الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / أفریقیا /

فهرس الموضوعات

V. علوم القرآن والحديث في أفريقيا

 كان تواجد جمع من الصحابة في مصر نقطة البداية في نشر علوم القرآن، بحيث إن حوزة العلوم في مصر بدأت بالتشكل منذ تلك الفترة بشكل مستقل نسبياً، وعلى عهد التابعين كان لها مَعْلم بارز (ظ: ابن سعد، 7(2) / 191 وما بعدها: إشارات بهذا الشأن). وفي مجال القراءة، كانت مصر في القرون الأولى متأثرة بالقراءة المدنية أكثر من غيرها. وكان ورش، راوية نافع نفسه مصرياً (ظ: أبو عمرو، 31، 36، 183؛ ابن الجزري، غاية...، 1 / 502). وإلى نهاية القرن 4ه‍ / 10م، كانت قراءة ورش عن نافع وباهتمام مقرئين مصريين، مثل يوسف الأزرق (تـ ح 240ه‍ / 854 م) ويونس بن عبد الأعلى (تـ 264ه‍ / 878 م) وأبـي الحسـن النحـاس (تـ بعد 280ه‍ / 893 م) القراءةَ السائدة في مصر وشمال أفريقيا بأسره وعلى الرغم من التداول المحدود للقراءات الأخرى، فإن القراءة المدنية لم يكن لها منافس (ظ: المقدسي، 172، 197؛ ابن الجزري، النشر...، 1 / 114). 
وفي أواخر القرن 4ه‍ ، وبشكل خاص مع تواجد العالمين المهاجرين من حلب، عبد المنعم ابن غلبون (تـ 389ه‍ / 999م) وابنه طاهر ابن غلبون (تـ 399ه‍ / 1009م)، تحولت حوزة القراءة في مصر إلى حوزة مقتدرة تستطيع أن تقف بمصاف حوزات الشام والعراق وإيران. واستطاعت على مدى 3 قرون ــ فضلاً عن تبادل طرق القراءة مع الحوزات المذكورة ــ أن تربّي مؤسسي حوزات القراءة في إفريقية والأندلس. وإن قسماً رئيساً من التراث القرائي والآثار المتقدمة في هذا المجال، تم إنجازه في تلك الفترة بجهود المقرئين المصريين، أو المتوطنين في مصر، وكمَعلم يمكن أن نشير من بين تلك المؤلفات إلى الروضة لأبـي علي المالكي (تـ 438ه‍ / 1046م) وتلخيص العبارات لابن بليمة الهواري، العالم القيرواني المقيم في الإسكندرية (تـ 514ه‍ / 1120م) (للاطلاع على رواجهما، ظ: ن.م، 1 / 72). 
ومن نزعات هذه الحوزة، إيلاء الأهمية لقراءة يعقوب الحضرمي إلى جانب القراء السبعة وهو ما انعكس أحياناً في مجموعة باسم القراءات الثمان مثل التذكرة لطاهر ابن غلبون، وظهر أحياناً بشكل تأليف كتاب مستقل بعنوان مفردة يعقوب، مثل آثـار ابن الفحام، المقـرئ الصقلي المقيم بالإسكندريـة (تـ 516ه‍( وعبـد البارئ الصعيـدي (تـ بعـد 650ه‍ / 1252م) (ظ: ن.م، 1 / 77؛ الروداني، 426). 
وفي القرون التالية، تناقص هذا الازدهار وقلما تُرى آثار مستقلة، فالاكتفاء بالقراءات السبع بالطرق المشهورة وعدم الاعتناء بآثار علم القـراءة ــ عدا التيسير لأبي عمرو الدانـي والشاطبية ــ في القرن 9ه‍ / 15م، حمل ابن الجزري على الشكوى (ظ: تحبير...، 7)، لكن انتقال هـذا التراث الروائي في مصر من جيل إلى جيل مع وجود فترات الازدهار والخمول، استمر إلى العصر الراهن. 
وفي نظرة إلى حوزة القراءة في إفريقية، ينبغي القول إنه وإلى القرن 4ه‍ لم تكن هذه الحوزة تولي اهتماماً لعلم اختلاف القراءات، وكتيار ناجم عن التطور في حوزة مصر، فإن حوزة إفريقية ومنذ أوائل ذلك القرن، انتهجت طريقاً مواكباً لمصر ومتصلاً بها، وكانت دراسة بعض طلاب إفريقية في مصر هي التي فتحت هذا الطريق (م.ن، النشر، 1 / 34-35). وإن جهود المقرئين الأفارقة في تدويـن الآثار التحقيقية للقراءة، مثل عمل ابن سفيان القيروانـي (تـ 415ه‍ / 1024م) في الهادي، وأحمد بن عمار المهـدوي (تـ بعد 430ه‍ / 1039م) فـي الهـدايـة، ومكـي بـن أبـي طالـب القيسـي (تـ 437ه‍ / 1045م) في آثار عديدة منها التبصرة (للاطلاع على انتشار هذه الآثار، ظ: ن.م، 1 / 66، مخ‍ (، تظهر أن إفريقية كانت في تاريخ تدوين القراءات، مساعدة لحوزة مصر ومنافسة مثابرة. وقد بحثت هند شلبي في دراسة موسّعة مكانة علم القراءة في إفريقية حتى أواسط القرن 5ه‍ / 11م، أي فترة الازدهار (ظ: مصادر هذه المقالة). 
وفي القرون المتأخرة، حافظ هذا العلم ــ على الرغم من حالة الركود والنقص فيه ــ على بقائه المحدود في شمال أفريقيا (قا: شلبي، 14). وكان من نتائجه تأليف آثار مثل شرح الشاطبية لابن آجـروم الصنهـاجـي المراكشـي (تـ 723ه‍ / 1323م)، وغيـث النفع لسيدي علي الصفاقسي (القرن 11ه‍ / 17م) (ظ: الصفاقسي، 3-4؛ أيضاً ن.د، 2 / 276). 
وفي مجال تدوين التفاسير، لايلاحظ في مصر وإفريقية، خلال القرون الهجرية المتقدمة وفي فترة ازدهار التفاسير المأثورة في بقية المناطق، نزعة خاصة إلى هذا الأسلوب من التأليف. والاستثناء المهم هو تفسير يحيى بن سلّام، العالم المصري المهاجر إلى إفريقية (تـ 200ه‍ / 816 م) (الذهبي، سير...، 9 / 396-397)، الذي كان دائماً موضع اهتمام كبير في مغرب العالم الإسلامي. وفي فترة رواج التفاسير الدرايية خلال القرون الإسلامية الوسيطة، كان لمصر وإفريقية أيضاً نصيب وافر. ومن الأمثلة على هذا النوع من التفاسير، يمكن ذكر الإرشاد لابن برّجان اللخمي، العالم الأفريقي المتصـوف (تـ 536ه‍ / 1142م)، الـذي أُلّـف بنزعـة عـرفانيـة (ظ: السيوطي، الإتقان، 1 / 35). ومن النماذج المصرية أيضاً يمكن أن نعدّ تفاسير ضخمة ووافية مثل فتح الرحمان في تفسير القرآن لابن قرقمـاس (تـ 882ه‍ / 1478م) (ظ: ن.د، 3 / 696: مخطوطاتـه؛ عـن نماذج أكثر، ظ: الإسنوي، 2 / 240؛ السيوطي، طبقات...، 30، 82، 83، 112، 123-124). وفي أواخر القرن 9ه‍ / 15م، أعدّ جلال الدين السيوطي الدرالمنثور، بوصفه أكثر التفاسير الروايية شمولية، وأكمل التفسير الدرايي الناقص الذي ألّفه جلال الدين المحلـي (تـ 864 ه‍ / 1460م) الذي اشتهر باسم تفسير الجلالين (طُبع مراراً) وتمّ الاهتمام به لدى الأجيال التالية بوصفه تفسيراً مختصراً. وفي القرن الأخير، يلاحظ الاتجاه الواسع لدى المصريين بتأليف التفاسير الدرايية، وإن المجاميع الوافية لتفاسير مثل جواهر القرآن للطنطاوي والمنار لمحمد عبده ورشيد محمد رضا وفي ظلال القرآن لسيد قطب، هي ثمرة هذا الاتجاه. 
وفي مجال علوم الحديث، وكما أشار الذهبي في نظرة عامة، فإن الحديث في عصر التابعين كان مزدهراً في حوزة مصر وبلغ أوج ازدهاره في النصف الثاني من القرن 2ه‍ / 8 م بوجود أمثال الليث بن سعد وابن لهيعة (ن.ع) و ابن وهب (ن.ع) ( الأمصار...، 28). وقد تواصل هذا الازدهار حتى أواسط القرن 4ه‍ وكان من ثماره آثار مثل نسخة أبي صالح كاتب الليث (GAS,I / 104)، ومسند أسد بن موسى وكتابه الزهد، وآثار نعيم بن حماد خاصة الفتن (ن.م، I / 105)، والصحيح المنتقي لابن السكن (ن.ع) وآثار أبي جعفر الطحاوي (ظ: ن.م، I / 440 ff.). ومن بين آثار هذه الفترة، فإن كتاب مسند الصحابة الذين نزلوا مصر لمحمد بن ربيع الجيزي (ظ: الروداني، 360-361)، وبرغم كونه مجهولاً، يحظى بالأهمية لأنه تناول بالبحث الأحاديث المحلية في مصر بشكل خاص. وكان للمصريين في علم الحديث تفردات أحياناً حظيت باهتمام الكتّاب الشرقيين (مثلاً : الصنعاني، 2 / 293؛ أبو داود، 1 / 230، 3 / 114، 185). 
واستناداً إلى قول الذهبي، فإن علم الحديث أصبح مهجوراً في مصر (ن.م، 29-30) خلال هيمنة الفاطميين عليها (356-567ه‍ / 967-1172م)؛ ومن النماذج الجديرة بالذكر خلال هذه الفترة، يمكن أن تذكر آثار مثل شهاب الأخبار (طُبع مراراً) ومسنده للقاضي القضاعي (تـ 454ه‍ / 1062م) (الكتاني، 76)، والمجموعة المعروفة بالأجزاء الخلعيات لأبي الحسن الخلعي وفي عشرين جزءاً (تـ 492ه‍ / 1099م) الذي عُرف في عصره بأنه أعلى أهل مصر إسناداً (ظ: م.ن، 91؛ عن آثار أخرى، ظ: GAS,I / 226,231). 
يشير الذهبي إلى أنه عقب زوال الخلافة الفاطمية، ازدهرت مرة أخرى حلقات دروس الحديث في مصر (ن.م، 30)؛ إلا أن الذي يُلاحظ في هذه الموجة الجديدة هو الاتجاه غالباً نحو تأليف مجاميع موضوعية، أو دراسات حول المتون الحديثية الأصلية. والمعلـم البارز هنا هـو زكي الدين المنـذري (تـ 656ه‍ / 1258م) الذي يمكن أن نذكر كنموذج من آثاره الموضوعية كتابه الشهير الترغيب والترهيب (طُبع مراراً)، في حين أنه في تعامله مع المتون، فقد أعدّ مختصرين لصحيح مسلم وسنن أبي داود، كما كتب حاشية على سنن أبي داود (ظ: GAS,I / 140,151: مخطوطاته). وفي القرون الأخيرة، عُرفت حوزة مصر بوصفها مركزاً للدراسات الحديثية ويلاحظ في تاريخها شخصيات مثل ابـن حجر العسقـلانـي (تـ 773ه‍ / 1371م) ونـور الديـن الهيثمي (تـ 807ه‍ / 1404م) و شهـاب الدين البوصيــري (تـ 840ه‍ / 1436م) وجلال الدين السيوطي (تـ 911ه‍ / 1505م) مع آثارهم العديدة التي تضمنت الابتكارات في أسلوب التأليف. 
وفي حوزة إفريقية، فإن أول الأنشطة الحديثية، هو إعداد تحريـرات لموطأ مـالك علـى يـد أمثـال ابـن زيـاد التونـسي (تـ 183ه‍ / 799م) (مـطبـوع) و يـحيـى بـن يـحيـى المصمـودي (تـ 234ه‍ / 848م) (ظ: ن.م، I / 459: مخطوطاته). وفي القرن 4ه‍ ، ينبغـي أن يذكر أبو العرب التميمي (تـ 333ه‍ / 945م) الـذي ألّف ــ فضلاً عـن كتابـه الروايي المحـن (بيـروت، 1983م) ــ آثـاراً عديدة مثل مسند حديث مالك وعوالي الحديث (ظ: القاضي عياض، 3 / 335). وخلال حديثه عن الفترة المتقدمة للحديث في المغرب، رأى الذهبي أن رواج الحديث في بقاع مثل بجاية وتلمسان وفاس ومراكش كان ضئيلاً (ن.م، 55-56)، لكن في الفترات اللاحقة تزايدت أهمية الحديث في المغرب. 
وفـي مرحلة دراسة المتون الحديثية، فقد أُولي اهتمام خـاص بـ الموطأ والصحيحين من قِبل علماء المغرب. ومن بين هذه الآثار الملخـص لأبي الحسن القابـسي (تـ403ه‍ / 1012م) حول الأحاديث المسندة في الموطأ (الكتاني، 14). وفي القرن 6ه‍ / 12م، فإن عالم أهل سبتة، القاضي عياض (تـ 544ه‍ / 1149م) في آثاره المتنوعة مثل الشفا بتعريف حقوق المصطفى( إستانبول، 1267ه‍( ومشارق الأنوار (شرح على الموطأ والصحيحين) (الكتاني، 157)، منح مظهراً جديداً للحديث في المغرب. وقام العالم المعاصر له، ابن تومرت (تـ 524ه‍ / 1130م) من خلال نزعته المذهبية والسياسية الخاصة لنوع من التشيع، في عمله الحديثي بالأسلوب المغربي المتداول، بإعداد تحرير للموطأ (الجزائر، 1905م) وتلخيص لصحيح مسلم (ظ: طالبي، 12-13: مخطوطاته). كما كان كل من الصحيحين والموطأ في القرون اللاحقة موضوعاً لجهود عدد من العلمـاء مثل الندرومي التلمسانـي (تـ 625ه‍ / 1228م) وعمر بن علـي الوريغلي وابن مـرزوق حفيد التلمسانـی (تـ 842ه‍ / 1438م) (ظ: GAS,I / 120,124,126,462: مخطوطاته). 
ومن حيث رواية المتون، فقد انبرى ابن أبي شنب في مقالة لدراسة رواية صحيح البخاري في الجزائر (ظ: ن.م، I / 118)، وليفي پروفنسال في مقالة لدراسة شاملة للرواية المغربية لصحيح البخاري (ص 209-233). ومهما يكن، فإن الفهارس العديدة المتوفرة لمحدثي المغرب وبشكل خاص فهرسة ابن غازي المـكنـاسـي (تـ 919ه‍ / 1513م)، وصـلـة الـخـلـف للـرودانـي (تـ 1094ه‍ / 1683م)، وفهرس الفهارس للكتاني في القرن الأخير، هي مصادر ثرّة لدراسة الأسانيد المغربية والمتون الحديثية المتداولة في المغرب. 

المصادر

ابن الجزري، محمد، تحبير التيسير، بيروت، 1404ه‍ ؛ م.ن، غاية النهاية، تق‍ : برجستراسر، القاهرة، 1351ه‍ / 1932م؛ م.ن، النشر في القراءات العشر، تق‍ : علي محمد الضباع، القاهرة، مطبعة مصطفى محمد؛ ابن سعد، محمد، كتاب الطبقات الكبير، تق‍ : زاخاو وآخرون، ليدن، 1904- 1918م؛ أبو داود السجستاني، سليمان، سنن، تق‍ : محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، دار إحياء السنة النبوية؛ أبوعمرو الداني، عثمان، التيسير، تق‍ : پرتسل، إستانبول، 1349ه‍ / 1930م؛ الإسنوي، عبدالرحيم، طبقات الشافعية، تق‍ : عبد الله الجبوري، بغداد، 1390-1391ه‍ ؛ الذهبي، محمد، الأمصار ذوات الآثار، تق‍ : محمود الأرناؤوط، دمشق، 1405ه‍ / 1985م؛ م.ن، سير أعلام النبلاء، تق‍ : شعيب الأرنؤوط وآخرون، بيروت، 1405ه‍ / 1985م؛ الروداني، محمد، صلة الخلف، تق‍ : محمد حجـي، بيروت، 1408ه‍ / 1988م؛ السيوطي، الإتقان، تق‍ : محمد أبو الفضـل إبراهيم، القاهـرة، 1387ه‍ / 1967م؛ م.ن، طبقـات المفسريـن، تق‍ : علي محمد عمر، القاهرة، 1396ه‍ / 1976م؛ شلبي، هند، القراءات بإفريقية، الدار العربية للكتاب، 1983م؛ الصفاقسي، علي، «غيث النفع»، مع سراج القارئ المبتدئ، بيروت، دار الفكر؛ الصنعاني، عبد الرزاق، المصنف، تق‍ : حبيب الرحمان الأعظمي، بيروت، 1403ه‍ / 1983م؛ طالبي، عمار، مقدمة أعزّ ما يطلب لابن تومرت، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب؛ القاضي عياض، ترتيب المدارك، بيروت، 1387ه‍ / 1967م؛ الكتاني، محمد، الرسالة المستطرفة، إستانبول، 1986م؛ المقدسي، محمد، أحسن التقاسيم، بيروت، 1408ه‍ / 1987م؛ وأيضاً:

GAS; Lévi-Provençal, E., «La Recension maghribine du Şaḥi d’al-BoƄārī», JA, 1923, vol. CCII.

أحمد پاكتچي / ه‍

 

الصفحة 1 من10

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: