أفریقیا
cgietitle
1442/12/9 ۱۴:۰۱:۴۷
https://cgie.org.ir/ar/article/236450
1446/11/13 ۱۸:۳۸:۰۰
نشرت
8
لما كانت أفريقيا التي ماوراء الصحراء غير معروفة تماماً لسكان بقية القارات وكذلك لسكان شمال القارة، إلا في القرون العديدة الأخيرة، كما لم يخلّف السكان الأصليون لهذه المنطقة آثاراً مكتوبة من الماضي السحيق، فإن الدراسة التاريخية لكل ظاهرة ومنها اللغة في هذه المنطقة تواجه صعوبة كبيرة. واللغة الوحيدة المستثناة من بين ذلك والتي ظل شكلها القديم بهيئة مكتوبة، هي اللغة النوبية التي على الرغم من تبعيتها لفصيلة اللغات النيـل ـ صحراوية، يوجد لها بسبب مجاورتها للمصريين والأحباش وتمتعها بظروف ثقافية متطورة نسبياً، تقاليد مدونة منذ العصور القديمة (ظ: السطور التالية). ومنذ القرن 9ه / 15م، وتزامناً مع بداية مجيء الأوروبيين إلى أفريقيا ماوراء الصحراء، حظيت اللغات الأفريقية أيضاً وبالتدريج بدراستهم واهتمامهم. وخلافاً للقسم الشرقي من أفريقيا الذي كان معروفاً للمسلمين مسبقاً، فإن أول تقارير الأوروبيين عن القسم الغربي له أهمية فائقة. وأول إجراءات هؤلاء القادمين حديثاً بشأن تدوين لغة السكان الأصليين صدر في 1659م بشكل عدد من فهارس الكلمات وأول قواعد نحوية للغة في ماوراء الصحراء، أي الكونغو. 1. الفصيلة النيل ـ صحراوية: وتضم هذه الفصيلة بحد ذاتها حوالي 100 لغة خاصة بستة فروع من بينها الفرع الشاري ـ النيلي وهو أوسعها وأقلها انسجاماً. وفي هذه التسمية نهرا الشاري والنيل كانا مأخوذين بنظر الاعتبار، حيث حوضاهما والمنطقة الواقعة بينهما هي حدود منطقة لغات هذه المجموعة. ويسكن القسم الأكبر من الناطقين بلغات هذه الفصيلة في نفس المنطقة بين الشاري والنيل. بينما امتدت منطقة انتشار هذه الفصيلة من مصر شمالاً إلى تنزانيا جنوباً، ومن الحبشة شرقاً إلى مالي غرباً (ظ: م.ن، 267). وبدوره يتفرع فرع الشاري ـ النيلي إلى أربعة تفرعات: إلى جانب الفرعين القليلي الأهمية كوناما وبرتا اللذين لهما انتشار محدود في إريتريا والسودان الشرقي، يتمتع فرعا السودان الأوسط والسودان الشرقي بالأهمية. والفرع السوداني الأوسط، هو مجموعة واسعة وغير متجانسة من اللغات الشائعة في شمال غرب أوغاندا وجنوب السودان وشمال شرق زائير وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى. أما الفرع السوداني الشرقي، فهو الأكثر تنوعاً ويقسم بدوره إلى 10 تفرعات أهمها الفرع النوبي الذي كان نطاق انتشاره في بلاد النوبة القديمة، في النيل الأعلى، وانتشرت اليوم بعض لهجاته إلى بقية مناطق السودان ومنها كُردُفان الجنوبية. ومن حيث الخلفية التاريخية، فإن الآثار المدونة باللغة النوبية القديمة كتبها النوبيون المسيحيون في منطقة النيل الأعلى خلال القرون 2-5ه / 8-11م وكان الخط الذي استخدموه شكلاً من أشكال الخط القبطي بزيادة ونقصان عدة حروف. وفي القرن 4ه وفي الوقت الذي لم يكن الإسلام فيه قد هيمن على بلاد النوبة، ذكّر ابن النديم ــ ضمن إشارته إلى اللغة النوبيـة ــ بأن هذه اللغة كانت تكتب بخطوط مختلفة هي السريانية والرومية [اليونانية] والقبطية على حد تعبيره (ص 21). وفي العصر الإسلامي حل الخط العربي محل الخطوط الأخرى وكُتبت المؤلفات النوبية الوسطى القليلة الباقية بالخط العربي (عن النوبية الوسطى، ظ: ستريكر، 439 ff.). وفضلاً عن الفرع الشاري ـ النيلي، فإن الفروع الخمسة الباقية هي سونغاي، الصحراوية، مابا، كُما وفور. ويضم فرع سونغاي لغة مهمة لاأقارب لها، ترتبط تاريخياً بمملكة سونغاي المهمة، وينطق بها اليوم حوالي مليوني نسمة على طول شواطئ نهر النيجر في دولتي مالي والنيجر. ويضم الفرع الصحراوي اللغات الرئيسة في تشاد وقسماً من المناطق المتصلة بها في نيجريا والنيجر وليبيا والسودان. ومن أهم لغات هذا الفرع ينبغي أن نذكر الكنوري والزغاوة اللتين تتمتع كلتاهما بأهمية تاريخية. والكنوري التي هي تاريخياً لغة مملكة بورنو الإسلامية، تعرف اليوم في شمال شرق نيجريا بوصفها اللغة الأصلية، أما لغة الزغاوة التي كان شكلها القديم معروفاً في القرن 4ه / 10م وذكرها ابن النديم في عداد اللغات الأصلية لأفريقيا (ن.ص)، فهي منتشرة اليوم في شرق منطقة لغة الكنوري في تشاد، وقسم من السودان؛ أما الفرع فور، فيشمل عدداً من لغات شعوب فور في محافظتي دارفور الشمالية والجنوبية في السودان (ظ: كريستال، 340,359، مخ (. 2. الفصيلة النيجر ـ الكونغوية: في نظرة إلى الخلفية التاريخية لهذه الفصيلة ينبغي البحث عن نطاقها الأول في غابات وأجمات أفريقيا الغربية، ومتابعة مسيرة انتشار هذه اللغات نحو الشرق والجنوب مع مسيرة هجرة الشعوب الزنجية إلى الداخل. وكان الضغط السكاني الذي دفع ــ على ما يبدو في بداية بدء التقويم الميلادي ــ القبائل الشرقية للزنج وعلى رأسهم شعوب البانتو إلى داخل القارة، بداية الهجرة التي استمرت إلى عدة قرون تلت ذلك، وكانت نتيجتها حلول الشعوب الزنجية في أقصى نقاط شرق أفريقيا وجنوبها (ظ: مك إيودي، 47، 49، 59). والنيجر ـ الكونغوية أوسع فصيلة لغوية في أفريقيا وتضم حوالي 000,1 لغة مستقلة. وفي تعيين نطاق انتشار اللغات النيجر ـ الكونغوية يجدر القول إن جميع بلاد ماوراء الصحراء تقريباً، باستثناء القرن الأفريقي وحوض بحيرة تشاد في الشمال والمنطقة المحدودة للغات خويسان في الجنوب، تعود لهذه الفصيلة. وينبغي أن يُعدّ هذا الحد من الاتساع ثمرة نجاح الزنوج المهاجرين في فتح البلاد وطرد سكانها السابقين من جهة، ومن جهة أخرى، يجب الانتباه إلى أن جزءاً ملحوظاً من هيمنة اللغات الزنجية هو من الناحية التاريخية نتيجة التفوق الثقافي للمهاجمين والاستحالة الثقافية للسكان الأصليين وليس طردههم، أو اضمحلالهم، ويصدق هذا بشكل خاص على الأقزام. ومهما يكن، ففي بعض التخمينات، قُدّر عدد الناطقين بلغات هذه الفصيلة بما يزيد على 300 مليون نسمة. وترجع معرفة الشعوب المسلمة بالشعوب الزنجية تاريخياً إلى الزنوج القاطنين في السواحل الشرقية لأفريقيا. وتدل الشواهد التاريخية أن لغة هذه الشعوب، كانت قد عرفت لدى المسلمين منذ القدم باسم اللغة الزنجية. ففي القرن 3ه / 9م، ولدى حديثه عن اللغة الزنجية، فإن الجاحظ امتدحها بوصفها أخف لغات العالم. وفي كلامه على مكانة الخطابة لدى الشعوب المختلفة، ذكّر بأنه كانت للزنج خطابة وبلاغة بأسلوبهم ولغتهم وفي مستوى يمكن مقارنته بالخطابة لدى بقية الشعوب ( البيان...، 3 / 10، «فخر...»، 195). ولدى إشارته إلى اللغات الأفريقية، ذكر ابن النديم لغة الزنج (ن.ص). وفي القرن 6ه / 12م، كان علماء مثل ابن الجوزي يبحثون حتى في اللغة الزنجية عن جذور عدة مفردات قرآنية مثل «غساق» و «منسأة» (ظ: السيوطي، 148؛ عن نموذج لاستخدام «الزنج» في المصادر الإسلامية المتأخرة لأقاربها داخل القارة، ظ: هانويك، 102 ff.). وقد وصلتنا من جبل نفوسة في شمال أفريقيا، رواية ترجع للنصف الأول من القرن 3ه ، تقول إن حاكمها الإباضي عبد الحميد الجناوني كان يعرف اللغة الكانِمية السائدة في منطقة الكانم (في حوض بحيرة تشاد تقريباً) (ظ: الشماخي، 1 / 160)، لكن مايزال من العسير التحديد الدقيق لماهية هذه اللغة. وإن تفسير لفيتسكي الذي اعتبرها هي نفس اللغة الكنورية (ظ: EI2,III / 657)، لايقوم على أساس مقبول. وقد قسمت الفصيلة النيجر ـ الكونغوية على أساس الوضع الحالي للغات إلى 6 مجاميع؛ لكن هذا التبويب ينسجم إلى حد كبير في انعكاس عمليات الهجرة التاريخية على مدى آلاف السنين مع المعلومات التي يوفرها علم الإنسان التاريخي (مثلاً ظ: مك إيودي، 46). وإن قلة المعلومات التاريخية عن القارة، سواء المعلومات الخاصة بعلم اللغة، أم علم الإنسان، جعلت الباحثين في كلا الفرعين أكثر حيطة وحذراً في الاستفاده من التبويب المتناسق. وبطبيعة الحال، فإن المواد المجموعة وفرت هي الأخرى لهم إمكانية هذا التنسيق (مثلآً ظ: كلارك، 1 ff.؛ غاثري، 20 ff.؛ هير، 50 ff.). والمجاميع الست هي: 1. مجموعة الأطلس الغربي وتضم حوالي 40 لغة في أقصى قسم من غرب قارة أفريقيا في السنغال وغامبيا وغينيا بيساو وغينيا وسيراليون وليبيريا، ويتركز أغلب الناطقيـن بهـا فـي منطقـة السنغـال ـ غينيـا. وكلغتيـن مهمتيـن ورئيستين متفرعتين من هذه المجموعة، تجدر الإشارة إلى الولف والفولاني اللتين تتركزان في هذه المنطقة. وقد أدت التحركات التاريخية لقبائل الفولاني إلى أن يتم تداول لغتهم في مناطق أكثر اتساعاً وهي اليوم منتشرة في الشرق حتى حوض بحيرة تشاد أيضاً وقُدر عدد الناطقين بها حوالي 12 مليون نسمة؛ 2. مجموعة مانـده، وتضم حوالي 20 لغة أهمها لغـة بامبارا في منطقة مالـي ـ غينيا، و لغة مِنده في سيراليون؛ 3. مجموعة الفولتائية، أو غور الخاصة بحوض نهر فولتا، وتضم حوالي 70 لغة أهمها لغة موسي في بوركينا؛ 4. مجموعة كوا وتضم حوالي 80 لغة خاصة بالشريط الساحلي لغرب أفريقيا من ليبيريا إلى نيجريا. وإن عدة لغات خاصة بالممالك التاريخية في المنطقة الاستوائية لغرب أفريقيا مثل لغة يوروبا المهمة الخاصة بمملكة أويو، هي ضمن هذه المجموعة. كما أن لغة شعب إيغبو المهم ذات الانتشار الواسع تعود هي الأخرى لهذه المجموعة؛ 5. مجموعة أدماوة الشرقية وتضم حوالي 90 لغة وتنتشر في جمهورية أفريقيا الوسطى والأجزاء الشمالية من الكمرون وزائير. ومن بينها، فإن لغة سانغو هي الأهم من بين اللغات الشائعة جداً في جمهورية أفريقيا الوسطى؛ 6. مجموعة بنويه ـ الكونغوية وتضم حوالي 700 لغة تتحدث بها الشعوب في منطقة واسعة من نيجريا حتى أفريقيا الجنوبية. وإن مجموعة من اللغات الأفريقية التي تعرف باسم عام هو البانتو، تنضوي تحت هذه المجموعة. وفي إيضاح ذلك ينبغي القول إنه من حيث عدد الناطقين بها والنطاق الجغرافي، فإن مجموعة بنويه ـ الكونغوية هي نفس البانتو تقريباً. لكنها أوسع بقليل من حيث علم اللغة وتشمل بعض اللغات غير البانتوية أقسامـاً من نيجريا أيضاً. إن أهـم التفرعـات من مجموعـة بنويه ـ الكونغوية هي لغات مثل السواحلية والكونغوية والزولو التي تلعب دور اللغة الوسيطة في أجزاء واسعة من أفريقيا. وفي بعض التقسيمات، انضم فرع صغير يشتمل على عدة لغات متقاربـة فـي منطقـة كردفـان بـالسـودان إلـى الفصيلــة النيجر ـ الكونغوية وشكل فصيلة أكثر شمولاً باسم النيجر ـ كردفانية (ظ: كريستال، 6,42، مخ(. 3. فصيلة خويسان: تشتمل الفصيلة اللغوية الأخرى، خويسان في أفريقيا على لغات شعوب البشمان والهوتنتوت البدائية في صحراء كالاهاري وناميبيا، وتضم حوالي 50 لغة. وعلى الرغم من الأفراد الأصليين لهذه الفصيلة اللغوية يفتقرون إلى العلاقة التاريخية بالعالم الإسلامي، لكن اللغتين القريبتين منها، أي سانداوه وهاتسا اللتين يتم التكلم بهما في تنزانيا، تحظيان بالأهمية في هذا البحث. وفيما يتعلق بخصائص هاتين اللغتين وعرض رأي مقبول بشأن علاقتهما بشعوب خويسان الأصليين، فإنـه مايـزال هناك نقص (ظ: بـولك، 937-939؛ كريستـال، 206).
وفي خاتمة تقسيم اللغات، وخارج إطار الفصائل المذكورة، ينبغي ذكر لغة شعوب مرويه التي كانت تعيش في النيل الأعلى خلال فترة ما قبل الحضارة النوبية وهي من أقدم الشعوب الأفريقية التي خلفت آثاراً مدونة. ويمكن مقارنة خط النقوش التي خلفوها في الأصول بالخط الهيروغليفي المصري، وفي بعض الفترات بالخط الديموطي المصري، إلا أن لغتهم لغة خاصة لا أقارب لها، حيث أثارت خلافات بين علماء اللغة بشأن تبويبها. فقد رأى البعض أنها في عداد اللغات الكوشية، ووجدها البعض الآخر مرتبطة باللغات الشاري ـ نيلية؛ بينما لم يعدّها البعض الآخر مرتبطة بمجموعة معروفة شأنها شأن السومرية والعيلامية (ظ: كوهين، 167؛ سيلارتس، 409 ff.). وفي المصادر الإسلامية للقرون الأولى ورد الحديث عن شعوب باسم «مرو»، أو «المراوة» إلى جانب النوبيين مما يبدو أنهم كانوا من بقايا هذا الشعب القديم (ظ: الجاحظ، «فخر»، 211، 216؛ ابن النديم، 21). واللغة الأخرى الخاصة في هذه القارة هي لغة مالاغاشي في جزيرة مدغشقر التي لا تعود للفصائل اللغوية في القارة، بل بفصيلة اللغات المالا ـ پولينيزية ولها صلة قربى باللغات المحلية في جنوب شرقي آسيا وإن انتشارها في الجزيرة، إنما هو نتيجة هجرة الآسيويين الذين جعلوا هذه الجزيرة مأهولة لأول مرة (ظ: فوبله، I / 652؛ أيضاً مك إيودي، 59).
كظاهرة طبيعية في علم اللغة وفي المناطق التي يتجاوز فيها التنوع اللغوي الحد، تدعو الحاجة السكان المحليين وبغية إقامة العلاقات التجارية والاجتماعية فيما بينهم إلى اختيار لغة مشتركة. وتبعاً لتنوع الظروف، فإن هذه اللغة المشتركة تكون أحياناً إحدى اللغات المحلية في المنطقة والتي بتمتعها بالتفوق السكاني، أو السياسي، أو الثقافي، أو بعض الامتيازات التركيبة، تحظى بقبول عام، وفي أحيان أخرى تكون لغة خارجية نفذت إلى المنطقة ووجدت لها دوراً كهذا لأسباب مشابهة. و إن قارة أفريقيا هي الأخرى ــ وبسبب التنوع الكثير في اللغات المحلية ــ هي من بين بقاع العالم التي رحبت أشد الترحيب باللغات المشتركة. وعن العصور القديمة وإلى أي حد فسحت لغة الشعوب القوية خلال العصور السحيقة مجالاً لها في أفريقيا، فإن المعلومات المتوفرة ضئيلة. ومعلوم أن تواجد قوم التجار الفينيقيين في مدن ـ البلدان الساحلية لشمال أفريقيا، أنتج من هذه اللغة الآسيوية في هذه المنطقة لهجة سميت پونيك ولعبت لقرون دورَ لغة مشتركة، سواء على مستوى قاري، أو فوقاري. كما كانت اللغة اليونانية في العصر القديم، سواء في العصر القرطاجي، أو عصر الهيمنة الرومانية، تحظى بأهمية فائقة في أفريقيا. ففضلاً عن استخدامها لغة مشتركة في شمال أفريقيا، أو شرقها، فقد كان لها أيضاً استخدام نوعاً ما بوصفها لغة أدبية ويمكن أن نجد نماذج لهذا الاستخدام في النقوش ذوات اللغتين، أو عدة لغات في شمال أفريقيا والحبشة والنوبة. ولدى دراسة اللغات المشتركة في أفريقيا خلال العصر الإسلامي، فيجب أن نتحدث قبل كل لغة عن العربية التي كانت ــ فضلاً عن ملايين الناطقين بها من السكان المحليين في شمال وشمال شرق أفريقيا ــ لغة تجارية وأدبية للمسلمين غير العرب في جميع البقاع التي دخلها الإسلام. وإن تاريخ الأدب العربي في هذه البقاع ــ فضلاً عن أنه حظي بالاهتمام في الآثار العامة لتاريخ الأدب العربي ــ بُحث بشكل مستقل ومركّز أيضاً من قِبل باحثين مثل شربونو (ص 391 ff.؛ أيضاً ظ: لوذي، .257 ff). وعن مقدار نفوذ اللغة الفارسية في العصر الإسلامي، فإنه لمتتم بعد البحوث الكافية، إلا أن تواجد الإيرانيين المهاجرين في مناطق مختلفة من أفريقيا يظهر أهمية القيام بدراسة تاريخية بهذا الصدد. ومن الأمور الواضحة لبدء دراسة كهذه هو معرفتنا بوجود بعض المهاجر الإيرانية خلال القرون الإسلامية الأولى في شرق أفريقيا وشمالها لمّحت إليها المصادر التاريخية (مثلاً ظ: اليعقوبي، 350؛ أيضاً آرنولد، 344، مخ ). كما أننا نعلم أن اللغة الفارسية كانت تحظى بالاهتمام بشكل محدود في مصر خلال القرون الإسلامية الوسيطة، وأن كتاب أبي حيان الغرناطي (القرن 7ه / 13م) المسمى منطق الُخرْس في لسان الفُرْس المفقود حالياً (ظ: الصفدي، 3 / 238) هو ثمرة المعرفة بهذه اللغة في تلك البيئة. ومعروف أنه ــ وتزامناً مع تغيرات العصر السلجوقي فـي آسيا ــ شقت مجاميع من المهاجرين التركمان طريقها إلى مصر وبقاع شمال أفريقيا (عن تحليل المصادر، ظ: سومر، 138). وفي عصر هيمنة المماليك على مصر الذين كانوا من العنصر التركي، قوبلت اللغة التركية بشكل لهجة قپچاقية بانتشار محدود في مصر. وكان هذا الانتشار بشكل وُجدت معه مؤسسة أدبية صغيرة أيضاً بموازاة المؤسسات الآسيوية للأدب التركي في مصر (إكمان، 296-304). وفي مصر نفسها تعلم أبوحيان الغرناطي اللغة التركية وانبـرى لدراستها فـي كتـاب الإدراك للسان الأتراك (تق : جعفر أوغلو، إستانبول، 1931م)، كما تجدر الإشارة إلى أثر آخر بعنوان بُلْغة المشتاق في لغة التُّرك والقفجاق، ويرجع إلى نفس العصر المملوكي (تق : زاياتشكوفسكي، وارشو، 1954م). وخلال فترة الهيمنة العثمانية على مصر وشمال أفريقيا، أصبحت اللغة التركية العثمانية ذات أهمية ملحوظة في المنطقة. إن السواحلية وهي من بين لغات البانتو التي تأثرت باللغة العربية بشكل كبير، تشكلت في سواحل شرق أفريقيا وأصبحت في القرون الأخيرة ــ فضـلاً عن دورها التجـاري والاجتماعـي ــ لغة أدبية أيضاً. وهذه اللغة هي اللغة الرسمية في تنزانيا وكينيا، وبوصفها لغة إسلامية، فهي تلعب دور لغة مشتركة في شطر واسع يمتد من أفريقيا الشرقية إلى الكونغو الشرقية. ومن اللغات الأفريقية المشتركة الأخرى في الغرب يمكن الإشارة إلى لغات الهاوسا والبامبارا والكونغوية والوولوف. ومع بداية عصر الاستعمار، دخلت بعض اللغات الأوروبية كالإنجليزية والفرنسية بشكل أكثر انتشاراً، والبرتغالية والإيطالية بشكل أقل، الميدانَ الأفريقي كلغاتٍ مشتركة. وكانت هذه اللغات طوال العهد الاستعماري اللغات العلمية والرسمية لأجزاء مختلفة من القارة. وبعد قيام الدول المستقلة أيضاً وبسبب اعتماد التعليم الحديث في البلدان الأفريقية على هذه اللغات، فقد حافظت على بقائها بين الأشخاص المتعلمين بوصفها لغة مشتركة وكذلك لغة رسمية. وفي الأوضاع الراهنة، فإن اللغتين الإنجليزية والفرنسية هما اللغتان الرسميتان لأغلب البلدان الأفريقية في جميع أرجاء القارة. أما اللغة البرتغالية التي كانت يوماً خلال عصر اكتشاف أفريقيا والاستعمار الأول، اللغة الغالبة في المناطق الساحلية لغرب أفريقيا وشرقها، فلقد خسرت تدريجياً نفوذها السابق أمام الإنجليزية والفرنسية، وهي اليوم معروفة بوصفها لغة رسمية لعدة دول تشمل أنغولا و موزمبيق وغينيا وساوتومي وپرنسيب والرأس الأخضر. على الرغم من وجود الحركة الاستعمارية الإيطالية في شمال القارة وشرقها وبشكل خاص ليبيا والقرن الأفريقي، لم تكتسب اللغة الإيطالية أهمية كبيرة في القارة، وهي اليوم لغة التجمعات المهاجرة الموزعة في البلدان الشمالية والشرقية من أفريقيا. وفضلاً عن الأشكال الأصيلة للغات القارية والفوقارية فقد أظهرت الحاجة إلى لغة مشتركة بين عامة الناس أشكالاً من اللغة السوقية في مناطق مختلفة من القارة. ومن بين اللغات السوقية ذات القاعدة المحلية، تجدر الإشارة إلى شكل مبسط من لغة نغباندي (من اللغات الأدماوية ـ الشرقية) التي تأثرت بالفرنسية أيضاً بشكل كبير وسميت سانغو. ويتحدث بها ما يزيد على 3 ملايين نسمة في منطقة واسعة من أفريقيا الوسطى (ظ: كريستال، 341). كما يمكن العثور في مناطق من أفريقيا وبشكل خاص في الكمرون وأفريقيا الغربية على أشكال من اللغة السوقية باللغة الإنجليزية بوصفها لغة مشتركة. إن بعض اللغات السوقية هذه تحولت تدريجياً إلى شكل اللغة الأم لمجموعة من الناطقين بها ووجدت لها القدرة على التوسع كلغة مستقلة. ومن بين هذه اللغات، فإن أحد النماذج القارية هو لغة كِتوبه التي هي شكل سوقي من اللغة الكونغوية. وقد تقبلها حشد كبير من الناس في زائير بوصفها لغتهم الأم. ومن اللغات الفوقارية، تجدر الإشارة إلى أشكال سوقية مختلفة من البرتغالية يُتكلم بها في غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضـر وبعض المناطق الأخرى، و إن لغـة أفـريكانس هـي شكل محور من اللغة الهولندية التي تشكلت في أفريقيا الجنوبية والتي هي اليوم اللغة الرسمية في أفريقيا الجنوبية بوصفها لغة مستقلة ذات قاعدة جرمانية، ينبغي أن تُعدّ أيضاً من هذا القبيل، لكن بشكل موسَّع بطبيعة الحال، كما أن لغة كريو هي شكل سوقي من الإنجليرية ينطق بها سكان فريتاون وسيراليون وأجزاء من غامبيا وغينيا الاستوائية (ظ: م.ن، 10,55,165,209, 210).
ابن عبد الحكم، عبد الرحمان، فتوح مصر وأخبارها، تق : توري، ليدن، 1920م؛ ابن النديم، الفهرست؛ أبو عبيد القاسم بن سلام، «رسالة ما ورد في القرآن الكريم من لغات القبائل»، بحاشية تفسير الجلالين، القاهرة، 1342ه ؛ الجاحظ، عمرو، البيان والتبيين، تق : حسن السندوبي، القاهرة، 1351ه / 1932م؛ م.ن، «فخر السودان على البيضان»، رسائل، تق : عبد السلام محمد هارون، القاهرة، 1384ه / 1964م؛ الدرجيني، أحمد، طبقات المشايخ بالمغرب، تق : إبراهيم طلاي، قسنطينة، 1394ه / 1974م؛ الزركشي، محمد، البرهان في علوم القرآن، تق : محمد أبوالفضـل إبراهيم، القاهـرة، 1391ه / 1972م؛ السيوطي، المتوكلـي، تق : لبيب بيضون، بيروت، 1401ه / 1981م؛ الشماخي، أحمد، السير، تق : أحمد بن سعود السيابي، مسقط، 1407ه / 1987م؛ الصفدي، خليل، أعيان العصر، النسخة المصورة الموجودة في مكتبة المركز؛ مسند زيد، تق : عبد الواسع الواسعي، بيروت، 1966م؛ المقدسي، محمد، أحسن التقاسيم، تق : دي خويه، ليدن، 1906م؛ مك إيودي، كالين، أطلس تاريخي آفريقا، تج : فريدون فاطمي، طهران، 1365ش؛ الورجلاني، يوسف، الدليل والبرهان، القاهرة، 1403ه / 1983م؛ ولفنزن، إ.، تاريخ اللغات السامية، بيروت، 1980م؛ اليعقوبي، أحمد،«البلدان»، مع الأعلاق النفيسة لابن رسته، تق : دي خويه، ليدن، 1892م؛ وأيضاً:
Abboud, P.F., «Spoken Arabic», Current Trends in Linguistics, 1970, vol. VI; Applegate, J.R., «The Berber Languages», ibid; Arnold, T. W., The Preaching of Islam, Lahore, 1979; Bakir, A. M., An Introduction to the Study of the Egyptian Language, Cairo, 1978; Bulck, G., «Langues khoin», Les Langues du Monde, Paris, 1952; Bynon, J., «The Contribution of Linguistics to History in the Field of Berber Studies», Language and History in Africa, ed. D. Dalby, London, 1970; Cerulli, E., «Testi di diritto consuetudinario di Somali Marrēhân», RSO,1916-1918, vol. VII; id, «Un Gruppo Mahrī nella Somali italiana», ibid, 1926-1928, vol. XI; Cherbonneau, A., «Histoire de la littérature arabe au Soudan», JA, 1855, vol. VI; Clark, J. D., «African Prehistory: Opportunities for Collaboration between Archaeologists, Ethnographers and Linguists»., Language and History in Africa, ed. D. Dalby, London, 1970; Cohen, M., «Langues chamito-sémitiques», Les Langues du Monde, Paris, 1952; Crystal, D., An Encyclopedic Dictionary of Language and Languages, Massachusetts, 1992; Eckmann, J., «Die kiptschakisch Literatur», Philologicae turcicae fundamenta, Wiesbaden, 1964; EI2; Faublée, J., «Langues malayo-Polynesiennes», Les Langues du Monde, Paris, 1952; Garcia Gomez, E., notes on Todo ben Quzmān, Madrid, 1972; Guthrie, M., «Contributions from Comparative Bantu Studies to the Prehistory of Africa», Language and History in Africa, ed. D. Dalby, London, 1970; Hair, P.E.H., «The Contribution of Early Linguistic Material to the History of West Africa», ibid; Hudson, G., «Language Classification and the Semitic Prehistory of Ethiopia», Folia Orientalia, 1979, vol. XX; Hunwick, J.O., «The Term Zanj and its Derivatives in a West African Chronicle», Language and History in Arfrica, ed. D. Dalby, London, 1970; Jeffery, A., The Foreign Vocabulary of Qur’ān¸Baroda, 1938; Leslau, W., «Ethiopic and South Arabian», Current Trends in Linguistics, 1970, vol. VI; Lewis, I. M., «The Gadabuursi Somali Script», Bulletin of the School of Oriental and African Studies, 1958, vol. XXI; Littmann, E., «Bemerkungen zu den neuen Harari Texten», ZDMG, 1921, vol. LXXV; Lodhi, A. Y., «The Status of Arabic in East Africa», Orientalia Suecana, 1984-1986, vols. XXXIII-XXXV; Palmer, F. R., «Cushitic», Current Trends in Linguistics, 1970, vol. VI; Phillips, J. E., «Two Arabic / Hausa Histories from Wurno by Malam Haliru Wurno», Annals of Association for Middle East Studies, 1989, vol. IV(2); Podolsky, B.,«Bibliographia Cushitica», part I, Israel Oriental Studies, vol. VIII, 1978, ibid, part II, vol. IX, 1979; Polotsky, H. J., «Coptic», Current Trends in Linguistics, 1970, vol. VI; Stricker, B. H., «A Study in Medieval Nubian», Bulletin of the School of Oriental and African Studies, 1939-1942, vol. X; Sumer, F., Oğuzlar (Türkmenler), Ankara, 1972; Vergote, J., «Egyptian», Current Trends in Linguistics, 1970, vol. VI; Zyhlarz, E., «Das meroitische Sprachproblem», Anthropos, 1930, vol. XXV. أحمد پاكتچي / ه
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode