الصفحة الرئیسیة / المقالات / الله /

فهرس الموضوعات

رفض تعدد الذات والصفات عند أصحاب العقل: 

لقد أنکر المتکلمون من أتباع العقل صفات الله الزائدة علی ذاته، کما سبق آنفاً فإن الشخصیة التي رکزت علی التفکیر العقلاني في باب صفات الله هي الجهم بن صفوان الذي قتل عام 128ق / 746م بأمر الخلیفة بسبب معتقداته. لقد رفض باستدلالاته العقلیة تشبیه الله بالإنسان في باب صفات الله وأفعاله کما رفض تعدد الذات والصفات. ثم فسر الآیات الدالة في ظاهرها علی التشبیه تفسیراً مجازیاً. یعتقد فان إس أن الجهم لم یرفض التشبیه فحسب بل رأی أن الله لایمکن معرفته بالعقل (IV / 417).
لقد ترکت استدلالات الجهم بصمات واضحة علی تطور البحوث العقلیة في باب صفات الله  في مستقبل الکلام الإسلامي (ظ: ن.د، الجهم بن صفوان). وقد سار  بشر المریسي (ه‍ م) علی خطی الجهم بعده بکل إصرار وعزیمة. وقد أنکر جمیع المتکلمین المعتزلة بعدهما وجود الصفات الزائدة علی الذات الإلهیة فقد کانوا یعتقدون أن مصدر اتصاف الله بصفات من مثل القادر والعالم والحي والموجود هو ذاته ولیس مرد ذلک إلی وجود صفات زائدة علی ذاته. لقد کان الموضع المختلف فیه هو أنه کیف تصبح الذات الإلهیة مصدراً للاتصاف بهذه الأوصاف؟ کان أبو القاسم وأتباعه یرون أن اتصاف الله بهذه الأوصاف راجع إلی أحوال الذات الإلهیة (ظ: ن.د، الأحوال؛ ابن الملاحمي، المعتمد، 268- 278). لقد أحلّ هؤلاء أحوال الذات محل صفات الذات.
أما أبو الهذیل العلاف (تـ 230ق / 845م) فکان یری رأیاً آخر ففي رأیه إن صفات الله عین ذاته، فالله عالم بالعلم الذي هو عین ذاته وقادر بالقدرة التي هي عین ذاته، کما هو الأمر بالنسبة لسائر صفات ذاته من مثل الحیاة والبصیرة والسمع والعظمة والجلال والکبریاء والقدم والعزة (ظ: ن.د، أبو الهذیل).
کان أبو علی الجبائي یعتقد أنّ الذات الإلهیة تستطیع أن تتصف بهذه الصفات (ظ: ما نکدیم، 182-183). وقد فسرّ بعض المتکلمین من المعتزلة هذه العقیدة علی النحو التالي: إن الله یستحق في ذاته أن یتصف بهذه الصفات (ن.ص؛ ابن الملاحمي، ن.م، 279). ویبدو أن معنی الاستحقاق هو أن ذات الله بحیث إنها تستحق من منظورنا النعت بنعوت مثل العلم والقدرة والحیاة والوجود.

زیاد الصفات علی الذات في رأی أصحاب السمع والنقل:

إن فریقاً من المتکلمین الذين أطلقوا علی أنفسهم اسم أهل السنة والجماعة وکذلک الأشاعرة الذین ساروا علی نهجهم ورفضوا اتباع المعتزلة المطلق للعقل قد وضعوا القرآن والحدیث بإزاء العقل في توضیح صفات الله متجنبین تفسیر الآیات القرآنیة تفسیراً مجازیاً حیث توقفوا عند ظاهر تلک الآیات وقالوا بتعدد الصفات وزیادتها علی الذات. لقد أطلق هؤلاء علی المعتزلة اسم «المعطلّة» واعتبروا أن التنزیهات العقلانیة للمعتزلة التي أدت إلی إنکار تعدد الذات والصفات قد عطلت معرفة اللّه (الإبانة ... ، 117). لقد اعتبر هؤلاء أن الله کما تم وصفه في القرآن والحدیث وعند الصحابة والتابعین وهو کما قد وصف في السنة النبویة قبل ظهور آراء الجهم بن صفوان وأتباعه وکان یؤمن به جمهور المسلمین إن لله وجهاً وعینین ویدین وعلماً وقدرة وحیاة وإرادة وکلاماً وسمعاً وبصراً وغضباً ورضی وإن جمیعاً صفات خارجة عن الذات بل زائدة علیها (ن.م، 18، 22، 80).
لقد کان اعتقادهم یقضي بأن الله موصوف بصفات مستقلة عن ذاته وأن لها وجوداً واقعیاً خارجیاً کالذات تماماً کصفات کل إنسان في العالم الإنساني فهي مستقلة عن ذاته ولها وجود خارجي زائد علی ذاته. إن جمیع هذه الصفات قدیمة کالذات الإلهیة ومع الذات الإلهیة لکنها لیست شبیهة بصفات الکائنات الحادثة، لایعلم أحد بکیفیتها غیر أن الإیمان بها واجب والامتناع عن بیان کیفیتها أمر ضروري (الأشعري، الأصول، 64-65).
یعتقد أبو الحسن الأشعري مؤسس الکلام الأشعري بأن طریقته في معرفة الله هي اتباع طریقة أحمد بن حنبل (تـ 241ق / 855م) ویقول: إن أحمد بن حنبل هو ذلک الإمام الفاضل والرئیس الکامل الذي أظهر الله الحق علی یدیه وأزال الضلالة وهدی إلی الطریق الصحیح وأزال بدعة المبتدعین وزیغ الزائغین (ن.ص) غیر أن الأشعري یستدل علی أحقیة منهجة قائلاً: لقد قال الله تعالی في القرآن: « ... ألیوم أکملت لکم دینکم وأتممت علیکم نعمتي ورضیت لکم الإسلام دیناً ... » (المائدة  / 5 / 3). فإذا کنا نحتاج إلی مناهج الاستدلال تلک لإکمال الدین فإن ذلک یعني أن رسول الله قد رحل من الدنیا ولم یبلغ دین الله بشکل تام غیر أن القرآن یصرّح بإبلاغ الدین علی أتم وجه وأکمله (ن.م، 60- 61).

کلام الله وتکلّمه: 

إن أحد أرکان الإلهیات لدی المتکلمین المسلمین الذي أثار الکثیر من القضایا وأخذ أبعاداً واسعة لیس من المنظور الإلهیاتي الفلسفي فحسب، بل حتی من المنظور السیاسي هو صفة التکلم عند الله. لقد حظیت مباحث هذه الصفة بأهمیة بالغة واکتسبت مکانة متمیزة تدفعنا إلی إفراد مبحث مستقل حولها هنا. ففي القرآن الکریم قد ورد الحدیث عن کلام الله وتکلمه بتعابیر مختلفة:
«منهم مـن کلّم الله ورفع بعضهم درجات ... » (البقرة / 2 / 253)، « ... وکلّم الله موسی تکلیما» (النساء / 4 / 164)، «ولما جاء موسی لمیقاتنا وکلّمه ربّه ... » الأعراف، 7 / 143)، «وما کان لبشر أن یکلّمه الله إلاّوحیاً أو من وراء حجاب أو یرسل رسولاً فیوحي بإذنه مایشاء ... » (الشوری / 42 / 51)، «وإن أحد من المشرکین استجارک فأجره حتی یسمع کلام الله ... » (التوبة  / 9 / 6)، « ... وقد کان فریق منهم یسمعون کلام الله ثم یحرّفونه ... » (البقرة  / 2 / 75)، « ... یریدون أن یبدّلوا کلام الله ...» (الفتح  /  48 / 15).
إن أحد أقدم النصوص الکلامیة التي ورد فیها الحدیث عن الکلام والتکلم عند الله هو رسالة الفقه الأکبر المنسوبة إلی أبي حنیفة. لقد ورد في هذه الرسالة: إن القرآن کلام الله المکتوب في المصاحف المحفوظ في القلوب والمقروء علی الألسنة والمنزل علی النبي (ص). إن تلفظ القرآن وکتابته اللذین یتمان بواسطتنا نحن البشر یعتبران مخلوقین وکذلک دراستنا حول القرآن فهي مخلوقة غیر أن القرآن نفسه غیر مخلوق (ص 20).
بعد ذلک استمر البحث حول کلام الله وتکلمه بعبارات وأدلة مختلفة حول المزاعم المختلفة المتعلقة بهذا الموضوع في جمیع مصادر الکلام الأولی التي أشیر إلیها في بدایة هذه المقالة. لقد أفاض المتکلمون في هذا الباب حول موضوعین: هل إن الله متکلم وله کلام؟ هل إن القرآن وهو کلام الله مخلوق أم غیر مخلوق؟ وبالنظر إلی أن دراستنا هنا ترتبط بالصفات الإلهیة فإننا نترک جانباً السؤال المتعلق بکون القرآن مخلوقاً أم غیر مخلوق لأنه سؤال حول موضوع خارج عن الصفات الإلهیة لنعالج هنا الموضوع الأول.
یقول الشهرستاني: لم ینکر أحد من أتباع الإسلام أو من الملة الإسلامیة صفة التکلم عن الله (ص 268)؛ غیر أن صحة هذا الزعم مشکوک فیها. ویبدو أن رأي بعض المتکلمین في باب کلام الله هو أن الله لیس متکلماً وکان معمر واحداً من الذین رأوا ذلک وقد استنتج فولفسن في بحوثه عند حدیثه عن آراء معمر بالمقارنة مع آراء المتکلمین الذین سبقوه أن کلام الله بمعناه الحقیقي غیر موجود حسب رأیه ویضیف: کان معمر یعتقد: لیس کلام الله صفة غیر مخلوقة في الله کما یذهب إلیه أهل السنة؛ کما لیس عرضاً مخلوقاً في اللوح المحفوظ کما یتصور المعتزلة ولاهو کلام کما یزعم النظام یظهر بواسطة الأجسام حیث خلقها الله بشکل خاص لإخراج أصوات معینة حتی یتم عبرها إبلاغ رسالة الله إلی الناس... إن القرآن أثر إنساني ومعنی کون القرآن إلهیاً هو أن النبي الذي أوجد القرآن قد أصبح من جانب الله قابلاً لهذه الموهبة حتی یتمکن من إیجاد القرآن وأن یرتبه بحیث یکون قادراً علی تمثیل إرادة الله وقصده. فکلام الله بما تحمله الکلمة من معنی حقیقي غیر موجود (ص 278-276).
کما أن ناصرخسرو لایعتقد غیر الکلام التکویني للّه وهو خلق العالم بأي کلام آخر له ولا یعتبره متصفاً بصفة التکلم. فبعد تبیینه للقول والکتابة وکلام البشر یقول نافیاً إیاه عن الله: «فالواجب أن یکون الحدیث مع الناس کتابة لا بالأصوات والحروف ... ؛ لذا فإننا نقول إن المکتوب الإلهي الذي لابد من قراءته هو خلق العالم وخلق أجساد الناس کما قال تعالی: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقویم (التین  / 95 / 4). إن البرهان علی أن المکتوب الإلهي هو خلق العالم هو أن المکتوب من الکاتب عبارة عن أثر خارج من التراب أو الأشیاء الترابیة أما الأثر من خالق العالم فهو هذه الأشکال الظاهرة علی أجسام العالم ولاشيء سوی ذلک. ثم نقول بأن من یقرأ هذا المکتوب الإلهي هو النبي من عند الله تعالی فقوله قولُ أقرب الناس إلی الله من جمیع الخلق وأن الوقوف علی هذا المکتوب الإلهي هو الذي یتم وحیه علیه. والوحي إشارة لانداء (أصوات)، عند ذلک سنقول إن خالق العالم بصیر وعالم وأن کل ماکُتب فیه هو کتابته ورسوله هو قارئ هذا المکتوب وکلام الرسول عبارة عن کلام الله الذي قاله عن طریق هذه الکتابـة (ص 179- 208).
علی الرغم مما أوردناه هنا من کلام معمرّ وناصرخسرو فإن اعتقاد المتکلمین المسلمین القریب من الإجماع هو أن الله متکلم بکلام غیر الکلام التکویني (الخلق). بناء علی ما تقدم فإن الغالبیة الساحقة من المتکلمین المسلمین یرون أن الله متکلم وأن لدیه کلاماً. وهنا تُطرح ثلاث قضایا وهي: 1. ما هو المراد بالمتکلم والکلام؟ 2. ما هو السبب الذي یجعل الله متکلماً وصاحب کلام؟ 3.  إذا کان الله متکلماً وکان لدیه کلام فهل إن صفة المتکلم صفته الذاتیة أم إنها صفته الفعلیة؟ وهل إن کلامه أزلي أو حادث؟.
لقد انقسم المتکلمون في هذا الأمر إلی قسمین: فالفریق الأول هم أهل السنة والجماعة والأشاعرة والفریق الثاني هم المعتزلة وأتباعهم وقد أسس أهل السنة والجماعة والأشاعرة معتقداتهم في هذ الباب علی عدة مبادئ أهمها:
1. قالوا في التعریف بالمتکلم والکلام:  إن المتکلم هو من یکون الکلام قائماً بنفسه إن کلام المتکلمین یظهر بدایة في دواخلهم (النفس) وینضج فمثلاً إذا أمر أحدهم أونهی أو أخبر فإن هذا الأمر والنهي والإخبار موجود في نفسه بل قائم بها ولکنه یظهر في الألفاظ وله صورتان داخلیة وخارجیة وإن صورته الخارجیة هي الألفاظ ولکن صورتها الداخلیة هي کوامن النفس. وإذا راجع الإنسان المتکلم نفسه متسائلاً کیف ظهر الکلام لدیه فإنّه سیدرک وجهي الکلام المذکورین فالکلام علی قسمین کلام «نفسي» وآخر «لفظي».
2. لقد أورد أهل السنة والجماعة والأشاعرة أدلة کثیرة علی کون الله متکلماً. فقد استدل أبو اسحق الأسفراییني في هذا الباب قائلاً: إن أفعال الله المتقنة والمحکمة تدل علی أنه عالم ویستحیل أن یکون الله عالماً ولایخبر نفسه بمعلوماته. إذ لایمکن الفصل بین العلم والاطلاع علی هذا العلم. إذ لو أن کائناً لم یطلّع علی علمه بنفسه فإن أحداً لایمکنه أن یخبر الناس بعمله ومن جانب آخر فإن من الواضح أن الجائز أن یقوم الله بالتکلیف وبالتعریف وأن یخبر وأن ینبّه وأن یرشد ویعلّم ولایتم ذلک کله إلاّ عبر الکلام والحدیث لذا فقد ثبت بأن الله متکلم (ظ: الشهرستاني، 269).
3. بعد أن سلّمنا بالتعریف عن الکلام والمتکلم وأسباب کون الله متکلماً نقول: إن کلام الله هو ذلک الواقع القائم بذات الله ولکون ذات الله قدیمة فإن ذلک الأمر الواقع قدیم هو الآخر ومعنی ذلک أن التکلم صفة الله الذاتیة لاصفته الفعلیة ولم تنفصل عنه أبداً ولن تنفصل عنه.
4. علی الرغم من أن کلام الله لیس، إخباراً أو أمراً أو نهیاً أو وعداً أو وعیداً أو ما شابه ذلک إلاّ أنه یتضمن جمیع هذه الأمور. إن الشيء القائم بذات البارئ تعالی «واحد» غیر أنه إذا تم التعبیر عنه بالالفاظ سیتمثل في الأمرو النهي کما أن کلام الإنسان النفسي حقیقة واحدة غیر أنه إذا تم التعبیر عنه بالألفاظ فإنه سیظهر علی شکل الأمر والنهي والإخبار (م.ن، 288). إن جمیع الکتب الإلهیة هي کتاب الله الواحد فالفارق بینها في النظام اللفظي والمقروء والمسموع فیها. فالقرآن وهو واحد من الکتب الإلهیة یتمتع بأربعة أنواع من الحیاة: الوجود العیني وهو حقیقة القرآن في کونه کلاماً واحداً (القائم بذات البارئ تعالی) والوجود اللفظي الذي یوجد ویتعدد؛ الوجود الاکتسابي الذي یکتب ویُقرأ وهو متعدد؛ والوجود الذهني الحاضر في نفوس الناس (التفتازاني، 115-116).
أما الفریق الثاني وهم المعتزلة وأتباعهم من المتکلمین الشیعة وآخرین فقد خالفوا الفریق الأول في الأمور الثلاثة المذکورة فمعتقداتهم في باب التعریف بالمتکلم والکلام وأسباب کون الله متکلماً مختلفة عن الفریق الأول بشکل کامل. فقد اعتبروا تکلم الله صفته الفعلیة واعتبروا کلامه حادثاً وتتأسس معتقداتهم في هذا الموضوع علی عدة أسس:
1. إن الکلام عبارة عن «الحروف المنظومة» و«الأصوات المقطّعة» وهذان شیئان لاینفصلان عن بعضهما بعض، إذ إن الحروف المنظومة هي الأصوات المقطعة ذاتها وإن الأصوات المقطعة هي الحروف المنظومة ذاتها. وبعبارة أخری فإن الکلام هو ما یتألف من حرفین أو أکثر أو هو عبارة عن نظام حروفي خاص. ولیس من الضروري أن یفید الکلام معنی، إذ إن العرف یعتبر الکلام «المهمل» کلاماً أیضاً (ظ: مانکدیم، 528-530).
2. لیس لدینا دلیل عقلي لإثبات أن الله متکلم ولکن لدینا طریقتان لمعرفة کلام معین صادر عنه:
ألف ـ أن یکون الکلام بشکل لایمکن نسبته إلی فاعل غیر الله. کالکلام الصادر عن حصاة أو شجرة أو صخرة.
ب ـ أن یخبر عن کلام معین نبيٌ صادق بأنه کلام الله کما هو الشأن فیما یتعلق بالقرآن. فقد عرفنا عن طریق أخبار نبي الإسلام بأن القرآن کلام الله (م.ن، 539).
3. إن الدلیل علی کون الله متکلماً هو إجماع الأنبیاء الذین ثبتت نبوءاتهم بالمعجزات.
4. إن تکلّم الله فعل یصدر عنه ویشتمل علی الأوامر والنواهي والأخبار والوعد والوعید التي تعدّ أفعالاً مختلفة. إن کلام الله حادث وصفته الفعلیة ولیس صفته الذاتیة وإن کلام الله متعدد (ن.ص).

معاییر أفعال الله: 

لقد حدّد المتکلمون المسلمون من أتباع العقل معابیر عقلیة وأخلاقیة لصدور الأفعال عن الله بالإضافة إلی تحدید صفات الذات وصفات الفعل والفصل بینهما. وقد عبّروا عن تلک المعاییر بالجواز أو عدم الجواز أو الوجوب أو ماشابه ذلک ولم یعترف المتکلمون من أصحاب السمع والنقل بتلک المعاییر معتقدین أن أفعال الله لیست تابعة لمعیار. وهنا نورد ثلاث قضایا مرتبطة بهذا الموضوع وهي: هل یرتکب الله الفعل القبیح؟ هل یمکن تصور غرض لأفعال الله؟ هل من الواجب علی الله أن یکلّف؟
1. هل یرتکب الله الفعل القبیح؟
یقول عضد الدین الإیجي: لقد أجمعت الأمة الإسلامیة أن الله لایرتکب الفعل القبیح کما لایترک الفعل الواجب (8 / 195).
وقد أورد المتکلمون لتعلیل هذا الزعم أدلة مختلفة. فالأشاعرة قد استدلّوا علی أن القبیح والواجب لامعنی لهما حیال الفعل الإلهي إذ إنه هو الذي یعطي المعنی للقبیح والواجب (ن.ص). غیر أن المتکلمین المعتزلة وأتباعهم القائلین بحسن الأفعال وقبحها قد ذکروا دلیلاً آخر. فقد رأوا أن الفعل القبیح أو الواجب یصدران عن الجاهل أو المحتاج أو لکلیهما وإن الله منزّه عن الجهل والحاجة فلا یصدر عنه الفعل القبیح أو ترک الواجب (ن.ص).
2. هل یمکن تصور غرض لأفعال الله؟ وقد انقسم المتکلمون في هذا الموضوع أیضاً إلی فریقین. رأی الأشاعرة بأنه لایجوز القول بأن الله یفعل ما یفعله بأغراض معینة، إذ إن أداء فعل بغرض یعني أن الفاعل سیبلغ شیئاً من الکمال الذي ینقصه ولأن الله مالک جمیع الکمالات فعلاً فإنه لایفعل فعلاً لغرض. ولکون الله فوق الحسن والقبح فلا یمکن القول عنه: إن أداء الأفعال دون غرض أمر قبیح (الجرجاني، 8 / 196).
غیرأن المعتزلة وأتباعهم قد اعتبروا أفعال الله معلّلة بأغراض فقد ذکروا بأنه لیس من الضروري أن یکون غرض فاعل الفعل بلوغ الکمال إذ قد یکون الغرض أن ینفع ذلک الفعل الآخرین وإن أفعال الله کذلک فإن أغراض أفعاله إیصال الآخرین إلی الکمال (العلامة، کشف، 331؛ الجرجاني، 8 / 202).
3. هل من الواجب علی الله أن یکلّف ؟ یری المتکلمون المعتزلة بأن تکلیف الله الناس عبر إصدار الأوامر والنواحي من جانبه لأداء أعمال معینة وتجنب أعمال أخری یعدّ لطفاً إلهیاً بحقهم. وعلیه أن یشمل الناس جمیعاً بهذا اللطف إذ إن ترک اللطف قبیح کما أن سبب اعتبار تکلیف الله لطفاً هو أن العقل یقضي بأن الناس سوف یستحقون جزاء الله (الثواب) بطاعة أوامره وتجنب نواهیة، لذا فإن الله یجب أن یکلّف الناس حتی یحصل هذا الاستحاق ویجزي الله الناس بذلک (ظ: مانکدیم، 509-525).
أما الأشاعرة وأتباعهم الرافضون لحسن الأفعال العقلي وقبحها فیرون بأنه علی الرغم من دلالة السمع والنقل علی أن الله قد کلّف الناس بإصدار الأوامر والنواهي وأنه سیجزیهم غیر أن هذا التکلیف یأتي من باب التفضل والإحسان ولایصحّ اعتبار اللطف واجباً علی الله. ومن ضرورات هذا الاختلاف هو أن المعتزلة وأتباعهم لم یجیزوا لله تکلیف الناس بما لا یطیقونه إذ إنه قبیح عقلاً ولکن الأشاعرة وأتباعهم أجازوا ذلک إذ لا معنی لحسن الأفعال وقبحها فیما یتعلق بالله.

المصادر: 

  الآمـدي، علـي، غایـة المرام فـي علـم الکلام، تق‍ : حسن محمــود عبد اللطیف، القاهرة، 1391ه‍ / 1971م؛ الإبانة عن أصول الدیانة، منسوب إلی أبي الحسن الأشعري، المدینة، 1975م؛ ابن تیمیة، أحمد، بیان تلبیس الجهمیة، مجمع الملک فهد، 1426ه‍ ؛ ابن الجوزي، عبد الرحمن، تلبیس ابلیس، بیروت، 1421ه‍ ؛ ابن قتیبة، عبد الله، الاختلاف في اللفظ والرد علی جهمیة والمشبهة، المکتب الإسلامـي، 1419ه‍ / 1999م؛ ابـن الملاحمي، محمـود، الفائـق فـي أصول الدیـن، تق‍ : ویلفریـد مـادلونـغ ومارتیـن مکدرمـوت، طهـران، 1386ش؛ م.ن، المعتمـد، تق‍ : ویلفرید مادلونغ، طهران، 1390ش؛ ابن منده، محمد، التوحید، تق‍ : علي الفقیهي، المدینة، 1419ه‍ ؛ ابن نوبخت، إبراهیم، الیاقوت في علم الکلام، تق‍ : علي أکبر ضیائي، قم، 1413ه‍ ؛ أبو الصلاح الحلبي، تقي، تقریب المعارف، تق‍ : فارس تبریزیـان، 1417ه‍ / 1375ش؛ الأشعـري، أبـو الحسن، أصول أهل السنـة والجماعة ( رسالة الثغر)، تق‍ : محمد سید جلیند، الریاض، 1410ه‍ ؛ م.ن اللمع، تق‍ : مکارثي، بیروت، 1957م؛ التفتازاني، مسعود، شرح العقائد النسفیة، تق‍ : محمد عدنان درویش 1411ه‍ ؛ الجرجانـي، علی، شرح المواقـف، القاهـرة، 1325ه‍ / 1907م؛ الجوینـي، عبد الملک، الإرشـاد، تق‍ : أسعد تمیم، بیروت، 1405ه‍ / 1985م؛ م.ن، الشامل في أصول الدین، تق‍ : علی سامي نشار، الإسکندریة، 1969م؛ السید المرتضی، علی، «جمـل العلـم والعمل»، رسائـل الشریـف المرتضی، قـم، 1405ه‍ ؛ م.ن، الذخیـرة، تق‍ : أحمد حسین، قم، 1411ه‍ ؛ الشهرستاني، محمد، نهایة الإقدام، تق‍ : آلفرید غیوم، لندن، 1934م؛ الطباطبائي، محمد حسین، أصول فلسفه وروش رئالیسم، طهران، سپهر؛ الطوسي، محمد، الاقتصاد، قم، 1400ه‍ ؛ م.ن، تمهید الأصول، تق‍ : وتج‍ : عبد المحسن مشکوة الدیني طهران، 1358ش؛ عضد الدین الإیجي، المواقف، بیروت، عالم الکتب؛ العلامة الحلّي، حسن، کشف المراد في شرح تجلید الاعتقاد، تق‍ : إبراهیم الموسوي الزنجاني، بیروت، 1399ه‍ / 1979م؛ م.ن، النافع یوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، بیروت، 1417ه‍ ؛ الغزالي، محمد، الاقتصاد في الاعتقاد، بیروت 1409ه‍ / 1989م؛ فخر الدین الرازي، البراهین، تق‍ : محمد باقر سبزواري، طهران، 1341ش؛ م.ن، محصل أفکار المتقدمین والمتأخرین، تق‍ : سمیح دغیم، بیروت، 1992م؛ م.ن، المطالب العالیة، تق‍ : أحمد حجازي السقا، بیروت، 1407ه‍ / 1987م؛ الفقه الأکبر، منسوب إلی أبي حنیفة، مکتبة الفرقان، 1419ه‍ / 1999م؛ اللاهیجي، عبد الرزاق، گوهر مراد، تق‍ : زین العابدین قرباني، طهران، 1372ش؛ الماتریدي، محمد، التوحید، تق‍ : فتح الله خلیف، بیروت، 1986م؛ مانکدیم، أحمد، [تعلیق] شرح الاصول الخمسة، تق‍ : عبد الکریم عثمان، القاهرة، 1408ه‍ ؛ المحقق الحلّي، جعفر، المسلک في أصول الدین، مشهد، 1421ه‍ / 1379ش؛ ناصرخسرو، زاد المسافرین، طهران، مسجد سلطاني؛ نصیر الدین الطوسي، «تجرید الاعتقاد»؛ مرفقاً بکشف المراد (ظ: هم‍ ، العلامة الحلي)؛ وأیضاً:

Van Ess, J., Theologie und Gesellschaft im 2.und 3.Jh. H., Berlin / New York, 1991; Wolfson, H. A., The Philosophy of the Kalami, Harvard, 1976.
محمد مجتهد شبستري / گ.

الصفحة 1 من10

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: