الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / إخوان الصفا /

فهرس الموضوعات

إخوان الصفا

إخوان الصفا

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/23 ۱۳:۵۹:۲۸ تاریخ تألیف المقالة

ویحظی العدد أربعة بأهمیة خاصة لدی الإخوان، کما لدی الفیثاغوریین، فاستناداً إلی هذه النظریة یقسمون جمیع الموجودات مربّعات مثل الطبائع الأربع (الحرارة و البرودة و الرطوبة و الیبوسة)؛ ومثل الأرکان، أو العناصر الأربعة (النار و الهواء و الماء و التراب)؛ و مثل الأخلاط الأربعة (الدم والبلغم و المرة الصفراءو المرة السوداء)؛ ومثل الأزمان الأربعة (الربیع و الصیف و الخریف و الشتاء)؛ و المکونات الأربعة (المعادن و النبات و الحیوان و الإنسان). و إن هذه الأمور الطبیعیة إنما صارت أکثرها مربعات لتکون مراتب الأمور الطبیعیة مطابقة للأمور الروحانیة و ذلک أن الأشیاء التي فوق الطبیعیة علی أربع مراتب: الله، العقل الکلي الفعال، و النفس الکلیة، المادة الدولی. و کل هذه لیس بأجسام (1/ 52-53).کما یسمي الإخوان خلقَ العقل الفعال، الإبداعً الأول و الخلق الأکمل، و یسمون خلق النفس الکلیة، الإبداع الثاني (4/ 212). و قد بلغ تعلق الإخوان بنظریة الفیثاغوریین في الأعداد حداً اعتبروا معه أن العالم بأسره مرتبط بالعلاقات العددیة و تراکیبها. یقول الإخوان: إن الحکماء الفیثاغوریین أعطوا کل ذي حق حقه إذ قالوا إن الموجدات بحسب طبیعةالعدد، إنها کلها مثنویة مزدوجة و بعضها مثلثات و علی هذا المنوال. ثم ینبرون إلی شرحها و یصلون إلی نتیجة یقولون فیها: مامن عدد من الأعداد إلا و قد خلق البارئ جنساً من الموجودات مطابقاً لذلک العدد (3/ 199-208).

وبعد أن أُبدع العقل و النفس الکلیة و الهیولی الأولی، اتخذت الموجودات الشکل التالي: عطفت النفس علی الجسم فصورت فیه الصور و الأشکال و الأصباغ لتتمه بالفضائل و المحاسن بحسب مایمکن من قبول الجسم. فأول صورة عملت النفسُ في الجسم، الشکلُ الکروي الذي هو أفضل الأشکال کلها، و حرّکته بالحرکة الدوریة التي هي أفضل الحرکات، و رتبت بعضها في جوف بعض من لدن الفلک المحیط إلی منتهی مرکز الأرض؛ وهي 11 کرة، صار الکل عالماً واحداً منتظماً نظاماً کلیاً. وصارت الأرض أغلظ الأجسام کلها و أشدَّها ظلمةً لبعدها من الفلک المحیط، و صار الفلک ألطف الأجسام کلها و أشدها روحانیة وأشفّها نوراً، لقربه من الهیولی الأولی التي هي جوهر بسیط. و صارت الهیولی أنقص رتبة من العقل و النفس، و ذلک أن المادة (الهیولی) هي جوهرة بسیطة روحانیة معقولة غیر علّامة ولافعّالة، بل قابلة آثار النفس بالزمان منفعلة. و أما النفس فإنها جوهرة بسیطة روحانیة علّامة بالقوة، فعّالة بالطبع، قابلة فضائل العقل بلازمان، فعالة في الهیولي بالتحریک لها بالزمان؛ کما أن العقل جوهر بسیط روحاني أبسط من النفس و أشرف منها، قابل لتأیید البارئ، علام بالعقل مؤیِّد للنفس بلازمان (3/ 197-198).

وبناء العلام و الأفلاک لدی الإخوان – و کما هو شدنه لدی بطلمیوس – مزیج بعناصر من أحکام النجوم بشأن سعد الکواکب السیارة و نحسها (1/ 115 و مابعدها، 124، 126-136). و من جهة أخری، فإن الإخوان یعتقدون أن جسم العالم بأسره بمنزلة جسم إنسان واحد، وأن جمیع أفلاکه و طبقات سماواته و کواکب أفلاکه و أرکان طبائعه و مولَّداتها من جملة جسمه، بمنزلة أعضاء بدن إنسان واحد و مفاصل جسده، ثم ینبرون بعدها لشرح ذلک (2/ 143-144، 4/ 232-237؛ الرسالة الجامعة، 263 ومابعدها). إن العالم بأسره کرة بحیط بها الهواء من جمیع جهاتها (4/ 240، 273) ولاوجود لفراغ فیه (1/ 446).

وفي تعریفهم للطبیعة یعتقد الإخوان أن الطبیعة هي قوة من قوی النفس الکلیة منبثة منها في جمیع الأجزاء التي دون فلک القمر، ساریة في جمیع أجزائها کلها، تسمی باللفظ الشرعي الملائکة الموکّلین بحفظ العالم و تدبیر الخلیفة (2/ 63، 132-133). أما الکائنات التي دون فلک القمر فلها – من وجهة نظر الإخوان – نظام و ترتیب متصل أواخرها بأوائلها کترکیب الأعداد و ترتیب الأفلاک؛ أول المعادن متصل بالأرض وآخرها النبات؛ آخر المعادن ممایلي النبات هو الکمأة و القطن؛ و إن آخر المرتبة النباتیة متصل بأول الحیوانیة؛ وآخر الإنسان متصل بالملائکة الذین هم أنفسهم ذوو مراتب متصلة أواخرهم بأوائلهم. أول المرتبة النباتیة و أدونها ممایلي التراب هي خضراء الدمن و آخرها النخل، ذلک أن النخل نبات حیواني لأن بعض أحواله مباین لأحوال النبات و إن کان جسمه نباتاً، وذلک أن أشخاص الفحولة منه مباینة لأشخاص الإناث، والنخل إذا قطعت رؤوسها جفّت. إذن فالنخل نباتي بالجسم، حیواني بالنفس (4/ 276-278، أیضاً 2/ 167-168، 171-175).

و اتباعاً منهم لنظریة فیثاغورس و الفیثاغوریین المحدثین یعتقد الإخوان أیضاً أن لحرکات الأفلاک و دورانها نغماتٍ وألحاناً طیبة مفرحة، و کما أن نغمات حرکات الموسیقار تذکر أرواح بني الإنسان التي في عالم الکون و الفساد بعالم الأفلاک، فإن نغمات حرکات الأفلاک و الکواکب تذکِّر سرورَ عالم الأرواح بالأرواح التي هناک. و العلقلاء یعلمون أن فيحرکات تلک الأشخاص و نغمات تلک الحرکات لذة و سروراً لأهلها مثل ما في نغمات أوتار العیدان لذة و سروراً لأهلها في هذا العالم. فعند ذلک تشوّقت أنفس أهل هذا العالم إلی الصعود إلی هناک کما صعدت نفس هرمس الثالث بالحکمة لما صفت و رأت ذلک و هو إدریس النبي (ع)، و کما سمعته نفس فیثاورس الحکیم لما صفت من درن الشهوات الجسمانیة، و لطفت بالأفکار الدائمة، وبالریاضیات العددیة و الهندسیة و الموسیقیة (1/ 207، 225-226، 3/ 90-94).

والأمر الملفت للنظر و المهم الآخر في معرفة العالم من وجهة نظر الإخوان هو النظریة القائلة إن العالم إنسان کبیر. و یرجع أصل نظریة العالم الکبیر و العلام الصغیر إلی الیونانیین. و کان أرسطو أول من سمی الإنسان بالعالم الصغیر («الطبیعة»، الکتاب VIII، الفصل 252b, 2). ومن بعده یلاحظ تفصیل هذه النظریة في مدرسة الرواقیین، خاصة لدی یسایدنیوس (ح 135-51 ق.م) الذي یسمی الإنسانَ بشکل صریح العالمَ الصغیر. ذلک أن الإنسان لایشتمل علی العناصر الأربعة فحسب – هو ما یصدق علی أصغر الکائنات الحیة – بل جعل جمیع قوی العالم واحدة فیه. ففي العالم الکبیر توجد الآلهة و العناصر الأربعة و الأحیاء و النباتات؛ و في الإنسان توجد جمیع هذه القوی. و قوته الإلهیة هي قوته الناطقة، أو العاقلة (ظ: پاولي، XXII(1)/ 166-167). وقد وجد مصطلحا العالم الکبیر و العالم الصغیر طریقهما إلی الفکر الإسلامي عن طریق الترجمات. و توجد هذه النظریة بشکل خاص في الکتابات الهرمسیة – الغنوصیة. و في سر الخلیقة یشار إلی العالم الکبیر و العالم الصغیر (بلیناس، 114، 394، 432، 445).

وفي بدایة الکتاب الهرمسي أستوطاس یقال إن الله بدأ خلق العالم الکبیر قبل العالم الصغیر (ص 2، قا: 3، 6، 14، 17). و في المصادر العربیة ینسب مصطلح الإنسان الذي هو کالعالم الصغیر حتی إلی أفلاطون (ظ: «رسالة في آراء»، 311). و هذه النظریة لها جذور في إیدیولوجیة إیران القدیمة أیضاً، فمن بین 21 قسماً، أو «نسک» من الأفستا یوجد نسک یدعی دامدات نسک کان یتحدث عن الخلق، و هو الیوم غیر موجود، إلا أن مضمونه یوجد في الأقسام المختلفة من الآداب البهلویة خاصة بندهش الذي هو بشکل رئیس خلاصة لذلک النسک. وفي الفصل 28 من هذا الکتاب یرد الحدیث بشکل مفصل عن جسم الإنسان بوصفه معادلاً للعالم و کذلک عن التشابه بین هذین الاثنین (ص 123-126؛ أیضاً ظ: فیدن غرن، 55-49).

لکن کیف حال هذه النظریة لدی الإخوان؟ یقولون في أحد المواضع: العالم – أي جمیع السموات و الأرضین و مابینهما من الخلائق – کإنسان کبیر؛ ذلک أن الإخوان یرون أن العالم جسم واحد بجمیع أفلاکه و طبقات سماواته و عناصره و مولَّداته، و له نفس واحدة ساریة قواها في جمیع أجزاء جسمه کسریان نفس الإنسان الواحد في جمیع أجزاء جسده (2/ 24-25).

ویقولون في موضع آخر: إن قول الحکماء، أن العالم إنسان کبیر و أن الإنسان عالم صغیر، فمعنی ذلک أن العالم، له جسم و نفس، یعنون به الفلک المحیط و مایحوي من سائر الموجودات من الجواهر و الأعراض و أن حُکْم جسمه بجمیع أجزائه البسیطة و المرکبة و المولَّدة، یجري مجری جسم إنسان واحد، أو حیوان واحد بجمیع أعضاء بدنه المختلفة الصور المفننة الأشکال، و أن حکم نفسه بجمیع قواها الساریة في أجزاء جسمه، المحرَّکة المدبِّرة لأجناس الموجودات و أنواعها و أشخاصها، کحکم نفس إنسان واحد، أو حیوان واحد الساریة في جمیع أعضاء بدنه و مفاصل جسده، المحرکة المدبرة لعضوٍ عضوٍ و حاسةٍ حاسةٍ من بدنه. وإذا قلنا الجسم الکلي، فإنما نعني به جسم العالم بأسره، و النفسَ الکلیة فإنما نعني العالم بأسره؛ و العقل الکلي نعني به القوة الإلهیة المؤیَّدة للنفس الکلیة؛ و الطبیعة الکلیة نعني بها قوة النفس الکلیة الساریة في جمیع الأجسام؛ والهیولی نعني بها الجوهر الذي له طول و عرض و عمق، فهو بها جسم مطلق؛ و الأنفس الجزئیة المتحرکة تعني قوی النفوس الحیوانیة و النباتیة و المعدنیة الساریة في الأجسام الجزئیة المحرِّکة المدبِّرة لها المظهِرة بها و منها أفعالها واحداً واحداً من الأشخاص الموجودة تحت فلک القمر. فقد بان بهذا أن مجری حکم العلام و مجاري أموره بجمیع الأجسام الموجودة فیه مع اختلاف صورها وافتنان أشکالها و تغایر أعراضها، یجري مجری جسم الإنسان الواحد، أو الحیوان الواحد بجمیع أجزائه المخلتفة الصور؛ و أن حکم سریان قوی نفس العالم في جمیع أجزاء جسمه کحکم سریان قوی نفس إنسان واحد في جمیع أجزاء بدنه و مفاصل جسده (3/ 212-214).

 

الإنسان

یؤکد الإخوان علی أن صورة الإنسان أکبر حجة لله علی خلقه و هي الکتاب الذي کتبه بیده (4/ 12). و عن الرسالة الجامعة یقول الإخوان إن أکبر أهدافهم من کتابتها هو إیضاح ماقاله الحکماء و ترجمه العلماء عن کتب الفلاسفة الإلهیین المتقدمین من أن الإنسان عالم صغیر و کتاب کتبه الله بیده (الرسالة الجامعة، 119). الإنسان کتاب مملوء من العلوم و صراط مستقیم ممدود بین الجنة و النار (2/ 475). والإنسان أکمل الموجودات التي تحت فلک القمر، و جسمه جزء من أجزاء العالم بأسره 02/ 476). و آدم أبوالبشر الترابي له الحکم في هذه الأرض والربوبیة علی جمیع ما فیها (3/ 427).

وبشأن ماهیة الإنسان و حقیقة معناه نقل الإخوان أقوال الحکماء و نظریاتهم المخلتفة: الإنسان مجموعة مبنیة من اللحم و الدم و العظم؛ أو مجموعة من جسد جسماني و روح نفساني، أو روحاني؛ الإنسان بالحقیقة هو هذه النفس الناطقة و الجسد لها بمنزلة قمیص ملبوس، أو غلاف مغشّیً علیه. کما اختلف الحکماء في ماهیة النفس أیضاً: 1. النفس جسم لطیف غیرمرئي ولامحسوس؛ 2. النفس جوهرة روحانیة غیرُ جسمٍ، معقولةٌ و غیر محسوسة، باقیة بعد الموت؛ 3. النفس عَرَض یتولد من مزاج البدن و أخلاط الجسد، یبطل و یفسد عند الموت ولاوجود لهاف إلا مع الجسم البتة. و هؤلاء قوم یقال لهم الجسمیون، لایعرفون شیئاً سوی الأجسام المحسوسة (3/ 371-372).

ویعتقد الإخوان أن جسد الإنسان جسم مؤلف من اللحم و الدم و العروق و العصب و العظام و ماشاکلها، أما النفس، یعني الروح، فهي جوهرة سماویة نورانیة حیة؛ لها بالقوة إحساس و إدراک، علّامة فعّالة بالطبع، و مادامت موجودة فهي لاتهدأ (3/ 290).

ومن جهة أخری، دحض الإخوان النظریة القائلة إن النفس شيء متولد من مزاج الجسد و قالوا إن الجسم لایتصور إلا متحرکاً، أو ساکناً، فلو کان متحرکاً من حیث هو جسم، لکان یجب أن یکون کل جسم متحرکاً؛ ولو کان ساکناً لکان یجب أن یکون کل جسم ساکناً؛ ولیس الأمر کذلک، بل قد یوجد بعض الأجسام متحرکاً و بعضها متحرکاً تارة و ساکناً أخری، مثل الهواء و الماء و النار و الحیوان و النبات. فیدلنا هذا بأن شیئاً آخر هو الذي یحرکها و یسکنها. وفالنفس إذن لیست بجسم و لابعرض من الأعراض القائمة بالجسم المتولد منه، أو فیه، لأن العرض هو شيء لایقوم بنفسه و لافعل له، لأن الفعل عرض من الأعراض قائم بفاعله (3/ 373-374).

و خصص الإخوان في الرسائل فصلاً لخلق آدم و عدّوا مصدر معلوماتهم بهذا الشدن «بعض کتب أنبیاء بني إسرائیل». و ذکروا في هذا الفصل و بشيء من التفصیل أن الله رکّب جسم آدم من أربعة أشیاء: الرطب و الیابس و الحرا و البارد، ذلک أنه خلقه من تراب و ماء ثم نفخ فیه نفساً وروحاً، فیبوسة جسده من قِبل التراب، و رطوبته من قِبل الماء، و حرارته من النفس، و برودته من الروح؛ ثم انبروا بعد ذلک للحدیث عن آدم و نسله و أخلاقه (1/ 300-302. و تجدر الإشارة هنا إلی أن القسم الأول من هذه المعلومات موجود بنصه تقریباً في عیون الأخبار لابن قتیبة (تـ 276هـ/ 889م) الذي ذکر أن مصدره هو التوراة (2/ 73-74؛ حول خلق آدم و حیاته، أیضاً ظ: رسائل، 2/ 228 و ما بعدها). کما یشاهد في الرسائل أیضاً ماورد في الکتاب المقدس من أن الله خلق آدم علی صورته و مثاله (4/ 206؛ ظ: سفر التکوین، 1: 26-27).

واتباعاً من الإخوان للنظریة الغنوصیة – الهرمسیة فإن الإنسان یُصنف في مفهومین، فیقولون بهذا الصدد: إن کل الناس أشخاص لهذا الإنسان المطلق الذي هو خلیفة الله في أرضه منذ یوم خلق آدم إلی یوم القیامة الکبری. و یعتبرون «الإنسان المطلق» هو النفس الکیة الإنسانیة الموجودة في کل الأشخاص، و هذا الإنسان المطلق مطبوع علی قبول جمیع الأخلاق البشریة و جمیع العلوم الإنسانیة و الصنائع الفلسفیة؛ و هو موجود في کل وقت و زمان و مع کل شخص من أشخاص البشر، تظهر منه أفعاله و علومه و أخلاقه و صنائعه (1/ 306). وی حتمل جداً أن یکون الإخوان قد اقتبسوا أصل هذا التصنیف – کما هو شأن کثیر من الموضوعات الأخری – من أثولوجیا الذي جری الحدیث فیه عن «الإنسان الحسي» الذي هو صنم «الإنسان الأول»، ثم الإنسان الثاني و الثالث الذین هم سفلیّون العلام الجسماني («أثولوجیا»، 144-146)؛ و مصدر جمیع هذه الأفکار هو النظریة الغنوصیة الشهیرة بشأن «الإنسان الأول»، أو «الإنسان البدائي».

مر بنا أن الإخوان دعوا الإنسان بالعالم الصغیر، وکما قالوا في الرسالة الجامعة فإن هدفهم الرئیس هو معرفة هذا العالم الصغیر و التعریف به، و اعتبروا أن معرفة الإنسان وسیلة لمعرفة الله. و هاهم الإخوان یقولون: لما نظر الحکماء الأولون إلی هذا العالم الجسماني بأبصارعیونهم و شاهدوا ظواهر أموره بحواسهم، و تفکروا في أحواله بعقولهم، لم‌یجدوا جزءاً من جمیع أجزائه أتمّ بنیة و لا أکمل صورة ولایجملته أشد تشبیهاً من الإنسان؛ ذلک أنه لما کان الإنسان هو جملة مجموعة من جسد جسماني و نفس روحانیة، و جدوا في هیئة بنیة جسده مثالات لجمیع الموجودات التي في العلام الجسماني من عجائب ترکیب أفلاکه و أقسام أبراجه و حرکات کواکبه و ترکیب أرکانه و أمهاته و اختلاف جواهر معادنه و فنون أشکال نباته و غرائب هیاکل حیواناته. فلما وجدوا صورة الإنسان علی هذا الشکل دعوه العالمَ الصغیر. صم انبری الإخوان بشکل واف و في عدة مواضع إلی وصف التشابه و التعادل بین جسم الإنسان و بنآئ العالم الکبیر (ظ: 2/ 456-460، أیضاً ظ: 477؛ إن نفس الإنسان أشبه النفوس الجزئیة بالنفس الکلیة التي هي نفس العالم بأسره، أیضاً 4/ 213، 234-235).

ومن جهة أخری، فإن الإنسان أشبه النفوس الجزئیة بالنفس الکلیة التي هي نفس العالم بأسره، أیضاً 4/ 213، 234-235).

ومن جهة أخری، فإن الإنسان جملة مجموعة من جسد جسماني و نفس روحانیة، و هما جوهران متباینان في الصفات، متضادان في الأحوال، و من أجل جسده الجسماني صار مریداً للبقاء في الدنیا متمنیاً للخلود فیها؛ و من أجل نفسه الروحانیة صار طالباً للدار الآخرة متمنیاً للبلوغ إلیها. و هکذا أکثر أمور الإنسان و تصرف أحواله، مثنویة متضادة (1/ 259، عن الصفات الخاصة بجسم الإنسان و روحه، ظ: 260).

ومن وجهة نظر الإخوان فإن الإنسانیة لها مراتب: الأولی التي تلي مرتبي الحیوان و هي مرتبة الذین لایعلمون من الأمور، إلا المحسوسات، ولایعرفون من العلوم، إلا الجسمانیات، و لایطلبون، إلا إصلاح الأجساد، ولایرغبون، إلا في الرتب الدنیا، ولایتمنون، إلا الخلود فیها، مع علمهم بأنه لاسبیل لهم إلی ذلک، یعیشون مثل البهائم، و یحرصون علی جمع الذخائر الدنیویة، فهؤلاء و إن کانت صورهم الجسدانیة صورة الإنسان، فإن أفعال نفوسهم أفعال لانفوس الحیوانیة و النباتیة. أما رتبة الإنسانیة التي تلي رتبة الملائکة فهو أن یجتهد الإنسان و یترک کل عمل و خلق مذموم، قد اعتاده من الصبا، و یکتسب أضداده من الأخلاق الجمیلة الحمیدة، و یتعلم علوماً حقیقیة، و یعتقد آراء صحیحة حتی یکون إنسانَ خیر فاضلاً و تصیر نفسه مَلَکاً بـ «القوة»، فإذا فارقت جسدها عند الموت صأرت ملکاً بت «الفعل» و عرج بها إلی ملکوت السماء و دخلت في زمرة الملائکة و لقیت ربها بالتحیة و السلام (ظ: 2/ 171، 172، أیضاً ظ: 1/ 311-312، مراتب النفس الخمس).

وکما أشرنا فیما مضی، فإن الإخوان – اتباعاً منهم لعقائد الغنوصیین – یؤکدون دائماً علی تزکیة النفس و علی خلاصها من أسر عالم الطبیعة و المادة و الرجوع إلی عالمها الروحاني الأول في الملأ الأعلی (ظ: 2/ 449، 454). و من وجهة نظر الإخوان، فإن النفس الکلیة ستعود إلی عالمها الروحاني و حالتها الأولی التي کانت علیها قبل تعلقها بالجسم؛ ولکن هذه العودة لاتکون، إلا بعد مضيّ الدهور و الأزمان الطوال و الأدوار، أي عندما یخرب العالم الجسماني إذا فارقته النفس و سکن الفلک عن الدوران و الکواکب عن السیر و الأرکان عن الاختلاط، و یبلی النبات و الحیان و المعادن؛ و یخلع الجسمٌ الصورَ والأشکال عندما تعرض النفس العالمیة عن جسمها و تقبل نحو عالمها و تلحق بعلتها الأولی و تتحد بها (3/ 354-355). ولذا یمکن القول، إن الحیاة الأخری للروح و خلودها تعد أهمّ مسألة في إیدیولوجیة الإخوان، و من هذا أیضاً یتناولون مسألة البعث و المعاد، و من هذا الموضوع أیضاً تتجلی السمات البارزة للفکر الغنوصي لدی الإخوان.

الصفحة 1 من9

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: