الصفحة الرئیسیة / المقالات / الله /

فهرس الموضوعات


V. اللّه في الفلسفة الإسلامیة

لقد کان الله في فترة من تاریخ الفلسفة أبعد مایکون عن إله الأدیان وقد اقترب في فترة أخری إلی إله الأدیان. لقد کان الفلاسفة المسلمون علی الرغم من تأثرهم البالغ بالتعالیم الوحیانیة أکبر من أي مصدر آخر. إلاّ أنهم قد قاموا بشرح ونقد الفکر الفلسفي الیوناني وکتابة التقاریر عنه وفي حالات متعددة تصرفوا   فیها أو قاموا بطرح نظریاتهم الخاصة بالنظر إلیه. بناء علی ذلک لایمکن طرح بحث الله لدیهم بعیداً عن الفلاسفة الیونان وبخاصة أفلاطون وأرسطو.
لم تکن فکرة الله مطروحة عند الیونان بشکل أساسي ومنسجم. فالفلاسفة الیونان الأوائل کانوا یبحثون عن مصدر أول (آرخة) وأصله، حیث إن طالس وآناکسیمندر وآناکسیمنس قد اعتبروا حسب الترتیب أن المصدر الأول هو الماء أو آپایرون أو الهواء (أرسطو، متافیزیک، گ 983 b ، السطر 21 ، گ 984 a ، السطران 5-6؛ دیلز، 83-93). وقد ورد في المقطوعات المتبقیة من طالس: «إن کل شيء مليء، بالآلهة» (ظ: أرسطو، «دربارۀ ... » 411 a ، السطران 9-10 ؛ برنت، 34). إن عبارة «الهواء هو الإله» نجدها أیضاً في المقطوعات المنسوبة إلی آناکسیمنس (دیلز، 93). وعلی أساس مقطوعة کسنوفانس الثامنة عشرة التي تقول («هناک إله واحد بین الآلهة») یمکن القول بأن کسنوفانس قد أحل الواحد محل آرخه وأطلق علیه اسم الإله ونجده  في المقطوعات التاسعة عشرة حتی الواحدة والعشرین ینسب إلی الإله صفات کالإبصار الکامل والتکفیر الکامل والسمع الکامل والسکون وتحریک الجمیع (یغر، 168-169؛ الخراساني، 163، 165). ویرفض أرسطو متأثراً بعقیدة سکون الإله في أفکار کسنوفانس علم الإله بالآخرین موضحاً أن العلم بالأخر یعد نوعاً من التطور والحرکة بینما لاتوجد في الإله حرکة کما لایوجد متعلَّق أفضل منه للفکر خارجاً عنه (ارسطو، متافیزیک، گ 1074 b، السطور 25-36؛ 1245 b، السطور 16-19). وجدیر بالذکر أن صدر الدین الشیرازي (ملا صدرا) قد فسرّ سکون الله في الفکر الفلسفي الیوناني بوجوب الوجود أو عدم التفات العالي إلی السافل ( رسالة ... ، 160).
لقد حاول البعض بالنظر إلی هذه الأقوال إضفاء صبغة إلهیة علی کلام طالس وآناکسیمنس (الخراساني، 130)، إذ نلاحظ في التقالید الإسلامیة أن الشهرستاني اعتبر الماء عند طالس هو الخالق (2 / 374-377)، کما اعتبره ملا صدرا الوجود المنبسط (م.ن، 159-160). کما اعتبروا کسنوفانس استناداً إلی أقواله مؤسّساً للإلهیات (ظ: الخراساني، 166)، بینما فسرّ أرسطو المبدأ الأول لدی الفلاسفة المذکورین مبدأ مادیاً (متافیزیک، گ 987 a ، السطور 2-6 گ 983 b، السطور 7-9)، معتبراً الواحد عند کسنوفانس الکون کله (م.ن، گ 986 b ، السطور 20-22). وقد ذهب برنت بعد تأیید هذه الفکرة إلی أن کلام کسنوفانس هو رفض لأيّ إله بالمعنی الخاص (ص 85).
لقد تحدث أفلاطون في تیمایوس عن دمیوریج (الصانع) الذي یصنع علی أساس أنموذج «المُثُل» (گ 30 d)، وطرح في کتابه الجمهوریة المثال الخیر لمصدر للحقیقة والعلم وأفضل   منهمـا (گ 509 d) ویبـدو أن المثـال الخیر في تفکیره هـو الإلـه (ظ: کابلستن، I(1) / 216). کما ورد في رسالة بارمنیدس لأفلاطون ذکر عن الواحد وسُلب صفات کالتغیرّ والحرکة والزمان والجزء والکل وحتی الوجود. إن الواحد في الرسالة المذکورة لا یحمل اسماً ولایصبح موضوعاً للمعرفة(گ 137 c,139 a,141 e,142 a).
وجدیر بالذکر أن ذات المثال الأفلاطوني الخیرّة هي الذات الواحدة نفسها حسب رأي أرسطو («اخلاق ... »، گ 1218 a ، السطر 24). کما أن أفلاطون قد اعتبر الإله في کتابه «القوانین» مبدأ الأمور ونهایتها ومعیارها، واعتبره غیر قابل للتغیر وعادلاً (گ 715 d، 716 a، 716  d). لقد أورد أرسطو في کتاب «اللامبدأ» في المیثافیزیقیا بحثاً منسجماً وأساسیاً حول الإله. فهو أثبت هناک عبر الحرکة وجود الإله لمحرک أول لغیر المتحرکات. إن میزات الإله في التقالید الأرسطیة هي الجوهر وصاحب الفعلیة المحضة والحي الأزلي والأبدي، صاحب الخیر الأکبر صاحب نشاطین اثنین هما التفکیر وتحریک الفلک والمبدأ والعقل المطلق وفکـر الفکر والمفارق وغیر قابـل للتأثیر والانفعال والأفضـل (ظ: گ 1071 b، السطور 20-22 ، گ 1072 b، السطور 7-31، گ 1073 a، السطور 4-12 ، گ 1074 b ، السطور 35-36). لقد جرّد البعض إله أرسطو من بعض الصفات مثل العلم بالآخر وسببیة علم الله في العالم والاختیار والعنایة إلی العالم، والجزاء والعقاب کما سکتوا عن موضوع المشیئة الإلهیة (راس، 114-115؛ جیلسون، 254؛ حول القول باعتقاد أرسطو وأفلاطون، حول الجزاء والعقاب الإلهیین وعلم الإله بالآخر، ظ: الفارابي، الجمع ... ، 79، 100، 102، 103، 110، الدعاوي .... ، 119-120؛ ابن سینا، «الإنصاف ...»، 26-27). کما لم یتمکن أرسطو رغم الاعتقاد بأزلیة المادة في التقالید الیونانیة من الحدیث عن الإله الخالق والخلق من العدم (راس، 190-191؛ تیلر، 68). لذلک فإن عمل الإله في فلسفته ینحصر في إثارة الشوق في العالم (ن.ص)؛ وبعبارة أخری کان العالم موجوداً منذ الأزل دون أن یکون قد خلق منذ الأزل وأن الإله هو مصدر الحرکة کعلة غائیة (کابلستن، I(2) / 56-57).
وعلی الرغم من کل ذلک فإن أرسطو یری السماوات وعالم الطبیعـة متصلة بالإله (متافیزیک، گ 1072 b، السطر 14؛ أیضاً ظ: فیروزجایي 413-417، حیث أکد خالقیة إله أرسطو بإیراد بعض الأدلة). لقد تجاوز أرسطو وأفلاطون في موضوع الإله أحیاناً التقالید الدینیة والعرفیة في عصریهما غیر أنهما أکدّا اهتمامهما بالتقلید السائد في موضوع الإله؛ ویبدو أن هذا الأمر قد أدی إلـی أن یبدو کلاهما متضاداً في بعض الأحیان (کنمـوذج، ظ: أفلاطون، تیمایوس، گ 40 d ؛ أرسطو ن.ص، گ 1074 a، السطور 18-38، گ 1074 b؛ کابلستن، I(1) / 195-196).
لقد اکتسب مبحث الله في تقالید الفلسفة الإسلامیة مکانة متمیزة ومستقلة وأخذ حیزاً کبیراً من آثار الفلاسفة. بالإضافة إلی ذلک فإن الکندي هو أول من عرّف الفلسفة باعتبارها العلم بالعلة الأولی أي الله وأدرج المباحث الأخری ذیل العلم بالله («في الفلسفة ... »، 98، 101). کذلک یبدو من تقریر الفارابي في «أغراض مابعد الطبیعة» أن الفلسفة الاولی في عصره کانت تعتبر بمثابة علم التوحید (ص 34). وقد حاول ابن سینا أن یثبت الله لا کموضوع الفلسفة وإنما بمثابة واحد من مواضیعها غیر أنه قد ذکر أن غایة الفلسفة هي «معرفة الله» ( الشفاء، الإلهیات، 6-7، 23).
جدیر بالذکر بأن تقالید الفلسفة الإسلامیة کانت تقتضي طرح بعض میزات الله في الأمور العامة قبل إثبات وجوده وصفاته في مباحث الإلهیات بمعناها الخاص (ظ: م.ن، المبدأ ... ، 78، 88؛ صدر الدین، الأسفار، مجلد 1).
لقد استخدم الفلاسفة المسلمون بدل التأویل الأرسطي للوجود الصرف، الفکر والفعلیة (ظ: جیلسون، 76) وفصل الله باعتباره الصورة والفعل المطلقین عن الظواهر المادیة المقترنة بالقوة (أرسطو، متافیزیک، 1077 b، السطور 20-22) واستخدموا الفارق المیتافیزیقي بین الوجود والماهیة وطرحوا فکرة تقسیم الوجود إلی واجب الوجود وممکن الوجود (الفارابي «فصوص»، 3-5، 42-43؛ ابن سینا، الشفاء، الإلهیات، 344، 347، 353؛ الإشارات ... ، 3 /  18، 31، 39، المبدأ، 22؛ قا؛ الرازي، 15-14، الذي انتقد هذا التقسیم). فبالإضافة إلی الفارق بین الوجوب في الفلسفة الإسلامیة والفلسفة الیونانیة من منطلق علم المعاني (ظ: بقیة المقال)، فإن إله الفلاسفة المسلمین مساوق مع الوجود وبتعبیر آخر وجود مطلق أو صرف کما أنه تامّ الموجود وفوق التّمام ومعطي الوجود ومنزه عن الماهیة. وقد طرح مبحث تنزّه الله عن الماهیة في الفلسفة الإسلامیة في مواضع عدیدة تحت عنوان «الحق ماهیته انّیتُّه» (الفارابي، آراء ... ، 25، 37، الدعاوي، 118؛ ابن سینا، الشفاء، الإلهیات، 344، 347، 355، المبدأ، 32؛ الشهرزوري، 256؛ صدر الدین، الشواهد ... ، 135). وبعد تنزیه الله عن الماهیة فإنه یسلبه بعض السمات من مثل الجنس والفصل والحد والبرهان اللّمي (الفارابي، «فصوص»، 7؛ ابن سینا، الشفاء، الإلهیات، 347- 348؛ صدر الدین، شرح الهدایة ... ، 342) وعلی هذا النحو ینفي عن الله کونه ذا جوهر وهو من أقسام الماهیة (ابن سینا، ن.م 348). وإن کـان مـلا صدرا قد أجـاز إطـلاق معنی آخـر من الجوهـر (= الوجود المستقل) علی الله لاحقاً وذلک  في نظام الوحدة الشخصیة للوجود (صدر الدین، تفسیر ... ، 4 /  358- 359).
الـوحـدانیـة‌ ــ وتعنـي رفض الشریـک والتـرکیب والاشتـراک والتقسیم والحیثیات المتعددة ــ الفعلیة المحضة والتنزه عن المادة والقوة والتغیر والانفعال والخیر المطلق والعقل المطلق والمعقول المطلق والحکیم والحي والقادر والمختار والعلة الفاعلیة لجمیع   الکون والغایة والقدیم بالذات والأکثر حبّاً (العاشق الأول)، الأکثر محبوباً (المحبوب الأول) والألذّ والأکثر تلذذاً والحق وأحق الحقائق وهذه هي من الصفات الأخری المنسوبة إلی الله في الفلسفة الإسلامیة (الفارابي، شرح ... ، 109-110، الدعاوي، 118-120؛ ابن سینا، ن.م، 343، 356، 357، 369، التعلیقات، 214، 825؛ میرداماد، 309).
إن الفلاسفة المسلمین یعتبرون الله عاقلاً ومعقولاً وذلک لتجرده عن المادة (الفارابي، آراء، 35-36؛ ابن سینا، ن.م، 149). کما أن ابن سینا یعتبر الله متصفاً بالخیر المحض والکمال المحض وذلک بالاستناد مرة إلی الحد الوسط للوجود ( الشفاء، الإلهیات، 355) ومرة أخری بالاستناد إلی الغایة ( التعلیقات، 154).
وجدیر بالذکر أنه بالإضافة إلی أدلة الفلاسفة المسلمین الخاصة في إثبات الصفات الإلهیة، فإن من الممکن اعتبار تعابیرهم عن الله کما لوجود الصرف وفوق التمام وبسیط الحقیقة متضمنة للصفات الإلهیة ودلیلاً عاماً في هذا المجال.
لقد تم الـتأکید في الفلسفة الإسلامیة علی ضرورة وجود الله، بحیث إن افتراض عدمه یؤدي إلی المحال اللازم (الفارابي، الدعاوي، 118؛ ابن سینا، ن.م، 338، البند 824). إن الضرورة في مقام الواقع تعدّ تأکدّ الوجود (م.ن، الشفاء، الإلهیات، 35؛ السهروردي، «المقاومات»، 1 / 174؛ میردامادي وعلوي، 642) وبحسب المفهوم والحیثیة من لوازم الله (ابن سینا، التعلیقات، 218). فبالفصل بین الضرورة الذاتیة والضرورة الأزلیة فإن ضرورة الله أزلیة بمعنی أن وجود الله لیس مشترطاً بشرط أو قید ویتجرد مفهوم الوجود منه بشکل الحیثیة الإطلاقیة لا الحیثیة التقییدیة أو التعلیلیة (میرداماد، 303؛ صدر الدین، الأسفار، 1 / 86)، بینما یقدم أرسطو ثلاثة معان عن الضرورة ویعتبر المعنی الثالث للضروري (أي ما لایمکن أن یکون بغیرما هو علیه) لله (متافیزیک، گ 1072 b، السطور 7-30). لذلک فإن المراد من ضرورة الوجود لإله أرسطو هي رفض أي تغیر لا امتناع العدم للذات (فیروزجایي، 419).
لقد اعتبر ابن سینا الله بسیطاً ومجرداً ومنزهاً عن الأجزاء الخارجیة والمقداریة والذهنیة (المادة والصورة) والحدّیة (الجنس والفصل) والوجودیة والماهویة ( الإشارات، 3 / 55، التعلیقات، 68، البند 59؛ أیضاً ظ: میرداماد، 284-285، 305؛ صدر الدین، الشواهد، 38، الأسفار، 6 / 100-104، 115-116). لقد تحولت بساطة الله في فلسفة ملاصدرا إلی قاعدة، حیث سُلب الله بموجبها أی نوع من تعدد الحیثیات والنقص والإمکان ونسبت إلیه الکمالات الوجودیة کلها. إن بساطة الله الحقیقیة تتضمن کونه کل الأشیاء إذ إن الله لیس مرکبّا من السلب والإیجاب وأن جمیع الکمالات الوجودیة من الوجود الجمعي والسِّعي موجودة في الله علی النمو الأعلی والأکمل (م.ن، 6 / 114، الشواهد، ن.ص؛ أیضاً ظ: ن.د، بسیط الحقیقة). واستفاد صدر الدین الشیرازي من قاعدة بسط الحقیقة في إثبات توحید الواجب وعینیة الصفات مع بعضها البعض والذات والعلم السباق إلی العالم (م.ن، 37- 38، 40).
لقد وردت تفاسیر مختلفة عن بساطة الله. ففي فلسفة الفارابي وابن سینا فإن نظام التباین الوجودي یقتضي أن یتم تصور الله کوجود بسیط «بشرط لا» بالمقارنة مع سائر الوجودات ومتبایناً معها جوهریاً (ظ: الفارابي، آراء، 27، 31؛ ابن سینا، الشفاء، الإلهیات، 347، التعلیقات، 369، 472، 539). وفي نظام تشکیک أنوار الحکمة الإشراقیة یتم البحث حول الله کماهیة نوریة علی رأس سلسلة الماهیات (السهروردي، «حکمة ... »، 121). کما أن فلسفة صدر الدین الشیرازي تطرح رؤیتین عن الله: 1. إن الله کوجود بسیط بشرط لا یأتي في أعلی سلسلة تشکیکیة للوجودات ویشتمل علی جمیع الکمالات مادونه؛ 2. إن الله کالوجود الوحید البسیط لابشرط وهو مالک جمیع الوجود لا أن یمتلک مایتوفّر في الأشیاء الأخری علی نحو الکثرة ففي نظام کهذا فإن بسیط الحقیقة یشتمل علی کل شيء دون أن یقبل قیداً أوحداً ودون أن یمتزج بالأشیاء الأخری ( الأسفار، 6 / 116-117، المبدأ ... ، 157- 158). بناء علی ذلک فإن البینونة الصفاتیة بین الواجب والممکن تحل محل البینونة العزلیة في الرؤیة الثانیة لصدر الدین عن الله ویتم تصویر حضور الله الشامل مع بیان أن مایمیز الله عن المخلوق هو ذات الله لا أي أمر آخر ( شرح أصول ... ، 306).
إن اللامتناهي  في تقالید الفلسفة الیونانیة یعني عدم الکمال (جیلسون، 81). ولم یکن الفلاسفة المسلمون حتی عهد السهروردي قد تحدثوا بشکل جادّ عن خصیصة اللامتناهي عند الله. فالسهروردي یعتبر الله بحسب شدة الکمال والنورانیة لامتناهیاً ولکن لکونه یعتبر الأنوار القاهرة من حیث صدور آثارها اللامتناهیة، لامتناهیة فإن من الممکن البحث عن فکرة فوق اللامتناهي في فلسفة السهروردي أیضاً («حکمة»، 168)، غیر أن میرداماد (ص 272) وصدر الدین الشیرازي ( الشواهد، 7، شرح أصول، 332) یستخدمان تعبیر فوق اللامتناهي من حیث کونه لامتناهیاً. ویبدو أن مرادهما من استخدام عبارة فوق اللامتناهي تنزیه الله عن اللامتناهي کقید. إذ إن العقول والمفارقات الامتناهیة أیضاً. لقد جعل تأکید صدر الدین علی خصیصة عدم التناهي لله مفهوم الوحدة الإلهیة یرتقي من مفهوم في جانب الوحدات الأخری إلی الوحدة الحقة الحقیقیة (ظ: الشواهد، 38؛ السبزواري، 447). لقد بینّ ملا صدرا علی أساس هذه المیزة اللامتناهیة حضور الله الشامل وعدم الوصول المعرفي إلـی کنه الذات الإلهیة (ظ: بقیة المقال).
لم یکن حضور الله الوجودي الشامل قد تحول قبل ملا صدرا کخصیصة إلی موضوع برهاني في نظام الفلاسفة الفکري رغم وجود إشارات وتأویلات في آثار الفلاسفة المسلمین إلیه، حیث إن الکندي قد تحدث حسب تقریر صدر الدین الشیرازي ( الأسفار، 1 / 114)، عن حضور الفیض الإلهي ومهدّ ابن سینا بتأکیده علی حاجة العالم وتعلقه بالغیر الأرضیة لإثبات حضور الله في العالم ( التعلیقات، 537- 538، الإشارات، 3 / 383؛ وحول تفسیر صدر الدین الشیرازی عن هذا الموضوع ظ: الأسفار، 1 / 46-47). إنّ السهروردي (شیخ الإشراق) یعتبر الله نور الأنوار ورأس نظام العالم التشکیکي إلاّ أنه قد اقترب من فضاءات وحدة الوجود الشخصیة في مواضع من آثاره. فقد ذکر في «التلویحات» بأنه لاذات تتمتع بالوجود في نفسه إلاّذات اللّه وإن جمیع الهویات ظلال عنها (ص 35، 38). وقد اعتبر الله في «حکمة الإشراق» الأبعد الأقرب والأرفع الأدنی (ص 153).
أما صدر الدین الشیرازي فهو أول فیلسوف أثبت بشکل منظم الوحدة الشخصیة للوجود إثباتاً برهانیاً مؤکداً علی عدم تناهي الله الوجودي لینسب إلیه السمات المتناقضة في الظاهر مثل الأبعد الأقرب والأعلی والأدني والأخفی الأجلی ( المبدأ، 38-39). ففي رأیه تنطبق هذه السمات علیـه في مقامي الفعل والذات ( شرح أصول، 233، 336). بعبارة أخری فإن ملاصدرا اعتبر معرفة الله أولی من جمیع المعارف، مستنداً إلی أن الله هو الأقوی وهو الأجلی (ن.م، 219) ففي رأیة فإن عدم تناهي الله الوجودي وحضوره الشامل بمثابة المقوّم الوجودي للممکنات یقتضي أن تکون معرفة کل ظاهرة بمعنی معرفة الله ( الأسفار، 1 / 87، 117).
رغم ذلک فإن صدر الدین الشیرازي قد تحدث مستنداً إلی کون وجود الله محضاً وصرفاً وإلی خصیصة عدم التناهي لدیه عن عدم قابلیة التعبیر والإشارة إلی الله في ساحتی العقل والحس. إن المیزات الإنسانیة من قبیل الامتزاج بالمادة والمعلولیة والتناهي بالمقارنة إلی الوجود الإلهي الصرف وعدم تناهیه تؤدي إلی عجز الإنسان عن معرفة کنه الذات الإلهیة. فعلی الرغم من أن وصول الإنسان إلی التجرد یزیل عائق المادیة غیر أن معلولیته وتناهیه لن یزولا أبداً ( شرح، 251، المبدأ، 39-40). بناء علی ذلک فإن صدر الدین یعتقد أن کنه الذات الإلهیة لن یخضـع للمعرفة البشریة بأي شکل من الأشکـال سواء بالعلم الحصولي أو العلم الحضوري (ن.م 34؛ قا: أفلاطون، تیمایوس، گ 28 C). فقد عمد في بعض الأحیان إلی تقلیل نصیب العقل من معرفة الله إلی مستوی فهم الصفات السلبیة ( شرح أصول، 252).
یؤکد تقلید الفلسفة الإسلامیة المتأثر بالتعالیم الدینیة وعلی خلاف تقالید الفلسفة الیونانیة، علی خالقیة الله (= الإیجاد من العدم). فالله هو السبب الأول ومانح الحیاة ومسبب استمراریة الوجود في الظواهر التي یدخلها العدم (الکندي، «الإبانة ... »، 165؛ الفارابي، الدعاوي، 118؛ ابن سینا، الإشارات، 3 / 17). وعلی هذا الأساس نجد الکندي یعتبر الله الذي یخلق من العدم هو الفاعل الحقیقي ویری سائر الفواعل التي تعد معلولة للفاعل الحقیقي ومؤثرة في الوجود لا في العدم فواعل مجازیة (ن.م؛ ایضاً «الفاعل ... »، 183). کما أن ابن سینا قد رأی في تقریره عن برهان الحرکة لدی أرسطو أن المحرک الأول هو العلة الغائیة لا العلة الفاعلیة ( المبدأ، 58-59). کما أنه اعتبر أن هذا البرهان علی إثبات وجود الله یثبت مبدأ الحرکة لا الإله الذي هو مبدأ الوجود («الإنصاف»، 23). إلا أن الفارابي قد حاول نسبة الفاعلیة الإلهیة والمفهوم الدیني عن الخلق (= الخلق من العدم) إلی أرسطو وذلک بإیراد شواهد من آثار أرسطو ( الجمع، 102؛ نصری نادر، 100-103). لقد فسر الفلاسفة المسلمون خالقیة الله علی أساس نظریة صدور الفیض وعبر مفاهیم العلم والرضا والإرادة الإلهیة (الفارابي، الدعاوي، 119؛ ابن سینا، الشفاء، الإلهیات، 402-403). وبناء علی مبدأ التمایز مابعد الطبیعي للوجود والماهیة فإن الخلق هو إفاضة الوجود من الله علی الماهیات الإمکانیة (ظ: الفارابي، «فصوص»، 3-4؛ ابن سینا، ن.م، 347).

الصفحة 1 من10

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: