الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / إخوان الصفا /

فهرس الموضوعات

إخوان الصفا

إخوان الصفا

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/23 ۱۳:۵۹:۲۸ تاریخ تألیف المقالة

خصص الإخوان الرسالة 38 لمسألة البعث و القیامة. فهم یعدون البعث و القیامة. فهم یعدون البحوث المتعلقة بهذه المسألة علماً غامضاً و سراً خفیاً، ولاسبیل للمبتدئین في العلوم الفلسفیة، إلا التسلیم و الإیمان و التصدیق للمخبرین الصادقین عن الله، الذین أخذوا العلم و حیاً و إلهماماً، أما الذین لایرضون أن یأخذوا هذا العلم تسلیماً و تصدیقاً، بل یریدون براهین عقلیة و حججاً فلسفیة، فیحتاجون إلی أن تکون لهم نفوس زکیة و قلوب صافیة و آذان واعیة وأخلاق طاهرة و أن یکونوا غیر متعصبین في الاراء و المذاهب المختلفة، و مع ذلک یکونون قد ارتاضوا في الریاضات الفلسفیة من علم العدد و الهندسة و المنطق و الطبیعیات، ثم نظروا في العلوم الإلهیة (3/ 291-292).

أول وسیلة لمعرفة القیامة والمعاد، هي معرفة النفس و جوهرها، فکل إنسان لایعرف نفسه و لایعلم ذاته ولایعلم ماالفرق بین النفس والجسد، تکون همته کلها مصروفة إلی إصلاح أمر الجسد مع نسیان أمر المعاد وحقیقة الآخرة؛ وإذا عرف الإنسان نفسه و حقیقة جوهرها صارت همته في أکثر الأحوال في أمر النفس، و فکرته في إصلاح شأنها و کیفیة حالها بعد الموت و الیقین بأمر المعاد (3/ 288-289). فعلم المعاد هو لب وجوهر جمیع العلوم و السر الخاص لأولیاء الله (3/ 288). و یعتبر الإخوان أشرّ الناس من لادین له و لایؤمن بیوم الحساب (3/ 451). إن معرفة المعاد آخر مرتبة ینتهي إلیها الإنسان في المعارف خاصة ذوي العقول الراجحة و الحکمة الفلسفیة دون غیرهم من الناس (3/ 302). و لیس من علم بعد معرفة البارئ أشرف و أجل و أنفع للنفوس من معرفة حقیقة أمر المعاد و النشأة الآخرة، فلیس للنفوس طریق أفضل وأجود إلی معرفة أمر المعاد من معرفتها ذاته و علمها بجوهرها و صفاتها اللائقة بها 03/ 523). إن معنی القیامة مشتق من قام یقوم قیاماً، و هي قیامة النفس من وقوعها في بلائها، و البعث هو انبعاثها و انتباهها من نوم غفلتها ورقدة جهالتها و هي تدعی بالفارسیة «رَست خیز» (3/ 392).

ومن جهة أخری، فلیس من العقل أن یُخاطب ببعث النفوس مَن لایوقن ببعث الأجساد؛ لأن تصور بعث الأجساد أسهل من تصور بعث النفوس، لأن بعث النفوس هو من علم الخواص و لایتصوره، إلا المرتاضون بالعلوم الإلهیة و المعارف الربانیة. و لذا یوصي الإخوان أصحابهم بقولهم: فلاتکن ممن ینتظر بعث الأجساد و یؤمل نشر الأبدان، فإن ذلک ظلم عظیم بحقک، ولکن کن من الذین ینتظرون بعث النفوس و یؤملون حیاتها و وصولها إلی عالمها الروحاني و دار قرارها الخالدة (3/ 300-301). و إن ردّ النفوس الناجیة إلی الأجسام الفانیة في التراب، موت لها في الجهالة، واستغراق في ظلمات الأجسام، و حبس فيأسر الطبیعة، و غرق في بحر المادة، فأما بعث النفوس و قیام الأرواح فهو الانتباه من نوم الغفلة، و الیقظة من رقدة الجهالة، و الخروج من ظلمات عالم الأجسام الطبیعیة، و النجاة من بحر المادة، و الترقي إلی درجات عالم الأرواح، و الرجوع إلی عالمها الروحاني و محلها النوراني و دارها الحیواني (3/ 301).

وخلال ذلک، ینبغي التذکیر بأن الإخوان، کانوا یناوئون بشدة نظریة تناسخ الأرواح و یردون علیها بقوة (ظ: 3/ 196، 365، 370). فأسمی فریق بین بني البشر هم أولئک الذین یعتقدون أن الغرض من کون هذه النفوس و الأرواح مع هذه الأجساد في الدنیا مدةً، هو من أجل أن تستقیم ذواتها و تکمل صورها و تخرج من حدّ القوة و الکون إلی الفعل والظهور، ولتستکمل أیضاً فضائلها من معرفتها أمر المحسوسات وتخیلها رسوم المعقولات و النظر في العلوم الطبیعیة و الإلهیة، ولیکون ذلک سبباً لانتباه النفوس من نوم الغفلة و رقدة الجهالة، و تحیا بروح المعارف و تنفتح لها عین البصیرة لتنظر إلی عالمها الروحاني، وتشاهد دارها الحیواني، و یتبین لها أنها في عالم الغربة، و موضع المحنة و البلوی، وأننا في الدنیا معذبون في صورة المنعمین، مجبورون في صورة المختارین، أحرار في صورة العبید، و قد سُلّط علینا خمسة حکام: 1. الفلک و کواکبه السیارة الذي نحن في جوفه محبوسون؛ 2. الطبیعة و أمورها المرکوزة في الجِبِلّة من جوع و عطش و شبق و آلام و أمراض و ...؛ 3. القانون (الناموس) و أحکامه و حدوده و أوامره و نواهیه و وعیده و زجره و الآلام الأخری التي نتعایش معها دائماً من خلال مراعاة تلک الأحکام؛ 4. السلطان المسلط الجائر الذي قد ملک رقاب الناس بالقهر ولاغلبة و الستعبدهم جبراً و کرهاً؛ 5. شدة الحاجة إلی المواد التي لاثوام لهذا الهیکل، إلا بها من المأکولات و المشروبات و اللباس و المسکن و المرکب و الأثاث مما نقاسي من الجهد و البلوی في طلبه، و جمع الأموال و حفظها من اللصوص و قطاع الطرق وحراستها من الآفات. فأما من تصور کیفیة الدار الآخرة و تحقق أمر المعاد، و عرف فضلها و شرفها و سرورها و لذاتها و نعیمها، فهو لایتمنی الخلود في الدنیا، و تحمل آفاتها و شرورها و أحزانها و مصائبها (3/ 306-309).

ویقول الإخوان بشأن وجود النفوس الجزئیة: إن الجسد لهذه الأنفس بمنزلة الرحم للجنین، و ذلک أن الجنین إذا استتمت في الرحم بنیته و تکملت هناک صورته، خرج إلی هذه الدار؛ فهکذا یکون حال الأنفس في الدار الآخرة، أي عندما تستتم ذواتها بالخروج من القوة إلی حیّز الفعل بما تستفیده من العلوم و المعارف بطریق الحواس، و استکملت صورتها بما تکتسب من الفضائل بطریق المعقولات والتجارب، بعد مفارقتها جسدها کرهت الکون معه، و فارقت المادة، فعند ذلک ترتقي إلی الملأ الأعلی، و تدخل في زمرة الملائکة، و تشاهد تلک الأمور الروحانیة، وتعاین تلک الصور النورانیة التي لاتدرکها الحواس الخمس؛ أما النفوس الجزئیة التي لم تستکمل صورها بمعرفة حقائق الأشیاء فإنها عند مفارقة الأجساد لاتنتفع بجوهرها، و لایمکنها النهوض إلی الملأ الأعلی، و لایُعرج بها إلی ملکوت السماء، بل تبقی مقیدة في الهواء ألعوبة لشیاطین الشهوات الجسمانیة، و العقائد الفاسدة راجعة إلی قعر الأجسام المدلهمة، وأسر الطبیعة الجسدانیة تعیش في وحشة الظلام و الألم و العذاب إلی أن تقوم القیامة (3/ 5-7).

والآخرة هي نشوء ثان بعد الموت، و الموت هو بقاء النفس بعد مفارقة الجسد؛ و الجنة هي عالم الأرواح، و جهنم عالم الأجسام، و البعث هو انتباه النفوس من نوم الغفلة و رقدة الجهالة؛ و القیامة قیام النفس من قبرها و هو الجسد الکائن الذي کانت فیه فزهدت و أُبعدت عنه؛ و الحشر هو جمع النفوس الجزئیة نحو النفس الکلیة و اتحاد بعضها ببعض؛ و الحساب موافقة النفس الکلیة النفوسَ الجزئیة بما عملت عند کونها مع الأجساد؛ و الصراط هو الطریق المستقیم القاصد إلی الله (3/ 397-398).

 

قوی النفس و وسائل المعرفة

إن علم النفس و نظریة المعرفة مترابطان لدی الإخوان، و کما رأینا فإن النفس الإنسانیة هي إحدی قوی النفس الکلیة (أو الروح العالمیة). فالنفس لها قوی غیر محدودة، لکل واحدة منها فعل في کل واحد من أعضاء جسم الإنسان، هو غیر فعله في العضو الآخر. فأولاً الإنسان له خمس حواس خارجیة: العین و الأذن واللسان و الأنف و الید. و المحسوسات هي الأشیاء المدرکة بهذه الحواس، و المدرَکة بالحواس هي أعراض حالَة في الأجسام الطبیعیة مؤثرة في الحواس مغیرة لکیفیة مزاجها. و الأحساس هو شعور القوی الحساسة لتغییرات کیفیة أمزجة الحواس (2/ 401، 3/ 241). ویری الإخوان أن فعل هذه الحواس یمکن تشبیهه بالمخبرین الذین أوکلت النفس کلَّ واحد منهم ناحیة من مملکتها لیأتیها بالأخبار من تلک الناحیة (2/ 468). وقد خصص الأخوان الرسالة 24 للحاس والمحسوس. أما النفس فإن لها – فضلاً عن الخمس الجسمانیة – خمس قوی روحانیة هي: القوی المتخیلة و المفکرة و الحافظة و الناطقة والصانعة، و عمل هذه القوی هو إدراک رسوم المعلومات إدراکاً روحانیاً من غیر مادتها؛ أما الحواس الخارجیة فإنها تدرک محسوساتها في المادة؛ و بینما اختصت کل حاسة من الحواس الخارجیة بإدراک جنس واحد من المحسوسات، فمثلاً البصر لایدرک الأصوات و لاالطعوم و لا الروائح، نجد القوی الخمس الروحانیة کالمتعاونات في إدراکها رسوم المعلومات، فمثلاً القوة المتخیلة إذا تناولت رسوم المحسوسات کلها و قبلتها – کما یقبل الشمع نقش الفَصّ – فإن من شأنها أن تناولها کلها إلی القوة المفکرة،فإذا غابت المحسوسات عن مشاهدة الحواس لها، بقیت تلک الرسوم مصورة صورةً روحانیة في ذاتها. إن شأن القوة المفکرة أن تنظر إلی ذاتها، و تراها معاینة، و تتروی فیها، و تمیزها و تبحث عن خواصها و منافعها و مضارها، ثم تؤدیها إلی القوة الحافظة لتحفظها إلی وقت التذکار. و إن من شدن القوة الناطقة التي مجراها علی اللسان إذا أرادت الإخبار عنها، و الإنبا عن معانیها، ألقت لها ألفاظاً من حروف المعجم، و عبرت عنها للقوة السامعة من الحاضرین (2/ 414، 471، 3/ 243). ثم ینبري الإخوان للحدیث عن خصائص – و بحسب تعبیرهم عن عجائب – کل واحدة من القوی الخمس الروحانیة (ظ: 3/ 416-420، 421-423).

وطرق المعرفة لدی الإنسان ثلاثة: 1. الحواس الخمس و یشترک فیه الناس مع الحیوانات؛ 2. العقل الذي هو خاص بالإنسان؛ 3. البرهان الذي یتفرد به قوم من العلماء دون غیرهم و تکون معرفتهم بعد تعلم الریاضیات و الهندسة و المنطق (2/ 396-397).

والعقل الذي یحظی بأهمیة و منزلة خاصة لدی الإخوان له معنیان: الأول، ذلک یشیر إلیه الفلاسفة من أنه أول موجود اخترعه البارئ و هو جوهر بسیط روحاني محیط بالأشیاء کلها إحاطة روحانیة؛ و الآخر، مایشیر إلیه جمهور الناس إلی أنه قوة من قوی النفس الإنسانیة التي فعلها التفکیر و الرویّة و النطق و التمییز و الصنائع و ماشاکل ذلک و هذا العقل واحد من قوی النفس الکلیة (3/ 232).

أما عقل الإنسان فهو نوعان: غریزي و مکتسب؛ فأما الغریزي فیحصل للإنسان بعد تأمله للمحسوسات، فکل من کان أکثر تأملاً للمحسوسات کان أعقل، و بهذا العقل یُعلم أن العالم مصنوع مرکب من مادة و صورة؛ وأما حدوث المادة فلیس یعلم بالعقل الغریزي و لکن بالعقل المکتسب. و إن أکثر اختلاف العلماء في أحکام هذا العقل المکتسب، إما بسبب تفاوتهم في درجات عقولهم، و إما بسبب اختلافات قیاساتهم و أسالیب استعمالهم لها (3/ 466-467). واتباعاً من الإخوان لأرسطو (ظ: «التحلیلات الثانیة» الکتاب I، الفصل 76b, 10)، فإنهم یطلقون اسم أوائل العقول علی نوع من العلوم و المعارف و هو مایدعی لدی أرسطو بـ «آکسیوماتا» واسمها الآخر العلوم المتعارفة کما في قولنا: الکل أکثر من الجزء، أو إذا کانت أشیاء مساویة لشيء واحد صادر تکلها متساویة و أمثال ذلک مما لایختلف العقلاء في شيء منها ثم یقاس علیها ماهم مختلفون فیه، فـ «أوائل العقول» هذه و هي تحصل باستقراء الأمور المحسوسة شیئاً بعد شيء و تصحفها جزءاً بعد جزء (1/ 438-439، 3/ 424).

 

الإخوان و مسألة الإمامة

أدت آراء الإخوان المتباینة والغامضة أحیاناً في الإمامة و الخلافة فیما بعد إلی أن تُفسر بأشکال مختلفة و تؤدي إلی اختلاف الآراء بشأن حقیقة تصورهم للإمامة و کذلک ماهیتهم هم، و خاصة الدافع إلی أن یسعی الکتّاب الإسماعیلیون إلی نسبة الإخوان إلی فرقتهم. و الآن ینبغي قبل کل شيء التذکیر بأن تشیع الإخوان کان أهم دافع خارجي لهم إلی تناول مسألة الإمامة و الخلافة، لکنهم – إلی جانب هذا الدافع الخارجي – کان لهم و کما سنری – شأنهم شأن أبرز الغنوصیین الإسلامیین – دافع داخلي أیضاً للاهتمام بمسألة الإمامة وتناولها. فهم یرون أن مسألة الإمامة هي من إحدی أمهات مسائل الخلاف بین العلماء، و بدت بین الخائضین فیها من شتی الفرق الإسلامیة العداوة و البغضاء والقتال؛ إلا أن جمیع هذه الفرق و رغم مابینهم من اختلاف في وجهات النظر بشأن الإمامة، متفقون علی مبدأ واحد هو أنه لابد من إمام یکون خلیفة لنبیهم، مهمته حفظ الشریعة علی الأمة، وإحیاء سنن النبي (ص)، کما ینبغي أن یکون للإمام خلفاء في سائر البلدان الإسلامیة لإدارة أمور المسلمین، و تنظیم أمورهم الدنیویة. و خصلة أخری لهذا الإمام و هي أن یرجع إلیه فقهاء المسلمین و علماؤهم عند مشکلاتهم في أمر الدین و مسائل الخلاف فی حکم بینهم. فعلی هذا فإن جمیع الفرق متفقة علی الحاجة إلی إمام، إلا أن الاختلاف في وجهات النظر حادث في مَن یکون اللائق للإمامة و من هو الإمام؟ فیقول فریق منهم إن الإمام ینبغي أن یکون أفضل الناس بعد النبي (ص) وأقربهم نسبة إلیه و یکون قد نُصّ علیه، ومنهم من یری خلاف ذلک. و هنا یضیف الإخوان: إن الإمامة إنما هي الخلافة. و الخلافة بدورها نوعان: خلافة النبوة و خلافة المُلک (إدارة البلاد)؛ و لکل واحدة منهما شرائط و خصال تجدر معرفتها، و کل کلام علی خصال الإمامة قبل معرفة خصال النبوة، لایستند إلی أصل و هو هذیان؛ ثم ینبري الإخوان للحدیث عن خصال النبوة و الملک فیستنتجون أن هذه لاخصال إذا اجتمعت في إنسانٍ في وقت من الزمان یکون هو النبي المبعوث و هو الملک؛ و ربما تکون هذه الخصال في شخصین اثنین أحدهما النبي المبعوث إلی تلک الأمة و الآخر حاکمها، إلا أن هذین الاثنین لاقوام لأحدهم إلا بالآخر کما قال أردشیر ملک الإیرانیین: إن المُلک والدین أخوان توأمان لاقِوام لأحدهما إلا بالآخر. و ذلک أن الدین أسُّ المُلک و المُلک حارسه (3/ 493-495). ویقول الإخوان إن النبوة و الملک قد اجتمعا في النبي (ص)، بینما واقع الدمر أن أخلاق الملوک مضادة لخصال النبوة، ذلک أن الملک أمر دنیوي والنبوة أمر أخروي. و أکثر الملوک یکونون راغبین في الدنیا معرضین عن الآخرة، بیما من خصال الأنبیاء التزهید في الدنیا والترغیب في الآخرة (3/ 497).

وللنبوة 46 خصلة یعتبر الإخوان أولها «الرؤیة الصادقة»، بینما یتحدثون عن الخصال الأخری في موضع آخر، فإذا اجتمعت هذه الخصال في واحد من البشر، في دور من أدوار القرانات في وقت من الزمان فإن ذلک الشخص هو المبعوث و صاحب الزمان و الإمام للناس مادام حیاً، فإذا توفي و مضی لسبیله و اجتمعت تلک الخصال في واحد من أمته، أو جلّها فهو الذي یصلح أن یکون خلیفة النبي في أمته و یذکّر الإخوان هنا بأمر مهم و دقیق یبین هدفهم الأصلي فیقولون: إن لم یتفق أن تجتمع تلک الخصال في واحد، لکن تکون متفرقة في جماعتهم، اجتمعت تلک الجماعة علی رأي واحد و اتفقت قلوبهم علی محبة بعضهم بعضاً و تعاضدت علی نصرة الدین و حفظ الشریعة و إقامة السنّة، دامت لهم الدولة في دنیاهم و وجبت العقبی لهم في أخراهم؛ لکن إن لم یحدث ذلک، تفرق أبناء تلک الأمة بعد وفاة نبیهم و فسد علیهم أمر دنیاهم و آخرتهم. إذن، فإن کان لأحد عزم علی إصلاح الدین و الدنیا فعلیه أن یجتمع مع فریق «الإخوان الفضلاء و یقتدي بسنّة الشریعة في صدق المعادملة و محض النصیحة و صفوة الأخوة، و یضیف الإخوان هنا أنه لیس من جماعة یجتمعون علی المعاونة في أمر من أمورالدین و الدنیا أشدّ نصیحة بعضهم لبعض و لا أحسن معاملة من إخوان الصفاء (4/ 125-126).

 ومن ناحیة أخری یعتبر الإخوان الولایة أیضاً علی نوعین: الولایة العظیمة و الخلافة الکبیرة – أي خلافة الله – التي کانت خاصة بالنبي (ص) في الإسلام، و الأخری الولایة المخصوصة و هي لأهل البیت (ع)، فهم لایحتاجون فیها إلی مدبرین غیرهم و إلی علماء سواهم. ولایطّلع الناس علی أسرارهم و لایعرفون أخبارهم و لایطّلعون علی أزمنة موالیدهم و لاوفیاتهم؛ و لهم علوم یتمیزون بها و ینفصلون عن العالم بمعرفتها، و أعمال یعلمونها لایشرکون فیها غیرهم، و لذلک استحقوا الرئاسة و وسموا بالخلافة، و جمیع أعمالهم، إنما هي بمشیئة إلهیة و إرادة ربانیة، وهم أطباء النفوس و مداوو الأرواح (4/ 375-376).

وفي موضع آخر قالوا: إن الأنبیاء و الأئمة و التابعین لهم هم خلفاء الله، ربما کانوا ظاهرین بالعیان موجودین في المکان (في دَور الکشف)، وربما لم‌یکونوا کذلک (في دور الستر)، إلا أنهم في دور الستر أیضاً یمکن لأولیائهم أن یعرفوا مواضعهم و یمکنهم أن ینضموا إلیهم؛ ذلک أنه لوکان الأمر غیر ذلک، کانمنه خلوّ الزمان من الإمام الذي هو حجة الله علی خلقه، إلا أن الله لایرفع حجته ولایقطع الحبل الممدود بینه و بین عباده، فهم أوتاد الأرض و هم الخلفاء بالحقیقة في الدورین، دور الکشف و دور الستر، ففي دور لاکشف، یظهر ملکهم في الأجسام والأرواح، و في دور الستر، یجري أمرهم في الأنفس و العقول؛ أما أصحاب المملکة الأرضیة و الخلافة الجسمانیة، فإنما تظهر أفعالهم في الأجسام دون الأنفس، لم‌یملکوا الملک الروحاني ولا أیدوا بالتأیید السماوي، و لذلک صاروا منشغلین بمثل ماتشتغل به البهائم لیس لهم همة، إلا علی جمع ذخائر الدنیا و اغتنام لذاتها (4/ 379، عن خلفاء الشیاطین، ظ: 381).

وکما أشیر فیما مضی، فإن الإخوان انتقدوا المعتقدین بالإمام العائب و هم یعتقدون أن الإمام حاضر بین الناس. و قد أشار الإخوان في موضع آخر إلی هؤلاء «الذین یقولون بأن الإمام المنتظر الهادي مختفٍ لایظهر من خوف المخالفین»، و انبروا لتوجیه النقد إلی آرائهم (3/ 523-524). و تجدر الإشارة هنا إلی أنه في المتن المطبوع من الرسالة الجامعة ورد في موضع (ص 526) مانصه: «خروج مهدیّنا و قیام قائمنا»، بینما لم‌یرد في المخطوطة القدیمة لهذه الرسالة (الورقة 92) «المهدي» و «قیام القائم»؛ و هذا دلیل آخر أیضاً علی أن النساخ الإسماعیلیین الذین جاؤوا فیما بعد قد غیّروا من نص الرسالة باحتمال کبیر و أضافوا إلیه ماشاؤوا.

الصفحة 1 من9

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: