الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / إخوان الصفا /

فهرس الموضوعات

إخوان الصفا

إخوان الصفا

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/23 ۱۳:۵۹:۲۸ تاریخ تألیف المقالة

کما یتحدث الإخوان عن أربعة أعیاد خاصة بهم: العید الأول یوم نزول الشمس برج الحمل و استواء اللیل و النهار و بدء الربیع و تفتح الأشجار و اعتدال الجو و سائر میزاته الأخری. و کان الحکماء في هذا الیوم یجتمعون و یجمعون أولادهم و شبان تلامذتهم بأحسن زینة و یذهبون إلی الهیاکل التي کانت لهم، و یذبحون الذبائح و یضعون الموائد، ثم یبدأون بعزف الموسیقي و الغناء مما یحرک النفوس إلی معالي الأمور. العید الثاني، عند نزول الشمس أول السرطان، أي بدء فصل الصیف و فصل الحر، ففي هذا الیوم تجتمع الحکماء فیه إلی الهیاکل المبنیة لذلک الیوم. العید الثالث، إذا نزلت الشمس أول دقیقة من برج المیزان، استوی اللیل و النهار مرة أخری و دخل الخریف، فیدخلون إلی الهیکل المبني لذلک الیوم و یکون استعمالهم من الأکل ما یوافق طبیعة ذلک الیوم و الزمان. العید الرابع، بدء فصل الشتاء و تساقط ورق الشجر و جفاف الأشجار و ما إلی ذلک، و کانت الحکماء تتخذ هذا الیوم یوم حزن و کآبة و ندم و استغفار و کانوا یصومون. و یضیف الإخوان: إذا أنعمت النظر إلی أعیاد الشریعة الإسلامیة وجدتها موافقة لتلک الأعیاد الأربعة: فعید الفطر مثل عید بدء الربیع، و عید الأضحی مثل العید الثاني؛ و عید غدیر خم مثل العید الثالث؛ و الیوم الرابع یون الحزن و الکآبة، أي الیوم الذي قبض فیه النبي (ص) (4/ 265–268).

کما قیل إن جماعة الصفاء هم أکثر الناس لیاقة لأداء العبادات الشرعیة و أداء الفرائض و کذلک لأداء العبادة الفلسفیة، و بعد هذه العبادات لهم سنة ثالثة خاصة بهم و هم لوحدهم علی معرفة بها؛ کما أنهم یعیدون في ثلاثة أیام یدعون إخوانهم إلی التجمع في تلک الأعیاد. و أعیادهم لاتشبه في الحقیقة أعیادَ الفلسفة و الشریعة، إلا بالمَثَل؛ و هذه الأیام الأربعة هي بحسب الحرکات الفلکیة و موجبات أحکام النجوم: الربیع و الصیف و الخریف و الشتاء، و في الشریعة المحمدیة: عیدالفطر و عید الأضحی و عیدالغدیر و یوم وفاة النبي (ص)؛ و في الشریعة الفلسفیة: نزول الشمس في برج الحمل و السرطان و المیزان و الجدي؛ و في الصورة الإنسانیة: أیام الصبا و أیام الشباب و أیام الکهولة و أیام آخر العمر. و أعیاد الإخوان هي أشخاص ناطقة و أنفس فعالة تفعل بإذن بارئها ما یوحیه إلیها و یلهمها من الأفعال و الأعمال. فالیوم الأول من أیامهم هو یوم خروج أول القائمین و یکون الیوم الموافق له لنزول الشمس برج الحمل؛ الیوم الثاني یوم قیامة القائم الثاني الموافق یوم نزول الشمس أول السرطان؛ الیوم الثالث یوم قیام القائم الثالث الموافق لنزول الشمس أول المیزان؛ الیوم الرابع یوم الحزن و الکآبة و رجوع الإخوان إلی کهفهم و هو کهف التقیة و بدء فترة غربة الإسلام کما ورد في حدیث النبي (ص) (4/ 268–270).

و یقول الإخوان: القربان علی نوعین: الشرعي و الفلسفي، فإما القربان الشرعي فهو المأمور به في الحج؛ و أما القربان الفلسفي فهو مثل ذلک، إلا أن النهایة فیه التقریب بالأجساد إلی الله بتسلیمها إلی الموت و ترک الخوف کما فعل سقراط لمّا شرب السم، و کاستبشار أرسطو لمّا نزل الموت به و أقواله إلی تلامذته. و إن أعظم القرابین هو ترک النفس محبةَ الدنیا و الزهدُ فیها و قلة الخوف من الموت، بل تمني ذلک الیوم. فقرابین الإخوان تجمع هذه الخصال بأسرها، فهي شرعیة و أیضاً فلسفیة (4/ 270–271). و هنا ینبغي التذکیر بأن ما یقوله الإخوان بشأن أعیادهم و احتفالاتهم، إنما هو قوالب مجازیة و رمزیة یتضمن أفکاراً أخری خفیة، و هو یذکّر ببعض تقالید صابئة حرّان و ببعض الفرق الغنوصیة بشکل خاص.

 

الإخوان و الإسماعیلیون

و کما أشرنا في البدء فإن بعض الباحثین – خاصة الباحثین الإسماعیلیین – اعتبروا منذ وقت مبکر أن الإخوان من الإسماعیلیین، بل إن بعض المتقدمین منهم نسبوا تألیف الرسائل إلی أئمة الإسماعیلیین و تلامذتهم. و من بین الباحثین المعاصرین فإن إیفانوف – و استناداً إلی ما قاله الإسماعیلیون أنفسهم له – و کذلک استناداً إلی بعض النصوص التي کانت في متناول یده، یعتبر رسائل الإخوان ذات سمات من الرؤی و الأفکار الإسماعیلیة (ظ: «الدلیل...»، عد2)، إلا أنه في کتاب آخر له، و مع أخذه بنظر الاعتبار کون المؤلفین الإسماعیلیین المتقدمین خاصة حمید الدین الکرماني، لم یشیروا إلی الرسائل، یستنتج أن رسائل إخوان الصفاء قُبلت من قبل الإسماعیلیین منذ فترة خلافة الحاکم بأمر الله الفاطمي (386–411هـ/ 996–1021م) («مؤسس...»، 147). و کما مرّ آنفاً، فإن المؤلف الإسماعیلي النزاري، أبا المعالي حاتم بن عمران بن زهرة (تـ 497هـ/ 1103م) أشار إلی الرسائل و مؤلفیها لأول مرة. و یورد الکتّاب الإسماعیلیون في القرون التالیة و کذلک الباحثون الإسماعیلیون المتأخرون و المعاصرون بأسرهم، رسائل الإخوان في عداد مؤلفات الإسماعیلیین، علی الأقل في المراحل الأولی من انتشار المذهب الإسماعیلي. کما اتبع الباحثون الغربیون هذه الفرضیة في الأغلب، فقد عدّ هنري کوربن في موضع، الإخوانَ فریقاً ذا أفکار إسماعیلیة («تاریخ...»، 190). و في موضع آخر قدّم الرسائل بوصفها «بناء تذکاریاً خالداً للفکر الإسماعیلي» (م.ن، «عبادة الصابئة»، 187). کما یؤکد الباحث الفرنسي مارکه في کتاباته المتعددة علی المضمون الإسماعیلي للرسائل و یحاول أن یثبت أن الإخوان کانوا من الإسماعیلیین («رسائل»، 57–79، «إخوان...»، 233 و ما بعدها؛ أیضاً EI2).

لکن من جهة أخری فقد أصدر بعض الباحثین المعاصرین الحکم بحذر بشأن کون الإخوان من الإسماعیلیین و وجود نزعات إسماعیلیة في رسائلهم. یقول شتیرن في المقالة التي أشیر إلیها فیما مضی: واضح أن مؤلفي رسائل إخوان الصفاء و رغم کونهم مرتبطین بالإسماعیلیین، کانوا قد ابتدعوا لهم مبادئ عقائدیة خاصة لم‌تکن علی الإطلاق مقبولة لدی القسم الأکبر من تلک الحرکة. و علی هذا و بینما کانت تعالیم الرسائل ذات تأثیر ملحوظ في المحافل الفلسفیة و العلمیة غیر المرتبطة بالإسماعیلیة في القرن الخامس الهجري، لانجد دلالة علی تأثیر الرسائل في أوساط المؤلفین الإسماعیلیین في تلک الفترة و «معلومات»، 417). ثم یبین في مؤلَّف آخر استنتاجه هذا بشکل أوضح فیقول: رغم هذا، فإنه ینبغي أن یُفهم – و هذا أمر أُهمل غالباً – أنه و مع کون الوسط الذي نشأت فیه جماعة إخوان الصفاء هو المذهب الإسماعیلي دون شک، إلا أنهم تجاوزوا ذلک بکثیر، فالرسائل تبین آراء فریق صغیر من الفلاسفة الباطنیة الذین کانوا في حقیقتهم إسماعیلیین، إلا أنهم لم‌یکونوا علی الإطلاق ممثلین للمذهب الرسمي للإسماعیلیین، بل منحوة حرکة جدیدة تماماً. ففلسفتهم ذات النزعة الإنسانیة و المستنیرة لیس لها نقاط مشترکة کثیرة مع المعتقدات الرسمیة للإسماعیلیین بمعناها الخاص و التي کانت «الدعوة الرسمیة» مؤمنة بها («دراسات...»، 86).

کما یعتقد نصر في إحدی کتاباته المتقدمة، أنه یمکن العثور علی علاقة ضعیفة بین الإخوان و الإسماعیلیین، خاصة بما یطلق علیه «الغنوصیة الإسماعیلیة» («مقدمة...»، 36)، إلا أنه یقول في بحث آخر: من المؤکد أن یکون هذا الفریق من المؤلفین الذین لم تتضح علی الإطلاق هویتهم بشکل کامل ملهَماً من الشیعة، و إن لم‌یکونوا إسماعیلیین بالشکل الخاص الذي افترض فیما بعد («فلسفة...»، 428).

و من جهة أخری، یقول شتیرن: یفترض أحیاناً أن إخوان الصفاء کانوا یشکلون منظمة سریة خاصة تشکلت بالشکل الذي وصف في الرسائل، لکنه یری أن هذه الجماعة التي بطرح الباحثون الجدد النظریات بشأنها، مفترضة. فحین یرد الحدیث في الرسائل عن إخوان الصفاء فإن المقصود هو الحرکة الإسماعیلیة، لکن لیس کما کانت تلک الحرکة في الحقیقة، بل بالشکل الذي کان یرید مؤلفو الرسائل أن یکون علیه، أي الحرکة الإسماعیلیة المثالیة الطوباویة، الممزوجة بالفکر الفلسفي المستنیر و البحث عن الفوز و انعتاق الأرواح عن طریق المعتقدات الخاصة التي طُرحت في الرسائل («معلومات»، 421).

و مع کل هذا فإن نظریة ارتباط الإخوان بالإسماعیلیین ما یزال لها أنصار في أوساط الباحثین المتأخرین، و بلغ الأمر بأحدهم في الحدیث عن الإخوان إلی حدّ القول بأنهم لیسوا مرتبطین بالإسماعیلیین فحسب، بل تنظیم سیاسي سري خلال تلک الفترة مع تنظیمات حزب سیاسي جدید (ظ: سعید، 76–80) و في نفس الوقت یمکن السؤال لماذا لا یذکر ناصر خسرو المفکر الإسماعیلي (تـ بعد 465هـ/ 1073م) الإخوان و رسائلهم.

ینبغي في البدء أن نشیر هنا إلی أن ما ورد بشأن الإخوان و رسائلهم في أوساط المحافل الإسماعیلیة منذ القرن الخامس الهجري و ما بعده یتضمن صعوبات و تناقضات و لاینسجم مع القراءن التاریخیة و کذلک القرائن الداخلیة للرسائل، فمثلاً ادعاء بعض الإسماعیلیین أن الإمام أحمد بن عبدالله کان له دور في تألیف الرسائل کما کان الإخوان من أتباعه، أو أتباع الأئمة الآخرین، یتناقض بشکل صارخ مع ما یلاحظ في المصادر التاریخیة عن الإخوان، فحسب ماورد في المصادر الإسماعیلیة فإن أحمد بن عبدالله توفي في 212هـ/ 827م (ظ: تامر، المقدمة، 16)، بینما کان مؤلفو الرسائل استناداً إلی روایة أبي حیان التوحیدي یعیشون في البصرة سنة 373هـ، و مدة هذا البون تمتد إلی 161سنة!

و من جهة أخری – و کما أشیر فیما مضي – فقد تحدث القاضي عبدالجبار عن أن عدة أشخاص ممن أوردهم أبوحیان في عداد مؤلفي الرسائل کانوا مایزالون أحیاء في البصرة سنة 385هـ، أي سنة تألیف کتاب تثبیت دلائل النبوة، أي بعد 173 سنة علی وفاة أحمد بن عبدالله.

کما أن ما استنبطه مارکه و ادعاه استناداً إلی إشارات في متن الرسائل بأن الأئمة کانت لهم مساهمة نشطة في تألیف الرسائل («فلسفة»، 8–9)، فرضیة مشکوف فیها، بل تصور لایمکن العثور له علی أي دلیل تاریخي، سوی ادعاء الإسماعیلیین الذین جاؤوا فیما بعد. و ینبغي أن نضیف إلی هذه النقاط أن المصادر التي اعتمدها الإخوان لم‌تکن قد ألفت بعد، أو ترجمت خلال حیاة أحمد بن عبدالله، فالشاعر المتنبي المولود في 303 هـ و الذي نقل عنه الإخوان – کما أشرنا – شعراً لم‌یکن قد أبصر النور آنذاک.

و علی أیة حال، و استناداً إلی القرائن التي توفرت حتی الآن و کذلک استناداً إلی دراسة القرائن الداخلیة للرسائل، یمکن القول إن مؤلفیها و رغم احتمال کونهم علی معرفة ببعض المحافل الإسلامیة، و کذلک استخدامهم بعض المصطلحات و النظریات الخاصة بالإسماعیلیین الأوائل، فإنهم أنفسهم لم‌یکونوا منهم ولم‌تکن لهم مناصب، أمر مراتب. کما ینبغي التذکیر بأن الإخوان انتقدوا المسبّعة في موضعین و اعتبروا أن «نظرهم جزئي و کلامهم غیر کلي» و «لم یعتبروا ذلک مذهب الإخوان» (1/ 217، أیضاً ظ: 3/ 180). و علی هذا، فالأصح أن یقال إن محافل الإسماعیلیین و مؤلفیهم في القرون التالیة جعلوا من الإخوان جزءاً منهم و نسبوهم إلی فرقتهم، و کانت هذه النسبة مدعاة فخر للإسماعیلیة اللاحقین. و إن الموضوعات التي أضافها الإسماعیلیون إلی الرسائل، واضحة. و الأمر الذي یثیر التساؤل هنا هو أن جمیع الروایات التي وردت في المصادر عن انتساب الإخوان للإسماعیلیة کتبت في الفترات التي أعقبت قیام الدولة الفاطمیة (297هـ/ 910م) و فتح مصر علی أیدیهم في 358هـ/ 969م. و الأکثر إثارة للتساؤل هو عدم ذکر ابن الندیم الذي ألف الفهرست في 377 هـ و أورد فیه روایة عن الحرکة الإسماعیلیة، شیئاً عن الإخوان و رسائلهم (ص 186 و ما بعدها)، بینما تحدث أبوحیان التوحیدي عن الإخوان و رسائلهم قبل ذلک بأربع سنوات تماماً. تری هل أن ابن الندیم لم‌یکن عل علم بمؤلفات علی هذا القدر من الأهمیة مثل رسائل الإخوان؟

و أخیراً أکد أحد أقدم الباحثین المعاصرین هو الآخر علی عدم إسماعیلیة الإخوان. یقول نتون: مع الأخذ بنظر الاعتبار الدور الرئیس للإمامة لدی الإسماعیلیین و الدور الصغیر الذي یراه الإخوان للإمامة، یمکن الاستنتاج أن الإخوان لم‌یکونوا إسماعیلیین. و الهبوط بالعناصر الإسماعیلیة التي نجدها في الرسائل إلی مستوی التأثر فحسب، ولا ینبغي اعتبارها عوامل ذاتیة في فکر الإخوان (ص 103–104).

 

إیدیو لوجیة الإخوان

ینبغي التنبیه قبل کل شيء إلی أن إیدیو لوجیة الإخوان هي إیدیو لوجیة ترکیبیة.و کان هذا الشکل منالنزعات رائجاً جداً في المحافل الفلسفیة – الدینیة في الفترة الهلینیة، أي فترة نفوذ و انتشار الثقافة الیونانیة في بلاد ما بین‌النهرین و شمال أفریقیا (مصر) منذ القرن 3 ق.م و حتی القرنین 2 و 3م. کما أن الإخوان استفادوا بدورهم، ضمن الإطار العالم لإیدیو لوجیتهم الإسملامیة – الشیعیة، من کل مدرسة لفسفیة و نزعه دینیة و صوفیة و من کل مصدر یوناني و غیر یوناني وجدوا فیه نقطة و رؤیتهم و أفکارهم، أو تدعمها، و انتجوا أحیاناً بالاستناد إلی تلک المصادر و في الأغلب دون الاستناد إلیها، إیدیولوجیة ترکیبیة، لکنها ذات أصالة خاصة بهم. و بعبارة أخری، فإن الإخوان استعاروا من هنا و هناک في رسائلهم عناصر مختلفة و أحیاناً متضادة، فصهروها في بوتقتهم و جعلوها لهم. و خلال ذلک، کان لبعض هذه العناصر تأثیر أکبر في بلورة شکل إیدیو لوجیتهم، أي أن عدة عناصر بارزة و محددة توجد في هذه الإیدیو لوجیة: العناصر الأساسیة في الفلسفة الفیثاغوریة، عناصر الأفلاطونیة، العناصر الأرسطیة، العناصر الرواقیة، عناصر الأفلاطونیة الحدیثة، العناصر الهرمسیة، و الأکثر من کل ذلک العناصر الغنوصیة.

و من بین العناصر المذکورة، ینبغي التأکید أکثر علی الأخیرة، بحیث یمکن القول و من خلال متابعة أفکار الإخوان و نظریاتهم الأساسیة، إنهم کانوا أبرز أتباع الغنوصیة (- العرفان، المعرفة)، و بذلک کانوا أبرز ممثلي الإیدیو لوجیة الغنوصیة الحدیثة في عصرهم. و هنا یبرز هذا السؤال: من أي مصدر، و مصادر اکتسب الإخوان العناصر الأساسیة لإیدیو لوجیتهم الغنوصیة – الهرمسیة؟ لقد کانت هذه المصادر من جهةٍ کتابات أصیلة، أو مزوّرة، ترجمت إلی العربیة عن الیونانیة، أو السریانیة في القرنین 3 و 4هـ، و کان الإخوان علی معرفة بها دون واسطة، أو بواسطة. و من جهة أخری فإن هذه المعلومات حصل علیها الإخوان عن طریق السماع و من خلال الاتصال بالمحافل التي تمثل تلک الإیدیو لوجیة و التي کانت تکثر آنذاک في الصابئة الحرانیة.

 

صابئة حران و الإخوان

تلاحظ في الرسائل إشارات و نماذج معینة تظهر علاقة الإخوان بمحافل صابئة حران و تأثیر إیدیولوجیتهم في الإخوان. و کما أشیر فیما مضی فإن الإخوان احتفضوا لأنفسهم بنماذج من احتفالات الصابئة و طقوسهم، و استناداً إلی دراسات تاردیو، فإن محافل من الصائبة کانوا من بقایا غنوصیة و هرمسیة العهود السابقة (ص 39 و ما بعدها)، و یذکر الإخوان بشکل صریح في رسائلهم في أحد المواضع: «الصابئین» و «الحرانیین» و «الحتوفیین»، و یحتمل أن یکون الأسم الأخیر تصحیف «الحنیفیین»، و هذا أیضاً لیس لمجرد المصادفة، ذلک أنه تأتي إثره أسماء رؤسائهم الأوائل: أغادمایون (تحریف آغاثودایمون)، هرمس، لومهرُس (تحریف هومیروس الشاعر الیوناني الملحمي الشهیر)، أراطس؟. ثم یضاف أنهم انقسموا فیما بعد إلی عدة فرق: الفوثاغریة (الفیثاغوریة)، الأرسطانونیة (الأرسطیة)، الأفلاطونیة و الأقعوروسیة (تحریف الأفیقوریة، الأبیقوریة) (ظ: 4/ 295). و ینبري الإخوان في تتمة هذا الفصل لوصف عقائد صابئة حران بشأن العالم و الإنسان و کذلک عاداتهم و تقالیدهم الدینیة و اعتقادهم بالنجوم و الهیاکل التي شیّدوها باسم هذه النجوم (4/ 295- 306).

و هنا یقال إنهم أخذوا مبادئ علومهم عن السریانیین و المصریین، ولا یبدو هذا عجیباً أیضاً، ذلک أننا نعلم أن هذه النظریة کانت شائعة في العصور القدیمة، خاصة في الأوساط الهلینیة، و الأوساط الفلسفیة الغنوصیة، و القائلة إن الیونانیین کانوا قد أخذوا علومهم عن المصریین و السریانیین. و من جهة أخری، فرغم أن الإخوان لم‌یذکروا خلال وصفهم معتقداتهم و شرحهم لها، صابئة حران بشکل صریح، إلا أنه یوجد في نفس الوضع قسم یثیر الانتباه کثیراً و یدعم الرأي القائل إن ما ینقله الإخوان هو معتقدات صابئة حران. فقد قیل هناک إنهم یجلّون «آروس» [تحریف إیروس = إله الحب لدی الیونانیین] و صنم آب [کُتبت في النص خطأ صب الماء] الذي سقط من ربتة الآلهة علی عهد أسطرونیقوس و ذهب إلی بلاد الهند؛ فخرجوا في طلبه فلحقوه و سألوه أن یرجع إلیهم فقال لهم: إني لا أدخل بعد هذا بلد حران و لکن أجيء إلی کاذي – و هو مکان في شرق حران – و أتفقّد مدینتکم. و هم إلی الیوم و في الیوم العشرین من شهر نیسان [آذار] من کن عام یخرجون إلی ظاهر المدینظة و ینتظرون قدوم الصنم، و یسمون إلک عید ذلک عید کاذي (4/ 306).

إن هذه المعلومات تلاحظ أیضاً في فهرست ابن الندیم (ص 325). فقد ورد فیه «أسطرونیقوس» بشکل محرف هو «أسطة و طرینقوس»، و جاءت «کاذا» بدلاً من «کاذي». إن «أسطرونیقوس» الوارد لدی الإخوان هو تحریف لکلمة «آستروتورانیکوس» الیونانیة (نجم الثریا، ظ: داج، II/ 767)، و هي إشارة إلی الثریا التي تختفي بین 15 إلی 20 مارس (آذار) في وقت قصیر بعد اقترانها بالقمر. و هنا یطرح سؤال: هل کان الإخوان و ابن الندیم قد استقوا معلوماتهم من مصدر واحد أم‌لا؟

ألف ابن الندیم الفهرست في 377هـ، أما رسائل الإخوان – و کما مرّ فیما مضی – و استناداً إلی روایة أبي حیان التوحیدي، فقد کانت في المتناول قبل 373هـ، رغم عدم انتشارها، بینما لم‌یذکر ابن الندیم في مؤلِّفه الرسائل ولا مؤلفیها. و علی أیة حال، فإن هذا یمکنه أن یکون دلیلاً إضافیاً علی أن الإخوان و صابئة حران، ظ: مارکه، «صابئة...»، XXV/ 77–109 XXIV/ 35–80,؛ أیضاً ظ: یرپه، 69–83)

الصفحة 1 من9

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: