآراء الطبیعیة»، 150-151). وقد نقل یاقوت الحموي حرفیاً في الباب الأول من معجم البلدان مواضع مختلفه من کتاب البدء والتاریخ للمقدسي تتعلق بشکل الأرض و موضعها و سبب سکونها (1/ 14؛ قا: المقدسي، 2/ 40، 50-51) ویبدو بالطبع أنه قد أولی اهتمامه في مواضع أخری بآثار أخری، مثل المسائل في الخلاف لأبي رشید النیسابوري، أو الشفاء لابن سینا (مثلاً ظ: یاقوت، 1/ 14-15، حول وجهة نظر معتزلة بغداد؛ قا: أبورشید، 195؛ ابن‌سینا، الشفاء، الطبیعیات، «السماء والعالم»، 56، 59-60)، کما نقل أبوالفداء الجغرافي في القرن 8 هـ بشکل مختصر الأدلة المذکورة في مقدمة المجسطي (ص 3، 13).

الحرکتان الدورانیة والانتقالیة للأرض (حول حرکتي الإقبال والإدبار اللتین اعتقد بهما خطد بعض علماء العصر الإسلامي – مثل ثابت بن قرة – و کذلک الحرکة التقدیمیة، ظ: ن.د، تقدیم الاعتدالین، الذیل، الإقبال والإدبار).

وقد کان أتباع فیثاغورس أول الفلاسفة الیونانیین الذین أشاروا إلی الحرکتین الدورانیة و الانتقالیة للأرض (لتفصیل هذه الآراء، ظ: ن.د، فیثاغورس و الفیثاغوریین). واستناداً إلی تقاریر أرسطو ومؤلفي الکتب العقائدیة الیونانیة، فقد کان أتباع فیثاغورس و خاصة فیلولایوس یرون إن الأرض تدور مع جسم آخر کان یسمی ضد الأرض وتدور الشمس والقمر والکواکب الأخری أیضاً في مسارات دائریة حول المشعل المرکزي، واللیل و النهار یحدثان نتیجة هذا الدوران (أرسطو، «في السماء»، 293a 17,293b18؛ دیوجینس لایرتیوس، VIII.85؛ «الآراء الطبیعیة»، 139، 150؛ دیلس وکرانتس، 44A16,17,21؛ أیضاً ظ: غاتري، I/ 283-287, II/ 63؛ خراساني، 205-206، 216-217؛ قا: ابن سینا، الشفاء، «السماء والعالم»، 54) وقد أضاف آیتیوس بعد الإشارة إلی نظام فیلولایوس القائم علی الکواکب السیارة، قائلاً: یری هراقلیدس پونتیکوس (ح 388-315 ق.م) وإکفانتوس الفیثاغوري أن الأرض متحرکة، ولکن هذا الیعني تغییر مکانها، بل إن الأرض تدور حول مرکزها من الغرب إلی الشرق، مثل دولاب یدور حول محور واحد (III,13, 3؛ «الآراء الطبیعیة»، 150-151؛ دیلس وکرانتس، 51.5؛ قا: ابن‌رسته، 23-24؛ المقدسي، 2/ 50؛ یاقوت، 1/ 14). ونسبت أیضاً بعض النظریات حول الحرکتین الدائریة و الانتقالیة للأرض إلی هیکتاس الفیثاغوري (دیوجینس لایرتیوس، VIII.85؛ شیشرون، آکادمیکا، II. Xxxix.123؛ دیلس وکرانتس، 44A1,50.1-2؛ قا: «الآراء الطبیعیة»، 149؛ قا: هیث، I/ 317). ویری غاتري أن هیکتاس وإکفانتوس وهراقلیدس پونتیکوس بسطوا النظام الفیلولایوسي علی شکل نظام «الأرض الواقعة في وسط العالم والتي تدور حول نفسها فقط» (I/ 327-329). ولکن الباحثین ینسبون عادة تقدیم هذا النموذج إلی هراقلیدس پونتیکوس (تومر، «هراقلیدس... »، 203؛ «معجم...»، VI/ 382؛ شتال، 246). وقد افترض لتبریر بعض الظواهر الفلکیة أن الأرض تقع في وسط العالم ولکنها تدور حول «محورها دون حرکة» مرة واحدة في الیوم. ویقدم بطلمیوس في المجسطي، شواهد علی رد الحرکة الدورانیة، دون أن یذکر اسم أحد (I.7) ویبدو أن هذا الرأي کان شائعاً في عصره إلی حدما (تومر، «هراقلیدس»، 202-203؛ شتال، 246-247؛ غاتري، V/ 485).

و طرح أریستارخوس الساموسي (310-230 ق.م)، نظریة الشمس المرکزیة قبل کوپرنیک بحوالي 18 قرناً وأکد خلافاً لفیلولایوس علی دوران الأرض وجمیع الکواکب السیارة المعروفة في ذلک العصر حول الشمس وکذلک الحرکة الدورانیة للأرض عند الحرکة الانتقالیة، ولکن هذه النظریة مالبثت أن طواها عالم النسیان، خاصة وإن اعتراضات وردت علیها منذ ذلک العصر (ظ: شتال، 247-248).

ومن بین العلماء الهنود کان آریبهته الذي کان المسلمون یعرفونه باسم أرجبهر،یعتقد بحرکة الأرض الدورانیة، وقد کان المسلمون یحیطون علماً بهذا الرأي عن طریق الترجمة العربیة لکتاب براهم سیدهانته الذي کان معروفاً باسم السندهند (البیروني، تحقیق، 231-233).

ویبدو أن أبا سعید السجزي هو الشخص الوحید الذي لم‌یکن یعتقد بحرکة الأرض الدورانیة وحسب، بل إنه طبق عملیاً هذه النظریة في أحد الأجهزة الفلکیة. وقد بحث أبوالریحان البیروني بالتفصیل في کتاب استیعاب الوجوده الممکنة في صنعة الأطرلاب عند البحث حول کیفیة صناعة الأسطرلاب الزورقي في هذا الشأن (ص 128؛ قا: المراکشي، 2/ 74-75، انتقد السجزي والبیروني بشدة: لتفصیل البحث، ظ: ن.د، البیروني نظریة الحرکة الدورانیة للأرض). وقد شکک نلینو فیما إذا کان السجزي قد آمن حقاً بحرکة الأرض الدورانیة، أو أخذ بها باعتبارها فرضیة وحسب (ص 252؛ لتوضیح أکثر في هذا الشأن، ظ: کرامتي، 124-130).

وأکد البیروني مرة أخری في تحقیق ماللهند عند الإشارة إلی رأي علماء الهند حول «حرکة الفلک وسکون الأرض»، أو «حرکة الأرض وسکون الفلک» علی أن قبول إحدی هاتین النظریتین و ردّ النظریة الأخری لایضر بعلم الفلک لأن الاستدلال بالظواهر الفلکیة علی أساس هاتین النظریتین متماثل. ویعتبر البیروني مرة أخری حل هذه المسألة صعباً ویؤکد أن الکثیر من الفضلاء السابقین ومعاصریهم، فکروا کثیراً في مسألة حرکة الأرض وردها؛ وتناول هو نفسه هذا الموضوع بالبحث في کتاب مفتاح علم الهیئة (والذي هو مفقود الیوم؛ ظ: البیروني، رسالة، رقم 13) وسبق جمیع المتقدمین «في المعنی، لافي الکلام» (م.ن، تحقیق، 231-232) ولکنه هونفسه لم‌یشر في التفهیم، الذي یعتبر أثراً تعلیمیاً، إلا إلی استقرار الأرض في وسط الأفلاک ودوران السماوات (ص 58-60).

 

ملاحظة بخصوص حرکة الإرجحنان

أکد إخوان الصفاء في رسائلهم، وخاصة في «السماء والعالم» علی الملاحظات التلایة: الأرض کرویة مع کل مافیها من جبال، سهول، بحار، مناطق عامرة، أو مهجورة وغیر ذلک وتقع في مرکز العالم في وسط [کرة] الهواء، وقد أحاط بها الهواء من کل جانب کإحاطة بیاض البیضة بصفارها (رسائل ...، 2/ 27، 3/ 327). وتوجد الأرض والماء بمجموعهما کرة (2/ 28). والأفلاک هي التي تدور حول الأرض والحرکة الأولی للفلک تکون بمقدار دورة واحدة في کل 24 ساعة (2/ 34-35، 39؛ أیضاً 1/ 270) وقطر الأرض ضئیل للغایة بالنسبة إلی قطر فلک الکواکب الثابتة (2/ 50) ویحدث الخسوف علی إثر مداخلة الأرض. وظل الأرض مخروطي وتبلغ مسافة رأسه حتی سطح الأرض 130 مرة ضعف قطر الأرض؛ ویدور هذا الظل حول الأرض مع الشمس دوماً وفي مواجهتها تماماً. وفي الحقیقة فإن [إشعاع الشمس و] هذا الظل ماهما إلا اللیل والنهار (2/ 44-45). وهکذا ینکشف لنا بوضوح أن إخوان الصفاء یتبعون نظام بطلمیوس بشکل کامل. ولکنهم نسبوا في رسالة کمیة أجناس الحرکات 3 حرکات إلی الأرض: الزلزال، الخسوف (سقوط قطعة کبیرة من الأرض؛ والذي طرح في بعض نصوص الآثار العلویة باعتباره أحد أدلة حدوث الزلزال، ظ: ن.د، الزلزال) والإرحجنان (بمعنی المیل والاهتزاز).

وقد قال إخوان الصفاء حول حرکة الإرجحنان التي لم‌ترد الإشارة إلیها في النصوص الأخری: وأما حرکات الإرجحنان فعتند الحکماء وأنها تتأرجح تارة من الجنوب إلی الشمال، و تارة بالعکس ولکن الناس لایحسون بها لکبر الأرض وعظمها، کما لایحس أهل المراکب في البحر بحرکتها، عند شدة سوق الریاح لها. وذکر هذا الحکیم أن علة تلک الحرکة هي مرور الشمس، تارة من البروج الجنوبیة إلی البروج الشمالیة، وتارة من الشمالیة إلی الجنوبیة، وإنما تجذبها إلی حیث دارت معها وکیف مالت، کما تجذب نباتها من باطنها إلی ظاهرها، وکي تجذب جذور النبات وفروعها إلی الهواء. ومن الحکماء من قال إن سبب ذلک هو أنه من دوران الشمس فوق الأرض، في ناحیة الشمال 6 أشهر في الصیف، کما ذُکر في المجسطي، سخنت أهویة تلک البلاد و میاهها وتحللت رطوبة تلک البلاد، وخلا ذلک الجانب وتحرکت الأرض وترجحت، ونقل الجانب الآخر وتحرکت الأرض وینقل مراکز البعد والثقل جمیعها وترجحت الأرض ولکن لایحس بها لکبرها. ولهم في هذا احتجاجات وکلام وأقاویل یطول شرحها.

فأما الذین أنکروا هذه الحرکة من الحکماء، ودافعوا أن تترجح الأرض فقالوا: لوکان القول کما قیل وکما زعموا، لکان یجب أن تختلف مُسامتات الکواکب الثابتة لبقاع الأرض في الشتاء والصیف؛ وکان یجب أن یرتفع القطبان تارة، وینخفضان تارة، وکان یجب أن‌یکون موضع خط الاستواء الذي تحت معدل النهار مختلفاً، ولسنا نجد الأمر کذلک، فدل علی أن ما قالوه من إرجحنان الأرض باطل. وقد روي في الخبر أن الأرض في بدء الخلق کانت تترجح کما قال هؤلاء الحکماء، فلما أرساها الله تعالی وشیّدها بالجبال الثقال، استقلت وسکنت حرکاتها.

وفي الحقیقة فإن إخوان الصفاء یوضحون هنا بأن زاویة میل دائرة البروج تتأرجح علی إثر دوران الشمس حول الأرض فتوجد في دورات تستغرق 18,6 سنة تأرجحاً في حدود 9,7± ثانیة قوسیة في هذه لازاویة و هو مایسمی بـ «الرقص المحوري».

ویمکن – علی رأي الکاتب – ربط هذا الرأي بشکلٍ ما برأیي دموکریتوس: الأول أن «الأرض کانت في البدء تعوج وتستقیم بسبب صغرها و خفتها ولکنها بقیت ثابتة علی مر الزمن لأنها أصبحت أکثر سماکة وثقلاً» (آیتیوس، III.13.4؛ «الآراء الطبیعیة»، 151؛ دیلس وکرانتس، 68A95) والآخر أن لیوکیپوس ودموکریتوس کانا یعتقدان أن الأرض (التي کان یعتبرها أحدهما مسطحة والآخر یبدو أنه اعتبرها بوجه مقعر ولکن السطح الأسفل مسطح) اعوجت علی إثر سخونة جانب و برودة الجانب الآخر. کما کان إمپدکلس، أناکساغوراس، أرخلایوس ودیوجینس الأپولونیائي ینسبون سبب تشکیل هذه الزاویة إلی انحراف العالم وأشاروا کلهم تقریباً إلی تأثیر حرارة الشمس في هذه العملیة (عن وجهة نظر أمپدکلس ظ: هذه المقالة وقبل ذلک؛ أیضاً ظ: ن.د، دائرة البروج). ولکن نسبة الانحراف الدائمي للسماء، أو الأرض إلی حرارة الشمس کانت قائمة علی أساس العقیدة بأن الشمس أقرب دائماً إلی شمال السماء. وأما إخوان الصفاء فکانوا یعلمون أن الأرض کرویة وفي دورة تستغرق سنة واحدة یتساوی شروق الشمس في شمال السماء، أو جنوبها علی حد تعبیرهم، وهکذا فإن تواجد الشمس في کل واحد من هذین النصفین هو ظاهرة متناوبة ومتذبذبة. وعلی هذا فقد توصلوا هم (أو مصادرهم، فیما إذا لم‌یکن هذا الرأي رأیهم حقاً وکان مأخوذاً من «الحکماء») إلی هذه النتیجة وهي أن الأرض تنحرف أحیاناً علی إثر حرارة الشمس باتجاه الشمال أحیاناً وباتجاه الجنوب أحیاناً أخری. ومن الطریف أن المقدسي، لفت الانتباه إلی نظریة دموکریتوس عند الإشاه إلی الروایة التي استند إلیها إخوان الصفاء (2/ 46-47).

الصفحة 1 من10

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: