الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / أفریقیا /

فهرس الموضوعات

IV. المدارس والمذاهب في أفريقيا 

على الرغم من أن قارة أفريقيا تُعدّ وحدة جغرافية، فإنه لدى دراسة تاريخها الثقافي وبشكل خاص جانب منه وهو تاريخ المدارس والمذاهب الإسلامية ينبغي أن ينظر إليها بوصفها ميداناً للثقافات غير المتجانسة إلى جانب بعضها البعض. وبغية دراسة كل بُعد من أبعاد الحياة الثقافية في أفريقيا، فمن الممكن استخدام شكل من أشكال التقسيم الإقليمي؛ لكن و كأساس لدراسة المدارس والمذاهب الإسلامية تاريخياً يمكن اقتراح تقسيم القارة إلى 3 أقسام: 1. مصر؛ 2. شمال أفريقيا؛ 3. شرق أفريقيا وماوراء الصحراء. 
أصبحت مصر بفتحها السلمي نسبياً في 20ه‍ / 641م أول قاعدة لتبليغ الإسلام داخل القارة. وكانت هذه البلاد قد تعرفت إلى الثقافــة الإسلامية طـوال القرن الأول الهجـري، بحيـث يمكنهـا ــ وفي خضم تشكل المدارس والمذاهب في القرنين 2و3ه‍ / 8و9م ــ أن تترك في هذا التشكل تأثيراً فاعلاً كبلد مؤثر. وشمال أفريقيا ومع التأخر النسبي الذي حدث في فتح تلك الديار (بعد 89ه‍ / 708م)، فقد كان بطبيعة الحال ذا أوضاع وأحوال مختلفة. وهذه الخصيصة ــ بشكـل قابل للمقارنـة بما وراء النهر ــ كانت تؤدي إلى أن تلعب هذه المنطقة دوراً ثانوياً في التعامل مع التقسيمات المذهبية في العالم الإسلامي. وكان لشرق أفريقيا وما‌وراء الصحراء وضع مختلف تماماً. وعلى الرغم من أن معرفة أجزاء منه بالدين الإسلامي كان قد بدأ منذ القرون الإسلامية الأولى، فإن علاقته بالمدارس الإسلامية ومراكزها كانت غير مباشرة وغير متواصلة. 

الخلفيات الأولى

في القرن الأول الهجري ومنذ عهد عثمان، كان قد ظهر بين المصريين فكران متضادان: 1. فكر فريق من الناس كانوا من خلال انتقادهم لسياسات عثمان يطالبون بالإصلاحات ويعدّون أنفسهم أتباعاً للإمام علي (ع)؛ 2. فكر فريق من الوجهاء ومن معهم الذين كانوا يرون الظروف الاقتصادية غير المتوازنة تصب في مصلحتهم. وكان للفريق الأول بتحالفه مع قوى المعارضة الكوفية والبصرية بحركة في 35ه‍ / 655م والتي انتهت بمقتل الخليفة الثالث، مساهمة فاعلة (ظ: اليعقوبي، تاريخ، 2 / 174-175؛ الطبري، 4 / 340 ومابعدها). وقد ترسّخ هذا التضاد إبان خلافة الإمام علي (ع) (م.ن، 4 / 442، 552-553)، فاستناداً إلى الشواهد التاريخية، كان الاتجاه المطالب بالعدالة ومناهضة التمييز والذي اتخذ من انتقاد عثمان وتأييد الإمام علي (ع) شعاراً له، طوال القرن 1ه‍ / 7م و شطراً من القرن 2ه‍ / 8م، يُعدّ النزعة الغالبة بين المصريين (أيضاً ظ: الدميري، 2 / 310). 
و نظراً لما ذُكر، فإن نشوء النزعات الشيعية في مصر هو أمر متوقع، لكن ينبغي الالتفات إلى أنه مع بداية القرن 2ه‍ ، كانت النزعة إلى مدرسة أصحاب الحديث التي كانت تُعرف شيئاً فشيئاً بوصفها المَعْلَم البارز لاتّباع السنة والجماعة، قد وجد في مصر أيضاً قاعدة له تدريجياً. ومن المنتمين إلى هذه المدرسة في النصف الأول من القرن 2ه‍ ينبغي أن نذكر فقهاء ومفتين من أصحاب الحديث مثل عمرو بـن الحارث ويونس بن يزيد الأيلي وعبد الله‌ بن لهيعة الذين أسسوا في مصر مدرسة محلية للفقه والحديث. وقد بلغت هذه المدرسة ذروتها أواسط القرن 2ه‍ بظهور الليث بن سعد الذي عُدّ أبرز ممثل أصحاب الحديث في مصر. وفضلاً عن مكانته العلمية، فقد كان له دور رئيس في جعل الأفكار العامة في مصر معتدلة تجاه نقد الصحابة وبشكل خاص عثمـان وإعدادهم لقبول الفكر السياسي لأهـل السنة والجماعة (ظ: ن.ص). 
وفي بلاد إفريقية والمغرب، كانت صعوبة الفتوحات وتعنت البربر في قبول سيادة الفاتحين الأمويين من جهة، وأسلوب الأمويين في تفضيل العنصر العربي من جهة أخرى، عوامل أدت في العصر الإسلامي الأول إلى ظهور شكل من التقسيم بين العرب والبربر في المنطقة؛ وكان للفاتحين العرب الذين تمركزوا في مدن الشريط الساحلي مثل برقة وطرابلس والقيروان، نظرة أكثر تفاؤلاً تجاه الحكومة المركزية والمدارس الداعمة لشرعيتها وبشكل خاص أصحاب الحديث، قياساً بالبربر الذين اعتنقوا الإسلام. وفيما يتعلق بالعرب المهاجرين أيضاً، ينبغي الانتباه إلى الاختلاف القائم بين قريش وبقية القبائل وتأثيره في المواقف السياسية ـ الدينية. 
وفي بيئة المغرب، كانت حالة معاداة الحكومة المركزية تزداد شدة كلما اتجهنا من الشرق إلى الغرب، وكانت هذه الخصيصة قد أعدت الأرضية لنشاط المجاميع الدينية المعارضة للحكومة المركزية مثل بعض فرق الشيعة والمحكِّمة. وقد أدى وجود هذه الخصوصيات إلى أن يكون المغاربة أول شعب مسلم سمح لنفسه بانتهاك حرمة الخلافة المركزية والإتيان بالسلالات الحكومية التي كان الشخص الأول فيها يطلق على نفسه لقب الخليفة، أو الإمام. 

أوساط أصحاب الحديث

تزامناً مع نشاط العلماء المتقدمين من أصحاب الحديث في شتى البقاع في سبيل تدوين وبلورة تعاليم مدرسة أصحاب الحديث، ينبغي أن نذكر في المدرسة العلمية بمصر أيضاً الليث بن سعد الفهمي (94-175ه‍ / 713-791م) الذي كان مذهبه ولفترة المنافس اللدود لمذهب مالك في المنطقة. وقد أمضى الليث فترة دراسته في الحجاز واستفاد من مشايخ مكة والمدينة المشاهير مثل عطاء بن أبي رباح وابن شهاب الزهري (ظ: النووي، 1(2) / 73-74). وربما كانت خصيصة الجمع بين سنة المكيين والمدنيين في فقه الليث هي التي جعلته موضع اهتمام الشافعي بشكل كبير (ظ: ن.ص). 
على الرغم من وجود سابقة لتأثير الثقافة الحجازية وخاصة المدنية على أوساط المسلمين المصريين ومع احترام الليث لهذا التقليد، فقد أصدر ــ ومن خلال نفيه حجية سيرة أهـل المدينـة ــ مجموعة من الفتاوى خلافاً لما كان يعمل به المدنيون (ظ: مالك، 64؛ الليث، 83 وما بعدها). 
وهكذا سعى إلى أن يبعد الفقه المصري عن اتّباع المدينة ويوفّر له شكلاً من أشكال حرية الاختيار. وإن التوجه إلى المصادر الروائية المتنوعة للمراكز الإسلامية المختلفة وبدء عملية نقد ودراسة الاختلافات بين الأحاديث (ظ: م.ن، 85- 88)، الذي كان ثمرة هذا التنوع، كان في حقيقته ممهداً للأسلوب الذي نظمه الشافعي في الجيل التالي؛ وفي كلام عابر له بشأن مكانة الليث هذه وعدم ظهور خليفة له في مصر، عدّه الشافعي فقيهاً أفضل من مالك ورأى أنه لم يجد له تلامذة لائقين يطورون علمه (ظ: النووي، 1(2) / 74). 
وكان يونس بن يزيد الأيلي (تـ 159ه‍ / 776م) أيضاً من فقهاء أصحاب الحديث الشاميين ـ المصريين الآخرين والذي أمضى دراسته في مجلس ابن شهاب الزهري وكان على صلة علمية بأشخاص مثل الأوزاعي والليث (ظ: البخاري، محمد، 4(2) / 406). وقد بقي جزء من تعاليمه الفقهية في مجموعة المدونة المالكية، ويحتمـل أن تـكون مستقـاة من مؤلَّف بـقـلـمـه هـو نـفسه (ظ: GAS,I / 519). ويدل بقاء آراء يونس في هذه المجموعة المصرية ـ الأفريقية على هذه الحقيقة و هي أن تعاليمه كان يُنظر إليها بعين الاحترام في أوساط شمال أفريقيا في الأجيال التالية أيضاً، وأن انتشار المذهب المالكي في المنطقة لم يؤد إلى نسيان آراء هذا الفقيه المصري المستقل (عن المذاهب التي حلت في الفترات التالية، ظ: قسم المذاهب الفقهية في هذه المقالة). 
و في إفريقية توجد أخبار دالة على أن عمر بن عبد العزيز أرسـل إلى هذه البـلاد 10 من العلمـاء لتفقيـه أهلها في الديـن (ظ: أبوالعرب، 84). و ينبغي لعمله هذا أن يُعدّ منعطفاً في تشكل مدرسة أصحاب الحديث في هذه المنطقة. وفي تحليل للأوضاع المذهبية في إفريقية، ذكّر ابن حزم الأندلسي بأن السنة والقرآن كانا غالبين في هذه المنطقة قبل ظهور أنشطة أسد بن الفرات، أي حتى أواخر القرن 2ه‍ (ظ: 1 / 626). ومهما يكن، فإن تواجد نزعة أصحاب الحديث في إفريقية خلال القرن 2ه‍ ينبغي أن يعدّ انعكاساً لمـدارس أصحـاب الحديـث فـي المشرق، والتوجـه إلى أنــه لم تتشكل مدرسة مهمة في المنطقة خلال تلك الفترة (الذهبي، الأمصار...، 55-56: تأييد لذلك). 

المذاهب الشيعية

في شمال أفريقيا، كانت مصر بسبب وجود خلفيات للتشيع فيها منذ القرن الأول الهجري، والمغرب بسبب النزعات المطالبة بالاستقلال والمعارضة للحكومة المركزية، مناطق مناسبة بـالقوة لنمو شتى المذاهب الشيعية. ومن الناحية التاريخية أيضاً هناك شواهد تظهر أن هذه القوة وجدت لها فعلية أيضاً و إلى حد ما، غير أن فقدان علاقة قريبة بين شيعة أفريقيا وشيعة المشرق وبشكل خاص في التيارين الإمامي والزيدي، أدى إلى أن لاتبقى الآثار المدونة الخاصة بتشيع أفريقيا في العصور المتقدمة، وهذا هو ما جعل المعلومات القليلة بهذا الشأن رهينة الروايات المتناثرة التي انعكست في آثار السكان الأصليين، غير الشيعة، أو الشيعة، من غير السكان الأصليين. ولما كانت هذه المعلومات المتناثرة لم تُجمع و لم تقيّم بشكل لائق، فينبغي الإذعان بأن البحث في مجال التواجد التاريخي للإمامية والزيدية في أفريقيا مايزال في مراحله الأولية. 

الإمامية

من المعلومات القليلة عن القرن 2ه‍ / 8م، إشارات في المصادر الرجالية إلى بعض رجال الشيعة مثل عمرو بن جابر الحضرمي (ظ: ابـن حجـر، تقريـب...، 419، مخ‍ ؛ أيضاً الذهبـي، ميزان...، 4 / 27- 28). كما يمكن العثور ضمن أسانيد الإمامية ورجالهم على أسماء بعض المصريين والأفارقة في عداد أصحاب الإمام الصادق (ع) (مثلاً ظ: البرقي، 548؛ فرات، 210؛ دلائل...، 100-101؛ الطـوسي، رجـال، 174، مخ‍ (. ومن مشـاهيـر رجـال الإمامية في القرن 3ه‍ / 9م يمكن أن نذكر في مصر أبا عبد الله الحسين بن علي المصري، الفقيه والمتكلم (النجاشي، 66)، وفي المغرب أشخاصاً مثل أحمد بن عبد الله القروي من رواة الكتب الأربعة (ظ: الأردبيلي، 1 / 52)؛ وحمزة بن عمارة البربري، من المتهمين بالغلوّ (الكشي، 304-305، مخ‍ )؛ وأبا أحمد محمد بن عماد (عمار؟) البربري، راوي التفسير (فرات، 165). كما تجدر الإشارة إلى نص قصصي حول تواجد الإمامية في المغرب الأقصى كان شائعاً بين محدثي مدينة قم في القرن 3ه‍ مما فيه جذور من الحقائق التاريخية (ظ: الصفار، 510). 
ومن الأمور المهمة حول متقدمي الإمامية في المغرب وجود فرع من مذهب الواقفة ــ الذين توقفوا عند إمامة الإمام الكاظم (ع) ــ في بلاد السوس في المغرب الأقصى كان المبلِّغ به عالم صاحب تآليف يدعى علي بن ورسند. وفيما يتعلق بهذه الفرقة المذهبية التي كانت استناداً إلى روايات ابن حوقل و ابن حزم والإدريسي وإشارات آخرين، موجودة في المغرب حتى عصر المرابطين، فإنه لم يتم بحث وافٍ حتى الآن، لكن ماديلونـغ ــ من خلال جمعه معلومات متناثرة ودراستها ــ قدّم صورة أولية عن حياتها (ظ: ص 87-97). 
ويبدأ ازدياد المعلومات عن خلفية الإمامية في مصر مع القرن 3ه‍ وظهور الدعوة الإسماعيلية؛ ذلك أنه جرى التأكيد في شتى المصادر التاريخية على أن الإمامية في المغرب كانوا مجتمعاً عريقاً ذا حياة ثقافية في وقت سبق ظهور الدعوة الفاطمية (مثلاً ظ: المقريزي، الخطط، 2 / 334). واستناداً إلى ما صرحت به المصادر، فإن أشخاصاً مثل أبي نصر ابن أبي عمران، الداعية الفاطمي وزرارة بن أحمد والقاضي عبيد الله في المهدية كانوا على المذهب الإمامي قبل انخراطهم في خدمة الفاطميين (ظ: الخشني، 226؛ ابن حجر، لسان...، 1 / 207)، الخصوصية التي يُدعم صدقها إذا أخذنا بنظر الاعتبار آثار القاضي النعمان المغربي أكبر منظِّر في الدولة الفاطمية. 
وطوال فترة اقتدار الفاطميين في القرنين 4و5ه‍ / 10و11م كانت مصر تُعدّ قاعدة للإمامية. ومع وجود متكلمين مهمين مثل أبي الأحوص المصري (أوائل القرن 4ه‍( )ظ: الطوسي، الفهرست، 221؛ النجاشي، 157) كان لها أهمية أيضاً من حيث النشاط الروائي. وهذه الخصيصة جذبت محدّثين مثل أبي المفضل الشيباني وهارون بن موسى التلعكبري إلى مصر في القرن 4ه‍ ، بل وإلى بعض مدن مصر العليا حتى أسوان (ظ: الطوسي، رجال، 445، 460، مخ‍ ، أمالي، 2 / 68، 104، 231، مخ‍ ؛ النجاشي، 232، 379). 
وإن الأسئلة الموجهة من إمامية مصر إلى علماء الإمامية في العراق مثل ابن جنيد الإسكافي وابن بابويه والشريف المرتضى تظهر استمرار وجود هذا المذهب هناك طوال تلك القرون والسعي إلى إقامة علاقة بأبناء المذهب في الشرق (ظ: المفيد، 224؛ الطوسي، الفهرست، 126؛ النجاشي، 271، 392، 400). وفي هذا الصدد أيضاً، فإن فقهاء مصريين تربّوا في مدرسة الشيخ الطوسي ببغداد وعادوا إلى ديارهم للعمل في حوزات مصر ومن بينهم سليمان بن الحسن الصهرشتي، الفقيه القدير الذي كانت آثاره الفقهية موضع اهتمام الإمامية في المشرق أيضاً (ظ: منتجب الدين، 85). وفي هذا الجيل وكذلك في الأجيال اللاحقة، يمكن ذكر بعض فقهاء مصر مثل الحسن بن عبد العزيز الجبهاني وريحان الحبشي اللذين كانا قد تأثرا كثيراً بالمدرسة الإمامية في الشام أيضاً (ظ: م.ن، 44؛ ابن حجر، ن.م، 2 / 469؛ أيضاً عن نقش شيعي في أسوان يعود لسنة 494ه‍ ، ظ: «تقرير...»،VIII / 47). 

الزيدية

ورد الحديث في المصادر الزيدية للقرن 3ه‍ عن عالم مصري، يدعى محمد بن حبيب كان جارودي المذهب على ما يبدو (ظ: المرشد بالله، 1 / 124). كما وصلنا عن العالم المصري في القرن 3ه‍ ، محمد بن أحمد الصابوني خبر يقول إنه كان على المذهب الزيدي قبل إيمانه بالمذهب الإمامي (النجاشي، 374-375؛ عن أنموذج آخر، ظ: المنصور بالله، 2 / 19). كما وصلتنا عن زيدية المغرب أيضاً أخبار متناثرة تظهر أن تواجدهم في المنطقة كان محدوداً، لكنه متواصل؛ وفي القرن 6ه‍ / 12م، تحدث القزويني الرازي عن تواجد جماعة زيدية في المغرب (ص 493)، و قد سافر عبد الله ابن حمزة من أئمة الزيدية في اليمن إلى المغرب حوالي سنة 608ه‍ / 1211م وبذل جهوداً في سبيل إقامة علاقات بين زيدية المغرب والمركز في اليمن (ظ: ابن حمزة، 1 / 14 وما بعدها؛ أيضاً عن زيدية المغرب في العصور المتأخرة، مثلاً ظ: الواسعي، 5، مخ‍ ). 
وتتوفر في شرق أفريقيا، شواهد قديمة على تواجد الزيدية تعتبر هذه الفرقة مساهمة في التبليغات الأولى للدين الإسلامي في هذه المنطقة؛ واستناداً إلى بعض الروايات، فإن الزعيم الزيدي، الحسن بن علي بن الحسن كان قد سلك طريق شرق أفريقيا في 123ه‍ / 741م، ويبدو أن فريقاً من أبناء مذهبه كانوا يرافقونه أيضاً (ظ: بدوي، 116). كما أنه واستناداً إلى تاريخ عربي مدون حصل عليه البرتغاليون في 911ه‍ / 1505م، فإن أول مجموعة سكنت بلدة كلوة كانوا من أتباع زيد بن علي واشتهروا بالانتساب إليه، ثم أُبعدوا فيما بعد إلى مناطق أبعد في الجنوب مع انتشار التسنن في المنطقة (ظ: آرنولد، 343-344). 
وفيما يتعلق بخصائص المذهب الغالب في رقعة حكم العلويين في المغرب الأقصى خلال القرون الهجرية الأولى مثل دولة بني محمد بن جعفر ودولة بني سليمان (ظ: اليعقوبي،«البلدان»، 352-359)، والأهم من كلتيهما دولة آل إدريس التي حكمت طويلاً (172-375ه‍ / 789-985م)، فإنه لم تتم حتى الآن الدراسات اللازمة بهذا الشأن. ومن الضروري أن تبحث ارتباطات تشيعهم بالمذهبين الإمامي والزيدي (الأشعري، 64: إشارة إلى تشيع الإدريسي). ويوجد في المصادر الإمامية، خبر عن علاقة أبي هاشم الجعفري (تـ 261ه‍ / 875 م) من أصحاب عدد من الأئمة الإمامية بالشيعة الأدارسة وسفره إلى المغرب (ظ: البخاري، سهل، 13؛ أيضاً ظ: ابن الفقيه، 81: العلاقة بين الأدارسة والإمامية). وكون المقدسي قد عدّ مذهب الأدارسة خلفيةً للمذهب الإسماعيلي (ظ: ص 196-197) ناجم عن عدم معرفته بدقائق الاختلاف بين المذاهب الشيعية وكذلك مناشئ الفكر الإسماعيلي. 

الإسماعيلية

يبدأ تاريخ الدعوة الإسماعيلية في أفريقيا من 280ه‍ / 893 م عندما هاجر أبو عبد الله الشيعي بوصفه داعية من قِبل ابن حوشب، زعيم إسماعيلية اليمن، إلى المغرب ونشر هذا المذهب بين بربر قبيلة كتامة، وقد جعل من الكتاميين قوة عسكرية ملحوظة، وسرعان ما أسقط حكومات المغرب الواحدة تلو الأخرى، وباستيلائه على القيروان في رجب 296 / نيسان 909، تسلم السلطة السياسية الأولى في المغرب؛ وتوجه على الفور إلى سجلماسة وأطلق سراح عبيدالله المهدي، الإمام الإسماعيلي الذي كان قد غادر الشام في 289ه‍ متجهاً إلى المغرب وأصبح سجيناً لدى الصفريين في سجلماسة، ووضعه على رأس الحكومة؛ فكانت تلك بداية الحكم الفاطمي (القاضي النعمان، 54 وما بعدها؛ 
ابن حماد، 6 وما بعدها). 
وفي 358ه‍ / 969م، فتح الفاطميون مصر، وسرعان ما انتقلت عاصمتهم إليها. وطوال عصر الخلافة الفاطمية (296-487ه‍ / 909-1094م)، نجح الإسماعيليون بتمتعهم بالقدرة السياسية في أن يدونوا تعاليم فرقوية ويخلقوا ثقافة مزدهرة من جهة، ومن جهة أخرى وباتخاذهم مصر قاعدة أن يوجدوا جهازاً للدعوة ينشر هذا المذهب حتى أقصى بقعة من العالم الإسلامي و يتزعم أتباعه. وقد سقطت السلالة الفاطمية في 567ه‍ / 1172م على يد صلاح الدين الأيوبي الذي فرض على الفور شعائر أهل السنة على مصر. 
على الرغم من أن مذهب الفاطميين، بوصفه المذهب الرسمي في عصرهم كان قد جمع له بحسب الظاهر أتباعاً كثيرين من أهل إفريقية ومصر (ظ: المقدسي، 172، 196)، إلا أن صفحات التاريخ تشهد بأنه وبزوال القدرة السياسية الفاطمية، اقتصر عدد أتباع المذهب الإسماعيلي على نطاق محدود يشمل الأتباع الحقيقيين للمذهب في إفريقية أولاً، ثم في مصر. ولم يدم المذهب الإسماعيلي بعد الفاطميين طويلاً في إفريقية والمغرب، بينما ظلت بقايا الإسماعيليين في مصر على أمل النجاح مرة أخرى ينظمون أعمال التمرد ضد الأيوبيين إلى فترة ينبغي أن نشير من بينها إلى حركتي سنتي 569 و572ه‍ واللتين كانتا الذريعة لاقتلاع جذور هذا المذهب من مصر (ظ: المقريزي، اتعاظ...، 3 / 347- 348). 
وفي القرن 7ه‍ / 13م، أصبحت مصر العليا قاعدة موقتة للجماعة الإسماعيلية، وخلال أقل من قرن أعقب ذلك كان المذهب الإسماعيلي قد قُضي عليه في مصر بأسرها (ظ: ن.د، 7 / 718). واستناداً إلى حكايات محلية، فإن فريقاً من أهل كُردفان وبشكل أعم، السودان الشرقي يعدّون أنفسهم أعقاباً للعرب (الإسماعيليين على ما يبدو) الذين كانوا قد رحلوا إلى مناطق النيل الأعلى بعد سقوط الدولة الفاطمية (ظ: آرنولد، 323). 
وفي خاتمة الحديث عن التشيع في أفريقيا، تجدر الإشارة إلى ابن تومـرت (تـ 524ه‍ / 1130م) مؤسس سلالـة الموحدين فـي المغرب الأقصى الذي كان يدَّعي المهدوية ويعرض مذهباً له أرضية غير شيعية في الكلام والفقه، لكنه وجد له صبغة شيعية وبشكل خاص إمامية في بعض أسس التشيع وشعائره مثل القول بإمامة المنصوص عليه وعصمة الإمام (ظ: ابن تومرت، كافة أرجاء الكتاب). وعلى الرغم من أن حكومة سلالة الموحدين استمرت إلى عدة أجيال، إلا أن المذهب الشيعي الخاص بابن تومرت لم يتابع على أيدي خلفائه ولم يستمر في الوجود. 

 

الصفحة 1 من10

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: